المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ثناء العلماء عليه:

فأنت ترى أن شهرة المازري العلمية طبقت الآفاق، واخترقت تخوم إفريقية والمغرب، واجتازت إلى الأندلس من ناحية الشمال، إلى أقصى البلاد العربية من ناحية المشرق، فلا غرو حينئذٍ أن يشتهر عَلَاّمَتُنَا الفَذُّ بلقب «الإِمَامِ» حتى يصير ذلك لقبًا لا يفارق اسمه ولا يعرف إلا به.

على أن هناك رواية نقلها أصحاب التراجم في سبب هذه التسمية؛ قال ابن فرحون المدني (1): «وَيُحْكَى عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ رُؤْيَا: رَأَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: " يَا رَسُولَ اللهِ أَحَقٌّ مَا يَدْعُونَنِي بِرَأْيِهِمْ، يَدْعُونَنِي بِالإِمَامِ؟ " فَقَالَ: " أَوْسَعَ اللهُ صَدْرَكَ لِلْفُتْيَا "» . على أن هذه الرواية تثبت ما كان اشتهر به بين معاصريه من العلم الواسع ورسوخ القدم في الفتيا.

‌ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ:

اتفقت كلمة المؤرخين ورواة الأخبار على أن الإمام

(1)" الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب "، لابن فرحون، طبعة مصر سنة 1329 هـ، ص 279 وما بعدها.

ص: 55

المازري كان خاتمة المحققين وآخر المشتغلين من شيوخ إفريقية بتحقيق العلوم الدينية، وممن بلغ بلا ريب درجة الاجتهاد المطلق. في تواضع خليق بالأعلام أمثاله مع من تقدمه من أصحاب المذاهب؛ ننقل إليك هنا عبارة ذكرها الونشريسي في " المعيار ":(1)«وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ المَازَرِيُّ رحمه الله بَعْدَ أَنْ شَهِدَ لَهُ [بَعْضُ] أَهْلُ زَمَانِهِ بِوُصُولِهِ إِلَى دَرَجَةِ الاِجْتِهَادِ أَوْ مَا قَرُبَ رُتْبَتَهُ: " وَمَا أَفْتَيْتُ قَطُّ بِغَيْرِ المَشْهُورِ وَلَا أُفْتِي بِهِ"» . وذلك ورعًا منه رضي الله عنه، وَسَدًّا لِبَابِ الذَّرَائِعِ، وخوفًا من تجاسر الجهلة على الإفتاء بغير المشهور من أمور الدين.

ومما نقل عنه الونشريسي أيضًا في " المعيار " قوله في هذا المعنى: «وَلَسْتُ أَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى غَيْرِ المَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ العُلَمَاءِ، لأَنَّ الوَرَعَ قَلَّ بَلْ كَادَ يُعْدَمُ، وَالتَّحَفُّظُ عَلَى الدِّيَانَاتِ كَذَلِكَ، وَكَثُرَتْ الشَّهَوَاتُ وَكَثُرَ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ وَالتَّجَاسُرَ عَلَى الفَتْوَى،

(1)" المعيار " للونشريسي، طبعة فاس على الحجر وخط بمكتبتي: ج 6 ص 121.

ص: 56