الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الجِهَادِ
ــ
كِتَابُ الجِهَادِ
وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْتَطِيعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ
ــ
قوله: ولا يَجِبُ إلَّا على ذَكَرٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ مُسْتَطِيعٍ؛ وهو الصَّحِيحُ الواجِدُ
الْوَاجِدُ لِزَادِهِ وَمَا يَحْمِلُهُ إِذَا كَانَ بَعِيدًا.
ــ
لزَادِه وما يَحْمِلُه إذا كان بَعِيدًا. فلا يَجِبُ على أُنْثَى، بلا نِزاعٍ، ولا خُنْثَى -صرَّح به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرُهم- ولا عَبْدٍ، ولو أذِنَ له سَيِّدُه، ولا صَبِىٍّ، ولا مجْنُونٍ، ولا يجِبُ على كافرٍ. صرَّح به الأصحابُ، وصرَّح به المُصَنِّفُ فى هذا الكتابِ، فى أوَاخِرِ قِسْمَةِ الغَنائمِ.
قوله: مُسْتَطيعٍ؛ وهو الصَّحِيحُ. هذا شَرْطٌ فى الوُجوبِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وعنه، يَلْزَمُ العاجِزَ ببَدَنِه فى مالِه. اخْتارَه الآجُرِّىُّ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وجزَم به القاضى فى «أحْكامِ القُرآنِ» ، فى سُورَةِ بَراءَةٍ. فعلى المذهب، لا يَلْزَمُ ضَعِيفًا، ولا مرِيضًا مرَضًا شديدًا. أمَّا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المرَضُ اليَسِيرُ الذى لا يَمْنَعُ الجِهَادَ، كوَجَعِ الضِّرْسِ، والصُّداعِ الخَفيفِ، فلا يَمْنَعُ الوُجُوبَ. ولا يَلْزَمُ الأعْمَى، ويَلْزَمُ الأعْوَرَ، بلا نِزاعٍ. وكذا الأعْشَى؛ وهو الذى يُبْصِرُ بالنَّهارِ. ولا يَلْزَمُ أشَلَّ، ولا أقْطَعَ اليَدِ أو الرِّجْلِ، ولا مَن أكثرُ أصابِعِه ذاهِبَةٌ، أو إبْهامُه، أو ما يَذْهَبُ بذَهابِه نَفْعُ اليَدِ أو الرِّجْلِ. ولا يَلْزَمُ الأعْرَجَ. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: العرَجُ اليَسِيرُ الذى يتَمَكَّنُ معه مِنَ الرُّكوبِ والمَشْى، وإنَّما يتَعذَّرُ عليه شِدَّةُ العَدْو، فلا يَمْنَعُ. قال فى «البُلْغَةِ»: يَلْزَمُ أعْرَجَ يَسِيرًا. وقال فى «المُذْهَبِ» ، بعدَ تَقْديمِه عدَمَ اللُّزوم: وقد قيلَ فى الأَعْرَجِ: إنْ كان يقْدِرُ على المَشْى، وجَب عليه.
قوله: وهو الواجِدُ لزَادِه. كذا قال الجُمهورُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى «المُحَرَّرِ» ، ومَن تابَعَه: وهو الصَّحيحُ الواجِدُ بمِلْكٍ أو بَذْلٍ مِنَ الإِمامِ. منهم صاحِبُ «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» .
تنبيه: مُرادُه بقَوْلِه: بَعِيدًا. مَسافَةُ القَصْرِ.
فائدة: فَرْضُ الكِفايَةِ واجِبٌ على الجميعِ. نصَّ عليه فى الجهَادِ. وإذا قامَ به مَن يكْفِى، سقَط الوُجوبُ عن البَاقِى، لكنْ يكونُ سُنَّةً فى حَقِّهم. صرّح به فى «الرَّوْضَةِ» . وهو مَعْنَى كلامِ غيرِه، وأنّ ماعدَا القِسْمَيْن هنا سُنَّة. قاله فى «الفُروعِ». قلتُ: إذا فُعِلَ فرْضُ الكِفايَةِ مرتَيْن، ففى كوْنِ الثَّانِى فَرْضًا وَجْهان. وأطْلقَهما فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ». وقال: وكلامُ
وَأقَلُّ مَا يُفْعَلُ مَرَّةً فِى كُلِّ عَامٍ، إِلَّا أَنْ تَدْعُوَ حَاجَةٌ إِلَى تَأْخِيرِهِ.
ــ
ابنِ عَقِيلٍ يَقْتَضِى أنَّ فَرْضِيَّته محَلُّ وِفاقٍ، وكلامُ أحمدَ مُحْتَمِلٌ. انتهى. وقدَّم ابنُ مُفْلِحٍ فى «أُصُولِه» ، أنَّه ليس بفرْضٍ. ويَنْبَنِى على الخِلافِ جَوازُ فِعْلِ الجِنازَةِ ثانيًا بعدَ الفَجْرِ والعَصْرِ. وإنْ فعَلَه الجميعُ، كان كلُّه فرْضًا. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ محَلَّ وِفاقٍ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: لعَلَّه إذا فعَلُوه جميعًا، فإنه لا خِلافَ فيه. انتهى. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ احْتِمالٌ؛ يجِبُ الجِهادُ باللِّسانِ، فيَهْجُوهم الشَّاعِرُ. وذكَر الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ الأمْرَ بالجِهادِ؛ منه ما يكونُ بالقَلْبِ، والدَّعْوَةِ، والحُجَّةِ، والبَيانِ، والرَّأْى، والتَّدْبيرِ، والبَدَنِ. فيَجِبُ بغايَةِ ما يُمْكِنُه.
قوله: وأقَلُّ ما يُفْعَلُ مَرَّةً فى كُلِّ عَامٍ. مُرادُه، مع القُدْرَةِ على فِعْلِه.
قوله: إلَّا أنْ تَدْعُوَ حاجَةٌ إلى تَأخِيرِه. وكذا قال فى «الوَجيزِ» وغيرِه. قال فى «الفُروعِ» : فى كلِّ عامٍ مرَّة مع القُدْرَةِ. قال فى «المُحَرَّرِ» : للإِمامِ تأْخِيرُه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لضَعْفِ المُسْلمِينَ. زادَ فى «الرِّعايَةِ» ، أو قِلَّةِ عَلَفٍ فى الطَّريقِ، أو انْتِظارِ مَدَدٍ (1)، أو غيرِ ذلك. قال المُصَنِّفُ والشَّارِحُ: فإنْ دَعَتْ حاجَةٌ إلى تأخيرِه، مِثْلَ أنْ يكونَ بالمُسْلمِين ضَعْفٌ فى عدَدٍ أو عُدَّةٍ، أو يكونَ مُنْتَظِرًا لمَدَدٍ يَسْتَعِينُ به، أو يكونَ فى الطَّريقِ إليهم مانِعٌ، أو ليس فيها عَلَفٌ أو ماءٌ، أو يعلَمَ مِن عَدُوِّه حُسْنَ الرَّأْى فى الإِسْلامِ، ويَطْمَعَ فى إسْلامِهم إنْ أخَّرَ قِتالَهم، ونحوِ ذلك، جازَ تَرْكُه. وقال فى «الفُروعِ»: ويُفْعَلُ كلَّ عام مَرَّةً، إلَّا لمانِعٍ بطَريقٍ، ولا يُعْتبَرُ أمْنُها؛ فإنَّ وَضْعَه على الخَوْفِ. وعنه، يجوزُ تأْخيرُه لحاجَةٍ. وعنه، ومصْلَحَةٍ، كرَجاءِ إسْلامٍ. وهذا الذى قطَع به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والصَّحِيحُ مِنَ المذهبِ، خِلافُ ما قطَعا به. قدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ،
(1) فى الأصل، ط:«مراد» .
وَمَنْ حَضَرَ الصَّفَّ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجِهَادِ، أَوْ حَصَرَ الْعَدُوُّ بَلَدَهُ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ.
ــ
و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» .
قوله: ومَن حضَر الصَّفَّ مِن أهْلِ فَرْضِ الجِهَادِ، أو حضَر العَدُوُّ بَلَدَه، تَعَيَّنَ عليه. بلا نِزاعٍ. وكذا لو اسْتَنْفَرَه مَن له اسْتِنْفارُه، بلا نِزاعٍ.
تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: مِن أهْلِ فَرْضِ الجِهَادِ، تعَيَّنَ عليه. أنَّه لا يتَعَيَّنُ على العَبْدِ إذا حضَر الصَّفّ، أو حضَر العَدُوُّ بلَدَه. وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. وهو ظاهِرُ ما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وصححه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، فى بابِ قِسْمَةِ الغَنِيمَةِ عندَ اسْتِئْجارِهم. والوَجْهُ الثَّانى، يتَعَيَّنُ عليه والحالَةُ هذه. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ». قال النَّاظِمُ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنَّ قِياسَ المذْهبِ (1) إِيجابُهُ على النِّـ
…
ـسا فى حُضورِ الصَّفِّ دَفْعًا وأعْبُدِ
وقال فى «البُلْغَةِ» هنا: ويجِبُ على العَبْدِ فى أصحِّ الوَجْهَيْن. وقال أيضًا: هو فَرْضُ عَيْنٍ فى مَوْضِعَيْن؛ أحَدُهما، إذا الْتَقَى الزَّحْفان وهو حاضِرٌ. والثَّانى، إذا نَزَل (2) الكُفَّارُ بَلَدَ المُسْلِمِين، تعَيَّنَ على أهْلِه النَّفِيرُ إليهم، إلَّا لأحَدِ رَجُلَيْن؛ مَن تَدْعُو الحاجَةُ إلى تَخَلُّفِه؛ لحِفْظِ الأهْلِ أو المَكانِ أو المالِ، والآخَرُ، مَن يَمْنَعُه الأميرُ مِنَ الخُروجِ هذا فى أهْلِ النَّاحِيَةِ ومَن بقُرْبِهم. أمَّا البَعِيدُ على مَسافَةِ القَصْرِ، فلا يجِبُ عليه، إلَّا إذا لم يكُنْ دُونَهم كِفايَة مِنَ المُسْلِمِين. انتهى. وكذا قال فى «الرِّعايَةِ» ، وقال: أو كان بعيدًا، وعجَز عن قَصْدِ العَدُوِّ. قلتُ: أو قَرُبَ منه وقدَر على قَصْدِه، لكِنَّه معْذُورٌ بمَرَضٍ أو نحوِه. أو بمَنْعِ أمِيرٍ أو غيرِه بحَقٍّ، كحَبْسِه بدَيْنٍ. انتهى.
تنبيه: مفْهومُ قوْلِه: أو حضَر العَدُوُّ بلَدَه. أنَّه لا يَلْزَمُ البَعِيدَ. وهو صحيحٌ، إلَّا أنْ تَدْعُوَ حاجَة لحُضُورِه. كعدَمِ كِفايَةِ الحاضِرين للعَدُوِّ، فيَتَعَيَّنُ أيضًا على البعِيدِ. وتقدَّم كلامُه فى «البُلْغَةِ» .
تنبيه آخَرُ: قوله: أو حضَر العَدُوُّ بلَدَه. هو بالضَّادِ المُعْجَمَةِ. وظاهِرُ بَحْثِ ابنِ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، أنَّه بالمُهْمَلَةِ، وكلامُه مُحتَمِلٌ، لكِنَّ كلامَ الأصحابِ صَرِيحٌ فى ذلك، ويَلْزَمُ مِنَ الحَصْرِ الحُضُورُ، ولا عكس.
فوائد؛ لو نُودِىَ بالصَّلاةِ والنَّفِيرِ معًا، صلَّى ونفَر بعدَها، إنْ كان العَدُوُّ بعيدًا، وإنْ كان قرِيبًا نفَر وصلَّى راكِبًا، وذلك أفْضَلُ. ولا يَنْفِرُ فى خُطبةِ الجُمُعَةِ، ولا
(1) فى ط، وعقد الفرائد:«الحكم» .
(2)
فى الأصل، ط:«ترك» .
وَأفْضَلُ مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ.
ــ
بعدَ الإِقامَةِ لها. نصَّ على الثَّلاثِ. ونقَل أبو داودَ فى المَسْأَلَةِ الأخيرةِ، يَنْفِرُ إنْ كان عليه وَقْتٌ. قلتُ: لا يَدْرِى نَفِيرُ حَقٍّ، أمْ لا؟ قال: إذا نادَوْا بالنَّفِيرِ، فهو حَقٌ. قلتُ: إنَّ أكثرَ النَفِيرِ لا يكونُ حقًّا. قال: يَنْفِرُ بكَوْنِه يعْرِفُ مَجِئَ عَدُوِّهم كيفَ هو؟
قوله: وأفْضَلُ ما يُتَطَوَّعُ به الجِهَادُ. هذا المذهبُ. أطْلَقَه الإِمامُ أحمدُ والأصحابُ. وقيل: الصَّلاةُ أفْضَلُ مِنَ الجِهادِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، فى بابِ صلاةِ التطوُّعِ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» هناك، و «الحَواشِى». وقال الشّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: اسْتِيعابُ عَشْرِ ذِى الحِجَّةِ بالعِبادَةِ لَيْلًا ونَهارًا، أفْضَلُ مِنَ الجِهادِ الذى لم تَذْهَبْ فيه نَفْسُه ومالُه، وهى فى غيرِه بعَدْلِه. قال فى «الفُروعِ»: ولعَلَّه مُرادُ غيرِه. وعنه، العِلْمُ تعَلُّمُه وتَعْليمُه أفْضَلُ مِنَ الجِهادِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرِه. وتقدَّم ذلك فى أوَّلِ صلاةِ التَّطَوُّعِ بأتَمَّ مِن هذا.
فوائد؛ إحْداها، الجِهادُ أفْضَلُ مِنَ الرِّباطِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقالَه القاضى فى «المُجَرَّدِ». وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو المَنْصُوصُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، فى رِوايَةِ ابنِه عَبْدِ اللَّهِ، وابنِ الحَكَمِ، فى تَفْضِيل تَجْهِيزِ الغازِى على المُرابطِ مِن غيرِ غَزْوٍ. وقال أبو بَكْرٍ فى «التَّنْبِيهِ»: الرِّباطُ أفْضَلُ مِنَ الجِهادِ؛ ولأنَّ الرِّباطَ أصْلُ [الجِهَادِ وفَرْعُه](1)؛ لأنَّه مَعْقِلٌ للعَدُوِّ، ورَدٌّ لهم عنِ المُسْلِمِين. وأطْلَقَهما فى «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: العمَلُ بالقَوْسِ والرُّمْحِ أفْضَلُ مِنَ النَّفْرِ، وفى غيرِها نظيرُها. وتقدّم ذلك أيضًا هناك فى أوَّلِ صلاةِ التَّطَوُّعِ. الثَّانيةُ، الرِّباطُ أفْضَلُ مِنَ المُجاوَرَةِ بمَكَّةَ. وذكَرَه الشيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ إجْماعًا. والصَّلاةُ بمَكَّةَ أفْضَلُ مِنَ الصَّلاةِ بالثَّغْرِ. نصَّ عليه. الثَّالثةُ، قِتَالُ أهْلِ الكِتابِ أفْضَلُ مِن غيرِهم. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ،
(1) فى أ: «والجهاد فرعه» .
وَغَزْوُ الْبَحْرِ أفضلُ مِنْ غَزْوِ الْبَرِّ.
ــ
وغيرُهما.
تنبيه: قوْلُه: وغَزْوُ البَحْرِ أفْضَلُ مِن غَزْوِ البَرِّ، ويَغْزُو مع كُلِّ بَرٍّ وفاجرٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بلا نِزاعٍ. وذلك بشَرْطِ أنْ يَحْفَظَا المُسْلِمِين، ولا يكونَ أحَدٌ فهم مُخَذِّلًا، ولا
وَيُغْزَى مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ.
ــ
مُرْجِفًا، ونحوُهما، ويُقدِّمُ القَوِىَّ منهما. نصَّ على ذلك.
وَيُقَاتِلُ كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَليهِمْ مِنَ الْعَدُوِّ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَتَمَامُ الرِّبَاطِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَهُوَ لُزُومُ الثَّغْرِ لِلْجِهَادِ.
ــ
قوله: وتَمامُ الرِّباطِ أرْبَعُون لَيْلَةً، وهو لُزُومُ الثَّغْرِ للجِهَادِ. هكذا قالَه الإِمامُ أحمدُ فيهما. ويُسْتَحَبُّ ولو ساعَةً. نصَّ عليه. وقال الآجُرِّىُّ، وأبو الخَطَّابِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وابنُ الجَوْزِىِّ، وغيرُهم: وأقَلُّه ساعةٌ. انتهى. وأفْضَلُ الرِّباطِ، أشَدُّه خَوْفًا. قالَه الأصحابُ.
وَلَا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أَهْلِهِ إِلَيْهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم: «رِبَاطُ يَوْمٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ خيْرٌ مِنْ أَلفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ» .
ــ
قوله: ولا يُسْتَحَبُّ نَقْلُ أهْلِه إليه. يعْنِى، يُكْرَهُ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . ونقَل حَنْبَلٌ، يَنْتَقِلُ بأهْلِه إلى مَدِينَةٍ تكونُ مَعْقِلًا للمُسْلِمِين، كأنطاكِيَةَ، والرَّمْلَةِ، ودِمَشقَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: مَحَلُّ هذا، إذا كان الثَّغْرُ مَخُوفًا. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. فإنْ كان الثَّغْرُ آمِنًا، لم يُكْرَهْ نقْلُ أهْلِه إليه. وهو ظاهِرُ ما جزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وقيلَ: لا يُسْتَحَبُّ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّف هنا، وظاهِرُ كلامِ كثير مِنَ الأصحابِ. فأمَّا أهْلُ الثُّغورِ، فلابُدَّ لهم مِنَ السُّكْنَى بأهْلِيهم، لولا ذلك لخَرِبَتِ الثغُورُ وتعَطلَتْ.
فائدة: يُسْتَحَبُّ تَشْيِيعُ الغازِى لا تَلَقِّيه. نصَّ عليه، وقالَه الأصحابُ؛ لأنَّه، تَهْنِئَةٌ بالسَّلامَةِ مِنَ الشَّهادَةِ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ مِثْلُه حَجٌ، وأنَّه يقْصِدُه للسَّلامِ. ونُقِلَ عنه فى حَجٍّ، لا، إلَّا إنْ كان قَصَدَه، أو كان ذا عِلْمٍ، أو هاشِمِيًا، أو يخافُ شَرَّه. وشيَّعَ أحمدُ أُمَّه للحَجِّ. وقال فى «الفُنونِ» (1): وتَحْسُنُ التهْنِئَةُ بالقُدومِ للمُسافِرِ. وفى «نِهايَةِ أبى المَعالِى» ، تُسْتَحَبُّ زِيارَةُ القادِمِ. وقال
(1) فى الأصل، ط:«الفتوى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى «الرِّعَايَةِ» : يُوَدِّعُ القاضى الغازِىَ والحَاجَّ، ما لم يَشْغَلْه عنِ الحُكْمِ. وذكَر الآجُرِّىُّ اسْتِحْبابَ تَشْيِيعِ الحَاجِّ ووَدَاعِه، ومَسْأَلتِه أنْ يَدْعُوَ له.
وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِى دَارِ الْحَرْبِ، وَتُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ.
ــ
قوله: وتَجِبُ الهِجْرةُ على مَن يَعْجِزُ عن إظْهارِ دِينِه فى دَارِ الحَرْبِ. بلا نِزاعٍ فى الجُمْلَةِ. فدارُ الحَربِ؛ ما يغْلِبُ فيها حُكْمُ الكُفْرِ. زادَ بعضُ الأصحابِ، منهم صاحِبُ «الرِّعايتَين» ، و «الحاوِيَيْن» ، أو بَلَدُ (1) بُغاةٍ، أو بدْعَةٍ، كرَفْضٍ واعْتِزَالٍ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وذلك مُقَيَّدٌ بما إذا أطاقَه، فإذا أَطاقَه،
(1) فى الأصل، ط:«بلده» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَجبَتِ الهِجْرَةُ، ولو كانتِ امْرَأةً فى العِدَّةِ، ولو بلا راحِلَةٍ ولا مَحْرَم. وذكَر ابنُ الجَوْزِىِّ، فى قوْلِه:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} (1) عنِ القاضى، أنَّ الهِجْرَةَ كانتْ فَرْضًا إلى أنْ فُتِحَتْ مَكةُ. قال فى «الفُروعِ»: كذا قال. وقال فى «عُيونِ المسَائلِ» ، فى الحَجِّ بمَحْرَمٍ: إنْ أمِنَتْ على نَفْسِها مِنَ الفِتْنَةِ فى دِينِها،
(1) سورة النساء 88.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم تُهاجِرْ إلَّا بمَحْرَمٍ. وقال المَجْدُ فى «شَرْحِه» : إنْ أمْكَنَها إظْهارُ دِينِها، وأَمِنَتْهُم على نَفْسِها، لم تُبَحْ إلَّا بمحْرَمٍ كالحَجِّ، وإنْ لم تَأمَنْهم ، جاز الخُروجُ حتى وحدَها، بخِلافِ الحَجِّ.
قوله: وتُسْتَحَبُّ لمَن قدَر عليه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجزَم به فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال ابنُ الجَوْزِىِّ: يجِبُ عليه. وأطْلَقَ. قاله فى «الفُروعِ» . وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» : لا يُسَنُّ لامْرأةٍ بلا رُفْقةٍ.
فائدة: لا تجِبُ الهِجْرَةُ مِن بين أهْلِ المَعاصِى.
وَلَا يُجَاهِدُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ، وَمَن أحَدُ أبَوَيْهِ مُسْلِمٌ، إِلَّا
ــ
قوله: ولا يُجاهِدُ مَن عليه دَيْنٌ لا وَفاءَ له، إلا بإذْنِ غَرِيمِه. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَعُوا به. وقيلَ: يَسْتَأذِنُه فى دَيْنٍ حالٍّ فقط. وقيلَ: إنْ كان المَدْيُونُ جُنْدِيًّا موْثُوقًا، لم يَلْزَمْه اسْتِئْذانُه، وغيرُه يَلْزَمُه. قلتُ: يأتِى حُكْمُ هذه المسْأَلَةِ فى أوَّلِ كتابِ الحَجْرِ بأتمِّ مِن هذا مُحَرَّرًا. فعلى المذهبِ، لو
بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، وَأَبِيهِ، إِلَّا أنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لَهُمَا فِى تَرْكِ فَرِيضَةٍ.
ــ
أقامَ له ضامِنًا، أو رَهْنًا مُحْرَزًا ، أو وَكِيلًا يقْضِيه، جازَ.
تنبيهان؛ أحدُهما، مفْهومُ قوْلِه: لا وَفاءَ له. أنَّه إنْ كان له وَفاءٌ، يُجاهِدُ بغيرِ إذْنِه. وهو صحيحٌ. وصرَّح به الشَّارِحُ وغيرُه. وكلامُه فى «الفُروعِ» كلَفْظِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُصَنِّفِ. وقيل: لا يُجاهِدُ إلَّا بإذْنِه أيضًا. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . وهو ظاهِرُ كلامِه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم؛ لإطلاقِهم عدَمَ المُجاهدَةِ بغيرِ إذْنِه. قلتُ: لعَلَّ مُرادَ مَن أطْلَقَ، ما قالَه المُصَنِّفُ وغيرُه، وتَكونُ المَسْألةُ قوْلًا واحدًا، ولكِن صاحِبَ «الرِّعايَةِ» ، ومَن تابَعه، حكَى وَجْهَيْن، فقالوا: ويَسْتَأْذِنُ المَدْيُونُ. وقيلَ: المُعْسِرُ. الثَّانى، عُمومُ قوْلِه: ومَن أحَدُ أبوَيْه مُسْلِمٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إلَّا بإذْنِ أبيه. يَقْتَضِى وُجوبَ استِئْذانِ الأبوَيْن الرَّقِيقَين المُسْلِمَين، أو أحَدِهما كالحُرَّين. وهو أحَدُ الوَجْهَين. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، وصاحبِ «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه الزَّرْكَشِىُّ. والوَجْهُ الثَّانى، لا يجِبُ استِئْذانُه. وهو احْتِمالٌ فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . وهو المذهبُ. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «اْلمُنَوِّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، وأطْلقَهما فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الكافِى» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الفُروعِ». وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ومَن أحَدُ أبوَيْه مُسْلِمٌ -وقيلَ: أو رَقِيقٌ- لم يتَطَوَّعْ بلا إذْنِه، ومع رِقِّهما فيه وَجْهان. انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لا إذْنَ لجَدٍّ ولا لجَدَّةٍ. ذكَرَه الأصحابُ. وقال فى «الفُروعِ» : ولا يحْضُرُنى الآنَ (1) عن أحمدَ فيه شئٌ. ويتَوَجَّهُ تخْرِيجٌ واحْتِمالٌ فى الجَدِّ أبى الأبِ.
(1) فى الأصل، ط:«إلا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يعْنِى، أنَّه كالأَبِ فى الاسْتِئْذانِ.
تنبيهان؛ أحدُهما، مفْهومُ قوْلِه: إلَّا أنْ يَتَعَيَّنَ عليه الجِهَادُ، فإنَّه لا طَاعَةَ لهما فى تَرْكِ فَرِيضَةٍ. أنَّه إذا لم يتَعَيَّنْ، أنَّه لا يُجاهِدُ إلَّا بإذْنٍ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. وقال فى «الرَّوْضَةِ»: حُكْمُ فَرْضِ الكِفايَةِ فى عدَمِ الاسْتِئْذانِ حُكمُ المُتَعيِّنِ عليه. الثَّانى، أفادَنا المُصَنِّفُ، رحمه الله، بقَوْلِه: فإنَّه لا طاعةَ لهما فى تَرْكِ فرِيضَةٍ. أنَّه يتَعَلَّمُ مِنَ العِلْمِ ما يقومُ به دِينُه مِن غيرِ إذْنٍ؛ لأنَّه فَرِيضَةٌ عليه. قال الإِمامُ أحمدُ: يجِبُ عليه فى نَفْسِه صَلاتُه وصِيامُه ونحوُ ذلك. وهذا خاصَّةً يَطْلُبُه بلا إذْنٍ. ونقَل ابنُ هانِئٍ، فى مَن لا يَأْذَنُ له أبواه، يطْلُبُ منه بقَدْرِ ما يحْتاجُ إليه، العِلمُ لا يَعْدِلُه شئٌ. وقال فى «الرِّعايَةِ»: مَن لَزِمَه التعَلُّمُ -وقيلَ: أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان فَرْضَ كِفايَةٍ. وقيل: أو نفْلًا- ولا يحْصُلُ ذلك ببَلَدِه، فله السَّفَرُ لطَلَبِه، بلا إذْنِ أبوَيْه. انتهى. وتقدَّم فى أوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلاةِ، هل يُجِيبُ أبوَيْه وهو فى الصَّلاةِ؟ وكذلك لو دَعاه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم.
وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ الْفِرَارُ مِنْ ضِعْفِهِمْ، إِلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ، أوْ مْتَحَيِّزِينَ إِلَى فِئَةٍ، وَإنْ زَادَ الكُفَّارُ، فَلَهُمُ الْفِرَارُ، إِلَّا أنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِمُ الظَّفَرُ.
ــ
فائدة: قوله: ولا يَحِلُّ للمُسْلِمِين الفِرارُ مِن ضِعْفِهم، إلَّا مُتَحَرِّفِين لقِتَالٍ، أو مُتَحَيِّزِين إلى فِئةٍ. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا (1)، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَعُوا به. وقال فى «المُنْتَخَبِ»: لا يَلْزَمُ ثبَاتُ واحدٍ لاثْنَيْن على الانْفِرادِ. وقال
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى «عُيُونِ المسَائلِ» ، و «النَّصِيحَةِ» ، و «النِّهايَةِ» ، و «الطَرِّيقِ الأقْرَبِ» ، و «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم: يَلْزَمُه الثَّباتُ. وهو ظاهِرُ كلامِ مَن أطْلَقَ. ونقَلَه الأَثْرَمُ، وأبو طالِب. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: لا يخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ قِتالَ دَفْعٍ أو طَلَبٍ، فالأَوَّلُ، بأنْ يكونَ العَدُوُّ كثيرًا لا يُطِيقُهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المُسْلِمون، ويَخافُون أنَّهم إنِ انْصَرفُوا عنهم عَطَفُوا على مَن تَخَلَّفَ مِنَ المُسْلِمِين، فهُنا صرَّح الأصحابُ بوُجُوبِ بَذْلِ مُهَجِهم فى الدَّفْعِ حتى يَسْلَمُوا. ومِثْلُه، لو هجَم عَدُوٌّ على بِلادِ المُسْلِمِين، والمُقاتِلَةُ أقَلُّ مِنَ النِّصْفِ، لكنْ إنِ انْصَرفُوا اسْتَوْلَوْا على الحَرِيمِ. والثَّانى، لا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ بعدَ المُصَافَّةِ أو قبلَها، فقَبْلَها وبعدَها حينَ الشُّروعِ فى القِتالِ، لا يجوزُ الإِدْبارُ مُطلقًا، إلا لتَحَرُّفٍ أو تحَيُّزٍ. انتهى. يعْنى، ولو ظَنُّوا التَّلَفَ. [إذا عَلِمْتَ ذلك](1)، فقال الأصحابُ: مَعْنَى التَّحَرُّفِ، أنْ يَنْحازَ إلى
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَوْضِعٍ يكونُ القِتالُ فيه أمْكَنَ، مثْلَ أنْ ينْحازَ مِن مُقابلَةِ الشَّمْسِ أو الرِّيحِ، ومِن نُزولٍ إلى عُلُوٍّ، ومِن مَعْطَشَةٍ إلى ماء، أو يَفِرَّ بينَ أَيْدِيهم ليَنْقُضَ صُفُوفَهم، أو تَنْفَرِدَ خَيْلُهم مِن رجَّالَتِهِم (1)، أو ليَجِدَ فيهم فُرْصَة، أو يَسْتَنِدَ إلى جبَلٍ، ونحوُ ذلكْ مما جرَت به عادَةَ أهْلِ الحَرْبِ. وقالُوا فى التَّحَيُّزِ إلى فِئَةٍ: سواءٌ كانتْ قرِيبَةً أو بعِيدَةً.
قوله: فإنْ زَادَ الكُفارُ، فلَهمُ الفِرارُ. قال الجُمْهورُ: والفِرارُ أوْلَى والحالَةُ هذه، مع ظَنِّ التلَفِ بتَرْكِه. وأطْلَقَ ابنُ عَقِيلٍ فى «النُّسَخِ» استِحْبابَ الثَّباتِ للزَّائدِ على الضِّعْفِ.
فائدة: قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: لو خَشِىَ الأَسْرَ، فالأوْلَى أنْ يُقاتِلَ حتى يُقْتَلَ، ولا يسْتَأْسِرُ، وإنِ اسْتَأْسَرَ جازَ؛ لقِصةِ خُبَيْبٍ وأصحابِه. ويأتِى
(1) فى الأصل، ط:«رجالهم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كلامُ الآجُرِّىُّ قريبًا.
قوله: إلَّا أنْ يَغلِبَ على ظَنهِم الظَّفَرُ. فليس لهم الفِرَارُ، ولو زَادُوا على أضْعَافِهم. وظاهِرُه وُجوبُ الثَّباتِ عليهم والحالَةُ هذه. وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. وهو ظاهِرُ «الوَجيزِ» ، وهو احْتِمالٌ فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . وهو ظاهِرُ كلامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشِّيرَازِىِّ؛ فإنَّه قال: إذا كان العدُوُّ أكثرَ (1) مِن مِثْلَى المُسْلِمِين، ولم يُطِيقُوا قِتَالَهم، لم يَعصِ مَنِ انْهَزَمَ. والوَجْهُ الثَّانى، لا يجِبُ الثَّباتُ، بل يُسْتَحَبُّ. وهوِ المذهبُ. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الشَّرْحِ» ،
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». وقال الزَّرْكَشِىُّ: وهو المَعْروفُ عنِ الأصحابِ. [قال ابنُ مُنَجَّى](1): وهو قوْلُ مَن عَلِمْنا مِنَ الأصحابِ.
فائدة: لو ظَنُّوا الهَلاكَ فى الفِرارِ، وفى الثَّباتِ، فالأوْلَى لهم القِتالُ مِن غيرِ
(1) سقط من الأصل، ط.
وإنْ أُلقِىَ فِى مَرْكَبِهِمْ نَارٌ، فَعَلُوا مَا يَرَوْنَ السَّلَامَةَ فِيهِ، فَإنْ شَكُّوا، فَعَلُوا مَا شَاءُوا مِنَ الْمُقَامِ أوْ إلْقَاءِ نُفُوسِهِمْ فِى المَاءِ.
ــ
إيجابٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الهِدايَةِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المَشْهورُ المُخْتارُ مِنَ الرِّوايتَيْن. وعنه، يَلْزَمُ القِتالُ والحالَةُ هذه. وهو ظاهِرُ الخِرَقِىِّ. قالَه فى «الهِدايَةِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو اخْتِيارُ الخِرَقِىِّ. قلتُ: وهو أوْلَى. قال الإِمامُ أحمدُ: ما يُعْجِبنِى أنْ يَسْتَأسِرَ، يُقاتِلُ أحَبُّ إلَىَّ، الأَسْرُ شدِيدٌ، ولابدَّ مِنَ المَوْتِ. وقد قال عمَّارٌ: مَنِ اسْتَأْسَرَ، بَرِئَتْ منه الذِّمةُ. فلهذا قال الآجُرِّىُّ: يأْثَمُ بذلك. فإنه قوْلُ أحمدَ. وذكَر الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، أنَّه يُسَنُّ انْغِماسُه فى العَدُوِّ لمَنْفَعَةِ المُسْلِمِين، وإلَّا نُهِىَ عنه، وهو مِنَ التَّهْلُكَةِ.
قوله: وإنْ أُلقِىَ فى مَرْكَبهم نَارٌ، فَعَلُوا ما يَرَوْنَ السَّلامَةَ فيه -بلا نِزاعٍ-