الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْفَىْ
ءِ
وَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ بِغَيْرِ قِتَالٍ؛ كَالْجِزْيَةِ، وَالْخَرَاجِ، وَالْعُشْرِ، وَمَا تَرَكُوهُ فَزَعًا، وَخُمْسِ خُمْسِ الْغَنِيمَةِ، وَمَالِ مَنْ مَاتَ لَا وَارِثَ لَهُ، فَيُصْرَفُ فى الْمَصَالِحِ.
ــ
بابُ الفَىْءِ
قوله: وهو ما أُخِذَ مِن مالِ مُشْرِكٍ بغيرِ قِتالٍ؛ كالجزْيَةِ والخَراجِ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ مَصْرِفَ الخَراجِ كالفَىْءِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وجزَم ابنُ شِهَابٍ وغيرُه بالمَنْعِ؛ لافْتِقارِه إلى اجْتِهادٍ، لعَدَمِ تَعْيِينِ مَصْرِفِه.
تنبيه: والعُشْرُ، وما ترَكُوه فَزَعًا، وخُمسُ خُمْسِ الغَنِيمَةِ، ومَالُ مَن ماتَ لا وارِثَ له. قد تقدَّم حُكْمُ قَسْمِ خُمْسِ الغَنِيمَةِ، وأنَّه يُقْسَمُ خَمْسَةَ أقْسامٍ، وذكَرْنا الخِلافَ فى خُمْسِه الَّذى للَّهِ ولرَسُولِه صلى الله عليه وسلم، هل يُصْرَفُ مَصْرِفَ الفَىْءِ أم لا؟
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى البابِ الَّذى قبلَه.
قوله: فيُصْرَفُ فى المصالِحِ. يُصْرَفُ الفَىْءُ فى مَصالِحِ المُسْلِمِين. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وقيل: يُخْتَصُّ به المُقاتِلَةُ. اخْتارَه القاضى. واخْتارَ أبو حَكِيم، والشَّيْخُ تَقِىُّ
وَيَبْدَأُ بِالأَهَمِّ فَالأهَمِّ؛ مِنْ سَدِّ الثُّغُورِ، وَكِفَايَةِ أَهْلِهَا،
ــ
الدِّينِ، أنَّه لا حِصَّةَ (1) للرَّافِضَةِ فيه. وذكَرَه ابنُ القَيِّمِ فى «الهَدْى» ، عن مالكٍ وأحمدَ، وذهَب بعضُ الأصحابِ أنَّه لجَماعَةِ المُسْلِمِين.
فائدة: لا يُفْرَدُ عَبْدٌ بالإِعْطاءِ. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ، بل يُزادُ سيِّدُه.
(1) فى الأصل، ط:«حصن» .
وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ يَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ الأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ؛ مِنْ سَدِّ الْبُثُوقِ، وَكَرْىِ الأَنْهَارِ، وَعَمَلِ الْقَنَاطِرِ، وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ــ
وقيل: يُفْرَدُ بالإِعْطاءِ.
وَلَا يُخَمَّسُ. وَقَالَ الْخِرَقِىُّ: يُخَمَّسُ؛ فَيُصْرَفُ خُمسُهُ إِلَى أَهلِ الْخُمْسِ، وَبَاقِيَهُ لِلْمَصَالِحِ:
ــ
قوله: ولا يُخَمَّسُ. هذا المذهبُ، نصَّ عليه فى رِوايَةِ أبى طالِبٍ، وعليه أكثرُ الأصحَابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَب» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وهى المَشْهُورَةُ. وقال الخِرَقِىُّ: يُخَمَّسُ. واخْتارَه أبو محمدٍ يُوسفُ الجَوْزِىُّ. قال القاضى: ولم أجِدْ عن أحمدَ بما قال الخِرَقِىُّ نصًّا. قلتُ: وأثْبَتَه رِوايَةً فى «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. فعلى هذا، يُصْرَفُ مَصْرف خَمْسِ الغَنِيمَةِ، على ما تقدَّم. واخْتارَ الآجُرِّىُّ، أنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قسَمَه خَمْسَة وعِشْرين سَهْمًا، فلَه أرْبعَةُ أخْماس، ثم خُمْسُ الخُمْسِ؛ أحَدٌ وعِشْرُون سَهْمًا فى المَصالِحِ، وبَقِيَّةُ خُمْسِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخُمْسِ لأهْلِ الخُمْسِ. وقال ابنُ الجَوْزِىِّ فى «كَشْفِ المُشْكِلِ» : كان ما لم يُوجَفْ عليه مِلْكًا لرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً، هذا اخْتِيارُ أبِى بَكْرٍ مِن أصحابِنا.
وَإنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ، قُسِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَيَبْدَأُ بِالْمُهَاجِرِينَ، وَيُقَدِّمُ الْأقْرَبَ فَالأَقْرَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم،
ــ
قوله: وإنْ فضَل منه فَضْلٌ، قُسِمَ بينَ المُسْلِمِين. غَنِيِّهم وفَقِيرِهم. مُرادُه، إلَّا العَبِيدَ. وهذا المذهبُ، نصَّ عليه، واخْتارَه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، يُقدَّمُ المُحْتاجُ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: وهى أصحُّ عَنِ الإِمامِ أحمدَ. وتقدَّم اخْتِيارُ القاضى، وأبى حَكِيم، والشَّيْخِ تَقِىِّ الدِّينِ قرِيبًا. وقيل: يُدَّخَرُ ما بَقِىَ بعدَ الكِفايَةِ.
قوله: ويَبْدَأُ بالمُهاجِرِين، ويُقَدِّمُ الأقْرَبَ فالأَقْرَبَ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وقال
ثُمَّ الْأَنْصَارَ، ثُمَّ سَائِرَ المُسْلِمِين. وَهَلْ يُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنَ.
ــ
فى «الرِّعايَةِ» : وقيل: يُقَدِّمُ بَنِى هاشِمٍ على بَنِى المُطَّلِبِ، ثم بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ، ثم بَنِى نَوْفَلٍ، ثم بَنِى عَبْدِ العُزَّى، ثم بَنِى عَبْدِ الدَّارِ.
قوله: وهل يُفاضِلُ بينَهم؟ على رِوايَتَيْن. قال فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ»: وفى جَوازِ التَّفْضِيلِ بينَهم بالسَّابِقَةِ رِوايَتان. فحصَلَ (1) الخِلافُ. وأطْلقَهما فى «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، و «الشَّرْحِ» ،
(1) فى الأصل: «فخلصا» . وفى ط: «فخصا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ؛ إحْداهما، لا يجوزُ التَّفاضُلُ بينَهم، بل تجِبُ التَّسْوِيَةُ بينَهم. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجوزُ التَّفاضُلُ بينَهم لمَعْنًى فيهم. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِهِ» . وصحَّحهُ فى «النَّظْمِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «نَظْمِ نِهايَةِ اينِ رَزِينٍ» . وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». قال أبو بَكْرٍ: اخْتارَ أبو عبدِ اللَّهِ أنْ لا يُفاضِلَ، مع جَوازِه. قال فى «الفُروعِ»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو ظاهِرُ كلامِه؛ لفِعْلِه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ. وعنه، له التَّفْضِيلُ بالسَّابِقَةِ؛ إسْلامًا أو هِجْرَةً. ذكَرَها فى «الرِّعايَةِ». وقال المُصَنِّفُ: والصَّحيحُ، إنْ شاءَ اللَّه، أن ذلك مُفَوَّضٌ إلى اجْتِهادِ الإِمامِ، فيَفْعَلُ ما يرَاه. قلتُ: وهو الصَّوابُ؛ فقد فضل عمرُ وعُثْمانُ، ولم يُفَضِّلْ أبو بَكْرٍ وعلىٍّ، رِضْوانُ اللَّهِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليهم أجْمَعِين.
فائدتان؛ إحْداهما، إذا اسْتَوَى اثْنان مِن أهْلِ الفَىْءِ فى دَرَجَةٍ، فقال فى «المُجَرَّدِ»: يُقَدَّمُ أسَنُّهما، ثم أقْدَمُهما هِجْرَةً. وقال فى «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ»: يُقدَّمُ بالسَّابِقَةِ فى الإِسْلامِ، ثم بالدِّينِ، ثم بالسَّبْقِ، ثم بالشَّجاعَةِ، ثم وَلِىُّ الأمْرِ مُخَيَّرٌ؛ إنْ شاءَ أقْرَعَ بينَهما، وإنْ شاءَ رتَّبَهما على رأْيِه واجْتِهادِه.
وَمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ وَقْتِ الْعَطَاءِ، دُفِعَ إِلَى وَرَثَتِهِ حَقُّهُ.
ــ
نقَلَه فى «القاعِدَةِ الأخِيرَةِ» . الثَّانيةُ، العَطاءُ الواجِبُ لا يكونُ إلَّا لبالغٍ يُطِيقُ مِثْلُه القِتالَ. ويكونُ عاقِلًا حُرًّا بصِيرًا صَحِيحًا، ليس به مرَضٌ يَمْنَعُه القِتالَ، فإنْ مرِضَ مرَضًا غيرَ مَرْجُوِّ الزَّوالِ، كالزَّمانَةِ ونحوِها، خرَج مِنَ المُقاتِلَةِ، وسقَط سَهْمُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقيل: له فيه حقٌّ.
قوله: ومَن ماتَ بعدَ حُلُولِ وَقْتِ العَطاءِ، دُفِعَ إلى وَرَثَتهِ حَقُّه. ومَن ماتَ
وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، دُفِعَ إِلَى امْرأَتهِ وَأوْلَادِه الصِّغَارِ كِفَايَتُهُمْ، فَإِذَا بَلَغَ ذُكُورُهُمْ، فَاخْتَارُوا أنْ يَكُونُوا فى المُقَاتِلَةِ،
ــ
مِن أجْنادِ المُسْلِمِين، دُفِعَ إلى امْرَأتِه وأوْلادِه الضغارِ كِفايَتُهم. بلا نِزاعٍ.
قوله: فإذا بلَغ ذُكُورُهم، واخْتارُوا أنْ يَكونُوا فى المُقاتِلَةِ، فُرِضَ لَهم، وإنْ لم يَخْتارُوا، تُرِكُوا. هذا الصَّحيحُ صِتَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال
فُرِضَ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَارُوا، تُرِكُوا.
ــ
القاضى فى «الأحْكامِ السُّلْطانِيَّةِ» : يُفْرَضُ لهم إذا اخْتارُوا أنْ يكونُوا فى المُقاتِلَةِ، إذا كان بالنَّاسَ حاجَةٌ إليهم، وإلَّا فلا.
فائدة: بَيْتُ المالِ مِلْكٌ للمُسْلِمِين، يَضْمَنُه مُتْلِفُه، ويَحْرُمُ الأخْذُ منه إلَّا بإذْنِ الإِمامِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكَرَه فى «عُيونِ المسَائلِ» ، وذكَرَه فى «الانْتِصارِ» ، فى بابِ اللُّقَطَةِ، وذكَرَه غيرُه أيضًا. وذكَر فى «الانْتِصارِ» أيضًا، فى إحْياءِ المَواتِ، لا يجوزُ له الصَّدَقَةُ، ويُسَلِّمُه للإمامِ. قال فى «الفُروعِ»: وهو ظاهِرُ كلامِهم فى السَّرِقَةِ منه. وقالَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. وقال أيضًا: لو أتلَفَه، ضَمِنَه. وقال أيضًا: لا يُتَصَوَّرُ فى المُشْتَركِ بين عَدَدٍ (1) موْصُوفٍ غيرِ مُعَيَّنٍ، أنْ يكونَ مَمْلوكًا، نحوَ بَيْتِ المالِ، والمُباحَاتِ، والوَقْفِ على مُطْلَقٍ، سواءٌ تعَيَّنَ المُسْتَحِقُّ بالإِعْطاءِ، أو بالاسْتِعْمَالِ، أو بالفَرْضِ والتَّنْزيلِ، أو غيرِه. وذكَر القاضى وابنُه، فى بَيْتِ المالِ، أنَّ المالِكَ غيرُ مُعَيَّنٍ. وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، وتَبِعَه الشَّارِحُ، فى إحْياءِ المَواتِ بلا إذْنٍ: مالُ بَيْتِ المالِ مَمْلُوك للمُسْلِمِين، وللإِمامِ تَعْيِينُ مَصارِفِه وتَرْتيبُها، فافْتقَرَ إلى إذْنِه. ويأْتِى فى بابِ أُصُولِ المَسائلِ، هل بَيْتُ المالِ وارِثٌ أم لا؟ وفائدَةُ الخِلافِ.
(1) بالنسخ: «عدم» . وانظر: الفروع 6/ 292.