المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَعَنْهُ، يَلْزَمُهُمُ الْمُقَامُ.   ‌ ‌فَصْلٌ: وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ، وَرَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَقَطْعُ الْمِيَاهِ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٠

[المرداوي]

الفصل: وَعَنْهُ، يَلْزَمُهُمُ الْمُقَامُ.   ‌ ‌فَصْلٌ: وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ، وَرَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَقَطْعُ الْمِيَاهِ

وَعَنْهُ، يَلْزَمُهُمُ الْمُقَامُ.

‌فَصْلٌ:

وَيَجُوزُ تَبْيِيتُ الْكُفَّارِ، وَرَمْيُهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، وَقَطْعُ الْمِيَاهِ عَنْهُمْ، وَهَدْمُ حُصُونِهِمْ.

ــ

فإنْ شكُّوا، فَعلُوا ما شاءوا مِنَ المُقامِ أو إلْقاءِ نُفوسِهم فى الماءِ. هذا المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وعنه، يَلْزَمُهم المُقامُ. نَصَرَه القاضى وأصحابُه. قلتُ: وهو الصوابُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحْرُمُ ذلك. وحكَاه رِوايَةً عن أحمدَ، وصحَّحَها.

قوله: ويَجوزُ تَبْيِيتُ الكُفَّارِ. بلا نِزاعٍ. ولو قُتِلَ فيه صَبِىٌّ أو امْرأةٌ أو غيرُهما ممَّن يَحْرُمُ قَتْلُهم إذا لم يَقْصِدْهم.

ص: 54

وَلَا يَجُوزُ إِحْرَاقُ نَحْلٍ، وَلَا تَغْرِيقُهُ،

ــ

قوله: ولا يجُوزُ إحْرَاقُ نَحْلٍ، ولا تَغْرِيقُه. بلا نِزاعٍ. وهل يجوزُ أخْذُ شَهْدِه كلِّه بحيثُ لا يترَكُ للنَّحْلِ شئٌ؟ فيه رِوايَتان. وأطْلَقهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «الفُروعِ» ؛ إحْداهما، يجوزُ. قدَّمه فى

ص: 56

وَلَا عَقْرُ دَابَّةٍ وَلَا شَاةٍ، إِلَّا لِأَكْلٍ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.

ــ

«الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . والثَّانيةُ، لا يجوزُ.

قوله: ولا عَقْرُ دَابَّةٍ ولا شَاةٍ، إلَّا لأَكْلٍ يُحْتَاجُ إليه. يعْنِى، لا يجوزُ فِعْلُه إلَّا لذلك. وهو المذهبُ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه. وهو ظاهِرُ

ص: 57

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كلامِ الخرَقِىِّ. وعنه، يجوزُ الأكْلُ مع الحاجَةِ وعدَمِها فى غيرِ دَوابِّ قِتالِهم، كالبَقَرِ والغنَمِ. وجزَم به بعضُهم. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وذكَرَا ذلك إجْماعًا فى دَجاجٍ وَطيْرٍ. واخْتارا أيضًا جَوازَ قَتْلِ دَوابِّ قِتالِهم إنْ عجَز المُسْلِمون عن سَوْقِها، ولا يَدَعُها لهم. وذكرَه فى «المُسْتَوْعِبِ» . وجزَم

ص: 58

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به فى «الوَجيزِ» . قال فى «الفُروعِ» : وعكْسُه أشْهَرُ. قلت: وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ. وقدَّمه الزَّرْكَشِىُّ. وقال فى «البُلْغةِ» : يجوزُ قتْلُ ما قاتَلُوا عليه فى تلك الحالِ. وجزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِح، وقالا: لأنَّه يُتَوَصَّلُ به إلى قَتْلِهم وهَزِيمَتِهم. وقالا: ليس فى هذا خِلافٌ. وهو كما قالا.

ص: 59

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو حُزْنا دَوابَّهم إلينا، لم يَجُزْ قَتْلُها إلَّا للأَكْلِ. ولو تَعذَّرَ حَمْلُ مَتاعٍ، فتُرِكَ ولم يُشْتَرَ، فلِلْأَميرِ أخْذُه لنَفْسِه وإحْراقُه. نصَّ عليهما، وإلَّا حَرُمَ؛ إذْ (1) ما جازَ اغْتِنامُه، حَرُمَ إتْلافُه، وإلَّا جازَ إتْلافُ غيرِ الحَيوانِ. قال فى

(1) فى الأصل، ط:«إذا» .

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«البُلْغَةِ» : ولو غَنِمْناه، ثم عجَزْنا عن نَقْلِه إلى دارِنا، فقال الأمِيرُ: مَن أخَذ شيئًا، فهو له. فمَن أخَذ منه شيئًا، فهو له، وكذا إنْ لم يقُلْ ذلك فى أكثرِ الرِّواياتِ. وعنه، غَنِيمَة. الثَّانيةُ، يجوزُ إتْلافُ كُتُبِهم المُبْدَلَةِ. جزَم به فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن». وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقال فى «البُلْغةِ»: يجِبُ إتْلافُها. واقْتَصرَ عليه فى «الفُروعِ» . قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : وقيل: يجِبُ إتْلافُ كُفْر أو تَبْديلٍ.

ص: 61

وَفِى حَرْقِ شَجَرِهِمْ وَزَرْعِهِمْ وَقَطْعِهِ رِوَايَتَانِ؛ إِحْدَاهُمَا، يَجُوزُ، إِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ. وَالأُخْرَى، لَا يَجُوزُ، إِلَّا أنْ لَا يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ إِلَّا بِهِ، أوْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَه بِنَا، وَكَذَلِكَ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ، وَفَتْحُ الْمَاءِ لِيُغْرِقَهُمْ.

ــ

قوله: وفى جَوَاز حَرْقِ شَجَرِهم وزَرْعِهم وقَطْعِه روايَتان. وأطْلَقهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . اعْلمْ أنَّ الزَّرْعَ والشَّجَرَ ينْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أقْسامٍ؛ أحدُها، ما تدْعُو الحاجَةُ إلى إتْلافِه لغرَضٍ ما، فهذا يجوزُ قَطْعُه وحَرْقُه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: بغيرِ خِلافٍ نعْلَمُه. الثَّانى، ما يتَضَرَّرُ

ص: 62

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُسْلِمون بقَطْعِه، فهذا يَحْرُمُ قَطْعُه وحَرْقُه. الثَّالثُ، ما عدَاهُما، ففيه رِوايَتان؛ إحْداهما، يجوزُ. وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الخِرَقِىِّ» . وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» . واخْتارَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. والأُخْرى، لا يجوزُ، إلَّا أنْ لا يُقْدَرَ عليهم إلَّا به، أو يكونُوا يفْعَلُونه بنا. قال فى «الفُروعِ»:

ص: 63

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نقلَه واخْتارَه الأَكْثرُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو أظْهَرُ. وقدَّمه ناظمُ «المُفْرَداتِ» ، وقال: هذا هو المُفْتَى به فى الأشْهَرِ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقال فى «الوَسِيلَةِ» : لا يحْرِقُ شيئًا ولا بهِيمَةً، إلَّا أنْ يفْعَلُوه بنا. قال الإِمامُ أحمدُ: لأَنَّهم يُكافَئُون على

ص: 64

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فِعْلِهم.

قوله.: وكذلك رَمْيُهم بالنَّارِ، وفَتْحُ المَاءِ ليُغْرِقَهم. وكذا هَدْمُ عامِرِهم. يعْنِى، أنَّ رَمْيَهم بالنَّارِ، وفَتْحَ الماءِ ليُغْرِقَهم، كحَرْقِ شَجَرِهم وزَرْعِهم وقَطْعِه،

ص: 65

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خِلافًا ومذهَبًا. وهو إحْدَى الطريقَتَيْن. جزَم به الخِرَقِىُّ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و [«الهِدَايَةِ»، و «المُذْهَبِ»، و «المُسْتَوْعِبِ»، و «الخُلاصَةِ»، و «المُقْنِعِ»، و «المُحَرَّرِ»، و «النَّظْمِ»، وغيرِهم](1). والطَّريقَةُ الثَّانيةُ، الجوازُ مُطْلَقًا. وجزَم فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» بالجوازِ إذا عجَزُوا عن أخْذِه بغيرِ ذلك، وإِلَّا لم يَجُزْ. وأطْلَقهما

(1) زيادة من: ش.

ص: 66

وَإذَا ظُفِرَ بِهِمْ، لَمْ يُقْتَل صَبِىٌّ، وَلَا امْرَأةٌ، وَلَا رَاهِبٌ، وَلَا شَيْخٌ فَانٍ، وَلَا زَمِنٍ، وَلَا أَعْمَى، لَا رَأْىَ لَهُمْ، إِلَّا أنْ يُقَاتِلُوا.

ــ

فى «الفُروعِ» .

قوله: وإذا ظُفِرَ بهم، لم يُقْتَلْ صَبِىٌّ، ولا امْرَأَةٌ، ولا رَاهِبٌ، ولا شَيْخٌ فَانٍ، ولا زَمِنٌ، ولا أعْمَى، لا رَأْىَ لهم، إلَّا أنْ يُقَاتِلُوا. قال الأصحابُ: أو يُحَرِّضُوا.

ص: 67

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقيَّدَ بعضُ الأصحابِ عدَمَ قَتْلِ

ص: 68

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرَّاهِبِ بشَرْطِ عدَمِ مُخالَطَةِ النَّاسِ، فإنْ خالَطَ، قُتِلَ، وإلَّا فلا. والمذهبُ،

ص: 69

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يُقْتَلُ مُطْلَقًا. وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، والشَّارِحُ، فى المَرْأةِ، إذا تكَشَّفَتْ

ص: 70

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وشَتَمَتِ المُسْلِمِين: رُمِيَتْ. وظاهِرُ نُصوصِه وكلامِ الأصحابِ، لا تُرْمَى. وقال

ص: 71

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ على قوْلِ المُصَنِّفِ، غيرُ المَرْأَةِ مِثْلُها إذا فعَلَتْ ذلك.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه يُقْتَلُ غيرُ مَن سَمَّاهم. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، وتَبِعَه الشَّارِحُ: لا يُقْتَلُ العَبْدُ، ولا الفَلَّاحُ. وقال فى

ص: 72

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الإرْشادِ» : لا يُقْتَلُ الحُرُّ إلَّا بالشُّروطِ المُتَقَدِّمَةِ. ونقَل المرُّوذِىُّ، لا يُقْتَلُ مَعْتُوهٌ، مِثْلُه لا يُقاتِلُ.

ص: 73

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: الخُنْثَى كالمرْأَةِ. صرَّح به المُصَنِّفُ فى «الكافِى» . ويُقْتَلُ المرِيضُ إذا كان ممَّن لو كان صَحِيحًا قاتَلَ؛ لأنَّه بمَنزِلَةِ الإجْهازِ (1) على الجريحِ، إلَّا أنْ يكونَ مأْيُوسًا مِن بُرْئِه، فيكُونَ بمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ. قالَه المُصَنِّفُ وغيرُه.

(1) فى الأصل، ط:«الاجتهاد» .

ص: 74

فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِهِمْ، جَازَ رَمْيُهُمْ، وَيَقْصِدُ الْمُقَاتِلَةَ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 75

وَإِن تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ، لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ، إِلَّا أَنْ يخافَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَرْمِيَهُمْ، وَيَقْصِدُ الْكُفَّارَ.

ــ

قوله: وإنْ تَتَرَّسُوا بمُسْلِمِين، لم يَجُزْ رَمْيُهم، إلَّا أنْ يخَافَ على المُسْلِمِين، فيَرْمِيَهم، ويَقْصِدُ الكُفَّارَ. هذا بلا نِزاعٍ. ومفْهُومُ كلامِه، أنَّه إذا لم يخَفْ على المُسْلِمِين، ولكِنْ لا يقْدِرُ عليهم إلَّا بالرَّمْى، عدَمُ الجَوازِ. وهذا المذهبُ. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وجزَم به فى «الوَجيزِ». وقال القاضى: يجوزُ رَمْيُهم حالَ قِيامِ الحَرْبِ؛ لأنَّ تَرْكَه يُفْضِى إلى تَعْطيلِ الجِهَادِ. وجزَم به فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قال فى «الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن»: فإنْ خِيفَ على الجيْشِ، أو فَوْتُ الفَتْحِ، رَمَيْنا بقَصْدِ الكُفَّارِ.

فائدة: حيثُ قُلْنا: لا يَحْرُمُ الرَّمْىُ فإنَّه يجوزُ، لكنْ لو قتَل مُسْلِمًا، لَزِمَتْه الكفَّارَةُ، على ما يأْتِى فى بَابِه، ولا دِيَةَ عليه. على الصَّحيحِ مِنَ

ص: 76

وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ قَتْلُهُ حَتَّى يَأْتِىَ بِهِ الإمَامَ، إِلَّا أنْ يَمْتَنِعَ مِنَ السَّيْرِ مَعَهُ وَلَا يُمْكِنَهُ إكْرَاهُهُ.

ــ

المذهبِ. وعنه، عليه الدِّيَّةُ. ويأتِى ذلك فى كلامِ المُصَنِّفِ، فى كتابِ الجِنايَاتَ فى: فصْلٌ: والخَطَأ على ضَرْبَيْن. وقال فى «الوَسِيلَةِ» : يجِبُ الرَّمْىُ، ويُكَفرُ، ولا دِيَةَ. قال الإِمامُ أحمدُ: لو قالُوا: ارْحَلُوا عنَّا، وإلَّا قَتَلْنا أسْراكُم. فَلْيَرْحَلُوا عنهم.

قوله: ومَن أسَر أسِيرًا، لم يَجُزْ قَتْلُه حتَّى يَأْتِىَ به الإمامَ، إلَّا أنْ يَمْتَنِعَ مِنَ السَّيْرِ

ص: 77

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

معه ولا يُمْكِنَه إكْرَاهُه. بضَرْبٍ أو غيرِه. هذا المذهبُ بهذَيْن الشَّرْطَيْن. قال فى «الفُروعِ» : جزَم به على الأصحِّ. وقدَّمه فى «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» . وعنه، يجوزُ قَتْلُه مُطْلَقًا. وتوَقَّفَ الإِمامُ أحمدُ فى قَتْلِ المَريضِ. وفيه وَجْهان.

ص: 78

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، جَوازُ قَتْلِه. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وصحَّحه فى «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه فى «المُحَرِّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». وقيلَ: لا يجوزُ قَتْلُه. ونقَل أبو طالِبٍ، لا يُخَلِّيه ولا يَقْتُلُه.

فائدة: يحْرُمُ قَتْلُ أسيرٍ غيرِ ما تقدَّم، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. واخْتارَ الآجُرِّىُّ جوازَ قَتْلِه للمَصْلَحَةِ، كقَتْلِ بِلالٍ رَضِىَ اللَّهُ عنه أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ، لعَنَه

ص: 79

وَيُخَيَّرُ الْأَميرُ فى الْأَسْرَى؛ بَيْنَ الْقَتْلِ، وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَالْمَنِّ، وَالْفِدَاءِ بِمُسْلِمٍ، أو بِمَالٍ. وَعَنْهُ، لَا يَجُوزُ بِمَالٍ، إلَّا غيْرَ الْكِتَابِىِّ، فَفِى اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ إِلَّا الأصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ.

ــ

اللَّهُ، أسِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ رَضِىَ اللَّهُ عنه، وقد أعانَه عليه الأنْصارُ. فعلى المذهبِ، لو خالَفَ وفعَل، فإنْ كان المَقْتولُ رَجُلًا، فلا شئَ عليه، وإنْ كان صَبِيًّا أو امْرأةً، عاقَبَه الأميرُ، وغَرَّمَه ثَمَنَه غَنِيمَةً. وقال فى «المُحَرَّرِ»: ومَن قتَل أسِيرًا قبلَ تخْيِيرِ الإِمامِ فيه، لم يَضْمَنْه، إلَّا أنْ يكونَ مَمْلُوكًا.

قوله: ويُخَيِّرُ الأمِيرُ فى الأسْرَى بينَ القَتْلِ، والاسْتِرْقَاقِ، والمَنِّ، والفِدَاءِ بمُسْلِمٍ، أو مَالٍ. يجوزُ الفِداءُ بمالٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الخِرَقِىُّ» ، و «المُغْنِى» ، فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، والقاضى فى «كُتُبِه» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» . وعنه، لا يجوزُ بمالٍ. ذَكَرَها المُصَنِّف. [ولم أرَها لغيرِه](1). وهو وَجْهٌ فى «الهِدايَةِ» وغيرِها. وصحَّحه فى «الخُلاصَةِ» . وأطْلَقَ الوَجْهَيْن فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «البُلْغَةِ» . وقال الخِرَقِىُّ، فى مَن لا يُقْبَلُ منه الجِزْيَةُ: لا يُقْبَلُ منه إلَّا الإسْلامُ، أو السَّيْفُ، أو الفِداءُ. وكذا قال فى «الإِيضَاحِ» ، وابنُ عَقِيل فى «تَذْكِرَتِه» ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَر. فظاهِرُ كلامِ هؤلاءِ، أنَّه لا يجوزُ المَنُّ. وقال فى «الفُروعِ» ، عن «الخِرَقِىِّ»: إنَّه قال: لا يُقْبَلُ فى غيرِ

(1) زيادة من: ش.

ص: 81

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَن لا يُقْبَلُ منه الجِزْيةُ إلَّا الإِسْلامُ أو السَّيْفُ. والظَّاهِرُ، أنَّه ما راجعَ «الخِرَقِىَّ» ، أو حصَل سقْطٌ؛ فإنَّ الفِدَاءَ مذْكُورٌ فى «الخِرَقِىِّ» . وذكَر فى «الانْتِصارِ» رِوايَةً، يُجْبَرُ المَجُوسِىُّ على الإِسْلامِ.

قوله: إلَّا غيرَ الكِتابِىِّ، ففى اسْتِرْقاتِه رِوايَتان. وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرِّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، إحْداهما، يجوزُ اسْتِرْقاقُهم. نَصَّ عليه فى رِوايَةِ محمدِ بنِ الحَكَمِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو الصَّوابُ.

ص: 82

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإليه مَيْلُ المُصَنِّفِ. وقدَّمه فى «الخُلاصَةِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ اسْتِرْقاقُهم. اخْتارَه الخِرَقِىُّ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وابنُ عَقِيل فى «التَّذْكِرَةِ» ، والشِّيرَازِىُّ فى «الإيضاحِ». قال فى «البُلْغَةِ»: هذا أصحُّ. وجزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وقال الشَّارِحُ: ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ جَوازُ اسْتِرْقاقِهم مَبْنِيًّا على أخْذِ الجِزْيَةِ منهم، فإنْ قُلْنا بجَوازِ أخْذِها، جازَ اسْتِرْقاقُهم، وإلَّا فلا. تنبيه: مُرادُه بأهْلِ الكتابِ، مَن تُقْبَلُ مِنه الجِزْيَةُ، فيَدْخُلُ فيهم المَجُوسُ.

ص: 83

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذكَرَه الأصحابُ. ومُرادُه بغيرِ أهْلِ الكتابِ، مَن لا تُقْبَلُ. منه الجِزْيَةُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: أبو الخَطَّابِ، وأبو محمدٍ، ومَن تَبِعَهما، يَحْكُون الخِلافَ فى غيرِ

ص: 84

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أهْلِ الكِتابِ والمَجُوسِ، وأبو البَرَكاتِ جعَل مَناطَ الخِلافِ فى مَن لا يُقَرُّ بالجِزْيَةِ؛ فعلى قوْلِه: نَصارَى بَنِى تَغْلِبَ. يَجْرِى فيهم الخِلافُ؛ لعَدَم أخْذِ الجِزْيَةِ منهم. قال: ويَقْرُبُ مِن نحوِ هذا قوْلُ القاضِى فى «الرِّوايتَيْن» ، فإنَّه حَكَى الخِلافَ فى

ص: 85

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُشْرِكِى العَرَبِ مِن أهْلِ الكِتابِ.

تنبيه: مَحَلُّ الخِيَرَةِ للأَمِيرِ إذا كان الأسِيرُ حُرًّا مُقاتِلًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . واخْتارَ أبو بَكْرٍ، أنَّه لا يُسْتَرَقُّ مَن عليه وَلاءٌ لمُسْلِم. بخِلافِ وَلَدِه الحَرْبِىِّ؛ لبقَاءِ نسَبِه. قال الشَّارِحُ؛ وعلى قَوْلِ أبِى بَكْرٍ، لا يُسْتَرقُّ وَلَدُه أيضًا، إذا كان عليه وَلاءٌ كذلك. وأطْلَقهما فى «المُحَرّرِ» .

ص: 86

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: لا يُسْتَرقُّ مَن عليه وَلاءٌ لذِمِّىٍّ (1) أيضًا. وجزَم به وبالذى قبلَه فى «البُلْغَةِ» . قال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن»: وفى رِقِّ مَن عليه وَلاءُ مُسْلِمٍ

(1) فى ط: «كذمى» .

ص: 87

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أو ذِمِّىٍّ، وَجْهان.

فَائدة: لا يُبْطِلُ الاسْتِرْقَاقُ حَقَّ مُسْلِمٍ. قالَه ابنُ عَقِيلٍ. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ» . قال فى «الانْتِصارِ» : لا عمَلَ لسَبْى إلَّا فى مالٍ، فلا يسْقُطُ حَقُّ قَوَدٍ له أو عليه. وفى سُقُوطِ الدَّيْنِ مِن ذِمَّتِه، لضَعْفِها برِقِّه، كذِمَّةِ مَريضٍ، احْتِمالان. وقال فى «البُلْغَةِ»: يتْبَعُ به بعدَ عِتْقِه، إلَّا أنْ يغْنَمَ بعدَ إرْقاقِه،

ص: 88

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيَقْضِىَ منه دَيْنَه، فيَكونَ رِقُّه كمَوْتِه، وعليه يخْرُجُ حلُولُه برِقِّه. وإنْ أُسِرَ وأُخِذَ مالُه معًا، فالكُل للغانِمين، والدَّينُ باقٍ فى ذِمَّتِه. انتهى. وقيلَ: إنْ زَنَى مُسْلِمٌ بحَرْبِيَّةٍ وأحْبَلَها، ثم سُبِيَتْ، لم تُسْتَرَقَّ؛ لحَمْلِها (1) منه.

قوله: ولا يَجُوزُ أنْ يخْتارَ إلَّا الأصْلَحَ للمُسْلِمِين. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَعوا به. وقال فى «الرَّوْضَةِ»: يُسْتَحَبُّ أنْ يخْتارَ الأصْلَحَ. قلتُ: إنْ أرادَ أنَّه يُثابُ عليه، فَمُسَلِّمٌ، وإنْ أرادَ أنَّه يجوزُ له أنْ يَخْتارَ غيرَ الأصْلَحِ، ولو كان فيه ضَرَرٌ، فهذا لا يقُولُه أحَدٌ (2).

فائدة: لو ترَدَّدَ رَأْىُ الإِمامِ ونظرُه فى ذلك، فالقَتْلُ أوْلَى. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم.

تنبيه: هذه الخِيَرَةُ التى ذكَرَها المُصَنِّفُ وغيرُه، فى الأحْرارِ المُقاتِلَةِ، أمَّا العَبِيدُ والإماءُ؛ فالإِمامُ يُخَيَّرُ بينَ قَتْلِهم إنْ رَأَى، أو تَرْكِهم غَنِيمَةً كالبَهائِمِ. وأمَّا

ص: 89

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النِّساءُ والصِّبْيانُ، فيَصِيرُون أرِقَّاءَ بنَفْسِ السَّبْى. وأمَّا مَن يَحْرُمُ قتْلُه غيرَ (1) النِّساءِ والصِّبْيان، كالشَّيْخِ الفانِى، والرَّاهِبِ، والزَّمِنِ، والأعْمَى، قال المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، والشَّارِحُ: لا يجوزُ سَبْيُهم. وحكَى ابنُ مُنَجَّى، عن المُصَنِّفِ أنَّه قال فى «المُغْنِى»: يجوزُ اسْتِرْقاقُ الشَّيْخِ، والزَّمِنِ. ولعَلَّه فى «المُغْنِى القَديمِ». وحكَى أيضًا عنِ الأصحابِ أنَّهم قالُوا: كلُّ مَن لا يُقْتَلُ، كالأعْمَى ونحوِه، يرِقُّ بنَفْسِ السَّبْى. وأمَّا المَجْدُ، فجَعل مَن فيه نَفعٌ مِن هؤلاءِ، حُكْمُه حُكْمُ النِّساءِ والصِّبْيان. قال الزَّرْكَشِىُّ: وهو أعْدَلُ الأقْوْالِ. قلتُ: وهو المذهبُ. قطَعِ به فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». قال فى «الفُروعِ»: والأسِيرُ القِنُّ غنِيمَةٌ، وله قَتْلُه، ومَن فيه نَفْعٌ لا يُقْتَلُ (2)، كامْرَأَةٍ وصَبِىٍّ ومَجْنُونٍ

(1) فى الأصل: «من» ، وفى ط:«عن» . وانظر: المغنى 13/ 49.

(2)

فى النسخ: «ولا يقتل» بزيادة الواو، ولا يستقيم بها المعنى.

ص: 90

فَإنْ أسْلَمُوا رَقُّوا فى الْحَالِ.

ــ

وأعْمَى، رَقِيقٌ بالسَّبْى. وفى «الوَاضحِ»: مَن لا يُقْتَلُ، غيرَ (1) المرْأَةِ والصَّبِىِّ، يُخَيَّرُ فيه بغيرِ قَتْلٍ. وقال فى «البُلْغَةِ»: المَرْأَةُ والصَّبِىُّ رَقِيقٌ بالسَّبْى، وغيرُهما يَحْرُمُ قَتْلُه ورِقُّه. قال: وله فى المَعْرَكَةِ قَتْلُ أبِيه وابنِه.

قوله: وإنْ أسْلَمُوا رَقُّوا فى الحالِ. يعْنِى، إذا أسْلَمَ الأسِيرُ، صارَ رَقِيقًا فى الحالِ، وزالَ التَّخْيِيرُ فيه، وصارَ حُكْمُه حُكْمَ النِّساءِ. وهذا إحْدَى الرِّوايتَيْن، ونصَّ عليه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَب» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الزَّرْكَشِى». وقال: عليه الأصحابُ. وعنه، يَحْرُمُ قَتْلُه، ويُخَيَّرُ الإِمامُ فيه بينَ الخِصَالِ الثَّلاثِ الباقيَةِ.

(1) فى ط: «عن» .

ص: 91

وَمَنْ سُبِىَ مِنْ أَطْفَالِهِمْ مُنْفَرِدًا أَوْ مَعَ أَحدِ أَبوَيْهِ، فَهُوَ مُسْلِمٌ.

ــ

صحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «البُلْغَةِ» . وقالَه فى «الكافِى» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وهذا المذهبُ على ما اصْطَلحْناه فى الخُطْبَةِ. فعلى هذا، يجوزُ الفِداءُ ليتَخلَّصَ مِنَ الرِّقِّ، ولا يجوزُ رَدُّه إلى الكُفارِ. أطْلَقه بعضُهم. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا يجوزُ رَدُّه إلى الكُفَّارِ، إلَّا أنْ يكونَ له مَن يَمْنَعُه، مِن عَشِيرَةٍ ونحوِها.

فائدة: لو أسْلَمَ قبلَ أسْرِه، لم يُسْتَرَقَّ، وحُكْمُه حُكْمُ المُسْلِمِين، لكنْ لو ادَّعَى الأسِيرُ إسْلامًا سابِقًا يمْنَعُ رِقَّه، وأقامَ بذلك شاهِدًا وحلَف، لم يَجُزِ اسْتِرْقَاقُه. جزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وعنه، لا يُقْبَلُ إلَّا بشاهِدَيْن. وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهما. وذكَرُوه فى بابِ أقْسامِ المَشْهُودِ به، ويأْتِى ذلك أيضًا هناك.

قوله: ومَن سُبِىَ مِن أطْفالِهم مُنْفَرِدًا أو مع أحَدِ أُبوَيْه، فهو مُسْلِمٌ. إذا سُبِىَ

ص: 92

وَإنْ سُبِىَ مَعَ أَبَوَيْهِ، فَهُوَ عَلَى دِينِهِمَا.

ــ

الطِّفْلُ مُنْفَرِدًا، فهو مُسْلِمٌ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: بالإِجْماعِ. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، أنَّه كافِرٌ.

فائدة: المُمَيِّزُ المَسْبِىُّ كالطِّفْلِ فى كوْنِه مُسْلِمًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذِهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ: يكونُ مُسْلِمًا ما لم يَبْلُغْ عشْرًا. وقيل: لا يُحْكَمُ بإسْلامِه حتَّى يُسْلِمَ بنَفْسِه، كالبالِغِ. وإنْ سُبِىَ مع أَحَدِ أبوَيْه، فهو مُسْلِمٌ؛ قالَه المُصَنِّفُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أَكْثَرُ الأصحابِ. وجزَم به الخِرَقِىُّ، وابنُ عَقِيلٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الكافِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ،

ص: 93

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الرِّعايتَيْن» ، وغيرِهم. قال القاضى: هذا أشْهَرُ الرِّوايتَيْن. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، يتْبَعُ أَبَاه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: اخْتَارَه أبو الخَطَّابِ. وعنه، يتْبَعُ المَسْبِىَّ معه منهما. قال فى «الفُروعِ»: اخْتارَه الآجُرِّىُّ. انتهى. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» . وصحَّحه فى «الخُلاصَةِ» . وقال فى «الحاوِيَيْن» ، و «الزَّرْكَشِىِّ»: وإنْ سُبِىَ مع أحَدِ أبَويْه، ففى إسْلامِه رِوايَتان. قال فى «الرِّعايتَيْن» وغيرِه: وعنه، أنَّه كافِرٌ.

قوله: وإنْ سُبِىَ مع أَبَوَيْه، فهو على دِينِهما. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، أنَّه مُسْلِمٌ. وهى مِنَ المُفْرَداتِ.

فائدة: لو سَبَى ذِمِّىٍّ حَرْبِيًّا، تَبعَ سَابِيَه حيثُ يتْبَعُ المُسْلِمَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» . وجزَم به فى «الحاوِى

ص: 94

وَلَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِاسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْنِ، وَإنْ سُبِيَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا، انْفَسَخَ نِكَاحُهَا، وَحَلَّتْ لِسَابِيهَا.

ــ

الكَبِيرِ». وقيل: إنْ سبَاه مُنْفَرِدًا، فهو مُسْلِمٌ. قلتُ: يَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ هنا، بل هو ظاهِرُه. ونقَل عبدُ اللَّهِ، والفَضْلُ، يتْبَعُ مالِكًا مُسْلِمًا، كسَبْىٍ. اخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ. ويأْتِى فى آخِرِ بابِ المُرْتَدِّ، إذا ماتَ أَبُو الطِّفْلِ الكافِرُ أو أُمُّه الكافِرَةُ، أو أسْلَما أو أحَدُهما.

قوله: ولا يَنْفَسِخُ النِّكاحُ باسْتِرْقَاقِ الزَّوْجَيْن. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ،

ص: 95

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. ويَحْتَمِلُ أنْ ينْفَسِخَ. ذكَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. واخْتارَ المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ الانْفِساخَ إنْ تعَدَّدَ السَّابِى؛ مثْلَ أنْ يَسْبِىَ المرْأةَ واحِدٌ، والزَّوْجَ آخَرُ، وقالا: لم يُفَرِّقْ أصحابُنا.

قوله: وإنْ سُبِيَتِ المَرْأةُ وحْدَها، انْفَسَخَ نِكاحُها، وحَلَّتْ لسَابِيها. هذا

ص: 96

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال: اخْتارَه الأكْثَرُ. وعنه، لا ينْفَسِخُ. نَصَرَه أبو الخَطَّابِ. وقدَّمه فى «التَّبْصِرَةِ» ، كزَوْجَةِ ذِمِّىٍّ. وقال فى «البُلْغَةِ»: ولو سُبِيَتْ دُونَه، فهل تُنَجَّزُ الفُرْقَةُ، أو تَقِف على فَواتِ إسْلامِهما فى العِدَّةِ؟ على وَجْهَيْن.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ الرجُلَ لو سُبِىَ وحدَه لا ينْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجَتِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَرَاه، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وقال أبو الخَطَّابِ: يَنْفَسِخُ. قالَه الشَّارِحُ، واخْتارَه

ص: 97

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القاضى. قالَه أبو الخَطَّابِ. ولعَل أبا الخَطَّابِ اخْتارَه فى غيرِ «الهِدايَةِ» ، فأمَّا فى «الهِدايَةِ» ، فإنَّه قال: فإنْ سُبِىَ أحدُهما أو اسْتُرِقَّ، فقال شيْخُنا: يَنْفَسِخُ النَّكاحُ. وعندى، أنَّه لا يَنْفَسِخُ. وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» .

ص: 98

وَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَن اسْتُرِقَّ مِنْهُمْ لِلْمُشْرِكِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

ــ

قوله: وهَلْ يَجُوزُ بَيْعُ مَن اسْتُرِقَّ مِنهم للمُشْرِكين؟ على رِوَايتَيْن. إحداهما، لا يجوزُ بَيْعُهم لمُشْرِكٍ مُطْلَقًا. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» ، و «المُذْهَبِ» . وجزَم به الشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ فى «رُءُوسِ المسَائلِ» ، وصاحِبُ «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيزِ». قال فى «تَجْرِيدِ العِنايَةِ»: لا يجوزُ فى الأظْهَرِ. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» -وقال: هو أوْلَى- و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» . وهو مِنَ المُفْرَداتِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجوز مُطْلَقًا إذا كان كافِرًا. وعنه، يجوزُ بَيْعُ البالِغِ دُونَ غيرِه. وعنه، يجوزُ بَيْعُ البالِغ مِنَ الذُّكُورِ دُونَ الإِناثِ. ويأْتِى فى بابِ الهَدَيَّةِ جَوازُ بَيْعَ أوْلادِ المُحارِبِين مِن آبائهم.

فائدة: حُكْمُ المُفادَاةِ بمالٍ حُكْمُ بَيْعِه، خِلافًا ومَذْهَبًا. وأمَّا مُفادَاتُه بمُسْلِمٍ،

ص: 99

وَلَا يُفَرَّقُ فى الْبَيْعِ بَيْنَ ذَوِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ، إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ، عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.

ــ

فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ جَوازُها. وعليه الأصحابُ. وعنه، المَنْعُ بصَغِيرٍ. ونقَل الأثْرَمُ، ويَعْقُوبُ: لا يُرَدُّ صَغِيرٌ ولا نِساءٌ إلى الكُفَّارِ. وقال فى «البُلْغَةِ» : فى مُفادَاتِهما بمُسْلِمٍ رِوايَتان.

قوله: ولا يُفَرَّقُ فى البَيْعِ بينَ ذَوِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ، إلَّا بعدَ البُلُوغِ، على إحْدَى الرِّوَايَتَيْن. إنْ كان قبلَ البُلُوغِ، لم يَجُزْ. قوْلًا واحدًا. وإنْ كان بعدَ البُلُوغِ، ففيه رِوايتَان. وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، فى كتابِ البَيْعِ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» (1)، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ،

(1) زيادة من: ش.

ص: 100

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «شَرْح ابنِ رَزِينٍ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ» ؛ إحداهما، لا يجوز، ولا يصِحُّ. وهو المذهبُ. قال فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، فى مَوْضِعٍ: ولا يُفَرق بينَ كلِّ ذِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ. وأطْلَقَ. وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» ، وناظِمُ «المُفْرَداتِ» وهو

ص: 101

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منها. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، [وغيرِهم. قال فى «الفُضولِ»: هو المَشْهورُ عنه] (1). وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يجوزُ، ويصِحُّ البَيْعُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «العُمْدَةِ» ، و «الوَجيزِ». قال الأزَجِىُّ فى «المُنْتَخَبِ»: ويحْرُمُ تَفْريقُ ذِى الرَّحِمِ قبلَ البُلُوغِ. قال النَّاظِمُ:

(1) زيادة من: ش.

ص: 102

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو أوْلَى. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .

تنبيه: قوله: بينَ ذَوِى رَحِمٍ مَحْرَمٍ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. قال فى «المُغْنِى» ، وتَبِعَه فى «الشَّرْحِ»: قالَه أصحايُنا غيرَ الخِرَقِىِّ. وجزَم به فى «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْنِ» وغيرِهم. فيَدْخُلُ فى ذلك العَمَّةُ مع ابنِ أخِيها، والخالَةُ مع ابنِ اخْتِها. فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ، اخْتِصَاصُ الأبَوَيْن والجَدَّيْن والأخَوَيْن بذلك. ونَصَرَه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» .

ص: 103

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيلَ: يجوزُ ذلك فى غيرِ الأبَوَيْن.

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، تَحْريمُ التَّفْريقِ ولو رَضُوا به. وهو صَحيحٌ، ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ.

ص: 104

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحداهما، حُكْمُ التَّفْريقِ فى الغَنِيمَةِ (1) وغيرِها، كأخْذِه بجِنايَةٍ والهِبَةِ والصَّدقَةِ ونحوِها، حُكْمُ البَيْعِ على ما تقدَّم. الثَّانيةُ، لا يَحْرُمُ التَّفْريقُ بالعِتْقِ ولا بافْتداءِ الأَسْرَى. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ». وقدَّمه فى «الفُروعِ». قال الخَطَّابِىُّ: لا أعْلَمُهم يخْتَلِفُون فى العِتْقِ، لأنَّه لا يمْنَعُ مِنَ

(1) فى ط: «القسمة» .

ص: 105

وَإذَا حَصَرَ الإِمَامُ حِصْنًا، لَزِمَهُ مُصَابَرَتُهُ، إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهَا.

ــ

الحضَانَةِ. وقيلَ: يَحْرُمُ فى افْتِداءِ الأسْرَى، ويجوزُ فى العِتْقِ. قدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وعنه، حُكْمُهما حُكْمُ البَيْعِ ونحوِه. وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ الجَوْزِىِّ وغيرِه. [الثَّالثةُ: لو باعَهم على أنَّ بينَهم نَسَبًا يَمْنَعُ التَّفْريقَ، ثم بانَ أنْ لا نَسَبَ بينَهم، كان للبائعِ الفَسْخُ] (1).

فائدة: قوله: وإذا حصَر الإِمامُ حِصْنًا، لَزِمَ مُصابَرتُه، إذا رأَى المَصْلَحةَ فيها، فَإنْ أسْلَمُوا، أو مَن أسْلَمَ منهم، أحْرَزَ دَمَه ومَالَه وأوْلادَه الصِّغارَ. يُحْرِزُ بذلك أوْلادَه الصِّغارَ، سواءٌ كانُوا فى السَّبْى أو فى دارِ الحَرْبِ. وكذا مالُه أينَ كان، ويُحْرِزُ أيضًا المَنْفَعَةَ، كالإِجارَةِ. ويُحْرِزُ أيضًا الحَمْلَ الذى (2) فى بَطْنِ امْرأتِه، ولا يُحْرِزُ امْرأتَه، ولا ينْفَسِخُ نِكاحُه برِقِّها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم

(1) زيادة من: ش.

(2)

فى النسخ «لا الذى» . والمثبت كما فى الكافى والفروع والمبدع.

ص: 106

فَإِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، أَحْرَزَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ.

ــ

به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيره. وقال فى «البُلْغَةِ»: ولو سُبِيَتِ الحَرْبِيَّةُ وزَوْجُها مُسْلِمٌ، لم يَمْنَعْ رِقَّها، فَيَنْقَطِعُ نِكاحُ المُسْلِمِ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا ينْقَطِعَ فى الدَّوامِ، بخِلافِ الابْتِداءِ، ويتَوَقَّفُ على إسْلامِها فى العِدَّةِ. انتهى.

ص: 107

وَإنْ سَأَلُوا الْمُوَادَعَةَ بِمَالٍ أَوْ غَيْرِهِ، جَازَ، إِنْ كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ. وَإنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، جَازَ، إِذَا كَانَ مُسْلِمًا، حُرًّا، بَالِغًا، عَاقِلًا، مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ.

ــ

قوله: وإنْ سَأَلُوا المُوَادَعةَ بمالٍ أو غيرِه، جازَ، إنْ كانتِ المَصْلَحَةُ فيه. وكذا قال فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الوَجيز» ، وغيرِهم. وهو ظاهِرُ «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن». قلتُ: بل يَلْزَمُه ذلك. ونقلَهَ المَرُّوذِىُّ. وجزَم به فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم.

تنبيه: قوْلُه: بمالٍ أو غيرِه. أمَّا المالُ، فلا نِزاعَ فيه. وأمَّا إذا سأَلُوا المُوادَعَةَ بغيرِ مالٍ، فجزَمَ المُصَنِّفُ بالجَوازِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «شَرحِ ابنِ مُنَجَّى». وقيل: لا يجوزُ إلَّا أنْ يعْجِزَ عنهم، ويَسْتَضِرَّ بالمُقامِ. وأطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» .

قوله: وإنْ نَزَلُوا على حُكْمِ حَاكِمٍ، جازَ، إذا كان مُسْلِمًا، حُرًّا، بالغًا،

ص: 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عاقِلًا، مِن أهْلِ الاجْتِهادِ. يعْنِى، فى الجِهَادِ، ولو كان أعْمَى. وجزَم به فى

ص: 112

وَلَا يَحْكُمُ إِلَّا بِمَا فِيهِ حَظٌّ لِلْمُسْلِمِينَ؛ مِنَ الْقَتْلِ، وَالسَّبْىِ، وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ حَكَمَ بِالْمَنِّ، لَزِمَ قَبُولُهُ، فى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

ــ

«المُغْنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. ومِن شَرْطِه، أنْ يكونَ عَدْلًا. ولم يذْكُرْه المُصَنِّفُ هنا، ولا فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، وغيرِهم. وقال فى «البُلْغَةِ»: يُعْتَبرُ فيه شُروطُ القاضى إلَّا البَصَرَ.

قوله: ولا يَحْكُمُ إلا بما فيه الأحَظُّ للمُسْلِمين؛ مِنَ القَتْلِ، والسَّبْىِ، والفِدَاءِ. وهذا بلا نِزاعٍ.

ص: 113

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: فإنْ حكَم بالمَنِّ، لَزِمَ قَبُولُه، فى أحَدِ الوَجْهَيْن. وهو المذهبُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» . واخْتارَه القاضى. والوَجْهُ الثَّانى، لا يَلْزَمُ قَبُولُه. وقوَّاه النَّاظِمُ. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ». وقيل: يَلْزَمُ فى المُقاتِلَةِ، ولا يَلْزَمُ فى النِّساءِ والذُّرِّيَّةِ.

فائدة: يجوزُ للإِمامِ أخْذُ الفِداءِ ممَّن حكَم برِقِّه أو قَتْلِه، ويجوزُ له المَنُّ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» . وجزَم به فى «الرِّعايَةِ» وغيرِها. وقال فى «الكافِى» ، و «البُلْغَةِ»: يجوزُ المَنُّ على مَحْكُومٍ برِقِّه برِضَا الغانِمِين.

ص: 114

وَإِنْ حَكَمَ بِقَتْلٍ، أَوْ سَبْىٍ،، فَأَسْلَمُوا، عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ، وَفِى اسْتِرْقَاقِهِمْ وَجْهَانِ.

ــ

قوله: وإنْ حكَم بقتْلٍ، أو سَبْىٍ، فأسْلَمُوا، عَصَمُوا دِمَاءَهم -بلا نِزاعٍ- وفى اسْتِرْقاقِهم وَجْهان. عندَ الأكثرِ. وفى «الكافِى» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم، رِوايَتان. وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الكَبِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، لا يَسْتَرِقُّون. وهو المذهبُ. اخْتارَه القاضى. وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» ، و «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . والوَجْهُ

ص: 115

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثَّانِى، يَسْتَرِقُّون. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنْتَخَبِ» . وصحَّحه النَّاظِمُ. وهو احْتِمالٌ فى «الهِدايَةِ» ، ومالَ إليه.

فوائد؛ الأُولَى، لو سأَلُوه أنْ يُنْزِلَهم على حُكْمِ اللَّهِ، لَزِمَه أنْ يُنْزِلَهم، ويُخَيَّرُ فيهم، كالأَسْرَى، فَيُخَيَّرُ بينَ القَتْلِ والرِّقِّ والمَنِّ والفِداءِ. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقال فى «الواضِحِ»: يُكْرَهُ. ولحال فى «المُبْهِجِ» : لا يُنْزِلُهم؛ لأنَّه كإنْزَالِهم بحُكْمِنا ولم يرْضَوْا به. الثَّانيةُ، لو كان فى الحِصْنِ مَن لا جِزْيَةَ عليه، فبَذَلَها لعَقْدِ الذِّمَّةِ، عُقِدَتْ مجَّانًا، وحَرُمَ (1) رِقُّه. الثَّالثةُ، لو جاءَنا عَبْدٌ مُسْلِمًا، وأسَرَ سيِّدَه أو غيرَه، فهو حُرٌّ، ولهذا لا نَرُدُّه فى هُدْنَةٍ. قالَه فى «التَّرْغيبِ» وغيرِه. والكُلُّ له. وإنْ أقامَ بدارِ حَرْبٍ، فرَقِيقٌ، ولو جاءَ مَوْلاه مُسْلِمًا بعدَه، لم يُرَدَّ إليه، ولو جاءَ قبلَه مُسْلِمًا، ثم جاءَ العَبْدُ مُسْلِمًا، فهو لسَيِّدِه. وإنْ خرَج عَبْدٌ إلينا بأمانٍ، أو نزَل مِن حِصْنٍ، فهر حُرٌّ. نصَّ على ذلك. قال: وليس للعَبْدِ [حقٌّ فى غَنِيمةٍ](2)؛ فلو هرَب إلى العَدُوِّ، ثم جاءَ بأَمانٍ، فهو لسَيِّدِه، والمالُ لنا.

(1) فى ط: «وجزم» .

(2)

فى النسح: «فى حق غنيمة» .

ص: 116