الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَنَبَاتِهِ
وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْحَلَالِ وَالْمُحْرِمِ، فَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ صَيْدِهِ شَيْئًا، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُحْرِمِ فِى مِثْلِهِ.
ــ
بابُ صَيْدِ الحَرَمِ ونَباتِه
بقوله: فَمَن أتْلَفَ مِن صَيْدِه شَيْئًا، فعليه ما على المُحْرِمِ فى مِثْلِه. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم، ونصَّ عليه. وقيلَ: يَلْزَمُ جزَاءَان؛ جَزاءٌ للحَرَمَ، وجَزاءٌ للإحْرامَ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو أتْلَفَ كافِرٌ صَيْدًا فى الحَرَمِ، ضَمِنَه. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ فى «انْتِصارِه» ، فى بحْثِ مسْألةِ كفَّارَةِ ظِهارِ الذِّمِّىِّ. وهو ظاهِرُ ما قطَع به. . . . (1)، وبَناه بعضُهم على أنَّهم؛ هل هم مُخاطَبُون بفُروعِ الإسْلامِ أم لا؟ قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: وليس ببِنَاءٍ جَيِّدٍ. وهو كما قال. الثَّانيةُ، لو دَلَّ مُحِلٌّ حلالًا على صَيْدٍ فى الحَرَمِ، فقَتَلَه، ضَمِناه معًا بجَزاءٍ واحدٍ. على الصَّحيحِ
(1) بياض بالأصول قدر كلمة واحدة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وجزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منها. وجزَم جماعَةٌ، منهم القاضى، أنَّه لا ضَمانَ على الدَّالّ فى حِلٍّ، بل على المَدْلُولِ
وَإنْ رَمَى الْحَلَالُ مِنَ الْحِلِّ صَيْدًا فى الْحَرَمِ، أَوْ أَرسَل كَلْبَهُ عَلَيْهِ، أو قَتَلَ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فى الْحَرَمِ أصْلُهُ فى الْحِلِّ، أو أَمْسَكَ طَائِرًا
ــ
وحدَه، كَحلالٍ دَلَّ مُحْرِمًا.
قوله: وإنْ رَمَى الحَلَالُ مِنَ الحِل صَيْدًا فى الحَرَمِ، أو أرْسَلَ كلْبَه عليه، أو قتَل صيْدًا على غُصْنٍ فى الحَرَمِ أصْلُه فى الحِلِّ، أو أمْسَكَ طَائِرًا فى الحلِّ، فهلَك
فِى الْحِلِّ فَهَلَكَ فِرَاخُهُ فى الْحَرَمِ، ضَمِنَ فِى أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
ــ
فِرَاخُه فى الحَرَمِ، ضَمِنَ فى أصَحِّ الرِّوَايتَيْن. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ ولا يَضْمَنُ الأُمَّ فيما تَلِفَ فِراخُه فى الحَرَمِ. قال فى «القَواعِدِ»: لو رَمَى الحَلالُ مِنَ الحِلِّ صَيْدًا فى الحَرَمِ فقتَلَه، فعليه ضَمانُه. نصَّ عليه، وجزَم به ابنُ أبى مُوسَى، والقاضى، والأكثَرُون. وحكَى القاضى، وأبو الخَطَّابِ، وجماعةٌ رِوايَةً بعَدَمِ الضَّمانِ. وهو ضَعِيفٌ، ولا يَثْبُتُ عن أحمدَ وُرُودُه لوُجوهٍ جَيِّدَةٍ. والثَّانيةُ، لا يضْمَنُ؛ لأنَّ القاتِلَ حَلالٌ فى الحِلِّ. وأطْلَقهما فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، إلَّا أنهما اسْتَثْنَيا إذا هلَك فِراخُ الطَّائرِ المُمْسَكِ، فقَدَّمُوا الضَّمانَ مُطْلَقًا. قال فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهبِ»: الضَّمانُ ظاهِرُ المذهبِ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو رَمَى الحَلالُ صَيْدًا، ثم أحْرَمَ قبلَ أنْ يُصِيبَه، ضَمِنَه،
وَإنْ قَتَلَ مِنَ الْحَرَمِ صَيْدًا فى الْحِلِّ بِسَهْمِهِ، أوْ كَلْبِهِ، أوْ صَيْدًا عَلَى غُصْنٍ فى الْحِلِّ أصْلُهُ فى الْحَرَمِ، أوْ أمْسَكَ حَمَامَةً فى الْحَرَمِ، فَهَلَكَ فِرَاخُهَا فى الْحِلِّ، لَمْ يَضْمَنْ، فى أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.
ــ
ولو رَمَى المُحْرِمُ صَيْدًا، ثم أحلَّ قبلَ الإصابَةِ، لم يَضْمَنْه، اعْتِبارًا بحالِ الإِصابَةِ فيهما. ذكَرَه القاضى فى «خِلافِه» فى الجِناياتِ. قال: ويَجِئُ عليه قوْلُ أحمدَ: إنَّه يَضْمَنُ فى المَوْضِعَيْن. قال فى «القَواعِدِ» : ويتَخَرَّجُ عدَمُ الضَّمانِ عليه (1). الثَّانيةُ، هل الاعْتِبارُ بحالةِ الرَّمْىِ، أو بحالةِ الإِصابَةِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدُهما، الاعْتِبارُ بحالِ الإصابَةِ. جزَم به القاضى فى «خِلافِه» ، وأبو الخَطَّابِ فى «رُءُوسِ المسَائلِ» ؛ فلو رَمَى بينَهما، وهو مُحْرِمٌ، فوقَع بالصَّيْدِ وقد حَلَّ، حَلَّ أكْلُه، ولو كان بالعَكسِ، لم يجِلَّ. والوَجْهُ الثَّانى، الاعْتِبارُ بحالَةِ الرَّامِى والرَّمْىِ. قالَه القاضى فى كِتَابِ الصَّيْدِ.
قوله: إنْ قتَل مِنَ الحَرَمِ صَيْدًا فى الحِل بسَهْمِه، أو كلْبِه، أو صَيْدًا على غُصْنٍ فى الحِلِّ أصْلُه فى الحَرَم، أو أمْسَكَ حَمامَةً فى الحَرَمِ، فَهلَك فِرَاخُها فى الحِلِّ، لم يَضْمَنْ، فى أصَحِّ الرِّوَايتَيْن. وهى المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وجزَم
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وصحَّحَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الخُلَاصَةِ» ، وغيرُهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يضْمَنُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضى، وغيرُهما؛ اعْتِبارًا بالقاتِلِ. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ». قال فى «الإرْشَادِ»: فإنْ أرْسَلَ كَلْبَه فى الحَرَمِ، فاصْطَادَ فى الحِلِّ، فالأَظهَرُ عنه، أنْ لا جَزاءَ عليه. وقيلَ عنه: عليه الجَزاءُ. قال: وهو اخْتِيارِي. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، فيما إذا هلَك فِراخُ الطَّائرِ المُمْسَكِ. وقال فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»: إنَّه ظاهِرُ المذهبِ. وأطْلَقهما فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الهَادِى» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، إلَّا ما تقدَّم. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوجَّهُ احْتِمالٌ فى الطَّائرِ على الغُصْنِ، يَضْمَنُ؛ لأنَّه تابعٌ
وَإنْ أَرسَلَ كَلْبَهُ مِنَ الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِى الْحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْدًا فِى
ــ
لأصْلِه. وقال أَيضًا: ويتَوَجَّهُ ضَمانُ الفِراخِ إذا تَلِفَ فى الحِلِّ. وقدَّمه أَيضًا فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، كما تقدَّم؛ لأنَّه سَببُ تَلَفِه.
فوائد؛ منها، لو فَرَّخَ الطَّيْرُ فى مَكانٍ يحْتاجُ إلى نَقْلِه عنه، فنقَلَه فهلَكَ، ففيه الوَجْهان المُقتَدِّمان. ومنها، لو كان بعضُ قَوائمِ الصَّيْدِ فى الحِلِّ وبعضُها فى الحَرَمِ، حَرمَ قتْلُه، ووَجَب الجَزاءُ به. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ تَغْليبًا للحُرْمَةِ. وفى «المُسْتَوْعِبِ» رِوايَةٌ، لا يحْرُمُ؛ لأنَّ الأَصْلَ الإِباحَةُ، ولم يَثْبُتْ أنَّه مِن صَيْدِ الحَرَم. ومنها، لو كان رأْسُه فى الحَرَمِ وقَوائمُه الأرْبعَةُ فى الحِلِّ، فقال القاضى: يُخَرَّجُ على الرِّوايتَيْن. واقْتَصَرَ. قلتُ: الأوْلَى هنا، عدَمُ الضَّمانِ، وهو ظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحاب. وحكَى فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، الخِلافَ وَجْهَيْن، وأطْلَقاهُما.
قوله: وإنْ أرْسَل كَلْبَه مِنَ الحِلِّ على صَيْدٍ فى الحِلِّ، فقتَل صَيْدًا فى الحَرَمِ، فعلى وجْهَيْن. وأطْلَقهما فى «الكَافِى» . أحدُهما، لا يضْمَنُه مُطْلَقًا. وهو
الْحَرَمِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِسَهْمِهِ، ضَمِنَهُ.
ــ
المذهبُ، ونصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال فى «المُذْهَبِ» و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»: هذا ظاهِرُ المذهبِ. وصحَّحَه فى «التَّصْحِيحِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الهِدَايَةِ» و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» و «الفَائقِ» وغيرِهم. والثَّانى، يَضْمَنُه مُطْلَقًا. اخْتارَه أبو بَكْرٍ. وعنه، يضْمَنُه إنْ أرْسَلَه بقُرْبِ الحَرَمِ؛ لتَفْريطِه، وإلَّا فلا. وجزَم به فى «الإفادَاتِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» و «المُنتخَبِ» . واخْتارَه ابنُ أبِى مُوسَى، وابنُ عَقِيلٍ، وابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . والخِلافُ رِواياتٌ عن أحمدَ. وأطْلَقَهُنَّ فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . فعلى الرِّوايَةِ الثَّالثةِ، لو قتَل الكَلْبُ صَيْدًا غيرَ الصَّيْدِ المَرْسُولِ إليه، لم يضْمَنْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «المُغْنِى»
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» . وعنه، يضْمَنُ؛ لتَفْريطِه.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أن الصَّيْدَ المَقْتولَ فى الحَرَمِ غيرُ الصَّيْدِ الذى أرْسَلَه عليه. واعلمْ أنَّ جُمْهورَ الأصحابِ إنّما يحْكُون الخِلافَ المُتَقدِّمَ فيما إذا قُتِلَ الصيْدُ المَرْسولُ عليه فى الحَرَمِ، ولكِنْ صرَّح فى «الكَافِى» بالمَسْأَلتَيْن، وأنَّ حُكْمَهما واحِدٌ. قلتُ: لكنَّ عدَمَ الضَّمانِ فيما إذا قُتِلَ غيرُ المَرْسُولِ عليه أوْلَى وأقْوَى.
قوله: وإنْ فعَل ذلك بِسَهْمِه، ضَمِنَه. إنْ قتَل السَّهْمُ صَيْدًا قصَدَه، وكان الصَّيْدُ فى الحَرَمِ، فقد تقدَّم فى كلامِ المُصَنِّفِ، وإنْ قتَل صَيْدًا غيرَ الذى قصَدَه، بأنْ شطَح السَّهْمُ، فدَخَل الحَرَمَ فقَتَلَه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ حُكْمَه حُكمُ الكَلْبِ. قدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ». وقيلَ: يَضْمَنُه مُطْلَقًا. وجزَم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به فى «الخُلَاصَةِ» ، والمُصَنِّفُ هنا، والشَّارِحُ. وأمَّا إذَا رَمَى صَيْدًا فى الحِلِّ، فقَتَلَه بعَيْيه فى الحَرَمِ، فهذه نادِرَةُ الوُقوعِ، وظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ، تَضْمِينُه؛ منهم صاحِبُ «الفَائقِ» وغيرُه، بل هو كالصَّرِيح فى ذلك.
فائدتان؛ إحْداهما، لو دخَل سَهْمُه أو كَلْبُه الحَرَمَ، ثم خرَج فقتَلَه فى الحِلِّ، لم يَضْمَنْ، ولو جرَح الصَّيْدَ فى الحِلِّ، فتحَامَلَ فدخَل الحَرَمَ، وماتَ فيه، حَلَّ أكْلُه، ولم يضْمَنْ، كما لو جرَحَه، ثم أحْرَمَ فَماتَ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ:
فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ وَحَشِيشِهِ، إِلَّا الْيَابِسَ وَالإذْخِرَ، وَمَا زَرَعَهُ الْآدَمِىُّ. وَفِى جَوَازِ الرَّعْىِ وَجْهَانِ.
ــ
ويُكْرَهُ أكْلُه؛ لمَوْتِه فى الحَرَمِ. قال فى «الفُروعِ» : كذا قال. الثَّانيةُ، يَحْرُمُ عليه الصَّيْدُ فى هذه المَواضِعِ، سَواءٌ ضَمِنَه أوْ لا؛ لأنَّه قتْلٌ فى الحَرَمِ، ولأنَّه سبَبُ تَلَفِه.
قوله: ويَحْرُمُ قَلْعُ شَجَرِ الحَرَمِ وحَشيشِه. يَحْرُمُ قَلْعُ شجَرِ الحَرَمِ إجْماعًا. والمذهبُ، وعليه الأصحابُ، أنَّه يحْرُمُ قَلْعُ حَشِيشِه ونَباتِه، حتى السِّواكُ والوَرَقُ، إلَّا اليابِسَ، فإنَّه مُباحٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وفيه احْتِمالٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لا بأس بالانْتِفاعِ بما زالَ بغيرِ فِعْل آدَمِىٍّ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. قال المُصَنِّفُ: لا نعْلَمُ فيه خِلافًا؛ لأنَّ الخَبَرَ فى القَطْعِ. انتهى، قال بعضُ الأصحابِ: لا يحْرُمُ عُودٌ ووَرَقٌ زَالَا مِن شَجَرَةٍ أو زالَتْ هى، بلا نِزاعٍ فيه (1)، وما انْكَسَر ولم ينْقَطِعْ، فهو كالظُّفْرِ المُنْكَسِرِ، على ما تقدَّم. الثَّانيةُ، تُباحُ الكَمْأَةُ والفَقْعُ (2) والثَّمَرَةُ كالإذْخِرِ.
قوله: ومما زرَعَه الآدَمِىُّ بما زَرَعَه الآدَمِىُّ مِنَ البُقُولِ، والزَّرْعِ، والرَّياحِينِ،
(1) زيادة من: ش.
(2)
انظر ما يأتى فى صفحة 55.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يحْرُمُ أخْذُه، ولا جَزاءَ فيه، بلا نِزاعٍ. ولا جَزاءَ أَيضًا فيما زَرَعَه الآدَمِىُّ مِنَ الشَّجَرِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نقَل المَرُّوذِىُّ، وابنُ إبْرَاهِيمَ، وأبو طالِبٍ، وقد سُئِلَ عنِ الرَّيْحَانِ والبُقولِ فى الحَرَمِ؟ فقال: ما زَرَعْتَه أنتَ، فلا بَأْسَ، وما نبَت فلا. قال القاضى وغيرُه: ظاهِرُه أن له أخْذَ جميعِ ما زرَعَه. وجزَم به القاضى وأصحابُه فى كُتُبِ الخِلافِ؛ لأنَّه أنْبَتَه، كالزَّرْعِ. وجزَم به فى «الهِدَايَةِ» و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجِيزِ» و «الحاوِى» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهم. وجزَم ابنُ البَنَّا فى «خِصَالِه» بالجَزاءِ فى الشَّجَرِ؛ للنهْىِ عن قَطعِ شَجَرِها، سَواءٌ أنْبَتَه الآدَمِىُّ، أو نبَت بنَفْسِه. ونَسَبَه ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» إلى قوْلِ القاضى. وأطْلَقهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزَّرْكَشِىُّ، ونقَل عنِ القاضى أنَّه قال: ما أنْبَتَه فى الحَرَمِ أوَّلًا ففيه الجَزاءُ، وإنْ أنْبَتَه فى الحِلِّ، ثم غَرَسه فى الحَرَمِ، فلا جَزاءَ فيه. واخْتارَ المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» (1)، إنْ كان ما أنْبَتَه الآدَمِىُّ مِن جِنْسِ شَجَرِهم، كالجَوْزِ، واللَّوْزِ، والنَّخْلِ، ونحوِها، لم يَحْرُمْ، قِياسًا على ما أنْبَتُوه مِنَ الزَّرْعِ، والأهْلِىِّ مِنَ الحَيوانِ.
تنبيه: يَحْتَمِلُ قوْلُ المُصَنِّفِ: وما زرَعه الآدَمِىُّ. اخْتِصاصَه بالزَّرْعِ دُونَ الشَّجَرِ، فيكونُ مفْهومُ كلامِه تحْريمَ قطْعِ الشَّجَرِ الذى أنْبتَه، وعليه الجَزاءُ. كما جزَم به ابنُ البَنَّا. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ؛ لأنَّ المفْهومَ مِن إطْلاقِ الزَّرْعِ ذلك. انتهى. ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ على إطْلاقِه، فيَعُمَّ الشَّجَرَ، كما هو المذهبُ. قلتُ: وهو أقْرَبُ؛ لأنَّ الأصْلَ العمَل بالعُمومِ، حتى يقُومَ دَليلٌ على التَّخْصِيصِ، لا سِيَّما إذا وافقَ الصَّحيحَ، ولأن «ما» مِن ألْفاظِ العُمومِ، ولكِنْ فيه تجَوُّزٌ. ويَحْتَمِلُ أنْ يُريدَ ما ينبِتُ الآدَمِيُّون جِنْسَه، كما اخْتارَه المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» . وذكَر هذه الاحْتِمالاتِ الشَّارِحُ فى كلامِ المُصَنِّفِ.
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يُبَاحُ إلَّا ما اسْتَثْناه؛ فلا يُباحُ قَطْعُ الشَّوْكِ والعَوْسَجِ وما فيه مَضَرَّةٌ. وهو أحَدُ الوَجْهَيْن. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قال فى «المُحَررِ»: وشَجَرُ الحَرَمِ ونَباتُه مُحَرَّمٌ، إلَّا اليابِسَ،
(1) انظر: المغنى 5/ 186.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والإذْخِرَ، وما زَرَعه الإنْسانُ أو غرَسَه. فظاهِرُه، عدَمُ الجَوازِ. قلتُ: ثبَت فى «الصَّحِيحَيْن» : لا يُعْضَدُ شَوْكُه. وقدَّمه ابنُ رَزِين فى «شَرحِه» . واخْتارَ أكثرُ الأصحابِ جَوازَ قَطْعِ ذلك، منهم القاضى وأصحابُه. وجزَم به فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «التَّلْخِيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ؛ لأنَّه يُؤْذِى بطَبْعِه، أشْبَهَ السِّبَاعَ. قال الزَّرْكَشِىُّ: عليه جُمْهورُ الأصحابِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وفى جَوازِ الرَّعْيِ وَجْهان. أكثر الأصحابِ حكَى الخِلافَ وَجْهَيْن، كالمُصَنِّفِ. وحكَاه أبو الحُسَيْنِ وجماعَةٌ رِوايتَيْن. وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الكَافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «التلْخِيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، لا يجوزُ. جزَم به أبو الخَطَّابِ، وابنُ البنَّا، وغيرُهما فى كُتُبِ الخِلَافِ، ونَصَره القاضى [فى «الخِلافِ»](1)، وابنُه، وغيرُهما. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزينٍ» . وجزَم به الأزَجِىُّ فى «المُنْتَخَبِ» ، [و «التَّنْبِيهِ»، و «رءُوس المسَائلِ». وصحَّحَه فى «تَصْحِيحِ المُحَرَّرِ»](1). والوَجْهُ الثَّانى، يجوزُ. اخْتارَه أبو حَفْصٍ العُكْبَرِىُّ، وابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «الإفادَاتِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال القاضى فى «التَّعْلِيقِ» : محَلُّ الخِلافِ، إذا أدْخَلَ بَهائِمَه لرَعْيِه، فأمَّا إنْ أدْخلَها لحاجَةٍ، لم يَضْمَنْه.
تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يجوزُ الاحْتِشَاشُ للبَهائمِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقد منَع المُصَنِّفُ فى أولِ البابِ مِنَ الاحْتِشاشِ مُطْلَقا. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ»: إنِ احْتَشَّه لبَهائمِه فهو
(1) زيادة من: ش.
وَمَنْ قَلَعَهُ ضَمِنَ الشَّجَرَةَ الْكَبِيرَةَ بِبَقَرَةٍ، وَالصَّغِيرَةَ بِشَاةٍ، وَالْحَشِيشَ بِقِيمَتِهِ، وَالْغُصْنَ بِما نَقَصَ. فَإِنِ اسْتَخْلَفَ سَقَطَ الضَّمَانُ، فى أحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
ــ
كرَعْيِه. وكذا قال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ»: إنَّ فيه وَجْهَيْن. وأطْلَقهما.
قوله: ومَن قلَعَه ضَمِنَ الشجَرةَ الكَبيرَةَ ببقَرَةٍ. هذا المذهبُ، نقَلَه الجماعَة، وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، و «إدْرَاكِ الغَايَةِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الهَادِى» ، و:«الكَافِى» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوِيَيْن» . وجزَم به القاضى وأصحابُه فى كتُبِ الخِلافِ. وعنه، يضْمَنُها ببَدَنَةٍ. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «الإفادَاتِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، و «الفائقِ» . وعنه، يضْمَنُها بقِيمَتِها. وأطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» . وأمَّا الشَّجَرةُ الصَّغيرةُ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّها تُضْمَنُ بشَاةٍ. وجزَم به أكثرُ الأصحابِ، منهم القاضى وأصحابُه فى كُتُبِ الخِلافِ، ومنهم صاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهَادِى» ، و «الكَافِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «تَذكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «تَجْرِيدِ العِنَايَةِ» ، و «إدْرَاكِ الغايَةِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «المُغنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» . وعنه، يَضْمَنُها بقِيمَتِها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: تُضْمَنُ الشَّجرَةُ المُتَوسِّطَةُ ببَقَرةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وعنه، بقِيمَتِها. وأمَّا ضمَانُ الحَشِيشِ، والوَرَقِ بقِيمَتِه، فلا أعلمُ فيه خِلافًا، ونصَّ عليه. وأمَّا الغُصْنُ، فيُضْمَنُ بما نقَص. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَب» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «الكَافِى» ، و «الهَادِى» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، و «إدراكِ الغايَةِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الفُروعِ». وقيلَ: يضْمَنُه بقِيمَتِه. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وقيل: يضْمَنُه بنَقْصِ قِيمَةِ الشَّجَرَةِ. وعنه، يضْمَنُ الغُصْنَ الكبيرَ بشاةٍ. وجزَم به فى «المُسْتَوْعِبِ» .
قوله: فإن اسْتَخْلَفَ -هو أو الحَشِيشُ- سقَط الضَّمانُ فى أحَدِ الوَجْهَيْن. وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكَافِى» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيّةِ» ؛ أحدُهما، يسْقُطُ الضَّمانُ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال فى «المُسْتَوْعِبِ»: ذكَرَه أصحابُنا. قال فى «الفُروعِ» : ويسْقُطُ الضَّمانُ باسْتِخْلافِه، فى أشْهَرِ الوَجْهَيْن. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به فى «الخُلَاصَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهَادِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثَّانِى، لا يسْقُطُ الضَّمانُ. جزَم به فى «الإفادَاتِ». قال فى «المُسْتَوْعِبِ»: هو الصَّحيحُ عندى، كحَلْقِ المُحْرِمِ شَعَرًا ثم عادَ. وتقدَّم نظِيرُها، إذا نتَف رِيشَه فعادَ، فى البابِ الذى قبلَه.
وَمَنْ قَطع غُصْنًا فى الْحِلِّ أصْلُهُ فى الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ. فَإِنْ قَطَعَهُ فى الْحَرَمِ وَأَصْلُهُ فى الْحِلِّ، لَمْ يَضْمَنْهُ، فِى أحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
ــ
فوائد؛ إحْداها، لا يجوزُ الانْتِفاعُ بالمقْطُوعِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، كالصَّيْدِ. وقيل: ينْتَفِعُ به غيرُ قاطِعِه. وهو احْتِمالٌ فى «المُغْنى» وغيره. الثَّانيةُ، لو قلَع شجَرًا مِنَ الحَرَمِ، فغرَسَه فى الحِلِّ، لَزِمَه رَدُّه، فإنْ تعَذَّرَ أو يبِسَ، ضَمِنَه، فإنْ رَدَّه، وثبَت كما كان، فلا شئَ عليه، وإنْ ثبَت ناقِصًا، فعليه ما نقَص. الثَّالثةُ، إذا لم يجِدِ الجَزاءَ، قوَّمَه ثم صامَ. نقَلَه ابنُ القاسِمِ. قالَه فى «الفُروعِ». قال فى «الفُصُولِ»: مَن لم يجِدْ، قَوَّم الجَزاءَ طَعامًا، كالصَّيدِ. قال فى «الوَجيزِ»: ويُخَيَّرُ بينَ إخراجِ البَقَرَةِ وبينَ تَقوِيمِها، وأنْ يفْعلَ فى ثَمَنِها كما قُلْنا فى جَزاءِ الصَّيْدِ.
فائدة: قوله: ومَن قطَع غُصْنًا فى الحِلِّ أصْلُه فى الحَرَمِ، ضَمِنَه. بلا نِزاعٍ. وكذا لو كان بعضُه فى الحِلِّ وبعضُه فى الحَرَمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وإنْ قَطَعَه فى الحَرَمِ وأصْلُه فى الحِلِّ، لم يَضْمَنْه، فى أحَدِ الوجْهَيْن. وأطْلَقهما فى «المُذْهَبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الشَّرْحِ» ؛ و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» و «الهَادِى» ؛ أحدُهما، لا يضْمَنُه. وهو المذهبُ. اختارَه القاضى. وصحَّحَه فى «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفَائقِ» [و «تَصْحِيحِ المُحَرَّرِ»](1). وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» و «المُنتخَبِ» . وقدَّمه فى «الخُلَاصَةِ» . والوَجْهُ الثَّانى، يَضْمَنُه. اخْتارَه ابنُ أبى مُوسَى، وجزَم به فى «الإفادَاتِ» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» .
فوائد؛ منها، قال الإمامُ أحمدُ: لا يُخْرِجُ مِن تُرابِ الحَرَمِ، ولا يُدْخِلُ إليه مِنَ الحِلِّ، ولا يُخْرِجُ مِن حِجارَةِ مَكَّةَ إلى الحِلِّ، والخُروجُ أشَدُّ. واقْتَصرَ بعضُ
(1) زيادة من: ش.
فَصْلٌ: وَيَحْرُمُ صَيْدُ الْمَدِينَةِ وَشَجَرُهَا وَحَشِيشُهَا، إِلَّا مَا تَدْعُو
ــ
الأصحابِ على كراهَةِ إخْراجِه، وجزَم فى مَكانٍ آخَرَ بكراهَتِهما. وقال بعضُهم: يُكْرَهُ إخْراجُه إلى الحِلِّ. وفى إدْخالِه إلى الحَرَم رِوايَتان. وقال فى «الفُصُولِ» : لا يجوزُ فى تُرابِ الحِلِّ والحَرَمِ. نصَّ عليه. قال فى «الفُروعِ» : والأوْلَى أنَّ تُرابَ المَسْجِدِ أكْرَهُ. وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ، يُكْرَهُ إخْراجُه للتَّبَرُّكِ ولغيرِه. قال فى «الفُروعِ»: ولعَلَّ مُرادَهم، يَحْرُمُ. ومنها، لا يُكْرَهُ إخْراجُ ماءِ زَمْزَمَ. قال أحمدُ: أخْرَجه كَعْبٌ. ولم يَزِدْ على ذلك. ومنها، حدُّ الحَرَمِ مِن طريقِ المدِينةِ، ثلَاثَةُ أمْيالٍ عندَ بُيُوتِ السِّقاءِ. وقال القاضى: حدُّه مِن طَرِيقِ المدِينَةِ، دُونَ التَّنْعيمِ عندَ بُيُوتِ نِفَارٍ على ثَلَاثةِ أمْيالٍ، ومِنَ اليَمَنِ، سَبْعَةُ أمْيالٍ عندَ إضاحَةِ لِبْنٍ، ومِنَ العِراقِ، سَبْعَةُ أمْيالٍ على ثَنِيَّةِ رِجْلٍ. وهو جَبَلٌ بالمنْقَطعِ. وقيل: تِسْعَةُ أمْيالٍ. ومِن الجِعْرانَةِ، تِسْعَةُ أمْيالٍ فى شِعْبٍ يُنْسَبُ إلى عَبْدِ اللهِ بنِ خَالدِ بنِ أسَدٍ. ومِن جَدَّةَ، عَشَرَةُ أمْيالٍ عندَ مُنْقَطعِ الأعْشَاشِ. ومِنَ الطَّائف، سَبْعَةُ أمْيالٍ عندَ طَرَفِ عُرَنَةَ. ومِن بَطْنِ عُرَنَةَ أحَدَ عَشَرَ مِيلًا. قال ابنُ الجَوْزِىِّ: وُيقالُ: عندَ أضَاةِ لِبْنٍ، مَكانَ أضاحَةِ لِبْنٍ، قال فى «الفُروعِ»: وهذا هو المَعْروفُ. والأوَّلُ ذكَرَه فى «الهِدايَةِ» وغيرِها.
قوله: ويَحْرُمُ صَيْدُ المَدينَةِ -نصَّ عليه فى رِوايَةِ الجماعةِ، [وعليه الأصحابُ، لكنْ لو فعَل وذبَح، صحَّت تذكِيَتُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. وذكَر القاضى فى صِحَّتِها احْتِمالَيْن. والمَنْعُ ظاهِرُ كلامِه فى «المُسْتَوْعِبِ» الآتِى وغيرِه](1) - وشَجَرُها وحَشِيشُها، إلَّا ما تَدْعُو الحَاجَةُ إليه من شَجَرِها؛ للرَّحْلِ،
(1) زيادة من: ش.
الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ شَجَرِهَا لِلرَّحْلِ وَالْعَارِضَةِ وَالْقَائِمَةِ وَنَحْوِهَا، وَمِنْ حَشِيشِهَا لِلْعَلَفِ. وَمَنْ أَدْخَلَ إِلَيْهَا صَيْدًا، فَلَهُ إِمْسَاكُهُ وَذَبْحُهُ.
ــ
والعَارِضَةِ، والقَائمةِ، ونحوِها -كالوِسادَةِ، والمَسَدِ؛ وهو عودُ البَكَرَةِ- ومِن حَشيشِها لِلْعَلَفِ. ومَن أدْخَلَ إليها صَيْدًا فله إمْسَاكُه. وهذا مالا أعلمُ فيه نِزاعًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه: حُكْمُ حَرَمِ المَدِينَةِ حُكْمُ حَرَمِ مَكةَ فيما سبَق، إلَّا فى مسْألةِ مَن أدْخَلَ صَيْدًا، أو أخَذَ ما تدْعُو الحاجَةُ إليه مِنَ الشَّجَرِ والحَشِيشِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: ومَن أدْخَلَ إليها صَيْدًا، فله إمْساكُه وذَبْحُه. قد تقدَّم قريبًا، أنَّ
وَلَا جَزَاءَ فى صَيْدِ الْمَدِينَةِ. وَعَنْهُ، جَزَاؤُهُ سَلَبُ الْقَاتِلِ لِمَنْ أخَذَهُ.
ــ
القاضِيَ ذكَر فى صِحةِ تذْكِيَةِ الصَّيْدِ احْتِمالَيْن، وأن الصَّحيحَ مِنَ المذهب الصِّحةُ.
قوله: ولا جَزاءَ فى صَيْدِ المَدينَةِ. هذا المذهبُ. قال فى «الفُروعِ» : اخْتارَه غيرُ واحدٍ. قلتُ: منهم المُصَنِّفُ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنتخَبِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، و «الخُلَاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الكَافِى» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، و «إدْرَاكِ الغَايَةِ» ، و «نِهَايَةِ ابنِ رَزِينٍ» . وعنه، جَزاؤُه سَلَبُ القاتِلِ لمَن أخَذَه. وهو المَنْصُوصُ عندَ الأصحابِ فى كُتُبِ الخِلافِ. قالَه فى «الفُروعِ» . ونَقَلَه الأَثْرَمُ، والمَيْمُونِيُّ، وحَنْبَلٌ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» ، و «نَظْمِ نِهَايَةِ ابنِ رَزِينٍ» ، وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، وناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وهو منها. وأطْلَقهما فى «الهِدَايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهَادِى» ، و «التلْخِيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المَذْهَبِ الأحْمَدِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» .
وَحَدُّ حَرَمِهَا مَا بَيْنَ ثَوْرٍ إِلَى عَيْرٍ، وَجَعَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَىْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى.
ــ
فائدتان؛ إحْداهما: سَلَبُ القاتِلِ؛ ثِيابُه. قال جماعةٌ، منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: والسَّراوِيلُ. وقال فى «الفُصُولِ» وغيرِه: والزِّينةُ مِنَ السَّلَبِ، كالمِنْطَقَةِ، والسِّوَارِ، والخَاتَمِ، والجُبَّةِ. قال: ويَنْبَغِي أنْ يكونَ مِن آلةِ الاصْطِادِ؛ لأنها آلةُ الفِعْلِ المَحْظُورِ. كما قال فى سَلَبِ المَقْتُولِ. قال غيرُه: وليْستِ الدَّابَّةُ منه. الثَّانيةُ، إذا لم يَسْلُبْه أحدٌ، فإنَّه يتُوبُ إلى لله تِعالَى ممَّا فعَل.
قوله: وحَرَمُها ما بينَ ثَوْرٍ إلى عَيْرٍ. وهو ما بينَ لابَتَيها، وقدْرُه، بَرِيدٌ فى بَرِيدٍ. نصَّ عليه. قال المُصَنّفُ فى «المُغْنى» ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: قال أهْلُ العِلْمِ بالمدِينَةِ: لا يُعْرَفُ بها ثَوْرٌ ولا عَيْرٌ، وإنَّما ما جَبَلان بمَكَّةَ. فيَحْتَمِل أنَّه عليه أفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، أرادَ قَدْرَ ما بينَ ثَوْرٍ إلى عَيْرٍ، وَيحْتَمِلُ أنَّه أَرادَ جبَلَيْن بالمدِينةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسمَّاهُما ثوْرًا وعَيْرًا تَجَوُّزًا (1). والله أعلمُ. وقال فى «المُطْلِعِ» : عَيْرٌ جبَلٌ معْروفٌ بالمدِينَةِ مشْهورٌ. وقد أنكَرَه بعضُهم. قال مُصْعَبٌ الزُّبيْرِىُّ (2): ليس بالمدِينَةِ عَيْرٌ ولا ثَوْرٌ. وأمَّا ثَوْرٌ، فهو جبَلٌ بمَكةَ معْروفٌ، فيه الغارُ الذى تَوارَى فيه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأبو بَكْرٍ رَضِىَ الله عنه. وقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام أنَّه قال:«المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ» . قال عِيَاضٌ: أكثرُ الرُّواةِ فى «البُخَارِىِّ» ذكَرُوا عَيْرًا، فأما ثَوْرٌ، فمِنْهم مَن كنَّى عنه بكذا، ومنهم مَن ترَك مَكانَه بَياضًا؛ لأنَّهم اعْتقَدُوا ذِكْرَ ثَوْرٍ خَطَأ. قال أبو عُبَيْدٍ (3): أصْلُ الحَديثِ، «مِنْ
(1) انظر: المغنى 5/ 191.
(2)
مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الأسدى الزبيرى، أبو عبد الله. الإِمام العلامة بالأنساب وأيام العرب، له كتاب «النسب الكبير» و «نسب قريش» . توفى سنة ست وثلاثين ومائتين. تاريخ بغداد 13/ 112 - 114.
(3)
فى: غريب الحديث 1/ 315، 316.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَيْرٍ إلى أُحُدٍ». وكذا قال الحَازِمِىُّ (1) وجماعةٌ، وقال: الرِّوايَةُ صحيحَةٌ. وقدَّرُوا كما قدَّر المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال فى «المُطلِعِ»: وهذا كلُّه لأنَّهم لا يعْرِفُون ثَوْرًا بالمدِينَةِ، وقد أخْبَرَنا العَلَّامَةُ عَفِيفُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ بنُ مَزْرُوعٍ البَصْرِىُّ (2)، قال: صَحِبْتُ طائفَةً مِنَ العرَبِ مِن بَنِى هَيثمٍ، وكنتُ إذا صَحِبْتُ العرَبَ أسْأَلُهم عمَّا أراه مِن جَبَلٍ أو وادٍ، وغيرِ ذلك، فمرَرْنا بجَبَلٍ خلفَ أُحُدٍ، فقلْتُ: ما يُقالُ لهذا الجَبَلِ؟ قالوا: هذا جَبَلُ ثَوْرٍ. فقلْتُ: ما تقُولُون؟! قالوا: هذا ثَوْرٌ معْروفٌ مِن زَمَنِ آبائِنا وأجْدادِنا. فنَزلْتُ وصلَّيْتُ رَكْعَتَيْن. انتهى. وقال العَلَّامَةُ ابنُ حجَرٍ فى «شَرْحِ البُخَارِىِّ (3)» : وذكَر شيْخُنا أبو بَكْرِ بنُ حُسَيْنٍ المرَاغِىُّ (4)، نزِيلُ المدِينَةِ، فى «مُخْتَصَرِه» لأخْبارِ المدِينَةِ، أنَّ خَلَفَ أهْلِ المدِينَةِ ينْقُلُون عن سَلَفِهم؛ أنَّ خَلْفَ أُحُدٍ، مِن جِهَةِ الشَّمالِ، جبَلًا صغِيرًا إلى الحُمْرَةِ بتَدْويرٍ، يُسَمَّى ثَوْرًا. قال: وقد تحَقَّقْتُه بالمُشاهَدَةِ.
(1) محمد بن موسى بن عثمان الحازمى الهمذانى، أبو بكر. الإِمام الحافظ، الحجة الناقد، النسابة البارع، له كتاب «الناسخ والمنسوخ» و «المؤتلف والمختلف فى أسماء البلدان» . توفى سنة أربع وثمانين وخمسمائة. سير أعلام النبلاء 21/ 167 - 172.
(2)
عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد المصرى البصرى، أبو محمد، عفيف الدين، فقيه حنبلى محدث حافظ. توفى سنة ست وتسعين وستمائة. شذرات الذهب 5/ 435، 436.
(3)
انظر: فتح البارى 4/ 82، 83.
(4)
أبو بكر بن حسين بن عمر العثمانى المراغى المصرى، زين الدين. إمام علامة، ولى قضاء المدينة، واختصر «تاريخ المدينة» . توفى سنة ست عشرة وثمانمائة. شذرات الذهب 7/ 120.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
انتهى. وقال المُحِبُّ الطَّبَرِىُّ (1)، بعدَ حِكايَةِ كلام أبى عُبَيْدٍ ومَن تَبِعَه، قال: أخْبَرنِي الثِّقَةُ العالِمُ عبدُ السَّلامِ البَصْرِىُّ، أنَّ حِذاءَ أُحُدٍ، عن يَسارِه جانِحًا إلى وَرائِه، جَبَلًا صغيرًا يُقالُ له ثَوْرٌ، وأخْبَرَ أنَّه تكَرَّرَ سُؤالُه عنه لطَوائِفَ مِنَ العرَبِ العارِفِين بتِلْك الأرْضِ وما فيها مِنَ الجِبالِ، فكُلٌّ أخْبَرَ أنَّ ذلك الجَبَلَ اسْمُه ثَوْرٌ، وتَوارَدُوا على ذلك. قال: فعَلِمْنا أنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ فى الحديثِ صحيحٌ، وأنَّ عدَمَ عِلْمِ أكابِرِ العُلَماءِ به لعدَمِ شُهْرَتِه، وعدَمِ بَحْثِهم عنه. قال: وهذه فائدَةٌ جلِيلَةٌ. انتهى. وقال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهم: وحَرَمُها ما بينَ جَبَلَيْها. وقيل: كما بينَ ثَوْرٍ إلى عَيْرٍ. وقال فى «الفُروعِ» : وحَرَمُها ما بينَ لابَتَيْها، بَرِيدٌ فى بَرِيدٍ. نصَّ عليه. انتهى. وقد ورَد:«أُحَرِّمُ ما بينَ لابَتَيْهَا» ، وفى رِوايَةٍ:«ما بينَ جَبَلَيْهَا» ، وفى رِوايَة:«ما بينَ مَأْزِمَيْهَا» . قال الحافِظُ العَلَّامَةُ ابنُ حَجَرٍ فى «شَرْحِه» : رِوايَةُ: «ما بَيْنَ لابَتَيْهَا» أرْجَحُ؛ لتَوارُدِ الرِّوايَةِ عليها، ورِوايَةُ:«جَبَلَيْهَا» لا تُنافِيها، فيكونُ عندَ كلِّ جَبَلٍ لابَةٌ. أو «لابَتَيْهَا» مِن جِهَةِ الجَنُوبِ والشَّمالِ، و «جَبَلَيْهَا» مِن جِهَةِ المَشْرِق والمَغْرِبِ، وعاكَسَه فى «المُطْلِعِ» . وأمَّا رِوايَةُ «مَأْزِمَيْهَا» ، فالمَأْزِمُ، المَضِيقُ بينَ الجبَلَيْن، وقد يُطْلَقُ على الجَبَلِ نفسِه.
(1) أحمد بن عبد الله بن محمد الطبري، محب الدين، أبو العباس. إمام حافظ فقيه، شيخ الحرم، له «السمط الثمين فى مناقب أمهات المؤمنين» وغيره. توفى سنة أربع وتسعين وستمائة. الأعلام 1/ 153.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأولَى، مَكَّةُ أفْضَلُ مِنَ المدِينةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، ونَصَره القاضى وأصحابُه وغيرُهم. وأخذَه مِن روايَةِ أبى طالِبٍ، وقد سُئِلَ عن الجِوارِ بمَكَّةَ، فقال: كيف لنا به؟ وقد قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكِ لَأحَبُّ البِقَاعِ إلَى اللهِ، وإنَّكِ لَأحَبُّ البِقَاعِ إلَىَّ» (1). وعنه، المدِينَةُ أفْضَلُ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ وغيرُه. وقال ابنُ عَقِيلٍ فى «الفُنونِ»: الكَعْبَةُ أفْضَلُ مِن مُجَرَّدِ الحُجْرَةِ، فأمَّا وهو فيها، فلا والله وِلا العَرْشُ وحمَلته والجَنَّةُ؛ لأنَّ بالحُجْرَةِ جسَدًا لو وُزِنَ به لرجَح. قال فى «الفُروعِ»: فدَلَّ كلامُ الأصحابِ، أنَّ التُرْبَةَ على الخِلافِ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ: لا أعلَمُ أحَدًا فضَّلَ التُّرْبَةَ على الكَعْبَةِ إلَّا القاضِىَ عِيَاضًا، ولم يَسْبِقْه أحدٌ. وقال فى «الإرْشَادِ» وغيرِه: محَلُّ الخِلافِ، فى المُجاوَرَةِ، وجَزمُوا بأَفضَلِيَّةِ الصَّلاةِ وغيرِها فى مَكةَ. واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّين وغيرُه. قال فى «الفُروعِ»: وهو ظاهِرٌ. ومَعْنَى ما جَزَم به فى «المُغنِى» وغيرِه، أنَّ مَكَّةَ أفْضَلُ، وأنَّ المُجاوَرَةَ بالمَدِينَةِ أفْضَلُ. الثَّانيةُ، تُسْتَحَبُّ المُجاوَرَةُ بمَكَّةَ، ويجُوزُ لمَن هاجرَ منها المُجاوَرَةُ بها. ونقَل حَنْبَلٌ، إنَّما كَرِهَ عمرُ، رَضِىَ الله عنه، الجِوَارَ بمَكَّةَ لمَن هاجَرَ منها. قال فى «الفُروعِ»: فيَحْتَمِلُ القَوْلُ به، فيكونُ فيه رِوايَتان. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: المُجاوَرَةُ فى مَكانٍ يتَمَكَّنُ فيه إيمَانُه وتقوَاه، أفْضَلُ حيثُ كان. انتهى. الثَّالثةُ، تُضاعَفُ الحسَنَةُ والسَّيِّئَةُ بمَكانٍ أو زَمانٍ فاضِلٍ. ذكَرَه القاضى وغيرُه، وابنُ الجَوْزِىِّ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ.
(1) أخرجه الترمذى، فى: باب فى فضل مكة، من أبواب المناقب. عارضة الأحوذى 13/ 280. وابن ماجه، فى: باب فضل مكة، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه 2/ 1037. والدارمى، فى: باب إخراج النبى صلى الله عليه وسلم من مكة، من كتاب السير. سنن الدارمى 2/ 239.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد سُئِلَ فى رِوايَةِ ابنِ مَنْصُورٍ، تُكْتَبُ السَّيِّئةُ أكثرَ مِن واحِدَةٍ؟ قال: لا، إلَّا بمَكَّةَ. وذكَر الآجُرِّىُّ، أنَّ الحَسَناتِ تُضاعَفُ، ولم يَذْكُرِ السَّيِّئاتِ. الرَّابعةُ، لا يَحْرُمُ صَيْدُ وَجٍّ وشَجَرُه، وهو وادٍ بالطَّائفِ، وفيه حديثٌ روَاه أحمدُ، وأبو داودَ، عن الزُّبيْرِ مرْفُوعًا:«إنَّ صَيْدَ وَجٍّ وعِضاهَهُ حَرَمٌ مُحَرمٌ لله» . لكنَّ الحديثَ ضعَّفَه الإمامُ أحمدُ وغيرُه مِنَ النُّقادِ. وقال فى «الرعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن»: ويُباحُ للمُحْرِمِ صَيْدُ وَجٍّ. وهو خَطَأٌ لا شَكَّ فيه؛ لأنَّ الخِلافَ الذى وقَع بينَ العُلَماءِ إنَّما هو فى إباحَتِه للمُحِلِّ، فعندَ الإمامِ أحمدَ، يُباحُ له. وعندَ الشَّافِعِىِّ، لا يُباحُ. وأمَّا المُحْرِمُ، فلا يُباحُ له، بلا نِزاعٍ. واللهُ أعلمُ.