المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فَصْلٌ: سَوْقُ الْهَدْى مَسْنونٌ، لَا يَجِبُ إِلَّا بِالنَّذْرِ. وَيُسْتحَبُّ أنْ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ٩

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌فَصْلٌ: سَوْقُ الْهَدْى مَسْنونٌ، لَا يَجِبُ إِلَّا بِالنَّذْرِ. وَيُسْتحَبُّ أنْ

‌فَصْلٌ:

سَوْقُ الْهَدْى مَسْنونٌ، لَا يَجِبُ إِلَّا بِالنَّذْرِ. وَيُسْتحَبُّ أنْ يَقِفَهُ بِعَرَفَةَ، وَيَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ.

ــ

العاطِبَ والمَعِيبَ قد تعَذَّرَ إجْزاؤُه عنِ الواجِبِ، فخرَجَ حقُّ الفُقَراءِ من ذلك إلى بدَلِه. وأمَّا الضَّالُّ، فحَقُّ الفُقَراء فيه باقٍ، وإنَّما امْتنَعَ حقُّهم لتعَذُّرِه، وهو فَقْدُه. وجزَم فى «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهم، بأنَّه يذْبَحُ البَدَلَ والمُبْدَلَ، كما قطَع به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ.

قوله: فَصْلٌ: سَوْقُ الهَدْى مَسْنُونٌ، ولا يجِبُ إلا بالنَّذْرِ، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يقِفَه بعَرَفَةَ، ويَجْمعَ فيه بينَ الحِلِّ والحرَمِ. بلا نِزاعٍ، فلو اشْترَاه فى الحَرَمِ، ولم

ص: 406

وَيسَنُّ إِشْعَارُ الْبَدَنَةِ، وَهُوَ أنْ يَشُقَّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا حَتَّى يَسِيل الدَّمُ، وَيُقَلِّدُهَا، وَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ النَّعْلَ وَآذَانَ الْقِرَبِ والْعُرَى.

ــ

يُخْرِجْه إلى عرَفَةَ وذَبَحَه، كفَاه. نصَّ عليه.

قوله: ويُسَنُّ إشْعارُ البَدَنَةِ، فيَشُقُّ صَفْحَةَ سَنامِها حتى يسِيلَ الدَّمُ. وكذا مالا سَنَامَ له مِنَ الإِبلِ. وهذا بلا نِزاعٍ، والأَوْلَى أنْ يَكونَ الشَّقُّ فى صَفْحَةِ سَنامِها اليُمْنَى. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «المُغنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وعنه، الشَّقُّ مِنَ الجانبِ الأَيْسَرِ أوْلَى. وعنه،

ص: 407

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الخِيَرَةُ. وأطْلقَهُنَّ فى «التَّلْخيصِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» .

تنبيه: ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يُشْعِرُ غيرَ (1) السَّنامِ، وهو ظاهِرُ كلامِ غيرِه. وقال فى «الكافِى»: يجُوزُ إشْعارُ غيرِ السَّنامِ. وذكَرَه فى «الفُصولِ»

(1) فى الأصل، ط:«عن» .

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عن أحمدَ. وظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ أيضًا، أنَّه لا يُشْعِرُ غيرَ الإِبِلِ. وهو ظاهِرُ كلامِه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفَائقِ» ، وغيرِهم: ويُسَنُّ إشْعارُ مَكانِ ذلك مِنَ البَقَرِ.

قوله: ويُقَلِّدُها ويُقَلِّدُ الغَنَمَ النَّعْلَ وآذانَ القِرَبِ والعُرَى. هذا المذهبُ. يعنى، أنَّه يُسْتَحَبُّ تقْلِيدُ الهَدْى كلِّه، مِنَ الإِبلِ والبَقَرِ والغَنَمِ. نصَّ عليه. وهو ظاهِرُ ما جزَم به فى «الوَجيزِ» . وجزَم به فى «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهما.

ص: 409

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقال فى «المُنْتَخَبِ» : يُقَلِّدُ الغنَمَ فقط. وهو ظاهِرُ كلامِه فى «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِى» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّرْغِيبِ» ،

ص: 410

وَإذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا، فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُهُ شَاةٌ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ.

ــ

و «التَّلْخيصِ» : تقْلِيدُ البُدْنِ جائِزٌ. وقال الإِمامُ أحمدُ: البُدْنُ تُشْعَرُ، والغنَمُ تُقَلَّدُ. ونقَل حَنْبَلٌ، لا يَنْبَغِى أنْ يسُوقَه حتى يُشْعِرَه. ويُجَلِّلَه بثَوْبٍ أبيَضَ، ويُقلِّدَه نعْلًا أو عِلاقَةَ قِرْبَةٍ.

قوله: وإِذا نذَر هَدْيًا مُطْلَقًا، فأقَلُّ ما يجْزِئُهْ شاةٌ، أو سُبْعُ بَدَنَةٍ. وكذا سُبْعُ بقَرَةٍ. وهذا بلا نِزاعٍ، لكنْ لو ذبَح بَدَنَةً، فالصَّحيحُ وُجوبُها كلِّها. قدَّمه فى «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِيَيْن» ، واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. وقيل: الواجِبُ سُبْعُها فقط، والباقِى له أكْلُه والتَّصَرُّفُ فيه. وهما احْتِمالان مُطْلقان فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وهما وَجْهان مُطْلَقان فى «المُذْهَبِ» ، و «الفائقِ» . وتقدَّم نظِيرُها فى آخِرِ بابِ الفِدْيَةِ، عندَ قوْلِه: وكلُّ هَدْىٍ ذكَرْناه يُجْزِئُ فيه شاةٌ، أو سُبْعُ بدَنَةٍ. وذكَرْنا فائِدَةَ الخِلاف هناك.

ص: 411

وإنْ نَذَرَ بَدَنَةً، أَجْزَأَتْهُ بَقَرَة. فَإن عَيَّنَ بِنَذْرِهِ، أَجْزأَهُ مَا عَيَّنَهُ، صَغِيرًا كَانَ أو كبِيرًا، مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِه، وَعَلَيْهِ إيصَالُهُ إِلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ، إِلَّا أنْ يُعَينهُ بِمَوْضِعٍ سِوَاهُ.

ــ

قوله: وإذا نذَر بدَنَةً، أَجْزَأَتْه بقَرَةٌ. إذا نذَرَ بدَنَةً، فتارَةً يَنْوِى، وتارةً يُطْلِقُ، فإنْ نوَى، فقال القاضى وأصحابُه: يَلْزَمُه ما نوَاه. وجزَم به فى «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وإنْ أطْلَقَ، ففى إجْزاءِ البقَرَةِ رِوايَتان. وأطْلَقهما فى «الشَّرْحِ» ؛ إحْداهما، تُجْزِئُ مُطْلَقًا. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وظاهِرُ كلامِه فى «الوَجيزِ» وغيرِه. واخْتارَه المُصَنِّفُ. ونصَرَه القاضى وأصحابُه. وقدَّمه فى «التَّلْخيصِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا تُجْزِئُ البقَرَةُ إلَّا عندَ تعَذُّرِ الإبلِ؛ لأنَّها بَدَلٌ عنه. وتقدَّم نِظيرُ ذلك، عندَ قوْلِه: ومَن وَجَبَتْ عليه بَدَنَة، أجْزَأتْهُ بقَرَةٌ. فى آخِرِ بابِ الفِدْيَةِ.

قوله: فإنْ عَيَّن بنَذْرِه، أجْزأَه ما عيَّنَه، صَغيرًا كان أو كَبِيرًا، مِنَ الحيوانِ وغيرِه، وعليه إيصالُه إلى فُقَراءِ الحَرَمِ، إلا أنْ يُعَيِّنَه بموضِعٍ سِواه. اعلمْ أنَّه إذا عَيَّنَ بنَذْرِه شيئًا إلى مَكَّةَ، أو جعَل دَراهِمَ هَدْيًا، فْهو لأهْلِ الحَرَمِ. نقَلَه المَرُّوْذِىُّ، وابنُ هانِئ. ويَبْعَثُ ثَمَنَ غيرِ المَنْقُولِ. قال الإِمامُ أحمدُ، فى مَن نذَر

ص: 412

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أنْ يُلْقِىَ فِضَّةً فى مَقامِ إبْراهِيمَ: يُلْقِيه بمَكانِ نَذْرِه. واسْتَحَبَّه ابنُ عَقِيلٍ، فيُكَفِّرُ إنْ لم يُلْقِه، وهو لفُقَراءِ الحَرَمِ. وقال القاضى فى «التَّعْليقِ» ، وابنُ عَقِيلٍ فى «المُفْرَداتِ» ، وهو ظاهِرُ كلامِه فى «الرِّعايَةِ»: له أنْ يَبْعَثَ ثَمَنَ المَنْقُولِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: أو يُقَومَه، ويَبْعَثَ القِيمَةَ. وقال القاضى وأصحابُه: إنْ نذَر بَدَنَةً، فللحَرَمِ، لا جَزُورًا، وإنْ نذَر جَذَعَةً، كفَتْ ثَنِيَّةٌ، وأحْسَن (1). ونقَل

(1) فى أ: «واحدة» .

ص: 413

وَيُسْتَحَبُّ أنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ، وَلَا يَأْكُلَ مِنْ وَاجِبٍ، إِلَّا مِنْ دَمِ

ــ

يعْقوبُ، فى مَن جعَل على نَفْسِه أنْ يُضَحِّىَ كلَّ عام بشاتَيْن، فأرادَ عامًا أنْ يُضَحِّىَ بواحدَةٍ، إنْ كان نَذْر فيُوفِى به، وإلا فكفَّارَةُ يَمِين. وإنْ قال: إنْ لَبِسْتُ ثَوْبًا مِن غَزْلِك، فهو هَدْىٌ. فلَبِسَه، أهْدَاه أو ثَمَنَه. على الخِلافِ المُتقَدِّمِ.

قوله: ويُسْتَحبُّ أنْ يأكلَ مِن هَدْيِه. شَمِلَ مسْأَلَتَيْن؛ إحْداهما، أنْ يكونَ

ص: 414

الْمُتْعَةِ وَالْقِرَان.

ــ

تطَوُّعًا، فيُسْتَحبَّ الأَكْلُ منه، بلا نِزاعٍ. وحُكْمُ الأكْلِ هنا والتَّفْرِقَةِ، كالأُضْحِيَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقيل: لا يأْكُلُ هنا إلَّا اليَسِيرَ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْح» ، ونَصَراه. وأطْلقَهما فى «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . والثَّانيةُ، أنْ يكونَ واجِبًا بالتَّعْيِين، مِن غيرِ أنْ يكونَ واجِبًا فى ذِمَّتِه، فيُسْتَحَبَّ الأَكْلُ منه أيضًا. اخْتارَه

ص: 415

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. واقْتَصرَ عليه الزَّرْكَشِىُّ. وهو ظاهِرُ كلامِه فى «الوَجيزِ» وغيرِه. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنه لا يُسْتَحَب الأكْلُ منه. قدَّمه فى «الفُروعِ» .

قوله: ولا يأكُلُ مِن وَاجبٍ، إلَّا مِن دَمِ المُتْعَةِ والقِرَانِ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال: اخْتارَه الأكْثَرُ. قال الزَّرْكَشىُّ: وهو الأشْهَرُ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِى، أنه لا يأكلُ إلَّا مِن دَمِ المُتْعَةِ فقط. قالَه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. لكنْ قال الزَّرْكَشِىُّ: كأنَّ الخِرَقِى اسْتَغْنَى بذِكْرِ التَّمَتُّعِ عنِ القِرَانِ؛ لأنَّه نَوْعُ تَمَتُّعٍ؛ لتَرَفُّهِه بأحَدِ السَّفَرَيْن. انتهى. وقال الآجُرِّى: لا يأْكُلُ مِن هَدْى (1) المُتْعَةِ والقِرَانِ أيضًا. وقدَّمه فى «الرَّوْضَةِ» . وعنه، يأْكُلُ مِنَ الكُلِّ، إلَّا مِنَ النَّذْرِ وجَزاءِ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 416

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّيْدِ. وألْحَقَ ابن أبى مُوسى بهما الكفَّارَةَ، وجوزَ الأَكْلَ ممَّا عدَا ذلك. واخْتارَ أبو بَكْرٍ، والقاضى، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، جَوازَ الأكْلِ مِنَ الأُضْحِيَةِ المَنْذُورَةِ، كالأُضْحِيَةِ، على رِوايَةِ وُجوبِها، فى أصحِّ الوَجْهَيْن، لكِنَّ جُمْهورَ الأصحابِ على خِلافِ ذلك.

فوائد؛ إحْداها، اسْتَحَبَّ القاضى الأَكْلَ مِن دَمِ المُتْعَةِ. الثَّانيةُ، ما جازَ له أكْلُه، جازَ له هَدِيَّتُه، ومالا، فلا، فإنْ فعَل، ضَمِنَه بمثلِه لَحْمًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَعوا به، كبَيْعِه وإتْلافِه. وقال فى

ص: 417

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«النَّصِيحَةِ» : يضْمَنُه بقِيمَتِه، كالأجْنَبِىِّ، بلا نِزاع فيه. الثَّالثةُ، لو منَعَه الفُقَراءَ حتى أَنْتَنَ، فقال فى «الفُصولِ»: عليه قيمَتُه. وقال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ،

ص: 418