المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ بَدَلٌ) . يَعْنِي لِكُلِّ مَا - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ] ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ بَدَلٌ) . يَعْنِي لِكُلِّ مَا

[بَابُ التَّيَمُّمِ]

ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَهُوَ بَدَلٌ) . يَعْنِي لِكُلِّ مَا يَفْعَلُهُ بِالْمَاءِ: مِنْ الصَّلَاةِ، وَالطَّوَافِ، وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ: إنْ احْتَاجَ، وَكَوَطْءِ حَائِضٍ انْقَطَعَ دَمُهَا. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً. وَصَحَّحَهَا ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ عَنْهُ.

فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ لِعَادِمِ الْمَاءِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ الْعَنَتَ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَصَحَّحَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْمُذْهَبِ قَوْلُهُ (وَهُوَ بَدَلٌ لَا يَجُوزُ إلَّا بِشَرْطَيْنِ. أَحَدُهُمَا: دُخُولُ الْوَقْتِ. فَلَا يَجُوزُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلَا لِنَذْرٍ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْهُ) ، هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ تَخْرِيجٌ بِالْجَوَازِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ وَلَا لِنَفْلٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ وَقْتِهِمَا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَخَرَجَ: وَلَا لِنَفْلٍ. وَقِيلَ: مُطْلَقٌ بِلَا سَبَبِ وَقْتِ نَهْيٍ. وَقِيلَ: بَلَى.

وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْفَرْضِ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَالنَّفَلُ الْمُعَيَّنُ أَوْلَى. انْتَهَى.

وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ أَصَحُّ، تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. فَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَافِعٌ: فَيَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا فِي كُلِّ وَقْتٍ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.

ص: 263

قَوْلُهُ (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ) .

فَائِدَةٌ: النَّذْرُ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: كَالْفَرْضِ، وَالْجِنَازَةِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، وَالْكُسُوفِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ: كَالنَّفْلِ قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ. وَفِي قَوْلِهِ " الْجِنَازَةُ كَالنَّفْلِ " نَظَرٌ، مَعَ قَوْلِهِ " وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ كَالْفَرْضِ " إلَّا أَنْ يُرِيدَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا ثَانِيًا. وَيَأْتِي بَيَانُ وَقْتِ ذَلِكَ عَنْهُ. قَوْلُهُ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ".

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (الثَّانِي: الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِعَدَمِهِ) أَنَّ الْعَدَمَ سَوَاءٌ كَانَ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَادِمُ مُطْلَقًا أَوْ مَحْبُوسًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَدَمِ، إلَّا فِي السَّفَرِ. اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْبَابِ " مَنْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ " فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ يُعِيدُ. وَجَزَمَ فِي الْإِفَادَاتِ بِأَنَّ الْعَاصِيَ بِسَفَرِهِ يُعِيدُ. وَيَأْتِي هُنَاكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ، وَالْمُحَرَّمِ، وَالطَّوِيلِ، وَالْقَصِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ خَرَجَ إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ تُقَارِبُ الْبُنْيَانَ وَالْمَنَازِلَ وَلَوْ بِخَمْسِينَ خُطْوَةً: جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ إلَّا فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ الطَّوِيلِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ: يُصَلِّي وَيُعِيدُ بِلَا نِزَاعٍ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: يُعِيدُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَيَأْتِي إذَا خَرَجَ إلَى أَرْضِ بَلَدِهِ لِحَاجَةٍ كَالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ.

ص: 264

وَالثَّانِيَةُ: لَوْ عَجَزَ الْمَرِيضُ عَنْ الْحَرَكَةِ وَعَمَّنْ يُوَضِّئُهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَادِمِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ إنْ انْتَظَرَ مَنْ يُوَضِّئُهُ: تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَنْتَظِرُ مَنْ يُوَضِّئُهُ وَلَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ يَنْتَظِرُ الْمَاءَ قَرِيبًا. فَأَشْبَهَ الْمُشْتَغِلَ بِالِاسْتِقَاءِ. قَوْلُهُ (أَوْ لِضَرَرٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِنْ جُرْحٍ) يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي بَدَنِهِ، أَوْ بَقَاءِ شَيْنٍ، أَوْ نَظَائِرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إلَّا إذَا خَافَ التَّلَفَ. اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (أَوْ بَرْدٍ) يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ بَعْدَ غَسْلِ مَا يُمْكِنُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ. وَعَنْهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ فِي الْحَضَرِ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ: فَتَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " مِنْ جُرْحٍ، أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ، أَوْ مَرَضٍ يُخْشَى زِيَادَتُهُ، أَوْ تَطَاوُلُهُ " وَكَذَا لَوْ خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ وَنَحْوِهَا. قَوْلُهُ (أَوْ عَطَشٍ يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ) إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَطَشَ: حَبَسَ الْمَاءَ، وَتَيَمَّمَ بِلَا نِزَاعٍ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ (أَوْ رَفِيقِهِ) يَعْنِي الْمُحْتَرَمَ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. إذَا وَجَدَ عَطْشَانًا يَخَافُ تَلَفَهُ لَزِمَهُ سَقْيُهُ وَتَيَمَّمَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَجِبُ الدَّفْعُ إلَى الْعَطْشَانِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ

ص: 265

أَبُو بَكْرٍ فِي مُقْنِعِهِ، وَالْقَاضِي: لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، هَلْ يَجِبُ حَبْسُ الْمَاءِ لِلْعَطَشِ الْغَيْرِ الْمُتَوَقَّعِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. أَحَدُهُمَا: لَا يَجِبُ. بَلْ يُسْتَحَبُّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْوَجْهَانِ أَيْضًا فِي خَوْفِهِ عَطَشَ نَفْسِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَلَوْ خَافَ أَنْ يَعْطَشَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ أَوْ أَهْلُهُ، أَوْ عَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ: لَمْ يَجِبْ دَفْعُهُ إلَيْهِ. وَقِيلَ: بَلَى بِثَمَنِهِ، إنْ وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِ الْعَطْشَانِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ بِحَالٍ. انْتَهَى.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: إذَا وَجَدَ الْخَائِفُ مِنْ الْعَطَشِ مَاءً طَاهِرًا، أَوْ مَاءً نَجِسًا، يَكْفِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا لِشُرْبِهِ: حَبَسَ الطَّاهِرَ لِشُرْبِهِ، وَأَرَاقَ النَّجِسَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْ شُرْبِهِ. فَإِنْ خَافَ، حَبَسَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَوَضَّأُ بِالطَّاهِرِ، وَيَحْبِسُ النَّجِسَ لِشُرْبِهِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: يَشْرَبُ الْمَاءَ النَّجِسَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ. فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: إطْلَاقُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ، يَعْنِي بِاللُّزُومِ. وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَاءِ: يَمَّمَهُ رَفِيقُهُ الْعَطْشَانُ. وَغَرِمَ ثَمَنَهُ فِي مَكَانِهِ وَقْتَ إتْلَافِهِ لِوَرَثَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي النِّهَايَةِ: وَإِنْ غَرِمَهُ

ص: 266

مَكَانَهُ فَبِمِثْلِهِ. وَقِيلَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى بِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْمُقْنِعِ، وَالتَّنْبِيهِ، وَقِيلَ: رَفِيقُهُ أَوْلَى إنْ خَافَ الْمَوْتَ، وَإِلَّا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى. وَيَأْتِي حُكْمُ فَضْلَةِ الْمَاءِ مِنْ الْمَيِّتِ آخِرَ الْبَابِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ خَافَ فَوْتَ رُفْقَةٍ: سَاغَ لَهُ التَّيَمُّمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوْتِ الرُّفْقَةِ، لِفَوْتِ الْإِلْفِ وَالْأُنْسِ. قَالَ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ بَهِيمَتِهِ " أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ، وَيَدَعُ الْمَاءَ لِخَوْفِهِ عَلَى بَهِيمَةِ غَيْرِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِهِ عَلَى بَهِيمَةِ غَيْرِهِ كَبَهِيمَتِهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. فَإِنَّ قَوْلَهُ " أَوْ رَفِيقِهِ أَوْ بَهِيمَتِهِ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي " بَهِيمَتِهِ " إلَى " رَفِيقِهِ " فَتَقْدِيرُهُ: أَوْ بَهِيمَةِ رَفِيقِهِ. فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِلْمَذْهَبِ، وَهُوَ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ. وَالثَّانِي: مُرَادُهُ بِالْبَهِيمَةِ: الْبَهِيمَةُ الْمُحْتَرَمَةُ كَالشَّاةِ، وَالْحِمَارَةِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَكَلْبِ الصَّيْدِ، وَنَحْوِهِ، احْتِرَازًا مِنْ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ، وَالْخِنْزِيرِ وَنَحْوِهِمَا.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ (أَوْ خَشْيَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ) لَوْ خَافَتْ امْرَأَةٌ عَلَى نَفْسِهَا فُسَّاقًا فِي طَرِيقِهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ: بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَيْهِ. وَتَتَيَمَّمُ وَتُصَلِّي، وَلَا تُعِيدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَيَمَّمُ. وَلَا تُعِيدُ، وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: تَتَيَمَّمُ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: تُعِيدُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَبْعَدَ مَنْ قَالَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَعَنْهُ. لَا أَدْرِي.

ص: 267

تَنْبِيهَاتٌ

أَحَدُهَا: قَوْلُهُ (أَوْ خَشْيَةً عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ فِي طَلَبِهِ) لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَوْفُهُ مُحَقَّقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ كَانَ خَوْفُهُ جُبْنًا، لَا عَنْ سَبَبٍ يُخَافُ مِنْ مِثْلِهِ: لَمْ تُجْزِهِ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاحَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَيُعِيدَ، إذَا كَانَ مِمَّنْ يَشْتَدُّ خَوْفُهُ. الثَّانِي: لَوْ كَانَ خَوْفُهُ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ. فَتَبَيَّنَ عَدَمُ السَّبَبِ، مِثْلُ مَنْ رَأَى سَوَادًا بِاللَّيْلِ ظَنَّهُ عَدُوًّا فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ. أَحَدُهُمَا: لَا يُعِيدُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالصَّحِيحُ لَا يُعِيدُ لِكَثْرَةِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ فِي الْأَسْفَارِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْخَوْفِ. فَإِنَّهَا نَادِرَةٌ فِي نَصِّهَا. وَهِيَ كَذَلِكَ أَنْدَرُ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: يُعِيدُ. الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِغَيْرِ الْأَعْذَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: إنْ احْتَاجَ الْمَاءُ لِلْعَجْنِ وَالطَّبْخِ وَنَحْوِهَا: تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّ الْخَوْفَ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى الْأَمْنِ، بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ فِي غَازٍ بِقُرْبِهِ الْمَاءُ يَخَافُ إنْ ذَهَبَ عَلَى نَفْسِهِ: لَا يَتَيَمَّمُ، وَيُؤَخِّرُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. قَوْلُهُ (إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ) يَعْنِي يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا أَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ

ص: 268

وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ إنْ كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ لَا تُجْحِفُ بِهِ زِيَادَةً لَزِمَهُ الشِّرَاءُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ " أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً: يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يَلْزَمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ. ذَكَرَهُمَا أَبُو الْحُسَيْنِ فَمَنْ بَعْدَهُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُمَا احْتِمَالٌ. وَأَطْلَقَهُمَا وَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ: أَحْمَدُ تُوقَفُ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: ثَمَنُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي شِرَاءِ الْمُسَافِرِ لَهُ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ، أَوْ مِثْلُهَا غَالِبًا عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِأُجْرَةِ النَّقْلِ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي التَّلْخِيصِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الثَّمَنُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ، وَوَجَدَهُ يُبَاعُ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ قَالَهُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الظِّهَارِ. وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: أَوْ بِثَمَنٍ مِثْلِهِ، وَلَوْ فِي ذِمَّتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (أَوْ تَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ)

ص: 269

قَالَ فِي الْمَطْلَعِ: تَقْدِيرُهُ: يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِكَذَا وَكَذَا، أَوْ لِتَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ. قَالَ فِي الْمُقْنِعِ. تَقْدِيرُهُ: يُبَاحُ التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِكَذَا أَوْ كَذَا، لِتَعَذُّرِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ. فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ مُثْبَتٍ. وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ تَعَذُّرَهُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ، إلَّا فِي صُورَةِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهِيَ حُصُولُهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنٍ مِثْلِهِ، وَحُصُولُهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ مُبِيحٌ أَيْضًا لِلتَّيَمُّمِ. وَصُورَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مُوَافِقَةٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ. قَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا: الْإِشْكَالُ فِي اللَّفْظِ. وَتَصْحِيحُهُ: أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ مَنْفِيٍّ مَعْنًى. فَإِنَّ قَوْلَهُ " أَوْ تَعَذُّرِهِ " فِي مَعْنَى قَوْلِهِ " وَبِكَوْنِهِ لَا يَحْصُلُ الْمَاءُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ " فَيَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغًا؛ لِأَنَّ " بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ " مُتَعَلِّقٌ " مَا لَمْ يَحْصُلْ " وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمُفَرَّغُ مَا قَبْلَ " إلَّا " وَمَا بَعْدَهُ فِيهِ كَلَامٌ وَاحِدٌ. فَيَصِيرُ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ: يُبَاحُ التَّيَمُّمُ بِأَشْيَاءَ: مِنْهَا: حُصُولُ الْمَاءِ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ، أَوْ ثَمَنٍ يُعْجَزُ عَنْ أَدَائِهِ. ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا تَكَلَّمْت عَلَى إعْرَابِ هَذَا، لِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا ذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَاسِدَةٌ. انْتَهَى.

قُلْت: وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا هُوَ أَوْضَحُ مِمَّا قَالَ، بِأَنْ يُقَالَ: اسْتِثْنَاءُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْمَفْهُومِ. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ، وَلَكِنْ وُجِدَ، وَمَا يُبَاعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ، أَوْ بِثَمَنٍ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْمَاءِ قَرْضًا، وَكَذَا ثَمَنُهُ، وَلِي مَا يُوفِيهِ.

قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ الْمُرَادُ. وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ هِبَةً مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ قَبُولُهُ إذَا كَانَ عَزِيزًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ مُطْلَقًا. وَلَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِ الْمَاءِ هِبَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 270

وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ. وَلَا يَلْزَمُهُ اقْتِرَاضُ ثَمَنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ. الثَّانِيَةُ: حُكْمُ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ: حُكْمُ الْمَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُمَا عَارِيَّةً.

قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ بَعْضُ بَدَنِهِ جَرِيحًا تَيَمَّمَ لَهُ. وَغَسَلَ الْبَاقِي)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ لِلْجُرْحِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ مَسْحُ الْجُرْحِ بِالْمَاءِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَمْسَحُ الْجُرْحَ بِالتُّرَابِ أَيْضًا. قَالَهُ الْقَاضِي فِي مُقْنِعِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقِيلَ: يَمْسَحُ الْجُرْحَ. وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَلَوْ سَافَرَ لِمَعْصِيَةٍ. فَأَصَابَهُ جُرْحٌ، وَخَافَ التَّلَفَ بِغُسْلِهِ: لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ مَسْحُهُ بِالْمَاءِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَحْدَهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: هُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. وَعَنْهُ يُجْزِيهِ الْمَسْحُ فَقَطْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَوْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ وَيَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ، فَمَسْحُهُ بِالْمَاءِ: أَوْلَى مِنْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ، وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ التَّيَمُّمِ. وَنَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ. وَاخْتَارَهُ هُوَ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَتَيَمَّمُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ يَتَيَمَّمُ أَيْضًا مَعَ الْمَسْحِ. قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ فِي التَّلْخِيصِ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ عِنْدَهُ: إذَا كَانَ الْجُرْحُ طَاهِرًا. أَمَّا إنْ كَانَ نَجِسًا: فَلَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ هَانِئٍ: مَسْحُ الْبَشَرَةِ لِعُذْرٍ كَجَرِيحٍ. وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا، وَهُوَ أَوْلَى.

فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ كَانَ عَلَى الْجُرْحِ عِصَابَةٌ، أَوْ لُصُوقٌ، أَوْ جَبِيرَةٌ كَجَبِيرَةِ الْكَسْرِ:

ص: 271

أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ وَيَتَيَمَّمُ مَعَهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْجَبِيرَةِ فِي آخِرِ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُسْتَوْفًى فَلْيُعَاوَدْ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْجُرْحُ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ: لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةُ، عِنْدَ أَصْحَابِنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا الْجَرِيحُ الْمُتَوَضِّئُ، فَعِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَى مَا بَعْدَهُ، حَتَّى يَتَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ، نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ، وَأَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مَعَ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، إنْ اُعْتُبِرَتْ الْمُوَالَاةُ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: هَذَا الْمَشْهُورُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيُرَتِّبُهُ غَيْرُ الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ. وَيُوَالِيهِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا، إنْ جَرَحَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ: لَا يَجِبُ تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ. اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجِبَ هَذَا التَّرْتِيبُ. وَعَلَّلَهُ وَمَالَ إلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرَتَّبَ. وَقَالَ أَيْضًا: لَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: الْفَصْلُ بَيْنَ أَنَّهَا فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَيَمَّمَ وَوَجْهٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُجْعَلُ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ فِي مَكَانِ الْعُضْوِ الَّذِي يَتَيَمَّمُ بَدَلًا عَنْهُ. فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ فِي وَجْهِهِ، لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ. ثُمَّ يَغْسِلُ صَحِيحَ وَجْهِهِ، ثُمَّ يُكْمِلُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي عُضْوٍ آخَرَ: لَزِمَهُ غَسْلُ مَا قَبْلَهُ. ثُمَّ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْوَجْهِ. وَإِنْ كَانَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ: احْتَاجَ فِي كُلِّ عُضْوٍ إلَى تَيَمُّمٍ فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ، لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا: يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ مَعَ التَّيَمُّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ مَعَ وُضُوئِهِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، إنْ اُعْتُبِرَتْ الْمُوَالَاةُ. صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.

ص: 272

وَأَمَّا إنْ كَانَ الْجُنُبُ جَرِيحًا: فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ تَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ قَبْلَ غَسْلِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ شَاءَ غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ: لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَيَتَيَمَّمُ لِلْبَاقِي، إنْ كَانَ جُنُبًا) ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ: لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: يَلْزَمُهُ فِي الْجَنَابَةِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ. وَيُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ.

حَكَاهَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فَمَنْ بَعْدَهُ.

تَنْبِيهٌ فِي قَوْلِهِ " لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِلْبَاقِي " إشْعَارٌ أَنَّ تَيَمُّمَهُ يَكُونُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ: فَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْجَنَابَةِ جَازَ. وَقَالَ هُوَ وَغَيْره: يَسْتَعْمِلُهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَحَكَى الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ، كَالْمُصَنَّفِ. وَفِي النَّوَادِرِ، وَالرِّعَايَةِ: رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ.

وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

ص: 273

تَنْبِيهٌ: قَالَ بَعْضُهُمْ: أَصْلُ الْوَجْهَيْنِ: اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمُوَالَاةِ.

نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمَجْدُ: يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ، فَهُوَ كَالْجُنُبِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَرَدُّوا الْأَوَّلَ بِأُصُولٍ كَثِيرَةٍ. وَقِيلَ: هَذَا يَنْبَنِي عَلَى جَوَازِ تَفْرِيقِ النِّيَّةِ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ ثُمَّ خَلَعَهُ: يُجْزِئُهُ غَسْلُ قَدَمَيْهِ، لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ: لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا غَسْلُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ. فَوَائِدُ

إحْدَاهُمَا: إذَا قُلْنَا: لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ، فَلَا يَلْزَمُهُ إرَاقَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ الْأَصْغَرِ. وَحَكَى ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ فِي إرَاقَتِهِ قَبْلَ تَيَمُّمِهِ رِوَايَتَيْنِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ، وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا: غَسَلَ النَّجَاسَةَ وَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الْمَجْدُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلٍّ يَصِحُّ تَطْهِيرُهُ مِنْ الْحَدَثِ. فَيَسْتَعْمِلُهُ فِيهِ عَنْهُمَا. وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ، تَحْقِيقًا لِشُرُوطِهِ. وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبِهِ فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ.

الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: لَوْ وَجَدَ تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ لِلتَّيَمُّمِ، فَقُلْت: يَسْتَعْمِلُهُ مَنْ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ، ثُمَّ يُصَلِّي، ثُمَّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ إنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ: بَطَلَ تَيَمُّمُهُ.

قُلْت: إنْ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بَطَلَ، وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ طَلَبُهُ فِي رَحْلِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ) .

ص: 274

هَذَا الْمَذْهَبُ بِشُرُوطِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ. قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي لُزُومِ الطَّلَبِ: إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ الْمَاءِ وَعَدَمَهُ.

أَمَّا إنْ تَحَقَّقَ عَدَمَ الْمَاءِ: فَلَا يَلْزَمُ الطَّلَبُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. مِنْهُمْ: ابْنُ تَمِيمٍ، وَإِنْ ظَنَّ وُجُودَهُ: إمَّا فِي رَحْلِهِ، أَوْ رَأَى خَضِرَةً وَنَحْوَهَا: وَجَبَ الطَّلَبُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إجْمَاعًا، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُجُودِهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. ذَكَرَهَا فِي التَّبْصِرَةِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ لُزُومُ الطَّلَبِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ لَوْ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ فِي الْمَاءِ: بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي صَلَاةٍ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ مِنْ رَفِيقِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْ دَلَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. الثَّانِيَةُ: وَقْتُ الطَّلَبِ: بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ. فَلَا أَثَرَ لِطَلَبِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَيَلْزَمُهُ الطَّلَبُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ بِشَرْطِهِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " لَزِمَهُ طَلَبُهُ فِي رَحْلِهِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ " صِفَةُ الطَّلَبِ: أَنْ يُفَتِّشَ فِي رَحْلِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ. وَيَسْأَلَ رُفْقَتَهُ عَنْ مَوَارِدِ مَاءٍ، أَوْ عَنْ مَاءٍ مَعَهُمْ لِيَبِيعُوهُ لَهُ، أَوْ يَبْذُلُوهُ.

كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْ صِفَتِهِ: أَنْ يَسْعَى عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وَأَمَامَهُ وَوَرَاءَهُ، إلَى مَا قَرُبَ مِنْهُ.

مِمَّا عَادَةُ الْقَوَافِلِ السَّعْيُ إلَيْهِ، لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى، وَإِنْ رَأَى خَضِرَةً، أَوْ شَيْئًا

ص: 275

يَدُلُّ عَلَى الْمَاءِ: قَصَدَهُ فَاسْتَبْرَأَهُ، وَإِنْ رَأَى نَشْزًا، أَوْ حَائِطًا. قَصَدَهُ، وَاسْتَبَانَ مَا عِنْدَهُ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَهُوَ عَادِمٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ سَائِرًا طَلَبُهُ أَمَامَهُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ ظَنَّهُ فَوْقَ جَبَلٍ بِقُرْبِهِ عَلَاهُ، وَإِنْ ظَنَّهُ وَرَاءَهُ فَوَجْهَانِ، مَعَ أَمْنِهِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا قَوْلُهُ (فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ قَرِيبًا لَزِمَهُ قَصْدُهُ) .

يَعْنِي إذَا دَلَّهُ ثِقَةٌ. وَهَذَا صَحِيحٌ، لَكِنْ لَوْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ لَمْ يَلْزَمْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ فَائِدَةٌ: الْقَرِيبُ: مَا عُدَّ قَرِيبًا عُرْفًا عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: مِيلٌ. وَقِيلَ: فَرْسَخٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: مَا تَتَرَدَّدُ الْقَوَافِلُ إلَيْهِ فِي الْمَرْعَى وَنَحْوِهِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَهُوَ أَظْهَرُ. وَفَسَّرُوهُ بِالْعُرْفِ، وَقِيلَ.

مَا يَلْحَقُهُ الْفَوْتُ. ذَكَرَ الْأَخِيرِينَ فِي التَّلْخِيصِ، وَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ.

مَدُّ بَصَرِهِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " قَرِيبًا " أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَصْدُهُ إذَا كَانَ بَعِيدًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اعْتَبَرَ اشْتِرَاطَ الْقُرْبِ. قَالَ: وَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى الْقُرْبِ. وَقِيلَ: وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَوَائِدُ:

إحْدَاهُمَا: لَوْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ إلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِهِ لِحَاجَةٍ، كَالْحِرَاثَةِ وَالِاحْتِطَابِ، وَالِاحْتِشَاشِ، وَالصَّيْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: حَمْلُ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَحْمِلُهُ.

فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: يَتَيَمَّمُ إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ بِرُجُوعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّيَمُّمِ: لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، يُعِيدُ، لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ.

ص: 276

وَمَحَلُّ هَذَا: إذَا أَمْكَنَهُ حَمْلُهُ.

أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ حَمْلُهُ، وَلَا الرُّجُوعُ لِلْوُضُوءِ إلَّا بِتَفْوِيتِ حَاجَتِهِ: فَلَهُ التَّيَمُّمُ. وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى. وَلَوْ كَانَتْ حَاجَتُهُ فِي أَرْضِ قَرْيَةٍ أُخْرَى. فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ مَرَّ بِمَاءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، أَوْ كَانَ مَعَهُ فَأَرَاقَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ وَعَدِمَ الْمَاءَ: صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ. وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَرَّ بِهِ فِي الْوَقْتِ وَأَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ. قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، أَوْ كَانَ مَعَهُ فَأَرَاقَهُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ بَاعَهُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ وَهَبَهُ فِيهِ: جَزَمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِلَا نِزَاعٍ. وَلَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَشْهَرُهَا لَا يَصِحُّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَصِحَّ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ. فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا.

[قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا] . وَقِيلَ: يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَالْهِبَةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ فِيهِمَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِبَةِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَيَأْتِي إذَا آثَرَ أَبَوَيْهِ بِالْمَاءِ آخِرَ الْبَابِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى بَعْدَ إعْدَامِ الْمَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِرَاقَةِ، وَالْمُرُورِ، وَالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ أَوْ وُهِبَ لَهُ مَاءٌ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى بَعْدَمَا تَلِفَ. فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرَاقَةِ وَالْهِبَةِ: فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرَاقَةِ، وَالْمُرُورِ: فِي الْفَائِقِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. جَزَمَ فِي الْإِفَادَاتِ بِالْإِعَادَةِ فِي الْإِرَاقَةِ، وَالْهِبَةِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، فِي الْمُرُورِ بِهِ وَالْإِرَاقَةِ، وَفِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى فِي الْمُرُورِ بِهِ،

ص: 277

قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: فَإِنْ تَيَمَّمَ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ: لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ فَهُوَ كَالْإِرَاقَةِ، وَنَصَّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الْكُلِّ. وَقِيلَ: يُعِيدُ إنْ أَرَاقَهُ. وَلَا يُعِيدُ إنْ مَرَّ بِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَسِيَ الْمَاءَ بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَتَيَمَّمَ، لَمْ يُجْزِهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْأَثْرَمِ، وَمُهَنَّا، وَصَالِحٍ، وَابْنِ الْقَاسِمِ. كَمَا لَوْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ فَكَفَّرَ بِالصِّيَامِ. وَعَنْهُ يُجْزِئُ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ، وَالْمُجَرَّدِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالْآمِدِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَغَيْرُهُمْ. وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ. حَكَاهَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَائِدَةٌ: الْجَاهِلُ بِهِ كَالنَّاسِي.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْمَاءُ بِمَوْضِعٍ يَظْهَرُ بِهِ تَفْرِيطُهُ وَتَقْصِيرُهُ فِي طَلَبِهِ. بِأَنْ يَجِدَهُ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ، أَوْ بِبِئْرٍ بِقُرْبِهِ أَعْلَامُهَا ظَاهِرَةٌ. فَأَمَّا إنْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ، وَفِيهِ الْمَاءُ، وَقَدْ طَلَبَهُ، أَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ أَعْلَامُهَا خَفِيَّةٌ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ. وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: يُعِيدُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْبِئْرِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، فِيمَا إذَا ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ. وَأَمَّا إذَا أُدْرِجَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ ضَلَّ مَوْضِعُ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهَا. فَقِيلَ: لَا يُعِيدُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. فَقَالَ: الصَّحِيحُ الَّذِي نَقْطَعُ بِهِ: أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُفَرِّطًا، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ. وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقِيلَ: يُعِيدُ، وَاخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِيهَا. وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي الثَّانِيَةِ: أَنَّهُ كَالنَّاسِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْأُولَى فِي الرِّعَايَةِ.

ص: 278

وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ مَعَ عَبْدِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ السَّيِّدُ، وَنَسِيَ الْعَبْدُ أَنْ يُعْلِمَهُ حَتَّى صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ. فَقِيلَ: لَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ غَيْرِهِ. وَقِيلَ: هُوَ كَنِسْيَانِهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: يُعِيدُ إذَا جَهِلَ الْمَاءَ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ، وَالنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا) . يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ بِلَا نِزَاعٍ، وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا، وَلِعَدَمِ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيهِمَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ مُطْلَقًا، وَنَصَرَهُ شَيْخُنَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُشْرَعُ التَّيَمُّمُ لِنَجَاسَةِ الْبَدَنِ لِعَدَمِ الْمَاءِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةٍ أَصْلًا، بَلْ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَصَلَّى: فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، إلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) . يَعْنِي إذَا كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى بَدَنِهِ إعَادَةٌ لِعَدَمِ الْمَاءِ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى جُرْحٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الشَّارِحُ. قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَا يُعِيدُ عَلَى الْأَظْهَرِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا إعَادَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ،

ص: 279

وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى جُرْحِهِ نَجَاسَةٌ تَضُرُّهُ إزَالَتُهَا. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ يَعْنِي: إذَا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَذَكَرَ فِي الْكَافِي قَوْلَ أَبِي الْخَطَّابِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: فِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَعَنْهُ يُعِيدُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ. وَعَنْهُ يُعِيدُ فِي الْحَضَرِ. وَأَطْلَقَ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا، وَعَدَمَهَا مُطْلَقًا فِي الْفَائِقِ.

تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ بِبَدَنِهِ نَجَاسَةُ مَاءٍ تَيَمَّمَ لَهَا. فَإِنْ عَدِمَ التُّرَابَ صَلَّى. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. فَإِنْ قُلْنَا: يُعِيدُ، فَهَلْ يُعِيدُ إذَا تَيَمَّمَ لَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ [انْتَهَى، وَالصَّحِيحُ: عَدَمُ الْإِعَادَةِ. قَالَ الْمَجْدُ: نَصَّ عَلَيْهِ، وَشَهَرَهُ النَّاظِمُ، وَصَحَّحَهُ فِي: تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَبِاِتِّخَاذِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ] . قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: الْخِلَافُ فِي الْإِعَادَةِ هُنَا فَرْعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ إذَا صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ، ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَتَيَمَّمُ لِنَجَاسَةٍ أَصْلًا، بَلْ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ إذَا تَيَمَّمَ لِلنَّجَاسَةِ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَرْعٌ عَلَى رِوَايَةِ إيجَابِ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ عَاجِزًا عَنْ إزَالَتِهَا، وَعَنْ التَّيَمُّمِ لَهَا. فَأَمَّا إذَا قُلْنَا: لَا إعَادَةَ هُنَاكَ، فَلَا إعَادَةَ مَعَ التَّيَمُّمِ وَجْهًا وَاحِدًا. انْتَهَى.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِجَمِيعِ الْأَحْدَاثِ، وَالنَّجَاسَةِ عَلَى جُرْحٍ) أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلنَّجَاسَةِ عَلَى ثَوْبِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَتَى قُلْنَا: يُجْزِئُ ذَلِكَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَالْحِذَاءِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِالْأَرْضِ: فَقَدْ دَخَلَ الْجَامِدُ فِي غَيْرِ الْبَدَنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَهُوَ بَعِيدٌ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: أَرَادَ بِذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَحَكَى قَوْلَهُ. انْتَهَى.

ص: 280

وَأَمَّا الْمَكَانُ: فَلَا يَتَيَمَّمُ لَهُ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَيَأْتِي إذَا كَانَ مُحْدِثًا وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ: هَلْ يُجْزِئُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تَجِبُ النِّيَّةُ لِلتَّيَمُّمِ لِلنَّجَاسَةِ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ (يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا تَيَمَّمَ لَهُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ) .

فَائِدَةٌ: يَلْزَمُهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ النَّجَاسَةِ مَا أَمْكَنَهُ بِمَسْحِهِ، أَوْ حَتَّهُ بِالتُّرَابِ، أَوْ غَيْرِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يَمْسَحُهَا بِالتُّرَابِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهَا أَثَرٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ يَتَيَمَّمْ فِي الْحَضَرِ خَوْفًا مِنْ الْبَرْدِ وَصَلَّى فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ) . يَعْنِي إذَا قُلْنَا: بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. إحْدَاهُمَا: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُغْنِي، وَابْنُ رَزِينٍ. قَالَ فِي النَّظْمِ: هَذَا أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: لَمْ يُعِدْ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَالثَّانِيَةُ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، كَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْخِينِهِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَعَادَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ خَوْفًا مِنْ الْبَرْدِ فِي السَّفَرِ: أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ. وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

ص: 281

تَنْبِيهٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُعِيدُ هُنَا. فَهَلْ الْأُولَى فَرْضُهُ، أَوْ الثَّانِيَةُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. أَحَدُهُمَا: الْأُولَى فَرْضُهُ. وَالثَّانِي: الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ. قُلْت: هَذَا الْأُولَى، وَإِلَّا لَمَّا كَانَ فِي الْإِعَادَةِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ. [ثُمَّ وَجَدْته جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَنَقَلَهُ عَنْ الْقَاضِي] وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. وَقُلْنَا: يُعِيدُ، هَلْ الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ؟ . قَوْلُهُ (وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَيَفْعَلُهَا وُجُوبًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ. وَعَنْهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ فَيَقْضِيهَا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَوَجَّهُ لَوْ فَعَلَ مَاشِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا تُجْزِيهِ مَعَ الْعَجْزِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ. قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ جَزَمَ جَدُّهُ وَجَمَاعَةٌ بِخِلَافِهِ. قُلْت: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: يَقْرَأُ الْجُنُبُ فِيهَا مَا يُجْزِئُ فَقَطْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَيْضًا: وَلَا يَتَنَفَّلُ. ثُمَّ قَالَ: قُلْت: وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ، وَتَسْبِيحٍ وَتَشَهُّدٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: وَلَا يَقْرَأُ جُنُبٌ فِي غَيْرِ صَلَاةِ فَرْضٍ شَيْئًا مَعَ عَدَمِهِمَا. انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ إنْ كَانَ جُنُبًا. قَوْلُهُ (وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ.

ص: 282

إحْدَاهُمَا: لَا يُعِيدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ صَحَّحَهَا فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالْمَجْدِ، وَصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَشْهُورُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَنَصَّ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا. وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُعِيدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَعَادَ عَلَى الْأَقْيَسِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَأَعَادَ فِي رِوَايَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ: لَوْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ، وَأَعَادَ عَلَى الصَّحِيحِ، نَصَّ عَلَيْهِ، زَادَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ. وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ بِوِجْدَانِ التُّرَابِ. فَعَلَى الْمَنْصُوصِ: إنْ قَدَرَ فِيهَا عَلَيْهِ خَرَجَ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَهُوَ كَمُتَيَمِّمٍ يَجِدُ الْمَاءَ عَلَى مَا يَأْتِي. فَوَائِدُ مِنْهَا: عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِعَادَةِ: الثَّانِيَةُ فَرْضُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَقِيلَ: الْأُولَى فَرْضُهُ. وَقِيلَ: هُمَا فَرْضُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقِيلَ: إحْدَاهُمَا فَرْضُهُ لَا بِعَيْنِهَا. وَمِنْهَا: لَوْ أَحْدَثَ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ وَجَدَ الْمُصَلِّي الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ وَقُلْنَا: تُعَادُ مَعَ دَوَامِ الْعَجْزِ خَرَجَ مِنْهَا، وَإِلَّا أَتَمَّهَا إنْ شَاءَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. قُلْت: الْأُولَى: عَدَمُ الْبُطْلَانِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهَا. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَمَنْ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ اخْتَصَّ مُبْطِلُهَا بِحَالَةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا لَمْ يُغَسَّلْ. وَلَا يَتَيَمَّمُ بِغُسْلِهِ مُطْلَقًا،

ص: 283

وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِهِ، وَالْأَصَحُّ: وَبِالتَّيَمُّمِ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِأَحَدِهِمَا مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ بِوُضُوءٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ. فَإِنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَنْهُ، وَيُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ. ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْإِعَادَةِ: كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. فَالْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ هُنَاكَ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ، لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ يَجُوزُ بِالسَّبْخَةِ أَيْضًا. وَعَنْهُ بِالرَّمْلِ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَيَّدَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِالرَّمْلِ وَالسَّبْخَةِ: بِأَنْ يَكُونَ لَهُ غُبَارٌ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالرَّمْلِ مُطْلَقًا. نَقَلَهَا عَنْهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِمَا عِنْدَ الْعَدَمِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا بِالنُّورَةِ وَالْجَصِّ. نَقَلَهَا ابْنُ عَقِيلٍ. وَقِيلَ: يَجُوزُ بِمَا تَصَاعَدَ عَلَى الْأَرْضِ لَا بِعَدَمٍ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ بِكُلِّ طَاهِرٍ تَصَاعَدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، مِثْلُ الرَّمْلِ، وَالسَّبْخَةِ، وَالنُّورَةِ، وَالْكُحْلِ، وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ. وَيُصَلِّي. وَهَلْ يُعِيدُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: جَوَازَ التَّيَمُّمِ بِغَيْرِ التُّرَابِ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَجِدْ تُرَابًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بِتُرَابٍ طَاهِرٍ " التُّرَابُ الطَّهُورُ، وَمُرَادُهُ. غَيْرُ التُّرَابِ الْمُحْتَرِقِ. فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِقًا لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ " بِتُرَابٍ " لَوْ ضَرَبَ عَلَى يَدٍ أَوْ عَلَى ثَوْبٍ، أَوْ بِسَاطٍ، أَوْ حَصِيرٍ، أَوْ حَائِطٍ، أَوْ صَخْرَةٍ، أَوْ حَيَوَانٍ، أَوْ بَرْذَعَةِ حِمَارٍ، أَوْ شَجَرٍ، أَوْ خَشَبٍ،

ص: 284

أَوْ عِدْلٍ، أَوْ شَعْرٍ، وَنَحْوِهِ: مِمَّا عَلَيْهِ غُبَارٌ طَهُورٌ يَعْلَقُ بِيَدِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ. فَوَائِدُ مِنْهَا: أَعْجَبَ الْإِمَامَ أَحْمَدَ حَمْلُ التُّرَابِ لِأَجْلِ التَّيَمُّمِ. وَعَنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ: لَا يَحْمِلُهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ أَسْفَارِهِمْ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالطِّينِ. قَالَ الْقَاضِي: بِلَا خِلَافٍ. انْتَهَى.

لَكِنْ إنْ أَمْكَنَهُ تَجْفِيفُهُ وَالتَّيَمُّمُ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ ذَلِكَ. وَلَا يَلْزَمُهُ إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي. وَمِنْهَا: لَوْ وَجَدَ ثَلْجًا وَلَمْ يُمْكِنْ تَذْوِيبُهُ، لَزِمَهُ مَسْحُ أَعْضَائِهِ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. قَالَ الْقَاضِي: مَسْحُ الْأَعْضَاءِ بِالثَّلْجِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَإِنْ كَانَ يَجْرِي إذَا مَسَّ يَدَهُ: وَجَبَ، وَلَا إعَادَةَ. وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ: لَا يَتَيَمَّمُ بِالثَّلْجِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: فِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا. يَلْزَمُهُ، قَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ نَحَتَ الْحِجَارَةَ كَالْمِكْدَنِ، وَالْمَرْمَرِ وَنَحْوِهِمَا، حَتَّى صَارَ تُرَابًا: لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَإِنْ دَقَّ الطِّينَ الصُّلْبَ، كَالْأَرْمَنِيِّ: جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَصِحُّ فِي الْأَشْهَرِ بِتُرَابِ طِينٍ يَابِسٍ خُرَاسَانِيٍّ، أَوْ أَرْمَنِيٍّ، وَنَحْوِهِمَا. وَقِيلَ: مَأْكُولٍ قَبْلَ طَبْخِهِ. وَقِيلَ: وَبَعْدَهُ. وَفِيهِ بُعْدٌ. انْتَهَى.

ص: 285

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَالَطَهُ ذُو غُبَارٍ، لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ، كَالْجِصِّ وَنَحْوِهِ، فَهُوَ كَالْمَاءِ إذَا خَالَطَتْهُ الطَّاهِرَاتُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُذْهَبُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ، وَلَوْ خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ.

فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا. فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَلَوْ خَالَطَهُ غَيْرُهُ مُطْلَقًا.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَهُوَ كَالْمَاءِ) اعْلَمْ أَنَّ التُّرَابَ كَالْمَاءِ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا: مَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِتُرَابِ مَسْجِدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ. [وَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي " فَصْلٍ، ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الْغُرُوبِ إلَى مُزْدَلِفَةَ " وَفِي الْفُصُولِ: إنْ رَمَى بِحَصَى الْمَسْعَى: كُرِهَ وَأَجْزَأَ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَهَى عَنْ إخْرَاجِ تُرَابِهِ. فَدَلَّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصِحَّ أَجْزَأَ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِهِ الْمَنْعُ] . وَمِنْهَا: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ قَدْ تُيُمِّمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا كَالْمَاءِ. وَهَذَا الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَتَيَمَّمْ مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ.

فَائِدَةٌ: لَا يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِ زَمْزَمَ مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَالرِّعَايَةِ.

ص: 286

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَفَرَائِضُهُ أَرْبَعَةٌ: مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ) أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُ مَا تَحْتَ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: مَحَلُّ التَّيَمُّمِ جَمِيعُ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ الْوَجْهِ، مَا خَلَا الْأَنْفَ وَالْفَمَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجِبُ مَسْحُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَمْسَحُ مَا أَمْكَنَ مَسْحُهُ مِنْ ظَاهِرِ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ. قِيلَ. وَمَا نَزَلَ عَنْ ذَقَنِهِ. وَالثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ " سِوَى الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَطْعًا، بَلْ يُكْرَهُ. قَوْلُهُ (وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ هُنَا: حُكْمُهُمَا فِي الْوُضُوءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: هُمَا هُنَا سُنَّةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: هُمَا فِي الْوُضُوءِ فَرْضَانِ. وَقِيلَ: التَّرْتِيبُ هُنَا سُنَّةٌ فَقَطْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا.

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ عِنْدِي: أَنَّ التَّرْتِيبَ لَا يَجِبُ فِي التَّيَمُّمِ، وَإِنْ وَجَبَ فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ بُطُونَ الْأَصَابِعِ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بَعْدَ الْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ بِالضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ، بَلْ يُعْتَدُّ بِمَسْحِهَا مَعَهُ. وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَوْلَى. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: إنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ وَجَبَ التَّرْتِيبُ، وَإِنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَةٍ لَمْ يَجِبْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: رَأَيْت التَّيَمُّمَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قَدْ أَسْقَطَ تَرْتِيبًا مُسْتَحَقًّا فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِمَسْحِ بَاطِنِ يَدَيْهِ قَبْلَ مَسْحِ وَجْهِهِ. فَائِدَةٌ: قَدْرُ الْمُوَالَاةِ هُنَا: بِقَدْرِهَا زَمَنًا فِي الْوُضُوءِ عُرْفًا. قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَةِ

ص: 287

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي التَّرْتِيبِ وَالْمُوَالَاةِ: فِي غَيْرِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. فَأَمَّا الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ: فَلَا يَجِبَانِ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَجِبَانِ فِيهِ أَيْضًا. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ. وَأَبْطَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ فِيهِ فَقَطْ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى. تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ هُنَا: أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ فَرَائِضِ التَّيَمُّمِ، وَهُوَ مَاشٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الْوُضُوءِ. وَكَذَلِكَ عِنْدَهُ فِي التَّيَمُّمِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ التَّسْوِيَةِ هُنَا حُكْمُهَا عَلَى الْوُضُوءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: بِوُجُوبِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، مَعَ تَقْدِيمِهِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهَا فَرْضٌ.

فَوَائِدُ

الْأُولَى: لَوْ يَمَّمَهُ غَيْرُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ وَضَّأَهُ غَيْرُهُ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ: لَا يَصِحُّ هُنَا، لِعَدَمِ قَصْدِهِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ نَوَى وَصَمَدَ وَجْهَهُ لِلرِّيحِ فَعَمَّ التُّرَابُ جَمِيعَ وَجْهِهِ: لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَقِيلَ: يَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالْمَجْدِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْمُذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ مَسَحَ أَجْزَأَ، وَإِلَّا فَلَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ [وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالشَّارِحُ] .

ص: 288

قُلْت: وَهَذَا الصَّحِيحُ قِيَاسًا عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ، وَصَحَّحَ فِي الْمُغْنِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ إذَا لَمْ يَمْسَحْ، وَمَعَ الْمَسْحِ حَكَى احْتِمَالَيْنِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. الثَّالِثَةُ: لَوْ سَفَتْ الرِّيحُ غُبَارًا. فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِمَا عَلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ فَصَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ، أَوْ مَسَحَ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ: صَحَّ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: إنْ نَقَلَهُ مِنْ الْيَدِ إلَى الْوَجْهِ، أَوْ عَكْسُهُ بِنِيَّةٍ: فَفِيهِ تَرَدُّدٌ. وَيَأْتِي إذَا تَيَمَّمَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بَعْضِ يَدٍ. أَوْ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهِ، بَعْدَ قَوْلِهِ " وَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ أَنْ يَنْوِيَ قَوْلُهُ (وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ: مِنْ حَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ) فَشَمِلَ التَّيَمُّمَ لِلنَّجَاسَةِ. فَتَجِبُ النِّيَّةُ لَهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَفِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي مَوْضِعٍ. وَهَذَا احْتِمَالُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: لَا تَجِبُ النِّيَّةُ لَهَا كَبَدَلِهِ، وَهُوَ الْغُسْلُ، بِخِلَافِ تَيَمُّمِ الْحَدَثِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ [فِي الْفُرُوعِ: وَالْمَنْعُ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَرَادَ مَنْعَ الصِّحَّةِ] وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَفِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، فِي مَوْضِعٍ. فَعَلَى الْأَوَّلِ: يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ مَوَاضِعُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ نَوَى جَمِيعَهَا جَازَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ عَلَيْهِ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ: هَلْ يُكْتَفَى بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ؟ يَنْبَنِي عَلَى تَدَاخُلِ الطَّهَارَتَيْنِ فِي الْغُسْلِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَتَدَاخَلَانِ، فَهُنَا أَوْلَى.

لِكَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَتَدَاخَلَانِ هُنَاكَ، فَالْأَشْبَهُ عِنْدِي: لَا يَتَدَاخَلَانِ هُنَا، كَالْكَفَّارَاتِ وَالْحُدُودِ إذَا كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

ص: 289

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا لَمْ يَجُزْ عَنْ الْآخَرِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَحْدَاثٌ. فَتَارَةً تَكُونُ مُتَنَوِّعَةً عَنْ أَسْبَابِ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ، وَتَارَةً لَا تَتَنَوَّعُ. فَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْبَابُ أَحَدِهِمَا، وَنَوَى بَعْضَهَا بِالتَّيَمُّمِ. فَإِنْ قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ: لَا يُجْزِئُهُ عَمَّا لَمْ يَنْوِهِ. فَهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَا: يُجْزِئُ هُنَاكَ أَجْزَأَ هُنَا عَلَى الصَّحِيحِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ هُنَا. فَلَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا مَا نَوَاهُ. وَلَوْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ جَمِيعُهَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ، وَالْوُضُوءُ رَافِعٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: إنْ كَانَا جَنَابَةً وَحَيْضًا أَوْ نِفَاسًا: لَمْ يُجْزِهِ، وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ دُونَ الْحَدَثِ أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ: مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ. وَلَمْ تُبَحْ لَهُ الصَّلَاةُ، وَالطَّوَافُ، وَمَسُّ الْمُصْحَفِ، وَإِنْ أَحْدَثَ لَمْ يُؤْثِرْ ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِهِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ، وَبَقِيَ تَيَمُّمُ الْجَنَابَةِ بِحَالِهِ. وَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضِهَا لِحَدَثِ الْحَيْضِ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ قُلْنَا كُلُّ صَلَاةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ، احْتَاجَ كُلُّ وَطْءٍ إلَى تَيَمُّمٍ يَخُصُّهُ. الثَّانِيَةُ: صِفَةُ التَّيَمُّمِ: أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُعْتَبَرُ مَعَهُ تَعْيِينُ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: إنْ ظَنَّ فَائِتَةً،

ص: 290

فَلَمْ تَكُنْ، أَوْ بَانَ غَيْرُهَا: لَمْ يَصِحَّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ: إنْ نَوَى التَّيَمُّمَ فَقَطْ صَلَّى نَفْلًا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ، أَوْ فَرْضَ الطَّهَارَةِ: فَوَجْهَانِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى نَفْلًا، أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لِلصَّلَاةِ: لَمْ يُصَلِّ إلَّا نَفْلًا) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَأَطْلَقَ: جَازَ لَهُ فِعْلُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ. وَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ مَنْ نَوَى شَيْئًا لَهُ فِعْلٌ أَعْلَى مِنْهُ. قَوْلُهُ (وَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ فِعْلُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَقَضَاءِ الْفَوَائِتِ) . بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يَجْمَعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَهُ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وَفِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْجَوَازُ. وَعَنْهُ لَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَ فَرْضَيْنِ. وَلَا يُصَلِّي بِهِ فَائِتَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ عُبَيْدَانِ، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: وَعَنْهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ. فَعَلَيْهَا: لَهُ فِعْلُ غَيْرِهِ مِمَّا شَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ. وَفِي الْفُرُوعِ: لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ النَّوَافِلِ، وَالطَّوَافِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، إنْ كَانَ جُنُبًا، وَالْوَطْءُ إنْ كَانَتْ حَائِضًا عَلَى الصَّحِيحِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ عَلَيْهَا.

وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ وَجْهًا: أَنَّ كُلَّ نَافِلَةٍ تَفْتَقِرُ إلَى تَيَمُّمٍ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ نَقْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ. ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُبَاحُ الْوَطْءُ بِتَيَمُّمِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إلَّا أَنْ يَطَأَ قَبْلَهَا، ثُمَّ لَا تُصَلِّي بِهِ، وَتَتَيَمَّمُ لِكُلِّ وَطْءٍ. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْهُ قَرِيبًا. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، فَعَلَيْهَا: لَوْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. فَهَلْ يُصَلِّي بِهِ

ص: 291

أُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ: إنْ تَعَيَّنَتَا لَمْ يُصَلِّ، وَإِلَّا صَلَّى. انْتَهَى.

وَعَلَيْهَا أَيْضًا: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا: لَزِمَهُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ، يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الرِّوَايَةَ قُلْت: فَعَلَيْهَا مَنْ نَسِيَ صَلَاةَ فَرْضٍ مِنْ يَوْمٍ، كَفَاهُ لِصَلَاةِ الْخَمْسِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ، وَجَهِلَ عَيْنَهَا أَعَادَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ، وَجَهِلَ جِنْسَهُمَا: صَلَّى الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ بِتَيَمُّمَيْنِ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهُمَا. وَقِيلَ: يَكْفِي صَلَاةُ يَوْمٍ بِتَيَمُّمَيْنِ. وَإِنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ، فَلِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ. وَقِيلَ فِي الْمُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ: يُصَلِّي الْفَجْرَ، وَالظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ بِتَيَمُّمٍ. وَالظُّهْرَ، وَالْعَصْرَ، وَالْمَغْرِبَ، وَالْعِشَاءَ بِتَيَمُّمٍ آخَرَ. انْتَهَى.

وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ: صَلَّى الْخَمْسَ بِتَيَمُّمٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَأَمَّا جَوَازُ فِعْلِ التَّنَفُّلِ، إذَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ الْفَرْضَ: فَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ بِهِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْفَرْضَ الَّذِي يَتَيَمَّمُ لَهُ. وَعَنْهُ: لَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ بِغَيْرِ الرَّاتِبَةِ. وَتَقَدَّمَ الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ: أَنَّ كُلَّ نَافِلَةٍ تَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالتَّنَفُّلُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ) أَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ".

تَنْبِيهٌ: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ " وَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ فِعْلُهُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَقَضَاءُ الْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ " أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا اسْتَبَاحَ فِعْلَهُ. وَاسْتَبَاحَ مَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ. وَلَمْ يَسْتَبِحْ مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

ص: 292

وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. فَهَذَا هُوَ الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ. وَقِيلَ: مَنْ نَوَى الصَّلَاةَ لَمْ يُبَحْ لَهُ فِعْلُ غَيْرِهَا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ: مَنْ نَوَى الصَّلَاةَ لَمْ يُبَحْ لَهُ غَيْرُهَا، وَالْقِرَاءَةُ فِيهَا، وَأَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا لَمْ يُبَحْ لَهُ غَيْرُهُ. قَالَ: وَفِيهَا بُعْدٌ. وَعَنْهُ يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا فِعْلُ مَا هُوَ أَعْلَى مِمَّا نَوَاهُ. وَقِيلَ: إنْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ: صَلَّى فَرْضًا. وَتَقَدَّمَ هُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قَرِيبًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: النَّذْرُ دُونَ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ وَمَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ. انْتَهَى.

وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ دُونَ فَرْضِ الْعَيْنِ. وَفَرْضُ جِنَازَةٍ أَعْلَى مِنْ النَّافِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: يُصَلِّيهَا بِتَيَمُّمِ نَافِلَةٍ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَتَحَرَّجُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ نَافِلَةً بِتَيَمُّمِ جِنَازَةٍ. وَيُبَاحُ الطَّوَافُ بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَلَا تُبَاحُ نَافِلَةٌ بِتَيَمُّمِهِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَطَوَافٍ وَنَحْوِهِمَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: بَلَى، وَإِنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ لِلْقِرَاءَةِ، أَوْ لِمَسِّ مُصْحَفٍ، فَلَهُ اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ فِعْلُ جَمِيعِ النَّوَافِلِ؛ لِأَنَّهَا فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَتَيَمَّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ. فَلَهُ الْقِرَاءَةُ، لَا الْعَكْسُ وَلَا يَسْتَبِيحُ مَسُّ الْمُصْحَفِ. وَالْقِرَاءَةُ بِتَيَمُّمِهِ لِلُبْثٍ. وَقِيلَ: فِي الْقِرَاءَةِ وَجْهَانِ. وَيُبَاحُ اللُّبْثُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ بِتَيَمُّمِهِ لِلطَّوَافِ، لَا الْعَكْسُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: الْعَكْسُ بَلَى، عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ، فَفِي جَوَازِ فِعْلِ نَفْلِ الطَّوَافِ: وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الطَّوَافِ أَعْلَى مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: إنْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ

ص: 293

لِقِرَاءَةٍ، أَوْ لُبْثٍ، أَوْ مَسِّ مُصْحَفٍ: لَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَفِيهِ نَظَرٌ. قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ: وَفِيهِ بُعْدٌ.

تَنْبِيهٌ: هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ رَافِعٌ: فَتُبَاحُ الْفَرِيضَةُ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ النَّافِلَةِ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تُبَاحُ الْفَرِيضَةُ بِنِيَّتِهِ مُطْلَقًا، لَا بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ، [كَمَا تَقَدَّمَ] .

فَائِدَةٌ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: لَوْ تَيَمَّمَ صَبِيٌّ لِصَلَاةِ فَرْضٍ، ثُمَّ بَلَغَ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ كَانَ نَفْلًا، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ تَيَمَّمَ صَبِيٌّ لِصَلَاةِ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَلَغَ فِيهِ وَهُوَ فِيهَا، أَوْ بَعْدَهَا فَلَهُ التَّنَفُّلُ بِهِ. وَفِي الْفَرْضِ وَجْهَانِ [وَالْوَجْهُ بِالْجَوَازِ ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ] .

قَوْلُهُ (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَحَمَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، فَقَالَ: وَهَلْ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِلْفَجْرِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ بِزَوَالِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَقِيلَ: لَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالنَّجَاسَةِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، لِتَجَدُّدِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِتَجَدُّدِ الْوَقْتِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.

تَنْبِيهَاتٌ مِنْهَا: أَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ يَبْطُلُ بِهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. فَلَا يُبَاحُ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمُشْتَرَطِ لَهَا التَّيَمُّمُ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا. فَيُبَاحُ لَهُ قَضَاءُ الَّتِي

ص: 294

تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهَا، إنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا. وَفِعْلُ الْفَوَائِتِ، وَالتَّنَفُّلِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالطَّوَافِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ [وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ] وَقَالَ: وَعَكْسُهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَاضِرَةِ، ثُمَّ نَذَرَ فِي الْوَقْتِ صَلَاةً: لَمْ يَجُزْ فِعْلُ الْمَنْذُورَةِ بِهِ عِنْدِي؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ وُجُوبُهَا. وَظَاهِرُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الْجَوَازُ. انْتَهَى كَلَامُ الْمَجْدِ وَمَنْ تَابَعَهُ. وَمِنْهَا: دَخَلَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ تَيَمَّمَتْ الْحَائِضُ لِلْوَطْءِ، أَوْ اسْتَبَاحَا ذَلِكَ بِالتَّيَمُّمِ لِلصَّلَاةِ. ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ. بَطَلَ تَيَمُّمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يَبْطُلُ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالْحَدَثِ. وَرُدَّ مَا عَلَّلَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ فِي الْفَائِقِ فِي الْحَائِضِ: اسْتِمْرَارَ تَيَمُّمِهَا إلَى الْحَيْضِ الْآتِي. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَمِنْهَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْكَافِي، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةُ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ شَرْطًا. وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. وَخَرَّجَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى رِوَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الصَّلَاةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَذَا يَخْرُجُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَكَذَا الْخِلَافُ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَهِيَ تُصَلِّي، وَانْقِطَاعُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فِيهَا مَنُوطٌ بِشَرْطِهِ، وَفَرَاغِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فِيهَا، وَزَوَالِ الْمَلْبُوسِ عَنْ مَحَلِّهِ عَمْدًا قَبْلَ السَّلَامِ فِيهَا.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. أَمَّا إذَا

ص: 295

خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ فِيهَا: لَمْ يَبْطُلْ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرُهُمَا. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَمِنْهَا: يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لِطَوَافٍ، وَجِنَازَةٍ، وَنَافِلَةٍ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَالْفَرِيضَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ إنْ تَيَمَّمَ لِجِنَازَةٍ، ثُمَّ جِيءَ بِأُخْرَى، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ يُمْكِنُهُ التَّيَمُّمُ فِيهِ: لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا حَتَّى يَتَيَمَّمَ لَهَا. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا لِلِاسْتِحْبَابِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لِلْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا تَقَدَّرَ لِلْوَقْتِ، فَوَقْتُ كُلِّ صَلَاةِ جِنَازَةٍ: قَدْرُ فِعْلِهَا، وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. . لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَوَاصِلَ هُنَا كَتَوَاصُلِ الْوَقْتِ لِلْمَكْتُوبَةِ. قَالَ وَعَلَى قِيَاسِهِ: مَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مَحْدُودٌ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَالطَّوَافِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَعَلَى هَذَا: النَّوَافِلُ الْمُؤَقَّتَةُ، كَالْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، وَالْكُسُوفِ يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ لَهَا بِخُرُوجِ وَقْتِ تِلْكَ النَّافِلَةِ، وَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا تَوَاصُلُ الْفِعْلِ كَالْجِنَازَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْتَدَّ وَقْتُهَا إلَى وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ تِلْكَ النَّافِلَةِ. وَالنَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا تَوَاصُلُ الْفِعْلِ: كَالْجِنَازَةِ وَتَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ) أَنَّ التَّيَمُّمَ مُبِيحٌ لَا رَافِعٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ: يَرْفَعُهُ رَفْعًا مُؤَقَّتًا عَلَى رِوَايَةِ الْوَقْفِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ رَافِعٌ. فَيُصَلِّي بِهِ إلَى حَدَثِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَيَرْفَعُ الْحَدَثَ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ. وَيَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَلِنَفْلٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، لَا سَبَبَ لَهُ وَقْتُ نَهْيٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: التَّيَمُّمُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى: أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَتَيَمَّمُ

ص: 296

لِلْفَائِتَةِ إذَا أَرَادَ فِعْلَهَا. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَالْأَزَجِيُّ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: إذَا ذَكَرَهَا. قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى. وَيَتَيَمَّمُ لِلْكُسُوفِ عِنْدَ وُجُودِهِ. وَلِلِاسْتِسْقَاءِ إذَا اجْتَمَعُوا. وَلِلْجِنَازَةِ إذَا غُسِّلَ الْمَيِّتُ أَوْ يُمِّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ. فَيُعَايَى بِهَا. فَيُقَالُ: شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يَتَيَمَّمَ غَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَوَقْتُ التَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا طَهُرَ الْمَيِّتُ، وَقِيلَ: بَلْ إنْجَازُ غُسْلِهِ. وَوَقْتُهُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقْتُ الْمَنْذُورَةِ كُلُّ وَقْتٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَوَقْتُ جَمِيعِ التَّطَوُّعَاتِ: وَقْتُ جَوَازِ فِعْلِهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُصَلِّي بِهِ مَا لَمْ يَحْدُثْ. وَقِيلَ: أَوْ يَجِدُ الْمَاءَ. قُلْت: ظَاهِرُ هَذَا مُشْكِلٌ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي: أَنَّهُ عَلَى النَّصِّ يُصَلِّي، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ.

فَائِدَةٌ: وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: لَوْ نَوَى الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لَهَا، أَوْ الثَّانِيَةَ فِي وَقْتِ الْأُولَى: لَمْ يَبْطُلْ بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى فِي الْأَشْهَرِ. وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَبْطُلُ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.

قَوْلُهُ (وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَوُجُودِ الْمَاءِ، وَمُبْطِلَاتِ الْوُضُوءِ) . أَمَّا خُرُوجُ الْوَقْتِ: فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا وُجُودُ الْمَاءِ لِفَاقِدِهِ: فَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا. وَأَمَّا مُبْطِلَاتُ الْوُضُوءِ: فَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِمَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ بِلَا نِزَاعٍ. وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ بِمَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَعَنْ الْحَيْضِ

ص: 297

وَالنِّفَاسِ بِحُدُوثِهِمَا. فَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ لَهُ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ: جَازَ وَطْؤُهَا لِبَقَاءِ حُكْمِ تَيَمُّمِ الْحَيْضِ. وَالْوَطْءُ إنَّمَا يُوجِبُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَيَتَيَمَّمُ الرَّجُلُ إذَا وَطِئَ ثَانِيًا عَنْ نَجَاسَةِ الذَّكَرِ إنْ نَجِسَتْ رُطُوبَةُ فَرْجِهَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، ثُمَّ خَلَعَهُ: يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ) ، هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْفَائِقِ، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِلُ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، أَوْ بَعْضِهِ. فَيَبْطُلُ بِخَلْعِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَبْطُلُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَفِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْعِمَامَةِ. وَرَدَّ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ الْأَوَّلَ. وَهَذَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا) بِلَا نِزَاعٍ. وَلَمْ يُسْتَحَبَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي شَرْحِ الزَّرْكَشِيّ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ: لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ وَجَدَهُ قَرِيبًا وَهُوَ صَحِيحٌ. فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ الْوَقْفُ، وَإِنْ تَيَمَّمَ أَعَادَ غَسْلَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَجَدَهُ فِيهَا بَطَلَتْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ، وَيَمْضِي فِي صَلَاتِهِ. اخْتَارَهُمَا الْآجُرِّيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَجِبُ الْمُضِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ، لَكِنْ هُوَ أَفْضَلُ. وَقِيلَ: الْخُرُوجُ مِنْهَا أَفْضَلُ، لِلْخُرُوجِ مِنْ

ص: 298

الْخِلَافِ، وَاخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَعَنْهُ يَمْضِي. فَقِيلَ: وُجُوبًا. وَقِيلَ: جَوَازًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: قُلْت الْأَوْلَى قَلْبُهَا نَفْلًا فَائِدَةٌ: رَوَى الْمَرُّوذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ. فَلِذَلِكَ أَسْقَطَهَا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَأَثْبَتَهَا ابْنُ حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا. نَظَرًا إلَى أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ اجْتِهَادَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ. فَلَمْ يَنْقَضِ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ. بِخِلَافِ نَسْخِ الشَّارِعِ. وَهَكَذَا اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ رِوَايَةٍ عُلِمَ رُجُوعُهُ عَنْهَا. ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: لَوْ عَيَّنَ نَفْلًا أَتَمَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ عَلَى أَقَلِّ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهَا مَتَى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَتَابَعَهُ مَنْ بَعْدَهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. هَكَذَا الْحُكْمُ عَلَيْهَا لَوْ انْقَلَبَ الْمَاءُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ. فَيَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا. قَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ عَلِمَ تَلَفَهُ فِيهَا بَقِيَ تَيَمُّمُهُ بَعْدَ فَرَاغِهَا. وَقَالَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَكِنْ لَمَّا فَرَغَ شَرَعَ فِي طَلَبِهِ بَطَلَ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالتَّيَمُّمُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ. وَلَوْ انْقَلَبَ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَعَلَيْهَا: لَوْ وَجَدَهُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ بِتَيَمُّمٍ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ. وَبَطَلَ تَيَمُّمُ الْمَيِّتِ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا، فَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَلَا يُغَسَّلُ. فَهَذَانِ الْفَرْعَانِ مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ الرِّوَايَةِ عَلَى الْمُقَدَّمِ. الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ، وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ مِنْ قَوْلِهِ " بَطَلَتْ " وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَتَطَهَّرُ وَيَبْنِي. وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وَمَنْ تَابَعَهُ.

فَائِدَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: يَلْزَمُ مَنْ تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةٍ، أَوْ وَطْءٍ أَوْ لُبْثٍ وَنَحْوِهِ: التَّرْكُ بِوُجُودِ الْمَاءِ

ص: 299

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَحَكَى وَجْهًا: لَا يَلْزَمُ. الثَّانِيَةُ: الطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ إنْ وَجَبَتْ الْمُوَالَاةُ.

قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لِمَنْ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الشَّرْطِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمُخْتَارَةُ لِلْجُمْهُورِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَيَّدَهُ بِوَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ. وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا أَفْضَلُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ، وَالْقَاضِي. وَقِيلَ: التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ إنْ عُلِمَ وُجُودُهُ فَقَطْ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ يَجِبُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَضِيقَ الْوَقْتُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ: أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ: أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ عِنْدَهُ: أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَعَنْهُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. الثَّانِي: أَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله بِطَرِيقٍ أَوْلَى: أَنَّهُ إذَا عَلِمَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ

ص: 300

الْوَقْتِ: أَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَلَا يَجِبُ التَّأْخِيرُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ. وَقِيلَ: يَجِبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: إلَى مَكَانِ الْمَاءِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، إنْ وَجَبَ الطَّلَبُ، وَبَقِيَ الْوَقْتُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (فَإِنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ حَتَّى يَضِيقَ الْوَقْتُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: يَجِبُ التَّأْخِيرُ إذَا عَلِمَ وُجُودَهُ كَمَا تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ (وَالسُّنَّةُ فِي التَّيَمُّمِ: أَنْ يَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ، وَيَضْرِبَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى التُّرَابِ، ضَرْبَةً وَاحِدَةً)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْمَسْنُونَ وَالْوَاجِبَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: الْمَسْنُونُ ضَرْبَتَانِ، يَفْعَلُ بِهِمَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ، وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ: وَحَكَى رِوَايَةً. قُلْت: حَكَاهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا رِوَايَةً. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقِيلَ: الْأَوْلَى ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَمِينِهِ، وَيَمِينَهُ بِيَسَارِهِ، أَوْ عَكَسَ، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُمَا فِيهِمَا: صَحَّ. وَقِيلَ: لَا. وَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ: يُجْزِئُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ: وَإِنْ تَيَمَّمَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ جَازَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُسَنُّ ضَرْبَتَيْنِ. وَقِيلَ: أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَةٍ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ) يَمْسَحُ ظَاهِرَ الْوَجْهِ بِمَا لَا يَشُقُّ. فَلَا يَمْسَحُ بَاطِنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ، وَلَا بَاطِنَ

ص: 301

الشُّعُورِ الْخَفِيفَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: اسْتِثْنَاءُ بَاطِنِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فَقَطْ وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ تَيَمَّمَ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بَعْضِ يَدِهِ: أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ كَالْوُضُوءِ يَعْنِي فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَدَّمَ هُنَاكَ الْإِجْزَاءَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. فَإِنْ أَوْصَلَ التُّرَابَ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ بِخِرْقَةٍ، أَوْ خَشَبَةٍ: صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَالْوُضُوءِ. وَصَحَّحَ هُنَاكَ الصِّحَّةَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِيهِ وَجْهَانِ. بِنَاءً عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ بِحَائِلٍ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ، وَإِنْ أَمَرَّ الْوَجْهَ عَلَى التُّرَابِ صَحَّ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: إنْ تَيَمَّمَ بِيَدٍ أَوْ أَمَرَّ الْوَجْهَ عَلَى التُّرَابِ، لَمْ يَصِحَّ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ وَتَقَدَّمَ إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ، أَوْ صَمَدَ وَجْهَهُ لِلرِّيحِ، فَعَمَّ التُّرَابُ وَجْهَهُ وَإِذَا سَفَتْ الرِّيحُ غُبَارًا، فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِمَا عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ (وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ) .

فَائِدَةٌ: لَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ، وَجَبَ مَسْحُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ. وَقَالَ: نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ، بَلْ يُسْتَحَبُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْآمِدِيُّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ. وَأَمَّا إنْ انْقَطَعَتْ مِنْ فَوْقِ الْكُوعِ: لَمْ يَجِبْ قَوْلًا وَاحِدًا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، نَصَّ عَلَيْهِ.

ص: 302

قَوْلُهُ (وَمَنْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) . إذَا عَدِمَ الْمَحْبُوسُ وَنَحْوُهُ الْمَاءَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: يَتَيَمَّمُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ حَتَّى يُسَافِرَ، أَوْ يَقْدِرَ عَلَى الْمَاءِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا يُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُعِيدُهُ وَهِيَ تُخَرَّجُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ.

قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. فَيَشْتَغِلُ بِالشَّرْطِ. وَعَنْهُ تَقْدِيمُ الْوَقْتِ عَلَى الشَّرْطِ. فَيُصَلِّي مُتَيَمِّمًا. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فِيمَنْ اسْتَيْقَظَ آخِرَ الْوَقْتِ وَهُوَ جُنُبٌ، وَخَافَ إنْ اغْتَسَلَ خَرَجَ الْوَقْتُ، أَوْ نَسِيَهَا وَذَكَرَهَا آخِرَ الْوَقْتِ، وَخَافَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ خَارِجَ الْوَقْتِ كَالْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَ أَيْضًا: إنْ اسْتَيْقَظَ أَوَّلَ الْوَقْتِ. وَخَافَ إنْ اشْتَغَلَ بِتَحْصِيلِ الْمَاءِ يَفُوتُ الْوَقْتُ: أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ، وَلَا يَفُوتَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَاخْتَارَ أَيْضًا فِيمَنْ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْحَمَّامِ، لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يَفُوتَ الْوَقْتُ، كَالْغُلَامِ وَالْمَرْأَةِ الَّتِي مَعَهَا أَوْلَادُهَا، وَلَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ حَتَّى تَغْسِلَهُمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ: أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ خَارِجَ الْحَمَّامِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَمَّامِ وَخَارِجَ الْوَقْتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُمَا، كَمَنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، وَاخْتَارَ أَيْضًا: جَوَازَ التَّيَمُّمِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ، وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ فِي النَّظَرِ. وَخَرَّجَهُ فِي الْفَائِقِ لِنَفْسِهِ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْعِيدِ، وَجَعَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْجُمُعَةَ أَصْلًا لِلْمَنْعِ، وَأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا.

فَائِدَةٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: الْخَائِفُ فَوَاتَ عَدُوِّهِ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ

ص: 303

لَهُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ هُنَا: وَفِي فَوْتِ مَطْلُوبِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي آخِرِ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ.

قَوْلُهُ (وَلَا الْجِنَازَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ الْجِنَازَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا اخْتَارَهُ يَعْنِي أَنَّهَا كَالْمَكْتُوبَةِ فِي عَدَمِ جَوَازِ التَّيَمُّمِ لَهَا خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهَا. وَعَنْهُ يَجُوزُ لِلْجِنَازَةِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.

تَنْبِيهَاتٌ

أَحَدُهَا: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِفَوَاتِ الْجِنَازَةِ: فَوَاتُهَا مَعَ الْإِمَامِ. قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. قَالَ جَمَاعَةٌ: وَلَوْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِهِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ، وَعِظَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ لَا تُصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهَا، قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَأَلْحَقَ عَبْدُ الْعَزِيزِ صَلَاةَ الْعِيدِ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِعَدَمِ التَّيَمُّمِ فِيهَا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقِيلَ: وَالْعِيدِ إذَا خَافَ الْفَوْتَ: رِوَايَتَانِ. وَحَكَى فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةً كَالْجِنَازَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَنْهُ وَعِيدٌ وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَخْرُجُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ حَسَنٌ.

ص: 304

الثَّالِثُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا وَصَلَ الْمُسَافِرُ إلَى الْمَاءِ. وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ وَرَدَّ غَيْرَهُ. وَقِيلَ: تَيَمَّمَ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَنَصَرَهُ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. وَقَالَ: مَا أَدَقَّ هَذَا النَّظَرُ. وَلَوْ طَرَدَهُ فِي الْحَضَرِ لَكَانَ قَدْ أَجَادَ وَأَصَابَ. قُلْت: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ فِي الْخُطْبَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَكَذَا الْحُكْمُ وَالْخِلَافُ إذَا عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ، أَوْ عَلِمَ الْمَاءَ قَرِيبًا، أَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، أَوْ دُخُولَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، إنْ حَرُمَ التَّأْخِيرُ إلَيْهِ، أَوْ دَلَّهُ ثِقَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُذْهَبِ فِي خَوْفِ دُخُولِ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، كَخَوْفِ فَوَاتِ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَجَزَمَ ابْنُ تَمِيمٍ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْأُولَى. وَأَطْلَقَ ابْنُ حَمْدَانَ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ، فَبَذَلَ مَا يَكْفِي أَحَدُهُمْ لِأَوْلَادِهِمْ بِهِ. فَهُوَ لِلْمَيِّتِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْهَادِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ. (وَعَنْهُ أَنَّهُ لِلْحَيِّ) يَعْنِي هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ. الْمَيِّتِ وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ.

ص: 305

قَوْلُهُ (وَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ) يَعْنِي عَلَى رِوَايَةٍ: أَنَّ الْحَيَّ أَوْلَى. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. أَحَدُهُمَا: الْحَائِضُ أَوْلَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ تَقْدِيمُ الْحَائِضِ بِكُلِّ حَالٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالثَّانِي: الْجُنُبُ مُطْلَقًا أَوْلَى، قَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: الرَّجُلُ الْجُنُبُ خَاصَّةً أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: يُقْرَعُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ.

فَوَائِدُ:

إحْدَاهُمَا: مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ: أَحَقُّ مِنْ الْمَيِّتِ، وَالْحَائِضِ، وَالْجُنُبِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى أَيْضًا اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَحَفِيدُهُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالتَّلْخِيصُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَنَجَسُ الْبَدَنِ غَيْرُ قُبُلٍ وَدُبُرٍ وَقِيلَ: وَغَيْرُ ثَوْبِ سُتْرَةٍ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَمِنْ الْمَيِّتِ إذَنْ، وَإِلَّا فَالْمَيِّتُ أَوْلَى. وَقِيلَ: الْمَيِّتُ أَوْلَى مِنْهُ مُطْلَقًا. وَمِنْ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يُقَدَّمُ جُنُبٌ عَلَى مُحْدِثٍ. وَقِيلَ: الْمُحْدِثُ إلَّا أَنْ يَكْفِيَ مَنْ تَطَهَّرَ بِهِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَفَاهُ فَقَطْ قُدِّمَ. وَقِيلَ: الْجُنُبُ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَإِنْ اجْتَمَعَ مُحْدِثٌ وَجُنُبٌ، وَوُجِدَ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمَا: وَيَفْضُلُ مِنْهُ مَا لَا يَكْفِي الْآخَرَ، فَالْجُنُبُ أَوْلَى فِي وَجْهٍ، وَقَدَّمَهُ

ص: 306

ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَفِي آخِرِ الْمُحْدِثِ أَوْلَى، قَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ. وَفِي ثَالِثٍ: هُمَا سَوَاءٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُعْطِيهِ الْبَاذِلُ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي الْجُنُبَ، وَيَفْضُلُ عَنْ الْمُحْدِثِ: فَالْجُنُبُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي الْمُحْدِثَ وَحْدَهُ: فَهُوَ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَمَنْ كَفَاهُ وَحْدَهُ مِمَّنْ يُقَدَّمُ، وَمِنْ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ: فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمْ فَالْجُنُبُ وَنَحْوُهُ أَوْلَى مِنْ الْمُحْدِثِ. وَقِيلَ: عَكْسُهُ. وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، فَبِالْقُرْعَةِ. وَقِيلَ: أَوْ بِالتَّخْيِيرِ مِنْ بَاذِلِهِ، وَإِنْ كَفَى الْجُنُبَ أَوْ نَحْوَهُ، وَفَضَلَ مِنْ الْمُحْدِثِ شَيْءٌ. فَوَجْهَانِ، وَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ مِنْ وَاحِدٍ مَا لَا يَكْفِي الْآخَرَ: يُقَدَّمُ الْمُحْدِثُ. وَقِيلَ: الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ. وَقِيلَ: بَلْ مَنْ قُرِعَ. وَقِيلَ: بَلْ بِالتَّخْيِيرِ مِنْ بَاذِلِهِ. الثَّالِثَةُ: لَوْ بَادَرَ عَنْ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ، فَتَطَهَّرَ بِهِ: أَسَاءَ، وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ. الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُتَصَوَّرُ إذَا كَانَ الْمَاءُ لِبَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ. وَصَوَّرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي مَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ، أَرَادَ مَالِكُهُ بَذْلَهُ لِأَحَدِهِمْ. وَفِيهِ نَظَرٌ. فَإِنَّ الْمُبَاحَ قَبْلَ وَضْعِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ لَا مِلْكَ فِيهِ. وَبَعْدَ وَضْعِ الْأَيْدِي: لِلْجَمِيعِ. وَالْمَالِكُ لَهُ وِلَايَةُ صَرْفِهِ إلَى مَنْ شَاءَ، إلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِهِ الْفَضِيلَةَ. وَلَفْظُ " الْأَحَقِّيَّةِ " وَ " الْأَوْلَوِيَّةِ " لَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ. وَعِنْدِي لِذَلِكَ صُورَةٌ مَعْصُومَةٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ أَنْ يُوصِيَ بِمَائِهِ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِي النَّذْرِ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ، وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ، وَفِيمَا إذَا طَلَبَ الْمَالِكُ مَعْرِفَةَ أَوْلَاهُمْ بِهِ لِيُؤْثَرَ بِهِ. وَفِيمَا إذَا مَا وَرَدُوا عَلَى مُبَاحٍ وَازْدَحَمُوا وَتَشَاحُّوا فِي التَّنَاوُلِ أَوَّلًا. الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَيْضًا فِي الْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّشْقِيصِ.

ص: 307

السَّادِسَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ جُنُبَانِ، أَوْ نَحْوُهُمَا، أَوْ مُحْدِثَانِ حَدَثًا أَصْغَرَ، وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا، وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا: اقْتَرَعَا. وَقِيلَ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا. قَالَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ. السَّابِعَةُ: لَوْ اجْتَمَعَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ فِي بَدَنِهِ، وَمَعَهُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا: قَدَّمَ غَسْلَ النَّجَاسَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا إنْ كَانَتْ عَلَى ثَوْبِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَعَنْهُ يُقَدَّمُ الْحَدَثُ. وَهِيَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ. وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ: قَدَّمَ الثَّوْبَ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ تُقَدَّمُ نَجَاسَةُ ثَوْبِهِ عَلَى نَجَاسَةِ بَدَنِهِ، وَنَجَاسَةُ الْبَدَنِ عَلَى نَجَاسَةِ السَّبِيلَيْنِ، وَيَسْتَجْمِرُ وَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ. الثَّامِنَةُ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ: لَزِمَ اسْتِعْمَالُهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَذْلُهُ لِغَيْرِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، لَكِنْ إنْ فَضَلَ مِنْهُ عَنْ حَاجَتِهِ، اُسْتُحِبَّ لَهُ بَذْلُهُ. وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْثِرَ بِالْمَاءِ مَنْ يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَيَتَيَمَّمُ هُوَ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ لِلْوَلَدِ. فَهَلْ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ بِهِ، وَيَتَيَمَّمَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ. وَقَدَّمَ ابْنُ عُبَيْدَانَ عَدَمَ الْجَوَازِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: إنْ كَانَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ تَعَيَّنَ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ بِهِ أَحَدًا وَأَطْلَقَ. وَقَالَ: فَإِنْ آثَرَ بِهِ وَتَيَمَّمَ، لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ مَعَ وُجُودِهِ لِذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ الْآخَرُ فَحُكْمُ الْمُؤْثَرِ بِهِ حُكْمُ مَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَعْدَ قَوْلِهِ " فَإِنْ دَلَّ عَلَيْهِ قَرِيبًا ". وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ: غُسِّلَ بِهِ. فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ. فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ حَاضِرًا فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ لِلطَّهَارَةِ بِثَمَنِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ

ص: 308