الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]
ِ فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (أَوَّلُهَا دُخُولُ الْوَقْتِ) . اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ دُخُولُ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَسَبَبُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْوَقْتُ. لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ. وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى السَّبَبِيَّةِ. وَتَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ. وَهِيَ سَبَبُ نَفْسِ الْوُجُوبِ. إذْ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ: الْخِطَابُ. وَكَذَا قَالَ الْأُصُولِيُّونَ: إنْ مِنْ السَّبَبِ وَقْتِيٌّ كَالزَّوَالِ لِلظُّهْرِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ النِّيَّةِ، عَنْ النِّيَّةِ: هِيَ الشَّرْطُ السَّادِسُ وَلَا تَكُونُ شَرْطًا سَادِسًا إلَّا بِكَوْنِ دُخُولِ الْوَقْتِ شَرْطًا. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَمَّاهُ سَبَبًا. وَحَكَمَ بِأَنَّهُ شَرْطٌ. قُلْت: السَّبَبُ قَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ يَنْفَكُّ عَنْهُ. فَهُوَ هُنَا سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ وَشَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ. فَإِنَّهَا شُرُوطٌ لِلْأَدَاءِ فَقَطْ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَجَمِيعُهَا شُرُوطٌ لِلْأَدَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ، دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْوَقْتَ. فَإِنَّ دُخُولَهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ جَمِيعًا، إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْجَمِيعِ. انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ إنَّمَا تَجِبُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ بِالِاتِّفَاقِ: فَإِذَا دَخَلَ وَجَبَتْ. وَإِذَا وَجَبَتْ وَجَبَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهَا. كَالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا.
قَوْلُهُ (وَالصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ خَمْسٌ. الظُّهْرُ. وَهِيَ الْأُولَى) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الظُّهْرَ هِيَ الْأُولَى. لِأَنَّهَا أَوَّلُ الْخَمْسِ افْتِرَاضًا. وَبِهَا بَدَأَ جِبْرِيلُ حِينَ أَمَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْبَيْتِ. وَبَدَأَ بِهَا الصَّحَابَةُ حِينَ سُئِلُوا عَنْ الْأَوْقَاتِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَبَدَأَ فِي الْإِرْشَادِ وَالشِّيرَازِيُّ فِي الْإِيضَاحِ. وَالْمُبْهِجِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَتَابَعَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ: بِالْفَجْرِ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فَقَالَ: بَدَأَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، كَالْخِرَقِيِّ وَالْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَغَيْرِهِمَا بِالظُّهْرِ. وَمِنْهُمْ مَنْ
بَدَأَ بِالْفَجْرِ كَابْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ. قَالَ: وَهَذَا أَجْوَدُ. لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْوُسْطَى إذَا كَانَتْ الْفَجْرُ الْأُولَى. انْتَهَى.
وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْفَجْرِ لِبُدَاءَتِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِهَا لِلسَّائِلِ، وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْأَوَّلِ. وَنَاسِخٌ لِبَعْضِهِ. وَبَدَأَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ بِالْفَجْرِ. ثُمَّ ثَنَّيَا بِالظُّهْرِ. وَقَالَا هِيَ الْأُولَى.
قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْغَيْمُ وَشِدَّةُ الْحَرِّ: اُسْتُحِبَّ تَعْجِيلُهَا بِلَا خِلَافٍ أَعْلَمُهُ. وَأَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً فَقَطْ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ. وَالنَّظْمِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُؤَخَّرُ لِشِدَّةِ الْحَرِّ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ وَرَجَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَابْنِ أَبِي مُوسَى فِي الْإِرْشَادِ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَابْنِ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي، وَالْفَخْرِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِمْ لِإِطْلَاقِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقُ، وَشَرَطَ الْقَاضِي فِي الْمُحَرَّرِ مَعَ الْخُرُوجِ إلَى الْجَمَاعَةِ كَوْنَهُ فِي بَلَدٍ حَارٍّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، اشْتَرَطَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ فَقَطْ. انْتَهَى. وَشَرَطَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ كَوْنَهُ فِي مَسَاجِدِ الدُّرُوبِ.
فَائِدَةٌ:
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. اُخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُمِرَ بِالْإِبْرَادِ. فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ حُصُولُ الْخُشُوعِ فِيهَا. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ خَشْيَةُ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَشْيِهِ فِي الْحَرِّ. فَتَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ فِي مَسَاجِدِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تُقْصَدُ مِنْ الْأَمْكِنَةِ الْمُتَبَاعِدَةِ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ وَقْتُ تَنَفُّسِ جَهَنَّمَ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ: انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ:
فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْخِيرِ إمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: يُؤَخِّرُ لِيَمْشِيَ فِي الْفَيْءِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَنْ تَبِعَهُ: يُؤَخِّرُ حَتَّى يَنْكَسِرَ الْحَرُّ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: حَتَّى يَنْكَسِرَ الْفَيْءُ، ذِرَاعًا وَنَحْوَهُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ إلَى وَسَطِ الْوَقْتِ. وَقَالَ الْقَاضِي: بِحَيْثُ يَكُونُ بَيْنَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ آخِرَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَضْلٌ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ. وَأَمَّا تَأْخِيرُهَا مَعَ الْغَيْمِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْإِفَادَاتِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ وَنَصَرُوهُ. وَعَنْهُ لَا يُؤَخِّرُ مَعَ الْغَيْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبِ الْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَجَمَاعَةٍ، لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لِذَلِكَ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (فِي الْغَيْمِ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً) هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا سَوَاءٌ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ، أَوْ وَحْدَهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْمُنْفَرِدَ كَالْمُصَلِّي جَمَاعَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. قُلْت: وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْخِيرِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: يُؤَخِّرُ
إلَى قَرِيبٍ مِنْ وَسَطِ الْوَقْتِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي: تُؤَخَّرُ لِقُرْبِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ.
تَنْبِيهٌ:
يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْغَيْمِ: الْجُمُعَةُ. فَإِنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ لِذَلِكَ، وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا مُطْلَقًا. . قَالَهُ الْأَصْحَابُ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ مَعَ الْغَيْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَجَمَاعَةٍ. قُلْت: وَهُوَ الْأُولَى لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ، وَالْأَثْرَمِ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ حُكْمَ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فِي الْغَيْمِ حُكْمُ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ فِي الْغَيْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (عَنْ الْعَصْرِ وَهِيَ الْوُسْطَى) هُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ. وَلَا أَعْلَمُ عَنْهُ. وَلَا عَنْهُمْ فِيهَا خِلَافًا. قُلْت: وَذَكَرَ الْحَافِظُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حُجْرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِيهَا عِشْرِينَ قَوْلًا. وَذَكَرَ الْقَائِلَ بِكُلِّ قَوْلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَدَلِيلَهُ. فَأَحْبَبْت أَنْ أَذْكُرَهَا مُلَخَّصَةً. فَنَقُولُ: هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ، الْمَغْرِبِ، الْعِشَاءِ، الْفَجْرِ، الظُّهْرِ جَمِيعًا بِهَا، وَاحِدَةٌ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، التَّوَقُّفُ، الْجُمُعَةُ، الظُّهْرُ فِي الْأَيَّامِ، وَالْجُمُعَةُ فِي غَيْرِهَا، الصُّبْحُ، أَوْ الْعِشَاءُ، الصُّبْحُ، أَوْ الْعَصْرُ، الصُّبْحُ، أَوْ الْعَصْرُ عَلَى التَّرْدِيد، وَهُوَ غَيْرُ الَّذِي قَبْلَهُ. صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ. صَلَاةُ الْخَوْفِ، صَلَاةُ عِيدِ النَّحْرِ، صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ. صَلَاةُ الْوِتْرُ، صَلَاةُ الضُّحَى، صَلَاةُ اللَّيْلِ. قَوْلُهُ (وَوَقْتُهَا مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ.
وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، يَعْنِي أَنَّ وَقْتَ
الْعَصْرِ يَلِي وَقْتَ الظُّهْرِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ. وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ زِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ عَنْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا: وَعَنْ أَحْمَدَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَبَيْنَهُمَا وَقْتٌ مُشْتَرَكٌ قَدْرَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ. قَوْلُهُ (إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ) هَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَهِيَ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَعَنْهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ النِّهَايَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. قَوْلُهُ (وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ) يَعْنِي إنْ قُلْنَا: وَقْتُ الِاخْتِيَارِ: إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ، فَمَا بَعْدَهُ وَقْتُ ضَرُورَةٍ إلَى الْغُرُوبِ.
وَإِنْ قُلْنَا: إلَى مَصِيرِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ. فَكَذَلِكَ. فَلَهَا وَقْتَانِ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ. وَبَعْدَهُ وَقْتُ جَوَازِ الِاصْفِرَارِ. وَبَعْدَهُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ إلَى الْغُرُوبِ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: يَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: هُوَ غَرِيبٌ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ. قُلْت: لَوْ قِيلَ: إنَّهُ أَرَادَ الْجَوَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ: لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ. فَإِنَّ لَنَا وَجْهًا
بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ، مَعَ الْكَرَاهَةِ. فَيَكُونُ كَلَامُهُ مُوَافِقًا لِذَلِكَ الْقَوْلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ، عَلَى مَا يَأْتِي. مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ، بَلْ قَالَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ وَالْجَوَازِ. انْتَهَى.
وَنَقُولُ: هُوَ وَقْتُ جَوَازٍ فِي الْجُمْلَةِ لِأَجْلِ الْمَعْذُورِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ: أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَخْرُجُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ قَوْلٌ حَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ (وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا مَعَ الْغَيْمِ، دُونَ الصَّحْوِ. نَقَلَهَا صَالِحٌ. . قَالَهُ الْقَاضِي. وَلَفْظُ رِوَايَةِ صَالِحٍ " يُؤَخَّرُ الْعَصْرُ أَحَبُّ إلَيَّ. آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدِي: مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ " فَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَعَنْهُ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا إلَّا مَعَ الصَّحْوِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. وَقِيلَ: عَنْهُ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا مَعَ الصَّحْوِ.
قَوْلُهُ عَنْ الْمَغْرِبِ (وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّمْسِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَحْمَرِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ فِي الْحَضَرِ، وَالْأَحْمَرِ فِي غَيْرِهِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: تُعْتَبَرُ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ، لِدَلَالَتِهَا عَلَى غَيْبُوبَةِ الْأَحْمَرِ لَا لِنَفْسِهِ. وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ، فَهَلْ يَدْخُلُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَعَ بَقَاءِ الْحُمْرَةِ، أَوْ حَتَّى يَذْهَبَ ذَلِكَ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ.
فَائِدَةٌ:
لِلْمَغْرِبِ وَقْتَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي النَّصِيحَةِ: لَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ لِخَبَرِ جِبْرِيلَ. وَقَالَ: مَنْ أَخَّرَ حَتَّى يَبْدُوَ النَّجْمُ فَقَدْ أَخْطَأَ.
قَوْلُهُ (وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ، لِمَنْ قَصَدَهَا) يَعْنِي لِمَنْ قَصَدَهَا مُحْرِمًا. وَهَذَا إجْمَاعٌ. وَقَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: كَلَامُهُمْ يَقْتَضِي لَوْ دُفِعَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَحَصَلَ بِمُزْدَلِفَةَ وَقْتَ الْغُرُوبِ: أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا. وَيُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا. قَالَ: كَلَامُ الْقَاضِي يَقْتَضِي الْمُوَافَقَةَ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهَا لَا تُؤَخَّرُ لِأَجْلِ الْغَيْمِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا فِي الْغَيْمِ كَالظُّهْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ قَرِيبًا.
فَائِدَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: يَكُونُ تَأْخِيرُهَا لِغَيْرِ مَحْرَمٍ. . قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ. وَاقْتُصِرَ فِي الْفُصُولِ عَلَى قَوْلِهِ: وَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا إلَّا بِمِنًى، يُؤَخِّرُهَا لِأَجْلِ الْجَمْعِ بِالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ نُسُكٌ وَفَضِيلَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ. وَقَوْلُهُ " إلَّا بِمِنًى " هُوَ فِي الْفُصُولِ وَصَوَابُهُ " إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ ". الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعِشَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: يُكْرَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنْ كَثُرَ تَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ كُرِهَ. وَإِلَّا فَلَا وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي تَسْمِيَةِ الْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ تَسْمِيَتُهَا بِالْمَغْرِبِ.
قَوْلُهُ عَنْ الْعِشَاءِ (وَوَقْتُهَا مِنْ مَغِيبِ الشَّفَقِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) يَعْنِي وَقْتُ الِاخْتِيَارِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. قَالَ الشَّارِحُ: الْأَوْلَى أَنْ لَا تُؤَخَّرَ عَنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ. فَإِنْ أَخَّرَهَا جَازَ. انْتَهَى.
وَعَنْهُ نِصْفُهُ جَزَمَ بِهِ
فِي الْعُمْدَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ وَاخْتَارَهَا الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي نَظْمِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. قَوْلُهُ (ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الضَّرُورَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ فِي الْكَافِي: ثُمَّ يَذْهَبُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، وَيَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي. كَمَا قَالَ فِي الْعَصْرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: أَنَّ الْأَدَاءَ بَاقٍ وَتَقَدَّمَ مَا قُلْنَاهُ فِي كَلَامِهِ. وَوَافَقَ الْكَافِيَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبُ، وَمَسْبُوكُ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْبُلْغَةُ. فَقَالُوا: وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ. انْتَهَى.
وَقِيلَ: يَخْرُجُ الْوَقْتُ مُطْلَقًا بِخُرُوجِ وَقْت الِاخْتِيَارِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَجِيزِ لِلْعِشَاءِ وَقْتَ ضَرُورَةٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِهِ فِي الْعَصْرِ، وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْضِهَا إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بِلَا عُذْرٍ إلَى وَقْتِ ضَرُورَةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي الْعَصْرِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ
بَعْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا ". قَوْلُهُ (وَتَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ مَا لَمْ يُشَقَّ) اعْلَمْ أَنَّهُ إنْ شَقَّ التَّأْخِيرُ عَلَى جَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ كُرِهَ التَّأْخِيرُ، وَإِنْ شَقَّ عَلَى بَعْضِهِمْ كُرِهَ أَيْضًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَصَاحِبِ الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: هَلْ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا، أَوْ يُرَاعَى حَالُ الْمَأْمُومِينَ عِنْدَ الْأَشَقِّ عَلَيْهِمْ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. فَحَكَوْا الْخِلَافَ مُطْلَقًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ: يُسَنُّ تَأْخِيرُهَا. وَعَنْهُ الْأَفْضَلُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِينَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِمْ: اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ مُطْلَقًا.
تَنْبِيهٌ:
يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ: إذَا أُخِّرَ الْمَغْرِبُ لِأَجْلِ الْغَيْمِ أَوْ الْجَمْعِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْعِشَاءِ. . قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا مَعَ الْغَيْمِ نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: مَعَ تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ مَعَهُ، وَالْخُرُوجِ إلَيْهَا.
فَوَائِدُ
يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَامِعِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ. وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهَا إلَّا فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ شَغْلٍ أَوْ شَيْءٍ يَسِيرٍ، وَالْأَصَحُّ أَوْ مَعَ الْأَهْلِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مَعَ الْأَهْلِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يُكْرَهُ لِمُسَافِرٍ وَلِمُصَلٍّ بَعْدَهَا. وَلَا يُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا بِالْعَتَمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَا تَسْمِيَةُ الْفَجْرِ بِصَلَاةِ الْغَدَاةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْأَخِيرَةِ. وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ فِي الْأُولَى.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدُوسٍ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، فِي اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ: الْأَشْهَرُ عَنْهُ: إنَّمَا يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ، حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيْهَا الِاسْمُ، وَأَنَّ مِثْلَهَا فِي الْخِلَافِ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ بِالْعِشَاءِ.
قَوْلُهُ عَنْ الْفَجْرِ (وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَالْمُنْتَخَبُ، وَتَجْرِيدُ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. فَعَلَى هَذَا: يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إلَى الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ. وَعَنْهُ إنْ أَسْفَرَ الْمَأْمُومُونَ فَالْأَفْضَلُ: الْإِسْفَارُ. وَالْمُرَادُ أَكْثَرُ الْمَأْمُومِينَ وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ فِي الْمُبْهِجِ وَنَصَرَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ الْإِسْفَارُ مُطْلَقًا أَفْضَلُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهَا بَعْضُهُمْ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِ: وَعَنْهُ الْإِسْفَارُ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ إلَّا الْحَاجُّ بِمُزْدَلِفَةَ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ: يَقْتَضِي أَنَّهُ وِفَاقٌ. قُلْت: وَهُوَ عَيْنُ الصَّوَابِ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَرْفَقُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ الْإِسْفَارَ مَعَ حُضُورِهِمْ، أَوْ حُضُورِ بَعْضِهِمْ. أَمَّا لَوْ تَأَخَّرَ الْجِيرَانُ كُلُّهُمْ، فَالْأَوْلَى هُنَا: التَّأْخِيرُ بِلَا خِلَافٍ، عَلَى مُقْتَضَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَقْتُ ضَرُورَةٍ، بَلْ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَجَوَازٍ. كَمَا فِي الْمَغْرِبِ وَالظُّهْرِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَجَعَلَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ: لَهَا وَقْتَيْنِ، وَقْتُ اخْتِيَارٍ، وَهُوَ إلَى الْإِسْفَارِ، وَوَقْتُ ضَرُورَةٍ، وَهُوَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ الْإِسْفَارِ بِلَا عُذْرٍ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ اخْتِيَارِ الْأَوْلَى فِي اخْتِصَامِ الْمَلَاءِ الْأَعْلَى: وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ: هَذِهِ صَلَاةُ مُفْرِطٍ. إنَّمَا الْإِسْفَارُ: أَنْ يَنْتَشِرَ الضَّوْءُ عَلَى الْأَرْضِ.
فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ، فَيَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ ذَلِكَ، بِأَنْ يَشْتَغِلَ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ، إذَا دَخَلَ الْوَقْتُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ الْمَجْدِ: قَدْرُ الطَّهَارَةِ وَالسَّعْيِ إلَى الْجَمَاعَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ قَوْلًا يَتَطَهَّرُ قَبْلَ الْوَقْتِ
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مِنْ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا: فَقَدْ أَدْرَكَهَا) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْمَذْهَبِ. وَلَوْ كَانَ آخِرَ وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ جَمْعَهُمَا. وَعَنْهُ لَا يُدْرِكُهَا إلَّا بِرَكْعَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنِ عَبْدُوسٍ تِلْمِيذِ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ.
فَائِدَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: مُقْتَضَى قَوْلِهِ " فَقَدْ أَدْرَكَهَا " بِنَاءُ مَا خَرَجَ مِنْهَا عَنْ الْوَقْتِ عَلَى تَحْرِيمِهِ الْأَدَاءَ فِي الْوَقْتِ، وَوُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ. . قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَابِعُهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي أَنَّهَا مَسْأَلَةُ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ الْآتِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: جَمِيعُ الصَّلَاةِ الَّتِي قَدْ أَدْرَكَ بَعْضَهَا فِي وَقْتِهَا أَدَاءٌ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ: تَكُونُ جَمِيعُهَا أَدَاءً فِي الْمَعْذُورِ. دُونَ غَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَحَدُ احْتِمَالَيْ ابْنِ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ مُتَوَجَّهٌ. وَقِيلَ: قَضَاءٌ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: الْخَارِجُ عَنْ الْوَقْتِ قَضَاءٌ. وَاَلَّذِي فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ.
تَنْبِيهٌ:
يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: الْجُمُعَةُ. فَإِنَّهَا لَا تُدْرَكُ بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. وَعَنْهُ تُدْرَكُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، لَكِنَّ عُمُومَ كَلَامِهِ هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا قَالَهُ هُنَاكَ، وَهُوَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (وَمَنْ شَكَّ فِي الْوَقْتِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ) فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ صَلَّى عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ. . قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: الْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا احْتِيَاطًا، إلَّا أَنْ يَخْشَى خُرُوجَ الْوَقْتِ، أَوْ تَكُونَ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الْغَيْمِ. فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ إذَا تَيَقَّنَ غُرُوبَ الشَّمْسِ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ غُرُوبُهَا.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ، أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ مُشَاهَدَةُ الْوَقْتِ بِيَقِينٍ. قَوْلُهُ (فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مُخْبِرٌ عَنْ يَقِينٍ: قَبِلَ قَوْلَهُ) . يَعْنِي إذَا كَانَ يَثِقُ بِهِ. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ سَمِعَ أَذَانَ ثِقَةٍ عَارِفٍ يَثِقُ بِهِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ، وَأَبُو الْمَعَالِي فِي نِهَايَتِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ: يَعْمَلُ بِالْأَذَانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. وَلَا يَعْمَلُ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، حَتَّى يَعْلَمَ إسْلَامَ الْمُؤَذِّنِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ،
مَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ، كَمَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ، خِلَافًا لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ عَنْ ظَنٍّ لَمْ يُقْبَلْ) . مُرَادُهُ: إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ. فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ عَمِلَ بِقَوْلِهِ. وَفِي كِتَابِ أَبِي عَلِيٍّ الْعُكْبَرِيِّ، وَأَبِي الْمَعَالِي، وَابْنِ حَمْدَانَ، وَغَيْرِهِمَا لَا يُقْبَلُ أَذَانٌ فِي غَيْمٍ. لِأَنَّهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، فَيَجْتَهِدُ هُوَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَرَفَ أَنَّهُ يُعْرَفُ الْوَقْتُ بِالسَّاعَاتِ، أَوْ تَقْلِيدِ عَارِفٍ: عَمِلَ بِهِ وَجَزَمَ بِهَذَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ، مَعَ إمْكَانِ الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ، وَهُوَ خِلَافُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ، وَخِلَافُ مَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
فَائِدَةٌ:
الْأَعْمَى الْعَاجِزُ يُقَلِّدُ.
فَإِنْ عَدِمَ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَصَلَّى أَعَادَ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا يُعِيدُ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ) . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْأَحْكَامَ تَتَرَتَّبُ بِإِدْرَاكِ شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ وَلَوْ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ. وَأَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. فَلِهَذَا قِيلَ: يُخَيَّرُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يُمْكِنَهُ الْأَدَاءُ.
اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. مِنْهُمْ ابْنُ بَطَّةَ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا: أَنَّهُ لَا تَتَرَتَّبُ الْأَحْكَامُ إلَّا إنْ تَضَايَقَ الْوَقْتُ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يُوجَدُ الْمَانِعُ. قَوْلُهُ (ثُمَّ جُنَّ أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) يَعْنِي: إذَا طَرَأَ عَدَمُ التَّكْلِيفِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي أَدْرَكَهَا تَارَةً تُجْمَعُ إلَى غَيْرِهَا، وَتَارَةً لَا تُجْمَعُ. فَإِنْ كَانَتْ لَا تُجْمَعُ إلَى غَيْرِهَا: وَجَبَ قَضَاؤُهَا بِشَرْطِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ تُجْمَعُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا قَضَاءُ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا فَقَطْ. وَلَوْ خَلَا جَمِيعُ وَقْتِ الْأُولَى مِنْ الْمَانِعِ، وَسَوَاءٌ فَعَلَهَا أَوْ لَمْ يَفْعَلْهَا. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِيهِ، وَفِي النَّظْمِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْمَجْمُوعَةِ إلَيْهَا. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ بَلَغَ صَبِيٌّ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ، أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ: لَزِمَهُمْ الصُّبْحُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: لَزِمَهُمْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ: لَزِمَهُمْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ) . يَعْنِي إذَا طَرَأَ التَّكْلِيفُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَرَتِّبَةٌ بِإِدْرَاكِ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الْوَقْتِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: بِقَدْرِ جُزْءٍ مَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي حِكَايَةُ الْقَوْلِ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ. قَالَ: وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِرَكْعَةٍ. فَيَكُونُ فَائِدَةَ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْخِلَافَ عِنْدَنَا فِيمَا إذَا طَرَأَ مَانِعٌ أَوْ تَكْلِيفٌ: هَلْ يُعْتَبَرُ بِتَكْبِيرَةٍ أَوْ رَكْعَةٍ وَاخْتَارَ بِرَكْعَةٍ فِي التَّكْلِيفِ. انْتَهَى. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ. فَإِنَّهُ إذَا طَرَأَ التَّكْلِيفُ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ لَا تُجْمَعُ. لَزِمَتْهُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ تُجْمَعُ مَعَ مَا قَبْلَهَا إلَيْهَا، لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا بِلَا نِزَاعٍ.
قَوْلُهُ (وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ مُطْلَقًا. وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ فِي خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ عَمْدًا إذَا تَابَ لَا يَشْرَعُ لَهُ قَضَاؤُهَا. وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ، بَلْ يُكْثِرُ مِنْ التَّطَوُّعِ. وَكَذَا الصَّوْمُ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَوَقَعَ فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِعْلُهَا إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا. مِنْهُمْ الْجُوزَجَانِيُّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ، وَابْنُ بَطَّةَ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا. فَإِنْ تَضَرَّرَ بِسَبَبِ ذَلِكَ سَقَطَتْ الْفَوْرِيَّةُ نُصَّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ (مُرَتَّبًا قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: التَّرْتِيبُ مُسْتَحَبٌّ وَاخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَمَالَ إلَى ذَلِكَ. وَقَالَ: كَانَ أَحْمَدُ لِشِدَّةِ وَرَعِهِ يَأْخُذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بِالِاحْتِيَاطِ، وَإِلَّا فَأَجَابَ سِنِينَ عَدِيدَةً بِبَقَاءِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَائِتَةٍ فِي الذِّمَّةِ: لَا يَكَادُ يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَوِيٌّ. قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَعْيَانِ شُيُوخِنَا الْحَنْبَلِيِّينَ: أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ، وَسَأَلَهُ عَمَّا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: أَيُّهَا أَرْجَحُ؟ قَالَ: فَفَهِمْت مِنْهُ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى رُجْحَانِ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ. انْتَهَى.
وَقِيلَ: يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ التَّرْتِيبُ. وَلَا يُعْتَبَرُ لِلصِّحَّةِ. وَلَهُ نَظَائِرُ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ كَثُرَتْ الْفَرَائِضُ الْفَوَائِتُ، فَالْأَوْلَى تَرْكُ سُنَنِهَا. . قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا. وَاسْتَثْنَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ سُنَّةَ الْفَجْرِ. وَقَالَ: لَا يُهْمِلُهَا. وَقَالَ فِي الْوِتْرِ: إنْ شَاءَ قَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ فَلَا. وَنَقَلَ مَهَنَّا: يَقْضِي سُنَّةَ
الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ. قَالَ الْمَجْدُ: لِأَنَّهُ عِنْدَهُ دُونَهَا. وَأَطْلَقَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ يَقْضِي السُّنَنَ. قَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ مُهَنَّا الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهِ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَقْضِي الْوِتْرَ كَمَا يَقْضِي غَيْرَهُ مِنْ الرَّوَاتِبِ نَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ فِي رِوَايَةٍ خَاصَّةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يَتَطَوَّعُ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ مُتَقَدِّمَةٌ إلَّا الْوِتْرَ. فَإِنَّهُ يُوتِرُ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ: يَقْضِي سُنَّةَ الْفَجْرِ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَفِي بَقِيَّةِ الرَّوَاتِبِ مِنْ النَّوَافِلِ: رِوَايَتَانِ. نَصٌّ عَلَى الْوِتْرِ لَا يَقْضِي. وَعَنْهُ يَقْضِي انْتَهَى.
وَأَمَّا انْعِقَادُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، لِتَحْرِيمِهِ إذَنْ كَأَوْقَاتِ النَّهْيِ. . قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ الْخِلَافَ فِي الْجَوَازِ، وَأَنَّ عَلَى الْمَنْعِ لَا يَصِحُّ. قَالَ الْمَجْدُ: وَكَذَا يَتَخَرَّجُ فِي النَّفْلِ الْمُبْتَدَأِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ، أَوْ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتِ الْفَوَاتِ، مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَتَحْرِيمِهِ. انْتَهَى.
وَعَنْهُ يَنْعَقِدُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " فَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ "
قَوْلُهُ (فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْحَاضِرَةِ) . سَقَطَ وُجُوبُهُ. يَعْنِي وُجُوبَ التَّرْتِيبِ. فَيُصَلِّي الْحَاضِرَةَ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا يَفْعَلُهَا فِيهِ، ثُمَّ يَقْضِي. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَسْقُطُ مُطْلَقًا اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ. وَأَنْكَرَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْهَا. وَكَذَا قَالَ أَبُو حَفْصٍ. قَالَ: إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلًا قَدِيمًا أَوْ غَلَطًا. وَعَنْهُ يَسْقُطُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ عَنْ قَضَاءِ كُلِّ الْفَوَائِتِ، فَيُصَلِّي الْحَاضِرَةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ اخْتَارَهَا أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ. وَعَنْهُ يَسْقُطُ بِخَشْيَةِ فَوَاتِ الْجَمَاعَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَعَنْهُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِكَوْنِهَا جُمُعَةً جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَهُ الْقَاضِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ، لَكِنْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: بِعَدَمِ السُّقُوطِ، ثُمَّ يَقْضِيهَا ظُهْرًا. وَفِيهِ وَجْهٌ لَيْسَ عَلَيْهِ فِعْلُ
الْجُمُعَةِ إذَا قُلْنَا لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي أَوَّلِ الْجُمُعَةِ: وَيَبْدَأُ بِالْجُمُعَةِ لِخَوْفِ فَوْتِهَا. وَيَتْرُكُ فَجْرًا فَاتَتْهُ نُصَّ عَلَيْهِ
. فَوَائِدُ:
إحْدَاهُمَا: لَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَاضِرَةِ، مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ صَحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ.
الثَّانِيَةُ: لَا تَنْعَقِدُ النَّافِلَةُ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ الْحَاضِرَةِ، إذَا فَعَلَهَا عَمْدًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَنْعَقِدُ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْمَجْدِ. وَهُوَ أَعَمُّ. الثَّالِثَةُ: خَشْيَةُ خُرُوجِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ كَخَشْيَةِ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِالْكُلِّيَّةِ. فَإِذَا خَشِيَ الِاصْفِرَارَ صَلَّى الْحَاضِرَةَ. . قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ.
قَوْلُهُ (أَوْ نَسِيَ التَّرْتِيبَ: سَقَطَ وُجُوبُهُ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. حَتَّى قَالَ الْقَاضِي: إذَا نَسِيَ التَّرْتِيبَ سَقَطَ وُجُوبُهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَعَنْهُ لَا يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ بِالنِّسْيَانِ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهُ. فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَلَطًا أَوْ قَوْلًا قَدِيمًا.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَوْ جَهِلَ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ وُجُوبُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقِيلَ: يَسْقُطُ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ. فَقَالَ: هُوَ كَالنَّاسِي لِلتَّرْتِيبِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ ذَكَرَ فَائِتَةً، وَقَدْ أَحْرَمَ بِحَاضِرَةٍ. فَتَارَةً يَكُونُ إمَامًا، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَهُ. فَإِنْ كَانَ غَيْرَ إمَامٍ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لَا يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ، وَيُتِمُّهَا نَفْلًا، إمَّا رَكْعَتَيْنِ وَإِمَّا أَرْبَعًا. وَعَنْهُ يُتِمُّهَا الْمَأْمُومُ دُونَ الْمُنْفَرِدِ. وَعَنْهُ عَكْسُهَا. حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ. وَعَنْهُ يُتِمُّهَا فَرْضًا
اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَعَنْهُ تَبْطُلُ. نَقَلَهَا حَنْبَلٌ. وَوَهِمَهُ الْخَلَّالُ. وَعَنْهُ ذِكْرُ الْفَائِتَةِ فِي الْحَاضِرَةِ: يُسْقِطُ التَّرْتِيبَ عَنْ الْمَأْمُومِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَالصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَقْطَعُهُمَا. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُمْ مُفْتَرِضُونَ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ.
فَعَلَى هَذَا: إذَا قُلْنَا يَصِحُّ الْفَرْضُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ: أَتَمَّهَا كَالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ. وَاخْتَارَ الْمَجْدُ سُقُوطَ التَّرْتِيبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. فَيُتِمُّهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فَرْضًا. وَعَنْهُ تَبْطُلُ.
فَوَائِدُ:
الْأُولَى: لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَ عَيْنَهَا، صَلَّى خَمْسًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نُصَّ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ. وَعَنْهُ يُصَلِّي فَجْرًا، ثُمَّ مَغْرِبًا، ثُمَّ رُبَاعِيَّةً. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَتَخَرَّجُ إيقَاعُ وَاحِدَةٍ بِالِاجْتِهَادِ، أَخْذًا مِنْ الْقِبْلَةِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ نَسِيَ ظُهْرًا وَعَصْرًا مِنْ يَوْمَيْنِ، وَجَهِلَ السَّابِقَةَ: تَحَرَّى فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى: يَبْدَأُ بِالظُّهْرِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يُصَلِّي ظُهْرًا، ثُمَّ عَصْرًا، ثُمَّ ظُهْرًا. قَالَ وَقِيلَ: عَصْرًا، ثُمَّ ظُهْرًا، ثُمَّ عَصْرًا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى: لَوْ تَحَرَّى فَلَمْ يَقْوَ عِنْدَهُ شَيْءٌ: بَدَأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ يُصَلِّي ظُهْرَيْنِ بَيْنَهُمَا عَصْرًا، أَوْ عَكْسَهُ. ذَكَرَهَا فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي احْتِمَالًا. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوِيَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ أَوْ لَا. فَقَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ: ظُهْرٌ، ثُمَّ عَصْرٌ، ثُمَّ ظُهْرٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ. قَالَ: وَهَذَا أَقْيَسُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ. أَشْبَهَ مَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ، وَأَبُو الْمَعَالِي، وَابْنُ مُنَجَّا. وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ الظُّهْرَ وَصَلَاةً أُخْرَى لَا يَعْلَمُ: هَلْ هِيَ الْمَغْرِبُ