المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب مسح الخفين] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١

[المرداوي]

الفصل: ‌[باب مسح الخفين]

[بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ]

ِ فَوَائِدُ مِنْهَا: الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى شِبْهِهِمَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ لَا يَرْفَعُهُ. وَمِنْهَا: الْمَسْحُ أَفْضَلُ مِنْ الْغَسْلِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. قَالَ الْقَاضِي: لَمْ يَرِدْ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْمَسْحِ، وَعَنْهُ الْغَسْلُ أَفْضَلُ.

وَقِيلَ: إنَّهُ آخِرُ أَقْوَالِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: إنْ لَمْ يُدَاوِمْ الْمَسْحَ فَهُوَ أَفْضَلُ. اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَفَصْلُ الْخِطَابِ: أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِحَالِ قَدَمِهِ. فَالْأَفْضَلُ لِمَنْ قَدَمَاهُ مَكْشُوفَتَانِ: غَسْلُهُمَا وَلَا يَتَحَرَّى لُبْسَ الْخُفِّ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ، كَمَا «كَانَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ، وَيَمْسَحُ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَ لَابِسًا لِلْخُفِّ» . انْتَهَى.

وَمِنْهَا: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ لِيَمْسَحَ. كَالسَّفَرِ لِيُرَخِّصَ. وَمِنْهَا: الْمَسْحُ رُخْصَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ عَزِيمَةٌ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مِنْ فَوَائِدِهَا الْمَسْحَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ.

وَتَعْيِينُ الْمَسْحِ عَلَى لَابِسِهِ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ. وَمِنْهَا: لُبْسُ الْخُفِّ مَعَ مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ مَكْرُوهٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا كَغَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: يَتَوَقَّتُ الْمَسْحُ بِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ اسْتَأْنَفَتْ الْوُضُوءَ، وَجْهًا وَاحِدًا.

ص: 169

وَمِنْهَا: لَوْ غَسَلَ صَحِيحًا، وَتَيَمَّمَ لِجُرْحٍ: فَهَلْ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفِّ؟ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: هُوَ كَالْمُسْتَحَاضَةِ.

قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ لِلزَّمِنِ. وَفِي رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ فَرْضِ الْأُخْرَى شَيْءٌ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجُرْمُوقَيْنِ، وَهُوَ خُفٌّ قَصِيرٌ، وَالْجَوْرَبَيْنِ} بِلَا نِزَاعٍ، إنْ كَانَا مُنَعَّلَيْنِ أَوْ مُجَلَّدَيْنِ.

وَكَذَا إنْ كَانَا مِنْ خِرَقٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَالرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ. وَحَيْثُ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ضَيِّقًا عَلَى مَا يَأْتِي.

وَجَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى جَوْرَبٍ ضَيِّقٍ، خِلَافًا لِمَالِكٍ.

قَوْلُهُ {وَفِي الْمَسْحِ عَلَى الْقَلَانِسِ وَخُمُرِ النِّسَاءِ الْمُدَارَاتِ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ رِوَايَتَانِ} وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْقَلَانِسِ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ.

إحْدَاهُمَا: الْإِبَاحَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ فِي نَظْمِهِ: هَذَا الْمَنْصُورُ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا.

وَقَالَ صَاحِبُ التَّبْصِرَةِ: يُبَاحُ إذَا كَانَتْ مَحْبُوسَةً تَحْتَ حَلْقِهِ بِشَيْءٍ.

ص: 170

قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْقَلَانِسِ تَحْنِيكٌ. وَاشْتَرَطَهُ الشِّيرَازِيُّ.

فَائِدَةٌ: " الْقَلَانِسُ " جَمْعُ قَلَنْسُوَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ. وَقَدْ تُبْدَلُ مُثَنَّاةً مِنْ تَحْتٍ. وَقَدْ تُبْدَلُ أَلْفًا وَتُفْتَحُ السِّينُ. فَيُقَالُ قَلَنْسَاةٌ. وَقَدْ تُحْذَفُ النُّونُ مِنْ هَذِهِ بَعْدَهَا هَاءُ تَأْنِيثٍ مُبَطَّنَاتٌ تُتَّخَذُ لِلنَّوْمِ وَ " الدِّينَاتُ " قَلَانِسُ كِبَارٌ أَيْضًا كَانَتْ الْقُضَاةُ تَلْبَسُهَا قَدِيمًا. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هِيَ عَلَى هَيْئَةِ مَا تَتَّخِذُهُ الصُّوفِيَّةُ الْآنَ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: الْقَلَنْسُوَةُ غِشَاءٌ مُبَطَّنٌ تُسْتَرُ بِهِ الرَّأْسُ. قَالَهُ الْقَزَّازُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ. وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هِيَ الَّتِي يَقُولُهَا الْعَامَّةُ الشَّاشَةُ. وَفِي الْمُحْكَمِ هِيَ مِنْ مُلَابِسِ الرُّءُوسِ مَعْرُوفَةٌ. وَقَالَ أَبُو هِلَالٍ الْعَسْكَرِيُّ: هِيَ الَّتِي تُغَطَّى بِهَا الْعَمَائِمُ، وَتَسْتُرُ مِنْ الشَّمْسِ وَالْمَطَرِ.

كَأَنَّهَا عِنْدَهُ رَأْسُ الْبُرْنُسِ. [انْتَهَى] وَجَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى دِينَاتِ الْقُضَاةِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَأَمَّا خُمُرُ النِّسَاءِ الْمُدَارَةُ تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ: فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا الْخِلَافَ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ.

وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا الْمَنْصُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ. وَهُوَ مِنْهَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا.

وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْعُمْدَةِ.

قَوْلُهُ {وَمِنْ شَرْطِهِ: أَنْ يَلْبَسَ الْجَمِيعَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، إلَّا الْجَبِيرَةَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ}

ص: 171

إنْ كَانَ الْمَمْسُوحُ عَلَيْهِ غَيْرَ جَبِيرَةٍ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ كَمَالُ الطَّهَارَةِ قَبْلَ لُبْسِهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ كَمَالُهَا، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقَالَ: وَعَنْهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لِمَسْحِ الْعِمَامَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ. فَعَلَى كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ: يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ.

وَحَكَى أَبُو الْفَرَجِ رِوَايَةً بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ رَأْسًا. فَإِنْ لَبِسَ مُحْدِثًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ. قُلْت: اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ أَيْضًا: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ الْعِمَامَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ. وَيَكْفِيهِ فِيهِمَا الطَّهَارَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ: أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ مَسَحَ رَأْسَهُ، وَرَفَعَ الْعِمَامَةَ ثُمَّ أَعَادَهَا. وَلَا يَبْقَى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ. انْتَهَى.

وَمَا قَالَهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ.

تَنْبِيهٌ: مِنْ فَوَائِدِ الرِّوَايَتَيْنِ: لَوْ غَسَلَ رِجْلًا ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ: خَلَعَ. ثُمَّ لَبِسَ بَعْدَ غَسْلِ الْأُخْرَى. وَلَوْ لَبِسَ الْأُولَى طَاهِرَةً، ثُمَّ لَبِسَ الثَّانِيَةَ طَاهِرَةً: خَلَعَ الْأُولَى فَقَطْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ: وَيَخْلَعُ الثَّانِيَةَ. وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا خَلْعَ. وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا وَغَسَلَهُمَا فِيهِ: خَلَعَ عَلَى الْأُولَى. ثُمَّ لَبِسَهُ قَبْلَ الْحَدَثِ، وَإِنْ لَمْ يَلْبَسْ حَتَّى أَحْدَثَ. لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمَسْحُ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ: لَا يَخْلَعُهُ وَيَمْسَحُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَجَزَمَ الْأَكْثَرُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَهِيَ الطَّهَارَةُ لِابْتِدَاءِ اللُّبْسِ، بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا. وَهِيَ كَمَالُ الطَّهَارَةِ. فَذَكَرُوا فِيهَا الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ.

قُلْت: وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا أَبُو الْفَرَجِ. وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

وَلَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَأَدْخَلَهُمَا فِي الْخُفِّ، ثُمَّ تَمَّمَ طَهَارَتَهُ، أَوْ فَعَلَهُ مُحْدِثٌ وَلَمْ نَعْتَبِرْ التَّرْتِيبَ: لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الْأُولَى.

وَيَمْسَحُ عَلَى الثَّانِيَةِ.

ص: 172

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ لَبِسَ عِمَامَةً قَبْلَ طُهْرٍ كَامِلٍ. فَلَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ لَبِسَهَا، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ: خَلَعَ عَلَى الْأُولَى ثُمَّ لَبِسَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ. وَلَوْ لَبِسَهَا مُحْدِثًا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ رَأْسَهُ، وَرَفَعَهَا رَفْعًا فَاحِشًا فَكَذَلِكَ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَمَا لَوْ لَبِسَ الْخُفَّ مُحْدِثًا، فَلَمَّا غَسَلَ رِجْلَيْهِ رَفَعَهَا إلَى السَّاقِ، ثُمَّ أَعَادَهَا، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهَا رَفْعًا فَاحِشًا: احْتَمَلَ أَنَّهُ كَمَا لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْخُفِّ.

لِأَنَّ الرَّفْعَ الْيَسِيرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُكْمِ اللُّبْسِ. وَلِهَذَا لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَابْتِدَاءِ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَفَا عَنْهُ هُنَاكَ لِلْمَشَقَّةِ. انْتَهَى.

وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ اخْتَارَ: أَنَّ الْعِمَامَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا ابْتِدَاءُ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ. وَيَكْفِي فِيهَا الطَّهَارَةُ الْمُسْتَدَامَةُ. وَقَالَ أَيْضًا: يَتَوَجَّهُ أَنْ لَا يَخْلَعَهَا بَعْدَ وُضُوئِهِ، ثُمَّ يَلْبَسَهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ.

وَهَذَا مُرَادُ ابْنِ هُبَيْرَةَ فِي الْإِفْصَاحِ فِي الْعِمَامَةِ. هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَبِسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ؟ عَنْهُ: رِوَايَتَانِ. أَمَّا مَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: فَبَعِيدٌ إرَادَتُهُ جِدًّا. فَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامِ الْمُحْتَمَلِ عَلَيْهِ.

قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ وُصُولِ الْقَدَمِ مَحَلَّهَا: لَمْ يَمْسَحْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَلِهَذَا لَوْ غَسَلَهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا مَحَلَّهَا: يَمْسَحُ. وَعَنْهُ يَمْسَحُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَمْسُوحُ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُ تَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا. قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ لَهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: يُشْتَرَطُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى

ص: 173

الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوَّاهُ أَيْضًا فِي نَظْمِهِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَصَاحِبُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِيهِمَا، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَالْمَجْدِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ شَدَّ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ نَزَعَ. فَإِنْ خَافَ تَيَمَّمَ فَقَطْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَمْسَحُ فَقَطْ.

وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ تَخْرِيجًا. وَقِيلَ: يَمْسَحُ وَيَتَيَمَّمُ. وَحَيْثُ قُلْنَا: يَتَيَمَّمُ، لَوْ عَمَّتْ الْجَبِيرَةُ مَحَلَّ فَرْضِ التَّيَمُّمِ ضَرُورَةً، كَفَى مَسْحُهُمَا بِالْمَاءِ. وَلَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِلَا تَيَمُّمٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَبَقِيَّةُ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَأْتِي فِي آخِرِ الْبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَمْسَحُ عَلَى جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ إذَا لَمْ تَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ ".

تَنْبِيهٌ: الْخِلَافُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى مَا عَدَا الْجَبِيرَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجَبِيرَةِ، فَقَطْ.

قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: يَبْعُدُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجَبِيرَةِ، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهَا، لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْكَمَالِ.

الثَّانِي: أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا عَدَاهَا أَشْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: الْخِلَافُ هُنَا فِي غَيْرِ الْجَبِيرَةِ، وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ، قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى مَا عَدَا الْجَبِيرَةَ مِنْ الْمَمْسُوحِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَبِيرَةِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْكَمَالِ. وَإِنَّمَا هُوَ فِي تَقَدُّمِ أَصْلِ الطَّهَارَةِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الْخِلَافُ إلَى الْجَبِيرَةِ لِقُرْبِهَا وَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهَا أَشْهَرُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَكَلَامُ الشَّيْخِ، وَكَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ: وَلَا بُدَّ مِنْ

ص: 174

بَيَانِ مَوْضِعِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنَّهُ فِي الْجَبِيرَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عُبَيْدَانَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى عِمَامَةٍ، أَوْ عَكْسِهِ. فَهَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْمَلْبُوسِ الثَّانِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَ أَصْحَابُنَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ. قَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ.

قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ جَوَازَ الْمَسْحِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَبِي الْبَرَكَاتِ الْجَوَازُ جَزْمًا، عَلَى قَاعِدَتِهِ مِنْ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ. انْتَهَى.

قُلْت: الْمَذْهَبُ الرَّفْعُ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ، وَيَأْتِي آخِرَهُ.

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ شَدَّ جَبِيرَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عِمَامَةً وَخُفًّا، أَوْ أَحَدَهُمَا. وَقُلْنَا: يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَضَعَّفَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: جَوَازَ الْمَسْحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ هُنَا، وَإِنْ مَنَعْنَاهُ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَسْحَهُمَا عَزِيمَةٌ، وَجَزَمَ بِالْجَوَازِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ أَيْضًا.

وَلَوْ شَدَّ جَبِيرَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا جَبِيرَةً: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ.

وَلَوْ لَبِسَ خُفًّا أَوْ عِمَامَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْجَبِيرَةِ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إنْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ فِي رِجْلِهِ وَقَدْ مَسَحَ عَلَيْهَا، ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ لَمْ يَمْسَحْ عَلَيْهِ.

ص: 175

فَائِدَةٌ: لَا يَمْسَحُ عَلَى خُفٍّ لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ تَيَمَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ: هُوَ أَوْلَى، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: مَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ طَهَارَتَهُ إلَّا وُجُودُ الْمَاءِ: لَهُ أَنْ يَمْسَحَ وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: إذَا تَيَمَّمَ لِجُرْحٍ وَنَحْوِهِ.

قَوْلُهُ {وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ.

وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَقِيلَ: يَمْسَحُ كَالْجَبِيرَةِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَلَا تَتَوَقَّتُ مُدَّةُ الْمَسْحِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ الَّذِي يَشُقُّ اشْتِغَالُهُ بِالْخَلْعِ وَاللُّبْسِ، كَالْبَرِيدِ الْمُجَهَّزِ فِي مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ " غَيْرُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ. فَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَمْسَحَ عَاصٍ بِسَفَرِهِ كَغَيْرِهِ، ذَكَرَهُ ابْنُ شِهَابٍ. وَقِيلَ: لَا يَمْسَحُ مُطْلَقًا، عُقُوبَةً لَهُ.

فَائِدَةٌ: لَوْ أَقَامَ وَهُوَ عَاصٍ بِإِقَامَتِهِ، كَمَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِسَفَرٍ فَأَبَى، وَأَقَامَ. فَلَهُ مَسْحُ مُقِيمٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: هَلْ هُوَ كَعَاصٍ بِسَفَرِهِ فِي مَنْعِ التَّرْخِيصِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قُلْت: فَعَلَى الْمَنْعِ يُعَايَى بِهَا.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {إلَّا الْجَبِيرَةَ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إلَى حَلِّهَا} بِلَا نِزَاعٍ وَلَا تَقْيِيدٍ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ كَالتَّيَمُّمِ يَتَقَيَّدُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ. فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ. وَتَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا.

ص: 176

فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَمْسَحُ الْمُقِيمُ غَيْرَ الْجَبِيرَةِ. وَقِيلَ: اللُّصُوقِ يَوْمًا وَلَيْلَةً.

وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَيَمْسَحُ الْمُقِيمُ غَيْرَ اللُّصُوقِ وَالْجَبِيرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً.

قُلْت: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. وَأَنَّ اللُّصُوقَ حَيْثُ تَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ يَمْسَحُ عَلَيْهِ إلَى حَلِّهِ كَالْجَبِيرَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا خِلَافٌ.

قَوْلُهُ {وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ الْحَدَثِ بَعْدَ اللُّبْسِ} هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَيْ مِنْ وَقْتِ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ. فَلَوْ مَضَى مِنْ الْحَدَثِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، أَوْ ثَلَاثَةٌ، إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَلَمْ يَمْسَحْ: انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، وَمَا لَمْ يُحْدِثْ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ. فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ لُبْسِهِ يَوْمًا عَلَى طَهَارَةِ اللُّبْسِ، ثُمَّ أَحْدَثَ: اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُدَّةَ.

وَانْقِضَاءُ الْمُدَّةِ: وَقْتُ جَوَازِ مَسْحِهِ بَعْدَ حَدَثِهِ. انْتَهَى. وَعَنْهُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ الْمَسْحِ بَعْدَ الْحَدَثِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ، وَانْتِهَاؤُهَا وَقْتُ الْمَسْحِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

فَائِدَةٌ: يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُقِيمُ بِالْمَسْحِ سَبْعَ صَلَوَاتٍ، مِثْلُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةَ الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْجَمْعَ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَيَمْسَحُ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ.

ثُمَّ يَمْسَحُ إلَى مِثْلِهَا مِنْ الْغَدِ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ. فَتَتِمُّ لَهُ سَبْعُ صَلَوَاتٍ. وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُسَافِرُ بِالْمَسْحِ سَبْعَ عَشْرَةَ صَلَاةً.

كَمَا قُلْنَا فِي الْمُقِيمِ.

قَوْلُهُ {وَإِنْ مَسَحَ مُسَافِرًا، ثُمَّ أَقَامَ: أُتَمّ مَسَحَ مُقِيمٌ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْمُبْهِجِ: أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، إنْ كَانَ مَسَحَ مُسَافِرًا فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَشَذَّذَهُ الزَّرْكَشِيُّ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: وَهُوَ غَرِيبٌ.

وَنَقَلَهُ فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَةً. وَلَمْ أَرَهَا فِيهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

ص: 177

قُلْت: مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، كَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَطَعَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ، وَالْكَافِي، وَالْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. فَقَالَ: هُوَ النَّصُّ الْمُتَأَخِّرُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى.

قَالَ الْخَلَّالُ: نَقَلَهُ عَنْهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَقَدْ غَالَى الْخَلَّالُ، حَيْثُ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، فَقَالَ: نَقَلَ عَنْهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا: أَنَّهُ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ، وَرَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ " يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ.

فَائِدَةٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَلَّى فِي الْحَضَرِ أَوْ لَا. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ صَلَّى بِطَهَارَةِ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ غَلَبَ جَانِبُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَوْلُهُ {أَوْ شَكَّ فِي ابْتِدَائِهِ: أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ} وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ هُنَا كَالْحُكْمِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا خِلَافًا وَمَذْهَبًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّكُّ حَضَرًا أَوْ سَفَرًا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: وَمَسْحُ مُسَافِرٍ مَعَ الشَّكِّ فِي أَوَّلِهِ غَرِيبٌ بَعِيدٌ.

فَائِدَةٌ: لَوْ شَكَّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ. فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ، فَبَانَ بَقَاؤُهَا؛ صَحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، كَمَا يُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ مَعَ شَكِّهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.

ص: 178

قَوْلُهُ {وَمَنْ أَحْدَثَ، ثُمَّ سَافَرَ قَبْلَ الْمَسْحِ: أَتَمَّ مَسْحَ مُسَافِرٍ} هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ. ذَكَرَهَا الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ غَرِيبٌ. وَقِيلَ: إنْ مَضَى وَقْتُ صَلَاةٍ، ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا.

قَوْلُهُ {وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ} هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ.

وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ. إلَّا إنْ تَخَرَّقَ أَكْثَرُهُ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ، مَا دَامَ اسْمُهُ بَاقِيًا، وَالْمَشْيُ فِيهِ مُمْكِنٌ. اخْتَارَهُ أَيْضًا جَدُّهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ.

لَكِنْ مِنْ شَرْطِ الْخَرْقِ: أَنْ لَا يَمْنَعَ مُتَابَعَةَ الْمَشْيِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْمَلْبُوسِ وَلَوْ كَانَ دُونَ الْكَعْبِ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ قَوْلَةِ {وَثَبَتَ بِنَفْسِهِ} أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَدِّهِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوْ ثَبَتَ الْجَوْرَبَانِ بِالنَّعْلَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يَخْلَعْ النَّعْلَيْنِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَقَدْ يَتَخَرَّجُ الْمَنْعُ مِنْهُ. انْتَهَى.

وَيَجِبُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَسُيُورِ النَّعْلَيْنِ قَدْرَ الْوَاجِبِ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

قَالَ فِي الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ: مَسْحُهُمَا. وَقِيلَ: يُجْزِئُ مَسْحُ الْجَوْرَبِ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: أَوْ النَّعْلِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَقِيلَ: يَجِبُ مَسْحُهُمَا. وَعَنْهُ أَوْ أَحَدِهِمَا.

قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: إجْزَاءُ الْمَسْحِ عَلَى أَحَدِهِمَا قَدْرَ الْوَاجِبِ. قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبَ.

ص: 179

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الَّذِي يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ يَبْدُو بَعْضُهُ لَوْلَا شَدُّهُ أَوْ شَرْجُهُ، كَالزُّرْبُولِ الَّذِي لَهُ سَاقٌ وَنَحْوُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. اخْتَارَهُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْآمِدِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ.

تَنْبِيهٌ: ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِجَوَازِ الْمَسْحِ شَرْطَيْنِ سَتْرَ مَحَلِّ الْفَرْضِ، وَثُبُوتَهُ بِنَفْسِهِ. وَثَمَّ شُرُوطٌ أُخَرُ: مِنْهَا: تَقَدُّمُ الطَّهَارَةِ كَامِلَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

وَمِنْهَا: إبَاحَتُهُ. فَلَوْ كَانَ مَغْصُوبًا، أَوْ حَرِيرًا، أَوْ نَحْوَهُ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: مُبَاحٌ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: يُشْتَرَطُ إبَاحَتُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا الْأَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَخَرَّجَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالسَّامِرِيُّ: الصِّحَّةَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَأَبَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَقَالَ: إنَّهُ وَهْمٌ. فَإِنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ تَمْتَنِعُ بِالْمَعْصِيَةِ. انْتَهَى.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي الْفُصُولِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، كَمَنْ هُوَ فِي بَلَدِ ثَلْجٍ، وَخَافَ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْأَصْلِيِّ: أَعَادَ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ لُزُومًا عَلَى الصَّحِيحِ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ مَسَحَ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ يَصِحُّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ، وَالطَّهَارَةُ مِنْ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؟ أَصَحُّهُمَا: لَا يَصِحُّ. قَالَ: فَإِنْ مَسَحَ ثُمَّ نَدِمَ فَخَلَعَ، وَأَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَطَاوَلَ الزَّمَانُ انْبَنَى عَلَى

ص: 180

الرِّوَايَتَيْنِ فِي خَلْعِ الْخُفِّ: هَلْ تَبْطُلُ طَهَارَةُ الْقَدَمَيْنِ؟ أَصَحُّهُمَا: تَبْطُلُ مِنْ أَصْلِهَا. وَمِنْهَا: إمْكَانُ الْمَشْيِ فِيهِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالْمَجْدُ. وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ: الْجُلُودُ، وَاللُّبُودُ، وَالْخَشَبُ، وَالزُّجَاجُ، وَنَحْوُهَا قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مَعَ إمْكَانِ الْمَشْيِ فِيهِ كَوْنُهُ مُعْتَادًا، وَاخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ كَوْنُهُ يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. تَنْبِيهٌ: قَوْلِي " إمْكَانُ الْمَشْيِ فِيهِ " قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: يُمْكِنُ الْمَشْيُ فِيهِ قَدْرَ مَا يَتَرَدَّدُ إلَيْهِ الْمُسَافِرُ فِي حَاجَتِهِ فِي وَجْهٍ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَقَلَّ. وَمِنْهَا: طَهَارَةُ عَيْنِهِ، إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ بِلَا نِزَاعٍ.

فَإِنْ كَانَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ فَيُشْتَرَطُ طَهَارَةُ عَيْنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. فَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى جِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ فِي بِلَادِ الثُّلُوجِ إذَا خَشِيَ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ بِخَلْعِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. بَلْ يَتَيَمَّمُ لِلرِّجْلَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ: هَذَا الْأَظْهَرُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَصَحَّحَهُ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ إبَاحَتُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. فَيُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ، لِلْإِذْنِ فِيهِ إذَنْ، وَنَجَاسَةُ الْمَاءِ حَالَ الْمَسْحِ لَا تَضُرُّ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَمَفْهُومُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ اخْتِيَارُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ إبَاحَتِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِي النَّجِسِ الْعَيْنِ. وَقِيلَ: لِضَرُورَةِ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَجْهَانِ. وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَصِفَ الْقَدَمَ لِصَفَائِهِ. فَلَوْ وَصَفَهُ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَالزُّجَاجِ الرَّقِيقِ وَنَحْوِهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ {فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ بَعْضُ الْقَدَمِ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ}

ص: 181

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتَقَدَّمَ عَنْهُ قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: مَوْضِعُ الْخَرَزِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ فِيهِ خَرْقٌ يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ لَا يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ طَاهِرِ الْعَيْنِ، وَلَكِنَّ بِبَاطِنِهِ، أَوْ قَدَمِهِ، نَجَاسَةً لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهَا إلَّا بِنَزْعِهِ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. وَيَسْتَبِيحُ بِذَلِكَ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ. أَصْلُهُمَا الرِّوَايَتَانِ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِكَوْنِهَا طَهَارَةً لَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ بِهَا غَالِبًا بِدُونِ نَقْضِهَا. فَجُعِلَتْ كَالْعَدَمِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قَالَ كَثِيرُونَ: يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْ الْوُضُوءِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ. وَفَرَّقَ الْمَجْدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَحَلِّ هُنَاكَ لَمَّا أَوْجَبَتْ الطَّهَارَتَيْنِ جُعِلَتْ إحْدَاهُمَا تَابِعَةً لِلْأُخْرَى. وَهَذَا مَعْدُومٌ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {أَوْ الْجَوْرَبَ خَفِيفًا يَصِفُ الْقَدَمَ، أَوْ يَسْقُطُ مِنْهُ إذَا مَشَى} . لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى هَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُهُ {فَوَكَّدَ أَوْ شَدَّ لَفَائِفَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ} . هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ

ص: 182

الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، حَتَّى جَعَلَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ إجْمَاعًا انْتَهَى.

وَفِيهِ وَجْهٌ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ رِوَايَةً بِالْجَوَازِ، بِشَرْطِ قُوَّتِهَا وَشَدِّهَا. انْتَهَى.

وَقِيلَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا مَعَ الْمَشَقَّةِ. وَهُوَ مَخْرَجٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ.

فَائِدَةٌ: اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَسَائِلِ مَسْحَ الْقَدَمِ وَنَعْلِهَا الَّتِي يَشُقُّ نَزْعُهَا إلَّا بِيَدٍ وَرِجْلٍ، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ. قَالَ: وَالِاكْتِفَاءُ هُنَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ نَفْسِهَا، أَوْ الظَّاهِرِ مِنْهَا غَسْلًا أَوْ مَسْحًا أَوْلَى مِنْ مَسْحِ بَعْضِ الْخُفِّ. وَلِهَذَا لَا يَتَوَقَّتُ. وَكَمَسْحِ عِمَامَةٍ. وَقَالَ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ، إلَّا الْمُخَرَّقَ أَكْثَرُهُ. فَكَالنَّعْلِ. وَيَجُوزُ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى مَلْبُوسٍ دُونَ النَّعْلِ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ عَنْهُ.

تَنْبِيهٌ: شَمِلَ قَوْلُهُ {وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا فَلَمْ يُحْدِثْ حَتَّى لَبِسَ عَلَيْهِ آخَرَ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ} .

مَسَائِلُ مِنْهَا: لَوْ كَانَا صَحِيحَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ، بِلَا نِزَاعٍ، بِشَرْطِهِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْفَوْقَانِيُّ صَحِيحًا وَالتَّحْتَانِيُّ مُخَرَّقًا، أَوْ لِفَافَةً: جَازَ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَيْهِ وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ الْفَوْقَانِيُّ مُخَرَّقًا، وَالتَّحْتَانِيُّ صَحِيحًا مِنْ جَوْرَبٍ أَوْ خُفٍّ، أَوْ جُرْمُوقٍ: جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى التَّحْتَانِيِّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: هُمَا كَنَعْلٍ مَعَ جَوْرَبٍ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْحِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ تَحْتَ الْمُخَرَّقِ مُخَرَّقٌ وَسِتْرٌ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ. قَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي

ص: 183

الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ تَحْتَ الْمُخَرَّقِ لِفَافَةٌ. لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَنَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: هَلْ الْخُفُّ الْفَوْقَانِيُّ وَالتَّحْتَانِيُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بَدَلٌ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْغَسْلِ أَمْ لَا؟ فَائِدَةٌ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَوْ لَبِسَ عِمَامَةً فَوْقَ عِمَامَةٍ لِحَاجَةٍ كَبُرُودَةٍ وَغَيْرِهَا قَبْلَ حَدَثِهِ، وَقَبْلَ مَسْحِ السُّفْلَى بِهِ: مَسَحَ الْعُلْيَا الَّتِي بِصِفَةِ السُّفْلَى، وَإِلَّا فَلَا، كَمَا لَوْ تَرَكَ فَوْقَهَا مِنْدِيلًا أَوْ نَحْوَهُ.

تَنْبِيهٌ: قَدْ يُقَالُ: ظَاهِرُ قَوْلِ {وَيَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ} أَنَّهُ يَمْسَحُ جَمِيعَ أَعْلَاهُ وَهُوَ مُشْطُ الْقَدَمِ إلَى الْعُرْقُوبِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ: اخْتَارَهُ الشِّيرَازِيُّ، وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُ أَكْثَرِ أَعْلَى الْخُفِّ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَمْسَحُ عَلَى قَدْرِ النَّاصِيَةِ مِنْ الرَّأْسِ، اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّا. وَقِيلَ: إنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ، وَقِيلَ: يُجْزِئُ مَسْحُ قَدْرِ أَرْبَعِ أَصَابِعَ، فَأَكْثَرَ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِ: الْعَدَدُ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ: ثَلَاثُ أَصَابِعَ، عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَرَأَيْت شَيْخَنَا مَائِلًا إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِي مَسْحِ الرَّأْسِ، إلَى الْأَحَادِيثِ انْتَهَى. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ {دُونَ أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ} يَعْنِي لَا يَمْسَحُهُمَا. بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ

ص: 184

عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ.

فَائِدَةٌ: لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ الْأَسْفَلِ وَالْعَقِبِ: لَمْ يُجْزِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا يُسَنُّ اسْتِيعَابُهُ، وَلَا تَكْرَارُ مَسْحِهِ. وَيُكْرَهُ غَسْلُهُ. وَيُجْزِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبَالَغَ الْقَاضِي، فَقَالَ: بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مَعَ الْغَسْلِ، لِعُدُولِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ. وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: صِفَةُ الْمَسْحِ الْمَسْنُونِ: أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ يُمِرَّهُمَا إلَى سَاقَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى: وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ: وَيُسَنُّ تَقْدِيمُ الْيُمْنَى. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ: أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ «مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ مَسْحَةً وَاحِدَةً كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى. وَكَيْفَمَا مَسَحَ أَجْزَأَهُ.

وَالثَّانِيَةُ: حُكْمُ مَسْحِ الْخُفِّ بِإِصْبَعٍ أَوْ حَائِلٍ كَالْخِرْقَةِ وَنَحْوِهَا وَغَسْلُهُ: حُكْمُ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي ذَلِكَ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ. وَيُكْرَهُ غَسْلُ الْخُفِّ وَتَكْرَارُ مَسْحِهِ وَتَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ {وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ، إذَا كَانَتْ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ، إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ} وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِشَرْطِهِ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَذَكَرَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ وَجْهًا بِاشْتِرَاطِ الذُّؤَابَةِ، مَعَ التَّحْنِيكِ عَلَى مَا يَأْتِي. قَوْلُهُ {وَلَا يَجُوزُ عَلَى غَيْرِ الْمُحَنَّكَةِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ فَيَجُوزَ} .

ص: 185

فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ أَبِي الْبَقَاءِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ [وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَة لِلْمَجْدِ، وَشَرْحِ الْخِرَقِيِّ لِلطُّوفِيِّ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَشَرْحِ الْعُمْدَةِ لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ] وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مُقْتَضَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. فَإِنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ الصَّمَّاءِ. فَذَاتُ الذُّؤَابَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ، وَالْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُبْهِجِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا " مُحَنَّكَةً " وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَفِي اشْتِرَاطِهِ التَّحْنِيكَ وَجْهَانِ. اشْتَرَطَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَأَلْغَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَشَيْخُنَا. وَخَرَجَ مِنْ الْقَلَانِسِ. وَقِيلَ: الذُّؤَابَةُ كَافِيَةٌ. وَقِيلَ بِعَدَمِهِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ. انْتَهَى.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّ الْعِمَامَةَ إذَا كَانَتْ مُحَنَّكَةً وَلَيْسَ لَهَا ذُؤَابَةٌ كَذَاتِ الذُّؤَابَةِ بِلَا حَنْكٍ فِي الْخِلَافِ، وَرَجَّحَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَيْهَا قُلْت: الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الذُّؤَابَةِ مَعَ التَّحْنِيكِ ضَعِيفٌ. قَلَّ مَنْ ذَكَرَهُ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْمُحَنَّكَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِذُؤَابَةٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَأَمَّا الْعِمَامَةُ الصَّمَّاءُ، وَهِيَ الَّتِي لَا حَنَكَ لَهَا وَلَا ذُؤَابَةَ: فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ كَذَاتِ الذُّؤَابَةِ. وَقَالُوا: لَمْ يُفَرِّقْ

ص: 186

أَحْمَدُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ: وَهُوَ مَذْهَبُهُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ جَوَازَ الْمَسْحِ. وَقَالَ: هِيَ الْقَلَانِسُ. قَوْلُهُ {وَيُجْزِيهِ مَسْحُ أَكْثَرِهَا} . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إلَّا مَسْحُ جَمِيعِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُ أَكْثَرُ الرَّأْسِ وَقَدْرُ النَّاصِيَةِ: أَجْزَأَ مِثْلُهُ فِي الْعِمَامَةِ وَجْهًا وَاحِدًا، بَلْ أَوْلَى. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ يُجْزِي مَسْحُ وَسَطِ الْعِمَامَةِ وَحْدَهُ. وَعَنْهُ يَجِبُ أَيْضًا مَسْحُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ مَعَ مَسْحِ الْعِمَامَةِ، وَعَنْهُ وَالْأُذُنَيْنِ أَيْضًا.

فَائِدَةٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَلَوْ لَبِسَتْهَا لِلضَّرُورَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: تَمْسَحُ عَلَيْهَا مَعَ الضَّرُورَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: وَإِنْ قِيلَ يُكْرَهُ التَّشَبُّهُ، تَوَجَّهَ خِلَافٌ، كَصَمَّاءَ. قَالَ: وَمِثْلُ الْحَاجَةِ: لَوْ لَبِسَ مُحْرِمٌ خُفَّيْنِ لِحَاجَةٍ، هَلْ يَمْسَحُ؟ انْتَهَى.

قَوْلُهُ {وَيَمْسَحُ عَلَى جَمِيعِ الْجَبِيرَةِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ} . اعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُجْزِي الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ بِشَرْطِهِ. وَيُصَلِّي مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ: لَا يَجْمَعُ فِي الْجَبِيرَةِ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالتَّيَمُّمِ، قَوْلًا وَاحِدًا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَمْسَحُ عَلَى جَبِيرَةِ الْكَسْرِ. وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الصُّوفِ، بَلْ يَتَيَمَّمُ إنْ خَافَ نَزْعَهُ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِهِ. حَكَاهَا فِي الْمُبْهِجِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَحَكَى ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرُهُمَا: رِوَايَةً بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ. لَكِنَّهُمْ بَنَوْهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَطَهَّرْ، وَقُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ. قَالَ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي عِنْدَ التَّحْقِيقِ:

ص: 187

أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخِلَافٍ، كَمَا سَيَأْتِي. انْتَهَى.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَقِيلَ: إنْ قُلْنَا الطَّهَارَةُ قَبْلَهَا شَرْطٌ أَعَادَ وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى.

وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ مَعَ الْمَسْحِ. فَعَلَيْهَا لَا يَمْسَحُ الْجَبِيرَةَ بِالتُّرَابِ. فَلَوْ عَمَّتْ الْجَبِيرَةُ مَحَلَّ التَّيَمُّمِ سَقَطَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقِيلَ: يُعِيدُ إذَنْ. وَقِيلَ: هَلْ يَقَعُ التَّيَمُّمُ عَلَى حَائِلٍ فِي مَحَلِّهِ كَمَسْحِهِ بِالْمَاءِ، أَمْ لَا؛ لِضَعْفِ التُّرَابِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُمَا فِيمَا إذَا اشْتَرَطْنَا الطَّهَارَةَ، وَخَافَ مِنْ نَزْعِهَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ إلَى حَلِّهَا، وَأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَا يَتَقَيَّدُ بِالْوَقْتِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَوْلُهُ {إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ قَدْرَ الْحَاجَةِ} . هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَقَدْ يَتَجَاوَزُهَا إلَى جُرْحٍ، أَوْ وَرَمٍ، أَوْ شَيْءٍ يُرْجَى بِهِ الْبُرْءُ أَوْ سُرْعَتُهُ. وَقَدْ يُضْطَرُّ إلَى الْجَبْرِ بِعَظْمٍ يَكْفِيهِ أَصْغَرُ مِنْهُ، لَكِنْ لَا يَجِدُ سِوَاهُ، وَلَا مَا يُجْبَرُ بِهِ. انْتَهَى.

وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ الْخَلَّالِ، أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعَصَائِبِ كَيْفَمَا شَدَّهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

فَائِدَةٌ: مُرَادُ الْخِرَقِيِّ بِقَوْلِهِ " وَإِذَا شَدَّ الْكَسِيرُ الْجَبَائِرَ وَكَانَ طَاهِرًا وَلَمْ يَعْدُ بِهَا مَوْضِعَ الْكَسْرِ " أَنْ يَتَجَاوَزَ بِهَا تَجَاوُزًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ، فَإِنَّ الْجَبِيرَةَ إنَّمَا تُوضَعُ عَلَى طَرَفَيْ الصَّحِيحِ لِيَنْجَبِرَ الْكَسْرُ. قَالَهُ شُرَّاحُهُ.

فَوَائِدُ: مِنْهَا: إذَا تَجَاوَزَ قَدْرَ الْحَاجَةِ وَجَبَ نَزْعُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ. فَإِنْ خَافَ التَّلَفَ سَقَطَ عَنْهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا إنْ خَافَ الضَّرَرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَخَرَجَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ " فِيمَنْ جَبَرَ كَسْرَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ " عَدَمُ السُّقُوطِ هُنَا.

ص: 188

وَحَيْثُ قُلْنَا يَسْقُطُ النَّزْعُ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ [وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ، وَحَكَى الْقَاضِي وَجْهًا لَا يَمْسَحُ زِيَادَةً عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ، وَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ بَعِيدٌ عَلَيْهَا يَتَيَمَّمُ لِلزَّائِدِ، وَلَا يُجْزِيهِ مَسْحُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ] وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ. وَقِيلَ: يُجْزِيهِ الْمَسْحُ أَيْضًا، اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ. يَجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالتَّيَمُّمِ. وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِيمَا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لِلْجَبِيرَةِ. وَخَافَ. وَمِنْهَا: لَوْ تَأَلَّمَتْ إصْبَعُهُ فَأَلْقَمَهَا مَرَارَةً، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَمِنْهَا: لَوْ جَعَلَ فِي شِقِّ فَأْرٍ أَوْ نَحْوِهِ وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ.

جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ.

وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَحَوَاشِي الْمُقْنِعِ. وَعَنْهُ لَيْسَ لَهُ الْمَسْحُ. بَلْ يَتَيَمَّمُ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَغْسِلُهُ، وَلَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَقْلَعُهُ، إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا. فَيُصَلِّي وَيُعِيد. وَمِنْهَا: لَوْ انْقَطَعَ ظُفْرُهُ، أَوْ كَانَ بِإِصْبَعِهِ جُرْحٌ، أَوْ فَصَادٌ. وَخَافَ إنْ أَصَابَهُ أَنْ يَنْدَقَّ فِي الْجُرْحِ، أَوْ وَضَعَ دَوَاءً عَلَى جُرْحٍ، أَوْ وَجَعٍ وَنَحْوِهِ. جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي فِي اللُّصُوقِ عَلَى الْجُرُوحِ: إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِهِ ضَرَرٌ غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ لِلْجُرْحِ. وَيَمْسَحُ عَلَى مُوضِحِ الْجُرْحِ، وَإِنْ كَانَ فِي نَزْعِهِ ضَرَرٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَبِيرَةِ يَمْسَحُ عَلَيْهَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَمْسَحُ عَلَى جَبِيرَةِ الْكَسْرِ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى لُصُوقٍ، بَلْ يَتَيَمَّمُ إلَّا إنْ خَافَ نَزْعَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَمِنْهَا: الْجَبِيرَةُ النَّجِسَةُ كَجِلْدِ الْمَيْتَةِ، وَالْخِرَقُ النَّجِسَةُ، يَحْرُمُ الْجَبْرُ بِهَا وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ، وَالصَّلَاةُ فِيهَا بَاطِلَةٌ. كَالْخُفِّ النَّجِسِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: النَّجِسَةُ كَالطَّاهِرَةِ.

ص: 189

وَإِنْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ غَصَبٍ فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا احْتِمَالَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْخُفِّ الْمَغْصُوبِ وَالْحَرِيرِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ شَدَّ جَبِيرَةً حَلَالًا مَسَحَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قُلْت: الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ هُنَا إذَا مَنَعْنَا مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الْحَرِيرِ وَالْغَصْبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَإِلَّا حَيْثُ أَجَزْنَا هُنَاكَ فَهُنَا بِطَرِيقٍ أَوْلَى.

قَوْلُهُ {وَمَتَى ظَهَرَ قَدَمُ الْمَاسِحِ وَرَأْسُهُ، أَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ} . هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْكَافِي: بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَعُقُودِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْعُمْدَةِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُجْزِيهِ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَبْطُلُ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهِ.

تَنْبِيهٌ: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مَبْنَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى طُرُقٍ. فَقِيلَ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْمُوَالَاةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَعَلَى هَذَا: لَوْ حَصَلَ ذَلِكَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ، أَجْزَأَهُ مَسْحُ رَأْسِهِ وَغَسْلُ قَدَمَيْهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِالْمُوَالَاةِ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ: هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، أَمْ لَا؟ وَقَطَعَ

ص: 190

بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ، وَاخْتَارَهُ وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَقَالَ: هُوَ وَأَبُو الْمَعَالِي وَحَفِيدُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَرْفَعُهُ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ. وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَةَ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِنِيَّةٍ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ فِي أَثْنَاءِ النِّيَّةِ. وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ، وَإِنْ تَبَعَّضَتْ فِي الثُّبُوتِ، كَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ وَيَأْتِي فِي آخِرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ: هَلْ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الْعُضْوِ الَّذِي غُسِلَ قَبْلَ تَمَامِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

فَوَائِدُ مِنْهَا: إذَا حَدَثَ الْمُبْطِلُ فِي الصَّلَاةِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَيَمِّمِ إذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ. اخْتَارَهُ السَّامِرِيُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقُلْت: إنْ ارْتَفَعَ حَدَثُهُمْ بَنَوْا، وَإِلَّا اسْتَأْنَفُوا الْوُضُوءَ. وَخَرَّجَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ عَلَى مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِهِ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ ". وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ كَمَا لَوْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، نَظَرًا لِإِطْلَاقِهِمْ. وَمِنْهَا: لَوْ زَالَتْ الْجَبِيرَةُ فَهِيَ كَالْخُفِّ مُطْلَقًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا.

ص: 191

وَقِيلَ: طَهَارَتُهُ بَاقِيَةٌ قَبْلَ الْبُرْءِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بَقَاءَهَا قَبْلَ الْبُرْءِ وَبَعْدَهُ كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ. وَمِنْهَا: خُرُوجُ الْقَدَمِ أَوْ بَعْضِهِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ كَخَلْعِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا، إنْ خَرَجَ بَعْضُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، تَبَعًا لِلْمَجْدِ: وَإِنْ أَخْرَجَ قَدَمَهُ أَوْ بَعْضَهُ إلَى سَاقِ الْخُفِّ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَالْخَلْعِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ إنْ جَاوَزَ الْعَقِبُ حَدَّ مَوْضِعِ الْغَسْلِ: أَثَّرَ، وَدُونَهُ لَا يُؤَثِّرُ. وَعَنْهُ إنْ خَرَجَ الْقَدَمُ إلَى سَاقِ الْخُفَّيْنِ لَا يُؤَثِّرُ. قَالَ: وَحَكَى بَعْضُهُمْ فِي خُرُوجِ بَعْضِ الْقَدَمِ إلَى سَاقِ الْخُفِّ رِوَايَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ. وَمِنْهَا: لَوْ رَفَعَ الْعِمَامَةَ يَسِيرًا لَمْ يَضُرَّ. ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا زَالَتْ عَنْ رَأْسِهِ فَلَا بَأْسَ إذَا لَمْ يَفْحُشْ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُ: إذَا لَمْ يَرْفَعْهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ، وَظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ: تَبْطُلُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْ رَأْسِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا ظَهَرَ بِالْكُلِّيَّةِ بَعْضُ رَأْسِهِ أَوْ قَدَمِهِ بَطَلَتْ. وَقَالَ فِي مَكَان آخَرَ: فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْحَائِلِ لِيَحُكَّ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ الرَّأْسِ: لَمْ تَبْطُلْ الطَّهَارَةُ. وَمِنْهَا: لَوْ نَقَضَ جَمِيعَ الْعِمَامَةِ بَطَلَ وُضُوءُهُ. وَإِنْ نَقَضَ مِنْهَا كَوْرًا أَوْ كَوْرَيْنِ وَقِيلَ: أَوْ حَنَّكَهَا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. إحْدَاهُمَا: يَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ فِي الْكُبْرَى: وَلَوْ انْتَقَضَ بَعْضُ عِمَامَتِهِ وَفَحُشَ. وَقِيلَ: وَلَوْ كُورًا تَبْطُلُ. وَالثَّانِيَةُ: لَا تَبْطُلُ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَقَدَّمَهَا ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَوْ انْتَقَضَ مِنْهَا كُورٌ وَاحِدٌ بَطَلَتْ.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: لَوْ نَزَعَ خُفًّا فَوْقَانِيًّا كَانَ قَدْ مَسَحَهُ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ،

ص: 192

وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: يَلْزَمُهُ نَزْعُ التَّحْتَانِيِّ. فَيَتَوَضَّأُ كَامِلًا، أَوْ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ، عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهُ، فَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَمْسَحُ التَّحْتَانِيَّ مُفْرَدًا عَلَى الْخِلَافِ [اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. لَكِنْ قَالَ: الْأَوْلَى] وَأَطْلَقَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ بَعْدَهُ، وَعَنْهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِيَيْنِ. الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْخُفِّ الْفَوْقَانِيِّ وَالتَّحْتَانِيِّ بَدَلٌ مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْغَسْلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْفَوْقَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ. وَالتَّحْتَانِيُّ كَلِفَافَةٍ. وَقِيلَ: الْفَوْقَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ التَّحْتَانِيِّ، وَالتَّحْتَانِيُّ بَدَلٌ عَنْ الْقَدَمِ. وَقِيلَ: هُمَا كَظِهَارَةٍ وَبِطَانَةٍ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ " وَلَا مَدْخَلَ لِحَائِلٍ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى إلَّا الْجَبِيرَةُ " اعْلَمْ أَنَّ الْجَبِيرَةَ تُخَالِفُ الْخُفَّ فِي مَسَائِلَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا: أَنَّا لَا نَشْتَرِطُ تَقَدُّمَ الطَّهَارَةِ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا، عَلَى رِوَايَةٍ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ. وَهِيَ الْمُخْتَارُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ. وَمِنْهَا: عَدَمُ التَّوْقِيتِ بِمُدَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا: وُجُوبُ الْمَسْحِ عَلَى جَمِيعِهَا. وَمِنْهَا: دُخُولُهَا فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. وَمِنْهَا: أَنَّ شَدَّهَا مَخْصُوصٌ بِحَالِ الضَّرُورَةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا عَزِيمَةٌ، بِخِلَافِ الْخُفِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ خُفًّا عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى الْجَبِيرَةِ: جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ عَلَى طَرِيقِهِ، وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى عِمَامَةٍ، أَوْ لَبِسَ عِمَامَةً عَلَى طَهَارَةٍ مَسَحَ فِيهَا عَلَى خُفٍّ: لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى اشْتِرَاطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ مُسْتَوْفًى. فَلْيُعَاوَدْ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ فِيهَا عَلَى الْخِرَقِ وَنَحْوِهَا بِخِلَافِ الْخُفِّ. قُلْت: وَفِي هَذَا نَظَرٌ ظَاهِرٌ.

ص: 193