المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[بَابُ الْحَيْضِ] ِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (هُوَ دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ) الْحَيْضُ - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[بَابُ الْحَيْضِ] ِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (هُوَ دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ) الْحَيْضُ

[بَابُ الْحَيْضِ]

ِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (هُوَ دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ) الْحَيْضُ دَمُ طَبِيعَةٍ وَجِبِلَّةٍ يُرْخِيهِ الرَّحِمُ. فَيَخْرُجُ مِنْ قَعْرِهِ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَبَعْدَهُ فِي أَوْقَاتٍ خَاصَّةٍ، عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ، مَعَ الصِّحَّةِ وَالسَّلَامَةِ، لِحُكْمِ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَتْ حَامِلًا. وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ. وَعِنْدَ الْوَضْعِ يَخْرُجُ مَا فَضَلَ عَنْ غِذَاءِ الْوَلَدِ، ثُمَّ يَقْلِبُهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ الْوَلَدُ. وَلِذَلِكَ قَلَّ أَنْ تَحِيضَ مُرْضِعٌ. فَإِذَا خَلَتْ مِنْ حَمْلٍ وَرَضَاعٍ بَقِيَ ذَلِكَ الدَّمُ لَا مَصْرِفَ لَهُ. فَيَخْرُجُ عَلَى حَسَبِ الْعَادَةِ. وَالنِّفَاسُ: خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الْفَرْجِ لِلْوِلَادَةِ. وَالِاسْتِحَاضَةُ: دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ. فَمُ ذَلِكَ الْعِرْقِ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ. يُسَمَّى الْعَاذِلَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَالْعَاذِرَ، لُغَةً فِيهِ. حَكَاهُمَا ابْنُ سِيدَهْ. وَالْمُسْتَحَاضَةُ: مَنْ عَبَرَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَالدَّمُ الْفَاسِدُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: الْمَحِيضُ: مَوْضِعُ الْحَيْضِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَقِيلَ: زَمَنُهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمَحِيضُ الْحَيْضُ. فَهُوَ مَصْدَرٌ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْمَحِيضِ الْحَيْضُ، أَوْ مَوْضِعُهُ، إنْ قُلْنَا: هُوَ مَكَانَهُ. اخْتَصَّ التَّحْرِيمَ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ اسْمٌ لِلدَّمِ جَازَ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى مَا عَدَاهُ قَوْلُهُ (وَيَمْنَعُ عَشْرَةَ أَشْيَاءَ: فِعْلُ الصَّلَاةِ، وَوُجُوبِهَا) . وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. وَلَا تَقْضِيهَا إجْمَاعًا. قِيلَ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: فَإِنْ أَحَبَّتْ أَنْ تَقْضِيَهَا؟ قَالَ: لَا، هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ، وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: هَلْ تَقْضِي النُّفَسَاءُ إذَا طَرَحَتْ نَفْسَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُ النَّهْيِ: التَّحْرِيمُ. وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَكُونُ. لَكِنَّهُ بِدْعَةٌ. قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ. فَيُعَايَى بِهَا. انْتَهَى.

ص: 346

قُلْت: وَفِي هَذِهِ الْمُعَايَاةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَيَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ بِهِ. صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. قُلْت: صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ الْكُبْرَى، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَيَأْتِي قَرِيبًا وَجْهٌ: أَنَّهَا إذَا تَوَضَّأَتْ لَا تُمْنَعُ مِنْ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْهَا: يُفِيدُ حُكْمًا. وَتَقَدَّمَ: هَلْ يَصِحُّ الْغُسْلُ مَعَ قِيَامِ الْحَيْضِ؟ فِي بَابِ الْغُسْلِ.

قَوْلُهُ (وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) . تُمْنَعُ الْحَائِضُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ مِنْهُ، وَحَكَى رِوَايَةً. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدُ الْأَثَرِ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَمَنَعَ مِنْ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ. وَقَالَ: إنْ ظَنَّتْ نِسْيَانَهُ وَجَبَتْ الْقِرَاءَةُ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي الْفَائِقِ. وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ لَهَا وَلِلْجُنُبِ.

وَعَنْهُ لَا يَقْرَآنِ، وَهِيَ أَشَدُّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَقَدَّمَ تَفَاصِيلُ مَا يَقْرَأُ مَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ، وَهِيَ مِنْهُمْ، فِي أَثْنَاءِ بَابِهِ، فَلْيُعَاوَدْ. قَوْلُهُ (وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ) . تُمْنَعُ الْحَائِضُ مِنْ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ إذَا تَوَضَّأَتْ وَأَمِنَتْ التَّلْوِيثَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْغُسْلِ، حَيْثُ قَالَ " وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ آيَةٍ. وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اللُّبْثُ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ " فَظَاهِرُهُ: دُخُولُ الْحَائِضِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ، لَكِنْ نَقُولُ: عُمُومُ ذَلِكَ اللَّفْظِ مَخْصُوصٌ بِمَا هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْمُرُورِ مِنْهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ. وَقِيلَ: تُمْنَعُ مِنْ الْمُرُورِ. وَحَكَى رِوَايَةً. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَهَا الْعُبُورُ لِتَأْخُذَ شَيْئًا، كَمَاءٍ وَحَصِيرٍ وَنَحْوِهَا. لَا لِتَتْرُكَ فِيهِ

ص: 347

شَيْئًا، كَنَعْشٍ وَنَحْوِهِ. وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ جَوَازَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لَهَا لِحَاجَةٍ. وَأَمَّا إذَا خَافَتْ تَلْوِيثَهُ: لَمْ يَجُزْ لَهَا الْعُبُورُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: تُمْنَعُ فِي الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ. وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ: تَمُرُّ، وَلَا تَقْعُدُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ مَا يُسَمَّى مَسْجِدًا وَمَا لَيْسَ بِمَسْجِدٍ. وَتَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ: إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَتَوَضَّأَتْ مَا حُكْمُهُ؟ قَوْلُهُ (وَالطَّوَافُ) . فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَائِضَ تُمْنَعُ مِنْ الطَّوَافِ مُطْلَقًا. وَلَا يَصِحُّ مِنْهَا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ: يَصِحُّ، وَتَجْبُرُهُ بِدَمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَهُ لَهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ. وَلَا دَمَ عَلَيْهَا وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ فِي آخِرِ بَابِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، عِنْدَ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَحْدَثَ حَرُمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ " وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ (وَسُنَّةُ الطَّلَاقِ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُهُ إذَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَيَتَوَجَّهُ إبَاحَتُهُ حَالَ الشِّقَاقِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ أَوْ الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: يَمْنَعُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الزَّرْكَشِيّ. وَحَكَى فِي الْوَاضِحِ فِي الْخُلْعِ رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَا يَحْرُمُ الْفَسْخُ. وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ، هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ لِحَقِّ اللَّهِ، فَلَا يُبَاحُ وَإِنْ سَأَلَتْهُ. أَوْ لِحَقِّهَا، فَيُبَاحُ بِسُؤَالِهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَيَأْتِي تَفَاصِيلُ ذَلِكَ فِي بَابِ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ وَتَقَدَّمَ هَلْ يَصِحُّ غُسْلُهَا مِنْ الْجَنَابَةِ فِي حَالِ حَيْضِهَا؟ فِي بَابِ الْغُسْلِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَالْخَامِسُ الْحَيْضُ "

ص: 348

قَوْلُهُ (وَالنِّفَاسُ مِثْلُهُ إلَّا فِي الِاعْتِدَادِ) . وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا كَوْنُ النِّفَاسِ لَا يُوجِبُ الْبُلُوغَ، لِأَنَّهُ يَحْصُلُ قَبْلَ النِّفَاسِ بِمُجَرَّدِ الْحَمْلِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْحَجْرِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا فِي ذَلِكَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا تُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَإِنْ مَنَعْنَا الْحَائِضَ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَنَقَلَ ابْنُ ثَوَابٍ: تَقْرَأُ النُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا دُونَ الْحَائِضِ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ. وَقَالَ فِي النُّكَتِ: قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ إيمَاءً إلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَجِبُ بِوَطْءِ النُّفَسَاءِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، بِخِلَافِ الْحَيْضِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ دَوَاعِيَ الْجِمَاعِ فِي النِّفَاسِ تَقْوَى لِطُولِ مُدَّتِهِ غَالِبًا. فَنَاسَبَ تَأْكِيدَ الزَّاجِرِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ: إنَّ وَطْءَ النُّفَسَاءِ كَوَطْءِ الْحَائِضِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ. قَالَ: وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْمُحَرَّرِ فَرَّعَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ فِي الْحَائِضِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ أُبِيحَ فِعْلُ الصِّيَامِ وَالطَّلَاقِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحَانِ حَتَّى تَغْتَسِلَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الطَّلَاقِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ: أُبِيحَ الصَّوْمُ، وَلَمْ تُبَحْ سَائِرُ الْمُحَرَّمَاتِ. قَوْلُهُ (وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ تُبَاحُ الْقِرَاءَةُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ، اخْتَارَهَا الْقَاضِي. وَقَالَ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. وَهِيَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَمَنْ يَقُولُ: تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ، فَهُنَا أَوْلَى. وَقِيلَ: يُبَاحُ لِلنُّفَسَاءِ دُونَ الْحَائِضِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنِ ثَوَابٍ. فَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ.

تَنْبِيهٌ:

شَمِلَ كَلَامُهُ مَنْعَ الْوَطْءِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَهُوَ صَحِيحٌ، لَكِنْ إنْ عَدِمَتْ

ص: 349

الْمَاءَ تَيَمَّمْت وَجَازَ لَهُ وَطْؤُهَا. فَلَوْ وُجِدَ الْمَاءُ حَرُمَ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ. فَلَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْغُسْلِ غُسِّلَتْ الْمُسْلِمَةُ قَهْرًا، وَلَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ هُنَا لِلْعُذْرِ كَالْمُمْتَنِعِ مِنْ الزَّكَاةِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا لَا تُصَلِّي بِهَذَا الْغُسْلِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ. وَتُغَسَّلُ الْمَجْنُونَةُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَنْوِيهٌ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُغَسِّلَهَا لِيَطَأَهَا، وَيَنْوِيَ غُسْلَهَا تَخْرِيجًا عَلَى الْكَافِرَةِ، وَيَأْتِي غُسْلُ الْكَافِرَةِ فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِيهِمَا: لَا نِيَّةَ لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مَآلًا، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَأَنَّهَا تُعِيدُهُ إذَا أَفَاقَتْ وَأَسْلَمَتْ. وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي فِي الْكَافِرَةِ. فَائِدَةٌ:

لَوْ أَرَادَ وَطْئَهَا فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَائِضٌ وَأَمْكَنَ قَبْلَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِيمَا خَرَّجَهُ مِنْ مَحْبِسِهِ؛ لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ مِنْ الطَّلَاقِ. وَأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَعْمَلَ بِقَرِينَةٍ وَأَمَارَةٍ. قُلْت: مُرَادُهُ بِالتَّخْرِيجِ مِنْ الطَّلَاقِ، لَوْ قَالَتْ: قَدْ حِضْت وَكَذَّبَهَا فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْحَيْضَةِ. فَإِنَّ هُنَاكَ رِوَايَةً: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ، وَهُوَ الصَّوَابُ. فَخَرَّجَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ هُنَاكَ رِوَايَةً إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

قَوْلُهُ (وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْ الْحَائِضِ بِمَا دُونَ الْفَرْجِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ. فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَالَ فِي النُّكَتِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ إمَامِنَا وَأَصْحَابِنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ أَوْ يَخَافَ. وَقَطَعَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: بِأَنَّهُ إذَا

ص: 350

لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَكُونَ طَرِيقًا إلَى مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ. وَقَدْ يُقَالُ: يُحْمَلُ كَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى هَذَا. انْتَهَى.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ سَتْرُ الْفَرْجِ عِنْدَ الْمُبَاشَرَةِ. وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْفَرْجِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَفَّارَةً. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا التَّوْبَةُ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ. وَالشَّارِحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: جَزَمَ الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ دِينَارٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَالْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْبُلْغَةِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقَالَ الشَّارِحُ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فِي الْكَفَّارَةِ: دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ، عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: يُجْزِئُ نِصْفُ دِينَارٍ. وَالْكَمَالُ دِينَارٌ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالنَّظْمِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَالْفُرُوعِ وَقَالَ: نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. قُلْت: وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. فَعَلَيْهَا لَوْ كَفَّرَ بِدِينَارٍ كَانَ الْكُلُّ وَاجِبًا. وَخَرَّجَ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ وَجْهًا: أَنَّ نِصْفَهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. انْتَهَى.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَلَيْهِ دِينَارٌ كَفَّارَةً. وَعَنْهُ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ فِي إدْبَارِهِ، وَدِينَارٌ فِي إقْبَالِهِ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ إذَا وَطِئَهَا فِي دَمٍ أَصْفَرَ، وَدِينَارٌ إنْ وَطِئَهَا

ص: 351

فِي دَمٍ أَسْوَدَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ سَوَاءٌ. وَعَنْهُ عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ فِي آخِرِهِ أَوْ أَوْسَطِهِ، وَدِينَارٌ فِي أَوَّلِهِ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَةِ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرْجِ: عَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ لِعُذْرٍ. وَقِيلَ: إنْ عَجَزَ عَنْ دِينَارٍ أَجْزَأَ نِصْفُ دِينَارٍ. وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَوَائِدُ

الْأُولَى: لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَبْلَ غُسْلِهَا: فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْوَطْءِ فِي حَالِ جَرَيَانِ الدَّمِ. وَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ: إذَا وَطِئَ الْمُسْتَحَاضَةَ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ: إذَا امْتَنَعَتْ الذِّمِّيَّةُ مِنْ غُسْلِ الْحَيْضِ. هَلْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا أَمْ لَا؟ الثَّانِيَةُ: يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ كَفَّارَةٌ كَالرَّجُلِ إنْ طَاوَعَتْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: عَلَيْهِمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَشْتَرِكَانِ فِيهَا. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانِ: ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ. وَأَمَّا إذَا أُكْرِهَتْ: فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا الثَّالِثَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْجَاهِلَ بِالْحَيْضِ أَوْ بِالتَّحْرِيمِ أَوْ بِهِمَا وَالنَّاسِي كَالْعَامِدِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ. وَعَنْهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ مَعَ الْعُذْرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: إذَا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْعَالِمِ، فَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْجَاهِلِ رِوَايَتَانِ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ، قَالَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: بِنَاءً عَلَى الصَّوْمِ وَالْإِحْرَامِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَبَانَ بِهَذَا: أَنَّ مَنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ: أَنَّهُ فِي تَكْرَارِ الْكَفَّارَةِ كَالصَّوْمِ. الرَّابِعَةُ: يَلْزَمُ الصَّبِيَّ كَفَّارَةٌ بِوَطْئِهِ فِيهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: انْبَنَى عَلَى وَطْءِ الْجَاهِلِ.

ص: 352

وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ، وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَصَحَّحَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْفَائِقِ. وَحَكَاهُمَا رِوَايَتَيْنِ، الْخَامِسَةُ: لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِالْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ. ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

السَّادِسَةُ: لَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ وَطْئِهِ. فَإِنْ اسْتَدَامَ: لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ نَزَعَ فِي الْحَالِ: انْبَنَى عَلَى أَنَّ النَّزْعَ هَلْ هُوَ جِمَاعٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، يَأْتِي بَيَانُهُمَا فِي أَثْنَاءِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ مُحَرَّرًا. فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ جِمَاعٌ. تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْمَعْذُورِ، وَالْجَاهِلِ وَالنَّاسِي، وَنَحْوِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ. وَعَلَى الْقَوْلِ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ أَيْضًا: لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، إنْ جَامَعْتُك: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا أَبَدًا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ النَّزْعُ فِي غَيْرِ زَوْجَتِهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عُبَيْدَانِ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّزْعَ لَيْسَ بِجِمَاعٍ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. السَّابِعَةُ: لَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً. ثُمَّ وَطِئَ فَهُوَ كَالْوَطْءِ بِلَا خِرْقَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. الثَّامِنَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِينَارٍ كَفَّارَةً " أَنَّ الْمَخْرَجَ كَفَّارَةٌ. فَتُصْرَفُ مَصْرِفَ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ كَفَّارَةٌ. قَالَ

ص: 353

أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ: يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ أَيْضًا إلَى مَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِلْحَاجَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: وَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمُطْلَقَةُ. التَّاسِعَةُ: لَوْ عَجَزَ عَنْ التَّكْفِيرِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَفِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَسْقُطُ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ بِالْعَجْزِ، وَلَا تَسْقُطُ غَيْرُهَا بِالْعَجْزِ. مِثْلُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ، وَكَفَّارَاتِ الْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ أَصْحَابُنَا. انْتَهَى.

وَيَأْتِي ذَلِكَ هُنَاكَ أَيْضًا. وَعَنْهُ تَسْقُطُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ هُنَاكَ: وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ تَسْقُطُ كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ بِالْعَجْزِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ هُنَا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا كُلِّهَا لَا عَنْ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ فِيهَا. وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ. الْعَاشِرَةُ: يُجْزِئُهُ أَنْ يُخْرِجَ الْكَفَّارَةَ مِنْ أَيِّ ذَهَبٍ كَانَ، إذَا كَانَ صَافِيًا خَالِيًا مِنْ الْغِشِّ، تِبْرًا كَانَ أَوْ مَضْرُوبًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَضْرُوبُ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ خَاصَّةً، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، الْحَادِيَةَ عَشَرَ: لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هُوَ فِي إخْرَاجِ الْقِيمَةِ كَالزَّكَاةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: الْأَظْهَرُ لَا يُجْزِئُ كَزَكَاةٍ. وَقِيلَ: يُجْزِئُ كَالْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ. صَحَّحَهُ فِي الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي

ص: 354

الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَالْفُرُوعِ. فَعَلَى الْأُولَى: يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْفِضَّةِ عَنْ الذَّهَبِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. وَقَالَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي غَيْرِهِمَا. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ. وَقِيلَ: لَا يُجْزِئُ. حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هَلْ الدِّينَارُ هُنَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ اثْنَا عَشَرَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ إذَا أَخْرَجَ دَرَاهِمَ: كَمْ يُخْرِجُ؟ وَإِلَّا فَلَا أَخْرَجَ ذَهَبًا لَمْ تُعْتَبَرْ قِيمَتُهُ بِلَا شَكٍّ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ: تِسْعُ سِنِينَ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ عَشْرُ سِنِينَ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا أَقَلَّ لِسِنِّ الْحَيْضِ.

فَائِدَةٌ:

حَيْثُ قُلْنَا: أَقَلُّ سِنٍّ تَحِيضُ لَهُ كَذَا. فَهُوَ تَحْدِيدٌ. فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ، أَوْ عَشْرَةٍ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. إنْ قُلْنَا بِهِ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُصُولِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ. [فِي الْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالْمُقْنِعِ، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالنِّهَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْعِنَايَةِ] . وَحُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ: تَحِيضُ قَبْلَ تَمَامِ تِسْعِ سِنِينَ، وَقِيلَ تَقْرِيبًا [وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ، وَالْبُلْغَةِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ تَقْرِيبًا] قُلْت: وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ بِقِيلِ وَقِيلَ.

ص: 355

قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهُ خَمْسُونَ سَنَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمَذَاهِبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ، وَالْهَادِي، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: هُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ، قَالَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ: أَكْثَرُهُ خَمْسُونَ فِي الْأَظْهَرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا الشِّيرَازِيُّ، وَعَنْهُ أَكْثَرُهُ سِتُّونَ سَنَةً، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْإِيضَاحِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ. وَعُمْدَةِ الْمُصَنِّفِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَقَدَّمَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهِيَ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ، وَالْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ. وَعَنْهُ سِتُّونَ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ الْخَمْسُونَ لِلْعَجَمِ وَالنَّبَطِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالسِّتُّونَ لِلْعَرَبِ وَنَحْوِهِمْ. وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ: حَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ. ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَصَحَّحَهُمَا فِي الْكَافِي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي فِي الْعَدَدِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ مَتَى بَلَغَتْ خَمْسِينَ سَنَةً فَانْقَطَعَ حَيْضُهَا عَنْ عَادَتِهَا مَرَّاتٍ لِغَيْرِ سَبَبٍ: فَقَدْ صَارَتْ آيِسَةً، وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ عَلَى الْعَادَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرَاهُ فِيهَا، فَهُوَ حَيْضٌ فِي الصَّحِيحِ. وَعَلَيْهِ فَلِلْمُصَنِّفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِيَارَاتٌ. وَعَنْهُ بَعْدَ الْخَمْسِينَ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَتَصُومُ وَتُصَلِّي، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَنَاظِمُهُ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. فَعَلَيْهَا تَصُومُ وُجُوبًا عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ

ص: 356

ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ. وَعَنْهُ اسْتِحْبَابًا. ذَكَرَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ سِنِّ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعَنْهُ أَنَّهَا تَحِيضُ. ذَكَرَهَا أَبُو الْقَاسِمِ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ، قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَدْ وُجِدَ فِي زَمَنِنَا وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا تَحِيضُ مِقْدَارَ حَيْضِهَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَيَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَلَى صِفَةِ حَيْضِهَا. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ إِسْحَاقَ نَاظَرَ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ إِسْحَاقَ. رَوَاهُ الْحَاكِمُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِ مَا تَرَاهُ اسْتِحْبَابًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: وُجُوبًا. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ وَجْهَيْنِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقِيلَ بِيَوْمَيْنِ فَقَطْ فَهُوَ نِفَاسٌ. وَلَكِنْ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِأَمَارَةٍ مِنْ الْمَخَاضِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا مُجَرَّدُ رُؤْيَةِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ: فَلَا تُتْرَكُ لَهُ الْعِبَادَةُ. ثُمَّ إنْ تَبَيَّنَ قُرْبُهُ مِنْ الْوَضْعِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ: أَعَادَتْ مَا صَامَتْهُ مِنْ الْفَرْضِ فِيهِ. وَلَوْ رَأَتْهُ مَعَ الْعَلَامَةِ، فَتَرَكَتْ الْعِبَادَةَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَهُ عَنْ الْوَضْعِ: أَعَادَتْ مَا تَرَكَتْهُ فِيهِ مِنْ وَاجِبٍ. فَإِنْ ظَهَرَ بَعْضُ الْوَلَدِ اُعْتُدَّ بِالْخَارِجِ مَعَهُ مِنْ الْمُدَّةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ فَالدَّمُ الْخَارِجُ مَعَهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ نِفَاسٌ، يُحْسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ. وَخَرَجَ أَنَّهُ كَدَمِ الطَّلْقِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ الْوَلَدِ. فَالدَّمُ الْخَارِجُ مَعَهُ نِفَاسٌ. وَعَنْهُ: بَلْ فَسَادٌ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ مِنْ الْوَضْعِ وَيَأْتِي هَذَا أَيْضًا فِي النِّفَاسِ.

ص: 357

قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ الْحَيْضِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ: أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ. وَعَنْهُ يَوْمٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْخَلَّالُ: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ: أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ: يَوْمٌ. قَالَ فِي الْفُصُولِ: وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ إطْلَاقَهُ الْيَوْمَ يَكُونُ مَعَ لَيْلَتِهِ. فَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي أَنَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. انْتَهَى.

قُلْت: مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَلَا أَكْثَرُهُ، بَلْ كُلُّ مَا اسْتَقَرَّ عَادَةً لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ نَقَصَ عَنْ يَوْمٍ، أَوْ زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ السَّبْعَةَ عَشَرَ، مَا لَمْ تَصِرْ مُسْتَحَاضَةً.

قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْخَلَّالُ: مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُ. وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَيْلَةً، وَعَنْهُ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَقِيلَ: وَلَيْلَةً. وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ

. قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتَيْهِ: هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ. فَإِذَا قِيلَ: أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ. فَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا: خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قِيلَ: أَكْثَرُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ. فَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَهُمَا: ثَلَاثَةَ عَشَرَ.

[وَقَطَعَ بِهِ] الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، وَقَالَ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي كِتَابِ الْقَوْلَيْنِ، وَالتَّنْبِيهِ وَقَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ، وَالْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، مَا قُلْنَا أَوَّلًا: أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَا قَالُوا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، لَا تَزِيدُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا تَنْقُصُ. وَالْوَاقِعُ قَطْعًا

ص: 358

بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ: خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَيْلَةً، وَعَنْهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الطُّهْرِ. رَوَاهَا جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَهُ أَبُو الْبَرَكَاتِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ.

قُلْت: وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا عِبْرَةَ بِحِكَايَةِ ابْنِ حَمْدَانَ ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ تَخْطِئَتِهِ. وَعَنْهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ إلَّا فِي الْعِدَّةِ. يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ فَرَاغَ عِدَّتِهَا فِي شَهْرٍ. فَإِنَّهَا تُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَائِدَةٌ:

غَالِبُ الطُّهْرِ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ.

قَوْلُهُ (الْمُبْتَدَأَةُ) أَيْ الْمُبْتَدَأُ بِهَا الدَّمُ (تَجْلِسُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا ابْتَدَأَتْ بِدَمٍ أَسْوَدَ جَلَسَتْهُ وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِدَمٍ أَحْمَرَ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ كَالْأَسْوَدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَحْمَرَ إذَا رَأَتْهُ تَجْلِسُهُ كَالْأَسْوَدِ. وَقِيلَ: لَا تَجْلِسُ الدَّمَ الْأَحْمَرَ إذَا مَا قُدِّرَ، وَإِنْ أَجْلَسْنَاهَا الْأَسْوَدَ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ الْأَحْمَرَ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ بِصُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ، فَقِيلَ: إنَّهَا لَا تَجْلِسُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةُ الْكُبْرَى، وَالْفَائِقُ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَحَّحَهُ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ رَزِينٍ، عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. عِنْدَ أَحْكَامِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ. فَنَاقَضَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ وَالزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَالْمُبْتَدَأَةُ تَجْلِسُ " كَأَنَّهَا تَجْلِسُ بِمُجَرَّدِ مَا تَرَاهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ

ص: 359

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَاطِبَةً. وَوَجَّهَ فِي الْفُرُوعِ احْتِمَالًا: أَنَّهَا لَا تَجْلِسُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَقَلِّ الْحَيْضِ. قَوْلُهُ (تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً) هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ، وَصَالِحٍ، وَالْمَرُّوذِيِّ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمُغْنِي، وَغَيْرِهِمْ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. فَعَلَيْهِ تَفْعَلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ. ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِهِ فَمَا دُونَ: اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ.

إحْدَاهَا: تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً. وَهِيَ الْمَذْهَبُ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِيَةُ: تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ وَالثَّالِثَةُ: تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا. وَالرَّابِعَةُ: تَجْلِسُ إلَى أَكْثَرِهِ. اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ.

تَنْبِيهٌ:

أَثْبَتَ طَرِيقَةَ أَبِي الْخَطَّابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي: أَنَّ فِيهَا الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ، الْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ: وَهِيَ أَصَحُّ. وَجَعَلَ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ تَجْلِسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَجُلُوسُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً قَبْلَ انْقِطَاعِهِ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. قَوْلُهُ (وَتَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَإِنْ كَانَ فِي الثَّلَاثِ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ: صَارَ عَادَةً. وَانْتَقَلَتْ إلَيْهِ) .

ص: 360

الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا لَا تَجْلِسُ مَا جَاوَزَ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ إلَّا بَعْدَ تَكْرَارِهِ ثَلَاثًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. فَتَجْلِسُ فِي الرَّابِعَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ: تَجْلِسُهُ فِي الثَّالِثَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ. وَعَنْهُ يَصِيرُ عَادَةً بِمَرَّتَيْنِ. قَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. فَتَجْلِسُهُ فِي الثَّالِثِ عَلَى الصَّحِيحِ عَلَيْهَا. وَقِيلَ: فِي الثَّانِي، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: إنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَقْتَضِيهِ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إنْ قُلْنَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّتَيْنِ: جَلَسَتْ فِي الثَّانِي، وَإِنْ قُلْنَا بِثَلَاثٍ جَلَسَتْ فِي الثَّالِثِ.

قَوْلُهُ (وَأَعَادَتْ مَا صَامَتْهُ مِنْ الْفَرْضِ فِيهِ) هَذَا الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: وَقْتُ الْإِعَادَةِ: بَعْدَ أَنْ تَثْبُتَ الْعَادَةُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَقِيلَ: قَبْلَ ثُبُوتِهَا، احْتِيَاطًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ فِي الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: يَحْرُمُ وَطْؤُهَا فِي مُدَّةِ الدَّمِ الزَّائِدِ عَمَّا أَجْلَسْنَاهَا فِيهِ قَبْلَ تَكْرَارِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَأَطْلَقَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ فِي إبَاحَتِهِ رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: هِيَ كَمُسْتَحَاضَةٍ. انْتَهَى.

وَيُبَاحُ وَطْؤُهَا فِي طُهْرِهَا يَوْمًا فَأَكْثَرَ قَبْلَ تَكْرَارِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ إنْ أَمِنَتْ الْعَنَتَ، وَإِلَّا فَلَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ فِي مَوْضِعٍ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي مَوْضِعٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُغْنِي، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. فَإِنْ عَادَ الدَّمُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَعَنْهُ يُكْرَهُ.

ص: 361

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ جَاوَزَ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ) فَإِنْ كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا، بَعْضُهُ ثَخِينٌ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ، وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ أَحْمَرُ. (فَحَيْضُهَا زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ) أَنَّهَا تَجْلِسُ الدَّمَ الْمُتَمَيِّزَ الْأَسْوَدَ إذَا صَلَحَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ.

قَالَ الشَّارِحُ: هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ، وَاخْتِيَارُ ابْنِ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَا يُفْتَقَرُ التَّمْيِيزُ إلَى تَكْرَارِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: إنَّهَا تَجْلِسُ مِنْ التَّمْيِيزِ إذَا تَكَرَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ، عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ الْعَادَةُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ، لِثُبُوتِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ. وَيُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ فِي الْعَادَةِ، كَمَا سَبَقَ فِي اعْتِبَارِهِ فِي التَّمْيِيزِ خِلَافٌ ثَانٍ. فَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ فَهَلْ يُقَدَّمُ وَقْتُ هَذِهِ الْعَادَةِ عَلَى التَّمْيِيزِ بَعْدَهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْعَادَةِ التَّوَالِي فِي الْأَشْهُرِ. وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ. فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ. قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ وَيَأْتِي قَرِيبًا: هَلْ يُعْتَبَرُ فِي جُلُوسِ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا تَكْرَارُ الْمُسْتَحَاضَةِ. أَمْ لَا؟

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: تَجْلِسُ الْمُمَيِّزَةُ زَمَنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، أَوْ الدَّمِ الثَّخِينِ، أَوْ الدَّمِ الْمُنْتِنِ، بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اللَّوْنُ فَقَطْ. وَقِيلَ: وَلَمْ يَنْقُصْ غَيْرُهُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمَا. وَلَوْ جَاوَزَ التَّمْيِيزُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ بَطَلَتْ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ

ص: 362

عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ دَلَالَتُهُ بِمُجَاوَزَتِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. فَتَجْلِسُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ رَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ. وَجَاوَزَ الْأَسْوَدُ أَكْثَرَ الْحَيْضِ جَلَسَتْ مِنْ الدَّمِ الْأَحْمَرِ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: تَجْلِسُ مِنْ الْأَسْوَدِ؛ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِدَمِ الْحَيْضِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَطْلَقَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. فَفِي اعْتِبَارِ التَّكْرَارِ الْوَجْهَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ. وَلَوْ رَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا. ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ: جَلَسَتْ الْأَسْوَدَ فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقِيلَ: وَتَجْلِسُ مِنْ الْأَحْمَرِ أَقَلَّ الْحَيْضِ، لِإِمْكَانِ حَيْضَةٍ أُخْرَى. ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ.

الثَّانِيَةُ: لَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ زِيَادَةِ الدَّمَيْنِ عَلَى شَهْرٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ. وَاعْتَبَرَهُ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا تَبْطُلُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ بِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ عَلَى شَهْرٍ فِي الْأَصَحِّ، قَوْلُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَمَيِّزًا قَعَدَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ غَالِبَ الْحَيْضِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَاتِ، وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْقَاضِي، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرُهُمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعَنْهُ أَكْثَرُهُ. وَعَنْهُ عَادَةُ نِسَائِهَا. كَأُمِّهَا وَأُخْتِهَا وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَعَنْهُ عَادَةُ نِسَائِهَا " إطْلَاقُ الْأَقَارِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ

ص: 363

كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: الْقُرْبَى فَالْقُرْبَى. مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى. وَيَكُونُ تَبَيُّنًا لِلْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِهِمْ. فَلَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهُنَّ جَلَسَتْ الْأَقَلَّ. قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: الْأَقَلُّ وَالْأَكْثَرُ سَوَاءٌ نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ. تَبَعًا لِابْنِ حَمْدَانَ: وَقِيلَ تَجْلِسُ الْأَكْثَرَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تَتَحَرَّى. انْتَهَى.

فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ رُدَّتْ إلَى غَالِبِ عَادَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِ، وَهِيَ السِّتُّ أَوْ السَّبْعُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: مِنْ نِسَاءِ بَلَدِهَا. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ. قُلْت: وَهُوَ أَوْلَى، الثَّانِي: لَمْ يَعْزُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي نَقْلَ الرِّوَايَاتِ الْأَرْبَعِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ إلَّا إلَى أَبِي الْخَطَّابِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الرِّوَايَاتِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ: لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ اثْنَانِ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي إثْبَاتِ الرِّوَايَاتِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَوَّلَ مَا تَرَى الدَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ سَهْوٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ. قُلْت: لَيْسَ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ أَمْرٍ.

غَايَتُهُ: أَنَّ الْأَصْحَابَ نَقَلُوا الْخِلَافَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْمُصَنَّفِ. فَعُزِيَ النَّقْلُ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ، وَاعْتَمَدَ عَلَى نَقْلِهِ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ غَيْرُهُ نَقَلَهُ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: غَالِبُ الْحَيْضِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، لَكِنْ لَا تَجْلِسُ أَحَدَهُمَا إلَّا بِالتَّحَرِّي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: الْخِيرَةُ فِي ذَلِكَ إلَيْهَا. فَتَجْلِسُ أَيَّهُمَا شَاءَتْ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ كَلَامِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ. وَقَالَ: كَوُجُوبِ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ فِي الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ.

ص: 364

قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَهُوَ مُفْضٍ إلَى أَنَّ لَهَا الْخِيرَةَ فِي وُجُوبِ الْعَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَدَمِهِ.

الثَّانِيَةُ: يُعْتَبَرُ فِي جُلُوسِ مَنْ لَمْ يَكُنْ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا تَكْرَارُ الِاسْتِحَاضَةِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَذَا أَشْهَرُ. فَتَجْلِسُ قَبْلَ تَكَرُّرِهِ أَقَلَّهُ، وَلَا تَرُدُّ إلَى غَالِبِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِهِ، إلَّا فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ وَعَنْهُ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: تَثْبُتُ بِدُونِ تَكْرَارٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَعَلَيْهَا تَجْلِسُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ.

تَنْبِيهٌ:

مِثْلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ: لِلْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ، غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُعْتَادَةِ. وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِدُونِ تَكْرَارِ الِاسْتِحَاضَةِ. وَفِيهِ وَجْهٌ تَفْتَقِرُ إلَى التَّكْرَارِ، كَالْمُبْتَدِئَةِ وَيَأْتِي حُكْمُ تَكْرَارِ الِاسْتِحَاضَةِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ

. قَوْلُهُ (وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ الْمُعْتَادَةُ رَجَعَتْ إلَى عَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ لَهَا عَادَةٌ تَعْرِفُهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ، فَإِنَّهَا تَجْلِسُ الْعَادَةَ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنْ كَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ. أَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ وَنَسِيَتْهَا: عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ بِلَا نِزَاعٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي.

وَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ، فَتَارَةً يَتَّفِقَانِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً. فَتَجْلِسُهُمَا بِلَا نِزَاعٍ. وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ، إمَّا بِمُدَاخَلَةِ بَعْضِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، أَوْ مُطْلَقًا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تَجْلِسُ الْعَادَةَ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: هُوَ

ص: 365

ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ الْجُمْهُورِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ يُقَدَّمُ التَّمْيِيزُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاخْتَارَ فِي الْمُبْهِجِ: إنْ اجْتَمَعَا عُمِلَ بِهِمَا إنْ أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَقَطَا. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ يَعْنِي بِهِ ابْنَ أَبِي الْفَهْمِ الْعَمَلَ بِهِمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ إذَا أَمْكَنَ.

فَائِدَةٌ:

لَا تَكُونُ مُعْتَادَةً حَتَّى تَعْرِفَ شَهْرَهَا، وَوَقْتَ حَيْضِهَا وَطُهْرِهَا. وَشَهْرُهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي لَهَا فِيهِ حَيْضٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ.

[وَلَوْ نَقَصَتْ عَادَتُهَا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الشَّهْرِ الْآخَرِ جَلَسَتْ مِقْدَارَ الْحَيْضِ الْأَخِيرِ، وَلَا غَيْرُ، قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ] .

قَوْلُهُ (وَإِنْ نَسِيَتْ الْعَادَةَ عَمِلَتْ بِالتَّمْيِيزِ) . بِلَا نِزَاعٍ كَمَا تَقَدَّمَ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ [وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمَجْدِ] وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَأَنْ لَا يَنْقُصَ الْأَحْمَرُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يَكُونَ طُهْرًا فَاصِلًا بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ. فَإِذَا رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ مِثْلَهَا أَحْمَرَ، ثُمَّ الْأَصْفَرَ بَعْدَهَا. فَالْأَسْوَدُ هُوَ الْحَيْضُ. وَالْأَحْمَرُ مَعَ الْأَصْفَرِ اسْتِحَاضَةٌ. وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ، ثُمَّ بَعْدَهَا الْأَصْفَرَ. فَالْأَحْمَرُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا أَقْوَى مَا تَرَاهُ مِنْ دَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّتِهِ. وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي التَّمْيِيزِ اللَّوْنُ فَقَطْ. وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ دَلَالَةُ التَّمْيِيزِ بِمُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ. فَتَجْلِسُ الْأَكْثَرَ. وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ. وَتَقَدَّمَتْ الْأَمْثِلَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَالْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ الْمُسْتَحَاضَتَيْنِ فِي تِلْكَ الْأَمْثِلَةِ سَوَاءٌ فَلْيُعَاوَدْ.

ص: 366

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلتَّمْيِيزِ تَكْرَارٌ. بَلْ مَتَى عَرَفَتْ التَّمْيِيزَ جَلَسَتْهُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْخِرَقِيِّ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهُ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَا يَفْتَقِرُ التَّمْيِيزُ إلَى تَكْرَارِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا.

عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَأَطْلَقَهُمَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُمَيِّزَةِ

. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ جَلَسَتْ غَالِبَ الْحَيْضِ) يَعْنِي إذَا نَسِيَتْ الْعَادَةَ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ. وَهَذِهِ تُسَمَّى الْمُتَحَيِّرَةَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ. وَفِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ لَا تَفْتَقِرُ اسْتِحَاضَتُهَا إلَى تَكْرَارٍ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. أَحَدُهَا: أَنْ تَنْسَى الْوَقْتَ وَالْعَدَدَ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تَجْلِسُ غَالِبَ الْحَيْضِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ رَجَبٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَجَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي تَخْرِيجًا. وَحَكَى الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ فِيهَا وَجْهًا: لَا تَجْلِسُ شَيْئًا، بَلْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَتُصَلِّي وَتَصُومُ، وَيُمْنَعُ وَطْؤُهَا. وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْوَاجِبَ. وَخَرَّجَ الْقَاضِي رِوَايَةً ثَالِثَةً مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ: تَجْلِسُ عَادَةَ نِسَائِهَا. وَأَثْبَتَهَا فِي الْكَافِي رِوَايَةً. فَلِذَلِكَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمَّا حُكِيَ فِي الْكَافِي الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تَخْرِيجًا

ص: 367

وَتَخْرِيجُ الْقَاضِي رِوَايَةٌ، وَهُوَ سَهْوٌ.

بَلْ الثَّانِيَةُ رِوَايَةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَالثَّالِثَةُ مُخَرَّجَةٌ وَقِيلَ: فِيهَا الرِّوَايَاتُ الْأَرْبَعُ يَعْنِي الَّتِي فِي الْمُبْتَدَأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقَاضِي. وَخَرَّجَ فِيهَا رِوَايَتَيْ الْمُبْتَدَأَةِ. وَقَدَّمَهَا فِي الْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَنَظْمِهَا. وَهِيَ طَرِيقَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ بِفُرُوقٍ جَيِّدَةٍ. وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ.

لَكِنْ قَالَ: الْمَشْهُورُ انْتِفَاءُ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ.

وَعَادَةِ نِسَائِهَا. وَحَيْثُ أَجْلَسْنَاهَا عَدَدًا، فَفِي مَحَلِّهِ الْخِلَافُ الْآتِي.

[تَنْبِيهٌ] :

مَحَلُّ جُلُوسِهَا غَالِبَ الْحَيْضِ: إنْ اتَّسَعَ شَهْرُهَا لِأَقَلِّ الطُّهْرِ. وَكَانَ الْبَاقِي غَالِبَ الْحَيْضِ فَأَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لِذَلِكَ أَجْلَسْنَاهَا الزَّائِدَ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَقَطْ، كَأَنْ يَكُونَ شَهْرُهَا حَيْضَهَا. وَطُهْرُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَإِنَّهَا لَا تَجْلِسُ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ. وَهُوَ الْبَاقِي عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ، وَلَا يَنْقُصُ الطُّهْرُ عَنْ أَقَلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ شَهْرُهَا جَلَسَتْ مِنْ الشَّهْرِ الْمُعْتَادِ غَالِبَ [الْحَيْضِ] .

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا، وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا، جَلَسَتْهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهَذَا الْحَالُ الثَّانِي مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِيَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ) . أَحَدُهُمَا: هَذَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ أَبِي بَكْرٍ.

كَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.

وَفِي الْآخَرِ: تَجْلِسُهُ بِالتَّحَرِّي. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَدَّمَهُ فِي نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ وَنَظْمِهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا

ص: 368

وَالشَّرْحِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: تَجْلِسُ مِنْ تَمْيِيزٍ لَا تَعْتَدُّ بِهِ إنْ كَانَ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِدَمِ الْحَيْضِ. قُلْت: وَهُوَ قَوِيٌّ. وَذَكَرَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَبِعَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا: إنْ ذَكَرَتْ أَوَّلَ الدَّمِ كَمُعْتَادَةٍ انْقَطَعَ حَيْضُهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ جَاءَ الدَّمُ خَامِسَ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ مَثَلًا، أَوْ اسْتَمَرَّتْ وَقَدْ نَسِيَتْ الْعَادَةَ. فَفِيهَا الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: تَجْلِسُ مِنْ خَامِسِ كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ، اخْتَارَ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَيْضًا: أَنَّهُ إنْ طَالَ عَهْدُهَا بِزَمَنِ افْتِتَاحِ الدَّمِ وَنَسِيَتْهُ: أَنَّهَا تَتَحَرَّى وَقْتَ جُلُوسِهَا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي فِي شَرْحَيْهِمَا، فِيمَنْ عَلِمَتْ قَدْرَ الْعَادَةِ، وَجَهِلَتْ مَوْضِعَهَا: إنَّهَا لَا تَجْلِسُ شَيْئًا. وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا مَضَى قَدْرُهَا. وَتَقْضِي مِنْ رَمَضَانَ بِقَدْرِهَا، وَالطَّوَافِ. وَلَا تُوطَأُ. وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ رِوَايَةً لَا تَجْلِسُ شَيْئًا.

تَنْبِيهٌ:

كُلُّ مَوْضِعٍ أَجْلَسْنَاهَا بِالتَّحَرِّي، أَوْ بِالْأَوَّلِيَّةِ. فَإِنَّهَا تَجْلِسُ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً.

فَائِدَةٌ:

إذَا تَعَذَّرَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِيَّةِ أَوْ التَّحَرِّي عَمِلَتْ بِالْآخَرِ، قَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرُهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ: وَلَمَّا ذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي الْوَجْهَيْنِ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ التَّحَرِّيَ، قَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ تَعْرِفْ ابْتِدَاءَ الدَّمِ. فَإِنْ عَرَفَتْ فَهُوَ أَوَّلُ دُورِهَا. وَجَعَلْنَاهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْ ابْتِدَاءَ الدَّمِ، لَكِنْ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ فِي وَقْتٍ، جَعَلْنَا ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا عَقِبَ ذَلِكَ الطُّهْرِ. انْتَهَى، وَإِنْ تَعَذَّرَ التَّحَرِّي بِأَنْ يَتَسَاوَى عِنْدَهَا الْحَالُ، وَلَمْ تَظُنَّ شَيْئًا وَتَعَذَّرَتْ الْأَوَّلِيَّةُ أَيْضًا، بِأَنْ قَالَتْ: حَيْضِي فِي كُلِّ عِشْرِينَ يَوْمًا خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَأُنْسِيت زَمَنَ افْتِتَاحِ الدَّمِ. وَالْأَوْقَاتُ كُلُّهَا فِي نَظَرِي سَوَاءٌ.

وَلَا أَعْلَمُ: هَلْ أَنَا الْآنَ طَاهِرٌ أَوْ حَائِضٌ؟ فَقَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا أَعْرِفُ لِأَصْحَابِنَا فِي هَذِهِ

ص: 369

كَلَامًا.

وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَلْزَمُهَا سُلُوكُ طَرِيقِ الْيَقِينِ.

بَلْ يُجْزِئُهَا الْبِنَاءُ عَلَى أَصْلٍ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَهُ فَسَادٌ فِي صَوْمِهَا وَصَلَاتِهَا، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا. فَتَصُومُ رَمَضَانَ كُلَّهُ، وَتَقْضِي مِنْهُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَهُوَ قَدْرُ حَيْضِهَا، وَهُوَ الَّذِي يَتَحَقَّقُ فَسَادُهُ. وَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ ذَلِكَ. فَلَا تُفْسِدُهُ. وَتُوجِبُ قَضَاءَهُ بِالشَّكِّ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ: فَتُصَلِّيهَا أَبَدًا، لَكِنَّهَا تَغْتَسِلُ فِي الْحَالِ غُسْلًا. ثُمَّ عَقِيبَ انْقِضَاءِ قَدْرِ حَيْضِهَا غُسْلًا ثَانِيًا. وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَفِيمَا بَعْدَهُمَا، بِقَدْرِ مُدَّةِ طُهْرِهَا. فَإِنْ انْقَضَتْ لَزِمَهَا غُسْلَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرَ الْحَيْضَةِ. وَكَذَلِكَ أَبَدًا كُلَّمَا مَضَى قَدْرُ الطُّهْرِ اغْتَسَلَتْ غُسْلَيْنِ بَيْنَهُمَا قَدْرَ الْحَيْضَةِ. انْتَهَى.

قَالَ فِي الْفُرُوعِ كَذَا قَالَ وَالْمَعْرُوفُ، خِلَافُهُ.

فَائِدَةٌ: مَتَى ضَاعَتْ أَيَّامُهَا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ فَمَا عَدَا الْمُدَّةَ طُهْرٌ. ثُمَّ إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا نِصْفَ الْمُدَّةِ فَأَقَلُّ حَيْضِهَا بِالتَّحَرِّي أَوْ مِنْ أَوَّلِهَا، وَإِنْ زَادَ ضُمَّ الزَّائِدُ إلَى مِثْلِهِ مِمَّا قَبْلَهُ. فَهُوَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ. وَالشَّكُّ فِيمَا بَقِيَ.

فَائِدَةٌ: مَا جَلَسَتْهُ النَّاسِيَةُ مِنْ الْحَيْضِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ: فَهُوَ كَالْحَيْضِ الْمُتَيَقَّنِ فِي الْأَحْكَامِ. وَمَا زَادَ عَلَى مَا تَجْلِسُهُ إلَى الْأَكْثَرِ، فَقِيلَ: هِيَ فِيهِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْأَحْكَامِ الْآتِيَةِ فِيهَا. وَقِيلَ: هُوَ كَالطُّهْرِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ. قَالَهُ الْقَاضِي: وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: هُوَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَحُكْمُهُ حُكْمُ الطُّهْرِ بِيَقِينٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، إلَّا فِي جَوَازِ وَطْئِهَا. فَإِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ. وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُنَا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي (هُوَ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ) . اعْلَمْ أَنَّ الطُّهْرَ الْمَشْكُوكَ فِيهِ: حُكْمُهُ حُكْمُ الطُّهْرِ الْمُتَيَقَّنِ، عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَجَزَمَ الْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ بِمَنْعِهَا مِمَّا لَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ إثْمٌ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْقِرَاءَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. وَنَفْلِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَنَحْوِهِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَمْنَعَ عَنْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ. انْتَهَى.

وَقِيلَ: تَقْضِي مَا صَامَتْهُ فِيهِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ

ص: 370

وَطْؤُهَا فِيهِ وَقَبْلَهُ فِي مُبْتَدَأَةٍ اُسْتُحِيضَتْ وَقُلْنَا لَا تَجْلِسُ الْأَكْثَرَ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَوْضِعِ حَيْضِ مَنْ لَا عَادَةَ لَهَا وَلَا تَمْيِيزَ) مِثْلَ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا لَمْ تَعْرِفْ ابْتِدَاءَ دَمِهَا وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَتْ أَيَّامَهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ كَنِصْفِهِ الْأَوَّلِ: جَلَسَتْهَا فِيهِ، إمَّا مِنْ أَوَّلِهِ، أَوْ بِالتَّحَرِّي) . عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِيمَا إذَا عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا. وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهَا هُنَاكَ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَنَسِيَتْ مَوْضِعَهَا. وَهُنَا كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ مَحْصُورَةٌ فِي جَزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ. وَفِيهَا مِنْ الْخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَهَذَا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْحَالِ الثَّانِي.

قَوْلُهُ (وَإِنْ عَلِمَتْ مَوْضِعَ حَيْضِهَا، وَنَسِيَتْ عَدَدَهُ، جَلَسَتْ فِيهِ غَالِبَ الْحَيْضِ، أَوْ أَقَلَّهُ) عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُعْتَادَةُ عَادَةً وَلَا تَمْيِيزَ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ هُنَاكَ، خِلَافًا وَمَذْهَبًا. وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ هُنَاكَ. وَهَذَا الْحَالُ الثَّالِثُ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُهَا إذَا كَانَ دَمُهَا مُتَمَيِّزًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ فَهَلْ يُعْتَبَرُ تَكْرَارُ التَّمْيِيزِ أَمْ لَا؟ .

قَوْلُهُ (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ بِزِيَادَةٍ، أَوْ تَقَدُّمٍ، أَوْ تَأَخُّرٍ، أَوْ انْتِقَالٍ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَى مَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، حَتَّى يَتَكَرَّرَ ثَلَاثًا أَوْ مَرَّتَيْنِ) . عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَتَقَدَّمَ الْمَذْهَبُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا هُنَا هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، بَلْ كُلُّ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ.

ص: 371

قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا " وَعِنْدِي أَنَّهَا تَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ ".

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَلَا يَسَعُ النِّسَاءَ الْعَمَلُ بِغَيْرِهِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَشْبَهُ، قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّارِحِ، وَأَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ. قَالَ الْمَجْدُ: وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ الشِّيحُ أَبُو الْفَرَجِ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَكْرَارٍ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا تَلْتَفِتُ إلَى الْخَارِجِ عَنْ الْعَادَةِ قَبْلَ تَكْرَارِهِ. فَتَصُومُ وَتُصَلِّي فِي الْمُدَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فِيهَا. وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْعَادَةِ، وَعِنْدَ انْقِضَاءِ الدَّمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَقِبَ الْخَارِجِ عَنْ الْعَادَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفَائِقِ. وَعَنْهُ لَا يَحْرُمُ الْوَطْءُ وَلَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ. فَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا صَارَ عَادَةً. وَأَعَادَتْ مَا فَعَلَتْهُ مِنْ وَاجِبِ الصَّوْمِ، وَالطَّوَافِ، وَالِاعْتِكَافِ. وَعَنْهُ يَحْتَاجُ الزَّائِدُ عَنْ الْعَادَةِ إلَى التَّكْرَارِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّكْرَارِ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ. وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ: إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَمَيِّزَةً لَمْ تَحْتَجْ إلَى تَكْرَارٍ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ يَعُدْ، أَوْ يَئِسَتْ قَبْلَ التَّكْرَارِ.

لَمْ تَقْضِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَقْضِي. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُحْتَمَلُ لُزُومُ الْقَضَاءِ كَصَوْمِ النِّفَاسِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ، لِقِلَّةِ مَشَقَّتِهِ، بِخِلَافِ صَوْمِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي طُهْرٍ مَشْكُوكٍ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الْفَائِقِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْوَطْءُ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ فِي النِّفَاسِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ هُنَاكَ. وَخَرَّجَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مِنْ الْمُبْتَدَأَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: هُوَ كَنَقَاءِ مُدَّةِ النِّفَاسِ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي

ص: 372

أُخْرَى: النِّفَاسُ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ. فَلَا مَشَقَّةَ. وَعَنْهُ يَجِبُ قَضَاءُ وَاجِبِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ عَادَتَهَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَمْ يَعْتَبِرْ ابْنُ أَبِي مُوسَى النَّقَاءَ الْمَوْجُودَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ. وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا فِيهِ قَضَاءَ مَا صَامَتْهُ فِيهِ مِنْ وَاجِبٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ: لِأَنَّ الطُّهْرَ الْكَامِلَ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِنْ طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ عَادَتِهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الطُّهْرُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَ قَلِيلِ الطُّهْرِ وَكَثِيرِهِ. انْتَهَى.

قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إذَا رَأَتْ عَلَامَةَ الطُّهْرِ مَعَ ذَلِكَ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَقَلُّ الطُّهْرِ زَمَنَ الْحَيْضِ: أَنْ يَكُونَ نَقَاءٌ خَالِصًا لَا تَتَغَيَّرُ مَعَهُ الْقُطْنَةُ إذَا احْتَشَتْ بِهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَعَنْ بَكْرٍ: هِيَ طَاهِرٌ إذَا رَأَتْ الْبَيَاضَ. قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَ سَاعَةً. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ. انْتَهَى.

وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّهَا لَا تَعْتَدُّ بِمَا دُونَ الْيَوْمِ، إلَّا أَنْ تُدْرِكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَخَرَّجَهُ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي النِّفَاسِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَصَحُّ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي الْعَادَةِ فَهَلْ تَلْتَفِتُ إلَيْهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقُ، وَالشَّرْحُ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي إحْدَاهُمَا: تَلْتَفِتُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْعَادَةِ فَتَجْلِسُهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ الْأَوْلَى. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَنَظْمِ نِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ حَتَّى يَتَكَرَّرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهُوَ الْغَالِبُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي الرِّوَايَةِ. وَعَنْهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. فَتَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ لِلْفَرْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ كَدَمِ النُّفَسَاءِ الْعَائِدِ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ.

ص: 373

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا عَادَ فِي الْعَادَةِ، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهَا. فَأَمَّا إنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُجَاوِزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ أَوْ لَا. فَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ فَمَا دُونَ. فَمَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: لَيْسَ الْعَائِدُ بِحَيْضٍ، فَهُنَا أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ حَيْضًا. وَمَنْ قَالَ: هُوَ حَيْضٌ هُنَاكَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَهُنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: أَنَّ الْجَمِيعَ لَيْسَ بِحَيْضٍ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: جَمِيعُهُ حَيْضٌ، بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا: أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ فِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ حَيْضٌ، مَا لَمْ يَعْبُرْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا وَافَقَ الْعَادَةَ فَهُوَ حَيْضٌ. وَمَا زَادَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِحَيْضٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالشَّرْحُ، وَالْمُغْنِي، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَأَمَّا إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُمْكِنَ جَعْلُهُ حَيْضًا أَوْ لَا. فَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا، بِأَنْ يَكُونَ بِضَمِّهِ إلَى الدَّمِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ بَيْنَ طَرَفَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا. فَتُلَفَّقُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى. وَيُجْعَلَانِ حَيْضَةً وَاحِدَةً إذَا تَكَرَّرَ، أَوْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ. وَكُلٌّ مِنْ الدَّمَيْنِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِمُفْرَدِهِ. فَيَكُونَانِ حَيْضَتَيْنِ إذَا تَكَرَّرَ، وَإِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ. فَهُوَ دَمٌ فَاسِدٌ، إذَا لَمْ يُمْكِنْ ضَمُّهُ إلَى مَا بَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ حَيْضًا لِعُبُورِهِ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّمِ الْأَوَّلِ أَقَلُّ الطُّهْرِ. فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، سَوَاءٌ تَكَرَّرَ أَوْ لَا. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ. فَنَقُولُ: إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا. فَرَأَتْ مِنْهَا خَمْسَةً دَمًا. وَطَهُرَتْ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ. ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ. فَالْخَمْسَةُ

ص: 374

الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ: حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ، تُلَفِّقُ الدَّمَ الثَّانِيَ إلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ رَأَتْ الثَّانِيَ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا. وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَتَكَرَّرَ هَذَا، كَانَا حَيْضَتَيْنِ.

لِوُجُودِ طُهْرٍ صَحِيحٍ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ كَانَتْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا، ثُمَّ اثْنَتَيْ عَشَرَ طُهْرًا، ثُمَّ يَوْمَيْنِ دَمًا. فَهُنَا لَا يُمْكِنُ جَعْلُهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً؛ لِزِيَادَةِ الدَّمَيْنِ، مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الطُّهْرِ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَلَا جَعْلُهُمَا حَيْضَتَيْنِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لِانْتِفَاءِ طُهْرٍ صَحِيحٍ. فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْهُمَا: مَا وَافَقَ الْعَادَةَ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةً.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مُرَادِ الْخِرَقِيِّ بِقَوْلِهِ " فَإِنْ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَلَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ حَتَّى تَجِيءَ أَيَّامُهَا " فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ: مُرَادُهُ إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ، وَعَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَنَعَهَا أَنْ تَلْتَفِتَ إلَيْهِ مُطْلَقًا. وَلَوْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ لَقَالَ: حَتَّى يَتَكَرَّرَ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إذَا عَاوَدَهَا بَعْدَ الْعَادَةِ وَلَمْ يَعْبُرْ. فَإِنَّهَا لَا تَلْتَفِتُ إلَيْهِ قَبْلَ التَّكْرَارِ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ: أَرَادَ مُعَاوَدَةَ الدَّمِ فِي كُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعَادَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُطْلَقٌ. فَيُتَنَاوَلُ بِإِطْلَاقِهِ الزَّمَانَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَهَذَا أَظْهَرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الظَّاهِرُ، اعْتِمَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَسَكَتَ عَنْ التَّكْرَارِ لِتَقَدُّمِهِ لَهُ فِيمَا إذَا زَادَتْ الْعَادَةُ أَوْ تَقَدَّمَتْ. وَعَلَى هَذَا: إذَا عَبَرَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ حَيْضًا انْتَهَى. وَاخْتَارَهُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي أَثْنَاءِ الْعَادَةِ وَقُلْنَا لَا تَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارٍ وَجَبَ قَضَاءُ مَا صَامَتْهُ فِي الطُّهْرِ وَطَافَتْهُ فِيهِ. ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَقِيَاسُ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي مَسْأَلَةِ النِّفَاسِ: لَا يَجِبُ قَضَاءُ ذَلِكَ. قَالَ: وَهُوَ أَصَحُّ.

ص: 375

قَوْلُهُ (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ: مِنْ الْحَيْضِ) . يَعْنِي فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَحَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ لَيْسَتَا بِحَيْضٍ مُطْلَقًا.

فَائِدَةٌ:

لَوْ وَجَدَتْ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ زَمَنِ الْحَيْضِ، وَتَكَرَّرَتَا. فَلَيْسَتَا بِحَيْضٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَصَاحِبِ الْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَشَرْحِ الْمَجْدِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَنَصَرَهُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَزَادَ صَاحِبُ الْمُفْرَدَاتِ: أَنَّهَا لَا تَغْتَسِلُ بَعْدَهُ. فَقَالَ: لَيْسَ بِحَيْضٍ ذَا وَلَوْ تَكَرَّرَ. وَغُسْلُهَا لَيْسَ بِذَا تَقَرُّرًا. وَعَنْهُ إنْ تَكَرَّرَ فَهُوَ حَيْضٌ.

اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَشَرَطَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ اتِّصَالَهَا بِالْعَادَةِ. وَقُطِعَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: أَنَّ حُكْمَهَا مَعَ اتِّصَالِ الْعَادَةِ حُكْمُ الدَّمِ الْأَسْوَدِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: فَعَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ حَيْضٌ، إذَا تَكَرَّرَ: لَوْ رَأَتْهُ بَعْدَ الطُّهْرِ، وَتَكَرَّرَ لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ وَجْهَيْنِ: هَلْ هُمَا حَيْضٌ مُطْلَقًا، أَوْ لَا يَكُونَانِ حَيْضًا مُطْلَقًا؟

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: إذَا لَمْ يُجَاوِزْ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي، وَغَيْرُهُمْ

. قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا، وَيَوْمًا طُهْرًا. فَإِنَّهَا تَضُمُّ الدَّمَ إلَى الدَّمِ. فَيَكُونُ حَيْضًا. وَالْبَاقِي طُهْرًا) . هَذَا قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ ضَرْبِ الْمِثَالِ. وَإِلَّا فَمَتَى رَأَتْ دَمًا مُتَفَرِّقًا يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ أَقَلَّ

ص: 376

الْحَيْضِ، وَنَقَاءً. فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ، وَالدَّمُ حَيْضٌ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَعَنْهُ أَيَّامُ النَّقَاءِ وَالدَّمِ حَيْضٌ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَقِيلَ: إنْ تَقَدَّمَ دَمٌ يَبْلُغُ الْأَقَلَّ عَلَى مَا نَقَصَ عَنْ الْأَقَلِّ. فَهُوَ حَيْضٌ تَبَعًا لَهُ، وَإِلَّا فَلَا. فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ. تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ فِي الطُّهْرِ وَلَا تَقْضِي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا. وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَفِيهِ وَجْهٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى غُسْلٍ، حَتَّى تَرَى مِنْ الدَّمِ مَا يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَتَى انْقَطَعَ قَبْلَ بُلُوغِ الْأَقَلِّ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ أَيْضًا وَجْهَانِ انْتَهَى.

وَكَذَا قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: تَغْتَسِلُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَيْضِ فِي أَنْصَافِ الْأَيَّامِ فَأَقَلَّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَوْلَى. وَقِيلَ: بَلْ بَعْدَ تَمَامِ الْحَيْضِ مِنْ الدَّمِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ. وَقِيلَ: إنْ نَقَصَ النَّقَاءُ عَنْ يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ طُهْرًا تَغْتَسِلُ عَنْهُ، وَلَا تَجْلِسُ غَيْرَ الدَّمِ الْأَوَّلِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يُكْرَهُ وَطْؤُهَا زَمَنَ طُهْرِهَا وَرَعًا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يُبَاحُ. قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. فَتَكُونَ مُسْتَحَاضَةً) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَعِنْدَ الْقَاضِي كُلُّ مُلَفِّقَةٍ غَيْرِ مُعْتَادَةٍ لَمْ يَتَّصِلْ دَمُهَا الْمُجَاوِزُ الْأَكْثَرَ بِدَمِ الْأَكْثَرِ، فَالنَّقَاءُ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ. وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةٌ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَالْمُسْتَحَاضَةُ تَغْسِلُ فَرْجَهَا وَتَعْصِبُهُ، وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا إعَادَةُ شَدِّهِ وَغَسْلِ الدَّمِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إذَا لَمْ تُفَرِّطْ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمَا، وَصَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبُ

ص: 377

مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ. وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا ذَلِكَ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا، إنْ خَرَجَ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا.

الثَّانِي: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) إذَا خَرَجَ شَيْءٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ: فَلَا تَتَوَضَّأُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِيمَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ. وَقِيلَ: يَجِبُ.

قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. فَيُعَايَى بِهَا. قَوْلُهُ (وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. فَلَا يَجُوزُ الْفَرْضُ قَبْلَ وَقْتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ.

حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ طُهْرُهَا إلَّا بِدُخُولِ الْوَقْتِ. وَلَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِهِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ: وَهُوَ أَوْلَى. وَكَذَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. فَقَالَ:

وَبِدُخُولِ الْوَقْتِ طُهْرٌ يَبْطُلُ

لِمَنْ بِهَا اسْتِحَاضَةٌ قَدْ نَقَلُوا

لَا بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لَوْ تَطَهَّرَتْ

لِلْفَجْرِ لَمْ تَبْطُلْ بِشَمْسٍ ظَهَرَتْ

وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ: أَنَّهُ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَبْطُلُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَبِخُرُوجِهِ أَيْضًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَإِنْ تَوَضَّأَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ لِغَيْرِ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَقَبْلَ أَوَّلِهِ: بَطَلَ بِدُخُولِهِ. وَتُصَلِّي قَبْلَهُ نَفْلًا. ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ تَوَضَّأَتْ فِيهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، بَطَلَ بِخُرُوجِهِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِهِ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. انْتَهَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ فِي مَكَانَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ

ص: 378

كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَالزَّرْكَشِيُّ.

قَوْلُهُ (وَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ) . هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا تَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ. وَقَيَّدَهَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ. فَقَالَ: لَا تَجْمَعُ بَيْنَ فَرْضَيْنِ بِوُضُوءٍ، لِلْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِخِفَّةِ عُذْرِهَا فَإِنَّهَا لَا تُصَلِّي قَائِمَةً بِخِلَافِ الْمَرِيضِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَظَاهِرُ كَلَامِ السَّامِرِيِّ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تُبِيحُ الْجَمْعَ انْتَهَى.

قُلْت: قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهَا: أَنْ تَتَوَضَّأَ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ مَا شَاءَتْ مِنْ صَلَاةِ الْوَقْتِ وَالْفَوَائِتِ، وَالنَّوَافِلِ.

وَتَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ إحْدَاهُمَا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَالَ: إنْ تَوَضَّأَتْ وَدَخَلَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ، أَوْ خَرَجَ وَقْتُ صَلَاةٍ: بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا. وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ وَابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ صَلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً. وَقَدْ حَمَلَ الْقَاضِي قَوْلَ الْخِرَقِيِّ (لِكُلِّ صَلَاةٍ) عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ. وَعِنْدِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ. فَيَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، كَمَا فِي التَّيَمُّمِ انْتَهَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ. قَالَ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ: تَجْمَعُ بِالْغُسْلِ.

لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ فِيهِ، نَقَلَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: وَإِنَّمَا تَجْمَعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَهَا أَنْ تَطُوفَ مُطْلَقًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَنَقَلَ صَالِحٌ: لَا تَطُوفُ، إلَّا أَنْ تَطُولَ اسْتِحَاضَتُهَا. قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ: لَعَلَّهُ غَلَطٌ.

ص: 379

الثَّانِيَةُ: الْأَوْلَى لَهَا: أَنْ تُصَلِّيَ عَقِيبَ طَهَارَتِهَا. فَإِنْ أَخَّرَتْ لِحَاجَةٍ مِنْ انْتِظَارِ جَمَاعَةٍ أَوْ لِسُتْرَةٍ أَوْ تَوَجُّهٍ، أَوْ تَنَفُّلٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ: جَازَ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ جَازَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ

الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ فِي وَقْتٍ يَتَّسِعُ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ. فَبِذَا تَعَيَّنَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا عِبْرَةَ بِانْقِطَاعِهِ، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ

. الرَّابِعَةُ: لَوْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ أَبْطَلَ طَهَارَتَهَا. فَإِنْ وُجِدَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ الشُّرُوعُ فِيهَا. فَإِنْ خَالَفَتْ وَشَرَعَتْ وَاسْتَمَرَّ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ، فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَ ذَلِكَ فَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ، وَفِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ، فَفِي بَقَاءِ طُهْرِهَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجِبُ إعَادَتُهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَالزَّرْكَشِيُّ وَفِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ الْمُبْطِلُ لِلْوُضُوءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا مَعَ الْوُضُوءِ. وَلَزِمَهَا اسْتِئْنَافُهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، صَحَّحَهُ الْمَجْدُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: تَخْرُجُ تَتَوَضَّأُ وَتَبْنِي. وَذَكَرَ ابْنُ حَامِدٍ وَجْهًا ثَالِثًا. لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ بَلْ تُتِمُّهُمَا. قَالَ الشَّارِحُ. انْبَنَى عَلَى الْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ. وَفَرَّقَ الْمَجْدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْحَدَثَ هُنَا مُتَجَدِّدٌ، وَلَمْ يُوجَدْ عَنْهُ بَدَلٌ. وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ وَنَظِيرُهُ فِي التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ " السَّادِسَةُ: مُجَرَّدُ الِانْقِطَاعِ يُوجِبُ الِانْصِرَافَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 380

اخْتَارَهُ الْأَصْحَابُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ. وَقِيلَ: لَا تَنْصَرِفُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. فَقَالَ: وَعِنْدِي لَا تَنْصَرِفُ، مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاتِّسَاعِ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ خَالَفَتْ وَلَمْ تَنْصَرِفْ، بَلْ مَضَتْ فَعَادَ الدَّمُ قَبْلَ مُدَّةِ الِاتِّسَاعِ، فَعِنْدَ الْأَصْحَابِ: فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الِانْقِطَاعِ قَبْلَ الشُّرُوعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

السَّابِعَةُ: لَوْ تَوَضَّأَتْ مَنْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ، فَاتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى اتَّسَعَ أَوْ بَرَأَتْ بَطَلَ وُضُوءُهَا إنْ وُجِدَ مِنْهَا دَمٌ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَإِلَّا فَلَا

. الثَّامِنَةُ: لَوْ كَثُرَ الِانْقِطَاعُ. وَاخْتَلَفَ بِتَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ، وَقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، وَوُجِدَ مَرَّةً وَعُدِمَ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ بِاتِّصَالٍ وَلَا بِانْقِطَاعٍ: فَهَذِهِ كَمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالِانْقِطَاعِ الْمُتَّسِعِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ دُونَ مَا دُونَهُ وَفِي سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ، إلَّا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْمُضِيِّ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ تَبَيُّنِ اتِّسَاعِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي هُنَا: أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ.

بَلْ يَكْفِي وُجُودُ الدَّمِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَقْتِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ، وَاخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

التَّاسِعَةُ: لَا يَكْفِيهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ دَائِمٌ. وَيَكْفِي فِيهِ الِاسْتِبَاحَةُ. فَأَمَّا تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِلْفَرْضِ: فَلَا يُعْتَبَرُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا. قَالَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَلَامُ الْمَجْدِ. قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَالْمَذْيُ وَالرِّيحُ وَالْجَرِيحُ الَّذِي لَا يَرْقَأُ، وَالرُّعَافُ الدَّائِمُ) بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَشِيَ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يَلْزَمُهُ.

ص: 381

فَائِدَةٌ: لَوْ قَدَرَ عَلَى حَبْسِهِ حَالَ الْقِيَامِ لِأَجْلِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ: لَزِمَهُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ كَالْمَكَانِ النَّجِسِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ لَا بَدَلَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي أَيْضًا: وَلَوْ امْتَنَعَتْ الْقِرَاءَةُ، أَوْ لَحِقَهُ السَّلَسُ إنْ صَلَّى قَائِمًا: صَلَّى قَائِمًا. وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ كَانَ لَوْ قَامَ وَقَعَدَ لَمْ يَحْبِسْهُ، وَلَوْ اسْتَلْقَى حَبْسَهُ: صَلَّى قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ لَا نَظِيرَ لَهُ اخْتِيَارًا وَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ " وَإِنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ قَرِيبَةً مِنْهُ "

. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُبَاحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، مَعَ عَدَمِ الْعَنَتِ. قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ أَصْحَابُنَا، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مِنْهَا الثَّانِيَةُ: يُبَاحُ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَيُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ فَعَلَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ. وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا. وَفِي الرِّعَايَةِ: احْتِمَالٌ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ غَيْرُ حَرَامٍ.

تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا: شَمِلَ قَوْلُهُ " خَوْفِ الْعَنَتِ " الزَّوْجَ. أَوْ الزَّوْجَةَ، أَوْ هُمَا، وَهُوَ صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ إذَا خَافَ الْعَنَتَ يُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ

ص: 382

صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ إلَّا إذَا عَدِمَ الطَّوْلَ لِنِكَاحِ غَيْرِهَا. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي رِوَايَتَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: الشَّبَقُ الشَّدِيدُ كَخَوْفِ الْعَنَتِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ مُطْلَقًا. مَعَ أَمْنِ الضَّرَرِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُبَاحُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ.

كَالْعَزْلِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، قَالَ: فِي الْفُرُوعِ يُؤَيِّدُهُ: قَوْلُ أَحْمَدَ فِي بَعْضِ جَوَابِهِ " وَالزَّوْجَةُ تَسْتَأْذِنُ زَوْجَهَا " وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ يُكْرَهُ. وَقَالَ: وَفِعْلُ الرَّجُلِ ذَلِكَ بِهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ يُتَوَجَّهُ تَحْرِيمُهُ، لِإِسْقَاطِ حَقِّهَا مُطْلَقًا مِنْ النَّسْلِ الْمَقْصُودِ. وَقَالَ: وَيُتَوَجَّهُ فِي الْكَافُورِ وَنَحْوِهِ لَهُ لِقَطْعِ الْحَيْضِ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَجُوزُ مَا يَقْطَعُ الْحَمْلَ. ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِحُصُولِ الْحَيْضِ. ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ، إلَّا قُرْبَ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ. قُلْت: وَلَيْسَ لَهُ مُخَالِفٌ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ وَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ النِّفَاسِ: إذَا شَرِبَتْ شَيْئًا لِتُلْقِي مَا فِي بَطْنِهَا

. قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ سِتُّونَ. حَكَاهَا ابْنُ عَقِيلٍ فَمَنْ بَعْدَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا حَدَّ لِأَكْثَرِ النِّفَاسِ. وَلَوْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَوْ السِّتِّينَ، أَوْ السَّبْعِينَ وَانْقَطَعَ. فَهُوَ نِفَاسٌ، لَكِنْ إنْ اتَّصَلَ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ. وَحِينَئِذٍ: فَالْأَرْبَعُونَ مُنْتَهَى الْغَالِبِ وَتَقَدَّمَ إذَا رَأَتْهُ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ عِنْدَ قَوْلِهِ (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) فَلْيُعَاوَدْ.

ص: 383

فَعَلَى الْمَذْهَبِ، لَوْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ. فَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ، إنْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً وَلَمْ يُجَاوِزْهَا. فَإِنْ صَادَفَ عَادَةً وَلَمْ يُجَاوِزْهَا. فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ جَاوَزَهَا فَاسْتِحَاضَةٌ، إنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، إذَا لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ. قُلْت: وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بَعْدَ السِّتِّينَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ. وَلَا فَرْقَ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ.

قَوْلُهُ (وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) . يَعْنِي: لَا حَدَّ بِزَمَنٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ أَقَلُّهُ يَوْمٌ. ذَكَرَهَا أَبُو الْحُسَيْنِ: وَعَنْهُ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. ذَكَرَهَا أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَقَدْ قِيلَ لَهُ: «إذَا طَهُرَتْ بَعْدَ يَوْمٍ فَقَالَ بَعْدَ يَوْمٍ؟ لَا يَكُونُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَيَّامٍ» فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ وُجِدَ فَأَقَلُّهُ قَطْرَةٌ.

جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ:. . . مَجَّةٌ. قَدَّمَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ وَصَحَّحَهُ. وَقِيلَ: قَدْرُ لَحْظَةٍ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بَعْدَ أَنْ حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ، وَرِوَايَةَ: أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَقِيلَ: لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ

. قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا زَوْجُهَا فِي الْفَرْجِ حَتَّى تُتَمِّمَ الْأَرْبَعِينَ) . يَعْنِي إذَا طَهُرَتْ فِي أَثْنَاءِ الْأَرْبَعِينَ. فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ: كُرِهَ لَهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ [نَصَّ عَلَيْهِ] وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ أَيْضًا. وَقِيلَ: يَحْرُمُ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْعَنَتِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ إنْ أَمِنَ الْعَنَتَ، وَإِلَّا فَلَا. وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ

. قَوْلُهُ (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ عَادَ فِيهَا. فَهُوَ نِفَاسٌ) عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ.

ص: 384

قَالَ فِي الْفَائِقِ: فَهُوَ نِفَاسٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي. وَعَنْهُ: أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. تَصُومُ وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ الْمَفْرُوضَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي رُءُوسِ مَسَائِلِهِمَا وَغَيْرُهُمْ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: هَذَا أَشْهَرُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ: إنْ كَانَ الثَّانِي يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ، تَصُومُ وَتُصَلِّي مَعَهُ، وَلَا تَقْضِي. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَيْضًا: إنْ كَانَ الْعَائِدُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا تَقْضِي مَا وَجَبَ فِيهِمَا، مِنْ صَوْمٍ، وَطَوَافٍ، وَسَعْيٍ، وَاعْتِكَافٍ احْتِيَاطًا. نَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: لَوْ وَلَدَتْ مَنْ مِنْ غَيْرِ دَمٍ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مَشْكُوكٌ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: هُوَ نِفَاسٌ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: يَخْرُجُ هَذَا الدَّمُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، هَلْ هُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، أَوْ نِفَاسٌ؟ قَالَ: فَإِنْ صَلَحَ الْعَائِدُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَصَادَفَ الْعَادَةَ: لَمْ يَبْقَ مَشْكُوكًا فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ طُهْرًا كَامِلًا أَوْ لَا. ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَسَائِرُهُمْ أَطْلَقَ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَ الدَّمَيْنِ: طُهْرٌ صَحِيحٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ.

تَصُومُ، وَتُصَلِّي، وَتَقْضِي الصَّوْمَ

ص: 385

الْوَاجِبَ وَنَحْوَهُ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى. وَعَنْهُ تَقْضِي الصَّوْمَ مَعَ عَوْدِهِ، وَلَا تَقْضِي الطَّوَافَ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ.

تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي مُدَّةِ الْأَرْبَعِينَ ثُمَّ عَادَ فِيهَا " أَنَّ الطُّهْرَ الَّذِي بَيْنَهُمَا، سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا: طُهْرٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ إنْ رَأَتْ النَّقَاءَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ: لَا تَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ. وَمِنْهَا خَرَّجَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الْحَيْضِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الْعَادَةِ ثُمَّ عَادَ فِيهَا.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِإِسْقَاطِ نُطْفَةٍ. ذَكَرَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ: يَحْرُمُ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: أَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. قَالَ: وَلَهُ وَجْهٌ. انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَحْوَطُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَعْمِلُ دَوَاءً يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَنِيِّ فِي مَجَارِي الْحَبَلِ

. الثَّانِيَةُ: مَنْ اسْتَمَرَّ دَمُهَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِهَا بِقَدْرِ الْعَادَةِ فِي وَقْتِهَا، وَوَلَدَتْ فَخَرَجَتْ الْمَشِيمَةُ وَدَمُ النِّفَاسِ مِنْ فَمِهَا. فَغَايَتُهُ: يُنْقَضُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُهُ حَيْضًا، كَزَائِدٍ عَلَى الْعَادَةِ، أَوْ كَمَنِيٍّ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ

. قَوْلُهُ (وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ. فَأَوَّلُ النِّفَاسِ: مِنْ الْأَوَّلِ. وَآخِرُهُ: مِنْهُ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. فَعَلَيْهَا لَوْ كَانَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا. فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي، نُصَّ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ. وَقِيلَ: تَبْدَأُ لِلثَّانِي بِنِفَاسٍ، اخْتَارَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ. وَقَالَ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ مِنْ الْأَخِيرِ، يَعْنِي أَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَآخِرَهُ مِنْ الْأَخِيرِ. فَعَلَيْهَا تَبْدَأُ لِلثَّانِي بِنِفَاسٍ مِنْ وِلَادَتِهِ. فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرُ. فَهُمَا نِفَاسَانِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّلْخِيصِ. وَعَنْهُ نِفَاسٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ. قَالَ

ص: 386

ابْنُ تَمِيمٍ: وَقَالَ غَيْرُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ: الْكُلُّ نِفَاسٌ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ تَامٌّ، وَالثَّانِي دُونَ أَقَلِّ الْحَيْضِ: فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَعَنْهُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ: مِنْ الثَّانِي. فَمَا قَبْلَهُ كَدَمِ الْحَامِلِ إنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ: نِفَاسٌ، وَإِنْ زَادَ: فَفَاسِدٌ. وَقِيلَ: بَلْ نِفَاسٌ لَا يُعَدُّ مِنْ غَيْرِ مُدَّةِ الْأَوَّلِ.

فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَوَّلُ مُدَّةِ النِّفَاسِ: مِنْ الْوَضْعِ، إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ وِلَادَتِهَا بِيَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ بِأَمَارَةٍ مِنْ الْمَخَاضِ وَنَحْوِهِ فَلَوْ خَرَجَ بَعْدَ الْوَلَدِ: اُعْتُدَّ بِالْخَارِجِ مَعَهُ مِنْ الْمُدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَخَرَّجَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: أَنَّهُ كَدَمِ الطَّلْقِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَفِي الْفَائِقِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُحَرَّرًا عِنْدَ قَوْلِهِ (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) فَلْيُعَاوَدْ.

الثَّانِيَةُ: يَثْبُتُ حُكْمُ النِّفَاسِ بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَنُصَّ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: وَمُدَّةُ تَبْيِينِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ غَالِبًا: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ. وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ الْعَدَدِ: وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْوَلَدُ: وَاحِدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا. فَلَوْ وَضَعَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً لَا تَخْطِيطَ فِيهَا، لَمْ يَثْبُتْ لَهَا بِذَلِكَ حُكْمُ النِّفَاسِ، نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقُ. وَعَنْهُ يَثْبُتُ بِوَضْعِ مُضْغَةٍ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ وَعَلَقَةٌ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ النُّفَسَاءِ إذَا وَضَعَتْهُ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ مُخْرَجَةٌ مِنْ الْعِدَّةِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى (وَدَمُ السِّقْطِ: نِفَاسٌ دُونَ دُونِهِ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ دَمُ السِّقْطِ نِفَاسٌ دُونَ مَنْ وُضِعَ لِدُونِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا وَقَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَدَمُ السِّقْطِ نِفَاسٌ.

ص: 387