المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَسَمَّيْته " بِالْإِنْصَافِ فِي مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ " وَأَنَا - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ١

[المرداوي]

الفصل: وَسَمَّيْته " بِالْإِنْصَافِ فِي مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ " وَأَنَا

وَسَمَّيْته " بِالْإِنْصَافِ فِي مَعْرِفَةِ الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ " وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَأَنْ يُدْخِلَنَا بِهِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ مُطَالِعَهُ وَكَاتِبَهُ وَالنَّاظِرَ فِيهِ. إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ. {وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] .

[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

[بَاب الْمِيَاه]

كِتَابُ الطَّهَارَةِ بَابُ الْمِيَاهِ فَائِدَةٌ: الطَّهَارَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ. مَعْنًى فِي اللُّغَةِ، وَمَعْنًى فِي الِاصْطِلَاحِ. فَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ الْأَقْذَارِ. قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْأَخْلَاقِ أَيْضًا. وَمَعْنَاهَا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، قِيلَ: رَفْعُ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ. أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ.

قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ. وَلَيْسَ بِجَامِعٍ، لِإِخْرَاجِهِ الْحَجَرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فِي الِاسْتِجْمَارِ، وَدَلْكُ النَّعْلِ، وَذَيْلُ الْمَرْأَةِ عَلَى قَوْلٍ. فَإِنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ يُخْرِجُ ذَلِكَ. وَإِخْرَاجُهُ أَيْضًا نَجَاسَةً تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا. فَإِنَّ زَوَالَهَا طَهَارَةٌ، وَلَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ. وَإِخْرَاجُهُ أَيْضًا الْأَغْسَالَ الْمُسْتَحَبَّةَ، وَالتَّجْدِيدَ، وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ. وَهِيَ طَهَارَةٌ. وَلَا تَمْنَعُ الصَّلَاةَ. وَقَوْلُهُ " بِالْمَاءِ، أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ " فِيهِ تَعْمِيمٌ. فَيَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدِهِمَا بِكَوْنِهِمَا طَهُورَيْنِ.

قَالَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَنَحْوِهَا: بِأَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هِيَ لِرَفْعِ شَيْءٍ، إذْ هِيَ مَصْدَرُ طَهُرَ: وَذَلِكَ يَقْتَضِي رَفْعَ شَيْءٍ. وَإِطْلَاقُ " الطَّهَارَةِ " عَلَى الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَالْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ مَجَازٌ، لِمُشَابَهَتِهِ لِلْوُضُوءِ الرَّافِعِ وَالْغُسْلِ الرَّافِعِ فِي الصُّورَةِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي دَلْكِ النَّعْلِ وَذَيْلِ الْمَرْأَةِ: بِأَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ الطَّهَارَةِ بِذَلِكَ.

كَمَا يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِالطَّهَارَةِ: وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ

ص: 19

بِالتُّرَابِ. وَأَنَّ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الطَّهُورَ مِنْهُمَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِمَا بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ فِي الْمُطْلِعِ: الطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ: ارْتِفَاعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَمَا أَشْبَهَهُ، مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ، بِالْمَاءِ، وَارْتِفَاعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ. فَأَدْخَلَ بِقَوْلِهِ " وَمَا أَشْبَهَهُ " تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ، وَالْأَغْسَالَ الْمُسْتَحَبَّةَ، وَالْغَسْلَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ. وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ. وَفِيهِ إبْهَامٌ مَا. وَقَالَ شَارِحُ الْمُحَرَّرِ: مَعْنَى " الطَّهَارَةِ " فِي الشَّرْعِ مُوَافِقٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. فَلِذَلِكَ نَقُولُ: الطَّهَارَةُ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَمَّا هُوَ مُسْتَقْذَرٌ شَرْعًا، وَهُوَ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ الطِّهَارَاتِ، مُنْعَكِسٌ فِي غَيْرِهَا. ثُمَّ الْمُسْتَقْذَرُ شَرْعًا: إمَّا عَيْنِيٌّ. وَيُسَمَّى نَجَاسَةً، أَوْ حُكْمِيٌّ. وَيُسَمَّى حَدَثًا. فَالتَّطْهِيرُ: إخْلَاءُ الْمَحَلِّ مِنْ الْأَقْذَارِ الشَّرْعِيَّةِ. وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ: أَنَّ حَدَّ الْفُقَهَاءِ لِلطَّهَارَةِ بِرَفْعِ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ، أَوْ إزَالَةُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ وَهُوَ أَجْوَدُ مَا قِيلَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ جَيِّدٍ؛ لِأَنَّ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ لَيْسَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِنْسَانِ، لَا إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْيَانِ. ثُمَّ الْحَدُّ مُتَعَدٍّ. وَالْمَحْدُودُ لَازِمٌ. فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ. وَالْحَدُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُطَابِقًا. لَكِنْ لَوْ فَسَّرَ بِهِ " التَّطْهِيرَ " جَازَ. فَإِنَّهُ بِمَعْنَاهُ، مَعَ طُولِ الْعِبَارَةِ. انْتَهَى.

وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: الطَّهَارَةُ فِي الشَّرْعِ بِمَعْنَيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: ضِدُّ الْوَصْفِ بِالنَّجَاسَةِ. وَهُوَ خُلُوُّ الْمَحَلِّ عَمَّا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِصْحَابِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ. وَيَشْتَرِكُ فِي ذَلِكَ الْبَدَنُ وَغَيْرُهُ. وَالثَّانِي: طَهَارَةُ الْحَدَثِ. وَهِيَ اسْتِعْمَالٌ مَخْصُوصٌ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، يَخْتَصُّ بِالْبَدَنِ، مُشْتَرَطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ: وَهَذِهِ الطَّهَارَةُ يُتَصَوَّرُ قِيَامُهَا مَعَ الطَّهَارَةِ الْأُولَى وَضِدِّهَا، كَبَدَنِ الْمُتَوَضِّئِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَوْ خَلَا عَنْهَا، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: الطَّهَارَةُ اسْتِعْمَالُ الطَّهُورِ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ عَلَى الْوَجْهِ

ص: 20

الْمَشْرُوعِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً، مَعَ أَنَّهُ حَدٌّ لِلتَّطْهِيرِ، لَا لِلطَّهَارَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَحْدُودِ. انْتَهَى. وَقَوْلُهُ " وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً " صَحِيحٌ، إذْ لَوْ قَالَ " اسْتِعْمَالُ الطَّهُورُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ " لَصَحَّ، وَخَلَا عَنْ الزِّيَادَةِ. قَالَ مَنْ شَرَعَ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ صَاحِبُ التَّصْحِيحِ وَفِي حَدِّ الْمُصَنِّفِ خَلَلٌ. وَذَلِكَ: أَنَّ الطَّهُورَ وَالتَّطْهِيرَ، اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ أَجْزَاءِ الرُّسُومِ، مُشْتَقَّانِ مِنْ الطَّهَارَةِ الْمَرْسُومَةِ. وَلَا يُعْرَفُ الْحَدُّ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مُفْرَدَاتِهِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ. فَيَلْزَمُ الدُّورُ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: الطَّهَارَةُ شَرْعًا مَا يَرْفَعُ مَانِعَ الصَّلَاةِ وَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ، لِمَا تَقَدَّمَ. وَقَدَّمَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: أَنَّهَا فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ، أَوْ بَدَلِهِ، فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.

قُلْت: وَهُوَ جَامِعٌ، إلَّا أَنَّ فِيهِ إبْهَامًا. وَهُوَ حَدٌّ لِلتَّطْهِيرِ لَا لِلطَّهَارَةِ. وَقِيلَ: الطَّهَارَةُ ضِدُّ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ. وَقِيلَ: الطَّهَارَةُ عَدَمُ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ شَرْعًا. وَقِيلَ: الطَّهَارَةُ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِعَيْنٍ طَاهِرَةٍ شَرْعًا. وَحَدَّهَا فِي الرِّعَايَةِ بِحَدٍّ، وَقَدَّمَهُ، وَأَدْخَلَ فِيهِ جَمِيعَ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ، وَمَا يُتَطَهَّرُ لَهُ لَكِنَّهُ مُطَوَّلٌ جِدًّا.

قَوْلُهُ (وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ) اعْلَمْ: أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي تَقْسِيمِ الْمَاءِ أَرْبَعَ طُرُقٍ. أَحَدُهَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ: أَنَّ الْمَاءَ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: طَهُورٌ، وَطَاهِرٌ، وَنَجِسٌ. الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: طَاهِرٌ، وَنَجِسٌ. وَالطَّاهِرُ قِسْمَانِ: طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَطَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْخِرَقِيِّ وَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ فِيهِمَا. وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْأُولَى.

ص: 21

الطَّرِيقُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ: طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَنَجِسٌ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ. فَإِنَّ عِنْدَهُ: أَنَّ كُلَّ مَاءٍ طَاهِرٌ، تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا، كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ. الطَّرِيقُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: طَهُورٌ. وَطَاهِرٌ، وَنَجِسٌ. وَمَشْكُوكٌ فِيهِ لِاشْتِبَاهِهِ بِغَيْرِهِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. تَنْبِيهٌ: يَشْمَلُ قَوْلُهُ " وَهُوَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ " مَسَائِلَ كَثِيرَةً يَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ أَكْثَرِهَا عِنْدَ قَوْلِهِ " فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ "

. قَوْلُهُ (وَمَا تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ، أَوْ بِطَاهِرٍ، لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ) أَيْ: صَوْنُ الْمَاءِ عَنْ السَّاقِطِ، قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِهِمْ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا بَأْسَ بِمَا تَغَيَّرَ بِمَقَرِّهِ.

أَوْ بِمَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ. وَقِيلَ: وَيُكْرَهُ فِيهِمَا، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ " لَا يُمْكِنُ صَوْنُهُ عَنْهُ " أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَ صَوْنُهُ عَنْهُ، أَوْ وَضَعَ قَصْدًا: أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ. وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الثَّانِي، فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، أَوْ تَغَيَّرَ تَغَيُّرًا يَسِيرًا

قَوْلُهُ (أَوْ لَا يُخَالِطُهُ كَالْعُودِ وَالْكَافُورِ وَالدُّهْنِ) . صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالطَّهُورِيَّةِ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، مِنْهُمْ: الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شُرُوحِهِمْ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: اخْتَارَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا

ص: 22

طَهُورِيَّتَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هُوَ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَطَهُورٌ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: طَهُورٌ فِي الْأَشْهَرِ. وَقِيلَ: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا غَيَّرَهُ اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفَائِقِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَوْلُ ابْنِ رَزِينٍ " لَا خِلَافَ فِي طَهُورِيَّتِهِ " غَيْرُ مُسَلَّمٍ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَتَبِعَهُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ: إنَّمَا يَكُون طَهُورًا إذَا غَيَّرَ رِيحَهُ فَقَطْ عَلَى تَعْلِيلِهِمْ. فَأَمَّا إذَا غَيَّرَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ فَلَا. ثُمَّ قَالَا: وَالصَّحِيح أَنَّهُ كَسَائِرِ الطَّاهِرَات إذَا غَيَّرَتْ يَسِيرًا. فَإِنْ قُلْنَا: تُؤَثِّرُ ثُمَّ أَثَّرَتْ هُنَا وَإِلَّا فَلَا.

فَائِدَةٌ:

مُرَادُهُ بِالْعُودِ: الْعُودُ الْقَمَارِيُّ.

مَنْسُوبٌ إلَى قِمَارٍ، مَوْضِعٌ بِبِلَادِ الْهِنْدِ.

وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ.

وَمُرَادُهُ بِالْكَافُورِ: قِطَعُ الْكَافُورِ.

بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " أَوْ لَا يُخَالِطُهُ " فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ قِطَعٍ لَخَالَطَ، وَهُوَ وَاضِحٌ.

تَنْبِيهٌ:

صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ: أَنَّ الْعُودَ وَالْكَافُورَ وَالدُّهْنَ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ.

وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَابْنُ عُبَيْدَانِ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: مَكْرُوهٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ، لِلْخِلَافِ فِي طَهُورِيَّتِهِ.

قَوْلُهُ (أَوْ مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ) . صَرَّحَ بِطَهُورِيَّتِهِ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَجُمْهُورُهُمْ جَزَمَ بِهِ، مِنْهُمْ: صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: يَسْلُبُهُ إذَا وُضِعَ قَصْدًا. وَخَرَّجَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ عَلَى التُّرَابِ إذَا

ص: 23

وُضِعَ قَصْدًا. وَصَرَّحَ أَيْضًا: أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ " أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ بِالْمِلْحِ الْمَعْدِنِيِّ: أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ.

اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

فَائِدَةٌ:

حُكْمُ التُّرَابِ إذَا تَغَيَّرَ بِهِ الْمَاءُ حُكْمُ الْمِلْحِ الْبَحْرِيِّ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَكِنْ إنْ ثَخُنَ الْمَاءُ بِوَضْعِ التُّرَابِ فِيهِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ لَمْ تَجُزْ الطَّهَارَةُ بِهِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي قَرِيبًا، بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا مُفَصَّلًا.

قَوْلُهُ (أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ) . صَرَّحَ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، مِنْهُمْ: الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا.

قَالَ الْآجُرِّيُّ فِي النَّصِيحَةِ: يُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ.

يُقَالُ: يُوَرِّثُ الْبَرَصَ. وَقَالَهُ التَّمِيمِيُّ. قَالَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ. قَالَهُ التَّمِيمِيُّ أَيْضًا.

حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْحَاوِي. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الطَّبَقَاتِ: قَرَأْت بِخَطِّ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ رِزْقَ اللَّهِ التَّمِيمِيَّ وَافَقَ جَدَّهُ أَبَا الْحَسَنِ التَّمِيمِيَّ. عَلَى كَرَاهَةِ الْمُسَخَّنِ بِالشَّمْسِ.

فَائِدَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ. فَمَحَلُّهُ: إذَا كَانَ فِي آنِيَةٍ. وَاسْتَعْمَلَهُ فِي

ص: 24

جَسَدِهِ، وَلَوْ فِي طَعَامٍ يَأْكُلُهُ. أَمَّا لَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ مَاءُ الْعُيُونِ وَنَحْوِهَا، لَمْ يُكْرَهْ قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: اتِّفَاقًا. وَحَيْثُ قُلْنَا: يُكْرَهُ، لَمْ تَزُلْ الْكَرَاهَةُ إذَا بَرَدَ عَلَى الصَّحِيحِ. جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقِيلَ: تَزُولُ. وَهُمَا احْتِمَالَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْفُرُوعِ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ بِطَاهِرٍ " عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، وَلَوْ اشْتَدَّ حَرُّهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ.، وَالْمَذْهَبُ: الْكَرَاهَةُ إذَا اشْتَدَّ حَرُّهُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَفَسَّرَ فِي الرِّعَايَةِ النَّصَّ مِنْ عِنْدِهِ بِذَلِكَ، قُلْت: وَهُوَ مُرَادُ النَّصِّ قَطْعًا. وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجْزِيَهُ مَعَ شِدَّةِ حَرِّهِ.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ " فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ.

يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ، وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ " قَدْ تَقَدَّمَ خِلَافٌ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ: هَلْ هُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، أَوْ طَاهِرٌ فَقَطْ؟ .

فَائِدَةٌ:

الْأَحْدَاثُ: جَمْعُ حَدَثٍ. وَالْحَدَثُ: مَا أَوْجَبَ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا، قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْحَدَثُ وَالْأَحْدَاثُ. مَا اقْتَضَى وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا، أَوْ اسْتِنْجَاءً أَوْ اسْتِجْمَارًا، أَوْ مَسْحًا، أَوْ تَيَمُّمًا، قَصْدًا. كَوَطْءٍ وَبَوْلِ وَنَجْوٍ وَنَحْوِهَا غَالِبًا، أَوْ اتِّفَاقًا كَحَيْضٍ، وَنِفَاسٍ، وَاسْتِحَاضَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَاحْتِلَامِ نَائِمٍ، وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ، وَخُرُوجِ رِيحٍ مِنْهُمْ غَالِبًا. فَالْحَدَثُ لَيْسَ نَجَاسَةً. لِأَنَّهُ مَعْنًى، وَلَيْسَ عَيْنًا. فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِ الْحَدَثِ.

وَ " الْمُحْدِثُ " مَنْ لَزِمَهُ لِصَلَاةٍ وَنَحْوِهَا وُضُوءٌ أَوْ غُسْلٌ أَوْ هُمَا، أَوْ اسْتِنْجَاءٌ، أَوْ اسْتِجْمَارٌ، أَوْ مَسْحٌ، أَوْ تَيَمُّمٌ، أَوْ اُسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ، لِدُخُولِ التَّجْدِيدِ وَالْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ. فَكُلُّ مُحْدِثٍ لَيْسَ نَجِسًا وَلَا طَاهِرًا شَرْعًا. وَ " الطَّاهِرُ " ضِدُّ النَّجِسِ وَالْمُحْدِثِ. وَقِيَاسٌ: بَلْ عَدَمُهُمَا شَرْعًا.

ص: 25

وَأَمَّا الْأَنْجَاسُ: فَجَمْعُ نَجَسٍ. وَحَدُّهُ فِي الِاصْطِلَاحِ: كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مَعَ إمْكَانِهِ، لَا لِحُرْمَتِهَا، وَلَا لِاسْتِقْذَارِهَا، وَلَا لِضَرَرٍ بِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ. قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: النَّجَسُ كُلُّ نَجَاسَةٍ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا، وَكُلُّ طَاهِرٍ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُنَجِّسُهُ، قَصْدًا أَوْ اتِّفَاقًا، مَعَ بَلَلِ أَحَدِهِمَا أَوْ هُمَا. أَوْ تَغَيُّرُ صِفَتِهِ الْمُبَاحَةِ بِضِدِّهَا، كَانْقِلَابِ الْعَصِيرِ بِنَفْسِهِ خَمْرًا، أَوْ مَوْتِ مَا يُنَجِّسُ بِمَوْتِهِ. فَيُنَجَّسُ بِنَجَاسَتِهِ. فَهُوَ نَجِسٌ وَمُتَنَجِّسٌ. فَكُلُّ نَجَاسَةٍ نَجَسٌ. وَلَيْسَ كُلُّ نَجَسٍ نَجَاسَةً. وَالْمُتَنَجِّسُ نَجُسَ بِالتَّنَجُّسِ. وَالْمُنَجَّسُ نَجُسَ بِالتَّنْجِيسِ. وَأَمَّا النَّجَاسَةُ، فَقِسْمَانِ: عَيْنِيَّةٌ، وَحُكْمِيَّةٌ. فَالْعَيْنِيَّةُ: لَا تَطْهُرُ بِغَسْلِهَا بِحَالٍ. وَهِيَ كُلُّ عَيْنٍ جَامِدَةٍ، يَابِسَةٍ، أَوْ رَطْبَةٍ. أَوْ مَائِعَةٍ، يَمْنَعُ مِنْهَا الشَّرْعُ بِلَا ضَرُورَةٍ، لَا لِأَذًى فِيهَا طَبْعًا، وَلَا لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ شَرْعًا، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ: وَقِيلَ كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا مُطْلَقًا مَعَ إمْكَانِهِ، لَا لِحُرْمَتِهَا: أَوْ اسْتِقْذَارِهَا وَضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ. وَالْحُكْمِيَّةُ: تَزُولُ بِغَسْلِ مَحِلِّهَا. وَهِيَ كُلُّ صِفَةٍ طَهَارِيَّةٍ مَمْنُوعَةٍ شَرْعًا بِالضَّرُورَةِ، لَا لِأَذًى فِيهَا طَبْعًا، وَلَا لِحَقِّ اللَّهِ أَوْ غَيْرِهِ شَرْعًا. تَحْصُلُ بِاتِّصَالِ نَجَاسَةٍ أَوْ نَجِسٍ بِطَهُورٍ أَوْ طَاهِرٍ، قَصْدًا مَعَ بَلَلِ أَحَدِهِمَا أَوْ هُمَا، وَهُوَ التَّنْجِيسُ أَوْ التَّنْجِيسُ اتِّفَاقًا، مِنْ نَائِمٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ طِفْلٍ أَوْ طِفْلَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ. أَوْ لِتَغَيُّرِ صِفَةِ الطَّاهِرِ بِنَفْسِهِ، كَانْقِلَابِ الْعَصِيرِ خَمْرًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَيَأْتِي: هَلْ نَجَاسَةُ الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ عَيْنِيَّةٌ أَوْ حُكْمِيَّةٌ؟ فِي فَصْلِ التَّنْجِيسِ. وَقِيلَ " النَّجَاسَةُ " لُغَةً: مَا يَسْتَقْذِرُهُ الطَّبْعُ السَّلِيمُ. وَشَرْعًا: عَيْنٌ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِحَمْلِ جِنْسِهَا فِيهَا. وَإِذَا اتَّصَلَ بِهَا بَلَلٌ تَعَدَّى حُكْمُهَا إلَيْهِ. وَقِيلَ " النَّجَاسَةُ " صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِعَيْنٍ نَجِسَةٍ.

تَنْبِيهٌ: يَشْمَلُ قَوْلُهُ " فَهَذَا كُلُّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ، يَرْفَعُ الْأَحْدَاثَ، وَيُزِيلُ الْأَنْجَاسَ، غَيْرُ مَكْرُوهِ الِاسْتِعْمَالِ " مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. وَعَدَمُ ذِكْرِهِ مَا فِي كَرَاهَتِهِ خِلَافٌ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.

ص: 26

فَمَا دَخَلَ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: مَاءُ زَمْزَمَ، وَهُوَ تَارَةً يُسْتَعْمَلُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَتَارَةً فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، وَتَارَةً فِي غَيْرِهِمَا. فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. كُرِهَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْمُنَوِّرِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ. وَقَالَ النَّاظِمُ: وَيُكْرَهُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ فِي الْأُولَى. وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَمَاءُ زَمْزَمَ كَغَيْرِهِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْغُسْلُ مِنْهَا. فَظَاهِرُهُ: أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ كَالطَّهَارَةِ بِهِ. فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ قَوْلٌ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَيَحْتَمِلُهُ الْقَوْلُ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ فِي النَّظْمِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ فِي مُصَنَّفِهِ: وَلَا يُكْرَهُ مَاءُ زَمْزَمَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ، فَهَلْ يُبَاحُ أَوْ يُكْرَهُ الْغُسْلُ وَحْدَهُ؟ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ. وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَوْ يَحْرُمُ، أَوْ يَحْرُمُ حَيْثُ يَنْجُسُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَقَالَ: هَذَا أَوْلَى، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَصَحَّحَهُ فِي نَظْمِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي الْمُنْتَقَى. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ [وَقَالَ: نُصَّ عَلَيْهِ] وَابْنُ رَزِينٍ. وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ الْغُسْلُ وَحْدَهُ. اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَاسْتَحَبَّ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي مَنْسَكِهِ الْوُضُوءَ مِنْهُ. [وَقِيلَ يَحْرُمُ مُطْلَقًا]

ص: 27

وَحَرَّمَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَيْضًا رَفْعَ الْحَدَثِ بِهِ حَيْثُ تَنَجَّسَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ تَعْظِيمُهُ. وَقَدْ زَالَ بِنَجَاسَتِهِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ سَبَبَ النَّهْيِ اخْتِيَارُ الْوَاقِفِ وَشَرْطُهُ. فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيمَا لَوْ سَبَّلَ مَاءً لِلشُّرْبِ، هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَمْ يَحْرُمُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، ذَكَرَهُمَا ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهَا، وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْهُ: فَمُسْتَحَبٌّ. وَيَأْتِي فِي صِفَةِ الْحَجِّ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: جَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.

وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَأَمَّا رَشُّ الطَّرِيقِ وَجَبَلِ التُّرَابِ الطَّاهِرِ وَنَحْوِهِ، فَقِيلَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

وَمِنْهَا: مَاءُ الْحَمَّامِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: إبَاحَةُ اسْتِعْمَالِهِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ، وَظَاهِرُ نَقْلِ الْأَثْرَمِ لَا تُجْزِئُ الطَّهَارَةُ بِهِ. فَإِنَّهُ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُجَدِّدَ مَاءً غَيْرِهِ.

وَنُقِلَ عَنْهُ: يَغْتَسِلُ مِنْ الْأُنْبُوبَةِ وَيَأْتِي فِي فَصْلِ النَّجَسِ، هَلْ مَاءُ الْحَمَّامِ كَالْجَارِي، أَوْ إذَا فَاضَ مِنْ الْحَوْضِ؟

وَمِنْهَا: مَاءُ آبَارِ ثَمُودَ.

فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ: إبَاحَتُهُ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَلَا وَجْهَ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَى إبَاحَتِهِ مَعَ هَذَا الْخَبَرِ وَنَصِّ أَحْمَدَ. ذَكَرَ النَّصَّ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ.

وَمِنْهَا: الْمُسَخَّنُ بِالْمَغْصُوبِ. وَفِي كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِهِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَهُمَا وَجْهَانِ مُطْلَقَانِ فِي الْحَاوِيَيْنِ. إحْدَاهُمَا: يُكْرَهُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ النَّاظِمُ.، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَخَبِ [وَالْوَجِيزِ] وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَصِحُّ بِهِ.

ص: 28

وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ: تَصِحُّ وَتُكْرَهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِهِ صَحِيحَةٌ، مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَإِنَّمَا عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ، وَهُوَ الْغَصْبُ.

وَمِنْهَا كَرَاهَةُ الطَّهَارَةِ مِنْ بِئْرٍ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَهُ [ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ] وَالسَّامِرِيُّ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ فِي رِعَايَتِهِ. وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى كَرَاهَتِهِ. وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى عُمُومِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ، فَهَلْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَاعْلَمْ: أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طُرُقًا.

إحْدَاهَا وَهِيَ أَصَحُّهَا: أَنَّ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَقَطَعَ بِهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالرِّوَايَتَيْنِ: الْكَرَاهَةُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَصَحِيحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُكْرَهُ الْمُسَخَّنُ بِالنَّجَاسَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَإِنْ سُخِّنَ، بِنَجَاسَةٍ كُرِهَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُ.

قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا الْأَشْهَرُ، وَهُوَ مِنْهَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يُكْرَهُ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَوْ سُخِّنَ بِنَجَاسَةٍ لَا تَصِلُ لَمْ يُكْرَهْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ.

ص: 29

قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: وَفِي كَرَاهَةِ مُسَخَّنٍ بِنَجَاسَةٍ رِوَايَةٌ.، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ: اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَإِنْ ظَنَّ وُصُولَ النَّجَاسَةِ كُرِهَ، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ وُصُولِهَا لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ تَرَدَّدَ: فَالرِّوَايَتَانِ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْفُرُوعِ. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: إنْ احْتَمَلَ وُصُولَهَا إلَيْهِ: كُرِهَ قَوْلًا وَاحِدًا.، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ، فَرِوَايَتَانِ. وَمَحَلُّ هَذَا الْمَاءُ الْيَسِيرُ. فَأَمَّا الْكَثِيرُ: فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا. وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ، وَشَارِحِ الْمُحَرَّرِ. الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةُ: إنْ احْتَمَلَ، وَاحْتَمَلَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ: فَالرِّوَايَتَانِ. وَحَمَلَ ابْنُ مُنَجَّا كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. وَهُوَ بَعِيدٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لَمْ يُكْرَهْ. وَإِنْ كَانَ حَصِينًا لَمْ يُكْرَهْ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ يَسِيرًا، وَيُعْلَمُ عَدَمَ وُصُولِ النَّجَاسَةِ لَمْ يُكْرَهْ. وَفِيهِ وَجْهٌ يُكْرَهُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ: إنْ لَمْ يَعْلَمْ وُصُولَهَا إلَيْهِ، وَالْحَائِلُ غَيْرُ حَصِينٍ: لَمْ يُكْرَهْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ حَصِينًا: لَمْ يُكْرَهْ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. الطَّرِيقَةُ السَّادِسَةُ: الْمُسَخَّنُ بِهَا قِسْمَانِ. أَحَدُهَا: إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ وُصُولِهَا إلَيْهِ، فَوَجْهَانِ: الْكَرَاهَةُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي، وَهُوَ أَشْبَهُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ. وَعَدَمُهَا: اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ عَقِيلٍ. وَالثَّانِي: مَا عَدَا ذَلِكَ، فَرِوَايَتَانِ: الْكَرَاهَةُ، ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَدَمُهَا: اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الشَّارِحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ.

الطَّرِيقَةُ السَّابِعَةُ: الْمُسَخَّنُ بِهَا أَيْضًا قِسْمَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ وُصُولُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إلَى الْمَاءِ، وَالْحَائِلُ غَيْرُ حَصِينٍ، فَيُكْرَهُ. وَالثَّانِي: إذَا كَانَ حَصِينًا فَوَجْهَانِ: الْكَرَاهَةُ، اخْتِيَارُ الْقَاضِي. وَعَدَمُهَا: اخْتِيَارُ الشَّرِيفِ وَابْنِ عَقِيلٍ.

ص: 30

وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبِ الْحَاوِي الْكَبِيرِ. الطَّرِيقَةُ الثَّامِنَةُ: إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُهَا فَرِوَايَتَانِ، الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا، وَإِنْ تَحَقَّقَ وُصُولُهَا: فَنَجَسٌ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. الطَّرِيقَةُ التَّاسِعَةُ: إنْ احْتَمَلَ وُصُولُهَا إلَيْهِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ: كُرِهَ فِي رِوَايَةٍ مُقَدَّمَةٍ. وَفِي الْأُخْرَى: لَا يُكْرَهُ. وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ لَا تَصِلُ إلَيْهِ غَالِبًا، فَوَجْهَانِ: الْكَرَاهَةُ وَعَدَمُهَا. وَهِيَ طَرِيقُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي. الطَّرِيقَةُ الْعَاشِرَةُ: إنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ إلَيْهِ غَالِبًا، فَفِي الْكَرَاهَةِ رِوَايَتَانِ. وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْهَادِي. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُصُولُ الدُّخَانِ، فَفِي الْكَرَاهَةِ وَجْهَانِ، أَشْهَرُهُمَا: لَا يُكْرَهُ. الطَّرِيقَةُ الْحَادِيَةَ عَشَرَ: إنْ اُحْتُمِلَ وُصُولُهَا إلَيْهِ ظَاهِرًا كُرِهَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَوَجْهَانِ، وَإِنْ لَمْ يُحْتَمَلْ لَمْ يُكْرَهْ، عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ بِحَالٍ. وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ تَمِيمٍ فِي مُخْتَصَرِهِ. الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ: الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا فِي رِوَايَةٍ مُقَدَّمَةٍ. وَعَدَمُهَا مُطْلَقًا فِي أُخْرَى. وَقِيلَ: إنْ كَانَ حَائِلُهُ حَصِينًا لَمْ يُكْرَهْ. وَإِلَّا كُرِهَ إنْ قَلَّ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةَ عَشَرَ: إنْ كَانَتْ لَا تَصِلُ إلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: مَعَ وَثَاقَةِ الْحَائِلِ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْفَائِقِ. الطَّرِيقَةُ الرَّابِعَةَ عَشَرَ: يُكْرَهُ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ إنْ بَرَدَ. وَقِيلَ: وَإِنْ قَلَّ الْمَاءُ وَحَائِلَةُ غَيْرُ حَصِينٍ كُرِهَ. وَقِيلَ: غَالِبًا. وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ، وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهَا إلَيْهِ: نَجُسَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. فَهَذِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ طَرِيقَةً. وَلَا تَخْلُو مِنْ تَكْرَارٍ وَبَعْضِ تَدَاخُلٍ.

ص: 31

فَوَائِدُ

إحْدَاهُنَّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُسَخَّنِ بِالنَّجَاسَةِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ. فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ، وَكَذَا الْمُشَمَّسُ إذَا قِيلَ بِالْكَرَاهَةِ. قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ أَيْضًا: لِلْكَرَاهَةِ مَأْخَذَانِ. أَحَدُهُمَا: احْتِمَالُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ. وَالثَّانِي: سَبَبُ الْكَرَاهَةِ: كَوْنُهُ سُخِّنَ بِإِيقَادِ النَّجَاسَةِ، وَاسْتِعْمَالُ النَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ.

وَالْحَاصِلُ بِالْمَكْرُوهِ مَكْرُوهٌ. الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ إيقَادَ النَّجَسِ لَا يَجُوزُ: كَدُهْنِ الْمَيْتَةِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. ذَكَرَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ عُبَيْدَانَ وَقَدَّمَهُ، ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: وَيَجُوزُ فِي الْأَقْيَسِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الثَّانِيَةِ: يُعْتَبَرُ أَنْ لَا يُنَجِّسَ.

وَقِيلَ: مَائِعًا وَيَأْتِي فِي الْآنِيَةِ: هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ النَّجَاسَةِ؟ وَيَأْتِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. فِي كِتَابِ الْبَيْعِ. الثَّالِثَةُ: إذَا وَصَلَ دُخَانُ النَّجَاسَةِ إلَى شَيْءٍ. فَهَلْ هُوَ كَوُصُولِ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِحَالَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ. ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَالْمَذْهَبُ لَا يَطْهُرُ.

قَوْلُهُ (فَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ: لَوْنَهُ، أَوْ طَعْمَهُ، أَوْ رِيحَهُ) . فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. إحْدَاهُمَا: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ.

فَيَصِيرُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ. قَالَ الْقَاضِي: هِيَ الْمَنْصُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْخِلَافِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هُوَ غَيْرُ طَهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمَذْهَبِ

ص: 32

الْأَحْمَدِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: نَقَلَهَا الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْأَشْهَرُ نَقْلًا، وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَقَدَّمَهَا. وَعَنْهُ أَنَّهُ طَهُورٌ مَعَ عَدَمِ طَهُورِ غَيْرِهِ، اخْتَارَهَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ رَابِعَةٌ: طَهُورِيَّةُ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَعْرُوفُ بِكَيْتَلَةَ فِي كِتَابِهِ الْمُهِمِّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: سَمِعْت شَيْخِي مُحَمَّدَ بْنَ تَمِيمٍ الْحَرَّانِيَّ. قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُنِيرِ، فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، رِوَايَةً فِي طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ الْمَغْلِيِّ.

ذَكَرَهُ ابْنُ خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: مَا أُضِيفَ إلَى مَا خَالَطَهُ وَغَلَبَتْ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاءِ، كَلَبَنٍ، وَخَلٍّ، وَمَاءِ بَاقِلَاءٍ مَغْلِيٍّ، لَمْ يَجُزْ التَّوَضُّؤُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. قَالَ: وَأَظُنُّ الْجَوَازَ سَهْوًا.

تَنْبِيهٌ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَغَيَّرَ صِفَتَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ، مَعَ بَقَاءِ الرِّقَّةِ وَالْجَرَيَانِ وَالِاسْمِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى. وَعَلَى رِوَايَةٍ: أَنَّهُ طَهُورٌ هُنَاكَ، فَالصَّحِيحُ هُنَا: أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَوَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الْمَنْعُ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ فِي نِهَايَتِهِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تَغَيُّرُ الصِّفَتَيْنِ كَتَغَيُّرِ الصِّفَةِ فِي الْحُكْمِ. وَتَغَيُّرُ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ عِنْدَهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً.

وَعِنْدَ الْقَاضِي: تَغَيُّرُ الصِّفَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ كَتَغَيُّرِ الصِّفَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُكْمِ، مَعَ بَقَاءِ الرِّقَّةِ وَالْجَرَيَانِ وَالِاسْمِ. وَأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي ذَلِكَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ فِي تَعْلِيقِهِ. وَقَالَ: قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هِيَ أَقْعَدُ بِكَلَامِ أَحْمَدَ مِنْ قَوْلِ أَبِي الْخَطَّابِ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِالْمُتَغَيِّرِ بِالطَّاهِرَاتِ. وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ وَغَيْرِهِ. أَنَّ تَغَيُّرَ جَمِيعِ الصِّفَاتِ بِمَقَرِّهِ لَا يَضُرُّهُ.

ص: 33

فَائِدَةٌ: تَغَيُّرُ كَثِيرٍ مِنْ الصِّفَةِ كَتَغَيُّرِ صِفَةٍ كَامِلَةٍ. وَأَمَّا تَغَيُّرُ يَسِيرٍ مِنْ الصِّفَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: هُوَ كَتَغَيُّرِ صِفَةٍ كَامِلَةٍ.

اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْمُنَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَصَحَّحَهُ شَيْخُنَا فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ. وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي: أَنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ: اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى السَّلْبِ بِالْيَسِيرِ فِي الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ. وَقَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ فِي الرِّيحِ أَيْضًا. انْتَهَى.

وَقِيلَ: الْخِلَافُ رِوَايَتَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَقِيلَ: يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ الرَّائِحَةِ دُونَ غَيْرِهَا. وَاخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ.

تَنْبِيهَانِ

الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُغَيِّرُ لِلْمَاءِ تُرَابًا، أُوضِعَ قَصْدًا: أَنَّهُ كَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّهُ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إنْ وَضَعَ تِلْكَ قَصْدًا لَا يَضُرُّ، وَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، مَا لَمْ يَصِرْ طِينًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُصُولِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالتَّسْهِيلِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَبِهِ قَطَعَ الْعَامَّةُ، قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا تَغَيَّرَ بِالْمِلْحِ الْمَائِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى مِنْ عِنْدِهِ: إنْ صَفَا الْمَاءُ مِنْ التُّرَابِ فَطَهُورٌ، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، قُلْت: أَمَّا إذَا صَفَا الْمَاءُ مِنْ التُّرَابِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي طَهُورِيَّتِهِ نِزَاعٌ فِي الْمَذْهَبِ، الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: إذَا وَضَعَ مَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ قَصْدًا.

ص: 34

أَوْ كَانَ الْمُخَالِطُ مِمَّا لَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ. أَمَّا مَا يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ إذَا وُضِعَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ أَوَّلَ الْبَابِ.

قَوْلُهُ (أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ) . فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ، وَنِهَايَةِ ابْنِ رَزِينٍ. إحْدَاهُمَا: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. فَيَصِيرُ طَاهِرًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَالْخِصَالِ لِلْقَاضِي وَالْمُبْهِجِ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّاءِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْهَادِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالنَّاظِمُ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهَبِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَشْهَرُهُمَا زَوَالُ الطَّهُورِيَّةِ.

قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ.

قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: يَكُونُ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهِّرٍ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ خَطِيبٍ السَّلَامِيَّةُ فِي تَعْلِيقِهِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَيْهَا جَادَّةُ الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. ثُمَّ قَالَ: قُلْت وَلَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ نَصًّا ظَاهِرًا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ.

انْتَهَى.

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: يُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ مَسْحِهِ، وَقُلْنَا يُجْزِئُ. فَإِنَّهُ يَكُونُ طَهُورًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ. قَالَ: لِأَنَّ الْغُسْلَ مَكْرُوهٌ. فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا. فَيُعَايَى بِهَا، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ طَهُورٌ.

قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: سَمِعْت شَيْخَنَا يَعْنِي

ص: 35

صَاحِبَ الشَّرْحِ يَمِيلُ إلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ.

وَرَجَّحَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ، وَصَحَّحَهُمَا ابْنُ رَزِينٍ، وَاخْتَارَهَا أَبُو الْبَقَاءِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قُلْت: وَهُوَ أَقْوَى فِي النَّظَرِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي ثَوْبِ الْمُتَطَهِّرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَفِيهِ بُعْدٌ. فَعَلَيْهَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ بِالْعَفْوِ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ. مِنْهُمْ الْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ. وَلَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ، صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُمْ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَرَجِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ طَهُورٌ فِي إزَالَةِ الْخَبَثِ فَقَطْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقِيلَ: يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ دُونَ ابْتِدَائِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي انْتِصَارِهِ، فِي جُمْلَةِ حَدِيثِ «مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ» أَنَّهُ كَانَ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَحَكَى شَيْخُنَا رِوَايَةً بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ قُلْنَا بِطَهَارَتِهِ فِي غَيْرِهِ. الثَّانِي: اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي إثْبَاتِ رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ. فَأَثْبَتَهَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافِهِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْبَقَاءِ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَلَيْسَتْ فِي الْمُغْنِي. وَنَفَاهَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْ كَلَامِ أَحْمَدَ وَتَأَوَّلَاهَا. وَرَدَّ عَلَيْهِمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.

الثَّالِثُ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْخِلَافَ: مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. فَأَمَّا إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا: فَهُوَ طَهُورٌ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ: الْإِطْلَاقُ كَالْمُصَنِّفِ. وَإِنَّمَا أَرَادُوا فِي الْغَالِبِ.

ص: 36

وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ: هَلْ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلِ جَنَابَةِ الذِّمِّيَّةِ أَوْ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا طَاهِرٌ أَوْ طَهُورٌ؟ وَيَأْتِي فِي بَابِ الْوُضُوءِ: هَلْ يَجِبُ نِيَّةٌ لِغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ؟ قَوْلُهُ (أَوْ طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ) . فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، يَعْنِي إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ مَشْرُوعَةٍ، وَقُلْنَا: إنَّ الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ تُسْلَبُ طَهُورِيَّتُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ، وَخِصَالِ ابْنِ الْبَنَّا، وَالْمُبْهِجِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالْهَادِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: أَظْهَرُهُمَا طَهُورِيَّتُهُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: طَهُورٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا أَبُو الْبَرَكَاتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّسْهِيلِ، وَالْمُجَرَّدِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ.

تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ غَيْرِ مَشْرُوعَةٍ: أَنَّهُ طَهُورٌ بِلَا نِزَاعٍ. وَهُوَ كَذَلِكَ. وَمِثْلُهُ الْغَسْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ. صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَكَذَا مَا انْفَصَلَ مِنْ غَسْلَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ طَهَارَةِ مَحَلِّهَا. وَفِي الْأَصَحِّ: كُلُّ غَسْلَةٍ فِي وُجُوبِهَا خِلَافٌ

ص: 37

كَالثَّامِنَةِ فِي غَسْلِ الْوُلُوغِ، وَالرَّابِعَةِ فِي غَسْلِ نَجَاسَةِ غَيْرِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: تُجْزِئُ الثَّلَاثُ. وَعَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مُنْقِيَةٍ، إنْ قُلْنَا: تُجْزِئُ. انْتَهَى.

قَوْلُهُ (أَوْ غَمَسَ فِيهِ يَدَهُ قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا، فَهَلْ يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ وَغَيْرِهِمْ. إحْدَاهُمَا: يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.

قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الْمَنْصُوصُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الْأَوْلَى أَنَّ مَا غُمِسَ فِيهِ كَفُّهُ طَاهِرٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالنَّاظِمُ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالنَّاظِمُ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَعَنْهُ أَنَّهُ نَجِسٌ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ. وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ أَيْضًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّبِّ مِنْهُ، بَلْ عَلَى الِاغْتِرَافِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ، وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِفِيهِ وَيَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَيَمَّمَ وَتَرَكَهُ. قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا.

تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْمَاءُ الَّذِي غَمَسَ يَدَهُ فِيهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. أَمَّا إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ: فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْغَمْسُ شَيْئًا، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَهُوَ وَاضِحٌ.

ص: 38

الثَّانِي: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ: أَنَّ الْخِلَافَ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا إذَا قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ. فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْخِلَافَ هُنَا وَهُنَاكَ. فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْغَسْلِ: أَثَّرَ فِي الْمَاءِ مَنْعًا، وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ: فَلَا، وَقَطَعَ بِهَذَا فِي الْفُصُولِ، وَالْكَافِي، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. قَالَ الشَّارِحُ: وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ: أَنَّا إنْ قُلْنَا " غَسْلُهُمَا وَاجِبٌ " فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، وَإِنْ قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ: فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ. وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: فَأَمَّا الْمُسْتَعْمَلُ فِي تَعَبُّدٍ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ، كَغَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ، فَإِنْ قُلْنَا " لَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ " لَمْ يُؤَثِّرْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَاءِ. وَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ طَاهِرٌ، غَيْرُ مُطَهِّرٍ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُتَبَرَّدَ بِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَإِنْ غَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يُوجِبْ غَسْلَهَا: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا شَيْئًا. وَمَنْ أَوْجَبَهُ، قَالَ: إنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُؤَثِّرْ. وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا، فَقَالَ أَحْمَدُ: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يُهْرِيقَهُ. فَيَحْتَمِلُ وُجُوبَ إرَاقَتِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَزُولَ طَهُورِيَّتُهُ. وَمَالَ إلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: إنْ قُلْنَا " غَسْلُهُمَا سُنَّةٌ " فَهَلْ يُؤَثِّرُ الْغَمْسُ؟ يَخْرُجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَإِنْ غَمَسَ قَائِمٌ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ يَدَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا، وَقُلْنَا بِوُجُوبِ غَسْلِهَا: زَالَتْ طَهُورِيَّتُهُ. فَأَنَاطَ الْحُكْمَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ غَسْلِهَا.

وَقَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: إذَا غَمَسَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا. وَكَذَا إنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَالْمَاءُ كَثِيرٌ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا كُرِهَ الْوُضُوءُ.

لِأَنَّ النَّهْيَ يُفِيدُ مَنْعًا. وَإِلَّا فَطَهُورِيَّتُهُ بَاقِيَةٌ. وَقِيلَ: النَّهْيُ تَعَبُّدٌ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ شَيْئًا. وَقِيلَ: يَسْلُبُ طَهُورِيَّتَهُ بِهِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ مَا قُلْنَا. انْتَهَى.

ص: 39

وَقِيلَ: الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقِيلَ: إنْ وَجَبَ غَسْلُهُمَا: فَطَاهِرٌ بِانْفِصَالِهِ، لَا بِغَمْسِهِ فِي الْأَقْيَسِ. وَلَا يَحْصُلُ غَسْلُ يَدِهِ فِي الْمَذْهَبِ. فَإِنْ سُنَّ غَسْلُهُمَا فَطَهُورٌ. انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. فَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ عَنْ غَسْلِ الْيَدِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ: فَهُوَ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ، إنْ قُلْنَا: هُوَ وَاجِبٌ، وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ سُنَّةٌ، خَرَجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا اُسْتُعْمِلَ فِي طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ. فَأَنَاطَ الْحُكْمَ بِالْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ مِنْ غَسْلِهِمَا.

الثَّالِثُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " أَوْ غَمَسَ يَدَهُ " أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ غَمْسٍ: أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. الْأَوْلَى أَنَّهُ طَهُورٌ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ كَغَمْسِ يَدِهِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَدَّمَهُ فِي الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ. الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " يَدَهُ " أَنَّهُ لَوْ غَمَسَ عُضْوًا غَيْرَ يَدِهِ: أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ [قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَسْلُهُمَا تَعَبُّدٌ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ غَمْسُ غَيْرِ كَفَّيْهِ شَيْئًا] .

الْخَامِسُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " يَدَهُ " أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا غَمْسُ جَمِيعِهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا. وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: غَمْسُ بَعْضِهَا كَغَمْسِهَا كُلِّهَا، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي

ص: 40

وَالْإِفَادَاتِ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَالْفُصُولِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ. السَّادِسُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ " أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْدَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ مَا زَادَ عَلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: بَلْ مِنْ نَوْمِ أَكْثَرِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ.

السَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ " أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا إذَا كَانَ قَائِمًا مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. وَعَنْهُ حُكْمُ نَوْمِ النَّهَارِ حُكْمُ نَوْمِ اللَّيْلِ.

الثَّامِنُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ: وَلَوْ كَانَ الْغَامِسُ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا: أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ فِي الْغَمْسِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِغَمْسِهِمْ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَإِلَيْهِ مَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ.، وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهُمْ، فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، أَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. التَّاسِعُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا: وَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ فِي جِرَابٍ أَوْ مَكْتُوفَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: فَهُوَ كَغَيْرِهِ. وَقِيلَ:

ص: 41

عَلَى رِوَايَةٍ الْوُجُوبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا.

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ. الْعَاشِرُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " قَبْلَ غَسْلِهَا ثَلَاثًا " أَنَّهُ يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا بَعْدَ غَسْلِهَا مَرَّةً، أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةُ الصُّغْرَى، وَغَيْرُهُمْ؛ لِاقْتِصَارِهِمْ عَلَيْهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ: وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُمَا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَا يُؤَثِّرُ الْغَمْسُ بَعْدَ ذَلِكَ.

الْحَادِيَ عَشَرَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا: أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ نِيَّةِ غَسْلِهَا أَوْ بَعْدَهُ. وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا. وَقَالَ الْقَاضِي: وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُؤَثِّرَ إلَّا بَعْدَ النِّيَّةِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَعِنْدِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ الْغَمْسُ بَعْدَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَقَطْ.

فَوَائِدُ الْأُولَى: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ [طَاهِرٌ] غَيْرُ مُطَهِّرٍ: إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ: اسْتَعْمَلَهُ وَتَيَمَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لِاحْتِمَالِ طَهُورِيَّتِهِ، وَتَيَمَّمَ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ فِي وَجْهٍ: فَيَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ. وَقِيلَ: وَالنَّجَاسَةُ. انْتَهَى: وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَجِبُ إرَاقَتُهُ، فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ، صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي شُرْبٍ وَغَيْرِهِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ. وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَصَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ.

الثَّالِثَةُ: لَا يُؤَثِّرُ غَمْسُهَا فِي مَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.

ص: 42

قُلْت: فَيُعَايَى بِهَا. وَقِيلَ: يُؤَثِّرُ وَبَقِيَّةُ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ ".

الرَّابِعَةُ: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَمَا قَلَّ وَغَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ مِنْ الْمَذْيِ دُونَهُ وَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ طَهُورٌ. وَعَنْهُ: طَاهِرٌ.

وَقِيلَ: الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِهِمَا كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ. انْتَهَى.

وَجَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَيَأْتِي عَدَدُ الْغَسَلَاتِ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ نَوَى جُنُبٌ بِانْغِمَاسِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ رَاكِدٍ رَفْعَ حَدَثِهِ: لَمْ يَرْتَفِعْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَعْرُوفُ، وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نُصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: لَا. وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُنْفَصِلُ عَنْ الْعُضْوِ لَوْ غُسِلَ ذَلِكَ الْعُضْوُ بِمَائِعٍ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ أَثَّرَ: أَثَّرَ هُنَا.

فَعَلَى الْمَنْصُوصِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جَزْءٍ انْفَصَلَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالشَّرْحِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ. قَالَ فِي الصُّغْرَى: وَهُوَ أَظْهَرُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ أَشْهَرُ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. وَقِيلَ: يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِأَوَّلِ جُزْءٍ لَاقَاهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالتَّلْخِيصِ. وَقَالَ: عَلَى الْمَنْصُوصِ، وَحَكَى الْأَوَّلَ احْتِمَالًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنِ تَمِيمٍ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْتَفِعَ حَدَثُهُ إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ عَمَّا غَمَسَهُ كُلَّهُ وَهُوَ أَوْلَى. انْتَهَى.

وَالِاحْتِمَالُ لِلشِّيرَازِيِّ. السَّادِسَةُ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ نَوَى بَعْدَ غَمْسِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.

ص: 43

وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ فِي الْحَاوِي، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ أَوَّلِ جُزْءٍ يَرْتَفِعُ مِنْهُ. فَيَحْصُلُ غَسْلُ مَا سِوَاهُ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ. فَلَا يَجْزِيهِ. وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ هُنَا عَقِيبَ نِيَّتِهِ، اخْتَارَهُ الْمَجْدُ. قَالَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. السَّابِعَةُ: لَا أَثَرَ لِلْغَمْسِ بِلَا نِيَّةٍ لِطَهَارَةِ بَدَنِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُغْنِي عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ قَالَ بِالْمَنْعِ فِيمَا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ فَقَطْ. وَفِيهِ نَظَرٌ. انْتَهَى.

الثَّامِنَةُ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا كُرِهَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي. وَعَنْهُ لَا يَنْبَغِي.

فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَنْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَقِيلَ: يَرْتَفِعُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ.، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ.

التَّاسِعَةُ: لَوْ اغْتَرَفَ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ أَوْ النُّفَسَاءُ بِيَدِهِ مِنْ مَاءٍ قَلِيلٍ بَعْدَ نِيَّةِ غَسْلِهِ: صَارَ مُسْتَعْمَلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ: نَقَلَهُ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ. وَعَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَجْدُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، لِصَرْفِ النِّيَّةِ بِقَصْدِ اسْتِعْمَالِهِ خَارِجَهُ. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ.

الْعَاشِرَةُ: هَلْ رِجْلٌ وَفَمٌ وَنَحْوُهُ كَيَدٍ فِي هَذَا الْحُكْمِ، أَمْ يُؤَثِّرُ هُنَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَلَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْمَاءِ لَا لِغَسْلِهَا وَقَدْ نَوَى: أَثَّرَ عَلَى الْأَصَحِّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَإِنْ نَوَاهُ، ثُمَّ وَضَعَ رِجْلَهُ

ص: 44

فِيهِ لَا لِغَسْلِهَا بِنِيَّةٍ تَخُصُّهَا. فَطَاهِرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ غَمَسَ فِيهِ: احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: لَوْ اغْتَرَفَ مُتَوَضِّئٌ بِيَدِهِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ، وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهَا: أَزَالَ الطَّهُورِيَّةَ كَالْجُنُبِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ غَسْلَهَا فِيهِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ طَهُورٌ، لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْجُنُبِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالصَّحِيحُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: يَصِيرُ الْمَاءُ بِانْتِقَالِهِ إلَى عُضْوٍ آخَرَ مُسْتَعْمَلًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ لَا. فَهِيَ كُلُّهَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. وَعَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فِي الْجُنُبِ. وَعَنْهُ يَكْفِيهِمَا مَسْحُ اللُّمْعَةِ بِلَا غَسْلٍ لِلْخَبَرِ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ أُزِيلَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ، فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا، أَوْ قَبْلَ زَوَالِهَا، فَهُوَ نَجِسٌ) . إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرًا. فَلَا خِلَافَ فِي نَجَاسَتِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ انْفَصَلَ قَبْلَ زَوَالِهَا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ، وَكَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ: انْبَنَى عَلَى تَنْجِيسِ الْقَلِيلِ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ. وَقِيلَ: بِطَهَارَتِهِ عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ مَعَ عَدَمِ تَغَيُّرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَارِدٌ، وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. ذَكَرَهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا طَهُرَ الْمَحِلُّ؛ لِأَنَّ تَنْجِيسَهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مُمْتَنِعٌ. وَعَقِيبَ الِانْفِصَالِ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ مُلَاقَاةُ النَّجَاسَةِ. قَوْلُهُ (وَإِنْ انْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بَعْدَ زَوَالِهَا، فَهُوَ طَاهِرٌ) . إنْ كَانَ الْمَحِلُّ أَرْضًا، هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَصْحَابِ فِي طَهَارَةِ هَذَا فِي الْأَرْضِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْوَجِيزِ. وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَجْهًا: أَنَّ الْمُنْفَصِلَ عَنْ

ص: 45

الْأَرْضِ. كَالْمُنْفَصِلِ عَنْ غَيْرِهَا فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ. وَحَكَاهُ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ رِوَايَةً. قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا. وَعَنْهُ: طَهَارَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ أَرْضٍ أَعْيَانُ النَّجَاسَةِ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْأَرْضِ فَهُوَ طَاهِرٌ) . فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْمُغْنِي، وَالْهِدَايَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَظْهَرُهُمَا طَهَارَتُهُ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَطْلَقَ إذَا كَانَ الْمُزَالُ بِهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. أَمَّا إذَا كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ بِلَا خِلَافٍ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ وَاضِحٌ.

تَنْبِيهٌ: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ يَحْكِي الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ. وَحَكَاهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَمَنْ تَابَعَهُ رِوَايَتَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.

فَائِدَةٌ: فَعَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ: يَكُونُ الْمَحَلُّ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ طَاهِرًا. صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ. وَمَعْنَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: الْمَحِلُّ نَجِسٌ كَالْمُنْفَصِلِ عَنْهُ. جَزَمَ بِهِ فِي الِانْتِصَارِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمَا انْفَصَلَ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ مُتَغَيِّرًا بِهَا: فَهُوَ وَالْمَحَلُّ نَجِسَانِ، وَإِنْ اسْتَوْفَى الْعَدَدَ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ لَمَّا نَصَرَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحِلِّ طَاهِرٌ وَلَنَا: أَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ. فَيَجِبُ أَنْ يُعْطَى حُكْمَهُ فِي الطَّهَارَةِ

ص: 46

وَالنَّجَاسَةِ. كَمَا لَوْ أَرَاقَ مَاءً مِنْ إنَاءٍ. وَلَا يَلْزَمُ الْغُسَالَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ بَعْدَ طَهَارَةِ الْمَحِلِّ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ قُصُورَ ذَلِكَ، بَلْ نَقُولُ: مَا دَامَتْ الْغُسَالَةُ مُتَغَيِّرَةً فَالْمَحِلُّ لَمْ يَطْهُرْ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي طَهَارَةِ الْمَحِلِّ مَعَ نَجَاسَةِ الْمُنْفَصِلِ وَجْهَانِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، فِيمَا إذَا رُفِعَ بِهِ حَدَثٌ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ طَهُورًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَغَيْرِهِ.

وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا الصَّحِيحُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ طَهُورٌ. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا أَقْوَى.

فَائِدَةٌ:

ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الْمَاءَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ لَا يُؤَثِّرُ تَغَيُّرُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمُوا بِهِ. وَقِيلَ: فِيهِ قَوْلٌ يُؤَثِّرُ.، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا بِوَصْفٍ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ لُغَةً وَشَرْعًا. وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ أَنَّهُ قَالَ: اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ مِنْهُ امْرَأَةٌ فَهُوَ طَهُورٌ) . هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. قَالَ الْمَجْدُ: لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. وَعَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ. حَكَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ ابْنُ الْبَنَّا فِي خِصَالِهِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: هُوَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَقَدْ أَبْعَدَ السَّامِرِيُّ، حَيْثُ اقْتَضَى كَلَامُهُ الْجَزْمَ بِطَهَارَتِهِ، مَعَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي طَهَارَةِ الرَّجُلِ بِهِ.

قُلْت: لَيْسَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ. وَإِنَّمَا قَالَ أَوَّلًا: هُوَ طَاهِرٌ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ

ص: 47

يَرْفَعُ حَدَثَ الرَّجُلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، فَحُكِمَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ أَوَّلًا. ثُمَّ هَلْ يَكُونُ طَهُورًا مَعَ كَوْنِهِ طَاهِرًا؟ حَكَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَهَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمَ فِي قَوْلِهِ " فَهُوَ طَاهِرٌ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَهَلْ يَكُونُ طَهُورًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ " وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ. وَلَا تَنَاقُضَ فِيهِ، لِكَوْنِهِمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ طَاهِرٌ. وَمَعَ ذَلِكَ هَلْ يَكُونُ طَهُورًا؟ حَكَوْا الْخِلَافَ. فَهُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الطَّاهِرِيَّةِ بِلَا نِزَاعٍ. وَهَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَهُوَ الطَّهُورِيَّةُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) . وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُهُمَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ: لَا يَرْفَعُ حَدَثَ الرَّجُلِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَابْنِ عُبَيْدَانَ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ، هِيَ أَضْعَفُ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ مُطْلَقًا كَاسْتِعْمَالِهِمَا مَعًا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي الْمُنْتَقَى، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الشَّرْحِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ أَقْيَسُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ. فَعَلَيْهَا لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ.

فَائِدَةٌ:

مَنْعُ الرَّجُلِ مِنْ اسْتِعْمَالِ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ تَعَبُّدِيٌّ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَلِذَلِكَ يُبَاحُ لِامْرَأَةٍ سِوَاهَا وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِالرَّجُلِ. وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ. فَيَجِبُ قَصْرُهُ عَلَى مُورِدِهِ.

ص: 48

قَوْلُهُ (وَإِنْ خَلَتْ بِالطَّهَارَةِ) . اعْلَمْ أَنَّ فِي مَعْنَى " الْخَلْوَةِ " رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا وَهِيَ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا عَدَمُ الْمُشَاهَدَةِ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهَا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمُخْتَارَةُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَنُزُولُ الْخَلْوَةِ بِالْمُشَاهَدَةِ، عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: مَعْنَى " الْخَلْوَةِ " انْفِرَادُهَا بِالِاسْتِعْمَالِ، سَوَاءٌ شُوهِدَتْ أَمْ لَا، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهِيَ أَصَحُّ عِنْدِي، وَأَطْلَقَهَا فِي الْفُصُولِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْمُذْهَبِ. وَتَزُولُ الْخَلْوَةُ بِمُشَارَكَتِهِ لَهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ بِلَا نِزَاعٍ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: يَزُولُ حُكْمُ الْخَلْوَةِ بِمُشَاهَدَةِ مُمَيِّزٍ، وَبِكَافِرٍ وَامْرَأَةٍ. فَهِيَ كَخَلْوَةِ النِّكَاحِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَنَظْمِهِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ. وَأَلْحَقَ السَّامِرِيُّ الْمَجْنُونَ بِالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَنَحْوِهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ خَطَأٌ، عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ: لَا تَزُولُ الْخَلْوَةُ إلَّا بِمُشَاهَدَةِ مُكَلَّفٍ مُسْلِمٍ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: لَا تَزُولُ الْخَلْوَةُ إلَّا بِمُشَاهَدَةِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فَقَالَ: وَلَمْ يَرَهَا ذَكَرٍ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ. وَقِيلَ: أَوْ عَبْدٍ. وَقِيلَ: أَوْ مُمَيِّزٍ. وَقِيلَ: أَوْ مَجْنُونٍ. وَهُوَ خَطَأٌ. وَقِيلَ: إنْ شَاهَدَ طَهَارَتَهَا مِنْهُ أُنْثَى أَوْ كَافِرٌ فَوَجْهَانِ. انْتَهَى

تَنْبِيهَاتٌ

الْأَوَّلُ: " قَوْلُهُ بِالطَّهَارَةِ " يَشْمَلُ طَهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ. أَمَّا الْحَدَثُ: فَوَاضِحٌ وَأَمَّا خَلْوَتُهَا بِهِ لِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ كَالْحَدَثِ. فَلَا تُؤَثِّرُ

ص: 49

خَلْوَتُهَا فِيهِ. قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا، جَوَازُ الْوُضُوءِ بِهِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ الْمُتَقَدِّمُ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدَثِ.

اخْتَارَهُ الْقَاضِي. قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَلَا يَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِطَهَارَةِ الْحَدَثِ فِي الْأَصَحِّ.، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَالَ: إنَّهُ الْأَصَحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. وَاقْتَصَرَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ فِي غَيْرِهِ.

الثَّانِي: شَمِلَ قَوْلُهُ " بِالطَّهَارَةِ " الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ وَالْمُسْتَحَبَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ. وَقِيلَ: لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَتِهَا فِي طَهَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ، كَالتَّجْدِيدِ وَنَحْوِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرُهُمْ.

الثَّالِثُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " بِالطَّهَارَةِ " الطَّهَارَةُ الْكَامِلَةُ. فَلَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهَا فِي بَعْضِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: خَلْوَتُهَا فِي بَعْضِ الطَّهَارَةِ كَخَلْوَتِهَا فِي جَمِيعِهَا.، اخْتَارَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ. الرَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " بِالطَّهَارَةِ " أَنَّهَا لَوْ خَلَتْ بِهِ لِلشُّرْبِ: أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ: وَلَا يُكْرَهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ.، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَعَنْهُ يُكْرَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْخَالِيَةِ بِهِ لِلطَّهَارَةِ.

ص: 50

الْخَامِسُ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ " بِالطَّهَارَةِ " الطَّهَارَةُ الشَّرْعِيَّةُ، فَلَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهَا بِهِ فِي التَّنْظِيفِ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَلَا غَسْلُهَا ثَوْبَ الرَّجُلِ وَنَحْوَهُ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ: وَلَمْ يُكْرَهْ.

السَّادِسُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " مِنْهُ " يَعْنِي مِنْ الْمَاءِ: أَنَّهَا إذَا خَلَتْ بِالتُّرَابِ لِلتَّيَمُّمِ: أَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَاءِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. السَّابِعُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " امْرَأَةٍ " أَنَّ الرَّجُلَ إذَا خَلَا بِهِ لَا تُؤَثِّرُ خَلْوَتُهُ مَنْعًا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ. وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا. وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَجْهًا بِمَنْعِ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا يَمْنَعُ خَلْوَةُ الرَّجُلِ بِالْمَاءِ الرَّجُلَ. وَقِيلَ: بَلَى. ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ. قُلْت: فِي صِحَّةِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ عَنْهُ نَظَرٌ.

وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ نَقْلِهِ: فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يُعْرَجُ عَلَيْهِ. وَلَا عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ.

الثَّامِنُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " امْرَأَةٍ " أَنَّ خَلْوَةَ الْمُمَيِّزَةِ: لَا تَأْثِيرَ لَهَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَإِنَّهُ قَالَ " مُكَلَّفَةٍ " وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: خَلْوَةُ الْمُمَيِّزَةِ كَالْمُكَلَّفَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنَّهُمَا قَالَا: أَوْ رَفَعَتْ بِهِ مُسْلِمَةٌ حَدَثًا.

التَّاسِعُ: شَمِلَ قَوْلُهُ " امْرَأَةٍ " الْمُسْلِمَةَ وَالْكَافِرَةَ.

وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا " امْرَأَةٌ " وَهُوَ أَحَدُ

ص: 51

الْوَجْهَيْنِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. فَإِنَّهُمَا قَالَا " مُسْلِمَةٌ "، قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالزَّرْكَشِيِّ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ فِي خَلْوَةِ الذِّمِّيَّةِ لِلْحَيْضِ. وَذَكَرَ فِي الْفُصُولِ وَمَنْ بَعْدَهُ: احْتِمَالًا بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَبَيْنَ الْغُسْلِ. فَتُؤَثِّرُ خَلْوَةُ الذِّمِّيَّةِ لِلْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، دُونَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَمْ يُفِدْ إبَاحَةَ شَيْءٍ.

الْعَاشِرُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " امْرَأَةٍ " أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِخَلْوَةِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ الْخُنْثَى فِي الْخَلْوَةِ كَالْمَرْأَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

الْحَادِيَ عَشَرَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ " أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّجُلِ.

قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَلْ يَلْحَقُ الصَّبِيُّ بِالْمَرْأَةِ، أَوْ بِالرَّجُلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، الثَّانِيَ عَشَرَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ " أَنَّهُ يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِلِ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ كَالرَّجُلِ.، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هَلْ يَلْحَقُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بِالرَّجُلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ.

الثَّالِثَ عَشَرَ: عُمُومُ قَوْلِهِ " الطَّهَارَةُ " يَشْمَلُ الْحَدَثَ وَالْخَبَثَ. أَمَّا الْحَدَثُ:

ص: 52

فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْخَبَثُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَيْسَ كَالْحَدَثِ. فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالْمُصَنِّفُ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ خَطِيبِ السَّلَامِيَّةَ فِي تَعْلِيقِهِ. وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْهُ كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالْمَجْدُ [وَابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ] وَحَكَاهُ الشِّيرَازِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ، غَيْرَ ابْنِ أَبِي مُوسَى. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ: هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَهُوَ بَعِيدٌ.

أَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ.

الرَّابِعَ عَشَرَ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الطَّهَارَةُ بِهِ " أَنَّهُ يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى الطَّهَارَةُ بِهِ.

وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ. وَقِيلَ: هِيَ كَالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. فَقَالَ " طَهُورٌ. وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَنَاظِمِ الْمُفْرَدَاتِ.

الْخَامِسَ عَشَرَ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ هُنَا وَفِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قُلْنَا يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ مَحِلُّهُ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَهُورٌ أَوْ طَاهِرٌ. أَمَّا إنْ قُلْنَا " إنَّهُ طَاهِرٌ " فَلَا يَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ. وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: وَإِنْ تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَرِوَايَتَانِ. وَقِيلَ مَعَ طَهُورِيَّتِهِ فَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْمُقَدَّمَ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّهُ طَهُورٌ أَوْ طَاهِرٌ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَهَا التَّطْهِيرُ بِهِ يَعْنِي الْخَالِيَةَ بِهِ ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ بَقِيَ طَهُورًا. وَإِلَّا فَلَا.

وَفِي جَوَازِ تَطَهُّرِ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِهِ إذَنْ: وَجْهَانِ. وَفِي جَوَازِ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ بِهِ إذَنْ: رِوَايَتَانِ وَقِيلَ: بَلْ مُطْلَقًا. وَقِيلَ إنْ قُلْنَا: هُوَ طَهُورٌ جَازَ. وَإِلَّا فَلَا. انْتَهَى. فَحُكِيَ خِلَافًا فِي جَوَازٍ مَعَ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ.

ص: 53

وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، السَّادِسَ عَشَرَ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الْخَالِيَةِ بِهِ الطَّهَارَةُ بِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ. ثُمَّ قَالَ قُلْت: إنْ بَقِيَ طَهُورًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَهَا التَّطَهُّرُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. فَدَلَّ أَنَّ فِي بَاطِنِهِ قَوْلًا: لَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ، قُلْت: هُوَ قَوْلٌ سَاقِطٌ. فَإِنَّهُ يُفْضِي إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَصِحُّ لَهَا طَهَارَةٌ أَلْبَتَّةَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.

السَّابِعَ عَشَرَ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ الْخَالِيَةُ بِهِ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي الْغَالِبِ: أَمَّا إنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ مَنْعًا، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ.

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْكَثِيرُ كَالْقَلِيلِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَأَطْلَقَهُمَا نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ.

فَوَائِدُ مِنْهَا: لَوْ خُلِطَ طَهُورٌ بِمُسْتَعْمَلٍ، فَإِنْ كَانَ لَوْ خَالَفَ فِي الصِّفَةِ غَيَّرَهُ: أَثَّرَ مَنْعًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ: قَالَهُ أَصْحَابُنَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْمَجْدُ عِنْدِي أَنَّ الْحُكْمَ لِأَكْثَرِهِمَا مِقْدَارًا اعْتِبَارًا بِغَلَبَةِ أَجْزَائِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: أَنَّ غَيْرَهُ لَوْ كَانَ خَلًّا أَثَّرَ مَنْعًا. قَالَ الْمَجْدُ: وَلَقَدْ تَحَكَّمَ ابْنُ عَقِيلٍ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ الْوَقْعُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ خَلًّا غَيْرَ مَنْعٍ، إذْ الْخَلُّ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ.

وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ، وَنَصَّ أَحْمَدَ فِيمَنْ انْتَضَحَ مِنْ وُضُوئِهِ فِي إنَائِهِ لَا بَأْسَ.

ص: 54

وَمِنْهَا: لَوْ بَلَغَ بَعْدَ خَلْطِهِ قُلَّتَيْنِ، أَوْ كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ، فَهُوَ طَاهِرٌ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: طَهُورٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ طَهُورِيَّةَ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا انْضَمَّ وَصَارَ قُلَّتَيْنِ. وَأَطْلَقَ فِي الشَّرْحِ، فِيمَا إذَا كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ: احْتِمَالَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ وَجْهَيْنِ. وَمِنْهَا: لَوْ كَانَ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ، فَخَلَطَهُ بِمَائِعٍ: لَمْ يُغَيِّرْهُ، وَتَطَهَّرَ مِنْهُ وَبَقِيَ قَدْرُ الْمَائِعِ أَوْ دُونَهُ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ. وَقَالَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: إنْ اسْتَعْمَلَ الْجَمِيعَ جَازَ. وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ لَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ، وَكَمَّلَهُ بِمَائِعٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ: جَازَ اسْتِعْمَالُهُ. وَصَحَّتْ طَهَارَتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا أَوْلَى.

وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الْجَامِعِ. وَحَمَلَ ابْنُ عَقِيلٍ كَلَامَ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الْمَائِعَ لَمْ يُسْتَهْلَكْ.

قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: حَكَى فِي الْمُغْنِي الْخِلَافَ رِوَايَتَيْنِ. وَلَمْ أَرَ لِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ إلَّا وَجْهَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَلَكِنْ فَرَضَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي زَوَالِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ. وَرَدَّ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْفُرُوعِ بِرَدٍّ حَسَنٍ. وَمِنْهَا: مَتَى تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِطَاهِرٍ، ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ: عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ.

تَنْبِيهٌ قَوْلُهُ " الْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا نَجُسَ وَهُوَ مَا تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ " مُرَادُهُ: إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَهُوَ يَسِيرٌ. فَهَلْ يَنْجُسُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: يَنْجُسُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ: وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالتَّذْكِرَةِ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَالْخِصَالِ لِابْنِ الْبَنَّا،

ص: 55

وَالْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَظْهَرُهُمَا نَجَاسَتُهُ. قَالَ فِي الْمُغْنِي: هَذَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ: هِيَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ أَصَحُّ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: يَنْجُسُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ

قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: نَجِسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: يَنْجُسُ مُطْلَقًا فِي الْأَظْهَرِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: فَيَنْجُسُ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذَا الْأَظْهَرُ عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ الْمَشْهُورَةُ وَالْمُخْتَارَةُ لِلْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ " فَانْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا أَوْ قَبْلَ زَوَالِهَا فَهُوَ نَجِسٌ ".

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: عُمُومُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، يَقْتَضِي سَوَاءٌ أَدْرَكَهَا الطَّرْفُ أَوْ لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَنُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَحَكَى أَبُو الْوَقْتِ الدِّينَوَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ: طَهَارَةَ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ، وَاخْتَارَهُ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ. وَعُمُومُهَا أَيْضًا يَقْتَضِي سَوَاءٌ مَضَى زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ أَمْ لَا، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: إنْ مَضَى زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ النَّجَاسَةُ نَجُسَ. وَإِلَّا فَلَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا يَنْجُسُ.

اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا، وَابْنُ الْمُنَى وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَنَصَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَظُنُّ اخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهَا أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ الْجَوْزِيِّ

ص: 56

وَأَبُو نَصْرٍ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ يَسِيرِ الرَّائِحَةِ وَغَيْرِهَا فَيُعْفَى يَسِيرُ الرَّائِحَةِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْبَنَّا وَشَدَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ قُلْت نَصَرَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَأَظُنُّ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَابْنِ الْقَيِّمِ وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

الثَّانِي: هَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ.

أَمَّا الْجَارِي: فَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَالرَّاكِدِ، إنْ بَلَغَ جَمِيعُهُ قُلَّتَيْنِ: دَفَعَ النَّجَاسَةَ إنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَهِيَ الْمَذْهَبُ. وَهِيَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: هِيَ أَشْهَرُ [قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْهُومِ: هَلْ هُوَ عَامٌّ أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْجَارِيَ كَالرَّاكِدِ فِي التَّنَجُّسِ] وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: اخْتَارَهُ شَيْخُنَا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: اخْتَارَهَا السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَعَنْهُ: لَا يُنَجِّسُ قَلِيلُهُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ. فَإِنْ قُلْنَا يُنَجِّسُ قَلِيلُ الرَّاكِدِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. قَالَ فِي الْكُبْرَى: هُوَ أَقْيَسُ وَأَوْلَى. قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَلَا يُنَجِّسُ قَلِيلٌ جَارٍ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي. وَاخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ. وَاخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقَالَ: هِيَ أَنَصُّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْهُ تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِنَفْسِهَا.

اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ: هِيَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِينَ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ كُلَّ جَرْيَةٍ كَالْمَاءِ الْمُنْفَرِدِ. وَاخْتَارَهَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَشْهَرُ. قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: فَيُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ نَهْرٍ كَبِيرٍ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ، لِقِلَّةِ مَا يُحَاذِي الْقَلِيلَةَ.

إذْ لَوْ فَرَضْنَا كَلْبًا فِي جَانِبِ نَهْرٍ كَبِيرٍ وَشَعْرَةٌ مِنْهُ فِي جَانِبِهِ الْآخَرِ، لَكَانَ مَا يُحَاذِيهَا لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ لِقِلَّتِهِ، وَالْمُحَاذِي لِلْكَلْبِ يَبْلُغُ قِلَالًا كَثِيرَةً. فَيُعَايَى بِهَا [وَلَكِنْ رَدَّ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا ذَلِكَ، وَسَوَّوْا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا يَأْتِي فِي النَّجَاسَةِ الْمُمْتَدَّةِ] .

ص: 57

فَائِدَةٌ:

لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَوَائِدُ، ذَكَرَهَا ابْنُ رَجَبٍ فِي أَوَّلِ قَوَاعِدِهِ. مِنْهَا: إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، فَعَلَى الْأُولَى: يُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ. فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ، وَإِلَّا نَجُسَ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ: تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِانْفِرَادِهَا. فَإِنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ، وَإِلَّا نَجُسَ. وَعَلَى الثَّالِثَةِ: تُعْتَبَرُ كُلُّ جَرْيَةٍ بِانْفِرَادِهَا فَإِنْ بَلَغَتْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ بِدُونِ تَغَيُّرٍ، وَإِلَّا نَجُسَتْ. وَمِنْهَا: لَوْ غُمِسَ الْإِنَاءُ النَّجِسُ فِي مَاءٍ جَارٍ، وَمَرَّتْ عَلَيْهِ سَبْعُ جَرَيَاتٍ، فَهَلْ هُوَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ سَبْعٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. حَكَاهُمَا أَبُو حَسَنِ بْنُ الْغَازِي تِلْمِيذُ الْآمِدِيِّ. وَذَكَرَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي شَرْحِ الْمُذْهَبِ لِلْقَاضِي: أَنَّ كَلَامَ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ وَعَصَرَهُ عَقِيبَ كُلِّ جَرْيَةٍ. وَمِنْهَا: لَوْ انْغَمَسَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ فِي مَاءٍ جَارٍ لِلْوُضُوءِ، وَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُ جَرَيَاتٍ مُتَوَالِيَةً. فَهَلْ يَرْتَفِعُ بِذَلِكَ حَدَثُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَرْتَفِعُ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الِانْتِصَارِ. ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الرَّاكِدِ وَالْجَارِي. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قُلْت بَلْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ. وَأَنَّهُ إذَا انْغَمَسَ فِي دِجْلَةَ فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتَّبًا. وَمِنْهَا: لَوْ حَلَفَ لَا يَقِفُ فِي هَذَا الْمَاءِ، وَكَانَ جَارِيًا: لَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقِيَاسُ الْمَنْصُوصِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ: لَا سِيَّمَا وَالْعُرْفُ يَشْهَدُ لَهُ. وَالْأَيْمَانُ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.

فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: " الْجَرْيَةُ " مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا وَيَمْنَةً وَيَسْرَةً، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعُوا بِهِ. وَزَادَ الْمُصَنِّفُ:

ص: 58

مَا انْتَشَرَتْ إلَيْهِ عَادَةً أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا. وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ، فَجَزَمَ بِهِ هُوَ وَابْنُ رَزِينٍ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ " الْجَرْيَةُ " مَا فِيهِ النَّجَاسَةُ. وَقَدْرُ مِسَاحَتِهَا: فَوْقَهَا وَتَحْتَهَا، وَيَمْنَتَهَا وَيَسْرَتَهَا.

نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ. الثَّانِيَةُ: لَوْ امْتَدَّتْ النَّجَاسَةُ فَمَا فِي كُلِّ جَرْيَةٍ نَجَاسَةٌ مُنْفَرِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَا بِهِ، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَقِيلَ: الْكُلُّ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ. الثَّالِثَةُ: مَتَى تَنَجَّسَتْ جَرْيَاتُ الْمَاءِ بِدُونِ التَّغَيُّرِ. ثُمَّ رَكَدَتْ فِي مَوْضِعٍ. فَالْجَمِيعُ نَجِسٌ، إلَّا أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ كَثِيرٌ طَاهِرٌ، لَاحِقٌ أَوْ سَابِقٌ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مَاءُ الْحَمَّامِ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْجَارِي. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَقِيلَ: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي. قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ جَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي إذَا كَانَ يَفِيضُ مِنْ الْحَوْضِ. وَقَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْجَارِي مِنْ الْمَطَرِ عَلَى الْأَسْطِحَةِ وَالطُّرُقِ، إنْ كَانَ قَلِيلًا وَفِيهِ نَجَاسَةٌ: فَهُوَ نَجِسٌ. قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهُوَ طَاهِرٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلًا أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُنَجَّسُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِيضَاحِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَغَيْرِهِمْ.

لِعَدَمِ ذِكْرِهِمْ لَهُمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ.

قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: لَمْ يُنَجِّسْ.

فِي أَصَحِّ

ص: 59

الرِّوَايَتَيْنِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: عَدَمُ النَّجَاسَةِ أَصَحُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ.

قُلْت: وَهَذَا الْمَذْهَبُ عَلَى مَا اصْطَلَحْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ. وَالْأُخْرَى: يُنَجِّسُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ. فَلَا يُنَجِّسُ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ، عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ الْكَثِيرَ.

قَالَ فِي الْمُغْنِي: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ.

اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَالْقَاضِي. وَقَالَ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ. وَشُيُوخُ أَصْحَابِنَا. قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَظْهَرُ عَنْهُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا الْأَكْثَرُونَ. قَالَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ: هِيَ الْأَشْهَرُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُتَوَسِّطِينَ أَيْضًا، كَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَابْنِ الْبَنَّا، وَابْنِ عَبْدُوسٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي التَّلْخِيصِ إلَّا بَوْلَ الْآدَمِيِّ فَقَطْ. وَرَوَى صَالِحٌ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلَهُ.

تَنْبِيهٌ: مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلًا) بَوْلُ الْآدَمِيِّ بِلَا رَيْبٍ. بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْعَذِرَةِ. فَإِنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْآدَمِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مُصَرِّحِينَ بِهِ. مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْبُلْغَةِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ كُلَّ بَوْلٍ نَجِسٍ حُكْمُهُ حُكْمُ بَوْلِ الْأَدَمِيِّ.

نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَوْ كُلُّ نَجَاسَةٍ يَعْنِي كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَأَدْخَلَ غَيْرَهُمَا. وَظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ.

تَنْبِيهٌ: قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِأَنْ تَكُونَ الْعَذِرَةُ مَائِعَةً. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، قَطَعَ الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ لِابْنِ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْخِرَقِيُّ، وَالْكَافِي

ص: 60

وَالْفُصُولِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ مَائِعَةً أَوْ رَطْبَةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ: وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَتْ يَابِسَةً وَذَابَتْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَنْهُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَذُبْ.

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ تَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ) اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مِقْدَارِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَصَانِعِ الَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ.

صَرَّحَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: وَلَمْ أَجِدْ عَنْ إمَامِنَا وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا تَحْدِيدَ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِمَصَانِعِ مَكَّةَ. وَقَالَ فِي الْمُبْهِجِ: مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ فِي الزَّمَنِ الْيَسِيرِ. قَالَ: وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُقَدِّرُونَهُ بِبِئْرِ بُضَاعَةَ. وَقَدَّرَهُ سَائِرُ الْأَصْحَابِ بِالْمَصَانِعِ الْكِبَارِ، كَاَلَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ. وَجَزَمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِيَيْنِ: بِأَنَّهُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ عُرْفًا، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ: كَمَصَانِعِ طَرِيقِ مَكَّةَ.

فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْكَثِيرِ بِنَجَاسَةٍ: فَبَاقِيهِ طَهُورٌ إنْ كَانَ كَثِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَنَصَرَاهُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْجَمِيعُ نَجِسٌ، وَقَدَّمَهُ

ص: 61

ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: الْبَاقِي طَهُورٌ، وَإِنْ قَلَّ.

ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قُلْت: اخْتَارَهُ الْقَاضِي. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ. وَلَوْ كَانَ التَّغَيُّرُ بِطَاهِرٍ، فَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ طَهُورٌ. وَجْهًا وَاحِدًا. وَالْمُتَغَيِّرُ طَاهِرٌ. فَإِنْ زَالَ فَطَهُورٌ.

الثَّانِيَةُ: يَجُوزُ وَيَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الطَّهُورِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الطَّاهِرِ مِنْ الْمَاءِ وَالْمَائِعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

لَكِنْ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ الْأَحْدَاثِ وَإِزَالَةِ الْأَنْجَاسِ، وَلَا فِي طَهَارَةٍ مَنْدُوبَةٍ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ. يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ التَّطْهِيرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِالْمَائِعِ وَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ مُبَاحٌ، وَإِنْ لَمْ يَطْهُرْ بِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِيمَا إذَا غَمَسَ يَدَهُ. وَقُلْنَا: إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي شُرْبٍ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. وَقِيلَ: يَحْرُمُ صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ، لِلْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ. انْتَهَى وَالنَّجِسُ: لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِحَالٍ.

إلَّا لِضَرُورَةِ دَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا، وَلَيْسَ عِنْدَهُ طَهُورٌ وَلَا طَاهِرٌ، أَوْ لِعَطَشِ مَعْصُومٍ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ تُؤْكَلُ أَوْ لَا. وَلَكِنْ لَا تُحْلَبُ قَرِيبًا، أَوْ لِطَفْءِ حَرِيقٍ مُتْلِفٍ. وَيَجُوزُ بَلُّ التُّرَابِ بِهِ، وَجَعْلُهُ طِينًا يُطَيَّنُ بِهِ مَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَحَرَّمَ الْحَلْوَانِيُّ اسْتِعْمَالَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ سَقْيَهُ لِلْبَهَائِمِ كَالطَّعَامِ النَّجِسِ. وَقَالَ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ: لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهُ بِحَالٍ.

بَلْ يُرَاقُ. وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ فِي الْمُتَغَيِّرِ. وَأَنَّهُ فِي حُكْمِ عَيْنٍ نَجِسَةٍ، بِخِلَافِ قَلِيلٍ نَجِسٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ.

الثَّالِثَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ عَيْنِيَّةٌ. قُلْت: وَفِيهِ بُعْدٌ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهَا. وَهَذَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ. فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إذَنْ: أَنَّهَا حُكْمِيَّةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي

ص: 62

شَرْحِ الْعُمْدَةِ: لَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ عَيْنِيَّةً، لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، فَنَفْسُهُ أَوْلَى، وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ.

وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ: أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُجَاوِرَةٌ سَرِيعَةُ الْإِزَالَةِ لَا عَيْنِيَّةٌ. وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ: أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ نَجَاسَةٌ مُجَاوِرَةٌ. ذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِذَا انْضَمَّ إلَى الْمَاءِ النَّجِسِ مَاءٌ طَاهِرٌ كَثِيرٌ طُهْرُهُ، إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ إذَا كَانَ الْمُتَنَجِّسُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ، إلَّا مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا. فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُتَنَجِّسُ بِأَحَدِهِمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَقُلْنَا: إنَّهُمَا لَيْسَا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِإِضَافَةِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ. قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ إذَا بَلَغَ الْمَجْمُوعُ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ بِإِضَافَةِ قُلَّتَيْنِ طَهُورِيَّتَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ [قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلُ] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ: إذَا انْمَاعَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْمَاءِ، فَهُوَ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ وَلَا يُطَهِّرُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ.

فَائِدَةٌ: " الْإِفَاضَةُ " صَبُّ الْمَاءِ عَلَى حَسْبِ الْإِمْكَانِ عُرْفًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَغَيْرِهِمَا. وَاعْتَبَرَ الْأَزَجِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ: الِاتِّصَالَ فِي صَبِّهِ.

ص: 63

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا. فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِنَزْحٍ، بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرٌ: طَهُرَ) إذَا كَانَ الْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ كَثِيرًا. فَتَارَةً يَكُونُ مُتَنَجِّسًا بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ عَذِرَتِهِ. وَتَارَةً يَكُونُ بِغَيْرِهِمَا. فَإِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا: فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُطَهِّرُهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا بِأَحَدِهِمَا. فَتَارَةً يَكُونُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ. فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ إلَيْهِ، أَوْ بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ عُبَيْدَانَ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ أُضِيفَ إلَيْهِ مَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لَمْ يُطَهِّرْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُطَهِّرُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. فَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُكْثِهِ: طَهُرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: لَا يَطْهُرُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ عُبَيْدَانَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ نَزْحُهُ فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ عُرْفًا كَمَصَانِعِ مَكَّةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: كَبِئْرِ بُضَاعَةَ، وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِطَهُورٍ يُمْكِنُ نَزْحُهُ فَلَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهُ: لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ، وَإِنْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ. وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيَطْهُرُ الْكَثِيرُ النَّجِسُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: أَظْهَرُهُمَا يَطْهُرُ. وَقَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: الْأَوْلَى يَطْهُرُ، وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَلْ الْمُكْثُ يَكُونُ طَرِيقًا إلَى التَّطْهِيرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَ أَنَّهُ يَكُونُ طَرِيقًا إلَيْهِ. وَعَنْهُ لَا يَطْهُرُ بِمُكْثِهِ بِحَالٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَطْهُرَ إذَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ.

ص: 64

تَنْبِيهَانِ أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ " طَهُرَ " يَعْنِي: صَارَ طَهُورًا. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: مَا طَهُرَ مِنْ الْمَاءِ بِالْمُكَاثَرَةِ، أَوْ بِمُكْثِهِ: طَهُورٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ طَاهِرٌ، لِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ.

الثَّانِي: مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ بِنَزْحٍ يَبْقَى بَعْدَهُ كَثِيرٌ " أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ بَعْدَهُ قَلِيلٌ: أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: قُلْت: تَطْهِيرُ الْمَاءِ بِالنَّزْحِ لَا يَزِيدُ عَلَى تَحْوِيلِهِ، لِأَنَّ التَّنْقِيصَ وَالتَّقْلِيلَ يُنَافِي مَا اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْكَثْرَةِ. وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا حُرِّكَ فَزَالَ تَغَيُّرُهُ: طَهُرَ لَوْ كَانَ بِهِ قَائِلٌ لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِمَاءٍ يَسِيرٍ، أَوْ غَيَّرَهُ مِنْ تُرَابٍ وَنَحْوِهِ: طَهُرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

لِاتِّصَافِهِ بِأَصْلِ التَّطْهِيرِ. انْتَهَى.

فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: الْمَاءُ الْمَنْزُوحُ طَهُورٌ، مَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: طَاهِرٌ، لِزَوَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَفِي غَسْلِ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ وَأَرْضُهَا: رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَشَرْحِ ابْنِ عُبَيْدَانَ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَالْمُذْهَبِ. إحْدَاهُمَا: لَا يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ. وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا الصَّحِيحُ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ، وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَالثَّانِيَةُ: يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَيَجِبُ غَسْلُ الْبِئْرِ النَّجِسَةِ الضَّيِّقَةِ وَجَوَانِبِهَا وَحِيطَانِهَا. وَعَنْهُ: وَالْوَاسِعَةُ أَيْضًا. انْتَهَى. قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: الرِّوَايَتَانِ فِي الْبِئْرِ الْوَاسِعَةِ وَالضَّيِّقَةِ: يَجِبُ غَسْلُهَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً.

ص: 65

قَوْلُهُ (وَإِنْ كُوثِرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ، أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ لَمْ يَطْهُرْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَنَجِّسَ، تَارَةً يَكُونُ كَثِيرًا. وَتَارَةً يَكُونُ يَسِيرًا. فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا. وَكُوثِرَ بِمَاءٍ يَسِيرٍ، أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ: لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ وَالْإِفَادَاتِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَالْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهَا. قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: لَمْ يَطْهُرْ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَطْهُرَ. وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ.

حَكَاهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَابْنِ تَمِيمٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَعَلَّلَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِأَنَّهُ لَوْ زَالَ بِطُولِ الْمُكْثِ طَهُرَ. فَأَوْلَى أَنْ يَطْهُرَ [إذَا كَانَ يَطْهُرُ] بِمُخَالَطَتِهِ لِمَا دُونَ الْقُلَّتَيْنِ. قَالَ فِي النُّكَتِ: فَخَالَفَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَطْهُرُ بِالْمُكَاثَرَةِ بِالْمَاءِ الْيَسِيرِ، دُونَ غَيْرِهِ. وَهُوَ الصَّوَابُ. وَأَطْلَقَ فِي الْإِيضَاحِ رِوَايَتَيْنِ فِي التُّرَابِ. وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَأُضِيفَ إلَيْهِ مَاءٌ طَهُورٌ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ، وَبَلَغَ الْمَجْمُوعُ قُلَّتَيْنِ: فَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ مِمَّنْ خَرَجَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، جَزَمَ هُنَا بِعَدَمِ التَّطْهِيرِ. وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَحَكَى بَعْضُهُمْ وَجْهًا هُنَا، وَبَعْضُهُمْ تَخْرِيجًا: أَنَّهُ يَطْهُرُ، إلْحَاقًا وَجَعْلًا لِلْكَثِيرِ بِالِانْضِمَامِ كَالْكَثِيرِ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ ظَاهِرُ تَخْرِيجِ الْمُحَرَّرِ. فَعَلَى هَذَا خَرَّجَ بَعْضُهُمْ طَهَارَةَ قُلَّةٍ نَجِسَةٍ إذَا أُضِيفَتْ إلَى قُلَّةٍ نَجِسَةٍ، وَزَالَ التَّغَيُّرُ وَلَمْ يَكْمُلْ بِبَوْلٍ أَوْ نَجَاسَةٍ.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَفَرَّقَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَهَا. وَنَصُّ أَحْمَدَ لَا يَطْهُرُ، وَخَرَّجَ فِي الْكَافِي: طَهَارَةَ قُلَّةٍ نَجِسَةٍ إذَا أُضِيفَتْ إلَى مِثْلِهَا. قَالَ: لِمَا ذَكَرْنَا.

ص: 66

وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْخِلَافُ فِي الْقَلِيلِ الْمُطَهَّرِ إذَا أُضِيفَ إلَى كَثِيرٍ نَجِسٍ. قَالَ فِي النُّكَتِ: وَكَلَامُهُ فِي الْكَافِي فِيهِ نَظَرٌ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: يَخْرُجُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ زَوَالِ التَّغْيِيرِ بِنَفْسِهِ. قَالَهُ الشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " أَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ " مُرَادُهُ غَيْرُ الْمُسْكِرِ. وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ تُعْطِي رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ، كَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ اجْتَمَعَ مِنْ نَجِسٍ وَطَاهِرٍ وَطَهُورٍ قُلَّتَانِ بِلَا تَغْيِيرٍ. فَكُلُّهُ نَجِسٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: طَاهِرٌ، وَقِيلَ: طَهُورٌ. وَهُوَ الصَّوَابُ.

الثَّانِيَةُ: إذَا لَاقَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعًا غَيْرَ الْمَاءِ تَنَجَّسَ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَعَنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَاءِ أَصْلًا لَهُ، كَالْخَلِّ التَّمْرِيِّ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ الْمَاءُ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ. وَالْبَوْلُ هُنَا كَغَيْرِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قُلْت: بَلْ أَشَدُّ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ [وَقُلْنَا: إنَّهُ طَاهِرٌ] أَوْ طَاهِرٌ غَيَّرَهُ مِنْ الْمَاءِ نَجَاسَةٌ، لَمْ يَتَنَجَّسْ إذَا كَانَ كَثِيرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ [وَصَحَّحَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي نِهَايَتِهِ وَغَيْرِهِ] وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُنَجِّسَ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. وَقَالَ عَنْ الْأَوَّلِ: فِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ، وَابْنِ تَمِيمٍ قَوْلُهُ (وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ) ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ، وَالْهِدَايَةُ،

ص: 67

وَالْإِيضَاحُ، وَالْمُذْهَبُ، وَالتَّلْخِيصُ، وَالْبُلْغَةُ، وَالْخُلَاصَةُ، وَالْوَجِيزُ، وَالْمُنَوِّرُ، وَالْمُنْتَخَبُ، وَالْمَذْهَبُ الْأَحْمَدُ، وَإِدْرَاكُ الْغَايَةِ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى وَابْنُ رَزِينٍ وَقَالَ: إنَّهُ أَصَحُّ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ: إنَّهُ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ وَالْمُخْتَارُ لِلْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ أَرْبَعُمِائَةٍ: قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَحَكَى عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ سِتُّمِائَةِ رِطْلٍ. انْتَهَى.

قُلْت: وَيُؤْخَذُ مِنْ رِوَايَةٍ نَقَلَهَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: أَنَّ الْقُلَّتَيْنِ أَرْبَعُمِائَةِ رِطْلٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ رِطْلًا وَثُلُثَا رِطْلٍ. فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ، وَعَنْهُ وَنِصْفٌ. وَعَنْهُ وَثُلُثٌ. وَالْقِرْبَةُ تَسَعُ مِائَةَ رِطْلٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا. فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ: يَكُونُ الْقُلَّتَانِ مَا قُلْنَا. وَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ الرِّوَايَاتِ فِيمَا تَسَعُ الْقُلَّةَ، وَمَا قُلْنَاهُ لَازَمَ ذَلِكَ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: مِسَاحَةُ الْقُلَّتَيْنِ إذَا قُلْنَا إنَّهُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا. قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِ.

الثَّانِيَةُ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الرِّطْلَ الْعِرَاقِيَّ: مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ. فَهُوَ سُبُعُ الرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ، وَنِصْفُ سُبُعِهِ. وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: هُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ: نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فِيهِ. وَلَمْ أَجِدْ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي إلَّا كَالْمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِ. وَقِيلَ: هُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَهُوَ فِي الْمُغْنِي الْقَدِيمِ. وَقِيلَ: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ: وَالرِّطْلُ الْعِرَاقِيُّ الْآنَ: مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا، وَهُوَ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ مِثْقَالًا. وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ

ص: 68

تِسْعُونَ مِثْقَالًا، زِنَتُهَا مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعٍ. فَزِيدَ فِيهَا مِثْقَالٌ لِيَزُولَ الْكَسْرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: ذَلِكَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَكُونُ الْقُلَّتَانِ بِالدِّمَشْقِيِّ مِائَةَ رِطْلٍ وَسَبْعَةَ أَرْطَالٍ وَسُبُعُ رِطْلٍ. قَوْلُهُ (وَهَلْ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ، أَوْ تَحْدِيدٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَقْرِيبٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ فِي الْكَافِي: أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ تَقْرِيبٌ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ وَغَيْرُهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَحْدِيدٌ، اخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ. قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى إذْ قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ: يَكُونُ تَقْرِيبًا. وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ إذَا قُلْنَا: هُمَا أَرْبَعُمِائَةٍ. وَاخْتَارَ: أَنَّ الْأَرْبَعَمِائَةِ تَحْدِيدٌ، وَالْخَمْسَمِائَةِ تَقْرِيبٌ. وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّ الْخَمْسَمِائَةِ تَقْرِيبٌ.

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ فِي التَّقْرِيبِ وَالتَّحْدِيدِ لِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ. أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ جَارٍ، سَوَاءٌ قُلْنَا: هُمَا خَمْسُمِائَةٍ أَوْ أَرْبَعُمِائَةٍ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَالْكَافِي، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعِ، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمْ.

ص: 69

الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ: إذَا قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ، وَهِيَ طَرِيقَتُهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي. فَإِنَّهُ قَالَ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ هُمَا خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ تَقْرِيبًا، أَوْ تَحْدِيدًا؟ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ.

الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الْخَمْسِمِائَةِ رِوَايَتَانِ. وَفِي الْأَرْبَعِمِائَةِ وَجْهَانِ. وَهِيَ الْمُقَدَّمَةُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: الْوَجْهَانِ إذَا قُلْنَا هُمَا خَمْسُمِائَةٍ، وَهُوَ أَظْهَرُ. انْتَهَى.

الثَّانِي: حَكَى الْمُصَنِّفُ الْخِلَافَ هُنَا وَجْهَيْنِ، وَكَذَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَابْنِ مُنَجَّا، وَابْنِ رَزِينٍ فِي شَرْحَيْهِمَا. وَحُكِيَ الْخِلَافُ رِوَايَتَيْنِ فِي التَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمَجْدِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْفَائِقِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: الرِّوَايَتَانِ فِي الْخَمْسِمِائَةِ، وَالْوَجْهَانِ فِي الْأَرْبَعِمِائَةِ. وَقَدَّمَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ: أَنَّ الْخِلَافَ وَجْهَانِ. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ التَّحْدِيدَ لَمْ يُعْفَ عَنْ النَّقْصِ الْيَسِيرِ، وَالْقَائِلُونَ بِالتَّقْرِيبِ يُعْفَوْنَ عَنْ ذَلِكَ.

فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ شَكَّ فِي بُلُوغِ الْمَاءِ قَدْرًا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ. فَفِيهِ وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَجِسٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ: هَذَا الْمُرَجَّحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ طَاهِرٌ. قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ (الْفِقْهِيَّةِ) : وَهُوَ أَظْهَرُ.

ص: 70

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ قَبِلَ قَوْلَهُ، إنْ عَيَّنَ السَّبَبَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: يَقْبَلُ مُطْلَقًا. وَمَشْهُورُ الْحَالِ: كَالْعَدْلِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. فَإِنَّهُمَا قَيَّدَاهُ بِالْبُلُوغِ. وَقِيلَ: يَقْبَلُ قَوْلَ الْمُمَيِّزِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَلَا يَلْزَمُ السُّؤَالُ عَنْ السَّبَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَلْزَمُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ وَلَا أَمَارَةَ: كُرِهَ سُؤَالُهُ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَنَقَلَهُ صَالِحٌ. فَلَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ. وَقِيلَ: بَلَى، كَمَا لَوْ سَأَلَ عَنْ الْقِبْلَةِ. وَقِيلَ: الْأَوْلَى السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ. وَقِيلَ: بِلُزُومِهِمَا. وَأَوْجَبَ الْأَزَجِيُّ إجَابَتَهُ إنْ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ، وَإِلَّا فَلَا.

قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ كَانَ نَجِسًا لَزِمَهُ الْجَوَابُ وَإِلَّا فَلَا.

نَقَلَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ. قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَبَهَ الطَّاهِرُ بِالنَّجِسِ لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ) . وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ، وَهُوَ كَمَا قَالُوا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْأَكْثَرِينَ. وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمُذْهَبِ. وَعَنْهُ يَتَحَرَّى إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ.

اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ شَاقِلَا، وَأَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

ص: 71

تَنْبِيهَانِ

أَحَدُهُمَا: إذَا قُلْنَا يَتَحَرَّى إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ. فَهَلْ يَكْفِي مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ وَلَوْ بِوَاحِدٍ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْكَثْرَةِ عُرْفًا، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ تِسْعَةٌ طَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ، أَوْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ عَشَرَةٌ طَاهِرَةٌ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ؟ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ. قَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَكْفِي مُطْلَقُ الزِّيَادَةِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ. الْعُرْفَ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ، فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِمَا كَثُرَ عَادَةً وَعُرْفًا، وَاخْتَارَهُ النَّجَّادُ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالتَّحَرِّي: إذَا كَانَ النَّجِسُ عُشْرَ الطَّاهِرِ: يَتَحَرَّى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُذْهَبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي جَامِعِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا: اعْتِبَارُ ذَلِكَ بِعَشَرَةٍ طَاهِرَةٍ وَوَاحِدٍ نَجِسٍ. وَأَطْلَقَهُنَّ ابْنُ تَمِيمٍ وَأَطْلَقَ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْأُوَلَ: الزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقُ. الثَّانِي: قَوْلُهُ " لَمْ يَتَحَرَّ فِيهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " يُشْعِرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُ النَّجِسِ الطَّاهِرِ، أَوْ تَسَاوَيَا. وَلَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنْ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ. وَقَالَ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ، وِفَاقًا لِدَاوُدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيِّ. وَسَحْنُونٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ: أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُرِدْ هَذَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْقَوْلِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ " فَدَلَّ أَنَّ فِي الْمَذْهَبِ خِلَافًا مَوْجُودًا قَبْلَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَثُرَ عَدَدُ الطَّاهِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

أَمَّا إذَا تَسَاوَيَا، أَوْ كَانَ عَدَدُ النَّجِسِ أَكْثَرَ: فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ التَّحَرِّي، إلَّا تَوْجِيهٌ لِصَاحِبِ الْفَائِقِ، مَعَ التَّسَاوِي، رَدًّا إلَى الْأَصْلِ. فَيَحْتَاجُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَى جَوَابٍ لِتَصْحِيحِهِ.

ص: 72

فَأَجَابَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، بِأَنْ قَالَ: هَذَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَوَاطِئِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَحَالِّهِ. وَهُوَ مَجَازٌ سَائِغٌ.

قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ فِي مَفْهُومِ كَلَامِهِ، وَالْمَفْهُومُ لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَابْنِ عَقِيلٍ وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. وَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ الشَّارِعِ. ثُمَّ ظَهَرَ لِي جَوَابٌ آخَرُ أَوْلَى مِنْ الْجَوَابَيْنِ، وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّ الْإِشْكَالَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ. وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ لَقَيَّدَهُ. وَلَهُ فِي كِتَابِهِ مَسَائِلُ كَذَلِكَ، نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ.

فَوَائِدُ

إحْدَاهُمَا: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِالتَّحَرِّي: أَنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَعَهُ. فَقَدْ يُعَايَى بِهَا. الثَّانِيَةُ: حَيْثُ أَجَزْنَا لَهُ التَّحَرِّي، فَتَحَرَّى فَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَرَاقَهُمَا، أَوْ خَلَطَهُمَا بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ. انْتَهَى.

قُلْت: فَلَوْ قِيلَ بِالتَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ إرَاقَةٍ وَلَا خَلْطٍ. لَكَانَ أَوْجَهَ، بَلْ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ الْمُشْتَبَهِ هُنَا كَعَدَمِهِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ.

أَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ. فَإِنَّهُ لَا يَتَحَرَّى، قَوْلًا وَاحِدًا.

وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ: فَإِنْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ: امْتَنَعَ مِنْ التَّيَمُّمِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَجَازُوا التَّيَمُّمَ هُنَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الطَّهُورِ. وَهُنَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ.

ص: 73

مِثَالُهُ: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ النَّجِسُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ بِيَسِيرٍ. وَالطَّهُورُ قُلَّتَانِ فَأَكْثَرُ بِيَسِيرٍ، أَوْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ. وَيَشْتَبِهُ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا: إذَا كَانَ النَّجَسُ غَيْرَ بَوْلٍ. فَإِنْ كَانَ بَوْلًا لَمْ يَتَحَرَّ، وَجْهًا وَاحِدًا. قَالَهُ فِي الْكَافِي، وَابْنُ رَزِينٍ، وَغَيْرُهُمَا.

الثَّالِثَةُ: لَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، ثُمَّ عَلِمَ النَّجَسَ: لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَلْزَمُهُ وَلَوْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ، فَبَانَ أَنَّهُ طَهُورٌ: لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ وَالْفَائِقِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ احْتَاجَ إلَى الشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَمَتَى شَرِبَ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَاهِرًا: فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ فَمِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. جَزَمَ فِي الْفَائِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَصَحَّحَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وُجُوبَ الْغَسْلِ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفُرُوعُ.

الْخَامِسَةُ: الْمَاءُ الْمُحَرَّمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ: كَالْمَاءِ النَّجِسِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى هُنَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ إنَاءٍ وُضُوءًا، وَيُصَلِّي بِهِمَا مَا شَاءَ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَهَلْ يُشْتَرَطُ إرَاقَتُهُمَا، أَوْ خَلْطُهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْكَافِي، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْفَائِقِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَالْفُرُوعِ. إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ الْإِعْدَامُ. وَهِيَ الْمَذْهَبُ قَالَ فِي الْمُذْهَبِ: هَذَا أَقْوَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ النَّاظِمُ: هَذَا أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ

ص: 74

ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ [وَالْعُمْدَةِ] وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَابْنِ تَمِيمٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. قَالَ الْمَجْدُ، وَتَبِعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنُ رَزِينٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الطَّلَبُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى: أَرَاقَهُمَا. وَعَنْهُ: أَوْ خَلَطَهُمَا. وَقَالَ فِي الْكُبْرَى: خَلَطَهُمَا، أَوْ أَرَاقَهُمَا. وَعَنْهُ تَتَعَيَّنُ الْإِرَاقَةُ. وَقَطَعَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّ حُكْمَ الْخَلْطِ حُكْمُ الْإِرَاقَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ.

فَوَائِدُ إحْدَاهُمَا: لَوْ عَلِمَ أَحَدٌ النَّجَسَ فَأَرَادَ غَيْرَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ: لَزِمَهُ إعْلَامُهُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي بَابِ النَّجَاسَةِ. وَفَرَضَهُ فِي إرَادَةِ التَّطَهُّرِ بِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ إنْ قِيلَ إنْ إزَالَتُهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ: أَعَادَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ. إنْ لَمْ نَقُلْ: إزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ غَيْرِ الْمَاءِ، كَالْمَائِعَاتِ وَنَحْوِهَا: فَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ: حَرُمَ التَّحَرِّي بِلَا ضَرُورَةٍ. وَقَالَهُ فِي الْكَافِي كَمَا تَقَدَّمَ.

تَنْبِيهَاتٌ أَحَدُهَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِطَهُورٍ تَوَضَّأَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ كَامِلَيْنِ، مِنْ هَذَا وُضُوءًا كَامِلًا مُنْفَرِدًا، وَمِنْ

ص: 75

الْآخَرِ كَذَلِكَ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْوَجِيزِ، وَابْنِ رَزِينٍ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنِ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالنَّظْمِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ [فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالشَّرْحِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَالْمُحَرَّرِ] وَالْخُلَاصَةِ، وَابْنِ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْفَائِقِ، وَابْنِ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرِهِمْ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. ذَكَرَهُ آخِرَ الْبَابِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا، مِنْ هَذَا غَرْفَةٌ، وَمِنْ هَذَا غَرْفَةٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: هَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا فِي الْأَظْهَرِ قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ، فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ: مَذْهَبُنَا يَتَوَضَّأُ مِنْهَا وُضُوءًا وَاحِدًا، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ عِنْدَهُ طَهُورٌ بِيَقِينٍ. فَمَنْ يَقُولُ " يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ " لَا يُصَحِّحُ الْوُضُوءَ مِنْهُمَا. وَمَنْ يَقُولُ " وُضُوءًا وَاحِدًا: مِنْ هَذَا غَرْفَةٌ وَمِنْ هَذَا غَرْفَةٌ " يُصَحِّحُ الْوُضُوءَ كَذَلِكَ مَعَ الطَّهُورِ الْمُتَيَقَّنِ.

الثَّانِي: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " تَوَضَّأَ " أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا بِالتَّحَرِّي، إذَا اشْتَبَهَ الطَّهُورُ بِمَائِعٍ طَاهِرٍ غَيْرِ الْمَاءِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ تَرَكَ فَرْضَهُ وَتَوَضَّأَ مِنْ وَاحِدٍ فَقَطْ. ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ مُصِيبٌ. فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ.

الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ عُبَيْدَانَ: قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَيَتَخَرَّجُ فِي هَذَا الْمَاءِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إنَّهُ طَهُورٌ. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ: أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى. انْتَهَى.

ص: 76

قُلْت: هَذَا مُتَعَيِّنٌ. وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ. وَمَتَى حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ أَوْ بِطَهُورِيَّتِهِ. فَمَا اشْتَبَهَ طَاهِرٌ بِطَهُورٍ، وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِنَجِسٍ، أَوْ بِطَهُورٍ مِثْلِهِ. وَلَبِسَتْ الْمَسْأَلَةُ. فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّخْرِيجِ. وَمُرَادُ ابْنِ عَقِيلٍ: إذَا كَانَ الطَّاهِرُ مُسْتَعْمَلًا فِي رَفْعِ الْحَدَثِ. وَالْمَسْأَلَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ (وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قُلْنَا: يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ، أَوْ وُضُوءًا وَاحِدًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُصَلِّي صَلَاتَيْنِ، إذَا قُلْنَا: يَتَوَضَّأُ وُضُوأَيْنِ.

قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، وَغَيْرُهُمَا: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ: وَهُوَ مُفْضٍ إلَى تَرْكِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ.

فَائِدَةٌ: لَوْ احْتَاجَ إلَى شُرْبٍ تَحَرَّى، وَشَرِبَ الْمَاءَ الطَّاهِرَ عِنْدَهُ. وَتَوَضَّأَ بِالطَّهُورِ ثُمَّ تَيَمَّمَ مَعَهُ احْتِيَاطًا، إنْ لَمْ يَجِدْ طَهُورًا غَيْرَ مُشْتَبِهٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ، صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ صَلَاةً بِعَدَدِ النَّجِسِ، وَزَادَ صَلَاةً) .

يَعْنِي: إذَا عَلِمَ عَدَدَ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، نُصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ مُنَجَّا، وَابْنُ عُبَيْدَانَ فِي شُرُوحِهِمْ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْعُمْدَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى مَعَ كَثْرَةِ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ لِلْمَشَقَّةِ اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُ النَّجِسِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُصَلِّي فِي أَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي انْتَهَى. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى، سَوَاءٌ قَلَّتْ الثِّيَابُ أَوْ كَثُرَتْ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ وَمُنَاظَرَاتِهِ. وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَقِيلَ: يُصَلِّي فِي وَاحِدٍ بِلَا تَحَرٍّ. وَفِي

ص: 77

الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا بَانَ طَاهِرًا. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَقِيلَ: يُكَرِّرُ فِعْلَ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ، كُلَّ مَرَّةٍ فِي ثَوْبٍ مِنْهَا بِعَدَدِ النَّجِسِ، وَيَزِيدُ صَلَاةً، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَافِي: فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ فِي عَدَدِ النَّجِسِ.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ كَثُرَ عَدَدُ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ، وَلَمْ يَعْلَمْ عَدَدَهَا، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُصَلِّي حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ. وَنُقِلَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ قَالَ: يَتَحَرَّى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا الْأَمْكِنَةُ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ بِالنَّجِسَةِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ.

لَمْ يَتَحَرَّ لِلنِّكَاحِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: يَتَحَرَّى فِي عَشَرَةٍ. وَلَهُ النِّكَاحُ مِنْ قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ وَبَلْدَةٍ. وَفِي لُزُومِ التَّحَرِّي وَجْهَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ. قَالَ فِي الْفَائِقِ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ بَلَدٍ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِهِنَّ، وَيُمْنَعُ فِي عَشْرٍ. وَفِي مِائَةٍ وَجْهَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَقِيلَ: يَتَحَرَّى فِي مِائَةٍ، وَهُوَ بَعِيدٌ. انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: إذَا اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءِ أَهْلِ مِصْرَ جَازَ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى النِّكَاحِ. وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّحَرِّي عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِلَحْمِ أَهْلِ مِصْرَ أَوْ قَرْيَةٍ. وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ.

مُنِعَ مِنْ التَّزَوُّجِ

ص: 78