الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفُرُوعِ: فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَظْهَرُ، خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْأَفْضَلُ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلُ، مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ لُبْسُ الْقَمِيصِ. السَّابِعَةُ: يُبَاحُ لُبْسُ الْعَبَاءَةِ. قَالَ النَّاظِمُ: وَلَوْ لِلنِّسَاءِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِلَا تَشَبُّهٍ. الثَّامِنَةُ: يُبَاحُ نَعْلٌ خَشَبٌ. وَنَعْلٌ فِيهِ حَرْفٌ لَا بَأْسَ لِضَرُورَةٍ.
التَّاسِعَةُ: مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ بَيْعُهُ وَخِيَاطَتُهُ وَأُجْرَتُهَا، نُصَّ عَلَيْهِ، الْعَاشِرَةُ: يُكْرَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ جِلْدًا مُخْتَلَفًا فِي نَجَاسَتِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ: لَا يُكْرَهُ. وَعَنْهُ يَحْرُمُ. وَفِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا: إنْ طَهُرَ بِدَبْغِهِ لُبِسَ بَعْدَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ. وَيَجُوزُ لَهُ إلْبَاسُهُ دَابَّةً. وَقِيلَ: مُطْلَقًا كَثِيَابٍ نَجِسَةٍ.
[بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ]
ِ قَوْلُهُ (وَهِيَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ. فَمَتَى لَاقَى بِبَدَنِهِ، أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، أَوْ حَمَلَهَا: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ وَبُقْعَتِهِ وَهِيَ مَحَلُّ بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ مِمَّا لَا يُعْفَى عَنْهُ: شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: طَهَارَةُ مَحَلِّ ثِيَابِهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِابْنِ عَقِيلٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ لَا شَرْطٌ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ [وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِيمَنْ لَاقَاهَا ثَوْبُهُ إذَا سَجَدَ احْتِمَالَيْنِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ] فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي قَرِيبًا إذَا حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ، أَوْ آدَمِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ مَسَّ ثَوْبًا، أَوْ حَائِطًا نَجِسًا، أَوْ قَابَلَهَا وَلَمْ يُلَاقِهَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ طَيَّنَ الْأَرْضَ النَّجِسَةَ، أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئًا طَاهِرًا: صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ) . وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا أَوْلَى، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَالنَّاظِمُ. قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْكَافِي. وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ الْمَبْسُوطَةُ عَلَيْهَا رَطْبَةً: لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ، وَإِلَّا صَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ: إذَا كَانَ الْحَائِلُ صَفِيقًا. فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا أَوْ مُهَلْهَلًا لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ وَجْهًا بِالصِّحَّةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
فَائِدَةٌ:
حُكْمُ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ إذَا بَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ حُكْمُ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ إذَا بَسَطَ عَلَيْهَا شَيْئًا طَاهِرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ هُنَا، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهَا هُنَاكَ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ وَضَعَ عَلَى حَرِيرٍ يَحْرُمُ جُلُوسُهُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَصَلَّى عَلَيْهِ. ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيُتَوَجَّهُ إنْ صَحَّ جَازَ جُلُوسُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ بَسَطَ عَلَى الْأَرْضِ الْغَصْبِ ثَوْبًا لَهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ: لَمْ تَصِحَّ. وَلَوْ كَانَ لَهُ عُلُوٌّ، فَغَصَبَ السُّفْلَ وَصَلَّى فِي الْعُلُوِّ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ. ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ بَسَطَ طَاهِرًا عَلَى أَرْضٍ غَصْبٍ، أَوْ بَسَطَ عَلَى أَرْضِهِ مَا غَصَبَهُ: بَطَلَتْ.
قُلْت: وَيُتَخَرَّجُ صِحَّتُهَا. زَادَ فِي الْكُبْرَى، وَقِيلَ: تَصِحُّ فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ. انْتَهَى.
قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ إنَّمَا يَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَهِيَ مَا إذَا بَسَطَ طَاهِرًا عَلَى أَرْضٍ غَصْبٍ. وَفِي الْفُرُوعِ هُنَا بَعْضُ نَقْصٍ. قَوْلُهُ (وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَكَان طَاهِرٍ مِنْ بِسَاطٍ طَرَفُهُ نَجِسٌ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِهِ، بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى) . اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَلَّى عَلَى مَكَان طَاهِرٍ، مِنْ بِسَاطٍ وَنَحْوِهِ، وَطَرَفُهُ نَجِسٌ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ. وَكَذَا لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَاسَةٍ، وَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ طَاهِرٌ. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: وَلَوْ تَحَرَّكَ النَّجَسُ بِحَرَكَتِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إذَا كَانَ النَّجَسُ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَأَطْلَقَهُمَا ابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ بِحَيْثُ يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ شَيْءٌ مَشْدُودٌ فِي نَجَسٍ، أَوْ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا نَجَاسَةٌ، أَوْ أَمْسَكَ بِحَبْلٍ مُلْقًى عَلَى نَجَاسَةٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى كَالسَّفِينَةِ الْكَبِيرَةِ، وَالْحَيَوَانِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى جَرِّهِ إذَا اسْتَعْصَى عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: إنْ كَانَ الشَّدُّ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ مِمَّا لَا يُمْكِنُ جَرُّهُ مَعَهُ كَالْفِيلِ لَمْ يَصِحَّ، كَحَمْلِهِ مَا يُلَاقِيهَا. وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِمَا.
فَائِدَةٌ:
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ مَا لَا يَنْجَرُّ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ لَوْ انْجَرَّ. قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ خِلَافُهُ، وَهُوَ أَوْلَى.
قَوْلُهُ (وَمَتَى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ: هَلْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ لَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ) .
هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَذَكَرَ فِي التَّبْصِرَةِ وَجْهًا: أَنَّهَا تَبْطُلُ. قَوْلُهُ (فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ، لَكِنْ جَهِلَهَا أَوْ نَسِيَهَا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) . وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ فِي النَّاسِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِيهِمَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفَائِقِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ.
إحْدَاهُمَا: تَصِحُّ. وَهِيَ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ، اخْتَارَهَا الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِمَا فِي الْعُمْدَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ، فَيُعِيدُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ الْإِعَادَةُ. قَالَ فِي الْحَاوِيَيْنِ: أَعَادَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ الْإِفَادَاتُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَجَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَغَيْرُهُمَا فِي النَّاسِي. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ إزَالَتُهَا شَرْطًا أَعَادَ، وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَا. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: يُعِيدُ، إنْ كَانَ قَدْ تَوَانَى، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَقُطِعَ فِي التَّلْخِيصِ: أَنَّ الْمُفَرِّطَ فِي الْإِزَالَةِ وَقِيلَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُعِيدُ بِالنِّسْيَانِ.
تَنْبِيهَانِ
الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، وَالْآمِدِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: مَحَلُّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِ. فَأَمَّا النَّاسِي: فَيُعِيدُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ عَنْهُ نَصٌّ فِي النَّاسِي. انْتَهَى.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي. قَالَهُ الْمَجْدُ. حَكَى الْخِلَافَ فِيهِمَا أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَطْلَقَ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْكَافِي. الثَّانِي: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ
أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اجْتِنَابَهَا وَاجِبٌ: فَيَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَتَقَدَّمَ أَنَّ صَاحِبَ الرِّعَايَةِ حَكَى قَوْلًا وَاحِدًا: أَنَّهُ لَا يُعِيدُ، إنْ قُلْنَا وَاجِبٌ، وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ: أَعَادَ. فَدَلَّ أَنَّ الْمُقَدَّمَ خِلَافُهُ.
الثَّالِثُ: مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ " أَوْ جَهِلَهَا " جَهْلُ عَيْنِهَا.
هَلْ هِيَ نَجَاسَةٌ أَمْ لَا؟ حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا. أَوْ جَهِلَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَحَقَّقَ أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِقَرَائِنَ. فَأَمَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهَا نَجَاسَةٌ وَجَهِلَ حُكْمَهَا: فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقَطَعُوا بِهِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: حُكْمُ الْجَهْلِ بِحُكْمِهَا: حُكْمُ الْجَهْلِ بِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ أَمْ لَا. وَجُزِمَ بِهِ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ. وَأَمَّا إذَا جَهِلَ كَوْنَهَا فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا: فَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ قَوْلُهُ " وَمَتَى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً لَا يَعْلَمُ: هَلْ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ " فَوَائِدُ
الْأُولَى: حُكْمُ الْعَاجِزِ عَنْ إزَالَتِهَا عَنْهُ حُكْمُ النَّاسِي لَهَا فِي الصَّلَاةِ. قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. مِنْهُمْ ابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: وَكَذَا لَوْ زَادَ مَرَضُهُ لِتَحْرِيكِهِ أَوْ نَقْلِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: أَوْ احْتَاجَهُ لِحَرْبٍ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ عَلِمَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ تَبْطُلُ مُطْلَقًا. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ أَمْكَنَ إزَالَتُهَا مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ كَثِيرٍ. وَلَا مُضِيِّ زَمَنٍ طَوِيلٍ: فَالْحُكْمُ كَالْحُكْمِ فِيهَا إذَا عَلِمَ بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ. فَإِنْ قُلْنَا: لَا إعَادَةَ هُنَاكَ: أَزَالَهَا هُنَا وَبَنَى، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَبْطُلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُزَلْ إلَّا بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، أَوْ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ، فَالْمَذْهَبُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ. وَقِيلَ: يُزِيلُهَا وَيَبْنِي. قُلْت: وَهُوَ ضَعِيفٌ، الثَّالِثَةُ: لَوْ مَسَّ ثَوْبُهُ ثَوْبًا نَجِسًا، أَوْ قَابَلَهَا رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، وَلَمْ يُلَاقِهَا. أَوْ سَقَطَتْ عَلَيْهِ فَأَزَالَهَا سَرِيعًا، أَوْ زَالَتْ هِيَ سَرِيعًا، أَوْ مَسَّ حَائِطًا نَجِسًا لَمْ يَسْتَنِدْ
إلَيْهِ: صَحَّتْ صَلَاتُهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ فِي الْجَمِيعِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ. وَلَوْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ: لَمْ يَصِحَّ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ أَوْ آجُرَّةً بَاطِنُهَا نَجِسٌ: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وَلَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ حَمَلَ آدَمِيًّا مُسْتَجْمِرًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إذَا حَمَلَ مُسْتَجْمِرًا. وَأَطْلَقَهُمَا فِي التَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ. وَابْنِ تَمِيمٍ. وَلَوْ حَمَلَ بَيْضَةً مَذِرَةً، أَوْ عُنْقُودَ عِنَبٍ حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا: لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، جَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ. فَإِنَّ الْبَيْضَةَ الْمَذِرَةَ قَاسَهَا عَلَى الْقَارُورَةِ. وَقَالَ: بَلْ أَوْلَى بِالْمَنْعِ. وَقِيلَ: تَصِحُّ صَلَاتُهُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ: وَلَوْ حَمَلَ بَيْضَةً فِيهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ فَوَجْهَانِ، الْخَامِسَةُ: قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْبَابِ: بَاطِنُ الْحَيَوَانِ مُقَوٍّ لِلدَّمِ وَالرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ، بِحَيْثُ لَا يَخْلُو مِنْهَا. فَأَجْرَيْنَا لِذَلِكَ حُكْمَ الطَّهَارَةِ مَا دَامَ فِيهِ تَبَعًا. وَقَالَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَلَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَاتِ بِالِاسْتِحَالَةِ " وَأَمَّا الْمَنِيُّ وَاللَّبَنُ وَالْقُرُوحُ: فَلَيْسَتْ مُسْتَحِيلَةً عَنْ نَجَاسَةٍ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُسْتَتِرًا بِسِتَارٍ خِلْقَةً لَيْسَ بِنَجِسٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهِ. وَتَابَعَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَابْنُ عُبَيْدَانَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْدِ فِي الْمَكَانَيْنِ يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ حَكَمَ بِنَجَاسَةِ مَا فِي الْبَاطِنِ، وَلَكِنْ أَجْرَى عَلَيْهَا حُكْمَ الطَّهَارَةِ تَبَعًا وَضَرُورَةً. وَفِي الثَّانِي: قَطَعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ. وَهَذَا الثَّانِي ضَعِيفٌ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَا اسْتَتَرَ فِي الْبَاطِنِ اسْتِتَارَ خِلْقَةٍ لَيْسَ بِنَجِسٍ. بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِحَمْلِهِ، كَذَا قَالَ. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَإِذَا جَبَرَ سَاقَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَجُبِرَ لَمْ يَلْزَمْهُ قَلْعُهُ إذَا خَافَ الضَّرَرَ) .
وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا لَوْ خَافَ التَّلَفَ. وَعَنْهُ يَلْزَمُهُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ. وَإِذَا لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَهُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
فَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَلْزَمُهُ قَلْعُهُ: قُلِعَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ لَمْ يُقْلَعْ لِلْمَثُلَةِ. وَإِلَّا قُلِعَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يُقْلَعُ، سَوَاءٌ لَزِمَهُ قَلْعُهُ أَمْ لَا. قَوْلُهُ (فَإِنْ سَقَطَتْ سِنُّهُ فَأَعَادَهَا بِحَرَارَتِهَا، فَثَبَتَتْ. فَهِيَ طَاهِرَةٌ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ. وَعَنْهُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ، حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَظْمِ النَّجِسِ إذَا جَبَرَ بِهِ سَاقَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إنْ ثَبَتَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَإِنْ تَغَيَّرَ فَهُوَ نَجِسٌ يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ. وَيُعِيدُ مَا صَلَّى مَعَهُ. وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَعَادَهُ فِي الْحَالِ. قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ شَرِبَ خَمْرًا، وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ: غَسَلَ فَمَهُ وَصَلَّى، وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَيْؤُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ يَلْزَمُهُ، لِإِمْكَانِ إزَالَتِهَا.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَالْحُشِّ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ إنْ عَلِمَ النَّهْيَ لَمْ تَصِحَّ، وَإِلَّا صَحَّتْ. وَعَنْهُ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ فِيهَا. وَتَصِحُّ. قَالَ الْمَجْدُ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ لَفْظًا بِالتَّحْرِيمِ مَعَ الصِّحَّةِ. وَعَنْهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا. وَقِيلَ: إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ، صَحَّتْ. وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ. ذَكَرَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ.
قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي مَوَاضِعِ النَّهْيِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ. وَتَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ.
هَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُحَقِّقِينَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ يَحْكِي الْخِلَافَ فِي الصِّحَّةِ، مَعَ الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ. انْتَهَى.
تَنْبِيهٌ:
عُمُومُ قَوْلِهِ " وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ " يَدُلُّ أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، وَصَحَّحَهَا النَّاظِمُ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. قَالَ فِي الْفُصُولِ فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ: أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا تَجُوزُ. وَعَنْهُ تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، اخْتَارَهَا ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْمُغْنِي، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَعَنْهُ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ: تُبَاحُ فِي مَسْجِدٍ وَمَقْبَرَةٍ. قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: لَا يُكْرَهُ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَيَجُوزُ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَغَيْرِهِمْ: لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ: لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ فِي مَقْبَرَةٍ لِغَيْرِ جِنَازَةٍ، وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.
فَوَائِدُ
الْأُولَى: لَا يَضُرُّ قَبْرٌ وَلَا قَبْرَانِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، إذَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ، جَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ. وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: يَضُرُّ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَالْفَائِقُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ: هَلْ يُسَمَّى مَقْبَرَةً أَمْ لَا؟ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ الْأَظْهَرَ: أَنَّ الْخَشْخَاشَةَ فِيهَا جَمَاعَةُ قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ دَفَنَ بِدَارِهِ مَوْتَى لَمْ تَصِرْ مَقْبَرَةً. قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَذْهَبِ، وَغَيْرُهُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ عَنْ أَعْطَانِ الْإِبِلِ " الَّتِي تُقِيمُ فِيهَا وَتَأْوِي إلَيْهَا " هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، نُصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ: هُوَ مَكَانُ اجْتِمَاعِهَا إذَا صَدَرَتْ
عَنْ الْمَنْهَلِ. زَادَ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَغَيْرُهُ: وَمَا تَقِفُ فِيهِ لِتَرِدَ الْمَاءَ.
زَادَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَقَالَ وَقِيلَ: هُوَ مَا تَقِفُ فِيهِ لِتَرِدَ الْمَاءَ. قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَوْ تَقِفُ لِعَلَفِهَا.
الرَّابِعَةُ: الْحُشُّ: مَا أُعِدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ. فَيُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلَ بَابِهِ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مَوْضِعُ الْكَنِيفِ وَغَيْرِهِ.
الْخَامِسَةُ: الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ: تَعَبُّدٌ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: تَعَبُّدٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قَالَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ تَعَبُّدٌ. وَقِيلَ: مُعَلَّلٌ. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ. فَهُوَ مُعَلَّلٌ بِمَظِنَّةِ النَّجَاسَةِ. فَيَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مَظِنَّةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَمَاكِنِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ. فَعَلَى الْأُولَى: حُكْمُ مُسَلَّحِ الْحَمَامِ وَأَتُونِهِ كَدَاخِلِهِ. وَكَذَا مَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ، نُصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَا غَيْرُهُ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي حَمَّامٍ وَأَتُونِهِ وَبُيُوتِهِ وَمَجْمَعِ وَقُودِهِ، وَكُلِّ مَا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ الْأَمَاكِنِ وَتَحْوِيهِ حُدُودُهُ. وَيَتَنَاوَلُ أَيْضًا كُلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ. فَلَا فَرْقَ فِي الْمَقْبَرَةِ بَيْنَ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَالْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِ الْمَنْبُوشَةِ. وَعَلَى الثَّانِي: تَصِحُّ فِي أَسْطِحَةِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. قَوْلُهُ (وَالْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ) يَعْنِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
وَعَنْهُ تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيمِ، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي فَنُونِهِ، وَالطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: تَصِحُّ إنْ جَهِلَ النَّهْيَ. وَقِيلَ: تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
حَكَاهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: إنْ أَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ: لَمْ تَصِحَّ فِيهِ بِحَالٍ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ. وَقِيلَ يَصِحُّ النَّفَلُ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي بَحْثِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ.
فَهَذِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ فِي النَّفْلِ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ. وَحَيْثُ قُلْنَا " لَا تَصِحُّ فِي الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ " فَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
فَائِدَةٌ:
لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ، بِغَيْرِ إذْنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي كُلِّ أَرْضٍ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ عَدَمَ الصِّحَّةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ. فَلِهَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: حَمْلُهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْلَى، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قُلْت: وَحَمْلُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى إرَادَةِ الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا أَوْلَى، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَظَاهِرُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الصَّلَاةَ هُنَا أَوْلَى مِنْ الطَّرِيقِ. وَأَنَّ الْأَرْضَ الْمُزْدَرَعَةَ: كَغَيْرِهَا. قَالَ: وَالْمُرَادُ وَلَا ضَرَرَ، وَلَوْ كَانَتْ لِكَافِرٍ. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ لِعَدَمِ رِضَاهُ بِصَلَاةِ مُسْلِمٍ بِأَرْضِهِ. قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: حُكْمُ الْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَأَسْطِحَتِهَا: كَذَلِكَ) يَعْنِي كَالْمَقْبَرَةِ وَنَحْوِهَا.
وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَ الشَّارِحُ: أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى هَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَأَلْحَقَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ الْمَوَاضِعِ: الْمَجْزَرَةَ. وَمَحَجَّةَ الطَّرِيقِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَالْمُنْتَخَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفَائِقِ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهَا فِي غَيْرِهَا، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ. وَعَنْهُ تَصِحُّ عَلَى أَسْطِحَتِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصَحِّحْهَا فِي دَاخِلِهَا، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ. وَقَالَ أَبُو الْوَفَا: سَطْحُ النَّهْرِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ حَكَاهَا الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ كَالطَّرِيقِ. قَالَ الْمَجْدُ: وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ الْمَنْعُ فِيهَا. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى أَسْطِحَتِهَا. وَكَرِهَهَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَعْفَرٍ عَلَى نَهْرٍ وَسَابَاطٍ. وَقَالَ الْقَاضِي
فِيمَا تَجْرِي فِيهِ سَفِينَةٌ كَالطَّرِيقِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، وَاخْتَارَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: الصِّحَّةَ كَالسَّفِينَةِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي. وَلَوْ جَمَدَ الْمَاءُ فَكَالطَّرِيقِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ الصِّحَّةَ. قُلْت: وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ، فَقَالَ: لَوْ جَمَدَ مَاءُ النَّهْرِ فَصَلَّى عَلَيْهِ: صَحَّ.
تَنْبِيهٌ:
مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ فِي الْمَدْبَغَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْفَائِقِ. وَقِيلَ: هِيَ كَالْمَجْزَرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ.
فَوَائِدُ
إحْدَاهُمَا: " الْمَجْزَرَةُ ": مَا أُعِدَّ لِلذَّبْحِ وَالنَّحْرِ. وَ " الْمَزْبَلَةُ " مَا أُعِدَّ لِلنَّجَاسَةِ وَالْكُنَاسَةِ وَالزُّبَالَةِ، وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً. وَ " قَارِعَةُ الطَّرِيقِ " مَا كَثُرَ سُلُوكُ السَّابِلَةِ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سَالِكٌ أَوْ لَا، دُونَ مَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ الْمَارَّةِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، نُصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَصِحُّ فِيهِ طُولًا، إنْ لَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ، لَا عَرْضًا. وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي طَرِيقِ الْأَبْيَاتِ الْقَلِيلَةِ.
الثَّانِيَةُ: إنْ بُنِيَ الْمَسْجِدُ بِمَقْبَرَةٍ: فَالصَّلَاةُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ، وَإِنْ حَدَثَتْ الْقُبُورُ بَعْدَهُ حَوْلَهُ، أَوْ فِي قِبْلَتِهِ، فَالصَّلَاةُ فِيهِ كَالصَّلَاةِ إلَى الْمَقْبَرَةِ، عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَصِحُّ. يَعْنِي مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ.
قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ. وَقَالَ فِي الْهَدْيِ: لَوْ وُضِعَ الْقَبْرُ وَالْمَسْجِدُ مَعًا لَمْ يَجُزْ، وَلَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الصَّلَاةُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ: إنْ بُنِيَ فِيهَا مَسْجِدٌ، بَعْدَ أَنْ انْقَلَبَتْ أَرْضُهَا بِالدَّفْنِ: لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بُنِيَ فِي أَرْضٍ الظَّاهِرُ نَجَاسَتُهَا. كَالْبُقْعَةِ النَّجِسَةِ
وَإِنْ
بُنِيَ فِي سَاحَةٍ طَاهِرَةٍ، وَجُعِلَتْ السَّاحَةُ مَقْبَرَةً جَازَتْ؛ لِأَنَّهُ فِي جِوَارِ مَقْبَرَةٍ. وَلَوْ حَدَثَ طَرِيقٌ بَعْدَ بِنَاءِ مَسْجِدٍ عَلَى سَابَاطٍ: صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: لَا يُصَلَّى فِيهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي: قَدْ يُتَوَجَّهُ الْكَرَاهَةُ فِيهِ.
الثَّالِثَةُ: يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ، مِمَّنْ أَطْلَقَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا فِي الطَّرِيقِ وَحَافَّتَيْهَا. فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلضَّرُورَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ، كَذَا تَصِحُّ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي الطَّرِيقِ، وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمْ: تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَائِزِ وَالْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا بِحَيْثُ يُضْطَرُّونَ إلَى الصَّلَاةِ فِي الطُّرُقَاتِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ. وَقِيلَ: صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَالْكُسُوفَيْنِ. وَقِيلَ: وَالِاسْتِسْقَاءِ فِي كُلِّ طَرِيقٍ. وَقَالَ فِي الصُّغْرَى: تَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ: الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ فِي طَرِيقٍ، وَمَوْضِعِ غَصْبٍ. وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَغْصُوبِ. وَخُصَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ بَعْدَ إمَامَةِ الْفَاسِقِ. وَيَأْتِي هُنَاكَ أَيْضًا بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.
الرَّابِعَةُ: مَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ: صَلَّى فِيهَا. وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَمُخْتَصَرِ ابْنِ تَمِيمٍ. قُلْت: الصَّوَابُ عَدَمُ الْإِعَادَةِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا، كَمَنْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَنَحْوِهِ.
قُلْت: قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ: تَقْتَضِي أَنَّهُ يُعِيدُ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهَا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: إنْ عَجَزَ عَنْ مُفَارَقَةِ الْغَصْبِ صَلَّى، وَلَا إعَادَةَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَيْهَا) هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا مَعَ الْكَرَاهَةِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ
الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْإِفَادَاتِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالْفُرُوعِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَالْفَائِقِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إلَيْهَا مُطْلَقًا. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَطْ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالْمَجْدُ، وَصَاحِبُ النَّظْمِ، وَالْفَائِقِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَالْحُشِّ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ إلَى الْمَقْبَرَةِ، وَالْحُشِّ، وَالْحَمَّامِ. وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي إلَى قَبْرٍ أَوْ حُشٍّ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَرِيقٍ. قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ فَعَلَ فَفِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ، قَالَ الْقَاضِي: وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ سَائِرُ مَوَاضِعِ النَّهْيِ إذَا صَلَّى إلَيْهَا إلَّا الْكَعْبَةَ
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ ذَلِكَ حَائِلٌ، وَلَوْ كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ، حَتَّى يَكْفِيَ الْخَطُّ بَلْ كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي. قَالَ: وَيُتَوَجَّهُ أَنَّ مُرَادَهُمْ لَا يَضُرُّ بُعْدٌ كَثِيرٌ عُرْفًا، كَمَا لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَارٍّ أَمَامَ الْمُصَلِّي. وَعَنْهُ لَا يَكْفِي حَائِطُ الْمَسْجِدِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ، وَغَيْرِهِمْ؛ لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فِي قِبْلَتِهِ حُشٌّ وَتَأَوَّلَ ابْنُ عَقِيلٍ النَّصَّ عَلَى سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ مَقَامِ الْمُصَلِّي وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ. وَعَنْ أَحْمَدَ نَحْوُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُبَيِّنُ صِحَّةَ تَأْوِيلِي لَوْ كَانَ الْحَائِلُ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ: لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ. وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي الْقِبْلَةِ كَهِيَ تَحْتَ الْقَدَمِ لَبَطَلَتْ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْكَلْبِ آكَدُ مِنْ نَجَاسَةِ الْخَلَاءِ، لِغَسْلِهَا بِالتُّرَابِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِالْخَطِّ هُنَا. وَلَا وَجْهَ لَهُ. وَعَدَمُهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ غُيِّرَتْ مَوَاضِعُ النَّهْيِ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، كَجَعْلِ الْحَمَّامِ دَارًا، وَنَبْشِ الْمَقْبَرَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ: صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَحَكَى قَوْلًا: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ.
قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا.
فَوَائِدُ:
تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي أَرْضِ السِّبَاخِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَعَ الْكَرَاهَةِ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: إنْ كَانَتْ رَطْبَةً. ثُمَّ قَالَ: قُلْت مَعَ ظَنِّ نَجَاسَتِهَا. وَعَنْهُ الْوَقْفُ. وَتُكْرَهُ فِي أَرْضِ الْخَسْفِ، نُصَّ عَلَيْهِ، وَتُكْرَهُ فِي مَقْصُورَةٍ تُحْمَى، نُصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوَّلًا، إنْ قُطِعَتْ الصُّفُوفُ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ. وَتُكْرَهُ فِي الرَّحَى. وَعَلَيْهَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ. وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. فَقَالَ: مَا سَمِعْت فِي الرَّحَى شَيْئًا. وَلَهُ دُخُولُ بَيْعَةٍ وَكَنِيسَةٍ، وَالصَّلَاةُ فِيهِمَا، مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَنْهُ تُكْرَهُ. وَعَنْهُ: مَعَ صُوَرٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: يَحْرُمُ دُخُولُهُ مَعَهَا. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِنَّهَا كَالْمَسْجِدِ عَلَى الْقَبْرِ. وَقَالَ: وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِأَحَدٍ. وَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ؛ لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ. نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْوَلِيمَةِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي الْكَعْبَةِ. وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا) . هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ. وَعَنْهُ تَصِحُّ، وَاخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَصَاحِبُ الْفَائِقِ.
فَائِدَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهَا: صَحَّتْ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، إلَّا تَوْجِيهًا لِصَاحِبِ الْفُرُوعِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ قَوْلٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِيمَنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ: لَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَى الْبَيْتِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ
صَلَّى خَارِجَهُ لَكِنْ سَجَدَ فِيهِ: صَحَّتْ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَالْحَاوِي. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبِ الْحَاوِي. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُخْتَصَرِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالرِّعَايَةِ. قَوْلُهُ (وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: صِحَّةُ صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِيهَا وَعَلَيْهَا، بِشَرْطِهِ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا.
قُلْت: وَهُوَ بَعِيدٌ. وَعَنْهُ إنْ جَهِلَ النَّهْيَ صَحَّتْ، وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ. وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ فِيهَا إنْ نَقَصَ الْبِنَاءُ وَصَلَّى إلَى مَوْضِعِهِ. وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ النَّفَلُ فَوْقَهَا. وَيَصِحُّ فِيهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حَامِدٍ. وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَلَا يَصِحُّ نَفْلٌ فَوْقَهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَيُصَلِّي النَّافِلَةَ فِي الْكَعْبَةِ، وَكَذَا فِي الْمُنَوِّرِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا " أَنَّهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مِنْهَا: أَنَّهَا تَصِحُّ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مِنْهَا: صَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَالشَّاخِصُ كَالْبِنَاءِ، وَالْبَابِ الْمُغْلَقِ، أَوْ الْمَفْتُوحِ، أَوْ عَتَبَتِهِ الْمُرْتَفِعَةِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْبَابِ إذَا كَانَ مَفْتُوحًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مِنْهَا فَتَارَةً يَبْقَى بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِمَّنْ فِي الْبَيْتِ إذَا سَجَدَ، وَتَارَةً لَا يَبْقَى شَيْءٌ، بَلْ يَكُونُ سُجُودُهُ عَلَى مُنْتَهَاهُ. فَإِنْ كَانَ سُجُودُهُ عَلَى مُنْتَهَى الْبَيْتِ، بِحَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ: فَهَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، بَلْ هُوَ إجْمَاعٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا إذَا سَجَدَ، وَلَكِنْ مَا ثَمَّ شَاخِصٌ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا الصِّحَّةُ، وَهُوَ أَحَدُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوعِ، وَالْوَجْهَيْنِ لِأَكْثَرِهِمْ. وَعِبَارَتُهُ
فِي الْهِدَايَةِ، وَالْكَافِي، وَغَيْرِهِمَا كَذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ، أَوْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ آجُرٌّ مُعَبَّأٌ غَيْرُ مَبْنِيٍّ، أَوْ خَشَبٌ غَيْرُ مَسْمُورٍ فِيهَا. فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي: اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ، وَالْمُنَوِّرِ. فَإِنَّهُ قَالَ " وَيَصِحُّ النَّفَلُ فِي الْكَعْبَةِ إلَى شَاخِصٍ مِنْهَا " وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ. فَإِنَّهُ قَالَ " وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ بِاسْتِقْبَالِ مُتَّصِلٍ بِهَا " وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالْمَجْدِ، وَالتَّلْخِيصِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَابْنُ تَمِيمٍ.
فَوَائِدُ:
الْأُولَى: لَا اعْتِبَارَ بِالْآجُرِّ الْمُعَبَّأِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَلَا الْخَشَبِ غَيْرِ الْمَسْمُورِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ سُتْرَةً. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ بِمَا يَكُونُ سُتْرَةً فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ شَاخِصٌ.
الثَّانِيَةُ: إذَا قُلْنَا " تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ " فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ.
وَقَالَ الْقَاضِي: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ وَعَلَيْهَا. وَنَقَلَهُ ابْنُ تَمِيمٍ. وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: يُصَلِّي فِيهِ إذَا دَخَلَهُ وَجَاهُهُ كَذَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وَلَا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ. وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: يَقُومُ كَمَا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْأُسْطُوَانَتَيْنِ.
الثَّالِثَةُ: لَوْ نُقِضَ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ، أَوْ خَرِبَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى صَلَّى إلَى مَوْضِعِهَا
دُونَ أَنْقَاضِهَا. وَتَقَدَّمَ فِي النَّفْلِ وَجْهٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهَا لِحَالِ نَقْضِهَا، وَإِنْ صَحَّحْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ بَاقِيًا. وَأَمَّا التَّوَجُّهُ إلَى الْحِجْرِ: فَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا.