المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الردة والسب وأحكامهما وما يتعلق بذلك] - شرح الخرشي على مختصر خليل - ومعه حاشية العدوي - جـ ٨

[الخرشي = الخراشي - العدوي]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابٌ أَحْكَامُ الدِّمَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَاب الْبَغْيَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَاب الرِّدَّةَ وَالسَّبَّ وَأَحْكَامَهُمَا وَمَا يَتَعَلَّق بِذَلِكَ]

- ‌[بَابٌ حَدَّ الزِّنَا وَحُكْمَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَابٌ حَدَّ الْقَذْفِ وَحُكْمَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[بَاب السَّرِقَةَ]

- ‌[بَاب الْحِرَابَةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[بَاب حَدَّ الشَّارِبِ وَأَشْيَاءَ تُوجِبُ الضَّمَانَ وَدَفْعَ الصَّائِلِ]

- ‌[بَاب الْعِتْقَ وَأَحْكَامَهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

- ‌[أَرْكَانُ الْعِتْقُ]

- ‌ الْعِتْقَ يَجِبُ بِالنَّذْرِ

- ‌[الْجَنِينَ لَا يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي بَيْعٍ وَلَا فِي عِتْقٍ]

- ‌لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لَهُ

- ‌[بَابٌ فِي التَّدْبِيرُ]

- ‌ صَرِيحِ التَّدْبِيرِ

- ‌[مَا يَبْطُلُ بِهِ التَّدْبِيرُ]

- ‌[بَاب الْمُكَاتَبَ وَالْكِتَابَةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌ بَيْعِ الْكِتَابَةِ

- ‌مُكَاتَبَةِ جَمَاعَةٍ لِمَالِكٍ

- ‌[الْمُكَاتَبَة بِلَا مُحَابَاةٍ]

- ‌[الْخِيَارَ فِي حَالِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ]

- ‌ الْمُكَاتَبَ إذَا مَاتَ عَنْ مَالٍ

- ‌ الْكَافِرَ إذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ

- ‌ الْمُكَاتَبَ إذَا لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ

- ‌ الْمُكَاتَبَ إذَا قَتَلَهُ شَخْصٌ

- ‌الْقَوْلُ لِلسَّيِّدِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْأَدَاءِ لَا الْقَدْرِ وَالْأَجَلِ وَالْجِنْسِ

- ‌[بَابٌ فِي أَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ]

- ‌ أُمَّ الْوَلَدِ لَا تَجُوزُ كِتَابَتُهَا

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَلَاءُ]

- ‌ الْوَلَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمُعْتِقٍ

- ‌ الْوَلَاءَ لَا تَرِثُهُ النِّسَاءُ

- ‌[بَابٌ فِي الْوَصَايَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]

- ‌[أَرْكَانُ الْوَصِيَّةِ]

- ‌ الْوَصِيَّةُ لِلْمَيِّتِ

- ‌ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ لِلذِّمِّيِّ

- ‌[مَا تَبْطُلُ بِهِ الْوَصِيَّةُ]

- ‌ أَوْصَى بِوَصِيَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى

- ‌[الْوَصِيَّةُ لِلْجِيرَانِ]

- ‌ أَوْصَى لَهُ بِمَا لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ

- ‌ شُرُوطِ الْوَصِيِّ الَّذِي تُسْنَدُ إلَيْهِ الْوَصِيَّةُ

- ‌[بَابٌ فِي الْفَرَائِضُ]

- ‌ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ

- ‌[قِسْمَةِ التَّرِكَةِ عَلَى الْفَرِيضَة]

- ‌الْمُنَاسَخَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ

- ‌[فَصْلُ فِي الْمُنَاسَخَةِ]

- ‌لَا يَرِثُ مُلَاعِنٌ وَمُلَاعِنَةٌ

- ‌[مَوَانِعِ الْإِرْثِ]

- ‌وُقِفَ الْقَسْمُ لِلْحَمْلِ وَمَالُ الْمَفْقُودِ لِلْحُكْمِ بِمَوْتِهِ

- ‌ إرْثِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ

الفصل: ‌[باب الردة والسب وأحكامهما وما يتعلق بذلك]

وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا بَعْدَ أَسْرِهَا، فَلَا تُقْتَلُ، وَلَوْ قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ، وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ تَقْتُلْ أَحَدًا، وَإِلَّا فَتُقْتَلُ بِهِ، وَلَوْ بَعْدَ الْأَسْرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قِتَالُهَا بِالسِّلَاحِ، أَوْ بِالْحِجَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُتَأَوِّلَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ فِي حَالِ قِتَالِهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ بِالسِّلَاحِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَكَذَا بَعْدَ أَسْرِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْجِهَادِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ إذَا قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ وَلَوْ لَمْ تَقْتُلْ أَحَدًا أَنَّهَا تُقْتَلُ، وَلَوْ بَعْدَ الْأَسْرِ، وَأَمَّا إنْ قَاتَلَتْ بِالْحِجَارَةِ، فَحُكْمُهَا فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ

. (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ (الرِّدَّةَ وَالسَّبَّ وَأَحْكَامَهُمَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الرِّدَّةُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ قَوْلِك: رَدَّهُ رَدًّا وَرِدَّةً، وَالرِّدَّةُ: الِاسْمُ مِنْ الِارْتِدَادِ، وَالرِّدَّةُ: إمْلَاءُ الضَّرْعِ مِنْ اللَّبَنِ، وَالِارْتِدَادُ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ الْمُرْتَدُّ.

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: حَقِيقَةُ الرِّدَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الْإِسْلَامِ مِنْ مُكَلَّفٍ، وَفِي غَيْرِ الْبَالِغِ خِلَافٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الرِّدَّةُ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ تَقَرَّرَ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِهِمَا، وَعَرَّفَهَا الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (ص) : الرِّدَّةُ كُفْرُ الْمُسْلِمِ (ش) أَيْ: الْمُتَقَرِّرِ إسْلَامُهُ، فَيَشْمَلُ الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ، وَلَا يَتَقَرَّرُ الْإِسْلَامُ إلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَالْتِزَامِ أَحْكَامِهِمَا، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الدَّعَائِمِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ فَقَطْ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: الْمُسْلِمِ مِمَّا إذَا خَرَجَ غَيْرُهُ مِنْ مِلَّةٍ إلَى أُخْرَى كَيَهُودِيٍّ تَنَصَّرَ، أَوْ عَكْسِهِ فَلَا يَكُونُ رِدَّةً، وَيُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا، وَعَدَلَ الْمُؤَلِّفُ عَنْ قَوْلِهِ: كُفْرُ الْمُؤْمِنِ إلَى قَوْلِهِ: كُفْرُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَ الْكُفْرُ إنَّمَا يُقَابَلُ بِالْإِيمَانِ؛ لِكَوْنِ النَّظَرِ هُنَا مَقْصُورًا عَلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا الَّتِي يَنْظُرُ فِيهَا الْحُكَّامُ، وَلَا قُدْرَةَ لِلْبَشَرِ عَلَى مَعْرِفَةِ إيمَانِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا إنَّمَا يَعْرِفُونَ إسْلَامَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَى الْكَلَامِ عَلَى الْأُمُورِ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا كُفْرُ الْمُسْلِمِ فَقَالَ:(ص) بِصَرِيحٍ، أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ (ش) مِثَالُ الصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ: الْعُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ، وَمِثَالُ اللَّفْظِ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ أَنْ يَجْحَدَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ جُزْءًا مِنْهَا، وَكَذَا إذَا قَالَ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ، وَمِثَالُ الْفِعْلِ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ لُبْسُ الزُّنَّارِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ:(كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ وَشَدِّ زُنَّارٍ) مِثَالٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ وَمِثْلُ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ) ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ شَاسٍ هَذَا أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ بَعْدَ أَسْرِهَا، وَلَوْ وَقَعَ أَسْرُهَا حَالَ الْحَرْبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ أُسِرَتْ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ تُقْتَلُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إنْ قَتَلَتْ تُقْتَلُ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ تَقْتُلْ، وَظَفِرْنَا بِهَا بَعْدَ الْمُقَاتَلَةِ لَا تُقْتَلْ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ تَقْتُلْ وَظَفِرْنَا بِهَا فِي حَالِ الْمُقَاتَلَةِ فَإِنْ قَاتَلَتْ بِالسِّلَاحِ قُتِلَتْ وَإِلَّا فَلَا

[بَاب الرِّدَّةَ وَالسَّبَّ وَأَحْكَامَهُمَا وَمَا يَتَعَلَّق بِذَلِكَ]

. (بَابٌ) . (قَوْلُهُ: ذَكَرَ فِيهِ الرِّدَّةَ) أَيْ: تَعْرِيفَهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدُ: وَأَحْكَامَهَا أَيْ: الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالرِّدَّةِ، وَقَوْلُهُ: وَالسَّبَّ إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ حَقِيقَةَ السَّبِّ وَالْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لِلسَّبِّ تَعْرِيفًا. (قَوْلُهُ: مَصْدَرُ قَوْلِك: رَدَّهُ) أَيْ: صَرَفَهُ أَيْ: فَهِيَ مَصْدَرُ رَدَّ الْمُتَعَدِّي بِمَعْنَى صَرَفَهُ، وَقَوْلُهُ: وَالرِّدَّةُ إلَخْ الْمَعْنَى وَالرِّدَّةُ كَمَا هِيَ مَصْدَرُ رَدَّهُ تَكُونُ اسْمًا مِنْ الِارْتِدَادِ الْمُفَسَّرِ بِالرُّجُوعِ، وَقَوْلُهُ: وَالِارْتِدَادُ الرُّجُوعُ، الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ: وَالرِّدَّةُ إمْلَاءُ الضَّرْعِ، وَقَوْلُهُ: وَالرِّدَّةُ إمْلَاءُ الضَّرْعِ، الْمُنَاسِبُ أَنْ يُعَبِّرَ بِقَوْلِهِ: امْتِلَاءُ الضَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ الثَّابِتُ فِي اللُّغَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرِّدَّةَ بِالْكَسْرِ تَأْتِي لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ، تَأْتِي مَصْدَرَ رَدَّهُ بِمَعْنَى صَرَفَهُ وَهُوَ مُتَعَدٍّ، وَتَأْتِي اسْمًا مِنْ الِارْتِدَادِ الَّذِي هُوَ الرُّجُوعُ وَهُوَ لَازِمٌ، وَتَأْتِي بِمَعْنَى امْتِلَاءِ الضَّرْعِ وَهُوَ لَازِمٌ فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِ الْبَالِغِ خِلَافٌ) وَالرَّاجِحُ اعْتِبَارُ رِدَّتِهِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَلَا يُغَسَّلُ إنْ مَاتَ، وَبَعْدَ بُلُوغِهِ يُقْتَلُ مَا لَمْ يَتُبْ. (فَائِدَةٌ) أَوَّلُ مَنْ كَفَرَ إبْلِيسُ بِنِسْبَتِهِ الْجَوْرَ لِلْبَارِي حَيْثُ قَالَ {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] وَلَيْسَ كُفْرُهُ بِالْمُخَالَفَةِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ السُّجُودِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الدَّعَائِمِ) أَيْ: أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ فَالنَّصَارَى وَالْيَهُودُ وَاقِفُونَ عَلَى الدَّعَائِمِ، فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ. (قَوْلُهُ: مَقْصُورًا عَلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا إلَخْ) أَيْ: الْأَحْكَامِ الظَّاهِرِيَّةِ الَّتِي يَنْظُرُ فِيهَا الْحُكَّامُ أَيْ: وَالْإِسْلَامُ هُوَ الِانْقِيَادُ الظَّاهِرِيُّ لِلْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْإِيمَانِ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ، وَهُوَ خَفِيٌّ لَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: إنَّمَا يَعْرِفُونَ إسْلَامَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَيْ: الَّذِي هُوَ الِانْقِيَادُ الظَّاهِرِيُّ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا اُحْتِيجَ إلَخْ) أَيْ: وَلَيْسَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِصَرِيحٍ مِنْ تَتِمَّةِ التَّعْرِيفِ خِلَافًا لِبَهْرَامَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ تَمَّ بِدُونِهِ. (قَوْلُهُ: لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِيَقْتَضِيهِ، أَوْ يَتَضَمَّنُهُ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ لَا التَّضَمُّنُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مِثَالُ الصَّرِيحِ كَقَوْلِهِ: الْعُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ) أَيْ: وَكَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ إلَخْ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ فَمَا وَجْهُ كَوْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الصَّرِيحِ فِي الْكُفْرِ بِخِلَافِ الثَّانِي إذْ كِلَاهُمَا الْبَارِي مُنَزَّهٌ عَنْهُ قَطْعًا؟ ، فَالْمُنَاسِبُ مَا أَفَادَهُ تت بِقَوْلِهِ: بِأَنْ يَقُولَ: كَفَرَ بِاَللَّهِ أَوْ بِمُحَمَّدٍ. (قَوْلُهُ: وَمِثَالُ اللَّفْظِ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ إلَخْ) أَيْ: الْمُقْتَضِي لِقَطْعِ الْإِسْلَامِ وَزَوَالِهِ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ: اللَّهُ جِسْمٌ مُتَحَيِّزٌ) أَيْ: آخِذٌ قَدْرًا مِنْ الْفَرَاغِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ: جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَكْفُرُ قَائِلُهُ، أَوْ مُعْتَقِدُهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عَلَى الصَّحِيحِ. (قَوْلُهُ: كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ) وَمِمَّا يَرْتَدُّ بِهِ وَضْعُهُ بِالْأَرْضِ مَعَ قَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَهُ بِالْقَذَرِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ جُنُبًا. (قَوْلُهُ: يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ) أَيْ: قَطْعَ الْإِسْلَامِ أَيْ: زَوَالَهُ

ص: 62

الْمُصْحَفِ كِتَابُ الْحَدِيثِ إذَا أَلْقَاهُ بِقَذَرٍ، أَوْ حَرَقَهُ اسْتِخْفَافًا وَأَمَّا حَرْقُهُ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا، أَوْ مَوْضُوعًا فَلَا وَفِي كَلَامِ ز نَظَرٌ، وَأَمَّا إلْقَاءُ كُتُبِ الْفِقْهِ فِي الْقَذَرِ، فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ، وَمِثْلُ الْمُصْحَفِ الْآيَةُ، أَوْ الْحَرْفُ مِنْهُ، وَالْمُرَادُ بِالْقَذَرِ مَا يُسْتَقْذَرُ، وَلَوْ طَاهِرًا كَالْبُصَاقِ لَا خُصُوصُ الْعَذِرَةِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مُرْتَدًّا إذَا شَدَّ الزُّنَّارَ فِي وَسَطِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ، وَالزُّنَّارُ بِضَمِّ الزَّايِ، وَمِثْلُهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِزِيِّ الْكُفَّارِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْمَشْيُ إلَى الْكَنِيسَةِ وَنَحْوُهُ، وَقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا فَعَلَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ

. (ص) وَسِحْرٌ (ش) هَذَا جَامِعٌ لِلَّفْظِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ، وَالْفِعْلِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ اسْتَصْوَبَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَلَامَ أَصْبَغَ وَحَكَاهُ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ قُدَمَاءِ الْأَصْحَابِ، وَاسْتَشْكَلَ قَوْلَ مَالِكٍ أَنَّ تَعَلُّمَهُ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ. اهـ.، وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ السِّحْرَ بِقَوْلِهِ: هُوَ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ هَكَذَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ. اهـ.، وَإِذَا حُكِمَ بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَجَاهَرًا بِهِ فَيُقْتَلُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ، وَمَالُهُ فَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ يُخْفِيهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ كَمَا يَأْتِي

. (ص) وَقَوْلٌ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بَقَائِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ أَنَّ الْعَالَمَ وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ قَدِيمٌ فَقَدْ كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ غَيْرُ اللَّهِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: بِبَقَائِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْقِدَمِ الْقِدَمُ الذَّاتِيُّ لَا الزَّمَانِيُّ، وَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي الْقِدَمِ، أَوْ الْبَقَاءِ لِلْعَالَمِ فَقَوْلُهُ:(أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ) عَطْفٌ عَلَى صَرِيحٍ أَيْ: أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ كِتَابُ الْحَدِيثِ إذَا أَلْقَاهُ بِقَذَرٍ) فِي خَطِّ بَعْضِ الشُّيُوخِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا وَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَكُونَ إلْقَاؤُهُ عَلَى وَجْهِ الْخَوْفِ كَأَنْ يَخَافَ مِنْ الْقَطْعِ، أَوْ الْقَتْلِ فَإِذًا لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا حَرْقُهُ لِكَوْنِهِ ضَعِيفًا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ أَيْ: وَالْفَرْضُ أَنَّهُ مُسْتَخِفٌّ مَعَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا اشْتَدَّ ضَعْفُهُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مَوْضُوعًا أَيْ: مَكْذُوبًا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (قَوْلُهُ: وَفِي كَلَامِ ز نَظَرٌ) أَيْ: فَإِنَّهُ نَظَرَ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إلْقَاءُ كُتُبِ الْفِقْهِ فِي الْقَذَرِ) أَيْ: عَلَى فَرْضِ أَنْ لَوْ خَلَتْ مِنْ اسْمِ اللَّهِ أَوْ اسْمِ نَبِيٍّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مِثْلَ الْمُصْحَفِ أَسْمَاءُ اللَّهِ، وَأَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ لِحُرْمَتِهَا وَتَصْغِيرُ الْمُصْحَفِ كُفْرٌ إنْ قَصَدَ اسْتِهْزَاءً، وَإِلَّا فَلَا. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْقَذَرِ مَا يُسْتَقْذَرُ إلَخْ) فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ مَا نَصُّهُ: وَيَنْبَغِي لِمُؤَدِّبِ الْأَطْفَالِ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مَسْحِ الْأَلْوَاحِ بِالْبُصَاقِ انْتَهَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّ يَنْبَغِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْوُجُوبِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا كُفْرَ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَرَحَ الْبُصَاقَ مِنْ فَمِهِ، أَوْ أَخَذَهُ، وَلَطَّخَهُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذَرٍ أَيْ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْقَذَرُ طَاهِرًا، أَوْ يُجَابُ بِأَنَّ التَّلَطُّخَ الْمُقْتَضِي لِلْكُفْرِ مَا كَانَ تَلْطِيخًا يُشَمُّ مِنْهُ الِاسْتِخْفَافُ.

(قَوْلُهُ: وَنَحْوَهُ) أَيْ: نَحْوَ الْمَشْيِ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ مُخْتَصٍّ بِهِمْ أَيْ: كَالْمَشْيِ لِزِيَارَةِ الْقِسِّيسِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ. (قَوْلُهُ: بِمَا إذَا فَعَلَهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ) قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَمَفْهُومُهُ أَنَّ شَدَّهُ فِي بَلَدِ الْكُفْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى وَقَيَّدَ أَيْضًا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ وَالسُّخْرِيَةِ

. (قَوْلُهُ: هَذَا جَامِعٌ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَحَقَّقَ بِهِ الْكُفْرُ وَقَالَ هُنَا: أَنَّ السِّحْرَ جَامِعٌ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ السِّحْرَ تَارَةً يَكُونُ بِالْقَوْلِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِالْفِعْلِ إلَّا أَنَّ تَفْسِيرَهُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعَظَّمُ بِهِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَوْلٌ لَا غَيْرُ وَوَقَعَ لِبَهْرَامَ أَنَّهُ مِنْ الْقَوْلِ، وَوَقَعَ لِلْبِسَاطِيِّ أَنَّهُ فِعْلٌ، ثُمَّ قَالَ الْبِسَاطِيُّ بَعْدُ: أَنَّهُ مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ الْأَمْرَانِ انْتَهَى، وَتَبِعَهُ شَارِحُنَا وَيَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّ السِّحْرَ تَارَةً يَكُونُ قَوْلًا، وَتَارَةً يَكُونُ فِعْلًا، وَيُدْرِكُ ذَلِكَ مَنْ يَتَعَاطَاهُ. (قَوْلُهُ: إنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ) أَقُولُ: هَذَا يَأْتِي عَلَى أَنَّهُ يُفَسَّرُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ، وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ اسْتَصْوَبَ إلَخْ) أَيْ: فَإِنَّهُ قَالَ: يَكْشِفُ عَنْ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ يُرِيدُ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ فَلَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَتَحَقُّقِهِ كَسَائِرِ مَا يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَ الرَّجُلِ، وَيُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ سِحْرًا قُتِلَ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَهُ عُوقِبَ. (قَوْلُهُ: وَاسْتَشْكَلَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا إشْكَالَ إنْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ قَوْلٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ إلَخْ فَلَعَلَّ هَذَا الْمُسْتَشْكِلَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ.

(قَوْلُهُ: الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَقَادِيرَ كَأَنَّهُ جَمْعُ مُقَدَّرٍ، وَالْكَائِنَاتِ جَمْعُ كَائِنَةٍ أَيْ: ذَاتُ كَائِنَةٍ أَيْ: ثَابِتَةٌ بَعْدَ الْعَدَمِ، وَيُرَادُ بِالذَّاتِ نَفْسُ الشَّيْءِ، وَالْعَطْفُ لِلتَّفْسِيرِ وَفِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ أَيْ: يُنْسَبُ إلَيْهِ التَّأْثِيرُ فِيهَا أَيْ: أَنَّ السِّحْرَ يُؤَثِّرُ فِي وُجُودِ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ. (فَائِدَةٌ) مَا يُؤْخَذُ عَلَى حَلِّ الْمَعْقُودِ فَإِنْ كَانَ يَرْقِيهِ بِالرُّقَى الْعَرَبِيَّةِ جَازَ، وَإِنْ كَانَ بِالرُّقَى الْعَجَمِيَّةِ لَمْ يَجُزْ، وَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَانَ الشَّيْخُ ابْنُ عَرَفَةَ يَقُولُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ النَّفْعُ جَازَ أَيْ: لِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حَقِيقَتِهِ

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ صَانِعَ الْعَالَمِ غَيْرُ اللَّهِ) الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ: لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ الْعَالَمَ لَا صَانِعَ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا قَالَ بِبَقَائِهِ) أَيْ: أَنَّهُ لَا يَفْنَى؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] أَوْ الْمُرَادُ قَالَ بِوُجُوبِ الْبَقَاءِ لِذَاتِهِ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالْقِدَمِ الْقِدَمُ الذَّاتِيُّ لَا الزَّمَانِيُّ) لَا يَخْفَى أَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ مِنْ اصْطِلَاحَاتِ الْفَلَاسِفَةِ فَإِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِالْقِدَمِ الذَّاتِيِّ لِلشَّيْءِ أَنَّهُ غَيْرُ أَثَرٍ لِشَيْءٍ كَاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ أَحَدٌ، وَيُرِيدُونَ بِالْقِدَمِ الزَّمَانِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَوَّلٌ، وَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ الْغَيْرُ كَالْأَفْلَاكِ، فَإِنَّهَا قَدِيمَةٌ بِالزَّمَانِ بِمَعْنَى لَا أَوَّلَ لَهَا، وَلَيْسَتْ قَدِيمَةً بِالذَّاتِ لِوُجُودِ تَأْثِيرِ الْغَيْرِ فِيهَا فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ الْقَوْلُ: بِأَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ بِالزَّمَانِ كُفْرٌ أَيْضًا، وَلَا يَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِالْقِدَمِ الذَّاتِيِّ، فَالْوَجْهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْقِدَمِ الذَّاتِيِّ عَدَمُ الْأَوَّلِيَّةِ، وَأَرَادَ بِالزَّمَانِيِّ طُولَ الزَّمَانِ فِيمَا مَضَى لِلشَّيْءِ مَعَ كَوْنِهِ لَهُ أَوَّلٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا شَكَّ فِي الْقِدَمِ، أَوْ الْبَقَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ.

(قَوْلُهُ: عَطْفٌ عَلَى صَرِيحٍ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: إلْقَاءِ مُصْحَفٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ

ص: 63

الشَّكِّ فِي ذَلِكَ، أَوْ حَصَلَ فِي اعْتِقَادِهِ الشَّكُّ فِي ذَلِكَ أَيْ: فِي قِدَمِ الْعَالَمِ، أَوْ بَقَائِهِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ: بِصَرِيحٍ، أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ، وَعَلَيْهِ فَالْحَدُّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِجَامِعٍ لِخُرُوجِ هَذَا النَّوْعِ مِنْهُ.

وَقَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ وَهُوَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُعْذَرُ فِي مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ بِالْجَهْلِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الرِّسَالَةِ بِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ

(ص) أَوْ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ، أَوْ بِقَوْلِهِ: فِي كُلِّ جِنْسٍ نَذِيرٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ كُفْرٌ، وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَتْ الرُّوحُ مِنْ مُطِيعٍ فَبَعْدَ مَوْتِهِ تَنْتَقِلُ إلَى شَكْلٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ، أَوْ أَعْلَى وَهَكَذَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ عَاصٍ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ إلَى شَكْلٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ، أَوْ أَدْنَى كَجَمَلٍ، أَوْ كَلْبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَهَكَذَا، وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ، وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلشَّرِيعَةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانَاتِ مِنْ الْقِرَدَةِ وَالدُّودِ وَنَحْوِهِمَا نَذِيرًا أَيْ: نَبِيًّا، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ تَكُونُ مُكَلَّفَةً، وَهَذَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ وَأَنْ تُوصَفَ أَنْبِيَاءُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِصِفَاتِهِمْ الذَّمِيمَةِ، وَفِيهِ مِنْ الِازْدِرَاءِ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْمُنِيفِ مَا فِيهِ مَعَ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ، وَتَكْذِيبِ قَائِلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ فِي: قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] الْمُكَلَّفُونَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ

. (ص) ، أَوْ ادَّعَى شِرْكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ عليه السلام، أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ، أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ، أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ، أَوْ اسْتَحَلَّ كَالشُّرْبِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ شَخْصًا مِنْ الْأَشْخَاصِ كَانَ شَرِيكًا مَعَ نَبِيِّنَا عليه السلام، أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا، وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ الْمُنْفَرِدِينَ كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عليهما السلام وَكَذَلِكَ مَنْ جَوَّزَ الْقَوْلَ بِمُحَارَبَةِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام لِأَنَّ

ــ

[حاشية العدوي]

بَعْدُ: فَهُوَ دَاخِلٌ إلَخْ أَيْ: حَيْثُ نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ: أَيْ: أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى الشَّكِّ يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْقَوْلِ وَحَيْثُ نَظَرَ إلَى قَوْلِهِ: أَوْ حَصَلَ إلَخْ فَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ الْفِعْلِ فَيُرَادُ بِهِ وَلَوْ فِعْلَ الْقَلْبِ. (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ) أَيْ: وَبِذَلِكَ الْجَوَابُ يَنْدَفِعُ إلَخْ أَيْ: لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّكَّ تَارَةً يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْقَوْلِ، وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِ الْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ فَالْحَدُّ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: بِصَرِيحٍ إلَخْ مِنْ جُمْلَةِ التَّعْرِيفِ، وَأَمَّا لَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ: بِصَرِيحٍ إلَخْ خَارِجًا عَنْ التَّعْرِيفِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى، وَذَلِكَ يَكُونُ بِصَرِيحٍ أَيْ: وَيَجْعَلُ قَوْلَهُ: أَوْ شَكٍّ إلَخْ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِصَرِيحٍ إلَخْ لَمَا وَرَدَ إشْكَالٌ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ صَرَّحَ إلَخْ) أَيْ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَيْدٍ، وَهُوَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ إلَخْ

. (قَوْلُهُ: تَنْتَقِلُ إلَى شَكْلٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ) أَيْ: تَحِلُّ فِيهِ، وَتَكُونُ رُوحًا لَهُ وَقَوْلُهُ: مُمَاثِلٍ أَيْ: فِي النَّوْعِ بِأَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا طَائِعًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَعْلَى أَيْ: بِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْآدَمِيِّ بَلْ أَعْلَى كَالْمَلَكِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: إلَى شَكْلٍ مُمَاثِلٍ أَيْ: آدَمِيٍّ عَاصٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ أَدْنَى أَيْ: مِنْ غَيْرِ النَّوْعِ كَجَمَلٍ إلَخْ.

(قَوْلُهُ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلشَّرِيعَةِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكُفْرَ يَحْصُلُ بِنَفْيِ وَاحِدٍ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ تُوَقَّفُ الِارْتِدَادُ عَلَى مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ تَفْسِيرُ حَقِيقَةِ التَّنَاسُخِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الشَّخْصَ إذَا اعْتَقَدَ نَفْيَ الْجَنَّةِ، أَوْ النَّارِ يَكْفُرُ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا بِالِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ، وَلَكِنْ بَعْدَ ذَلِكَ تَذْهَبُ إلَى الْجَنَّةِ، أَوْ النَّارِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ كُفْرًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخِ أَحْمَدَ حَيْثُ قَالَ إنْ كَانَتْ مِنْ مُطِيعٍ انْتَقَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ لِشَكْلٍ آخَرَ مُمَاثِلٍ، أَوْ أَعْلَى، وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ عَاصٍ انْتَقَلَتْ لِشَكْلٍ مُمَاثِلٍ، أَوْ أَدْنَى كَجَمَلٍ، أَوْ كَلْبٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَى أَنْ تَصِلَ لِلنَّارِ. اهـ.

يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ كُفْرٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بُطْلَانُهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ) أَيْ: بِحَيْثُ صَارَ مَعْلُومًا ضَرُورَةً فَيَكْفُرُ قَائِلُهُ وَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: الْمُكَلَّفُونَ) أَيْ: مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ نَبِيِّنَا. (قَوْلُهُ: وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيلِ) أَيْ: الَّذِي هُوَ قَوْلُهُ: وَأَنْ تُوصَفَ أَنْبِيَاءٌ إلَخْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بَيَّنَّا مَعَ أَنَّ اللَّازِمَ إذَا كَانَ بَيِّنًا يَكُونُ كُفْرًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ هُنَا بَيِّنٌ فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ

. (قَوْلُهُ: أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ إلَخْ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُحَارَبَةَ بِالْفِعْلِ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي زَمَنِ عِيسَى، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ اعْتِقَادَهُمْ جَوَازَ مُحَارَبَةِ نَبِيٍّ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ زَمَنٍ، وَحَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي أَقْرَبُ لِفَهْمِ أَنَّ حُكْمَ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَهُوَ حِينَئِذٍ عَطْفٌ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ، وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الِاعْتِقَادُ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ، وَجَوَازُ، كَذَا قَالَهُ عج. (قَوْلُهُ: أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ) عَطْفٌ عَلَى صَرِيحٍ مِنْ قَوْلِهِ: بِصَرِيحٍ فَهُوَ عَطْفُ فِعْلٍ عَلَى اسْمٍ يُشْبِهُ الْفِعْلَ وَهُوَ صَادِقٌ بِمَا إذَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ، أَوْ قَالَهُ، وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَقَالَ: عج أَنَّهَا كَمَا تُكْتَسَبُ تَكُونُ وَهْبِيَّةً، وَذَكَرَ اللَّقَانِيِّ أَنَّهَا كَالنُّبُوَّةِ لَا تَكُونُ كَسَبِيَّةٍ. (قَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا) أَيْ: ادَّعَى الْأُولَى، أَوْ الثَّانِيَةَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَيْ: ادَّعَى مُشَارَكَةَ مُسَيْلِمَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي النُّبُوَّةِ أَيْ: أَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا أَيْ: كُلُّ وَاحِدٍ نَبِيٌّ مُسْتَقِلٌّ جَمَعَهُمَا زَمَنُهُمَا، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّ النُّبُوَّةَ شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا أَيْ: أَنَّهُمَا بِمَثَابَةِ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا وَحَمْلُ الطَّرَفِ الثَّانِي عَلَى مَا قُلْنَا أَوَّلًا.

(قَوْلُهُ: كَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ إلَخْ) اُنْظُرْ قَوْلَهُ: وَإِبْرَاهِيمَ مَعَ نُبُوَّةِ لُوطٍ فِي زَمَنِهِ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي إبْرَاهِيمَ، وَاسْمُهُ هَارَانَ قِيلَ: وَنَبِيٌّ إسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ ابْنَاهُ فِي زَمَنِهِ فَلْيُحَرَّرْ كَمَا فِي عب وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ كُفْرُ مَنْ ادَّعَى شَرِكَةَ نُوحٍ، وَلَوْ كَانَ جَاهِلًا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ الْمُفِيدِ أَنَّهُ كَانَ وَحْدَهُ، وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ ادَّعَى مُكَالَمَةَ اللَّهِ، أَوْ مُجَالَسَتَهُ أَوْ قَالَ وَلِيٌّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ: أَنَا اللَّهُ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَكَذَلِكَ يَرْتَدُّ إذَا ادَّعَى

ص: 64

مُحَارَبَتَهُمْ مُحَارَبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ حَارَبَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ كَفَرَ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: إنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِصَفَاءِ الْقَلْبِ إلَى مَرْتَبَتِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَوْهِينِ مَا جَاءَ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَكَذَلِكَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ، أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ، أَوْ الزِّنَا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مُحَرَّمٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ حَلَالٌ، وَلَوْ قَالَ: أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لَكَانَ أَحْسَنَ إذْ مِثْلُهُ مَا إذَا جَحَدَ إبَاحَةَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ كَإِبَاحَةِ أَكْلِ الْعِنَبِ، وَيَخْرُجُ مَا عُلِمَ ضَرُورَةً، وَلَيْسَ بِحُكْمٍ، وَلَا يَتَضَمَّنُ حُكْمًا، وَلَا تَكْذِيبَ قُرْآنٍ كَإِنْكَارِ وُجُودِ بَغْدَادَ وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَغَزْوَةِ تَبُوكَ بِخِلَافِ إنْكَارِ مَكَّةَ وَإِنْكَارِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَحُنَيْنٍ، وَانْظُرْ إنْكَارَ وُجُودِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ

. (ص) لَا بِأَمَاتَهُ اللَّهِ كَافِرًا عَلَى الْأَصَحِّ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ دَعَا عَلَى شَخْصٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ قَالَ: أَمَاتَهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ كَافِرًا بِذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ فِي الشَّتْمِ، وَإِرَادَةُ الْكُفْرِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً لَهُ، وَبِعِبَارَةِ: لَا بِأَمَاتَهُ اللَّهُ كَافِرًا قَالَهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ قَالَهُ لِنَفْسِهِ مَا مَقْصُودُهُ إلَّا الدُّعَاءُ

(ص) وَفُصِلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ شَهِدَ بِكُفْرِ شَخْصٍ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ الْوَجْهَ الَّذِي كَفَرَ بِهِ أَيْ: يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يَقُولَ: كَفَرَ بِالشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، وَيُبَيِّنُهُ وَلَا يُجْمِلُهُ

. (ص) وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ أَصْلِيًّا، أَوْ طَارِئًا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ عَلَى نَائِبِهِ أَنْ يَسْتَتِيبَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ وَبِلَا مُعَاقَبَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَيُطْعَمُ مِنْ مَالِهِ زَمَنَ رِدَّتِهِ، وَأَمَّا وَلَدُهُ وَعِيَالُهُ، فَإِنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهِ زَمَنَ رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعْسِرٌ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ مُبَالَغَةً فِي قَوْلِهِ: بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهُ التَّوْبَةَ، وَلَوْ تَابَ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ سَوَاءٌ تَابَ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتُبْ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَتُبْ، فَيَصِحُّ جَعْلُ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِهِ: وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَحْسِبُ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ إنَّ الثَّلَاثَةَ تُحْسَبُ مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِ الْكُفْرِ عَلَيْهِ لَا مِنْ يَوْمِ الْكُفْرِ، وَلَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ قَالَهُ الشَّيْخُ كَرِيمُ الدِّينِ عَنْ تَقْرِيرٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وَعَلَى هَذَا لَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الثُّبُوتُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَيَّامَ هُنَا لَا تُلَفَّقُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الِاسْتِتَابَةُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ ذَلِكَ الْقَدْرَ، فَكَوْنُهَا ثَلَاثَةً وَاجِبٌ، فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ مَضَى؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ

. (ص) وَاسْتُبْرِئَتْ بِحَيْضَةٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ارْتَدَّتْ، وَكَانَتْ مُتَزَوِّجَةً، أَوْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا

ــ

[حاشية العدوي]

رُؤْيَةَ اللَّهِ الْبَصَرِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَقْلًا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا إذْ لَمْ يَقَعْ لِأَحَدٍ فِي الدُّنْيَا سِوَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ إلَّا أَنَّ اللَّقَانِيِّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَتِهِ نَصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي كُفْرِ مَنْ ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ فِي الدُّنْيَا، وَعَزَا الْقَوْلَ بِكُفْرِهِ لِلْكَوَاشِيِّ، وَالْمَهْدَوِيِّ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى رُؤْيَتَهُ بِقَلْبِهِ فَلَا يَرْتَدُّ.

(فَرْعٌ) لَوْ قَذَفَ الْحُورَ الْعِينَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ مَا لَمْ يَتُبْ وَيَحْتَمِلُ وَلَوْ تَابَ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ، أَوْ جَحَدَ حُكْمًا إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ كُلِّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْقَتْلَ، أَوْ شُرْبَ الْخَمْرَ، أَوْ الزِّنَا أَوْ شَيْئًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ انْتَهَى، فَعَمَّمَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً وَغَيْرَهُ، وَلِذَا قَيَّدَ بِالْعِلْمِ إذْ لَوْ كَانَ خَاصًّا بِالضَّرُورِيِّ مَا قَيَّدَ بِالْعِلْمِ قَالَهُ مُحَشِّي تت. (قَوْلُهُ: وَأَبِي بَكْرٍ إلَخْ) أَيْ: أَنَّهُ إذَا أَنْكَرَ ذَاتَ أَبِو بَكْرٍ لَا يَكْفُرُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَنْكَرَ صُحْبَتَهُ لِوُرُودِ الْقُرْآنِ بِهَا؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ إنْكَارِ مَكَّةَ إلَخْ) إنَّمَا كَفَرَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الْقُرْآنِ، عِبَارَةُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ بِخِلَافِ إنْكَارِ مَكَّةَ أَيْ: فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَهُمَا مِنْ الْأَحْكَامِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَانْظُرْ إنْكَارَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَ إنْكَارَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ؛ لِأَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ اسْمٌ لِلْبَلَدِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ نَفْسَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَمَا كَانَ تَوَقَّفَ

. (قَوْلُهُ: وَإِرَادَةُ الْكُفْرِ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَهَا لِكُفْرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ. (قَوْلُهُ: مَا مَقْصِدُهُ إلَّا الدُّعَاءُ) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ: مَا مَقْصُودُهُ لَا التَّشْدِيدُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مَقْصُودُهُ طَلَبَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِالْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: لِكَافِرٍ أَمَاتَكَ اللَّهُ عَلَى مَا تَخْتَارُ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ، وَأَمَّا إذَا قَالَهُ بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ: يَمْنَعُ كَوْنُ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرًا ضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَالرِّضَا مِنْهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَصْلَحَةُ، وَهِيَ طَمَعُ إسْلَامِهِمْ وَلَوْ بِحَسَبِ مَا يَتَوَالَدُ فِيهِمْ اقْتَضَتْ ذَلِكَ فَلَا يُرَدُّ انْتَهَى ك عَنْ تَقْرِيرٍ

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا وَلَدُهُ وَعِيَالُهُ) أَيْ: وَمِنْهُمْ زَوْجَتُهُ. (قَوْلُهُ: مُبَالَغَةٌ إلَخْ) وَظَاهِرُ الْبِسَاطِيِّ مُبَالَغَةٌ فِي قَوْلِهِ: وَلَا مُعَاقَبَةَ. (فَائِدَةٌ) لَا يُقْبَلُ سَبْقُ اللِّسَانِ بِالْكُفْرِ، فَلَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ قَالَهُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: مُبَالَغَةٌ إلَخْ) أَيْ: أَنَّهُ إذَا تَابَ أَيْ: أَنَّنَا لَا نُجَوِّعُهُ، وَلَا نُعَطِّشُهُ، وَلَا نُعَاقِبُهُ، بَلْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ هَذَا مَعْنَاهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يُتَوَهَّمُ خِلَافُهُ حَتَّى يُحْتَاجُ لِلنَّصِّ عَلَيْهِ أَصْلًا. نَعَمْ رُبَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمُعَاقَبَةِ فَقَطْ أَيْ: أَنَّهُ إذَا تَابَ يَرْتَفِعُ عَنْهُ الْقَتْلُ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يُؤَدَّبُ لِافْتِرَائِهِ أَوَّلًا فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُحْمَلَ إلَخْ أَيْ: أَنَّهُ إذَا قَالَ: أَتُوبُ أَيْ: وَعَدَ بِالتَّوْبَةِ فَلَا يُتْرَكُ، بَلْ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ طَلَبُ التَّوْبَةِ حَتَّى يَتُوبَ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا وَارِدٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمَعْنَى وَاسْتُتِيبَ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَكَمَ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ)

ص: 65

رَجْعِيًّا أَوْ كَانَتْ سُرِّيَّةً، فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا زَادَ عَنْ الْحَيْضَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُرَّةِ، فَإِنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا ارْتَدَّتْ، وَهِيَ مُرْضِعٌ، فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ حَتَّى يُوجَدَ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهَا، وَيَقْبَلَ غَيْرَ أُمِّهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ

(ص) وَمَالُ الْعَبْدِ لِلسَّيِّدِ، وَإِلَّا فَفَيْءٌ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إذَا ارْتَدَّ فَإِنَّ مَالَهُ يَكُونُ لِسَيِّدِهِ بِمُجَرَّدِ ارْتِدَادِهِ يَأْخُذُهُ بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِرْثِ، وَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَرْجِعُ مَالُهُ لَهُ إذَا تَابَ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَابَ فَمَالُهُ لَهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ حُرًّا وَمَاتَ، أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَإِنَّ مَالَهُ يَكُونُ فَيْئًا مَحَلُّهُ بَيْتُ الْمَالِ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ كُفَّارٌ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ فِي مَرَضِهِ وَقُتِلَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ فِيمَا إذَا قُتِلَ قَالَهُ بَعْضٌ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَوْتَ فِي زَمَنِ الِاسْتِتَابَةِ كَذَلِكَ، وَإِذَا مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ الْمُرْتَدُّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ إرْثَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَمَوَالِيهِ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَسْتَرْجِعُ لَهُ

. (ص) وَبَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَإِنَّ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ يَبْقَى عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي رِدَّتِهِ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْأَبِ إنَّمَا تَكُونُ فِي دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَبِعِبَارَةِ وَبَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا أَيْ: حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ صَغِيرًا كَانَ، أَوْ كَبِيرًا وُلِدَ قَبْلَ الرِّدَّةِ، أَوْ بَعْدَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُهُ:(كَأَنْ تَرَكَ) تَشْبِيهٌ فِيمَا قَبْلَهُ أَيْ: كَمَا إذَا تَرَكَ وَلَدَ الْمُرْتَدِّ أَيْ: غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى بَلَغَ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ

. (ص) وَأَخَذَ مِنْهُ مَا جَنَى عَمْدًا عَلَى عَبْدٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ لَا حُرٍّ مُسْلِمٍ كَأَنْ هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ (ش) أَيْ: مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا جَنَى عَمْدًا عَلَى ذِمِّيٍّ، أَوْ عَلَى عَبْدٍ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً بَعْدَ رِدَّتِهِ، أَوْ قَبْلَهَا، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَدِيَةُ الذِّمِّيِّ، وَأَمَّا لَوْ جَنَى عَمْدًا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِذَلِكَ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّ حَدَّهُ الْقَوَدُ، وَهُوَ يَسْقُطُ بِقَتْلِهِ لِرِدَّتِهِ كَمَا إذَا هَرَبَ الْمُرْتَدُّ لِدَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ كَانَ قَتَلَ حُرًّا مُسْلِمًا، فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ لِذَلِكَ وَإِذَا رَجَعَ قُتِلَ لِلرِّدَّةِ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَلِلْقَتْلِ إنْ أَسْلَمَ، وَإِذَا قَذَفَ الْمُرْتَدُّ شَخْصًا فِي بَلَدِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ هَرَبَ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أُسِرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ حَدَّ الْقَذْفِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْفِرْيَةِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ لِمَا يَلْحَقُ الْمَقْذُوفَ مِنْ الْمَعَرَّةِ، وَأَمَّا إذَا قَذَفَهُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ، ثُمَّ أُسِرَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ حَدَّ الْفِرْيَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: عَمْدًا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَبْدِ، لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ مِنْ الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ لَا تَحْمِلُ عَبْدًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْعَمْدَ لِأَجْلِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ خَطَأَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْمُسْلِمِ (ص) ، وَالْخَطَأُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ جِنَايَةَ الْمُرْتَدِّ خَطَأٌ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَعَلَى الْحَرِّ الْمُسْلِمِ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ كَمَا أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ يَأْخُذُ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِمَّنْ جَنَى فَكَمَا يَغْرَمُ عَنْهُ يَأْخُذُ مَالَهُ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ، وَلَهُ مَا لَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْعَبْدِ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً فَفِي مَالِ الْمُرْتَدِّ

. (ص) وَإِنْ تَابَ فَمَالُهُ لَهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا تَابَ، وَرَجَعَ لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّ مَالَهُ يَرْجِعُ لَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ عَبْدًا؛ لِأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَكُونُ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ: وَذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: يُسْتَتَابُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ انْتَهَى.

. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ حَتَّى تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ تَحِيضُ وَلَوْ فِي كُلِّ خَمْسِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِضَعْفٍ، أَوْ إيَاسٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ فَلَا تُسْتَبْرَأُ إلَّا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا، وَحِينَئِذٍ فَإِنَّهَا تُسْتَبْرَأُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ تَحِيضَ فِي أَثْنَائِهَا، وَكُلُّ هَذَا فِيمَنْ لَهَا زَوْجٌ، أَوْ سَيِّدٌ مُرْسَلٌ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَلَا اسْتِبْرَاءَ إلَّا أَنْ تَدَّعِي حَمْلًا وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي ذَلِكَ أَوْ شَكُّوا ذَكَرَهُ عج

. (قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ ارْتِدَادِهِ إلَخْ) ضَعِيفٌ فَقَوْلُهُ: وَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِحَ مُقَابِلُهُ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتُ خِلَافٍ، وَلَكِنَّ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ: يَكُونُ كَمَوْتِهِ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ فَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ

. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ إلَخْ) مُقَابِلُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّوَادِرِ وَابْنُ يُونُسَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا مَا وُلِدَ فِي حَالِ الِارْتِدَادِ فَإِنْ أَدْرَكُوا قَبْلَ أَنْ يَحْتَمِلُوا، أَوْ تَحِيضَ النِّسَاءُ، فَلْيُجْبَرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكُوا حَتَّى كَبُرُوا وَصَارُوا رِجَالًا وَنِسَاءً رَأَيْت أَنْ يُقَرُّوا عَلَى دِينِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا وُلِدُوا عَلَى ذَلِكَ. (قَوْلُهُ كَأَنْ تَرَكَ إلَخْ) جَعَلَ الشَّارِحُ ضَمِيرَ تَرَكَ لِوَلَدِ الْمُرْتَدِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى الْمُرْتَدِّ يَغْفُلُ عَنْهُ، وَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ، وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ

. (قَوْلُهُ: كَأَنْ هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ) أَيْ: بَعْدَ قَتْلِهِ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ أَسَرْنَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ قَوَدًا وَيُقْتَلُ لِرِدَّتِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ قُتِلَ قِصَاصًا. (قَوْلُهُ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ) أَيْ: لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا حَدَّ الْفِرْيَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ، وَحَدُّ الْفِرْيَةِ الَّذِي حَكَمَ بِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ لَيْسَ مَالًا مِنْ الْأَمْوَالِ فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى عَبْدٍ) شَمَلَ الْمُكَاتَبَ وَغَيْرَهُ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَرَبَ لِدَارِ الْحَرْبِ) فِيهِ تَخْصِيصٌ لِلْمَسْأَلَةِ بِالْهَارِبِ مَعَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُحَقِّقُونَ، وَالْمُرَادُ بِالْفِرْيَةِ الْكَذِبُ، وَسُمِّيَ فِرْيَةً؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ عِنْدَ الشَّارِعِ، وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنَهُ فِي نَفْسِهِ حَقًّا. (قَوْلُهُ: لِمَا يَلْحَقُ إلَخْ) أَيْ: فَيُحَدُّ لِلْقَذْفِ، وَيُقْتَلُ بَعْدَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَحْمِلُ عَبْدًا) أَيْ: مُطْلَقًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً. (قَوْلُهُ: وَالْخَطَأُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسٍ، أَوْ جَزْءٍ حِسِّيِّ، أَوْ مَعْنَوِيِّ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ إلَخْ) وَلَا يُقْتَصُّ مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهِ، وَلَوْ عَبْدًا، أَوْ كَافِرًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقِصَاصِ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مَعْصُومًا. (قَوْلُهُ: فَفِي مَالِ الْمُرْتَدِّ) أَيْ: لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا بَيْتُ الْمَالِ لَا تَحْمِلُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيُّ وَالْعَبْدُ إنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ، فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْأَخْذِ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إلَخْ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ لَا يُنَافِي أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ يَكُونُ مَالُهُ لَهُ، وَبَعْدَ كَتْبِي هَذَا رَأَيْتُ النَّقْلَ عَنْ ابْنِ مَرْزُوقٍ حَيْثُ قَالَ: هَذَا أَيْ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ يُنْزَعُ مِنْهُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ، وَيُوقَفُ حَتَّى يُعْلَمَ حَالُهُ. انْتَهَى، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَكَتَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ مَا يُوَافِقُهُ حَيْثُ

ص: 66

بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ الْمَالُ رَقِيقًا كَانَ، أَوْ حُرًّا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي حِلِّ قَوْلِهِ: وَأُخِذَ مِنْهُ مَا جَنَى إلَخْ (ص) وَقُدِّرَ كَالْمُسْلِمِ فِيهِمَا (ش) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَرْجِعُ لِلْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا جَنَى فِي حَالِ رِدَّتِهِ جِنَايَةً عَمْدًا، أَوْ خِطْئًا، فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهِمَا بَعْدَ تَوْبَتِهِ كَالْمُسْلِمِ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا عَلَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَإِنْ كَانَتْ خِطْئًا كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذِمِّيٍّ فَفِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ، وَمَا مَرَّ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْحُرِّ وَالْمُسْلِمِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِيمَا إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، وَأَمَّا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ، فَلَا يُقَدَّرُ مُسْلِمًا، بَلْ مُرْتَدًّا فَفِيهِ ثُلُثُ خُمُسِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَبِعِبَارَةِ الضَّمِيرِ فِي فِيهِمَا يَرْجِعُ لِلْعَمْدِ وَالْخَطَأِ الصَّادِرَتَيْنِ مِنْهُ لَا الصَّادِرَتَيْنِ عَلَيْهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ، وَيَحْتَمِلُ الصَّادِرَتَيْنِ مِنْهُ، أَوْ عَلَيْهِ، فِيهِ نَظَرٌ

. (ص) وَقَتْلُ الْمُسْتَسِرِّ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا (ش) . الْمُسْتَسِرُّ هُوَ الزِّنْدِيقُ الْمُسَمَّى بِالْمُنَافِقِ يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَسِرَّ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِ قَبْلَ تَوْبَتِهِ اخْتِيَارًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْتَسِرًّا بِكُفْرٍ، أَوْ بِسِحْرٍ فَلَوْ جَاءَ إلَيْنَا تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّ تَوْبَتَهُ تُقْبَلُ، فَقَوْلُهُ: بِلَا اسْتِتَابَةٍ أَيْ: بِلَا قَبُولِ تَوْبَةٍ لَا بِلَا طَلَبِ تَوْبَةٍ فَالسِّينُ لَيْسَتْ لِلطَّلَبِ. (ص) وَمَالُهُ لِوَارِثِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَسِرَّ إذَا قُتِلَ فَإِنَّ مَالَهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ إنْ مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ تَابَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لَا تُسْقِطُ قَتْلَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَا إذَا أَنْكَرَ مَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهِ الْبَيِّنَةُ مِنْ الزَّنْدَقَةِ

. (ص) وَقُبِلَ عُذْرُ مَنْ أَسْلَمَ وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ إنْ ظَهَرَ كَأَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَأَعَادَ مَأْمُومَهُ. (ش) الْمَشْهُورُ أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْكُفَّارِ، ثُمَّ ارْتَدَّ، وَقَالَ إنَّمَا كَانَ إسْلَامِي لِأَجْلِ عُذْرٍ حَصَلَ لِي، وَظَهَرَ عُذْرُهُ بِقَرِينَةٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَقُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ ذَهَابِ الْخَوْفِ عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ عُذْرُهُ فَهُوَ مُرْتَدٌّ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ، وَصَلَّى إمَامًا بِمِنْ صَحِبَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا أَمِنَ أَظْهَرَ الْكُفْرَ، وَقَالَ: إنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِأُحَصِّنَ نَفْسِي وَمَالِي بِالْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إذَا أَشْبَهَ مَا قَالَهُ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَهُ يُعِيدُ مَا صَلَّى أَبَدًا، وَفِيهِ نَوْعُ تَكْرَارٍ مَعَ مَا مَرَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَبَطَلَتْ بِاقْتِدَاءٍ بِمَنْ بَانَ كَافِرًا إلَخْ

. (ص) وَأُدِّبَ مَنْ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يُوقَفْ عَلَى الدَّعَائِمِ أَيْ: لَمْ يَلْتَزِمْ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَبُ فَقَطْ قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ: وَإِنَّمَا كَانَ الْتِزَامُ الدَّعَائِمِ رُكْنًا؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ لِلرَّسُولِ عليه السلام بِمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ ضَرُورَةً، وَمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ ضَرُورَةً أَقْوَالُ الْإِسْلَامِ، وَأَعْمَالُهُ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا فَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا لَمْ يُصَدَّقْ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا

ــ

[حاشية العدوي]

نَقَلَ عَنْ التَّوْضِيحِ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذِمِّيٍّ) نُسْخَةُ شَيْخِنَا عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيِّ صَوَابٌ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذِمِّيٍّ فَفِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي الْخَطَأِ. (قَوْلُهُ: فِيمَا إذَا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ) أَيْ: وَأَمَّا لَوْ تَابَ وَرَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ كَالْمُسْلِمِ فِي جِنَايَتِهِ. (قَوْلُهُ: لَا الصَّادِرَتَيْنِ عَلَيْهِ) أَيْ: فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَيْ: فَإِنَّ هَذِهِ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: كَأَخْذِهِ جِنَايَةً عَلَيْهِ أَيْ: فَإِنَّهَا تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا عَلَى حَالِهِ وَلَا يُقَدَّرُ كَالْمُسْلِمِ

. (قَوْلُهُ: هُوَ الزِّنْدِيقُ) أَيْ: عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَقَوْلُهُ: الْمُسَمَّى بِالْمُنَافِقِ أَيْ: فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ كَمَا أَفَادَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ. (قَوْلُهُ: وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) أَيْ: بِحَيْثُ لَا تَقْتُلُهُ، وَإِلَّا فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ مِنْ حَيْثُ تَغْسِيلُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: لَا بِلَا طَلَبٍ إلَخْ) أَيْ: لِأَنَّ نَفْيَ الطَّلَبِ لَا يَنْفِي الْقَبُولَ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ تَوْبَةٌ حَيْثُ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ الْمُسْتَسِرَّ إذَا قُتِلَ) أَيْ: وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ غَيْرُ الْحَاكِمِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ تَابَ) أَيْ: وَأَمَّا إنْ لَمْ يَتُبْ بَلْ اسْتَمَرَّ مُصِرًّا فَلَا يَكُونُ مَالُهُ لِوَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُرْتَدِّ يَكُونُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ. (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ) أَيْ: وَهِيَ حِينَئِذٍ تَنْفَعُهُ فِي عَدَمِ الْقَتْلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهُ أَيْ: وَهِيَ حِينَئِذٍ لَا تَنْفَعُهُ فِي عَدَمِ الْقَتْلِ بَلْ يُقْتَلُ وَلَا بُدَّ. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ إلَخْ) أَيْ: مِثْلَ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَإِنَّ مَالَهُ يَكُونُ لِوَارِثِهِ أَيْ: وَيُقْتَلُ حِينَئِذٍ حَدًّا كَمَا يُفَادُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا سَيَأْتِي

. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: أَسْلَمْتُ عَنْ ضِيقٍ) أَيْ: خَوْفًا مِنْ غُرْمٍ، أَوْ عَذَابٍ. (قَوْلُهُ: وَأَعَادَ مَأْمُومَهُ) أَيْ: وَلَوْ أَسْلَمَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ حَقِيقَةً. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَوْعُ تَكْرَارٍ إلَخْ) إنَّمَا قَالَ: نَوْعُ تَكْرَارٍ وَلَمْ يَقُلْ: تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَكْرَارًا حَقِيقَةً، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ غَيْرُ الْإِعَادَةِ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْإِعَادَةُ فَبِاعْتِبَارِ ذَلِكَ اللُّزُومِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ تَكْرَارًا حَقِيقَةً بَلْ نَوْعٌ مِنْ التَّكْرَارِ

. (قَوْلُهُ: أَيْ: لَمْ يَلْتَزِمْ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ) أَيْ: مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ جَوَابٌ عَنْ اعْتِرَاضٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ، وَحَاصِلُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّ الْوُقُوفَ هُوَ الِاطِّلَاعُ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ وَلَمْ يَلْتَزِمْهَا لَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ مَعَ أَنَّهُ يُقْبَلُ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُقُوفِ الِالْتِزَامُ، فَمَعْنَى وَلَمْ يُوقَفْ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ لِغَيْرِ مَدْلُولِ اللَّفْظِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ، وَهَذَا فِيمَنْ يَجْهَلُ الدَّعَائِمَ، وَأَمَّا مَنْ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا كَمَا لَوْ تَرَبَّى بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ كَالنَّصَارَى وَالْيَهُودِ.

(قَوْلُهُ: قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ) وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ. (قَوْلُهُ: بِمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ) أَيْ: تَفْصِيلًا فِيمَا عُلِمَ تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا فِيمَا عُلِمَ إجْمَالًا. (قَوْلُهُ: أَقْوَالُ الْإِسْلَامِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الِانْقِيَادُ الظَّاهِرِيُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْإِذْعَانِ الْبَاطِنِيِّ فَمَعْنَى الْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ: أَقْوَالُ الْإِسْلَامِ إلَخْ أَيْ: الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُنْقَادٌ ظَاهِرًا انْقِيَادًا مَبْنِيًّا عَلَى انْقِيَادٍ بَاطِنِيٍّ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ، فَالْأَقْوَالُ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ: الْمَبْنِيُّ عَلَيْهَا أَيْ: أَنَّ الْإِسْلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ

ص: 67

وَلَا مُسْلِمًا، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَكْفِي الْإِيمَانُ بِهَا إجْمَالًا بِأَنْ يُصَدِّقَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَالتَّصْدِيقُ بِالرِّسَالَةِ تَصْدِيقٌ بِمَا جَاءَ بِهِ إجْمَالًا، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَيْطِيُّ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْدِيقِ بِهِ تَفْصِيلًا فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ شَبَّهَ فِي الْأَدَبِ قَوْلَهُ

: (ص) كَسَاحِرٍ ذِمِّيٍّ إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ. (ش) يَعْنِي أَنَّ السَّاحِرَ الذِّمِّيَّ يُؤَدَّبُ إذَا سَحَرَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُدْخِلْ عَلَيْهِمْ ضَرَرًا بِسِحْرِهِ، وَأَمَّا إنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ ضَرَرًا بِسِحْرِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِنَقْضِ عَهْدِهِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ كَمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ عليه السلام، وَظَاهِرُهُ أَيُّ ضَرَرٍ كَانَ، قَالَ الْبَاجِيُّ وَإِنْ سَحَرَ أَهْلَ دِينِهِ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا بِسِحْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَبِعِبَارَةٍ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى مُسْلِمٍ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ عَلَى حُكْمِ مَنْ نَقَضَ عَهْدَهُ، فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قَتْلُهُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ كَمَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْبَاجِيِّ

. (ص) وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً وَصِيَامًا وَزَكَاة وَحَجًّا تَقَدَّمَ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا فَرَّطَ فِي الْعِبَادَاتِ قَبْلَ رِدَّتِهِ مِنْ صَلَاةٍ، أَوْ صِيَامٍ، أَوْ زَكَاةٍ، ثُمَّ تَابَ وَرَجَعَ لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ ذَلِكَ، وَتَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ جَبَّ مَا قَبْلَهُ، وَصَارَ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ يُسْلِمُ الْآنَ، وَلَمْ يَجُزْهُ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ الْحَجِّ، بَلْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ، وَبِعِبَارَةٍ: وَأَسْقَطَتْ صَلَاةً وَصِيَامًا وَزَكَاةً فُعِلَتْ أَمْ لَا إلَّا أَنَّهَا إنْ لَمْ تُفْعَلْ أَسْقَطَتْ قَضَاءَهَا، وَإِنْ فَعَلَتْ أَسْقَطَتْ ثَوَابَهَا، وَقَوْلُهُ: وَحَجًّا تَقَدَّمَ هَذَا فُعِلَ قَطْعًا، وَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ بَاقٍ، فَصِلَةُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ عَنْهُ وَصِلَةُ الْحَجِّ لَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيِّدَ هَذِهِ الْأُمُورُ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِالرِّدَّةِ إسْقَاطَهَا، وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ مُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَقَدْ نَقَلَهُ الْمَشَذَّالِيُّ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ فِي الْإِحْصَانِ، قَوْلُهُ: وَحَجًّا إلَخْ بِخِلَافِ عِتْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَاسْتِيلَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَلَا تُسْقِطُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَقْفَ كَذَلِكَ

. (ص) وَنَذْرًا وَكَفَّارَةً وَيَمِينًا بِاَللَّهِ، أَوْ بِعِتْقٍ، أَوْ ظِهَارٍ. (ش) يَعْنِي أَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ عَنْ الْمُرْتَدِّ هَذِهِ الْأُمُورَ سَوَاءٌ حَنِثَ فِيهَا، أَمْ لَا، كَانَ الْعِتْقُ مُعَيَّنًا، أَمْ لَا وَالتَّفْصِيلُ ضَعِيفٌ. (ص) وَإِحْصَانًا وَوَصِيَّةً. (ش) يَعْنِي أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الرِّدَّةِ تُسْقِطُ الْإِحْصَانَ لِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَيَأْتَنِفَانِ الْإِحْصَانَ إذَا أَسْلَمَا وَمَنْ زَنَى مِنْهُمَا بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ لَمْ يُرْجَمْ حَتَّى يَتَزَوَّجَ، وَإِذَا أَوْصَى بِوَصَايَا، ثُمَّ ارْتَدَّ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ تَوْبَتَهُ تُسْقِطُ مَا أَوْصَى بِهِ، قَالَ فِيهَا: إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ عَتَقَتْ أُمُّ وَلَدِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَعَتَقَ مُدَبَّرُهُ فِي

ــ

[حاشية العدوي]

وَالْأَفْعَالِ أَيْ: مُدْرَكٌ بِهَا فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: فَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا لَمْ يُصَدَّقْ بِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ هُوَ الِانْقِيَادُ الْبَاطِنِيُّ فَإِذَا لَمْ يَلْتَزِمْهَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ انْقِيَادٌ بَاطِنِيٌّ، وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا وَلَا مُسْلِمًا، أَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ مُؤْمِنًا فَلِانْتِفَاءِ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الِانْقِيَادُ الْبَاطِنِيُّ الرَّاجِعُ لِقَوْلٍ نَفْسَانِيٍّ كَآمَنْتُ، وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا أَيْ: لِفَقْدِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، وَهِيَ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا الْقَدْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ، الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فَهَذَا الْقَدْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ أَيْ: لَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِ الْإِيمَانِ مِنْ التَّصْدِيقِ تَفْصِيلًا فِيمَا عُلِمَ تَفْصِيلًا، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِزِيَادَةِ مَا قُلْنَاهُ فِي حَلِّهِ أَيْ: تَفْصِيلًا فِيمَا عُلِمَ تَفْصِيلًا، وَمُفَادُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصَدَّقَ إجْمَالًا ثُمَّ لَحِقَهُ الْمَوْتُ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا وَلَا مُسْلِمًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُغَسَّلُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ بِالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي الْقُرْآنِ بِأَنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِمْ إذَا سُئِلَ عَنْهُمْ يَقُولُ: لَا أَدْرِي يَكُونُ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْعِلْمُ التَّفْصِيلِيُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ إلَّا بِإِنْكَارِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ إلَخْ) أَيْ: فَقَضِيَّةُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عُذْرُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ وَأَقُولُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مُرَادَ اللَّخْمِيِّ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَكْفِي فِي جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا مَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ أَيْ: عَقِبَ تَصْدِيقِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُوَرَّثُ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: أَنَّهُ إذَا رَجَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ عَلَى الدَّعَائِمِ يُقْبَلُ عُذْرُهُ وَلَا نَقْتُلُهُ. (قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ) أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ لِمَا فِي الْمَقَامِ مِنْ الْبَحْثِ كَمَا تَبَيَّنَ

. (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَيُّ ضَرَرٍ كَانَ) أَقُولُ: إنَّ السِّحْرَ ضَرَرٌ فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُدْخِلْ ضَرَرًا تَنَاقُضٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُ فِعْلٌ مَعَهُ السِّحْرِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ، فَقُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الضَّرَرُ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يَحْصُلَ عَادَةً

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ وَقْتَهُ بَاقٍ) وَمِثْلُهُ مَنْ أَدَّى صَلَاةً فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ فُعِلَتْ وَرَجَعَ لِلْإِسْلَامِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُقَيِّدَ هَذِهِ الْأُمُورُ) أَيْ: الَّتِي أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُهَا فَيَشْمَلُ قَوْلَهُ بَعْدُ: وَنَذْرًا إلَخْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا تُسْقِطُهُ) أَيْ: سَوَاءٌ أَسْلَمَ، أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَيَخْرُجُ الْمُدَبَّرُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَأُمُّ الْوَلَدِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَيَسْتَمِرُّ الْوَقْفُ مَوْقُوفًا

. (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ ظِهَارٍ) ظَاهِرُهُ الْجَرُّ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ: بِعِتْقٍ وَيَكُونُ سَاكِتًا عَنْ تَنْجِيزِ الظِّهَارِ أَيْ: بِدُونِ يَمِينٍ كَأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. (قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ التَّوْبَةَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الرِّدَّةَ هِيَ الْمُسْقِطَةُ لَا التَّوْبَةُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَثَرُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ أَسْنَدَ الْإِسْقَاطَ إلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: سَوَاءٌ حَنِثَ فِيهَا أَمْ لَا) أَيْ: حَنِثَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ كَمَا أَفَادَهُ غَيْرُهُ أَيْ: وَأَمَّا لَوْ حَنِثَ فِي الْعِتْقِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَقَدْ تَمَّ الْعِتْقُ بِمَثَابَةِ تَنْجِيزِ عِتْقِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ، وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَقَامِ أَنَّهَا تُسْقِطُ هَذِهِ الْأُمُورَ حَنِثَ فِيهَا أَمْ لَا، وَكَذَا تُسْقِطُ الظِّهَارَ الْمُنَجَّزَ فَهِيَ تُسْقِطُ الظِّهَارَ الْمُنَجَّزَ، وَالْيَمِينَ بِالظِّهَارِ، وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ حَيْثُ وَجَبَتْ فِيهِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّفْصِيلُ ضَعِيفٌ) أَيْ: إنَّ ابْنَ كِنَانَةَ يُفَصِّلُ أَيْ: يُقَيِّدُ الْعِتْقَ بِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ، وَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَقَدْ انْعَقَدَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَقٌّ لِمُعَيِّنٍ فَلَا يَسْقُطُ. (قَوْلُهُ: تُسْقِطُ الْإِحْصَانَ) أَيْ: الْكَائِنَ فِي نَفْسِهِ، وَأَمَّا تَحْصِينُهُ لِلزَّوْجَةِ فَلَا يَسْقُطُ بِارْتِدَادِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغَيْرِ، وَكَذَا عَكْسُهُ

ص: 68

الثُّلُثِ، وَبَطَلَتْ وَصَايَاهُ انْتَهَى، وَسَوَاءٌ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ مَاتَ، أَوْ تَابَ، وَأَمَّا لَوْ ارْتَدَّ الْوَاهِبُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَبْطُلَ الْهِبَةُ إلَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ أَنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ

. (ص) لَا طَلَاقًا، وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ الرِّدَّةِ لَا تُسْقِطُ الطَّلَاقَ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ، فَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا مَثَلًا، ثُمَّ ارْتَدَّ، وَرَجَعَ لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ حَلَّتْ لَهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَرْتَدَّا مَعًا، فَإِنْ ارْتَدَّا مَعًا، ثُمَّ رَجَعَا لِلْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الطَّلَاقِ قَدْ بَطَلَ بِالرِّدَّةِ، وَكَذَلِكَ إذَا ارْتَدَّ الْمُحَلِّلُ لِلْمَبْتُوتَةِ، ثُمَّ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ، أَوْ لَمْ يَرْجِعْ فَإِنَّ تَحْلِيلَهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ أَثَرَهُ فِي غَيْرِهِ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمُحَلَّلَةُ، فَتَحِلُّ لِمُطَلِّقِهَا أَوَّلًا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِهِ، وَحَلَّتْ لِلْمُطَلِّقِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّ تَحْلِيلَهَا يَسْقُطُ بِتَوْبَتِهَا، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَكَأَنَّهَا لَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ طَلَاقِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهَا أَبْطَلَتْ فِعْلَهَا فِي نَفْسِهَا، وَهُوَ نِكَاحُهَا الَّذِي أَحَلَّهَا كَمَا أَبْطَلَتْ نِكَاحَهَا الَّذِي أَحْصَنَهَا

. (ص) وَأَقَرَّ كَافِرٌ انْتَقَلَ (لِكُفْرٍ) آخَرَ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا انْتَقَلَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ آخَرَ فَإِنَّا لَا نَتَعَرَّضُ لَهُ، وَنُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَحَدِيثُ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» مَحْمُولٌ عَلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الدِّينُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا، وَمَفْهُومُ كَافِرٍ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقَرُّ إذَا انْتَقَلَ لِلْكُفْرِ، وَمَفْهُومُ لِكُفْرٍ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ لِلْإِسْلَامِ يُقَرُّ وَهُوَ كَذَلِكَ

. (ص) وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ لِصِغَرٍ، أَوْ جُنُونٍ بِإِسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ كَأَنْ مَيَّزَ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ بِسَبَبِ إسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ، وَعَدَمُ تَمْيِيزِ الْوَلَدِ إمَّا لِأَجْلِ صِغَرِهِ، أَوْ لِأَجْلِ جُنُونِهِ، وَلَوْ بَالِغًا، وَغَيْرُ الْأَبِ لَا يَحْكُمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ بِسَبَبِ إسْلَامِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْوَلَدِ الْمُمَيِّزِ الَّذِي لَمْ يُرَاهِقْ بِسَبَبِ إسْلَامِ أَبِيهِ فَقَطْ، وَكَذَا بِإِسْلَامِهِ اسْتِقْلَالًا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَبِ دِنْيَةُ قَوْلِهِ: وَحُكِمَ إلَخْ وَيُجْبَرُ بِالْقَتْلِ إنْ امْتَنَعَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَقَوْلُهُ: لَمْ يُمَيِّزْ الثَّوَابَ مِنْ الْعِقَابِ، أَوْ الْقُرْبَةَ مِنْ الْمَعْصِيَةِ.

(ص) إلَّا الْمُرَاهِقَ وَالْمَتْرُوكَ لَهَا فَلَا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ، وَيُوقَفُ إرْثُهُ. (ش) هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ: وَحُكِمَ بِإِسْلَامِ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ الْمُرَاهِقِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ أَبُوهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ، وَغَفَلْنَا عَنْهُ إلَى أَنْ بَلَغَ سِنَّ الْمُرَاهَقَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِ كُلٍّ، وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ بِالْقَتْلِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ وَلَدٌ مُرَاهِقٌ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَشَبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وُقِفَ مَالُهُ إلَى بُلُوغِ الْوَلَدِ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَرِثَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَرِثْهُ، وَكَانَ الْمَالُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْوَلَدُ قَبْلَ احْتِلَامِهِ لَمْ يَتَعَجَّلْ أَخْذَ ذَلِكَ حَتَّى يَحْتَلِمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُقْتَلْ، وَلَوْ قَالَ: الْوَلَدُ لَا أُسْلِمُ إذَا بَلَغْتُ لَمْ يُنْظَرْ إلَى ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ إيقَافِ الْمَالِ إلَى احْتِلَامِهِ، فَقَوْلُهُ: إلَّا الْمُرَاهِقَ مِنْ الْمُرَاهَقَةِ، وَهِيَ الْمُقَارَبَةُ؛ لِأَنَّهُ قَارَبَ الْبُلُوغَ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يُجْبَرُ بِقَتْلٍ إنْ امْتَنَعَ مُفَرَّعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا مَرَّ وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ كَالتَّهْدِيدِ وَالضَّرْبِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. (ص) وَلِإِسْلَامِ سَابِيهِ إنْ لَمْ

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَأَمَّا لَوْ ارْتَدَّ الْوَاهِبُ إلَخْ) أَيْ: بَعْدَ حِيَازَةِ الْهِبَةِ كَمَا فِي خَطِّ بَعْضِ الشُّيُوخِ، وَالصَّوَابُ قَبْلَ الْحِيَازَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَمَعْنَاهُ لَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِهَا بَلْ تُوقَفُ فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ بَطَلَتْ، وَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ، وَقَوْلُهُ: إلَّا عَلَى قَوْلِ سَحْنُونَ فِيهِ أَنَّ الْحَجْرَ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ إنْ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ

. (قَوْلُهُ: لَا طَلَاقًا) الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ أَنَّ الظِّهَارَ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَأَشْبَهَ الْأَيْمَانَ، وَأَمَّا يَمِينُ الطَّلَاقِ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ حِنْثِهِ، فَإِنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُهَا. (قَوْلُهُ: وَرِدَّةُ مُحَلِّلٍ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ أَسْقَطَتْ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ مَعَ مُرَاعَاةِ النَّفْيِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ زَوْجٍ) أَيْ: وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَالَهُ سَيِّدِي أَحْمَدُ مَا لَمْ يَقْصِدَا بِارْتِدَادِهِمَا التَّحْلِيلَ فَلَا يُحِلَّانِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ بَقِيَ مَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ فَقَطْ، وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ رَجَعَتْ لِلْإِسْلَامِ فَإِنَّ رِدَّتَهَا لَا تُسْقِطُ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ بَعْدُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إسْقَاطٌ إلَّا إذَا ارْتَدَّا مَعًا لَا إنْ حَصَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا

(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ بَلْ، وَلَوْ قُلْنَا: أَنَّهُ مِلَلٌ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِلْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: وَأَقَرَّ إلَخْ أَيْ: وَلَوْ إلَى مَذْهَبِ الْمُعَطِّلَةِ أَوْ الدَّهْرِيَّةِ، وَلَكِنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ عَمَلًا بِمَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلُ

. (قَوْلُهُ: بِإِسْلَامِ أَبِيهِ) الْبَاءُ الْأُولَى مُتَعَلِّقَةٌ بِحُكْمِ صِلَةٍ لَا تَعْلِيلِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالتَّعْلِيلِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَرْفَا جَرٍّ مُتَّحِدَا اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِعَامِلٍ وَاحِدٍ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِإِسْلَامِهِ اسْتِقْلَالًا) هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: أَيْ: لَمْ يُمَيِّزْ الثَّوَابَ مِنْ الْعِقَابِ) رَدَّ ذَلِكَ عج بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ أَنْ يُقَالَ: عَقَلَ الْإِسْلَامِ دِينًا يَتَدَيَّنُ بِهِ، وَفَائِدَةُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِ مَنْ ذُكِرَ الْحُكْمُ بِرِدَّتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إنْ امْتَنَعَ وَذَكَرَهُ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ غَيْرُ شَرْطٍ. (قَوْلُهُ: إلَّا الْمُرَاهِقَ) أَيْ: الْمُمَيِّزَ. (قَوْلُهُ: وَالْمَتْرُوكُ لَهَا إلَخْ) فِي كَلَامِ الْمَوَّاقِ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَتْرُوكِ لَهَا بَيْنَ الْمُمَيِّزِ، وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْمُرَاهِقُ عِنْدَ إسْلَامِ أَبِيهِ فَلَا يَكُونُ إلَّا مُمَيِّزًا فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِمَا لَيْسَ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يُحْكَمْ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُجْبَرُ إلَخْ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ. (قَوْلُهُ: بِإِسْلَامِ كُلٍّ) أَيْ: مِنْ الْمُرَاهِقِ وَالْمَتْرُوكِ لَهَا.

(قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إلَخْ) هَذَا يُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إسْلَامَهُ مُعْتَبَرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ فَائِدَتِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ قَوْلَيْنِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِإِسْلَامِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ جُبِرَ بِالضَّرْبِ، وَلَمْ يُقْتَلْ، وَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ وَأَنَّهُ يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إنْ امْتَنَعَ وَهُوَ الرَّاجِحُ

ص: 69

يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ. (ش) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِإِسْلَامِ أَبِيهِ، وَهُوَ عَامٌّ فِي صِغَارِ الْمَجُوسِ وَالْكِتَابِيِّينَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ أَنَّ الصَّغِيرَ الْكَافِرَ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَوْ نَوَى بِهِ سَابِيَهُ الْإِسْلَامَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ لِأَجْلِ صِغَرِهِ، أَوْ لِأَجْلِ جُنُونِهِ، وَإِنْ كَانَ بَالِغًا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ سَابِيهِ الْمُسْلِمِ، إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ، أَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ تَبَعًا لَهُ

. (ص) وَالْمُتَنَصِّرُ مِنْ كَأَسِيرٍ عَلَى الطَّوْعِ إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ. (ش) يَعْنِي أَنَّ الْأَسِيرَ وَمَنْ دَخَلَ إلَى بِلَادِ الْحَرْبِ بِتِجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا إذَا تَنَصَّرَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ طَوْعًا، فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمُكَلَّفِينَ تُحْمَلُ عَلَى الطَّوْعِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ، فَقَوْلُهُ: عَلَى الطَّوْعِ أَيْ: عِنْدَ الْجَهْلِ، وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ مَفْهُومُ قَوْلِنَا عِنْدَ الْجَهْلِ، فَلَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: عَلَى الطَّوْعِ

. (ص) وَإِنْ سَبَّ نَبِيًّا، أَوْ مَلَكًا وَإِنْ عَرَّضَ، أَوْ لَعَنَهُ، أَوْ عَابَهُ، أَوْ قَذَفَهُ، أَوْ اسْتَخِفَّ بِحَقِّهِ، أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ، أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا، وَإِنْ فِي دِينِهِ، أَوْ خَصْلَتِهِ، أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ، أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ، أَوْ زُهْدِهِ، أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، أَوْ قِيلَ: لَهُ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَعَنَ، وَقَالَ: أَرَدْت الْعَقْرَبَ قُتِلَ، وَلَمْ يُسْتَتَبْ حَدًّا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ. (ش) يَعْنِي أَنَّ مَنْ سَبَّ أَيْ: شَتَمَ نَبِيًّا مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ بِقُرْآنٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ، أَوْ سَبَّ مَلَكًا كَذَلِكَ، أَوْ ذَكَرَ لَفْظَةً مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ كُفْرَ الزِّنْدِيقِ، وَيُقْتَلُ حَدًّا لَا كُفْرًا إنْ قُتِلَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ حِينَئِذٍ لِأَجْلِ ازْدِرَائِهِ لَا لِأَجْلِ كُفْرِهِ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا يُوجِبُ الْقَتْلَ بَيْنَ الصَّرِيحِ وَالتَّعْرِيضِ بِأَنْ يَقُولَ قَوْلًا فِي

ــ

[حاشية العدوي]

قَوْلُهُ: وَهُوَ عَامٌّ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ عَلَى حِلِّ شَارِحِنَا يَكُونُ الْمُصَنِّفُ ذَاكِرًا لِلْقَوْلَيْنِ فَمَشَى فِي بَابِ الْجَنَائِزِ عَلَى قَوْلٍ، وَهُنَا عَلَى قَوْلٍ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ فِيهَا، فَإِذَا كَانَتْ الرِّوَايَتَانِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَمَا تَقَدَّمَ يَكُونُ هُوَ الرَّاجِحُ وَمَا هُنَا خِلَافُهُ، وَذَهَبَ عج إلَى أَنَّ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِيٍّ صَغِيرٌ، وَمَا هُنَا فِي مَجُوسِيٍّ صَغِيرٍ فَلَا مُعَارَضَةَ وَأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ أَيْ: الْمَجُوسِيُّ الْكَبِيرُ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ الْمَجُوسِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَكُونُ إسْلَامُهُ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبِيهِ لِجَبْرِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ الصَّغِيرَ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا، وَالْمَجُوسِيُّ الْكَبِيرُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَالْكِتَابِيُّ الْكَبِيرُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اتِّفَاقًا، وَالصَّغِيرُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الرَّاجِحِ، ثُمَّ مَا هُنَا فِي غَيْرِ اللَّقِيطِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي اللُّقَطَةِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ، ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا فِي قُرَى الْمُسْلِمِينَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا بَيْتَانِ إنْ الْتَقَطَهُ مُسْلِمٌ.

. (قَوْلُهُ: وَالْمُتَنَصِّرُ) أَيْ: وَالْمُتَهَوِّدُ لَوْ فُرِضَ.

(قَوْلُهُ: مَنْ كَأَسِيرٍ) أُدْخِلَتْ الْكَافُ مَنْ دَخَلَ بِلَادَ الْحَرْبِ لِتِجَارَةٍ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: عَلَى الطَّوْعِ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: عِنْدَ الْجَهْلِ أَيْ: لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ وَلَا طَوْعُهُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ مَعْنَاهُ، وَلَا طَوْعُهُ فَيَكُونُ عَيْنُ قَوْلِهِ: عِنْدَ الْجَهْلِ وَقَوْلُهُ فَلَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: عَلَى الطَّوْعِ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى الطَّوْعِ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْجَهْلِ فَالْإِغْنَاءُ حَاصِلٌ قَطْعًا، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَثْبُتْ إكْرَاهُهُ أَيْ: بِالشَّخْصِ أَوْ بِالْعُمُومِ كَمَا إذَا اشْتَهَرَ عَنْ جِهَةٍ مِنْ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ يُكْرِهُونَ الْأَسِيرَ عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِهِمْ، أَوْ يُكْثِرُونَ مِنْ الْإِسَاءَةِ إلَيْهِ فَإِذَا تَنَصَّرَ خَفَّفُوا عَنْهُ

. (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَبَّ نَبِيًّا إلَخْ) سَيَأْتِي أَنَّ السَّبَّ مَعْنَاهُ الشَّتْمُ، وَالشَّتْمُ كُلُّ كَلَامٍ قَبِيحٍ كَمَا قَالُوا فَإِذَنْ الْقَذْفُ، أَوْ الِاسْتِخْفَافُ بِالْحَقِّ، أَوْ إلْحَاقُ النَّقْصِ إلَخْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي دَاخِلٌ فِي السَّبِّ فَفِي كَلَامِهِ تَكْرَارٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ) أَيْ: كَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ نُصْرَتُهُ وَتَوْقِيرُهُ، أَوْ سَمِعَ مَنْ يُنْقِصُهُ، وَلَمْ يُغَيِّرْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ فِي دِينِهِ) أَيْ: هَذَا إذَا كَانَ فِي بَدَنِهِ كَعَرَجٍ، أَوْ عَمًى بَلْ، وَإِنْ فِي دِينِهِ هَذَا مَعْنَاهُ وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ أَوْلَى مِمَّا بَعْدَهَا، فَالْأَحْسَنُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَإِنْ فِي بَدَنِهِ، أَوْ إنْ فِي ثَوْبِهِ لِمَا فِي النَّوَادِرِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ قَالَ: إنَّ رِدَاءَهُ عليه الصلاة والسلام وَسِخٌ، وَأَرَادَ بِهِ عَيْبَهُ قُتِلَ. (قَوْلُهُ: أَوْ: خَصْلَتِهِ) أَيْ: كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَرِيمًا، أَوْ شُجَاعًا وَهَذَا مِنْ السَّبِّ، وَلَك أَنْ تَقُولَ مِنْ تَغْيِيرِ الصِّفَةِ، أَوْ مِنْ الْعَيْبِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ لَا يَخْفَى أَنَّ كُلَّ شَتْمٍ فَهُوَ نَقْصٌ فِي مَرْتَبَتِهِ فَظَهَرَ مَا قُلْنَا مِنْ التَّكْرَارِ كَمَا ذَكَرْنَا. (قَوْلُهُ: أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ) أَيْ: زِيَادَةِ عِلْمِهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْعِلْمِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مِنْ وُفُورِ زُهْدِهِ أَيْ: زِيَادَةِ زُهْدِهِ كَأَنْ يَقُولَ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الزُّهْدِ بَلْ أَفْتَى الْأَنْدَلُسِيُّونَ فِي عَلِيِّ بْنِ حَاتِمٍ بِالْقَتْلِ فِي نَفْيِهِ أَصْلَ الزُّهْدِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُهُ: أَوْ أَضَافَ إلَخْ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي السَّبِّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ نَسَبَ لَهُ مَا لَا يَلِيقُ إلَخْ) كَمُدَاهَنَتِهِ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَوْ فِي حُكْمٍ بَيْنَ النَّاسِ. (قَوْلُهُ: عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ إلَخْ) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَوَّلُهَا قَوْلُهُ: أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ إلَخْ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَثَالِثُهَا قَوْلُهُ: أَوْ نَسَبَ لَهُ إلَخْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ بَعْدُ: وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ إلَخْ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا يَأْتِي.

وَقَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ يَحْتَمِلُ رُجُوعُهُ لِلثَّلَاثَةِ، وَلِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ، وَلَا عَمَلَ عَلَى مَفْهُومِهِ، بَلْ لَوْ قَصَدَ بِهِ الْمَدْحَ لَا يُعْذَرُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: بَعْدُ فِي الْإِغْيَاءِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ: أَرَدْتُ الْعَقْرَبَ إلَخْ) إنَّمَا قُتِلَ لِأَنَّ دَعْوَاهُ خِلَافُ مُقْتَضَى لَفْظِهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُسْتَتَبْ) لَيْسَ الْمُرَادُ لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ تَوْبَةٌ، بَلْ الْمُرَادُ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُ، وَقَوْلُهُ: حَدًّا، مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا تَابَ، أَوْ أَنْكَرَ مَا شَهِدَتْ بِهِ عَلَيْهِ، وَيَمُوتُ مُسْلِمًا، وَيُغَسَّلُ، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِالسَّبِّ، وَلَمْ يَتُبْ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، بَلْ تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ، وَيُوَارَى كَمَا يُفْعَلُ بِالْكُفَّارِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُسْلِمَ الْكَافِرُ) لِخَبَرِ «الْإِسْلَامِ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَلَا يُقَالُ: لَهُ أَسْلِمْ وَلَا لَا تُسْلِمْ لَكِنْ إنْ أَسْلَمَ فَذَلِكَ لَهُ تَوْبَةٌ. (قَوْلُهُ: مِمَّا فِي مَعْنَاهُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ هُوَ الْحَدِيثُ الْمُتَوَاتِرُ لَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ كَانَ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ كَافِرٌ

ص: 70

شَخْصٍ وَهُوَ يُرِيدُ خِلَافَهُ إيجَابًا، أَوْ سَلْبًا كَقَوْلِهِ فِي الْقَذْفِ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي مَعْرُوفٌ، أَوْ لَسْت بِزَانٍ، وَالتَّلْوِيحُ الْإِشَارَةُ الْبَعِيدَةُ فِي الْكَلَامِ كَكَثِيرِ الرَّمَادِ الْمُنْتَقِلِ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الطَّبْخِ، ثُمَّ لِكَثْرَةِ الضُّيُوفِ، وَمِنْهُ لِلْكَرْمِ وَالرَّمْزُ الْإِشَارَةُ لِلشَّيْءِ بِخَفَاءٍ كَعَرِيضِ الْقَفَا إشَارَةً لِلْبَلَادَةِ، وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ مَنْ لَعَنَ نَبِيًّا، أَوْ مَلَكًا بِصِيغَةِ الْفِعْلِ، أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ تَمَنَّى مَضَرَّتَهُ، أَوْ عَابَهُ أَيْ: نَسَبَهُ لِلْعَيْبِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا، أَوْ شَرْعًا، أَوْ عُرْفًا فِي خُلُقٍ، أَوْ دِينٍ، أَوْ قَذَفَهُ بِأَنْ نَسَبَهُ لِلزِّنَا، أَوْ نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ، أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ بِأَنْ قَالَ لِمَنْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ نَهَى عَنْ الظُّلْمِ: لَا أُبَالِي بِنَهْيِهِ، وَنَحْوَهُ، أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ كَأَسْوَدَ، أَوْ قَصِيرٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ

وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ مَنْ أَلْحَقَ بِنَبِيٍّ، أَوْ مَلَكٍ نَقْصًا بِأَنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى نَقْصِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ بِأَنْ كَانَ فِي دِينِهِ، بَلْ وَإِنْ فِي بَدَنِهِ، أَوْ خَصْلَتِهِ أَيْ: شِيمَتِهِ وَطَبِيعَتِهِ الَّتِي طُبِعَ عَلَيْهَا، أَوْ غَضَّ أَيْ: نَقَصَ مِنْ مَرْتَبَتِهِ. أَوْ مِنْ وُفُورِ عِلْمِهِ، أَوْ زُهْدِهِ، أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ كَعَدَمِ التَّبْلِيغِ، أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ كَمَا إذَا نَفَى عَنْهُ الزُّهْدَ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ بِمَكِّيٍّ، أَوْ لَيْسَ بِحِجَازِيٍّ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ الْمَعْلُومَةِ نَفْيٌ لَهُ، وَتَكْذِيبٌ بِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ وَالْفَتْوَى مِنْ لَدُنْ الصَّحَابَةِ وَإِلَى هَلُمَّ، وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ مَنْ قِيلَ لَهُ: بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَعَنَ وَقَالَ: أَرَدْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ الْعَقْرَبَ؛ لِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ إلَى مَنْ تَلْدَغُهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ التَّأْوِيلُ، فَقَوْلُهُ: قُتِلَ إلَخْ جَوَابُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ سَبَّ إلَخْ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا يُوجِبُ الْقَتْلَ بَيْنَ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ كَافِرٍ حَيْثُ سَبَّهُ بِغَيْرِ مَا كَفَرَ بِهِ كَلَيْسَ بِنَبِيٍّ إلَّا أَنَّ الْكَافِرَ يُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّ «الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَوْبَةِ الْكَافِرِ أَنَّهَا تُقْبَلُ، وَتَوْبَةُ الْمُؤْمِنِ لَا تُقْبَلُ، إنْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ حُدَّ، وَهُوَ زِنْدِيقٌ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ، وَالْكَافِرُ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ، فَيُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ، وَلَا يُجْعَلُ سَبُّهُ مِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِ؛ لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا عَلَى قَتْلِنَا، وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا وَلَوْ قَتَلَ أَحَدَنَا قَتَلْنَاهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دِينِهِ اسْتِحْلَالُهُ.

(ص) وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّهُ لِجَهْلٍ، أَوْ سُكْرٍ، أَوْ تَهَوُّرٍ. (ش) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْقَتْلِ يَعْنِي أَنَّ السَّابَّ يُقْتَلُ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّ النَّبِيِّ لِأَجْلِ جَهْلٍ، أَوْ لِأَجْلِ سُكْرٍ، أَوْ لِأَجْلِ تَهَوُّرٍ فِي الْكَلَامِ، وَهُوَ كَثْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ إذْ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْكُفْرِ بِالْجَهَالَةِ وَلَا بِدَعْوَى زَلَلِ اللِّسَانِ

. (ص) وَفِيمَنْ قَالَ: لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ جَوَابًا لِصَلِّ، أَوْ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ جَوَابًا لِتَتَّهِمنِي، أَوْ جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام قَوْلَانِ. (ش) يَعْنِي أَنَّ كُلَّ فَرْعٍ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام فَقَالَ لَهُ مُجَاوِبًا: لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ، فَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام وَمَحَلُّهُمَا إذَا قَالَ

ــ

[حاشية العدوي]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يُرِيدُ خِلَافَهُ) أَيْ: يُرِيدُ خِلَافَ مَدْلُولِهِ أَيْ: فَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي مَدْلُولِهِ وَلَكِنَّ قَصْدَهُ خِلَافُهُ، وَقَوْلُهُ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي مَعْرُوفٌ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: إيجَابًا، وَقَوْلُهُ: أَوْ لَسْت بِزَانٍ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ سَلْبًا. (قَوْلُهُ: وَالتَّلْوِيحُ) الْإِشَارَةُ الْبَعِيدَةُ فِي الْكَلَامِ لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْكِنَايَةِ الَّتِي هِيَ اسْتِعْمَالُ اسْمِ الْمَلْزُومِ فِي اللَّازِمِ، أَوْ اسْمُ اللَّازِمِ فِي الْمَلْزُومِ عَلَى الْخِلَافِ. (قَوْلُهُ: الْمُنْتَقِلُ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الطَّبْخِ) فِي الْعِبَارَةِ حَذْفٌ، وَالْأَصْلُ الْمُنْتَقِلُ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الْإِحْرَاقِ، ثُمَّ لِكَثْرَةِ الطَّبْخِ، وَقَوْلُهُ: وَمِنْهُ لِلْكَرَمِ أَيْ: فَقَوْلُهُ: كَثِيرُ الرَّمَادِ مَعْنَاهُ كَثِيرُ الْكَرَمِ فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ اسْمُ الْمَلْزُومِ، وَذَلِكَ الْمَلْزُومُ الذَّاتُ الثَّابِتُ لَهَا كَثْرَةُ الرَّمَادِ فِي اللَّازِمِ، وَهُوَ الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِكَثْرَةِ الْكَرَمِ إلَّا أَنَّهُ بِوَسَائِطَ كَمَا تَبَيَّنَ. (قَوْلُهُ: كَعَرِيضِ الْقَفَا) أَيْ: فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنَاهُ، وَأَشَارَ إلَى لَازِمِهِ، وَهُوَ الْبَلَادَةُ أَيْ: عَدَمُ الْفَهْمِ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْمُسْتَحْسَنِ عَقْلًا أَوْ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَنْفَرِدُ عَنْ الْآخَرِ، فَيَكُونُ مُسْتَحْسَنًا عَقْلًا وَلَا يَكُونُ مُسْتَحْسَنًا شَرْعًا، وَعَادَةً، فَالْعَادَاتُ قَدْ تَخْتَلِفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَتَى اسْتَحْسَنَتْ الْعُقُولُ شَيْئًا لَا تَكُونُ الْعَادَةُ بِخِلَافِهِ وَانْظُرْهُ. (قَوْلُهُ: فِي خُلُقٍ) إنْ قُرِئَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَهُوَ الْوَصْفُ الْبَاطِنِيُّ فَاتَهُ الْخَلْقُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهُوَ الْوَصْفُ الظَّاهِرِيُّ فَيُقْرَأُ بِأَحَدِهِمَا وَيُقَدَّرُ الثَّانِي مَعَ عَاطِفِهِ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ إلَخْ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَصْفُ يُشْعِرُ بِنَقْصٍ لَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْكَذِبِ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ كُفْرٌ يُوجِبُ الْقَتْلَ اُنْظُرْ شَرْحَ عج فِي شَرْحِ السِّيرَةِ فِي ذِكْرِ أَوْصَافِهِ صلى الله عليه وسلم. (قَوْلُهُ: وَطَبِيعَتِهِ) عَطْفُ الطَّبِيعَةِ عَلَى الشِّيمَةِ تَفْسِيرٌ. (قَوْلُهُ: لَا تُعْرَفُ لَهُ تَوْبَةٌ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّ ظَاهِرَهُ الْإِسْلَامُ، وَمَا فِي الْقَلْبِ مَغِيبٌ. (قَوْلُهُ: وَالْكَافِرُ كَانَ عَلَى كُفْرِهِ) الظَّاهِرُ وَقَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ أَيْ: إسْلَامُهُ الظَّاهِرُ أَيْ: فَيَنْتَفِي مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْكُفْرِ الظَّاهِرِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي أَنَّ السَّابَّ يُقْتَلُ) أَيْ: الْمُكَلَّفُ فَخَرَجَ الْمَجْنُونُ وَالصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ فَلَا يُقْتَلَانِ بِسَبِّهِمَا، وَأَمَّا صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ فَرِدَّتُهُ مُعْتَبَرَةٌ وَإِسْلَامُهُ كَذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى رِدَّتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ اُسْتُتِيبَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا سَبَّ، وَهُوَ صَغِيرٌ مُمَيِّزٌ، فَلَا نَقْتُلُهُ إذَا بَلَغَ وَتَابَ، أَوْ أَنْكَرَهُ فَأَشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ، وَلَا يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ مَعَ الَّذِي بَعْدَهُ مُتَعَارِضَانِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي نَفْسِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الشَّتْمَ لِلنَّاسِ وَالْمَلَائِكَةِ مَعًا، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَحْسَنُ حَيْثُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ: لِشُمُولِ لَفْظِهِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا شَتَمَ النَّاسَ أَيْ: يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَقَوْلُهُ: فِي الثَّانِي إنَّمَا شَتَمَ الْمَلَائِكَةَ أَيْ: يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ شَأْنَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُقْصَدَ فَيَظْهَرَ مِنْ ذَلِكَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْقَتْلِ. (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُمَا إلَخْ)

ص: 71

لَهُ فِي حَالَة الْغَضَبِ، وَإِلَّا قُتِلَ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّانِي إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ: أَتَتَّهِمُنِي مُسْتَفْهِمًا فَقَالَ لَهُ: الْأَنْبِيَاءُ يُتَّهَمُونَ، فَكَيْفَ أَنْتِ فَقِيلَ: يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ لِبَشَاعَةِ هَذَا اللَّفْظِ، وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ عَمَّنْ اتَّهَمَهُ مِنْ الْكُفَّارِ، لَكِنْ يُعَاقَبُ، وَيُطْلَقُ الثَّالِثُ إذَا قَالَ: جَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ حَتَّى النَّبِيِّ. عليه السلام قِيلَ: يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ، وَقِيلَ: يُعَزَّرُ فَقَطْ، وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ

. (ص) وَاسْتُتِيبَ فِي هُزِمَ. أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ، أَوْ تَنَبَّأَ. (ش) لَمَّا فَرَّعَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي تُوجِبُ الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ أَتْبَعهَا بِمَسَائِلَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا هَلْ هِيَ تُوجِبُ الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ، أَوْ لَا تُوجِبُ الْقَتْلَ؟ ، وَإِنَّمَا فِيهَا الْعُقُوبَةُ فَقَطْ؟ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قَالَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ عليه السلام: أَنَّهُ هُزِمَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مُرْتَدًّا يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَالْمُؤَلِّفُ تَبِعَ فِيهِ ابْنَ الْمُرَابِطِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالصَّوَابُ مَا جَزَمَ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ يُقْتَلُ، وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَمِثْلُهُ هُزِمَتْ جُيُوشُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ هُوَ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا هُنَاكَ أَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ فَرُّوا هَذَا نَادِرٌ، وَكَذَلِكَ يُسْتَتَابُ مَنْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ عليه السلام، أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُعْلِنْ بِتَكْذِيبِهِ، بَلْ أَسَرَّ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ زِنْدِيقًا، فَيُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا قَبْلَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ دَعْوَاهُ النُّبُوَّةَ سِرًّا، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ إنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَنَا تَائِبًا، فَقَوْلُهُ:(إلَّا أَنْ يُسِرَّ عَلَى الْأَظْهَرِ) قَاصِرٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ تَنَبَّأَ لِكَوْنِ اسْتِظْهَارِ ابْنِ رُشْدٍ إنَّمَا هُوَ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ الْإِسْرَارَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ: أَعْلَنَ لَكِنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ فِي قَوْلِهِ: أَوْ تَنَبَّأَ وَفِي قَوْلِهِ: أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ، وَفِي قَوْلِهِ: أَوْ هُزِمَ الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ السَّبِّ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْرَارِ أَنْ يَدَّعِيَ النُّبُوَّةَ سِرًّا

. (ص) وَأُدِّبَ اجْتِهَادًا فِي أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ عليه السلام، أَوْ لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ لَسَبَبْته، أَوْ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ، أَوْ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ، فَقَالَ: تُعَيِّرُنِي بِهِ وَالنَّبِيُّ قَدْ رَعَى الْغَنَمَ، أَوْ قَالَ لِغَضْبَانَ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكَرٍ، أَوْ مَالِكٍ. (ش) يَعْنِي إنْ طَلَبَ شَيْئًا يَأْخُذُهُ مِنْ شَخْصٍ كَمَا فِي قَضِيَّةِ الْعَشَّارِ فَقَالَ: أَشْكُوكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: أَدِّ إلَيَّ، وَاشْكُنِي لِلنَّبِيِّ عليه السلام، فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ابْنِ عَتَّابٍ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا بِقَتْلِ الْعَشَّارِ فَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَلَيْسَتْ كَكَلَامِ

ــ

[حاشية العدوي]

أَيْ: فَعَلَى الْمُصَنِّفِ الدَّرَكُ فِي إسْقَاطِ هَذَا الْقَيْدِ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ إلَخْ) أَيْ: أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا صَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ فَيُقْتَلُ قَوْلًا وَاحِدًا كَذَا النَّصُّ. (قَوْلُهُ: فَقِيلَ يُقْتَلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِقَتْلِهِ رَأَى أَنَّ هَذَا إخْبَارٌ صَدَرَ مِنْهُ، وَفِيهِ نِسْبَةُ النَّقْصِ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ عُمُومِ جَمِيعِ الْبَشَرِ مَعَ دُخُولِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ، وَمِمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي الْإِغْيَاءِ مِنْ قَوْلِهِ: حَتَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ قَتْلِهِ رَأَى احْتِمَالَهُ لِلْأَخْبَارِ مِمَّنْ قَالَهُ قَالَ: بَعْضُهُمْ وَفِي هَذَا الِاحْتِمَالِ الْأَخِيرِ بُعْدٌ.

قَالَ بَهْرَامُ وَالْقَوْلُ بِالْقَتْلِ فِي الْفَرْعِ الثَّالِثِ أَظْهَرُ. اهـ. أَيْ: فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. (قَوْلُهُ: لِبَشَاعَةِ هَذَا اللَّفْظِ) لَا يَخْفَى أَنَّ مُطْلَقَ الْبَشَاعَةِ لَا يَقْتَضِي الْقَتْلَ، وَقَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ إلَخْ هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ فَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ

. (قَوْلُهُ: هَلْ هِيَ تُوجِبُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ضَعِيفًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ نَظَرَ إلَيْهِ، وَطَرَحَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ. (قَوْلُهُ: تَبِعَ فِيهِ ابْنَ الْمُرَابِطِ إلَخْ) الْعَجَبُ مِنْ ابْنِ الْمُرَابِطِ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ مَعَ قَوْلِهِ: مَنْ قَالَ: هُزِمَتْ بَعْضُ جُيُوشِهِ يُقْتَلُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَجُمَعَ بَيْنَ كَلَامَيْهِ بِحَمْلِ هَذَا عَلَى تَأْوِيلِهِ بِقَصْدِ التَّنْقِيصِ، وَالْأَوَّلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَقْصِدْ تَنْقِيصًا، فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ هُوَ فِيهِمْ) أَيْ: مَنْ كَانَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ فَخَرَجَ جُيُوشُهُ الَّتِي يُرْسِلُهَا وَيُؤَمِّرُ عَلَيْهَا غَيْرَهُ فَإِذَا نَسَبَ الْهَزْمَ إلَيْهِمْ فَلَا يَكُونُ كُفْرًا. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَايَةَ مَا هُنَاكَ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ وَإِنَّمَا قُتِلَ لِكَذِبِهِ الْمَذْكُورِ الْمُؤَدِّي لِلتَّنْقِيضِ؛ لِأَنَّ جَيْشَهُ لَمْ يُهْزَمْ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا هُنَاكَ أَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ فَرَّ أَيْ: فَكَيْفَ يُنْسَبُ الْهَزِيمَةُ لِلْجَيْشِ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا نَادِرٌ أَيْ: عَلَى أَنَّ هَذَا الَّذِي فِيهِ قَدْ وَقَعَ نَادِرًا فِي بَعْضِ الْجُيُوشِ. (قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ نَبِيٌّ) هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: أَوْ تَنَبَّأَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ قَوْلِهِ قَبْلُ: أَوْ ادَّعَى شَرِيكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ ادَّعَى أَنَّ مُعَيَّنًا كَعَلِيٍّ مُشَارِكٌ لَهُ فِي النُّبُوَّةِ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُسِرَّ) أَيْ: يَقُولَ ذَلِكَ سِرًّا.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ مَا أَفَادَهُ نَقْلُ مُحَشِّي تت مِنْ أَنَّ الصَّوَابَ فِي مَسْأَلَةِ أَوْ أَعْلَنَ بِتَكْذِيبِهِ أَوْ تَنَبَّأَ الِاسْتِتَابَةُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ النَّقْلَ الْمُفِيدَ لِذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّنْقِيصِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّنْقِيضَ هُوَ أَنْ يَعْتَرِفَ بِرِسَالَتِهِ؛ وَيُثْبِتَ لَهُ نَقْصًا، وَأَمَّا فِي هَذَيْنِ فَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ رِسَالَةً

. (قَوْلُهُ: فَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ) أَيْ: لِأَنَّهُ قَالَ فِي الشِّفَاءِ أَفْتَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ فِي عَشَّارٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ وَقَالَ: إنْ سَأَلْتَ أَوْ جَهِلْتَ، فَقَدْ جَهِلَ أَوْ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْقَتْلِ. اهـ.، فَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَظَاهِرُ الشِّفَاءِ، أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهَا مِنْ كَلَامِ الْعَشَّارِ قَطْعًا فَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَتَّابٍ بِالْقَتْلِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ قَطْعًا كَمَا أَفَادَهُ حُلُولُو وَلِذَا قَالَ الْأَبِيُّ: أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِالْقَتْلِ لِاجْتِمَاعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ فَتْوَى ابْنِ عَتَّابٍ: مَذْهَبُنَا قَاضٍ بِذَلِكَ أَيْضًا بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ: أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَصْدِ عَدَمِ الْمُبَالَاةِ كُفْرٌ أَيْضًا وَأَقُولُ بَلْ إنْ سَأَلْتَ، أَوْ جَهِلْت فَقَدْ سَأَلَ النَّبِيَّ، أَوْ جَهِلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَفَرَ أَيْضًا غَيْرَ أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ وَفِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ: إنْ جَهِلْت أَوْ سَأَلْت إلَخْ فَإِنَّهُ قَالَ

ص: 72

الْمُؤَلِّفِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ قَالَ: لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ أَيْ، أَوْ رَسُولٌ كَمَا فِي النَّقْلِ لَسَبَبْتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ السَّبُّ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ قَالَ: لِآخَرَ يَا ابْنَ أَلْفِ كَلْبٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ وَلَمْ يَقْصِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِلَّا قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ شَتَمَهُمْ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ قَالَ لِآخَرَ: قَدْ عَيَّرَهُ بِالْفَقْرِ تُعَيِّرُنِي بِهِ وَالنَّبِيُّ عليه السلام قَدْ رَعَى الْغَنَمَ؛ لِأَنَّهُ عَرَّضَ بِذِكْرِ النَّبِيِّ عليه السلام فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْأَدَبِ قَدْ رَعَى فَقَطْ، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ قَالَ لِشَخْصٍ غَضْبَانَ أَوْ قَبِيحِ الْمَنْظَرِ: كَأَنَّهُ وَجْهُ مُنْكَرٍ، أَوْ وَجْهُ مَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ؛ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى التَّحْقِيرِ، وَالتَّهْزِيلِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالسَّبِّ لِلْمَلَكِ، وَإِنَّمَا السَّبُّ وَاقِعٌ عَلَى الْمُخَاطَبِ

. (ص) أَوْ اسْتَشْهَدَ بِبَعْضِ جَائِزٍ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حُجَّةً لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ شَبَّهَ لِنَقْصٍ لَحِقَهُ لَا عَلَى التَّأَسِّي كَإِنْ كَذَبْتَ فَقَدْ كَذَبُوا، أَوْ لَعَنَ الْعَرَبَ، أَوْ بَنِي هَاشِمٍ، وَقَالَ: أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ. (ش) يَعْنِي أَنَّهُ يُؤَدَّبُ بِالِاجْتِهَادِ مَنْ اسْتَشْهَدَ بِشَيْءٍ جَائِزٍ عَلَى النَّبِيِّ فِي الدُّنْيَا مِنْ حَيْثُ النَّوْعُ الْبَشَرِيُّ حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمُسْتَشْهَدِ بِهِ حُجَّةً لِهَذَا الْقَائِلِ، أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ نَقْصٍ لَحِقَ هَذَا الْقَائِلَ لَا عَلَى وَجْهِ التَّأَسِّي، بَلْ لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَنْقِيصًا وَلَا عَيْبًا وَلَا سَبًّا كَقَوْلِهِ: إنْ قِيلَ فِي مَكْرُوهٌ، فَقَدْ قِيلَ فِي النَّبِيِّ الْمَكْرُوهُ، أَوْ قَالَ: إنْ أَحْبَبْتُ النِّسَاءَ فَقَدْ أَحَبَّهُنَّ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام، أَوْ قَالَ: أَسْلَمُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْأَنْبِيَاءُ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ أَلْسِنَتِهِمْ، أَوْ إنْ كُذِّبَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَقَدْ كُذِّبُوا، وَلَقَدْ صَبَرْتُ كَمَا صَبَرُوا، وَكَذَلِكَ يُؤَدَّبُ اجْتِهَادًا مَنْ لَعَنَ الْعَرَبَ، أَوْ لَعَنَ بَنِي هَاشِمٍ وَقَالَ: أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، أَوْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّمَ الْمُسْكِرَ، وَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ مَنْ حَرَّمَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَالَ: لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ إنْ عُذِرَ بِالْجَهْلِ، وَقَوْلُهُ: وَقَالَ: أَرَدْت إلَخْ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: أَوْ بَنِي هَاشِمٍ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِيهِ الْأَدَبُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي النَّوَادِرِ، فَإِنْ لَمْ يَقُلْ: أَرَدْتُ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ قُتِلَ وَذَكَرَ ابْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ الشِّفَاءِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَيْدَ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَأَنَّ الْأَدَبَ فِي الثَّانِيَةِ أَشَدُّ مِنْهُ فِي الْأُولَى، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِكَلَامِ الشِّفَاءِ: وَقُوَّةُ كَلَامِهِ تَقْتَضِي أَنَّ الْأَدَبَ فِي الثَّانِيَةِ أَشَدُّ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا السَّابَّ لَوْ لَمْ يَدَّعِ إرَادَةَ الظَّالِمِينَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قُتِلَ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ. اهـ.، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ز مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ مُرْتَدًّا، أَوْ لَمْ يُدَعِّمْهُ بِنَقْلٍ، وَكَذَا جَعْلُهُ الْقَيْدَ قَيْدًا فِي الثَّانِيَةِ فَقَطْ

. (ص) وَشُدِّدَ عَلَيْهِ فِي: كُلُّ صَاحِبِ فُنْدُقٍ قَرْنَانُ وَإِنْ

ــ

[حاشية العدوي]

أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ فِي عَشَّارٍ قَالَ لِرَجُلٍ: أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ: إنْ جَهِلْتَ أَوْ سَأَلْتَ فَقَدْ جَهِلَ أَوْ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْقَتْلِ، فَقَوْلُهُ: أَوْ قَالَ بِالْعَطْفِ بِأَوْ. (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلشَّارِحِ) أَيْ: فَإِنَّ الشَّارِحَ قَالَ: وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي عَشَّارٍ طَلَبَ مِنْ شَخْصٍ شَيْئًا يَأْخُذُهُ فَقَالَ: أَشْكُوك لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ الْعَشَّارُ: أَدِّ وَاشْكُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَفْتَى فِيهِ بَعْضُ الْأَشْيَاخِ بِالْأَدَبِ كَمَا قَالَ، وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِالْقَتْلِ فِيهِ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَتَّابٍ عَلَى الْقَتْلِ اهـ.

(قَوْلُهُ: مَنْ قَالَ: لَوْ سَبَّنِي مَلَكٌ إلَخْ) وَمِثْلُهُ مَنْ قَالَ: لَوْ جِئْتنِي بِالنَّبِيِّ عَلَى كَتِفِك مَا قَبِلْتُكَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى التَّنْقِيصِ وَإِلَّا قُتِلَ وَأَمَّا لَوْ قَالَ: لَوْ جِئْتنِي بِالنَّبِيِّ عَلَى كَتِفِكَ مَا قَبِلْته، فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ فِيهِ تَنْقِيصٌ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ كَذَا قَالَ غَيْرُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْصِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءَ وَإِلَّا قُتِلَ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ كَرَّرَ أَلْفًا إلَخْ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ: لَعَنَك اللَّهُ إلَى آدَمَ فَيُقْتَلُ أَقُولُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إلَى آدَمَ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ آدَمَ نَبِيٌّ فَيُشْعِرُ بِقَصْدِهِ الْأَنْبِيَاءَ وَكَذَا يُقْتَلُ مَنْ يَقُولُ: يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ أَوْ خَتْنُ حَيْدَرَهْ أَيْ: صِهْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّصَافِهِ بِشَيْءٍ جَوَازُ الْإِخْبَارِ بِهِ عَنْهُ، وَعَدَمُ كُفْرِ قَائِلِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِأَنَّهُ يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَّهُ خَتْنُ حَيْدَرَهْ مَعَ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ يَكْفُرُ كَمَا قُلْنَا، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ: أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ) أَيْ: وَأَمَّا ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ كَأَنْ يَكُونَ فِي مَقَامِ التَّعْلِيمِ وَالتَّفْهِيمِ، لِاقْتِضَاءِ الْحَالِ إيرَادَهُ فَلَا أَدَبَ. (قَوْلُهُ: أَوْ قَالَ لِشَخْصٍ غَضْبَانَ إلَخْ) الَّذِي فِي الشِّفَاءِ تَشْبِيهُ الْعَبُوسِ بِمَالِكٍ، وَقَبِيحُ الْمَنْظَرِ مِثْلُهُ. اهـ. أَقُولُ وَهُوَ ظَاهِرٌ

. (قَوْلُهُ: أَوْ شَبَّهَ) أَيْ: نَفْسَهُ فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ. (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ شَبَّهَ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: أَوْ اسْتَشْهَدَ وَأَنَّ مَآلَهُمَا وَاحِدٌ وَمَا يُمَثَّلُ بِهِ لِهَذَا يُمَثَّلُ بِهِ لِهَذَا أَقُولُ: وَلِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ جَعْلِ الِاسْتِشْهَادِ وَالتَّشْبِيهِ مَسْأَلَتَيْنِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى إحْدَاهُمَا لَأَغْنَاهُ عَنْ الْأُخْرَى وَقَدْ جَعَلَهُمَا فِي الشِّفَاءِ نَوْعًا وَاحِدًا. اهـ.

، وَذَكَرَ فِي الشِّفَاءِ أَنَّ مَنْ قِيلَ لَهُ: إنَّك أُمِّيٌّ فَقَالَ: النَّبِيُّ أُمِّيٌّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا أَدَبَ عَلَيْهِ. اهـ. قُلْت وَتَأَمَّلْ فِيهِ. (قَوْلُهُ: لَا عَلَى وَجْهِ التَّأَسِّي) أَيْ: وَلَا التَّحْقِيرِ، وَالتَّأَسِّي تَسْلِيَةُ نَفْسِهِ وَتَخْفِيفُ مَا حَصَلَ لَهَا مِنْ التَّأَلُّمِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيرِ قُتِلَ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّأَسِّي فَلَا أَدَبَ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَنْقِيصًا) أَيْ: لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَتَى قَصَدَ التَّنْقِيصَ أَوْ الْعَيْبَ أَيْ: قَصَدَ اتِّصَافَهُ بِالْعَيْبِ فَقَدْ قَصَدَ السَّبَّ أَيْ: الَّذِي هُوَ الشَّتْمُ وَقَصْدُ اتِّصَافِهِ بِالْعَيْبِ تَنْقِيصٌ فَهِيَ أَلْفَاظٌ مَآلُهَا وَاحِدٌ. (قَوْلُهُ: إنْ عُذِرَ بِالْجَهْلِ إلَخْ) أَوْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ حَرَّمَ الْمُسْكِرَ إلَخْ أَيْ: وَإِنَّمَا عُذِرَ بِالْجَهْلِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ حِينَئِذٍ سَبَّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَإِنَّمَا لَعَنَ مَنْ حَرَّمَهُ مِنْ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَجْهَلْ، فَمُرْتَدٌّ فِي الْأَوَّلِ وَسَابٌّ فِي الثَّانِي انْتَهَى، وَانْظُرْ ذَلِكَ مَعَ تَصْرِيحِ الْقُرْآنِ بِأَنَّ الْمُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ اعْتِقَادَهُ أَنَّ الْمُحَرِّمَ النَّاسُ إنْكَارٌ لِمَا عُلِمَ ضَرُورَةً فَتَأَمَّلْ.

(تَنْبِيهٌ) : ذَكَرَ فِي الشِّفَاءِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ أُدِّبَ مَنْ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ لَعَنَ اللَّهُ بَنِي آدَمَ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْأَنْبِيَاءَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ أَيْ: مِنْ بَنِي آدَمَ

. (قَوْلُهُ: وَشُدِّدَ) يَحْتَمِلُ أَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ ضَمِيرٌ فِي شُدِّدَ أَيْ: شُدِّدَ الْأَدَبُ عَلَى السَّابِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ نَائِبَ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ: عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: فِي كُلٍّ أَيْ: فِي قَوْلِهِ: كُلُّ صَاحِبٍ

ص: 73