الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما تَعَمُد قَلْب إسْنَاد لِمَتْنٍ: إِنَّمَا يفعل ذَلِك لقصد الْكَشْف عَن حَالِ الْمُحدث مِثَاله مَا وَقع لأهل بَغْدَاد مَعَ إِمَام الْفَنّ البُخَارِيّ لما قدم عَلَيْهِم جمعُوا لَهُ مائَة حَدِيث وَجعلُوا متن هَذَا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر وألقوا ذَلِك عَلَيْهِ فَرد كل متن إِلَى إِسْنَاده وكُلّ إسنادٍ إِلَى مَتنه، فَأقر لَهُ النَّاس بِالْحِفْظِ وأذعنوا لَهُ بِالْفَضْلِ.
الحدِيثُ الفَرْدُ:
ثم انتقل النَّاظمُ رحمه الله إلى الكلام عَنِ الحدِيثِ الفَرْد فَقَالَ:
23 -
والفَردُ مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةٍ
…
أَوْ جَمْعٍ أوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايةِ
والفَردُ في اللغةِ: مِنَ التَّفَرّد، وَهُوَ عَدَمُ الْمُشَارَكة، أو يُقَالُ الوتر (1). وأمَّا في الاصطلاح كَمَا عَرَّفَهُ النَّاظم رحمه الله بِقَولِهِ: مَا قَيَّدْتَهُ بِثِقةِ أي معناه: أَنْ يَتَفَرَّدَ بِالحَدِيثِ عَن رَاوٍ مُعَيَّنٍ
ثِقَةٌ مِن أَصْحَابِهِ أو تَلامِيذِهِ، وهو الْفَردُ الْمُقَيدُ. مثل قول النُّقاد:"هَذَا حَدِيثٌ لم يروه ثِقَةٌ عَنْ قَتَادَةَ إِلا فُلانٌ"، مَع أَنَّ الْحَدِيث نَفْسَه قد رُوِىَ عَنْ قَتَادَةَ؛ ولَكنْ قد رُوِىَ عَنْهُ مِن قِبَلِ الضُّعَفَاء. ومثاله: مَا أَخْرَجَه البُخَارِيُّ فِي صحيحه فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ، وَعَلَى رَاسِهِ المِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ ابْنَ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الكَعْبَةِ فَقَالَ: «اقْتُلُوهُ» . (2)، لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيث عَنْ الزُّهْرِيِّ مِن الثِّقَاتِ إلا مَالِكٌ بْنُ أَنَس، عَلَى الرَّغمِ مِن أنَّ الْحَدِيثَ قد رُوِىَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِن رِوَايةِ الضُّعَفَاءِ.
(1) الصحاح تاج اللغة، للجوهري، (2/ 518).
(2)
الجامع الصحيح، للبُخَاريّ، كِتَابُ الحَجِّ، بَابُ دُخُولِ الحَرَمِ، وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ، (3/ 17).
وأمَّا قَولُ النَّاظم: أَوْ جَمْعٍ أي ما قُيِّدَ بِجَمْعٍ مُعَينٍ مثل ما قُيِّدَ بتفردِ أَهل بَلْدَةٍ مُعينة برِوَايةِ حَدِيثٍ مَا، ولا يُرْوَى إلا مِن طَرِيقِهم، كَقَولِ النُّقاد:"هَذَا حَدِيثٌ لم يروه إلا أهلُ الشَّامِ أو أَهلُ الْمَدِينة"، وهَذَا هُو التَّفرد النِّسبيّ أي نسبةً لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ، ومثاله: مَا أخرجه أَبُو دَاوُدَ في السنن فقال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا دَلْهَمُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّ النَّجَاشِيَّ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ سَاذَجَيْنِ، فَلَبِسَهُمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ:«هَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ» . (1)
وأمَّا قَولُ النَّاظم: أوْ قَصْرٍ عَلَى رِوَايةِ معناه: ما تَفَرَّدَ بهِ رَاوٍ مَقْصُورًا عَلَى رِوَايةِ راوٍ مُعَيَّنَةٍ، ومثاله: ما أخرجه أَبُو دَاوُدَ في السنن فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ الْمَعْنَى قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ بِلالاً أَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِيَ:«أَلا إِنَّ الْعَبْدَ، قَدْ نَامَ أَلا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ» ، زَادَ مُوسَى: فَرَجَعَ فَنَادَى: أَلا إِنَّ الْعَبْدَ قَدْ نَامَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ:«وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ، إِلا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ» . (2)
والخلاصة: أنَّ التَّفَرد عِنْدَ النَّاظِمِ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ:
1 -
التَّفرد الْمُقَيَّد بِثقةٍ، وهو أَنْ يَتَفَرَّدَ ثِقَةٌ مِن أَصْحَابِ رَاوٍ مُعَيَّنٍ بِالحَدِيثِ عَنه.
2 -
التَّفرد النِّسبيّ أي نسبةً لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وهو ما قُيِّدَ بِتَفَرّدِ أَهْلِ بَلْدَةٍ مُعينة.
3 -
أَنْ يتَفَرَّدَ الرَّاوِي برِوَايةِ راوٍ مُعَيَّنَةٍ مَقْصُورةً عَلَيه، مثل: تَفْرَّد بِهِ فُلانٌ عَنْ فَلانٍ.
(1) السنن، لأَبِي دَاوُدَ، كِتَاب الطَّهَارَةِ، بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، (1/ 39)، برقم (155).
(2)
السنن، لأَبِي دَاوُدَ، كِتَاب الصَّلاةِ، بَابٌ فِي الأَذَانِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، (1/ 146)، برقم (532).