الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ فَهُمْ إِذَنْ غَيْرُهُمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ وَإِنَّمَا جَاءَ حِينَئِذٍ غَيْرُ الْأَنْصَارِ ثُمَّ إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَصَفَهُمْ بِمَا يَقْضِي بِكَمَالِ إِيمَانِهِمْ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ يَمَانٍ فَكَانَ ذَلِكَ إِشَارَةٌ لِلْإِيمَانِ إِلَى مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لَا إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ حَقِيقَةً لِأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ وَقَوِيَ قِيَامُهُ بِهِ وَتَأَكَّدَ اطِّلَاعُهُ مِنْهُ يُنْسَبُ ذَلِكَ الشَّيْءُ إِلَيْهِ إِشْعَارًا بِتَمَيُّزِهِ بِهِ وَكَمَالِ حَالِهِ فِيهِ وَهَكَذَا كَانَ حَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَانِ وَحَالُ الْوَافِدِينَ مِنْهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي أَعْقَابِ مَوْتِهِ كَأُوَيْسٍ الْقَرْنِيِّ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ رضي الله عنهما وَشِبْهِهِمَا مِمَّنْ سَلِمَ قَلْبُهُ وَقَوِيَ إِيمَانُهُ فَكَانَتْ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَيْهِمْ لِذَلِكَ إِشْعَارًا بِكَمَالِ إِيمَانِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نَفْيٌ لَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم الْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَوْجُودُونَ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ لَا كُلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ وَنَشْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى هِدَايَتِنَا لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ فَالْفِقْهُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْفَهْمِ فِي الدِّينِ وَاصْطَلَحَ بَعْدَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ عَلَى تَخْصِيصِ الْفِقْهِ بِإِدْرَاكِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَعْيَانِهَا وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فَفِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مُضْطَرِبَةٌ قَدِ اقْتَصَرَ كُلٌّ مِنْ قَائِلِيهَا عَلَى بَعْضِ صِفَاتِ الْحِكْمَةِ وَقَدْ صَفَا لَنَا مِنْهَا أَنَّ الْحِكْمَةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعِلْمِ الْمُتَّصِفِ بِالْأَحْكَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ تبارك وتعالى الْمَصْحُوبِ بِنَفَاذِ الْبَصِيرَةِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَتَحْقِيقِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالصَّدِّ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْبَاطِلِ وَالْحَكِيمُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ كُلُّ كَلِمَةٍ وعظتك وزجرتك أودعتك إِلَى مَكْرُمَةٍ أَوْ نَهَتْكَ عَنْ قَبِيحٍ فَهِيَ حكمة وحكم وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّ مِنَ الشَّعْرِ حِكْمَةً وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حُكْمًا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
يَمَانٍ وَيَمَانِيَةٌ هُوَ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ الْأَلِفَ الْمَزِيدَةَ فِيهِ عِوَضٌ مِنْ يَاءِ النَّسَبِ الْمُشَدَّدَةِ فلا يجمع بينهما وقال بن السَّيِّدِ فِي كِتَابِهِ الِاقْتِضَابُ حَكَى الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ أَنَّ التَّشْدِيدَ لُغَةٌ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا غَرِيبٌ قُلْتُ وَقَدْ حَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ عَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْيَمَانِيُّ بِالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَأَنْشَدَ لِأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ
…
يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشِبُّ كِيرًا
…
وَيَنْفُخُ دَائِمًا لَهَبَ الشُّوَاظِ
…
(وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الْمَشْهُورُ أَنَّ)
الْفُؤَادَ هُوَ الْقَلْبُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَرَّرَ لفظ القلوب بِلَفْظَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَكْرِيرِهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ الْفُؤَادُ غَيْرُ الْقَلْبِ وَهُوَ عَيْنُ الْقَلْبِ وَقِيلَ بَاطِنُ الْقَلْبِ وَقِيلَ غِشَاءُ الْقَلْبِ وَأَمَّا وصفها باللين والرفة وَالضَّعْفِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا ذَاتُ خَشْيَةٍ وَاسْتِكَانَةٍ سَرِيعَةِ الاستجابة والتأثر بِقَوَارِعِ التَّذْكِيرِ سَالِمَةً مِنَ الْغِلَظِ وَالشِّدَّةِ وَالْقَسْوَةِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا قُلُوبَ الْآخَرِينَ قَالَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَدَّادِينَ فَزَعَمَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ أَنَّهُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَهُوَ جمع فداد بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْبَقَرِ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا حَكَاهُ عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَصْحَابُهَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَالصَّوَابُ فِي الْفَدَّادِينَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ جَمْعُ فَدَّادٍ بِدَالَيْنِ أُولَاهُمَا مُشَدَّدَةٌ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَصْمَعِيِّ وَجُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ مِنْ الْفَدِيدِ وَهُوَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ فَهُمُ الَّذِينَ تَعْلُو أَصْوَاتُهُمْ فِي إِبِلِهِمْ وَخَيْلِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى هُمُ الْمُكْثِرُونَ مِنَ الْإِبِلِ الَّذِينَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمُ الْمِائَتَيْنِ منها إلى الالف وقوله ان القسو فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ مَعْنَاهُ الَّذِينَ لَهُمْ جَلَبَةٌ وَصِيَاحٌ عِنْدَ سَوْقِهِمْ لَهَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ يَطْلُعُ فرنا الشَّيْطَانِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ قَوْلُهُ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ بَدَلٌ مِنَ الْفَدَّادِينَ وَأَمَّا قَرْنَا الشَّيْطَانِ فَجَانِبَا رَأْسِهِ وَقِيلَ هُمَا جَمْعَاهُ اللَّذَانِ يُغْرِيهِمَا بِإِضْلَالِ النَّاسِ وَقِيلَ شِيعَتَاهُ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ اخْتِصَاصُ الْمَشْرِقِ بِمَزِيدٍ مِنْ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ وَمِنَ الْكُفْرِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ ذَلِكَ وَيَكُونُ حِينَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ مِنَ الْمَشْرِقِ وَهُوَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مَنْشَأُ الْفِتَنِ الْعَظِيمَةِ وَمَثَارُ الْكَفَرَةِ التُّرْكِ الْغَاشِمَةِ الْعَاتِيَةِ الشَّدِيدَةِ الْبَأْسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم الْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فَالْفَخْرُ هُوَ الِافْتِخَارُ وَعَدُّ الْمَآثِرِ الْقَدِيمَةِ تَعْظِيمًا وَالْخُيَلَاءُ الْكِبْرُ وَاحْتِقَارُ النَّاسِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ فَالْوَبَرُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْإِبِلِ دُونَ الْخَيْلِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهِمْ جَامِعِينَ بين الخيل والابل والوبر وأما قوله صلى الله عليه وسلم والسكينة فى أهل الغنم فالسكينة الطُّمَأْنِينَةِ وَالسُّكُونِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ صِفَةِ الْفَدَّادِينَ هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو رحمه الله وَفِيهِ كِفَايَةٌ فَلَا نُطَوِّلُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَسَانِيدُ الْبَابِ فَقَالَ مُسْلِمٌ رحمه الله حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قال وحدثنا بن نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حدثنا بن إِدْرِيسَ كُلُّهمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا