الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّوَابُ فِي هَذَا الْحَرْفِ وَأَمَّا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فَجَعَلَ الْمَعْدُومَ عِبَارَةً عَنِ الرَّجُلِ الْمُحْتَاجِ الْمُعْدِمِ الْعَاجِزِ عَنِ الْكَسْبِ وَسَمَّاهُ مَعْدُومًا لِكَوْنِهِ كَالْمَعْدُومِ الْمَيِّتِ حَيْثُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي الْمَعِيشَةِ كَتَصَرُّفِ غَيْرِهِ قَالَ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ صَوَابَهُ الْمُعْدِمَ بِحَذْفِ الْوَاوِ قَالَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ بَلْ مَا رَوَاهُ الرُّوَاةُ صَوَابٌ قَالَ وَقِيلَ مَعْنَى تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ أَيْ تَسْعَى فِي طَلَبِ عَاجِزٍ تُنْعِشُهُ وَالْكَسْبُ هُوَ الِاسْتِفَادَةُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَعْضُ الِاتِّجَاهِ كَمَا حَرَّرْتُ لَفْظَهُ فَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَتَقْرِي الضَّيْفَ فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قَرَيْتُ الضَّيْفَ أُقْرِيهِ قِرًى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ وَقَرَاءً بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمَدِّ وَيُقَالُ لِلطَّعَامِ الَّذِي يُضَيِّفُهُ بِهِ قِرًى بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورٌ وَيُقَالُ لِفَاعِلِهِ قَارٍ مِثْلُ قَضَى فَهُوَ قَاضٍ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَالنَّوَائِبُ جَمْعُ نائبة وهى الحادثة وانما قَالَتْ نَوَائِبَ الْحَقِّ لِأَنَّ النَّائِبَةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَقَدْ تَكُونُ فِي الشَّرِّ قَالَ لَبِيدٌ
…
نَوَائِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ كِلَاهُمَا
…
فَلَا الْخَيْرُ مَمْدُودٌ وَلَا الشَّرُّ لَازِبُ
…
(قَالَ الْعُلَمَاءُ رضي الله عنهم مَعْنَى كَلَامِ خَدِيجَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا إِنَّكَ لَا يُصِيبُكَ مَكْرُوهٌ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَرَمِ الشَّمَائِلِ وَذَكَرَتْ ضُرُوبًا مِنْ ذَلِكَ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَخِصَالَ الْخَيْرِ سَبَبُ السَّلَامَةِ مِنْ مَصَارِعِ السُّوءِ وَفِيهِ مَدْحُ الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِمَصْلَحَةٍ نظر أو فيه تَأْنِيسُ مَنْ حَصَلَتْ لَهُ مَخَافَةً مِنْ أَمْرٍ وَتَبْشِيرُهُ وَذِكْرُ أَسْبَابِ السَّلَامَةِ لَهُ وَفِيهِ أَعْظَمُ دَلِيلٍ وَأَبْلَغُ حُجَّةٍ عَلَى كَمَالِ خَدِيجَةَ رضي الله عنها وَجَزَالَةِ رَأْيِهَا وَقُوَّةِ نَفْسِهَا وَثَبَاتِ قَلْبِهَا وَعِظَمِ فِقْهِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) مَعْنَاهُ صَارَ نَصْرَانِيًّا وَالْجَاهِلِيَّةُ مَا قَبْلَ رِسَالَتِهِ صلى الله عليه وسلم سُمُّوا بِذَلِكَ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ فَاحِشِ الْجَهَالَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكْتُبَ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ وَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَوَقَعَ فِي أَوَّلِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ يَكْتُبُ)
الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَحَاصِلُهُمَا أَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ مَعْرِفَةِ دِينِ النَّصَارَى بِحَيْثُ إِنَّهُ صَارَ يَتَصَرَّفُ فِي الْإِنْجِيلِ فَيَكْتُبُ أَيَّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ إِنْ شَاءَ وَبِالْعَرَبِيَّةِ إِنْ شَاءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ رضي الله عنها أَيْ عم اسمع من بن أَخِيكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (قَالَتْ خَدِيجَةُ أَيِ بن عَمِّ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فِي الْأَوَّلِ عم وفى الثانى بن عم وكلاهما صحيح أما الثانى فلأنه بن عَمِّهَا حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فسمته عما مجازا للاحترام وهذه عَادَةُ الْعَرَبِ فِي آدَابِ خِطَابِهِمْ يُخَاطِبُ الصَّغِيرُ الكبير بياعم احْتِرَامًا لَهُ وَرَفْعًا لِمَرْتَبَتِهِ وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الغرض بقولها يا بن عَمِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم النَّامُوسُ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ النَّامُوسُ فِي اللُّغَةِ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَيُقَالُ نَمَسْتُ السِّرَّ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ أَنْمِسُهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ نَمْسًا أَيْ كَتَمْتُهُ وَنَمَسْتُ الرَّجُلَ وَنَامَسْتُهُ سَارَرْتُهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام يُسَمَّى النَّامُوسَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا قَالَ الْهَرَوِيُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّهُ بِالْغَيْبِ وَالْوَحْيِ وَأَمَّا قَوْلُهُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِّينَاهُ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ نَزَلَ عَلَى عِيسَى صلى الله عليه وسلم وكلاهما صحيح قوله (ياليتنى فِيهَا جَذَعًا) الضَّمِيرُ فِيهَا يَعُودُ إِلَى أَيَّامِ النُّبُوَّةِ وَمُدَّتِهَا وَقَوْلُهُ جَذَعًا يَعْنِي شَابًّا قَوِيًّا حَتَّى أُبَالِغَ فِي نُصْرَتِكَ وَالْأَصْلُ فِي الْجَذَعِ لِلدَّوَابِّ وَهُوَ هُنَا اسْتِعَارَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ جَذَعًا فَهَكَذَا هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بالنصب قال القاضي ووقع فى رواية بن مَاهَانَ جَذَعٌ بِالرَّفْعِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا النَّصْبُ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ والمازرى وغيرهما
نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمَحْذُوفَةِ تَقْدِيرُهُ لَيْتَنِي أَكُونُ فِيهَا جَذَعًا وَهَذَا يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ النَّحْوِيِّينَ الْكُوفِيِّينَ وَقَالَ الْقَاضِي الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَخَبَرُ لَيْتَ قَوْلُهُ فِيهَا وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ التَّحْقِيقِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنْ شُيُوخِنَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أو مخرجى هُمْ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هَكَذَا الرواية ويجوز تخفيف الياء على وجه والصحيح الْمَشْهُورِ تَشْدِيدُهَا وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى بِمُصْرِخِيَّ وَهُوَ جَمْعُ مُخْرِجٍ فَالْيَاءُ الْأُولَى يَاءُ الْجَمْعِ وَالثَّانِيَةُ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ وَفُتِحَتْ لِلتَّخْفِيفِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْكَسْرَةُ وَالْيَاءَانِ بَعْدَ كَسْرَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ) أَيْ وَقْتَ خُرُوجِكَ قَوْلُهُ (أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا) هُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَبِهَمْزَةٍ قَبْلَهَا أَيْ قَوِيًّا بَالِغًا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بِالْوَاوِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْقَائِلُ وَأَخْبَرَنِي هُوَ الزُّهْرِيُّ وَفِي هَذِهِ الْوَاوِ فَائِدَةٌ لَطِيفَةٌ قَدَّمْنَاهَا فِي مَوَاضِعَ وَهِيَ أَنَّ مَعْمَرًا سَمِعَ مِنَ الزُّهْرِيِّ أَحَادِيثَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فِيهَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بِكَذَا وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بِكَذَا إِلَى آخِرِهَا فَإِذَا أَرَادَ مَعْمَرٌ رِوَايَةَ غَيْرِ الْأَوَّلِ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ فَأَتَى بِالْوَاوِ لِيَكُونَ رَاوِيًا كَمَا سَمِعَ وَهَذَا مِنَ الِاحْتِيَاطِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَالتَّحَرِّي فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَعْنِي رِوَايَةَ مَعْمَرٍ (فَوَاللَّهِ لَا يُحْزِنْكَ اللَّهُ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ قوله
فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ (يَرْجُفُ فُؤَادَهُ) قَدْ قَدَّمْنَا فِي حَدِيثِ أَهْلُ الْيَمَنِ أَرَقُّ قُلُوبًا بَيَانَ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَلْبِ وَالْفُؤَادِ وَأَمَّا عِلْمُ خَدِيجَةَ رضي الله عنها بِرَجَفَانِ فُؤَادِهِ صلى الله عليه وسلم فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا رَأَتْهُ حَقِيقَةً وَيَجُوزُ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ وَعَلِمَتْهُ بِقَرَائِنَ وَصُورَةِ الْحَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[161]
قَوْلُهُ (أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا نَوْعٌ مِمَّا يَتَكَرَّرُ فِي الْحَدِيثِ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ عَنْ جَابِرٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَعْلُومٌ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنهما مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ أَشَدُّ شُهْرَةً بَلْ هُوَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رِوَايَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَوَابُهُ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ خَاطَبَ بِهِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ كَوْنُهُ صَحَابِيًّا فَبَيَّنَهُ إِزَالَةً لِلْوَهْمِ وَاسْتَمَرَّتِ الرِّوَايَةُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ فَهَؤُلَاءِ الرُّوَاةُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ أَئِمَّةٌ جِلَّةٌ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ خَفَاءُ صُحْبَةِ جَابِرٍ فِي حَقِّهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ بَيَانَ هَذَا لِبَعْضِهِمْ كَانَ فِي حَالَةِ صِغَرِهِ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ثُمَّ رَوَاهُ عِنْدَ كَمَالِهِ كَمَا سَمِعَهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي جَابِرٍ يَتَكَرَّرُ مِثْلُهُ فِي كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَجَوَابُهُ كُلُّهُ مَا ذَكَرْتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ) يَعْنِي احْتِبَاسَهُ
وَعَدَمَ تَتَابُعِهِ وَتَوَالِيهِ فِي النُّزُولِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ) جَالِسًا هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ جَالِسًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَجُئِثْتُ مِنْهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ يونس وعقيل ومعمر ثم كلهم عن بن شِهَابٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَجُئِثْتُ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءِ الضَّمِيرِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَمَعْمَرٍ فَجُثِثْتُ بَعْدَ الْجِيمِ ثَاءَانِ مُثَلَّثَتَانِ هَكَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي ضَبْطِ رِوَايَةِ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ ضبط على ثلاثة أوجه منهم من ضبطه بالهمزة فىالمواضع الثَّلَاثَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِالثَّاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الرُّوَاةِ لِلْكِتَابِ عَلَى أَنَّهُ بِالْهَمْزِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَةُ يُونُسَ وَعُقَيْلٍ وَبِالثَّاءِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ وَهِيَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي نَقَلَهَا الْقَاضِي كُلُّهَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مُسْلِمًا رحمه الله قَالَ فِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ (ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يُونُسَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَجُثِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا) ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أنها
نحو حديث يونس الا انه قال فحثثت مِنْهُ كَمَا قَالَ عُقَيْلٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ مُسْلِمٍ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ وَعُقَيْلٍ مُتَّفِقَتَانِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَنَّهُمَا مُخَالِفَتَانِ لِرِوَايَةِ يُونُسَ فِيهَا فَبَطَلَ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ الثَّلَاثَةُ بِالثَّاءِ أَوْ بِالْهَمْزَةِ وَبَطَلَ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ رِوَايَةَ يُونُسَ وَعُقَيْلٍ مُتَّفِقَةٌ وَرِوَايَةَ مَعْمَرٍ مخالفة لرواية عقيل وهذا ظاهر لاخفاء بِهِ وَلَا شَكَّ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَيْضًا رِوَايَاتٍ أُخَرَ بَاطِلَةً مُصَحَّفَةً تَرَكْتُ حِكَايَتَهَا لِظُهُورِ بُطْلَانِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَالرِّوَايَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَعْنِي رِوَايَةَ الْهَمْزِ وَرِوَايَةَ الثَّاءِ وَمَعْنَاهَا فَزِعْتُ وَرُعِبْتُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَرُعِبْتُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ جُئِثَ الرَّجُلُ إِذَا فَزِعَ فهو مجؤوث قال الخليل والكسائى جئث وجث فهو مجؤوث وَمَجْثُوثٌ أَيْ مَذْعُورٌ فَزِعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ) هَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ هَوَيْتُ وَهُوَ صَحِيحٌ يُقَالُ هَوَى إِلَى الْأَرْضِ وَأَهْوَى إِلَيْهَا لُغَتَانِ أَيْ سَقَطَ وَقَدْ غَلِطَ وَجَهِلَ مَنْ أَنْكَرَ هَوَى وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ إِلَّا أَهْوَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ) هُمَا بِمَعْنًى فَأُكِّدَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعْنَى حَمِيَ كَثُرَ نُزُولُهُ وَازْدَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَمِيَتِ النَّارُ وَالشَّمْسُ أَيْ قَوِيَتْ حَرَارَتُهَا قَوْلُهُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا انزل قوله تعالى يا أيها المدثر) ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ أَوَّلَ مَا أُنْزِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها واما يا أيها المدثر فَكَانَ نُزُولُهَا بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ وَالدَّلَالَةُ صَرِيحَةٌ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ إِلَى أَنْ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى يا أيها المدثر وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ ثُمَّ قَالَ فأنزل الله تعالى يا أيها المدثر وَمِنْهَا قَوْلُهُ ثُمَّ تَتَابَعَ
الْوَحْيُ يَعْنِي بَعْدَ فَتْرَتِهِ فَالصَّوَابُ أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ اقْرَأْ وَأَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ بعد فترة الوحى يا أيها المدثر وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ الْفَاتِحَةُ فَبُطْلَانُهُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَاسْتَبْطَنْتُ الْوَادِيَ) أَيْ صِرْتُ فِي بَاطِنِهِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي جبريل عليه الصلاة والسلام (فَإِذَا هُوَ عَلَى الْعَرْشِ فِي الْهَوَاءِ) الْمُرَادُ بِالْعَرْشِ الْكُرْسِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْعَرْشُ هُوَ السَّرِيرُ وَقِيلَ سَرِيرُ الْمَلِكِ قال الله تعالى ولها عرش عظيم وَالْهَوَاءُ هُنَا مَمْدُودٌ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَهُوَ الْجَوُّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْهَوَاءُ الْخَالِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَأَخَذَتْنِي رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ رَجْفَةٌ بِالرَّاءِ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَجْفَةٌ بِالْوَاوِ وَهُمَا صَحِيحَانِ مُتَقَارِبَانِ وَمَعْنَاهُمَا الِاضْطِرَابُ قَالَ اللَّهُ تعالى قلوب يومئذ واجفة وقال تعالى يوم ترجف الراجفة ويوم ترجف الارض والجبال قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَصَبُّوا عَلَيَّ مَاءً) فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَبَّ عَلَى الْفَزِعِ الْمَاءَ لِيَسْكُنَ فَزَعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا تفسير قوله تعالى يا أيها المدثر فَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُدَّثِّرُ وَالْمُزَّمِّلُ وَالْمُتَلَفِّفُ وَالْمُشْتَمِلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ثُمَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُدَّثِّرُ بِثِيَابِهِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلًا عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمُدَّثِّرُ بِالنُّبُوَّةِ وَأَعْبَائِهَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى قم فأنذر مَعْنَاهُ حَذِّرِ الْعَذَابَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ وَرَبَّكَ فكبر