الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخْفِي نَفْسَهُ وَيُصَلِّي سِرًّا مَخَافَةً مِنَ الظُّهُورِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي الدُّخُولِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْحُرُوبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(باب تَأَلُّفِ قَلْبِ مَنْ يَخَافُ عَلَى إِيمَانِهِ لِضَعْفِهِ (وَالنَّهْيِ عَنْ
الْقَطْعِ بِالْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ)
[150]
فِيهِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أما أَلْفَاظُهُ فَقَوْلُهُ (قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْمًا) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أَوْ مُسْلِمٍ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْوَاوِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ) يَكُبَّهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ يُقَالُ أَكَبَّ الرَّجُلُ وَكَبَّهُ اللَّهُ وَهَذَا بِنَاءٌ غَرِيبٌ فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ اللَّازِمُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ فَيُعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَهُنَا عَكْسُهُ وَالضَّمِيرُ فِي يَكُبَّهُ يَعُودُ عَلَى الْمُعْطِي أَيْ أَتَأَلَّفُ قَلْبَهُ بِالْإِعْطَاءِ مَخَافَةً مِنْ كُفْرِهِ إِذَا لَمْ يُعْطَ وَقَوْلُهُ (أَعْطَى رَهْطًا) أَيْ جَمَاعَةً وَأَصْلُهُ الْجَمَاعَةُ دُونَ الْعَشَرَةِ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَعْجَبهُمْ إِلَيَّ) أَيْ أَفْضَلُهُمْ وَأَصْلَحُهُمْ فِي اعْتِقَادِي وَقَوْلُهُ (إِنِّي لَأَرَاهُ)
مُؤْمِنًا) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنْ لَأَرَاهُ أَيْ لَأَعْلَمَهُ وَلَا يَجُوزُ ضَمُّهَا فَإِنَّهُ قَالَ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ رَاجَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَازِمًا بِاعْتِقَادِهِ لَمَا كَرَّرَ الْمُرَاجَعَةَ وَقَوْلُهُ عن صالح عن بن شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ فَإِنَّ صَالِحًا أَكْبَرُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَمَّا فِقْهُهُ وَمَعَانِيهُ فَفِيهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَكَلَامٌ طَوِيلٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِيضَاحُ شَرْحِهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْإِقْرَارَ بِاللِّسَانِ لَا يَنْفَعُ إِلَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِهِ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ خِلَافًا لِلْكَرَّامِيَّةِ وَغُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ يَكْفِي الْإِقْرَارُ وَهَذَا خَطَأٌ ظاهر يراه إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ وَالنُّصُوصُ فِي إِكْفَارِ الْمُنَافِقِينَ وَهَذِهِ صِفَتُهُمْ وَفِيهِ الشَّفَاعَةُ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ فِيمَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ الْمَسْئُولِ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ وَفِيهِ تَنْبِيهُ الْمَفْضُولِ الْفَاضِلَ عَلَى مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَفِيهِ أَنَّ الْفَاضِلَ لَا يَقْبَلُ مَا يُشَارُ عَلَيْهِ بِهِ مُطْلَقًا بَلْ يَتَأَمَّلُهُ فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ مَصْلَحَتُهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وفيه الأمر بالتثبت وَتَرْكِ الْقَطْعِ بِمَا لَا يُعْلَمَ الْقَطْعُ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَصْرِفُ الْمَالَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَحَدٍ بِالْجَنَّةِ عَلَى التَّعْيِينِ إِلَّا مَنْ ثَبَتَ فِيهِ نَصٌّ كَالْعَشَرَةِ وَأَشْبَاهُهُمْ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ مُسْلِمًا فَلَيْسَ فِيهِ إِنْكَارُ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا بَلْ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الْقَطْعِ بِالْإِيمَانِ وَأَنَّ لَفْظَةَ الْإِسْلَامِ أَوْلَى بِهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَأَمَّا الْإِيمَانُ فَبَاطِنٌ لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ زَعَمَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِيمَانِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي جَوَابِ سَعْدٍ (إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ) مَعْنَاهُ أُعْطِي مَنْ أَخَافُ عَلَيْهِ لِضَعْفِ إِيمَانِهِ أَنْ يَكْفُرَ وَأَدَعُ غَيْرَهُ مِمَّنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ لِمَا أَعْلَمُهُ مِنْ طُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ وَصَلَابَةِ إِيمَانِهِ وَأَمَّا قَوْلُ مُسْلِمٍ رحمه الله فِي أَوَّلِ الْبَابِ (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزهري عن عامر) فقال أبوعلى الْغَسَّانِيُّ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عن سفيان وكذلك قال أبو الحسن الدار قطنى فِي كِتَابِهِ الِاسْتِدْرَاكَاتُ قُلْتُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَؤُلَاءِ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ قَدْ يُقَالُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَافَقُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ سُفْيَانَ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ مَرَّةً وَسَمِعَهُ مِنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَرَّةً فَرَوَاهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَقْدَحُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ وَلَكِنِ انْضَمَّتْ أُمُورٌ اقْتَضَتْ مَا ذَكَرُوهُ مِنْهَا أَنَّ سُفْيَانَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ وَمِنْهَا أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ رَوَوْهُ عَنْ مَعْمَرٍ وَقَدْ يُجَابَ عَنْ هَذَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ مُسْلِمًا رحمه الله لَا يَرْوِي عَنْ مُدَلِّسٍ قَالَ عَنْ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِمَّنْ عَنْعَنَ عنه وكيف كان فهذا الكلام فى الاسناد لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَتْنِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مُتَّصِلٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ