المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تشكيكه في ثبوت السنة والإجماع، وزعمه أن أهل السنة يزهدون في التحاكم إلى القرآن مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرجال، والرد عليه - الانتصار لأهل السنة والحديث في رد أباطيل حسن المالكي

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ إهداؤه كتابه نموذج من هدايا الضلال والإضلال

- ‌ كاتب هذا البحث المزعوم وناشره وصاحب الأَحَدية متعاونون على الإثم والعدوان

- ‌ زعمه أنَّه سلفيٌّ سُنِيٌّ، وذِكرُ نماذج من كلامه تُبطل دعواه

- ‌ زعمه أنَّه حنبليٌّ وأنَّ نقدَه للحنابلة في العقيدة من النَّقد الذاتي، والردُّ عليه

- ‌ بخله بالصلاة على الصحابة الكرام بعد الصلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وآله

- ‌ زعمه أنَّ مصطلحَ العقيدة مُبتَدعٌ، والردُّ عليه

- ‌ قدحه في كتب أهل السنَّة في العقيدة والردُّ عليه

- ‌ زعمه الاكتفاء بإسلام لا يتعرَّض فيه لجزئيات العقيدة؛ لأنَّ ذلك بزعمه يُفرِّق المسلمين، والردُّ عليه

- ‌ ثناؤه على أهل البدع وقدحه في أهل السُّنَّة، والرَّدُُ عليه

- ‌ زعمه أنَّ أهل السنَّة وسَّعوا جانب العقيدة، فأدخلوا فيها مباحث الصحابة والدجَّال والمهدي وغير ذلك، والردُّ عليه

- ‌ قدحه في أفضليَّة أبي بكر وأحقيَّته بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والردُّ عليه

- ‌ قدحه في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما، والردُّ عليه

- ‌ اختياره المزعوم للمذهب الحنبلي لنقده في العقيدة والردُّ عليه

- ‌ قدحه في أحاديث صحيحة بعضها في الصحيحين والردُّ عليه

- ‌ زعمه أنَّ المعوَّل عليه في النصوص ما كان قطعيَّ الثبوت قطعيَّ الدلالة فقط، والردُّ عليه

- ‌ زعمه أنَّ أهل السنَّة مجسِّمة ومشبِّهة والردُّ عليه

- ‌ ما ذكره من تأثير العقيدة على الجرح والتعديل والردُّ عليه

- ‌ ثناؤه على المأمون الذي نصر المبتدعة وآذى أهل السنَّة وذمُّه للمتوكِّل الذي نصر السنَّة وأنهى المحنة

- ‌ قدحُه في أهل السنَّة بعدم فهم حجَّة الآخرين والردُّ عليه

- ‌ زعمه غلوَّ أهل السنَّة في مشايخهم وأئمَّتهم والردُّ عليه

- ‌ زعمه أنَّ نقضَ أهل السنَّة كلام غيرهم ردودُ أفعال، والردُّ عليه

- ‌ زعمه أنَّ أهل السنَّة لا يُدركون معنى الكلام، والردُّ عليه

- ‌ ما ذكره عن أهل السنَّة من ذمِّ المناظرة والحوار، والجوابُ عن ذلك

- ‌ تشكيكه في ثبوت السنَّة والإجماع، وزعمه أنَّ أهل السنَّة يُزهِّدون في التحاكم إلى القرآن مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرِّجال، والردُّ عليه

- ‌ زعمه أنَّ أهل السنَّة يُزهِّدون في كبائر الذنوب والموبقات، والردُّ عليه

- ‌ زعمه أنَّ أهل السنَّة يتساهلون مع اليهود والنصارى مع التشدُّد مع المسلمين، والردُّ عليه

- ‌ زعمه أنَّ قاعدة (اتِّباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمَّة) باطلة، وأنَّها بدعةٌ، والردُّ عليه

- ‌ زعمه أنَّ تقسيم التوحيد إلى ربوبية وألوهية تقسيمٌ مبتدَع، والردُّ عليه

- ‌ تشنيعه على الإمام أحمد في مسألة التكفير، والردُّ عليه

- ‌ رميه أهل السنَّة بالنَّصب وزعمه أنَّ ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن كثير نواصب، والردُّ عليه

- ‌ استشهاده لباطله بكلام لعَمرو بن مُرَّة ومحمد بن إبراهيم الوزير والمقبلي والصنعاني والقاسمي، والردُّ عليه

- ‌ تكثُّره بأربعة نوابت حُدثاء الأسنان شاركوه في الضلال، وذِكره شيئاً من أباطيلهم، والردُّ عليه وعليهم

الفصل: ‌ تشكيكه في ثبوت السنة والإجماع، وزعمه أن أهل السنة يزهدون في التحاكم إلى القرآن مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرجال، والرد عليه

أعلى وأجَلُّ من أن يشاء القبائح في زعمهم، فقال أبو إسحاق: كلمة حقٍّ أُريد بها باطل، ثم قال: سبحان مَن لا يقع في ملكه إلَاّ ما يشاء، فقال عبد الجبار: أتراه يخلقه ويُعاقبني عليه؟ فقال أبو إسحاق: أتراك تفعله جبراً عليه؟ أأنتَ الرّبُّ وهو العبد؟ فقال عبد الجبار: أرأيتَ إن دعاني إلى الهدى وقضى عليَّ بالرَّّدَى، أتراه أحسن إليَّ أم أساء؟ فقال أبو إسحاق: إن كان الذي منعك منه مُلكاً لك فقد أساء، وإن كان له: فإن أعطاك ففضل، وإن منعك فعدل، فبُهت عبد الجبار، وقال الحاضرون: والله، ما لهذا جواب! " (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، لشيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عند سورة الشمس) .

ص: 139

24 ـ‌

‌ تشكيكه في ثبوت السنَّة والإجماع، وزعمه أنَّ أهل السنَّة يُزهِّدون في التحاكم إلى القرآن مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرِّجال، والردُّ عليه

قال في (164) تحت عنوان: "التزهيد في التحاكم إلى القرآن الكريم مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرجال": "القرآن الكريم أعلى مصدر تشريعي عند المسلمين، فقد اختلف المسلمون في ثبوت السنة وفي الإجماع وفي القياس وفي قول الصحابي وفي غير ذلك، لكن لم يختلفوا أنَّ القرآن هو المصدر الرئيس الشرعي في كلِّ أمر من الأمور الدينية، قال تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ، ففي الآية تحذير للمسلم بأنَّ من لم يرضَ بالتحاكم إلى الله والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم

ص: 139

فإنَّه يقدح في إيمانه بالله واليوم الآخر، وكان المخالفون للحنابلة أكثر تعظيماً للقرآن واستدلالاً به منهم، فلمَّا رأى الحنابلة ذلك وأنَّ القرآن الكريم تستدلُّ به الطوائف (المبتدعة!!) لجأوا إلى التزهيد من التحاكم إلى القرآن الكريم مع تضخيم الآثار والأقوال المنسوبة لبعض التابعين أو العلماء، بل وبدَّعوا من يعود إلى القرآن الكريم وقدَّموا عليه أقوال الرجال:

يقول البربهاري: "إذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن فلا شكَّ أنَّه رجلٌ قد احتوى على الزندقة، فقُم من عنده ودَعْه".

وقال: "وأنَّ القرآن أحوجُ إلى السنَّة من السنَّة إلى القرآن".

أقول: السنَّة عظيمة المنزلة، لكن ليست أهمَّ من القرآن، وهي أحوجُ إلى القرآن، فالسنَّة تحاكم إلى القرآن، فيُعرفُ ما ثبت عن رسول الله وما لم يثبت؛ إذ أنَّ من منهج المحدِّثين في معرفة ضعف بعض متون السنة مخالفتها للقرآن الكريم.

وقال (ص: 86) : "التكبير على الجنائز أربع، وهو قول مالك بن أنس وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل والفقهاء، وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم".

أقول: انظروا كيف جعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخرَ هؤلاء!!

وقال البربهاري أيضاً (ص: 115) : "وإذا سمعتَ الرجل يطعن على الآثار أو يردُّ الآثار أو يريد غير الآثار فاتَّهمه على الإسلام، ولا تشك أنَّه صاحب هوى مبتدع".

أقول: وهل الذي يطعن على القرآن الكريم، أو لا يريد القرآن الكريم ويريد أقوال الرجال، هل هذا مبتدع أم لا؟

ص: 140

ثم على منهج البربهاري نفسه يُمكن لمعارضه أن يُبدِّعه؛ لأنَّه يترك الأحاديث الصحيحة ويلجأ للضعيفة والموضوعة وأقوال الرجال، ويُعارض بها كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصحيحة!! ".

وأجيب عن ذلك بما يلي:

1 ـ إنَّ كتاب المالكي الذي أردُّ عليه وهو"قراءة في كتب العقائد" مملوءٌ بالحقد والغيظ على أهل السنَّة من أوَّله إلى آخره، ولكنَّه في هذا الموضع أظهر منتهى الحقد عليهم، مع الافتراء والكذب وقلب الحقائق.

2 ـ يصف المالكي أهل السنَّة بالتناقض كما مرَّ ذلك قريباً، وهنا يتناقض فيقول:"السنَّة عظيمة المنزلة" ومع هذا يشكِّك في ثبوتها فيقول: "فقد اختلف المسلمون في ثبوت السنَّة!! ".

3 ـ طعن في ثبوت السنَّة وزعم أنَّ المسلمين اختلفوا في ثبوتها، فقال: ((فقد اختلف المسلمون في ثبوت السنَّة"، ولَم يُبيِّن هذا الاختلاف، ومن المعلوم المقطوع به أنَّ أهل السنَّة والحديث يُؤمنون بالسنَّة كما يؤمنون بالقرآن، ويعملون بما فيهما، والعمل بالسنَّة قد أمر الله به في القرآن، فقال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وقال:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} ، والسنَّةُ هي المتلقاة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتملت عليها دواوين السنَّة، وأبرزها الصحيحان للإمامَين البخاري ومسلم رحمهما الله، وقد اشتمل كتاب صحيح البخاري على سبعة وتسعين كتاباً، منها كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، ولعلَّ المالكي يريد بالاختلاف في ثبوت السنة خلاف الرافضة لأهل السنَّة؛ فإنَّ السنَّة عندهم سنَّةُ الأئمَّة المعصومين، وهي غير السنة عند أهل السنَّة،

ص: 141

ويُماثل صحيح البخاري عندهم"الأصول من الكافي"، ومن ضمن أبوابه (1/399) :"باب أنَّه ليس شيء من الحقِّ في يد الناس إلَاّ ما خرج من عند الأئمَّة عليهم السلام، وأنَّ كلِّ شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل!!! ".

وقول المالكي بعد زعمه اختلاف المسلمين في ثبوت السنَّة: "لكن لم يختلفوا أنَّ القرآن الكريم هو المصدر الرئيس الشرعي في كلِّ أمر من الأمور الدينية، قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ، ففي الآية تحذير للمسلم بأنَّ من لم يرضَ بالتحاكم إلى الله والرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنَّه يقدح في إيمانه بالله واليوم الآخر".

وأقول: إنَّ هذه الآيةَ التي استدلَّ بها تدلُّ على الردِّ إلى القرآن والسنَّة، فالردُّ إلى الله ردٌّ إلى الكتاب، والردُّ إلى الرسول ردٌّ إلى السنَّة، وهي المتلقاة عن أصحابه الكرام الذين هم خيرُ القرون.

4 ـ زعم أنَّ الإجماع مختلف في ثبوته، ويقصد بذلك اختلاف جميع فرق الضلال مع أهل السنَّة؛ كما أوضح ذلك في كتابه السيِّء عن الصحابة، حيث قال في (ص: 61 ـ الحاشية) : "لأنَّ أقوى دليل للذين يرون الإجماع هو الحديث المشهور:"لا تجتمع أمَّتي على ضلالة"، والحديث وإن كان فيه كلام من حيث الثبوت، لكن الأمَّة فيه لا تعني بعض الأمًَّة، وإنَّما كلّ أمَّة الإجابة، كلّ المسلمين باختلاف مذاهبهم الفقهية والعقدية والسياسية، ومن زعم بأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد من (أمَّتي) أنَّها تعني المحدِّثين وأصحاب المذاهب الأربعة فقد جازف....!! ".

5 ـ افترى على أهل السنَّة كذباً وزوراً أنَّهم يُزهِّدون في التحاكم إلى القرآن الكريم مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرجال، كما عنون بذلك، وقال:

ص: 142

"وكان المخالفون للحنابلة أكثر تعظيماً للقرآن واستدلالاً به منهم، فلمَّا رأى الحنابلة ذلك وأنَّ القرآن الكريم تستدلُّ به الطوائف (المبتدعة!!) لجأوا إلى التزهيد من التحاكم إلى القرآن الكريم مع تضخيم الآثار والأقوال المنسوبة لبعض التابعين أو العلماء، بل وبدَّعوا من يعود إلى القرآن الكريم وقدَّموا عليه أقوال الرجال".

وهذا بهتان بيِّنٌ وإفكٌ مبين، وقد قال الله عز وجل:{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا} ً، وهو أيضاً قلبٌ للحقائق، ووضعٌ لِمَن رفعه الله ورفعٌ لِمَن وضعه، وقد قال الله عز وجل:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} ، وما أشبه صنيعه في قلب الحقائق بقول الشاعر كما في معجم الأدباء لياقوت الحموي (17/198) :

قد قُدِّم العَجْبُ على الرُّوَيس

وشارف الوهد أبا قُبيسِ

وطاول البقل فروعَ المَيْس

وهبت العنز لقرع التيس

وادَّّعت الروم أباً في قيس

واختلط الناس اختلاط الحيس

إذ قرا القاضي حليف الكيس

معاني الشعر على العبيسي

والمعنى في البيت الأول تقديم عَجْب الذنب على الرأس، وأنَّ المكان المنخفض يُطاوِلُ المكان المرتفع، وأبو قُبيس: جبل عال بمكة.

6 ـ قوله: "بل وبدَّعوا من يعود إلى القرآن الكريم وقدَّموا عليه أقوال الرجال:

يقول البربهاري: (إذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر فلا يريده ويريد القرآن فلا شكَّ أنَّه رجلٌ قد احتوى على الزندقة، فقُم من عنده ودَعْه)، وقال:(وأنَّ القرآن أحوجُ إلى السنَّة من السنَّة إلى القرآن") .

ص: 143

وأقول: أهل السنَّة لَم يُبدِّعوا من يعود إلى القرآن الكريم، وإنَّما بدَّعوا مَن يأخذ به ولا يأخذ بالسنَّة، ومِمَّا يدلُّ على ذلك قول الله عز وجل:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} ، وقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديث المقدام بن معد يكرب:"ألا إنِّي أوتيتُ الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن؛ فما وجدتم فيه من حلال فأحلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه، ألا لا يَحلُّ لكم لَحمُ الحمار الأهلي، ولا كلُّ ذي ناب من السَّبُع، ولا لقطةُ مُعاهد إلَاّ أن يستغني عنها صاحبُها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يَقْرُوه، فإن لَم يَقرُوه فله أن يُعْقِبَهم بمثل قِراه"، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي رافع:"لا أُلفيَنَّ أحدَكم متَّكئاً على أريكتِه، يأتيه الأمرُ من أمري مِمَّا أمرتُ به أو نهيتُ عنه، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتَّبعناه"، وهما حديثان صحيحان، أخرجهما أبو داود في سننه في"بابٌ في لزوم السنَّة"(4604) ، (4605) ، وأخرجهما أيضاً الترمذي وابن ماجه.

وأمَّا قول البربهاري في حاجة القرآن إلى السنَّة فعبارته هكذا: "وأنَّ القرآنَ إلى السنَّة أحوج من السنَّة إلى القرآن"، وليس فيها تزهيدٌ في القرآن، بل المعنى فيها واضح، وهو أنَّ السنَّة هي التي تبيِّن القرآن وتوضحه وتدلُّ عليه، وليس القرآن هو الذي يوضحها ويُبيِّنها، ومن ذلك أنَّ القرآن الكريم جاء فيه الأمر بإقامة الصلاة، ثم جاءت السنَّة مبيِّنة عدد الصلوات وأنَّها خمس، وبيان عدد الركعات في كلِّ صلاة منها، وبيان ما فيها من قيام وركوع وسجود وجلوس، وما يُشرع قراءته وقوله فيها، وقد أرشد إلى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:"صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي"، وقال مثل ذلك في الحجِّ:"خذوا عنِّي مناسككم"، ومن ذلك الزكاة، فقد جاء القرآن بالأمر بإيتائها، وجاء في السنَّة بيان الأموال التي تُزكَّى ومقدار الأنصباء ومقدار ما يُخرج من الزكاة، وهكذا في العبادات والمعاملات وغير ذلك.

ص: 144

7 ـ قوله: وقال (أي البربهاري)(ص: 86) : "التكبير على الجنائز أربع، وهو قول مالك بن أنس وسفيان الثوري والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل والفقهاء، وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم".

أقول: انظروا كيف جعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم آخرَ هؤلاء!! ".

وأقول: انظروا إلى نار الحقد المشتعلة في قلب هذا المالكي على أهل السنَّة، حتى كاد يتميَّز من الغيظ؛ فليس في كلام البربهاري ذكر أسماء جُعل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في آخرها، وإنّما فيه ذكر مسألة التكبير على الجنائز، وبعضُ من قال بأنَّ التكبيرات عليها أربع، ثم ذكر الدليل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك حديث صلاته على النجاشي في المصلى، وتكبيره أربع تكبيرات، أخرجه البخاري (1333) ، ومسلم (951) ، وهذه هي الطريقة التي سلكها العلماء في الاستدلال، فيُذكر القول ومن قال به، ثم الدليل على ذلك، والمالكي لا يخفى عليه ذلك، لكن الحقد على أهل السنَّة دفعه إلى ما قاله، وسبق أنَّه ذكر عند زعمه نقد المذهب الحنبلي في العقيدة أنَّ من أسباب ذلك تعلُّم الإنصاف وتعليمه، وهذا مثال واحد من أمثلة بُعده عن الإنصاف، وأنَّه في وادٍ والإنصافُ في واد آخر، بل هو في الثرى والإنصاف في الثريَّا.

8 ـ قوله: "وقال البربهاري أيضاً (ص: 115) : "وإذا سمعتَ الرجل يطعن على الآثار أو يردُّ الآثار أو يريد غير الآثار فاتَّهمه على الإسلام، ولا تشك أنَّه صاحب هوى مبتدع". أقول: وهل الذي يطعن على القرآن الكريم، أو لا يريد القرآن الكريم ويريد أقوال الرجال، هل هذا مبتدع أم لا؟! ".

ص: 145