الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 ـ وأمَّا ما ذكره عن بعض العلماء الذين زعم أنَّهم يقولون بمقالته الخاطئة من الاكتفاء بإسلام لا يُتعرَّض فيه لجزئيات العقيدة، فسيأتي الكلام على ذلك في آخر هذا الكتاب.
9 ـ
ثناؤه على أهل البدع وقدحه في أهل السُّنَّة، والرَّدُُ عليه
قال في (ص: 26) : "وكان للمعتزلة قوَّة هائلة ثمَّ أضعفتها السلطات، لكن لا زال لها وجود قويٌّ إلى يومنا هذا، خاصة بعد طباعة كتب المعتزلة والعثور على مخطوطاتها في اليمن ومصر وأوربا وغيرها".
وقال في (ص: 41) : "والخلاصةُ أنَّ الأصلَ في المجتمعات ألَاّ يخلو منها الاختلاف والتناقض، بل يصبح هذا الاختلاف صحياً إذا بقي في دائرة السلم والاجتهاد، أمَّا إذا كان الاختلاف طريقاً لتفرُّق المسلمين وتنازعهم وتكفير بعضهم بعضاً أو تبديع بعضهم بعضاً فإنَّه يُصبح مذموماً"، وقال تعليقاً على هذا:"وهذا لا يعني بالضرورة أنَّ الباطل عند حدوث القتال والتكفير موزَّع بالسويَّة على الطرفين جميعاً؛ فقد يكون الحق مع طرف ولكنَّه نادر خاصة في العقائد، والأصل أنَّ معظمَ الاختلافات بين المسلمين أن يكون كل طرف ممسكاً بطرف من الحقيقة!! ".
وقال في (ص: 90) : "ولذلك كان أكثر بل كلُّ التيارات التي نصمُها بالبدعة كالجهمية والقدرية والمعتزلة والشيعة والزيدية وغيرهم، كلُّ هؤلاء كانوا من الدعاة إلى تحكيم كتاب الله وتحقيق العدالة، وكانوا من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر!!! ".
وقال في (ص: 91) : "وحرارة هذا القول منِّي كان أسفاً منِّي على سنوات أضعتُها في بغض ولعن الجهمية والقدرية، ولم أنتبه لبراءتهما من أكثر ما نُسب إليهما وظلمي لهما إلَاّ بعد بحثي في الموضوع في فترة متأخرة!! ".
وفي الصفحات (89 ـ 91) تباكى على قتل الجعد بن درهم والجهم بن صفوان وغيلان الدمشقي، وهم من رؤوس المبتدعة، وزعم أنَّ قتلهم سياسي ولم يكن لبدعهم!!
وقال في (ص: 95) : "لكن المعتزلة ـ مثل غيرهم من الفرق ـ أصابوا في أشياء وأخطأوا في أشياء، لكنَّهم في الجملة لا يُستغنى عنهم ولا عن تراثهم وعلومهم، وهم مسلمون متديِّنون بدين الإسلام باطناً وظاهراً، وهذا يوجب لهم حق الإسلام كما لا يخفى على عاقل!! ".
وقال في (ص: 86) : "وللقدرية نصوص شرعية يستشهدون بها مثلما للسنَّة والشيعة والمعتزلة نصوص شرعية يرون فيها الدليل الكافي على ما يذهبون إليه!! ".
وأجيب على ذلك بما يلي:
1 ـ إنَّ كتابات المالكي التي زعمها بحوثاً، سواء ما اطَّلعتُ عليه منها أو وقفت على ذكر أسمائها، كلُّها تتعلَّق بذمِّ أهل السُّنَّة والنَّيل منهم، بدءاً بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الموجودين منهم في هذا الزمان بالمملكة وغيرها، وكما لم يسلم أهل السنَّة من ذمِّه، فكذلك لم تسلم كتبهم من ذمِّه ونيله منها، وقد مرَّ ذلك قريباً، ولم أقف له على بحث أو اسم لبحث يتعلَّق بذمِّ أهل البدع على اختلافهم وتعدُّدهم والنَّيل منهم، وما أثبَتُّه من كلامه واضح في إشادته بأهل البدع، ومن ذلك ثناؤه على المأمون الذي نصر المعتزلة وآذى أهل السنَّة حيث قال في (ص: 135) : "وكان من أعدل ملوك
بني العباس وأكثرهم علماً!! "، وفي المقابل ذمُّه للمتوكّل الذي أنهى فتنة خلق القرآن ونصر أهل السنَّة، حيث وصفه بأنَّه مبتدعٌ ظالم!!
2 ـ ما زعمه من أنَّ كلاًّ من المختلفين مُمسكٌ بطرف من الحقيقة، وأن كون الحقِّ في العقائد مع طرف واحد نادر هو من أبطل الباطل؛ لأنَّ فيه تسوية بين الحقِّ والباطل، وأنَّه لا يوجد فرقة ناجية تكون على الحقِّ، لا يضرُّها من خذلها ولا مَن خالفها، ويترتَّب عليه أنَّ مَن قال:(إنَّ القرآن مخلوق) على حقٍّ، ومَن قال:(إنَّ الله لا يُرى في الدار الآخرة) على حقٍّ، وأنَّ مَن قال بكفر مرتكب الكبيرة وتخليده في النار على حقٍّ، وأنَّ من قال:(وإنَّ من ضروريات مذهبنا أنَّ لأئمَّتنا مقاماً لا يبلغه مَلَكٌ مقرَّب ولا نبيٌّ مرسَل) على حقٍّ، وهكذا يكون سائر أنواع الباطل والزَّيغ والضلال يكون أهلها ـ بناء على زعمه ـ على حقٍّ.
3 ـ وأمَّا تباكيه على قتل رؤوس المبتدعة كالجعد والجهم وغيلان، وزعمُه أنَّ قتلَهم سياسيٌّ وليس لبدعهم، فإنَّ حالَهم في زمانهم كحال المالكي في هذا الزمان، وما أشبه الليلة بالبارحة، ولو رُفع أمرُ المالكي إلى محكمة شرعية من أجل أباطيله الكثيرة، فحكمت بقتله لتلك الأباطيل، ومن أبرزها ما يلي:
أوَّلاً: إنكاره صحبة أكثر الصحابة، وهم كلُّ مَن أسلم بعد الحديبية هاجر أو لم يُهاجر، وفيهم العباس عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أقرب الرِّجال إليه نسباً، وابنه عبد الله وخالد بن الوليد وغيرهم، زاعماً أنَّ صحبتَهم كصحبة المنافقين والكفار.
ثانياً: زعمه أنَّ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم عنده المهاجرون والأنصار قبل الحديبية فقط ـ يُذادون عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُؤخذون
إلى النار، ولا ينجو منهم إلَاّ القليل مثل همل النعم، فهذا الزعم منه قدحٌ فيهم، وهم حملة الكتاب والسنَّة إلى الناس، والقدحُ فيهم قدحٌ في الكتاب والسنَة؛ لأنَّ القدحَ في النَّاقل قدحٌ في المنقول، وقد قال أبو زرعة الرازي:((إذا رأيت الرجلَ ينتقصُ أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنَّه زنديقٌ؛ وذلك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حقٌّ والقرآن حقٌّ، وإنَّما أدَّى إلينا هذا القرآنَ والسننَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنَّما يريدون أن يجرحوا شهودَنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرحُ بهم أولى وهم زنادقةٌ". الكفاية للخطيب البغدادي (ص: 49) .
ثالثاً: إنكارُه عدالة الصحابة.
رابعاً: قدحه في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وزعمه أنَّ خلافةَ أبي بكر أشبهُ ما تكون بالقهر والغلبة، وأنَّ مبايعةَ مَن يرى أنَّ عليًّا أولَى منه إنَّما هو للرضى بالأمر الواقع.
خامساً: تشكيكه في ثبوت السنَّة، وزعمه أنَّ المسلمين مختلفون في ثبوتها.
والثلاثة الأولى موجودة في كتابه السيِّء عن الصحابة، والرابع موجود في هذا الكتاب ابتداءاً من (ص: 45 وما بعدها) ، والخامس فيه في (ص: 164) .
أقول: لو حكمت محكمة شرعيةٌ بقتله لأباطيله الكثيرة التي أشرتُ إلى بعضها فقُتل، لم يكن قتلُه سياسيًّا، بل لحفظ الدِّين من إلحاد المُلحدين وعبث العابثين، وعدوان المعتدين الذين يُفسدون في الأرض بعد إصلاحها، ومن المعلوم أنَّ حفظَ الدِّين هو أهمُّ الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها ومنع الاعتداء عليها، وهي الدّين والنَّفس والعقل والمال والنَّسب.
4 ـ وأمَّا أسفه على ذمِّه الجهميَّة والقدرية الذي رجع عنه أخيراً، فهو رجوع من الحقِّ إلى الباطل، ونعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، ربَّنا لا تزغ