الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأقول: هذا اتِّهامٌ واضح لأهل السنَّة بأنَّهم يطعنون في القرآن، وأنَّهم لا يُريدونه ويريدون أقوال الرجال، وهو مثل العنوان الذي ذكره في أوَّل هذا الموضع، وهو"التزهيد في التحاكم إلى القرآن الكريم مع المبالغة في الأخذ بأقوال الرجال"، وإذا كان أهل السنَّة هم الذين يطعنون في القرآن ولا يريدونه، فمَن الذي يأخذ بالقرآن ومن الذي يريده سواهم، لا شكَّ أنَّ هذا من الإفك المبين والظلم الواضح وقلب الحقائق، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} .
25 ـ
زعمه أنَّ أهل السنَّة يُزهِّدون في كبائر الذنوب والموبقات، والردُّ عليه
قال في (ص: 166) : "التزهيد والتساهل في كبائر الذنوب والموبقات مع التشدُّد في أمور مختلف فيها، وهذا خلاف نصوص القرآن الكريم فضلاً عن السنَّة:
قال البربهاري: "إذا رأيتَ الرجل من أهل السنَّة رديء المذهب والطريق، فاسقاً فاجراً صاحب معاصي ضالاًّ وهو على السنَّة فاصحبه واجلس معه؛ فإنَّه ليس يضرُّك معصيته، وإذا رأيتَ الرَّجلَ مجتهداً في العبادة متقشِّفاً محترقاً بالعبادة صاحب هوى فلا تجالسه ولا تمشي معه في طريق".
وقال أيضاً: "لأن تلقى اللهَ زانياً فاسقاً خائناً أحبّ إليَّ من أن تلقاه بقول فلان وفلان".
أقول: ويقصد بفلان وفلان علماء الحنفية أو المعتزلة أو المختلفين مع
الحنابلة، لكن البربهاري يلقانا بقوله وقول الأوزاعي وحماد بن زيد، وهم ـ على فضلهم ـ بشر يصحُّ أن يُقال فيهم فلان وفلان، وهذا تناقض، ولا بدَّ من منهج يحمي من التناقض!!! ".
والجواب: أنَّ أهل السنَّة لا يُزهِّدون في كبائر الذنوب، وإنَّما الذين يُزهِّدون فيها هم المرجئة، الذين يقولون: لا يضرُّ مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فيأخذون بنصوص الوعد، ويُهملون نصوص الوعيد، وأمَّا أهل السنَّة فيأخذون بنصوص الوعد والوعيد جميعاً، فلا يأخذون بنصوص الوعد فقط، كما فعلت المرجئة، ولا بنصوص الوعيد فقط كما فعلت الخوارج والمعتزلة، ويقولون عن مرتكب الكبيرة: مؤمن ناقص الإيمان، وليس كاملَ الإيمان كما قالت المرجئة، ولا خارجاً من الإيمان كما قالت الخوارج والمعتزلة.
وأمَّا ما جاء عن بعض السلف من التحذير من البدع، وبيان أنَّها أسوأُ من المعاصي، فليس ذلك تزهيداً في المعاصي، بل لبيان التفاوت الكبير بين البدع والمعاصي، وإنَّما كانت البدعُ أشدَّ خطراً من المعاصي؛ لأنَّ المعاصي من أمراض الشهوات، والبدعَ من أمراض الشبهات، ولأنَّ العاصي يَشعُر بأنَّه مذنبٌ فيتوب من معصيته، وأمَّا المبتدع فقد يستمرُّ على بدعته حتى يموت عليها؛ لأنَّه يرى أنَّه على حقٍّ وهو على باطل، كما قال الله عز وجل:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ، وقد جاء في السنَّة وأقوال الصحابة ما يوضح ذلك، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله حَجَبَ التوبةَ عن كلِّ صاحب بدعة حتى يَدَع بدعتَه"، قال المنذري في الترغيب والترهيب (1/45) :"رواه الطبراني وإسناده حسن"، وقد أورده الألباني في السلسلة الصحيحة (1620) ، وعزاه إلى الطبراني في الأوسط وغيره، وذكر أنَّ رجالَه رجال الشيخين إلَاّ