المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الاستعاذة ودليلها وَدَلِيلُ الاسْتِعَاذَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: - شرح ثلاثة الأصول لصالح الفوزان

[صالح الفوزان]

الفصل: ‌ ‌الاستعاذة ودليلها وَدَلِيلُ الاسْتِعَاذَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:

‌الاستعاذة ودليلها

وَدَلِيلُ الاسْتِعَاذَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] . [22]

[22] الاستعاذة: طلب الالتجاء إلى من يمنعك من محذور تخافه من أجل أن يدفع عنك هذا الشيء، هذه هي الاستعاذة.

والاستعاذة نوع من أنواع العبادة، لا يجوز أن تستعيذ بغير الله عز وجل، فمن استعاذ بقبر أو بوثن أو بأي شيء غير الله عز وجل فإنه يكون مشركًا الشرك الأكبر، وقال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6] .

كان العرب في جاهليتهم إذا نزلوا في مكان من الأرض يقول أحدهم: أعوذ بسيد هذا الوادي، أي: كبير الجن، يستعيذ به من شر سفهاء قومه.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم مبطلًا لذلك ومبينًا لما يشرع بدله: «من نزل منزلًا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» .

ص: 147

هذا هو البديل الصحيح، الاستعاذة بكلمات الله التامات بدلًا من الاستعاذة بالجن.

قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} .

الفلق: هو الصبح، ورب الفلق: هو الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} [الأنعام: 96] أي: مظهر نور الصبح في ظلام الليل. من الذي يقدر على هذا إلا الله سبحانه وتعالى.

{أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} أي: رب الصبح إذا أصبح، المالك المتصرف فيه القادر عليه.

{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} : هذا يشمل شر جميع المخلوقات، يستعيذ بالله من شر جميع المخلوقات.

هذا يكفيك عن كل استعاذة أو تعوذ مما يفعله الناس {وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} .

الغاسق: هو ظلام الليل؛ لأن ظلام الليل تخرج فيه الوحوش والسباع، فأنت تقع في خطر، تستعيذ بالله من شر هذا الظلام وما تحته من هذه المؤذيات.

{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} وهي السواحر تستعيذ بالله من السحر وأهله؛ لأن السحر شر عظيم.

ص: 148

وقوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1][23] .

{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} .

الحاسد: هو الذي يتمنى زوال النعمة عن الغير، إذا رأى على أحد نعمة فإنه يغتاظ ويتمنى زوال هذه النعمة حسدًا وبغيًا - والعياذ بالله -، وهو من أعظم الخصال المذمومة؛ لأن فيه اعتراضًا على الله، وفيه إساءة إلى الخلق.

ويدخل فيه العائن، الذي يصيب بنظرته؛ لأن الإصابة بالعين نوع من الحسد، فأنت تستعيذ بالله من هذه الشرور، فدل على أن الاستعاذة عبادة لا يجوز أن تصرف لغير الله، فلا تستعيذ بالمخلوق ومن استعاذ بمخلوق فقد أشرك بالله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما:«وإذا استعنت فاستعن بالله» .

[23]

وفي قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} أمر الله عز وجل بالاستعاذة برب الناس ملك الناس إله

ص: 149

الناس، هذه كلها أسماء وصفات لله عز وجل، وفيها أنواع التوحيد الثلاثة، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

استعذت بالله وبهذه الأسماء والصفات، استعذت من شر الوَسواس وهو الشيطان، أما الوِسواس بالكسر فهو مصدر وَسْوَسَ يُوَسْوِسُ، أما الوَسواس فهذا اسم من أسماء الشيطان؛ لأنه يوسوس للإنسان ويخيل إليه، ويشغله من أجل أن يلقي في قلبه الرعب والتردد والحيرة في أموره، خصوصًا في أمر العبادة، فإن الشيطان يوسوس للإنسان في العبادة حتى يلبس عليه صلاته أو عبادته، ثم ينتهي به الأمر إلى أن يخرج من الصلاة ويعتقد أنها بطلت، أو يصلي ثم يعتقد أنه على غير وضوء، أو أنه ما قام لكذا أو أنه ما فعل كذا، ويصبح في وسواس ولا يطمئن إلى عبادته.

فالله جل وعلا أعطانا الدواء لهذا الخطر وذلك بأن نستعيذ بالله من شر هذا الوسواس.

الخناس: الذي يتخلف ويبتعد، فهو يوسوس إذا غفلت عن ذكر الله، ويخنس، أي: يتأخر إذا ذكرت الله عز وجل، فهو وسواس مع الغفلة، وخناس عند ذكر الله عز وجل.

ص: 150

{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} : كأن المعنى - والله أعلم - أنه هناك موسوسين من الجن ومن الإنس يوسوسون للناس، يأتون الناس ويشككونهم، فكما أن للجن شياطين يوسوسون فكذلك للإنس شياطين يوسوسون، فأنت تستعيذ بالله من شر القبيلين.

ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تعوذ متعوذ بمثلهما» أي: هاتين السورتين فينبغي للمسلم أن يقرأهما في أدبار الصلوات ويكررهما ويقرأهما عند النوم مع آية الكرسي وسورة الإخلاص.

يقرأ آية الكرسي، وسورة الإخلاص والمعوذتين، يقرؤهما دبر كل صلاة ويكررهما ثلاثًا بعد المغرب وبعد الفجر، وكذلك يقرؤهما عند النوم من أجل أن يبتعد عنه الشيطان فلا يكدر عليه نومه ويزعجه بالأحلام.

الشاهد من هاتين السورتين أن الله أمر بالاستعاذة به وحده فدل على أن الاستعاذة بغيره من الجن أو من الإنس أو من أي مخلوق أنه لا يجوز؛ لأنها نوع من أنواع العبادة.

ص: 151