المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدعاء أقسامه ودليله - شرح ثلاثة الأصول لصالح الفوزان

[صالح الفوزان]

الفصل: ‌الدعاء أقسامه ودليله

‌الدعاء أقسامه ودليله

وَمِنْهُ الدُّعَاءُ، وَالْخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، والخشوع، والإنابة، والاستعانة، والاستعاذة، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلَكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا - كُلُّهَا للهِ تَعَالَى [12]

[12] قوله: ومنه الدعاء: أي ومن أنواع العبادة الدعاء، بدأ به لأنه أعظم أنواع العبادة.

والدعاء على قسمين:

دعاء عبادة، ودعاء مسألة:

دعاء العبادة: هو الثناء على الله سبحانه وتعالى كما في أول الفاتحة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هذا كله دعاء عبادة، {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة هذا دعاء مسألة.

ودعاء المسألة: هو طلب شيء من الله عز وجل كطلب الهداية، وطلب الرزق، وطلب العلم من الله، وطلب التوفيق.

ص: 127

[13] المساجد: تطلق ويراد بها أماكن السجود والبقاع التي يصلى فيها، وهي أحب البقاع إلى الله عز وجل قد جاء الترغيب في بنائها وإعدادها، قال صلى الله عليه وسلم:( «من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة» ) .

يقول الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18] والمراد بالعمارة، العمارة الحسية والمعنوية، عمارتها بالطين وما تحتاج إليه حتى تأوي المصلين وتظلهم من الحر وتكنهم من البرد، وعمارتها بالعبادة بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل.

وتطلق المساجد ويراد بها أعضاء السجود السبعة: وهي الجبهة والأنف واليدان والركبتان ورءوس القدمين، لأنها تسجد لله، والآية تشتمل المعنيين:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ} أي البقاع التي يصلى فيها، وأعضاء السجود لله عز وجل.

ص: 128

فمن صرف شيئًا منها لِغَيْرِ اللهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] .

{فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} لا تجعلوا هذه المساجد وهذه البقاع محلًّا للشرك ودعوة غير الله، بل يجب أن تطهر المساجد من الشرك، فلا يكون فيها قبور، ولا يكون فيها دعاء لغير الله، ولا يكون فيها بدع ومحدثات وحلقات صوفية مبتدعة.

يجب أن تطهر المساجد عن البدع والشرك والمعاصي لأنها لله عز وجل، فلا يكون فيها إلا ما يرضي الله عز وجل، فلا تدعوا مع الله أحدًا في هذه المساجد، أو تستخدموا أعضاءكم بالسجود لغير الله عز وجل؛ لأن هذا شرك أكبر كالذي يسجد للصنم أو للقبر أو يسجد للوثن فهذا يسجد لغير الله عز وجل.

الشاهد في قوله: {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} أمر بإخلاص الدعاء له وحده.

وقوله: أَحَدًا: يعم كل مدعو من دون الله سواء كان ملكًا أو نبيًّا أو وليًّا أو شجرًا أو حجرًا، يعم كل من دُعِيَ من دون الله عز وجل فإنه يكون شركًا أكبر.

ص: 129

[14]{وَقَالَ رَبُّكُمُ} : أي أمركم ربكم، وقال:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أمر بدعائه سبحانه ووعد بالاستجابة، وهذا من كرمه سبحانه وتعالى؛ لأنه غني عن دعائنا، ولكننا محتاجون لدعائه سبحانه وتعالى، فهو يأمرنا بما نحتاج إليه وبما يصلحنا، وهو سبحانه يغضب إذا تركت سؤاله بينما المخلوق يغضب إذا سألته، ولهذا يقول الشاعر:

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبني آدم حين يسأل يغضب

ص: 130

ويقول آخر:

فلو سئل الناس التراب لأوشكوا

إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا

فالناس أقسام ثلاثة:

الأول: من لا يدعو الله أصلًا، فيكون مستكبرًا عن عبادة الله.

الثاني: من يدعو الله، ولكن يدعو معه غيره فيكون مشركًا.

الثالث: من يدعو الله مخلصًا له الدعاء، فهذا هو الموحد.

في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء مخ العبادة» [وفي رواية: «الدعاء هو العبادة» ] فهذا يدل على عظيم الدعاء وأنه أعظم أنواع العبادة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " «مخ العبادة» "

ص: 131

وفي رواية: " «الدعاء هو العبادة» " والرواية الثانية أصح من رواية: " «الدعاء مخ العبادة» " والمعنى واحد.

فالحديث بروايتيه يبين عِظَمَ الدعاء، وأنه هو النوع الأعظم من أنواع العبادة. كما قال صلى الله عليه وسلم:«الحج عرفة» بمعنى أن الوقوف بعرفة في الحج هو الركن الأعظم من أركان الحج، وليس معناه أن الحج كله هو عرفة، ولكن الوقوف بعرفة هو أعظم أركان الحج، كذلك ليست العبادة محصورة في الدعاء؛ ولكن الدعاء هو أعظم أنواعها، ولهذا قال:" «الدعاء هو العبادة» " من باب تعظيم الدعاء وبيان مكانته.

ثم ذكر الشيخ رحمه الله أدلة أنواع العبادة التي ذكرها وهي: الخوف، وَالرَّجَاءُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَالْخَشْيَةُ، وَالإِنَابَةُ، والاستعانة، والاستعاذة، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلَكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ التي أمر الله بها كلها لله فقال رحمه الله:

ص: 132