الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الثالث: معرفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
اسمه ونسبه ونشأته
الأَصْلُ الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم. [56]
[56] قوله: الأصل الثالث: أي من الأصول الثلاثة؛ لأن الشيخ رحمه الله ذكر في أول الرسالة أنه يجب على كل مسلم ومسلمة معرفة هذه الأصول الثلاثة، وهي معرفة الله، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالأدلة.
أما الأصل الأول والثاني: فقد تقدم شرحهما وبيان أدلتهما.
الأصل الثالث: وهو معرفة النبي صلى الله عليه وسلم، لما كان النبي صلى الله عليه وسلم واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ دينه ورسالته وجب معرفته عليه الصلاة والسلام، وإلا كيف تتبع شخصا لا تعرفه؟ فلا بد أن تعرفه من حيث الاسم، ومن حيث البلد الذي ولد ونشأ فيه، والبلد الذي هاجر إليه، وتعرف مدة عمره عليه الصلاة والسلام.
وأقسام عمره عليه الصلاة والسلام، وأقسام المدة التي أقامها في هذه الدنيا، تعرفها أيضا قبل النبوة وبعدها، وقبل
وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ المطلب بن هاشم مِنْ قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، عَلَيْهِ وَعَلَى نبينا أفضل الصلاة والسلام. [57]
الهجرة وبعد الهجرة، تعرف كيف ابتدئ بالوحي عليه الصلاة والسلام، ومتى ابتدئ بالوحي، وما هي الآية التي تدل على نبوته، والآية التي تدل رسالته، تأتي بالآيات التي تدل على نبوته، والآيات التي تدل على إرساله، فلا بد أن تعرف هذا، تعرف نسبه من أي قبيلة؛ لأن العرب قبائل، وهو عربي بلا شك، فلا بد من معرفة هذه الأشياء عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تدرس الآيات والأحاديث المتعلقة بهذه المسائل، وتنظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته؛ لأجل أن تعرف هذه الأمور عن نبيك الذي أنت مأمور باتباعه، والاقتداء به.
[57]
هذا اسمه ونسبه، اسمه محمد عليه الصلاة والسلام، وله أسماء غير محمد، لكن أشهر أسمائه محمد قد ذكر الله ذلك في القرآن في عدة آيات:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: 29]، وقوله:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144]، وقوله:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}
[الأحزاب: 40]، وقوله:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد: 2] ، فذكر الله اسمه محمدا في عدة آيات.
ومن أسمائه أحمد، قد ذكره الله في قوله في بشارة المسيح عليه السلام:{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] ، فهو محمد وأحمد، ومعنى ذلك أنه كثير المحامد عليه الصلاة والسلام، وكثير الصفات التي يحمد عليها، ومن أسمائه نبي الرحمة، ونبي الملحمة -يعني الجهاد في سبيل الله-، والحاشر، والعاقب عليه الصلاة السلام الذي يحشر الناس بعد بعثته؛ لأنه آخر الرسل صلى الله عليه وسلم، فليس بعده إلا قيام الساعة، فبعد رسالته تقوم الساعة، ويحشر الناس للجزاء والحساب، ومن أراد أن يلم بهذه الأمور فليرجع إلى كتاب " جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام " للإمام ابن القيم رحمه الله.
وأما نسبه فهو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.
وهو من قبيلة قريش التي هي أشرف القبائل، وقريش من ذرية إسماعيل عليه الصلاة والسلام، والعرب على قسمين في المشهور:
العرب العاربة، وهم القحطانية والعرب المستعربة، وهم العدنانية من ذرية إسماعيل عليه السلام بن إبراهيم الخليل عليه السلام، سموا بالمستعربة لأنهم تعلموا العربية من العرب العاربة لما جاءت جرهم، ونزلوا في مكة عند هاجر أم إسماعيل وابنها إسماعيل وهو صغير لما وجدوا ماء زمزم نزلوا، واصطلحوا مع هاجر أن ينزلوا عندها، وأن تسمح لهم أن يستقوا من الماء، فإسماعيل عليه السلام كان رضيعا في ذلك الوقت، ثم إنه تربى ونشأ وأخذ العربية عن جرهم وهي من العرب العاربة، وتزوج من جرهم، وجاءه ذرية تعلموا العربية ونشئوا مع العرب، فصاروا عربا مستعربة وهي العدنانية، أما العاربة فهم القحطانية أصلها من اليمن.
وبعض العلماء يقول: العرب العاربة على قسمين: عرب بائدة، وعرب باقية، العرب البائدة هم الذين هلكوا، وهم قوم نوح وعاد وثمود وشعيب، أما العرب الباقية فهم الذين ينقسمون إلى عرب عاربة، وعرب مستعربة وهي
العرب الباقية، والنبي من بني هاشم، وهاشم من ذرية إسماعيل عليه الصلاة والسلام، واسمه مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وعبد المطلب ليس هذا اسمه، اسمه شيبة، ولكن سمي عبد المطلب لأن عمه المطلب بن عبد مناف جاء به من المدينة وهو صغير من أخواله بني النجار، فلما رآه الناس أسود من السفر ظنوا أنه عبد مملوك للمطلب، فقالوا: عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وعبد مناف له أربعة أولاد: هاشم جد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمطلب، وعبد شمس، ونوفل.
بنو هاشم يقال لهم: الهاشميون، وبنو المطلب يقال لهم: المطلبيون، وأما عبد شمس فمنهم عثمان رضي الله عنه ومنهم بنو أمية، هؤلاء من بني عبد شمس.
ونوفل كذلك له ذرية منهم: جبير بن مطعم وحكيم بن حزام، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام له إسماعيل وهو الأكبر، وهو جد العرب العدنانية، وإسحاق وهو جد بني إسرائيل، وجميع الأنبياء كلهم من ذرية إسحاق إلا نبينا عليه الصلاة والسلام فهو من ذرية إسماعيل خاتم النبيين.
أما مولده فقد ولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل، وهو العام الذي جاء فيه أبرهة ملك اليمن، انتدبه ملك الحبشة ليهدم الكعبة ومعه فيه فيل عظيم، فلما وصل إلى مكان يقال له: المغمس، ولم يبق إلا أن يدخل مكة ويهدم الكعبة، وتفرق أهل مكة وصعدوا الجبال؛ لأنهم لا طاقة لهم به، فأراد أن يتوجه إلى الكعبة، فانحبس الفيل وأبى أن يقوم من الأرض، حبسه الله، فإذا وجهه إلى غير جهة مكة قام وهرول، وإذا وجهه إلى جهة مكة انحبس ولم يستطع المشي، وبينما هم كذلك رأوا فرقان طير من قبل البحر معها حجارة، كل طائر معه حجران: حجر في منقاره وحجر في رجليه، فرمتهم فصارت الحصاة تضرب هامة الرجل، فتخرج من دبره وتشقه نصفين، فأهلكهم الله عز وجل، فأنزل الله في ذلك يذكر قريشا سورة الفيل:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} من جهنم والعياذ بالله {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل] ، أصبحوا مثل التبن الذي أكلته الدواب وراثته.
هذه قصة الفيل، حمى الله بيته الحرام، وأهلك هذا الجبار، وفي هذا العام ولد محمد صلى الله عليه وسلم، وظهر مع ولادته
وله من العمر ثلاث وستون سنة، أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيا رسولا، نبئ بـ ( {اقْرَأْ} ) . [58]
آيات، حيث ظهر معه نور أشرقت له قصور الشام، وفي ليلة ولادته ارتجت الأصنام، وارتج إيوان كسرى وسقطت منه شرفات في ليلة ولادة النبي صلى الله عليه وسلم، هذه إرهاصات لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم، والجن والشياطين حصل عندهم ضجة في الليلة العظيمة.
ولد في مكان يقال له: شعب على مقربة من الكعبة، ولد في مكة، لكن لا يوجد تحديد ثابت لموضع الدار.
[58]
فهو ولد في مكة صلى الله عليه وسلم، واسترضع في بني سعد عند حليمة السعدية، ومات عبد الله أبوه وهو في بطن أمه، ثم ماتت أمه بعد ولاته بقليل، فحضنته أم أيمن الحبشية التي ورثها عن أبيه، وصار في كفالة جده عبد المطلب، ثم مات عبد المطلب وانتقلت كفالته إلى عمه أبي طالب، وعاش صلى الله عليه وسلم أربعين سنة قبل النبوة معروفا بالأمانة والصدق والكرم، وتجنب عبادة الأصنام، وتجنب شرب الخمر، ما كان يعمل ما يعمله أهل الجاهلية، بل كان عليه الصلاة والسلام يخرج
إلى غار حراء ويتعبد فيه الأيام ذات العدد، يعبد الله على ملة إبراهيم على التوحيد، ثم لما بلغ الأربعين من عمره عليه الصلاة والسلام نزل عليه الوحي، بأن «جاءه جبريل وهو في غار حراء وقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ - أي: لا أحسن القراءة -، فضمه ضمة شديدة، ثم أرسله وقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، ثم ضمه مرة ثانية، ثم أرسله وقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فقال له:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} » [العلق 1 ـ 2] .
هذه هي نبوته صلى الله عليه وسلم، نبأه الله باقرأ: أي جعله نبيا بذلك، ثم ذهب إلى بيته يرتجف من الخوف؛ لأنه لقي شيئا ما كان يعرفه من قبل، أمرا هائلا، فوجد زوجه خديجة رضي الله عنها فغطته وهدأته، وقالت له: كلا والله لا يخزيك الله، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتعين على نوائب الدهر، فوطأته وذهبت به إلى عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تحنث وقرأ في الكتب السابقة تعبدا لله عز وجل، فلما أخبره بما رأى قال: هذا هو الناموس الذي كان ينزل على موسى، يعني: جبريل عليه الصلاة والسلام.