المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخوف أنواعه ودليله - شرح ثلاثة الأصول لصالح الفوزان

[صالح الفوزان]

الفصل: ‌الخوف أنواعه ودليله

[15] الخوف نوع من أنواع العبادة وهو عبادة قلبية، وكذلك الخوف والخشية والرغبة والرهبة والرجاء والتوكل كل هذه عبادات قلبية.

والخوف: هو توقع المكروه، وهو نوعان:

خوف العبادة، والخوف الطبيعي.

النوع الأول: خوف العبادة، هذا صرفه لغير الله شرك، وذلك بأن يخاف غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، كأن يخاف أحدًا أن يمرضه، أو أن يقبض روحه، أو يميت ولده، كما يفعل كثير من الجهال، يخافون على حمل زوجاتهم وعلى أولادهم من الجن، يخافون من السحرة، أو من الموتى، فيعملون أعمالًا شركية لأجل أن يتخلصوا من هذا الخوف، فهذا لا يقدر عليه إلا الله، الأمراض والموت والرزق وقطع الأجل، هذه أمور لا يقدر عليها إلا الله عز وجل، وكذلك إنزال البركة أو غير ذلك، هذه أمور لا تكون إلا من

ص: 133

الله عز وجل فإذا خاف أحدًا في شيء لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر؛ لأنه صرف نوعًا من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، كالذين يخافون من القبور ومن الأضرحة ومن الجن ومن الشياطين أن تمسهم بسوء أو أن تنزل بهم ضررًا، فيذهبون يتقربون إلى هذه الأشياء لدفع ضررها أو خوفًا منها، هذا شرك أكبر، يقول: أخاف إن لم أذبح له أن يصيبني أو يصيب أولادي أو مالي أو ما أشبه ذلك، كما قال قوم هود:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} يهددونه بآلهتهم ويخوفونه بآلهتهم {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ} [هود: 54- 56] هذا هو التوحيد تحداهم كلهم هم وآلهتهم.

{فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي} لا تمهلوني بل من الآن ولم يقدروا عليه بشيء بل نصره الله عليهم.

فالذي يخاف من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، هذا يكون قد أشرك الشرك الأكبر، وهذا يسمى خوف العبادة وخوف الشرك كثير في الناس، يخافون من القبور أو من الأولياء، يخافون من الشيطان، يخافون من الجن؛ ولذلك يقومون

ص: 134

بتقديم القربات لهم، يقدمون لهم الذبائح والنذور والأطعمة وغير ذلك من النقود يلقونها على أضرحتهم من أجل أن يسلموا من شرهم أو ينالوا من خيرهم، فهذا هو خوف العبادة.

النوع الثاني:

الخوف الطبيعي: وهو أن تخاف من شيء ظاهر يقدر على ما تخافه منه، كأن تخاف من الحية أو العقرب أو من العدو، هذه أمور ظاهرة ومعروفة، فالخوف منها لا يسمى شركًا هذا خوف طبيعي من شيء ظاهر معروف؛ لأنك تخاف من سبب ظاهر ومطلوب الوقاية منه، والحذر منه، تأخذ السلاح، تأخذ العصا لقتل الحية والعقرب وقتل السبع؛ لأن هذه أمور محسوسة، وفيها ضرر معلوم، فإذا خفت منها فهذا لا يسمى شركًا بل يسمى خوفًا طبيعيا.

ولهذا قال الله في موسى عليه السلام: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا} أي من البلد {خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص: 21] خائفًا من أعدائه؛ لأنه قتل منهم نفسًا.

وهرب عليه عليه الصلاة والسلام إلى مَدْيَنَ، وكان يترقب ويخشى أن يلحقوه، فهذا خوف طبيعي، لكن تعلم الإنسان أن يعتصم بالله عز وجل ويأخذ بالأسباب التي تدفع عنه الضرر، ويعتمد على الله عز وجل ويتوكل على الله، قال

ص: 135

تَعَالَى: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175] هذه الآية في سورة آل عمران في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين يوم أحد لما توعدهم المشركون، وقالوا: نرجع إليهم ونستأصلهم فالله جل وعلا يقول: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:175] أي: أن هذا التهديد وهذا الوعيد إنما هو من الشيطان، أي: يخوفكم أولياءه أو يخوف من انقاد له من الناس وخاف منه، فإنه يتسلط عليهم.

[16]

قوله تعالى: من كان يرجو: يعني يطمع في ثواب الله عز وجل ورؤيته عيانًا يوم القيامة، من كان يطمع في أن يرى الله عيانًا يوم القيامة فليعمل عملًا صالحًا، يأتي بالسبب الذي يؤهله لحصول هذا المطلوب، وهو الثواب بدخول الجنة والنجاة من النار، والنظر إلى وجه الله؛ لأن هذا متلازم، لأن من دخل الجنة فإنه يرى الله عز وجل. {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا}

ص: 136

هذا يدل على أن الرجاء وحده لا يكفي، لا بد من العمل، أما أنك ترجو الله ولكنك لا تعمل فهذا تعطيل للسبب، فالرجاء المحمود هو الذي يكون معه عمل صالح، أما الرجاء غير المحمود فهو الرجاء الذي ليس معه عمل صالح، والعمل الصالح ما توفر فيه شرطان:

الأول: الإخلاص له عز وجل.

الثاني: المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.

فالعمل لا يكون صالحًا إلا إذا توفر فيه هذان الشرطان: أن يكون خالصًا لوجه الله ليس فيه شرك، وأن يكون صوابًا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس فيه بدعة، فإذا توفر فيه الشرطان فهو صالح، وإن اختل فيه شرط فإنه يكون عملًا فاسدًا لا ينفع صاحبه.

فالعمل الذي فيه شرك يرد على صاحبه، كذلك العمل الذي فيه بدعة يرد على صاحبه، قال صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» فهذه الآية فيها الرجاء وأنه عبادة الله عز وجل، وفيها أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل الصالح.

ص: 137