المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الوعظ والاقتصاد فيه - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين

- ‌باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير

- ‌باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

- ‌باب حفظ السر

- ‌باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد

- ‌باب المحافظة على ما اعتاده من الخير

- ‌باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم

- ‌باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ

- ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

- ‌باب الوقار والسكينة

- ‌باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

- ‌باب إكرام الضيف

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

- ‌باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب

- ‌باب الاستخارة والمشاورة

- ‌باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها

- ‌باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم

- ‌كتاب أدب الطعام

- ‌باب التسمية في أوله والحمد في آخره

- ‌باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره

- ‌باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

- ‌باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

- ‌باب كراهية الكل متكئا

- ‌باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل

- ‌باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في

- ‌باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه

- ‌باب كراهة النفخ في الشراب

- ‌باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدا

- ‌باب استحباب كون ساقي القوم أخرهم شربا

- ‌باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز

- ‌كتاب اللباس

- ‌باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من

- ‌باب استحباب القميص

- ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

- ‌باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا

- ‌باب استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به

- ‌باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه

- ‌باب جواز لبس الحرير لمن به حكة

- ‌باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها

- ‌باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

- ‌كتاب آداب النوم

- ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

- ‌باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا

- ‌باب أداب المجلس والجليس

- ‌باب الرؤيا وما يتعلق بها

- ‌كتاب السلام

- ‌باب كيفية السلام

- ‌باب آداب السلام

- ‌باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن

- ‌باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌باب السلام على الصبيان

- ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

- ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

- ‌باب ما يدعى به للمريض

- ‌باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌باب ما يقوله من أيس من حياته

- ‌باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوك

- ‌باب تلقين المختصر لا إله إلا الله

- ‌باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت

- ‌باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة

- ‌باب الكف عما يرى من الميت من مكروه

- ‌باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

- ‌باب استحباب تكثير المصلين على الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر

- ‌باب ما يقرأ في صلاة الجنازة

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن

- ‌باب الموعظة عند القبر

- ‌باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له

- ‌باب الصدقة عن الميت والدعاء له

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى

- ‌كتاب آداب السفر

- ‌باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار

- ‌باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه/0

- ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

- ‌باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته

- ‌باب استحباب القدوم على أهله نهارا وكراهته في الليل لغير حاجة

- ‌باب ما يقوله إذا رجع وإذا رأى بلدته

- ‌باب استحباب ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جواره وصلاته فيه ركعتين

- ‌باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌كتاب الفضائل

- ‌باب فضل قراءة القرآن

- ‌باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

- ‌باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع

- ‌باب الحث على سور وآيات مخصوصة

- ‌باب استحباب الاجتماع على القراءة

الفصل: ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}

699 -

وعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكرنا في كل خميس مرة، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا متفق عليه.

يتخولنا: يتعهدنا.

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه اله تعالى: (باب الوعظ والاقتصاد فيه) وذلك لعدم إدخال الملل والسآمة على الناس فيما يعظ به الوعظ: هو ذكر الأحكام الشرعية مقرونة بالترغيب أو الترهيب، كأن نقول للإنسان مثلا إنه يجب عليك كذا وكذا فاتق الله، وقم بما أوجب الله عليك وما أشبه ذلك.

ص: 71

وأعظم واعظ هو كتاب الله عز وجل فإن الله يقول:.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين فأعظم ما يوعظ به كتاب الله عز وجل، لأنه جامع بين الترغيب والترهيب، وذكر الجنة والنار، والمتقين والفجار، فهو أعظم كتاب يوعظ به.

ولكن إنما يكون كذلك لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد كما قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} أما من قست قلوبهم والعياذ بالله فقد قال الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُون} وهكذا المؤمن كلما قرأ من كتاب الله ازداد إيمانا بالله واستبشر بما جعل الله في قلبه من النور من هذا الكتاب العظيم {.

وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} نعوذ بالله من ذلك فينبغي لإنسان أن يعظ الناس بالقرآن وبالسنة، وبكلام الأئمة، وبكل ما يلين القلوب ويوجهها إلى الله عز وجل ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن ينبغي الاقتصاد في الموعظة،

ص: 72

فلا تكثر على الناس فتملهم، وتكره إليهم القرآن والسنة وكلام أهل العلم، لأن النفوس إذا ملت كلت، وتعبت وسئمت وكرهت الحق وإن كان حقا ولهذا كان أحكم الواعظين من الخلق محمد صلى الله عليه وسلم يتخول الناس بالموعظة، ما يكثر عليهم لئلا يملوا ويسأموا ويكرهوا ما يقال من الحق ثم صدر المؤلف هذا الباب بقوله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ادع إلى سبيل ربك: يعني إلى دين الله، لأن سبيل الله هو دين الله حيث أنه يوصل إلى الله تعالى، فمن سلك هذا الدين أوصله إلى الله سبحانه وتعالي، ولأن هذا الدين وضعه الله عز وجل وشرعه لعباده، ولهذا أضيف إليه فقيل: سبيل الله {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أي بثلاثة أمور: أولا: الحكمة: وذلك بأن تنزل الأمور منازلها، في الوقت المناسب، والكلام المناسب، والقول المناسب، لأن بعض الأماكن لا تنبغي فيها الموعظة وبعض الأزمنة لا تنبغي فيها الموعظة وكذلك بعض الأشخاص لا ينبغي أن تعظهم في حال من الأحوال بل تنتظر حتى يكون مهيئا لقبول الموعظة ولهذا قال:

ص: 73

{بالحكمة} قال العلماء: الحكمة: وضع الأشياء في مواضعها ثانيا: الموعظة الحسنة: يعني: اجعل دعوتك مقرونة بموعظة حسنة، موعظة تلين القلب وترققه وتوجهه إلى الله بشرط أن تكون حسنة، إن كان الترغيب فيها أولى فبالترغيب وإن كان الترهيب والتخويف فيها أولى فبالترهيب والتخويف وكذلك تكون حسنة من حيث الأسلوب والصياغة وكذلك تكون حسنة من حيث الإقناع بحيث تأتي بموعظة تكون فيها أدلة مقنعة أدلة شرعية وأدلة عقلية تسند الشرعية لأن بعض الناس يقنع بالأدلة الشرعية كالمؤمنين الخلص، فإن الله يقول:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} ومن الناس من لا يكتفي بالأدلة الشرعية بل يحتاج أن تنسد الأدلة الشرعية عنده بأدلة عقلية، ولهذا يستدل الله سبحانه وتعالى في آيات كثيرة بالأدلة العقلية على ما أوحاه إلى نبيه من الأدلة الشرعية انظر مثلا إلى البعث بعد الموت، فالبعث بعد الموت أنكره الكفار وقالوا: من يحيى العظام وهي رميم؟ كيف يموت الإنسان وتأكل الأرض عظامه ولحمه وجلده، ثم يبعث؟ فأجاب الله:

ص: 74

{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} من الذي خلق هذه العظام أول مرة هو الله وإعادة الخلق أهون من ابتدائه: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} {أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى} هذه أدلة عقلية الاستدلال بالمبدأ على المعاد وكذلك يستدل الله سبحانه وتعالى على إمكان البعث بإحياء الأرض بعد موتها فإن الله تعالى ينزل المطر على أرض هامدة قاحلة، ليس فيها حياة ولا نبات فتصبح الأرض مخضرة بهذا المطر من الذي أحيا هذا النبات إلا الله؟ فالذي أحيا هذا النبات بعد يبسه وموته قادر على إحياء الموتى ولابد من حياة أخرى لأنه ليس من الحكمة أن الله ينشئ هذا الخلق ويمدهم بالنعم والرزق وينزل عليهم الكتب، ويرسل إليهم الرسل، ويشرع الجهاد لأعدائه ثم تكون المسألة مجرد دنيا تروح، فهذا لا يمكن، وهذا خلاف الحكمة، بل لابد من حياة أخرى هي الحياة الحقيقية كما قال تعالى:{يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار} ثم قال: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} يعني: إذا وعظت موعظة

ص: 75

حسنة وصار الإنسان يجادل ولم يقبل فجادله ولا تنسحب لكن جادل بالتي هي أحسن من حيث الأسلوب، ومن حيث العرض، ومن حيث الإقناع، إذا استدل عليك بدليل فحاول إبطال دليله، فإذا كان إبطال دليله يطول فانتقل إلى دليل آخر، ولا تأخذ في الجدال معه، بل انتقل إلى دليل آخر لا يستطيع مجادلتك فيه.

انظر إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما حاجة الرجل في الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} يعني وأنت لا تستطيع أن تحيى وتميت {قال أنا أحيي وأميت} كيف يحيى ويميت هذا المجادل المعاند؟ كان يؤتي بالرجل المستحق للقتل فيقول: لا تقتلوه ويؤتي بالرجل لا يستحق القتل فيقول: اقتلوه فجعل هذه التمويه إحياء وإماتة فقال إبراهيم: {فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} ولم يجادله على قوله: أنا أحيى وأميت، وإلا لو جادله لقال أنت لم تحي ولم تمت حقيقة وإنما تفعل سبب الموت فيموت وهو القتل وترفع موجب القتل فلا يقتل لكنه عدل عن هذا إلى شيء لا يستطيع الخصم أن يتحرك معه أو أن ينطق قال:{فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} فلم يستطع ردا ولهذا قال: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي

ص: 76

الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} فالحاصل أن الله يقول: {وجادلهم بالتي هي أحسن} وفهم من الآية أن من لا يستطيع المجادلة بالتي هي أحسن فلا يجادل، لأنه قد يأتي إنسان مؤمن حقا وليس عنده إشكال لما معه من الإيمان لكن يجادله ألد خصم فيعجز عن مقاومته ففي هذه الحال لا تجادل لأنك إن جادلت لن تجادل بالتي هي أحسن اتركه إلى وقت آخر أو إلى أن يأتي أحد أقوى منك في المجادلة فيجادله

700 -

وعن أبي اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا في الخطبة رواه مسلم مئنة بميم مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة أي علامة دالة على فقهه

701 -

وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله

ص: 77

فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قلبه ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أنبأنا وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالا يأتون الكهان؟ قال: فلا تأتهم قلت ومنا رجال يتطيرون؟ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم رواه مسلم

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف النووي رحمه الله تعالى في (باب الوعظ والاقتصاد فيه وعدم إدخال الملل والسآمة على الناس فيما يعظ به) وسبق الكلام عن الآية التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب وهي قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ثم ذكر المؤلف أحاديث منها: حديث عمار بن ياسر أن النبي

ص: 78

صلى الله عليه وسلم قال: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه يعني: صلاة الجمعة فصلاة الجمعة لها خطبتان قبلها: فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه وهذا وإن كان ظاهرا في خطبة الجمعة فهو عام أيضا حتى في الخطب العارضة لا ينبغي للإنسان أن يطيل على الناس كلما قصر كان أحسن لوجهين الوجه الأول: ألا يمل الناس الوجه الثاني: أن يستوعبوا ما قال لأن الكلام إذا طال ضيع بعضه بعضا فإذا كان قصيرا مهضوما مستوعبا انتفع به وكذلك لا يلحقهم الملل وأما طول الصلاة فالمراد أن تكون كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ليست طويلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على معاذ إطالته في صلاة العشاء وأنكر على الرجل الآخر إطالته في صلاة الفجر وقال: أيها الناس إن منكم منفرين فالمراد بطول الصلاة هنا الطول الموفق لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا إذا كان الإنسان إماما أما إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء

ص: 79

ولا أحد يمنعه لأنه يعامل نفسه بنفسه ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة أطيلوها كما ورد وأقصروا الخطبة لكن لابد من خطبة تثير المشاعر ويحصل بها الموعظة والانتفاع.

ثم ذكر المؤلف حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه أنه بينما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إذ عطس رجل من القوم فقال الحمد لله فقال له معاوية يرحمك الله لأنك إذا سمعت العاطس يحمد الله بعد عطاسه وجب عليك أن تشمته فتقول يرحمك الله حتى ولو كنت تقرأ أو تطالع أو تراجع أما في الصلاة فلا يجوز لأن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ولهذا أنكر الناس بأعينهم على معاوية فرموه بأبصارهم فقال واثكل أمياه ماذا صنعت؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم يسكتونه فسكت ومضى في صلاته فلما انصرف من الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما أحسن تعليما منه لا قبله ولا بعده والله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما خاطبه بلطف وقال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال عليه الصلاة والسلام

ص: 80

فهذه موعظة قصيرة مفيدة انتفع بها معاوية ونقلها إلى من بعده وفي هذا الحديث دليل على أنه لا بأس أن يلتفت المصلى أو ينظر إذا كان ذلك لمصلحة أو حاجة، وإلا فالأفضل أن يكون نظره إلى موضع سجوده وفي حال الجلوس يكون نظرة إلى موضع إشارته لأن الجالس في التشهد أو بين السجدتين يرفع إصبعه قليلا ويشير بها عند الدعاء، فيكون نظره إلى موضع إشارته، وأما في حال القيام والركوع فينظر إلى موضع سجوده وقال بعض العلماء ينظر تلقاء وجهه، والأمر في هذا واسع، إن شاء نظر إلى موضع سجوده، وإن شاء نظر تلقاء وجهه، لكن إذا حصلت حاجة والتفت فإن ذلك لا بأس به وفيه أيضا: أن العمل اليسير في الصلاة لا يضر لأن الصحابة جعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث آخر: إذا نابكم شيء فليسبح الرجال ولتصفق النساء

ص: 81

وفيه دليل: على أن الكلام في الصلاة لا يجوز وأنه مبطل لها، إلا إذا كان الإنسان جاهلا أو ناسيا أو غافلا، فمثلا لو أن أحدا سلم عليك وأنت تصلي أو دق الباب وأن تصلي فقلت غافلا ادخل أو قلت: وعليكم السلام ناسيا أو غافلا، فصلاتك صحيحة لأن الله لا يؤاخذ الإنسان بالجهل أو النسيان أو بالغفلة {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ومن فوائد الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يعلم بالرفق واللين وهذا هديه صلى الله عليه وسلم وهو أسوة أمته فالذي ينبغي للإنسان أن ينزل الناس منازلهم فالمعاند المكابر يخاطب بخطاب يليق به والجاهل الملتمس للعلم يخاطب بخطاب يليق به ومن فوائد هذا الحديث: أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين وإنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن أو كما قال عليه الصلاة والسلام، والصلاة كما نعلم فيها قراءة قرآن وفيها تكبير وفيها تسبيح وفيها دعاء وفيها تشهد وفي الحديث: الثناء على الوعظ إذا كانت عظته جيدة وليس عنده عنف وهذا يشجع أهل الوعظ على أن يلتزموا بهذه الطريقة التي التزم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 82

وفي سياق حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية وإن الله تعالى قد جاء بالإسلام قال هذا الكلام ليبين حاله من قبل وحاله من بعد وليتحدث بنعمة الله عليه حيث كانوا في جاهلية لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا إلا ما جرت به العادات بينهم وجاءنا الله بهذا الإسلام بالنور المبين والفرقان العظيم فبين الحق من الباطل وبين النافع من الضار وبين الإيمان من الكفر والتوحيد من الشرك إلى غير ذلك مما من الله به على هذه الأمة بالإسلام ثم قال رضي الله عنه وإن منا رجالا يأتون الكهان قال فلا تأتهم الكهان كانوا رجالا تنزل عليهم شياطين الجن بما يسمعون من خبر السماء ثم يحدثون الناس بما أخبرت به الشياطين ويضيفون إلى الخبر الحق أشياء كثيرة من الكذب فإذا صدقوا في واحد من مائة اتخذهم الناس حكاما ولهذا يأتون إليهم ويتحاكمون إليهم فالكاهن عبارة عن رجل يأتيه الشيطان يخبره بما سمع من خبر السماء ويضيف إلى هذا الخبر أشياء كثيرة من الكذب يأتيهم

ص: 83

الناس فيسألونهم ما حالنا؟ ما مستقبلنا؟ يسألونهم عن أمور مستقبلة عامة أو خاصة فيخبرونهم بما وسمعوا من أخبار الشياطين قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلا تأتهم كلمة واحدة لا تأت الكهان وهل تظن أن معاوية أو غيره من الصحابة إذا قال لهم الرسول عليه الصلاة والسلام لا تفعلوا أن يفعلوا؟ لا، لا نظن ذلك فإنهم ليسوا كحال كثير من الناس اليوم يكرر عليه النهي ولكنه لا ينتهي أو يتأول ويقول: النهي للكراهة أو النهي للأدب أو لخلاف الأولي أو ما أشبه ذلك ثم اعلم أن الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل وإذا أتاه الإنسان فله ثلاث حالات: الحلة الأولى: أن يأتيه يسأله ولا يصدقه فثبت في صحيح مسلم أن من فعل هذا لا تقبل له صلاة أربعين يوما الحالة الثانية: أن يأتيه يسأله ويصدقه فهذا كافر لقوله صلى الله عليه وسلم: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ووجه كفره أن تصديقه إياه يتضمن تكذيب قول الله جل وعلا: {قُل لَاّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللهُ} لأن الكاهن

ص: 84

يخبر عن الغيب في المستقبل فإذا صدقته فمضمونه أنك تكذب هذه الآية فيكون ذلك كفرا الحالة الثالثة: أن يسأل الكاهن ليكذبه وإنما يسأله اختبارا فهذا لا بأس به وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ابن صياد عما أضمر له فقال له: الدخ يعني: الدخان فقال له النبي عليه الصلاة والسلام اخسأ فلن تعدو قدرك فإذا سأله ليفضحه ويكشف كذبه وحاله للناس فإن هذا لا بأس به بل إن هذا يكون محمودا مطلوبا لما في ذلك من إبطال الباطل ثم سأل معاوية رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالا آخر قال ومنا رجال يتطيرون؟ قال: ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم والتطير: هو التشاؤم بالأشياء وكان العرب يتشاءمون أكثر ما يتشاءمون في الطيور فإذا طار يمينا فله حال وإن طار يسارا فله حال وإن اتجه أماما فله حال أو رجع فله حال حسب اصطلاحات العرب وخرافاتهم

ص: 85

فكانوا يتطيرون فيجعلون الطيور هي التي تمضيهم أو تردهم إذا كان الطير مثلا عن اليسار قال هذا نذير سوء فلا أسافر إذا طار يمينا قال هذا سفر مبارك حيث اليمين من اليمن والبركة وهكذا اصطلاحات عندهم فكانوا يتشاءمون أكثر ما يتشاءمون في الطيور وربما تشاءموا من الأيام وربما تشاءموا من الشهور وربما تشاءموا فيما يصنعون من الأصوات وربما تشاءموا حتى من الأشخاص حتى إنه يوجد الآن أناس إذا خرج أحدهم من بيته ثم لاقاة شخص قبيح المنظر قال هذا اليوم سوء وتشاءم وإذا لقي رجلا جميل الوجه قال: هذا اليوم خير فتفاءل & فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هذا شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم والإنسان إذا ركن إلى التطير تنغصت عليه حاله وربما يصنع الجني ما يكره ليبقى دائما في غم وهم ولكن لا تشاءم وكان العرب يتشاءمون من شهر شوال في النكاح يقولون الذي يتزوج في شهر شوال لا يوفق في زواجه هكذا كانوا يقولون فكانت عائشة رضي الله عنها تقول: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم في شوال عقد عليها

ص: 86

في شوال ودخل بها في شوال فتقول أيكم أحظى إليه مني؟ لا شك أن عائشة أحب النساء إليه بعد أن تزوجها ومع ذلك عقد عليها في شوال ودخل عليها في شوال والعرب لجهلهم وسخافتهم يقولون: الذي يتزوج في شوال لا يوفق ونحن الآن نشاهد أناسا يتزوجون في شوال ولا يكون فيهم إلا الخير فالمهم أنه يجب عليك أن تمحو من قلبك التطير والتشاؤم وكن دائما متفائلا واجعل الدنيا أمامك واسعة واجعل الطريق أمامك دائما مفتوحا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يكره الطيرة ويعجبه الفأل الحسن فاجعل نفسك دائما في تفاؤل والذي يريده الله سيكون لكن كن مسروا فرحا فالدنيا أمامك واسعة والطريق مفتوح ودائما كن في تفاؤل ودائما كن واسع الصدر فهذا هو الخير أما التشاؤم والانقباض وأن يجعل الإنسان باله في كل شيء فإن الدنيا ستضيق عليه

ص: 87

فمن محاسن الإسلام أنه ألغى الطيرة وأثبت الفأل لأن الفأل خير والطيرة شر

ص: 88