الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات
لا يخاف الفتنة بهن وسلامهن بهذا الشرط
863 -
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كانت فينا امرأة وفي رواية كانت لنا عجوز تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة وانصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا رواه البخاري قوله تكركر أي تطحن
864 -
وعن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو يغتسل وفاطمة تستره بثوب فسلمت وذكرت الحديث رواه مسلم
865 -
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وهذا لفظ أبي داود ولفظ الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف في كتابه رياض الصالحين في آداب السلام باب السلام على الصبيان يعني الصغار من سن التمييز إلى سن الثانية عشرة ونحوها
وقد جرت عادة الكثير من الناس ألا يسلم على الصبيان استخفافا بهم ولكن هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يسلم على الصغير والكبير فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله أي كان يسلم على الصبيان وللسلام على الصبيان أكثر من فائدة 1 - اتباع السنة: سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر 2 - التواضع: حتى لا يذم الإنسان بنفسه ويشمخ بأنفه ويعلو برأسه يتواضع ويسلم على الصبيان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه 3 - تعويد الصبيان لمحاسن الأخلاق لأن الصبيان إذا رأوا الرجل يمر بهم ويسلم عليهم تعودوا ذلك واعتادوا هذه السنة المباركة الطيبة 4 - أن هذا يجلب المودة للصبي يعني أن الصبي يحب
الذي يسلم عليه ويفرح لذلك وربما لا ينساها أبدا لأن الصبي لا ينسى ما مر به فهذه من فوائد السلام على الصبيان فينبغي لنا إذا مررنا على صبيان يلعبون في السوق أو جالسين يبيعون شيئا أو ما أشبه ذلك أن نسلم عليهم لهذه الفوائد التي ذكرناها أما السلام على النساء فالسلام على المحارم من النساء والزوجات سنة والمحارم يعني التي لا يحل لك أن تتزوج بها تسلم عليها ولا حرج في ذلك تسلم على زوجتك أختك عمتك بنت أخيك بنت أختك ولا حرج في هذا أما الأجانب فلا تسلم عليهن اللهم إلا العجائز الكبيرات إذا كنت آمنا على نفسك من الفتنة وأما إذا خفت الفتنة فلا تسلم ولهذا جرت عادة الناس اليوم أن الإنسان لا يسلم على المرأة إذا لاقاها في السوق وهذا هو الصواب ولكن لو أتيت بيتك ووجدت فيه نساء من معارفك وسلمت فلا بأس ولا حرج بشرط أمن الفتنة وكذلك المرأة تسلم على الرجل بشرط أمن الفتنة وذكر المؤلف رحمه الله حديث المرأة التي كانت تأخذ من أصول السلق وهو نوع من الشجر وأصوله طيبة تصلح إداما فتأخذ من هذه الأصول وتلقيها في الماء وتغليها على النار
وتكركر عليها حبات من شعير فإذا خرج الصحابة من شاء منهم جاء إليها يسلم عليها ويأكل من هذا السلق ويفرحون به لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا أغنياء إلا بعد فتح الله عليهم كما قال تعالى {ومغانم كثيرة يأخذنها} وقال {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها} فكثرت الأموال بعد الفتوح أما قبل ذلك فإن غالبية الصحابة فقراء
/0L2 باب تحريم ابتدائنا الكافر بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على أهل مجلس فيهم مسلمون وكفار/0
866 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه رواه مسلم
867 -
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم متفق عليه
868 -
وعن أسامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه متفق عليه
[الشَّرْحُ]
هذا الباب ذكره المؤلف في كتابه رياض الصالحين في حكم السلام على الكفار الخلص وعلى الكفار المختلطين بالمسلمين وقد سبق الكلام في السلام على المسلمين الخلص وأنه سنة مؤكدة أما السلام على الكفار فإنه لا يحل لنا أن نبدأهم بالسلام يعني لا يجوز للإنسان إذا مر بالكافر أو دخل عليه أن يقول السلام عليك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وذلك لأن تسليمنا عليهم فيه نوع من الذل لهم ونوع من الإكرام لهم لأن التحية والسلام إكرام والكافر ليس أهلا للإكرام بل الكافر حقه منا أن نغيظه وأن نذله وأن نهينه لأن الله سبحانه وتعالى قال محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا قال {أشداء على الكفار} يعني أقوياء عليهم أعزة عليهم {تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار..
..
} هذا الشاهد وقال تعالى في سورة التوبة {ولا
يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح} وابتداؤنا إياهم بالسلام إكرام لهم وإعزاز لهم والمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا على الكافرين قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} فهم لهم العزة على الكافرين يعني يرى المسلم أنه أعز من الكافر وأن له العزة عليه ولهذا لما كثرت العمالة النصرانية بيننا اليوم ذهبت الغيرة من القلوب وكأن النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الوثني كأنه لا يخالفنا إلا كما يخالف المالكي الحنبلي والشافعي أو ما أشبه ذلك عند بعض الناس يظنون أن اختلافنا مع أهل الكفر كاختلاف المذاهب الأربعة في الإسلام نسأل الله العافية وهذا لاشك أنه من موت القلوب فلا يحل للإنسان أبدا أن يعز الكافر والمشروع أن نعمل كل ما فيه غيظ لهم ولكن يجب علينا أن نفي لهم بالعهد الذي بيننا وبينهم إذا كان بيننا وبينهم عهد فمثلا عمال ولو كانوا نصارى أولا نقول لا تأتي بعمال نصارى في الجزيرة العربية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب وأمر فقال أخرجوا اليهود
والنصارى من جزيرة العرب وقال وهو في مرض موته أخرجوا المشركين من جزيرة العرب فلا تأت بكافر وأنت يمكنك أن تأتي بمسلم وأما ما يعتقده من أمات الله قلبه والعياذ بالله أو نقول أزاغ الله قلبه يقول أنا آتي بعمال كفار لأنهم لا يصلون فلو صلوا لنقص العمل وحتى لا يصوموا ومن ثم فلا ينقص العمل وحتى لا يذهبوا لعمرة أو حج ومن ثم فلا ينقص العمل فهذا والعياذ بالله ممن اختار الدنيا على الآخرة نسأل الله العافية فالحاصل أنه لا يجوز أن نبدأ أي كافر بالسلام لا يهودي ولا نصراني ولا بوذي ولا وثني فأي إنسان على غير الإسلام لا يجوز أن نبدأه بالسلام قال صلى الله عليه وسلم وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه يعني لا نوسع لهم الطريق لو كان جماعة مسلمون وجماعة كفار تلاقوا في الطريق لا يفسح المسلمون لهم المجال ولو تفرقوا في الطريق لأنك إذا أفسحت الطريق لهم يعد هذا
إكراما..
أو ما أشبه ذلك لماذا نعاملهم هذه المعاملة لأنهم أعداء لله قبل كل شيء وأعداء لنا قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} هم أعداء الله أولا قبل كل شيء وثانيا أعداء لنا وأفعالهم بالمسلمين سابقا ولاحقا وإلى اليوم تدل على ذلك وعلى شدة عداوتهم للمسلمين فلا يجوز أن نسلم عليهم ولكن إذا سلموا ماذا نقول قال النبي علي الصلاة والسلام إذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم فقط لا تزد على هذا لماذا لأنهم في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسلمون على المسلمين سلام خبيث يقولون السام عليكم يعني الموت فهم من يسمعهم يظن أنهم يقولون السلام عليكم وهم يقولون السام عليكم يعني الموت فانظر إلى العداوة حتى في التحية لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا وعليكم فقط فإن كانوا قد قالوا السام فعليهم وإن كانوا قد قالوا السلام فعليهم وهذا من العدل لأن الله قال {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}
هذا عدل ولذا قال بعض العلماء إذا قال الكافر السلام عليك باللام الواضحة فقل عليك السلام لأنه زال الأمر الذي بنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قوله قولوا وعليكم كما في حديث ابن عمر في البخاري انهم يقولون السام عليكم فإذا سلموا فقولوا وعليكم وهذه علة واضحة لأن السبب أننا نقول وعليكم لأنهم يقولون السام عليكم أما إذا قالوا السلام صراحة فنقول وعليكم السلام لأن أقوم الناس بالعدل هم المسلمون والحمد لله فإذا قالوا السلام عليكم نقول وعليكم السلام وإن قالوا أهلا وسهلا فقل أهلا وسهلا وإن قالوا مرحبا فقل مرحبا فنعطيهم مثل ما يعطوننا لكن قد أشكل على بعض الناس الآن أننا ابتلينا بقوم من الكفار يكونون رؤساء في بعض الشركات فيدخل المسلم على مكتب الرئيس رئيس الشركة وهو يهودي أو نصراني فماذا يقول نقول يسلم ويقول السلام فقط وينوي بذلك أنه السلام عليه هو على المسلم لأنك إذا حذفت المتعلق فلا يدري لمن هذا السلام وهذا إذا خفت من شره أما إذا لم تخف من شره وأنه رجل لا يبالي سلمت أم لم تسلم فادخل لقضاء مصلحتك منه بدون سلام
لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام لكن إذا خفت من شره فنقول السلام فقط واختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز أن نبدأهم بغير السلام مثل مرحبا أهلا وسهلا
…
فمنهم من قال لا بأس به تأليفا لاسيما إن خاف منه أو لم يأمن شره ومنهم من قال لا لأن ذلك فيه تعظيم له والإنسان في هذه الحال مرحبا أهلا وما أشبه ذلك ينظر ما تقتضيه الحاجة أو المصلحة ثم ذكر المؤلف حديث إذا مر الإنسان بجمع فيه مسلمون وكفار هل يترك السلام لأن فيهم كفارا أم يسلم لأن فيه مسلمين اجتمع الآن سببان مبيح وحاظر المبيح وهم المسلمون والحاظر المانع وهم الكفار لكن هنا يمكن تشذير الحكم وإلا فالقاعدة الشرعية أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر وتعذر انفكاك أحدهما عن الآخر فإنه يغلب جانب الحاظر أي المنع لكن هنا يمكن من الانفكاك تسلم وتنوي على المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه أخلاط من المشركين واليهود وفيهم مسلمون فسلم عليهم والله الموفق
ختم المؤلف رحمه الله كتاب السلام وآدابه بهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في الرجل إذا جاء إلى المجلس ثم قام منه ومن المعلوم أن الإنسان إذا دخل على قوم فإنه يسلم عليهم كما سبق والسلام سنة مؤكدة ورده فرض عين على من سلم عليه وإذا كانوا جماعة فهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين لكن إذا كانوا جماعة وكان من المعلوم أن المسلم يريد بالقصد الأول واحدا منهم وجب على هذا الواحد أن يرد مثلا لو كانوا طلبة ومعهم معلمهم والذي دخل وسلم يريد بالقصد الأول نفس المعلم فإنه يجب على المعلم أن يرد ولا يكفي رد الجماعة كالطلبة مثلا وكذلك لو كان أمير مع رجاله وشرطته فدخل إنسان وسلم فإنه من المعلوم أن المقصود بالقصد الأول هو الأمير فيجب عليه أن يرد أما إذا كانوا جماعة متساوين ولم يعلم أن واحدا منهم هو المقصود بالقصد الأول فإنه إذا رد أحدهم السلام كفي لأن رد السلام فرض كفاية
/0L2 باب استحباب السلام إذا قام عن المجلس وفارق جلساءه أو جليسه
869 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ففي هذا الحديث أن الرجل إذا دخل على المجلس فإنه يسلم فإذا أراد أن ينصرف وقام وفارق المجلس فإنه يسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال ليست الأولى بأحق من الثانية يعني كما أنك إذا دخلت تسلم كذلك إذا فارقت فسلم ولهذا إذا دخل الإنسان المسجد سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا خرج سلم عليه أيضا وإذا دخل مكة لعمرة أو حج بدأ بالطواف وإذا فارق مكة وخرج ختم بالطواف لأن الطواف تحية مكة لمن دخل بحج أو عمرة وكذلك وداع مكة لمن أتى بحج أو عمرة ثم سافر وهذا من
كمال الشريعة أنها جعلت المبتدي والمنتهي على حد سواء في مثل هذه الأمور والشريعة كما نعلم جميعا من لدن حكيم خبير كما قال تعالى {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} فتجدها كلها متناسقة متصاحبة ليس فيها تناقض ولا تفريط حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن يمشى الرجل بنعل واحد ولو لإصلاح الأخرى لماذا؟ لأنك إذا خصصت إحدى قدميك بالنعل صار ذلك جورا وعدم عدل فهكذا نرى أن الشريعة الإسلامية جاءت بالعدل في كل شيء {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} والله الموفق
/0L2 باب الاستئذان وآدابه
قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} وقال تعالى {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم}
870 -
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع متفق عليه
871 -
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الاستئذان من أجل البصر متفق عليه
872 -
وعن ربعي بن حراش قال حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل فسمعه الرجل فقال السلام عليكم أأدخل
فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل رواه أبو داود بإسناد صحيح
873 -
عن كلدة بن الحنبل رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه ولم أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرجع فقل السلام عليكم أأدخل رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب الاستئذان وآدابه والاستئذان يعني طلب الإذن أن تطلب من صاحب البيت أن يأذن لك في الدخول فإن أذن لك فادخل وإن لم يأذن لك فلا تدخل حتى لو قال لك بصراحة ارجع فارجع كما قال الله تعالى وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم وأنت يا صاحب البيت لا تستح أن تقول ارجع وأنت أيها المستأذن لا تغضب عليه إذا قال: لك أرجع لأن الإنسان قد يكون في حاجة وقد يكون غير مستعد لاستقبال الناس فلا يمكن أن تلجئه وتحرجه وإذا رجعت بعد أن قال لك: ارجع فإن الله يقول ذلك هو أزكى لك {فارجعوا هو أزكى لكم} أي أزكى لقلوبكم وأطهر
وذكر المؤلف رحمه الله آيتين من كتاب الله الآية الأولى وقد سبق الكلام عليها وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} وقلنا إن معنى الاستئناس يعني أن تستأذنوا أو أن تعلموا علم اليقين أن صاحبكم مستعد لدخولكم ومن ذلك إذا واعدك الإنسان قال لك مثلا ائتني بعد صلاة الظهر فإذا وجدت الباب مفتوحا فهو أذن فأنت إذا أتيت لا حاجة لأن تستأذن لأن صاحب البيت قال لك ائتني في الموعد المحدد فإذا وجدت الباب مفتوحا فهذا إذن فالإذن لا فرق بين أن يكون سابقا أو لاحقا مادام قد علمت أن الرجل لم يفتح بابه إلا من أجل أن تدخل وبينك وبينه موعد فادخل ولكن لا بأس بل الأولى بلا شك أن تسلم عند الدخول لو لم يكن في ذلك إلا أن تحصل أجر السلام وثوابه والدعاء من أخيك حيث يقول لك وعليك السلام أما الآية الثانية فهي قوله تعالى {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} إذا بلغوا الحلم يعني بلغوا بالإنزال لكن كني عنه بالحلم لأن الغالب أن الإنسان لا يخرج منه المني أول ما يخرج إلا بالاحتلام
وإن كان بعض الناس يبلغ بدون احتلام لكن الغالب أنه يحتلم فإذا بلغ الطفل الحلم فإنه لا يدخل البيت إلا باستئذان أما قبل ذلك فأمره هين لكن هناك ثلاث عورات لابد من الاستئذان فيها {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات} 1 - الأولى من قبل صلاة الفجر 2 - والثانية حين تضعون ثيابكم من الظهيرة 3 - والثالثة ومن بعد صلاة العشاء هذه الأوقات لابد منها أن نستأذن حتى الصغار لابد وأن يستأذنوا لأن الإنسان في هذه الأوقات الثلاثة قد يكون متهيئا للنوم وعليه ثياب لا يحب أن يطلع عليه أحد فلذلك لابد من الاستئذان في هذه الساعات الثلاث وأما بالنسبة للنظر نظر الطفل للمرأة فليس مقيدا بالبلوغ بل هو مقيد بما إذا عرف من الطفل أنه ينظر إلى المرأة نظر شهوة فإذا علم ولو لم يكن له إلا عشر سنوات فإنه يجب عليها أن تحتجب عنه لأن الله قال {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} يعني أزواجهن إلى
أن قال {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} قال العلماء الذين لم يظهروا على عورات النساء يعني ليس لهم غرض في النساء ولا يسري على بالهم المرأة بعض الأطفال من حين ما يتم له عشر سنوات وهو ينظر إلى النساء نظر شهوة وهذا يختلف كما قلت قد يكون هذا الطفل يجلس مع قوم أكثر حديثهم في النساء فهذا تتربى فيه الشهوة الجنسية من البداية وقد يكون عند قوم ليس همهم إلا الدرس وحفظ القرآن وما أشبه ذلك ولا يسري على بالهم هذا الشيء فلا تنمو فيه هذه الغريزة على كل حال فإذا عرفنا أن الطفل يطلع على عورة المرأة ويتكلم في النساء وأشبهت نظراته نظرة الإنسان المشتهي فإنه يجب على المرأة أن تحتجب عنه ولو لم يكن له إلا عشر سنين مع أن العلماء رحمهم الله يقولون يمكن لمن تم له عشر سنين أن يأتي له أولاد يعني وعنده (11) سنة فلا تستغرب إذا جاء له ولد إذا تزوج وجامع زوجه فلا تستغرب ويذكر أن عمرو بن العاص ليس بينه وبين ابنه عبد الله إلا إحدى عشرة سنة وقال الشافعي رحمه الله رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة عندنا الآن تبلغ الواحد والعشرين وما تزوجت حتى الآن لأن المرأة يمكن أن تبلغ تحيض ولها تسع سنوات فإذا قدرنا أنها تزوجت ولها تسع سنوات يعني
في العاشرة وحملت في أول سنة وأتت ببنت ثم إن البنت لما تم لها تسع سنوات تزوجت في العاشرة كم هكذا (20) سنة يأتيها ولد في الحادي والعشرين فتكون جدته أم البنت والشافعي رحمه الله صدوق يقول رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة والحاصل أنه إذا بلغ الطفل الحلم فلا يدخل البيت إلا باستئذان وإذا اطلع على عورات النساء وصار يتكلم فيهن وينظر إليهن بشهوة فإنه يجب أن تستتر عنه المرأة ولم لو يتم له إلا عشر سنوات والله الموفق
/0L2 باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى وكراهية تشميتة إذا لم يحمد الله تعالى وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب
878 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان رواه البخاري
879 -
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم رواه البخاري
880 -
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه رواه مسلم
881 -
وعن أنس رضي الله عنه قال عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي لم يشمته عطس فلان فشمته وعطست فلم تشمتني فقال هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله متفق عليه
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى وبيان آداب العاطس والتثاؤب العطاس من الله عز وجل يحبه الله كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يحب العطاس والسبب في ذلك أن العطاس يدل على النشاط والخفة ولهذا تجد الإنسان إذا عطس نشط والله سبحانه وتعالى يحب الإنسان النشيط الجاد وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير
والعطاس يدل على الخفة والنشاط فلهذا كان محبوبا إلى الله وكان مشروعا للإنسان إذا عطس أن يقول الحمد لله لأنها نعمة أعطيها فليحمد الله عليها فيقول (الحمد لله) إذا عطس سواء أكان في الصلاة أو خارج الصلاة في أي مكان كان إلا أن العلماء رحمهم الله يقولون إذا عطس وهو في الخلاء فلا يقول بلسانه (الحمد لله) ولكن يحمد بقلبه لأنهم يقولون رحمهم الله إن الإنسان لا يذكر الله في الخلاء فإذا عطس الإنسان وحمد الله كان حقا على كل من سمعه أن يقول له (يرحمك الله) فيدعو له بالرحمة جزاء له على حمده لله عز وجل فإنه لما حمد الله كان من جزائه أن إخوانه يدعون له بالرحمة وقوله كان حقا على كل من سمعه ظاهره أنه يجب على كل السامعين بأعيانهم ويؤيده قوله في الحديث الآخر إذا عطس فحمد الله فشمتوه وذهب بعض العلماء إلى أن تشميت العاطس فرض كفاية يعني إذا قال واحد من الجماعة يرحمك
الله كفي لكن الاحتياط أن يشمته أي يدعو له بالرحمة كل من سمعه كما جاء في الحديث وأما التثاؤب فإنه من الشيطان ولهذا كان الله يكرهه لماذا لأن التثاؤب يدل على الكسل ولهذا يكثر التثاؤب فيمن كان فيه نوم ولأجل أنه يدل على الكسل كان الله يكرهه ولكن إذا تثاءب فالأولى أن يرده أي يرد التثاؤب يكظمه ويتصبر قال العلماء وإذا أردت أن تكظمه فعض على شفتك السفلى وليس عضا شديدا فتنقطع ولكن لأجل أن تضمها حتى لا ينفتح الفم فالمهم أن تكظم سواء بهذه الطريقة أو غيرها فإن عجزت عن الكظم فضع يدك على فمك وما ذكره بعض العلماء رحمهم الله أنك تضع ظهرها على الفم فلا أصل له وإنما تضع بطنها تسد الفم والسبب في ذلك أن الإنسان إذا تثاءب ضحك الشيطان منه لأنه أي الشيطان يعرف أن هذا يدل على كسله وعلى فتوره والشيطان يحب من بني آدم أن يكون كسولا فتورا أعاذنا الله وإياكم منه ويكره الإنسان النشيط الجاد الذي يكون دائما في حزم وقوة ونشاط فإذا جاءك التثاؤب فإن استطعت أن تكظمه وتمنعه فهذا هو السنة وهذا هو الأفضل وإن لم تقدر فضع يدك على فمك
ولكن هل تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ لا لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم علمنا ماذا نفعل عند التثاؤب ولم يقل قولوا كذا وإنما قال اكظموا أو ردوا باليد ولم يقل قولوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أما ما اشتهر عند بعض الناس أن الإنسان إذا تثاءب يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فهذا لا أصل له والعبادات مبنية على الشرع لا على الهوى لكن قد يقول بعض الناس أليس الله يقول وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التثاؤب من الشيطان فهذا نزغ؟ نقول لا فقد فهمت الآية خطأ فالمراد من الآية {إما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه هو السميع العليم} يعني الأمر بالمعاصي أو بترك الواجبات فهذا نزغ الشيطان كما قال تعالى فيه إنه ينزغ بين الناس فهذا نزغه أمر بالمعاصي والتضليل عن الواجبات فإن أحسست بذلك فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أما التثاؤب فليس فيه إلا سنة فعلية فقط وهي الكظم ما استطعت فإن لم تقدر فضع يدك على فمك ومن آداب العطاس: أنه ينبغي للإنسان إذا عطس أن يضع ثوبه على وجهه قال أهل العلم وفي ذلك حكمتان الحكمة الأولى: أنه قد يخرج مع هذا العطاس أمراض تنتشر
على من حوله الحكمة الثانية: أنه قد يخرج من أنفه شيء مستقذر تتقزز النفوس منه فإذا غطى وجهه صار ذلك خيرا ولكن لا تفعل ما يفعله بعض الناس بأن تضع يدك على أنفك فهذا خطأ لأن هذا يحد من خروج الريح التي تخرج من الفم عند العطاس وربما يكون في ذلك ضرر عليك وفي هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف دليل على أن من عطس ولم يقل الحمد لله فإنه لا يقال له يرحمك الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم عطس عنده رجلان أحدهما قال له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمك الله والثاني لم يقل له ذلك فقال الثاني يا رسول الله عطس فلان فقلت له يرحمك الله وعطست فلم تقل لي ذلك قال أي الرسول هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله وعلى هذا إذا عطس إنسان ولم يحمد الله فلا تقل له يرحمك الله ولكن هل نذكره فنقول له قل الحمد لله لا الحديث هذا يدل على أنك لا تذكره فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث إذا عطس ولم يحمد الله فذكروه بل قال (لا تشمتوه) فنحن لا نقل احمد الله
ولكن فيما بعد علينا أن نخبره أن الإنسان إذا عطس عليه أن يقول (الحمد لله) ويكون ذلك من باب التعليم ولابد أن يكون حمد العاطس مسموعا كما أن العاطس إذا قيل له يرحمك الله يقول (يهديكم الله ويصلح بالكم) أي يصلح شأنكم فتدعو له بالهداية وإصلاح الشأن ويقول بعض العامة (يهدينا أو يهديكم الله) وهذا خلاف المشروع المشروع أن يقول يهديكم الله ويصلح بالكم كما بينا والله الموفق
/0L2 باب استحباب المصافحة عند اللقاء وبشاشة الوجه وتقبيل يد الرجل الصالح وتقبيل ولده شفقة ومعانقة القادم من سفر وكراهية الانحناء
885 -
عن أبي الخطاب قتادة قال قلت لأنس أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم رواه البخاري
886 -
وعن أنس رضي الله عنه قال لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالصافحة رواه أبو داود بإسناد صحيح
887 -
وعن البراء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا رواه أبو داود
888 -
وعن أنس رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له قال لا قال أفيلتزمه ويقبله قال لا قال قيأخذ بيده ويصافحه قال نعم رواه
الترمذي وقال حديث حسن
[الشَّرْحُ]
هذا الباب عقده المؤلف النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين بآداب السلام والاستئذان وما يتعلق بذلك فمنها: المصافحة هل يسن للرجل إذا لقي أخاه أن يصافحه والجواب نعم يسن له ذلك لأن هذا من آداب الصحابة رضي الله عنهم كما سأل قتادة أنس بن مالك رضي الله عنه هل كانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ويصافحه باليد اليمنى وإذا حصل ذلك فإنه يغفر لهما قبل أن يفترقا وهذا يدل على فضيلة المصافحة إذا لاقاه وهذا إذا كان لاقاه ليتحدث معه أو ما أشبه ذلك أما مجرد الملاقاه في السوق فما كان هذا من هدي الصحابة يعني إذا مررت بالناس في السوق يكفي أن يسلم عليهم وإذا كنت تقف إليه دائما وتتحدث إليه بشيء فصافحه ثم ينبغي أن نعرف أن بعض الناس إذا سلم من الصلاة إذا كانت فرضا صافح أخاه وأحيانا يقول
له تقبل الله أو قبول
…
قبول وهذا من البدع فما كان الصحابة يفعلون هذا وإنما يكفي أن يسلم المصلي عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وأما الانحناء عند الملاقاة أو المعانقة والالتزام فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك أننحني قال لا قال السائل أيلتزمه ويعانقه قال لا فإذا لاقاه فإنه لا يلتزم أي لا يضمه إليه ولا يعانقه ولا ينحني له والانحناء أشد وأعظم لأن فيه نوعا من الخضوع لغير الله عز وجل بمثل ما يفعل لله في الركوع فهو منهي عنه ولكنه يصافحه وهذا كاف إلا إذا كان هناك سبب فإن المعانقة أو التقبيل لا بأس به كأن كان قادما من سفر أو نحو ذلك فإن قال قائل كيف يكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينحني له مع قول الله تعالى في إخوة يوسف لما دخلوا عليه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا فالجواب عن هذا أنه في شريعة سابقة وشريعتنا الإسلامية قد نسخته ومنعت منه فلا يجوز لأحد أن يسجد لأحد وإن لم يرد بذلك العبادة أو ينحني فإن الانحناء منع منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قابلك أحد يجهل هذا الأمر وانحنى لك
فانصحه وأرشده قل له هذا ممنوع لا تنحن ولا تخضع إلا لله وحده وتقبيل اليد لا بأس به إذا كان الرجل أهلا لذلك والله الموفق
889 -
وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال قال يهودي لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات فذكر الحديث إلى قوله فقبلا يده ورجله وقالا نشهد أنك نبي رواه الترمذي وغيره بأسانيد صحيحة
890 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قصة قال فيها فدنونا من النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده رواه أبو داود
891 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله رواه الترمذي وقال حديث حسن
892 -
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق رواه مسلم
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث ذكرها الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين في آداب المصافحة والمعانقة وما يتعلق بذلك منها حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه أن رجلا يهوديا قل لصاحبه اذهب بنا إلى هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم فذهبا إليه وأخبراه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم تسع آيات فقيلا يده ورجله وقالا نشهد أنك نبي واليهود كانوا في المدينة وكان أصلهم من مصر من بني إسرائيل ثم انتقلوا إلى الشام إلى الأرض المقدسة التي قال لهم نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم وكانوا يقرءون في التوراة أنه سيبعث نبي في آخر الزمان وأنه سيكون من مكة ومهاجره المدينة فهاجر كثير منهم من الشام إلى المدينة ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعوه لأنه قد نوه عن فضله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل فقد قال الله تعالى {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا
عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} وكانوا إذا جرى بينهم وبين المشركين شيء يستفتحون على الذين كفروا يقولون سيبعث نبي ونتبعه ونستفتح به ونغلبكم كما قال تعالى {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} ثم إنهم صاروا ثلاث قبائل أي اليهود في المدينة بنو قينقاع وبنو النضر وبنو قريظة وعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وكلهم نقضوا العهد فطردوا منها آخرهم بنو قريظة قتل منهم نحو سبعمائة نفر لما خانوا العهد في يوم الأحزاب وانتقلوا إلى خيبر وفتحها النبي صلى الله عليه وسلم وأبقاهم فيها لأنهم أصحاب مزارع يعرفون الحرث والزرع والصحابة مشتغلون عن ذلك بما هو أهم فعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم تبقون في محلكم خيبر على أن لكم نصف الثمر والزرع وللمسلمين نصفهما ونقركم في ذلك ما شاء الله وبقوا في عهد
الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر وفي عهد أبي بكر ولما تولى عمر حصل منهم خيانة كما هي طبيعتهم التي عرفوا بها من الخيانة والغدر فأجلاهم عمر رضي الله عنه من خيبر في السنة السادسة عشرة إلى أذرعات في الشام هذا أصل وجود اليهود في الجزيرة العربية كانوا ينتظرون بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعوه ولكنهم لما رأوه عين اليقين كفروا ولعلهم كانوا في أول الأمر يظنون أنه من بني إسرائيل هكذا قال بعض العلماء ولكن لما تبين أنه من بني إسماعيل حسدوهم أي بني إسماعيل وكفروا ولكن لا يتبين لي هذا لأن الله يقول {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فهم يعرفون أنه من العرب من بني إسماعيل لكن والعياذ بالله فرق بين علم اليقين وعين اليقين هم كانوا بالأول يظنون أنه إذا بعث يتبعونه بسهولة لكنهم حسدوه والعياذ بالله المهم أن هذين الرجلين قبلا يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله فأقرهما على ذلك وفي هذا جواز تقبيل اليد والرجل للإنسان الكبير الشرف والعلم كذلك تقبيل اليد والرجل من الأب والأم وما أشبه ذلك لأن لهما حقا وهذا من التواضع وذكر المؤلف أيضا حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال أتينا
النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده وأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقبيل اليد كتقبيل الرأس ليس بينهما فرق لكن عجبا أن الناس الآن يستنكرون تقبيل اليد أكثر من استنكارهم تقبيل الرأس وهو لا فرق بينهما لكن الذي ينتقد من بعض الناس أنه إذا سلم عليه أحد مد يده إليه وكأنه يقول قبل يدي فهذا هو الذي يستنكر ويقال للإنسان عندئذ لا تفعل أما من يقبل يدك تكريما وتعظيما أو رأسك أو جبهتك فهذا لا بأس به إلا أن هذا لا يكون في كل مرة يلقاك لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك إذا لاقى الرجل أخاه أينحني له؟ قال لا قال أيقبله ويعانقه قال لا قال أيصافحه؟ قال نعم لكن إذا كان لسبب فلا بأس للغائب ولهذا يذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة في قدوم زيد بن حارثة حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن فقام الرسول صلى الله عليه وسلم إليه يجر ثوبه وزيد بن حارثة مولى الرسول صلى الله عليه وسلم أي كان عبدا مملوكا للرسول صلى الله عليه وسلم أهدته إليه خديجة رضي الله عنها فأعتقه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويحب ابنه أسامة ولهذا يسمى أسامة الحب بن الحب فهو محبوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه أسامة كذلك المهم
أن الرسول قام يجر ثوبه فعانقه وقبله لأن زيدا رضي الله عنه كان قادما من سفر فإذا كان عند القدوم من السفر فهذا لا بأس به أما كلما لاقاك يقبلك فهذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك أيضا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لا يحقر من المعروف شيئا يعني المعروف والإحسان إلى الناس لا تحقر شيئا منه أبدا وتقول هذا قليل حتى ولو أعطيته قلما أو شيئا قليل القيمة ماديا فلا تحقر شيئا فإن هذا يذكر الإنسان ولو بعد حين يقول هذا الرجل أهداني سنة كذا وكذا فكل شيء يجلب المودة والمحبة بين الناس لا تحقره ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق إلى هذا الحد تلقى أخاك بوجه طليق يعني غير عبوس لكن أحيانا يغلبنا عدم التوسع في هذا الأمر لسبب أو لآخر فقد يكون هناك أسباب خفية يكون الإنسان مثلا متأثرا بها والناس لا يعلمون فلا يحصل أن يلقى الإنسان الناس دائما بوجه طليق إنما عليك المحاولة أن تلقاهم بوجه طليق منشرح لأن هذا من المعروف وسبب للمودة والمحبة والدين الإسلامي دين المحبة والوفاء والأخوة كما قال
تعالى {واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى أحسن الأخلاق والأعمال فلا يهدي إلى أحسنها إلا هو وأن يصرف عنا سيئ الأخلاق والأعمال فلا يصرف عنا سيئها إلا هو
893 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال الأقرع بن حابس إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم متفق عليه
[الشَّرْحُ]
هذا الحديث ذكره النووي رحمه الله فيما يتعلق
بالمعانقة والتقبيل وما أشبه ذلك ومن ذلك تقبيل الصغار رحمه بهم وشفقة وإحسانا وتوددا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والحسن هو ابن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم جده من قبل أمه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحسن ويحب الحسين ويقول إنهما سيدا شباب أهل الجنة لكن الحسن أفضل من الحسين ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد وسوف يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ولذلك لما استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتله الخارجي كان الذي تولى الخلافة بعده الحسن ابنه الأكبر والأفضل ولكنه لما رأى أن منازعته لمعاوية الخلافة سيحصل فيها سفك دماء وقتل وضرر عظيم تنازل رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية تنازلا تاما درأ للفتنة وائتلافا للأمة فأصلح الله به بين الأمة وصار بهذا له منقبة عظيمة حيث تنازل عما هو أحق به لمعاوية رضي الله عنه درأ للفتنة كان ذات يوم عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده الأقرع بن حابس من سادات بني تميم فقبل النبي صلى الله عليه وسلم
الحسن فكأن هذا الرجل الأقرع الجافي كأنه استغرب كيف تقبل هذا الطفل فقال إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم يعني من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل والعياذ بالله ولا يوفقه لرحمة فدل ذلك على جواز تقبيل الأولاد الصغار رحمة وشفقة سواء كانوا من أبنائك أو من أولاد أبنائك وبناتك أو من الأجانب لأن هذا يوجب الرحمة وأن لديك قلبا يرحم الصغار وكلما كان الإنسان بعباد الله أرحم كان إلى رحمة الله أقرب حتى إن الله عز وجل غفر لامرأة بغي زانية غفر لها حين رحمت كلبا يأكل الثري من العطش فنزلت وأخذت بخفها ماء وسقته فغفر الله لها مع أنها سقت ورحمت كلبا ولكن إذا جعل الله في قلب الإنسان رحمة لهؤلاء الضعفاء فذلك دليل على أنه سوف يرحم بإذن الله عز وجل نسأل الله أن يرحمنا وإياكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم فدل ذلك على أنه ينبغي للإنسان أن يجعل قلبه لينا عطوفا رحيما خلاف ما يفعله بعض
السفهاء من الناس حتى إنه إذا دخل الصبي عليه وهو في المقهى انتهره ونهزه فهذا خطأ وها هو النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وأكرمهم أدبا جاء يوم من الأيام وهو ساجد يصلي بالناس فأتي الحسن بن علي بن أبي طالب فركب عليه وهو ساجد كما يفعل الصبيان وتأخر في السجود فكأن الصحابة تعجبوا من ذلك فقال إن ابني ارتحلني يعني جعلني راحلة له وإني أحببت ألا أقوم حتى يقضي نهمته هذه من الرحمة وفي يوم آخر كانت أمامة بنت زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم كانت صغيرة فخرج بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فتقدم يصلي بالناس وهو حامل هذه الطفلة إذا سجد وضعها على الأرض وإذا قام حملها كل هذا رحمة بها وعطف وإلا فقد كان من الممكن أن يقول لعائشة أو غيرها من نسائه (خذي البنت) لكنها رحمة ربما إنها تعلقت بجدها صلى الله عليه وسلم فأراد أن يطيب نفسها وفي
يوم من الأيام كان يخطب الناس وكان على الحسن والحسين ثوبان لعلهما جديدان وكان فيهما طول فجعل يمشيان ويتعثران فنزل من على المنبر وحملهما بين يديه صلى الله عليه وسلم وقال صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة وقال إنه رآهما يتعثران فما طابت نفسه حتى نزل فحملهما المهم أنه ينبغي لنا أن نعود أنفسنا على رحمة الصبيان وعلى رحمة كل من يحتاج الرحمة من اليتامى والفقراء والعاجزين وغيرهم وأن نجعل في قلوبنا رحمة ليكون ذلك سببا لرحمة الله إيانا لأننا أيضا محتاجون إلى الرحمة ورحمتنا لعباد الله سبب لرحمة الله لنا نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته