المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين

- ‌باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير

- ‌باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

- ‌باب حفظ السر

- ‌باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد

- ‌باب المحافظة على ما اعتاده من الخير

- ‌باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم

- ‌باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ

- ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

- ‌باب الوقار والسكينة

- ‌باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

- ‌باب إكرام الضيف

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

- ‌باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب

- ‌باب الاستخارة والمشاورة

- ‌باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها

- ‌باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم

- ‌كتاب أدب الطعام

- ‌باب التسمية في أوله والحمد في آخره

- ‌باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره

- ‌باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

- ‌باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

- ‌باب كراهية الكل متكئا

- ‌باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل

- ‌باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في

- ‌باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه

- ‌باب كراهة النفخ في الشراب

- ‌باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدا

- ‌باب استحباب كون ساقي القوم أخرهم شربا

- ‌باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز

- ‌كتاب اللباس

- ‌باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من

- ‌باب استحباب القميص

- ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

- ‌باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا

- ‌باب استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به

- ‌باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه

- ‌باب جواز لبس الحرير لمن به حكة

- ‌باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها

- ‌باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

- ‌كتاب آداب النوم

- ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

- ‌باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا

- ‌باب أداب المجلس والجليس

- ‌باب الرؤيا وما يتعلق بها

- ‌كتاب السلام

- ‌باب كيفية السلام

- ‌باب آداب السلام

- ‌باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن

- ‌باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌باب السلام على الصبيان

- ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

- ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

- ‌باب ما يدعى به للمريض

- ‌باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌باب ما يقوله من أيس من حياته

- ‌باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوك

- ‌باب تلقين المختصر لا إله إلا الله

- ‌باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت

- ‌باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة

- ‌باب الكف عما يرى من الميت من مكروه

- ‌باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

- ‌باب استحباب تكثير المصلين على الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر

- ‌باب ما يقرأ في صلاة الجنازة

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن

- ‌باب الموعظة عند القبر

- ‌باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له

- ‌باب الصدقة عن الميت والدعاء له

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى

- ‌كتاب آداب السفر

- ‌باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار

- ‌باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه/0

- ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

- ‌باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته

- ‌باب استحباب القدوم على أهله نهارا وكراهته في الليل لغير حاجة

- ‌باب ما يقوله إذا رجع وإذا رأى بلدته

- ‌باب استحباب ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جواره وصلاته فيه ركعتين

- ‌باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌كتاب الفضائل

- ‌باب فضل قراءة القرآن

- ‌باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

- ‌باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع

- ‌باب الحث على سور وآيات مخصوصة

- ‌باب استحباب الاجتماع على القراءة

الفصل: ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

لا يخاف الفتنة بهن وسلامهن بهذا الشرط

863 -

عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كانت فينا امرأة وفي رواية كانت لنا عجوز تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة وانصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا رواه البخاري قوله تكركر أي تطحن

864 -

وعن أم هانئ فاختة بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو يغتسل وفاطمة تستره بثوب فسلمت وذكرت الحديث رواه مسلم

865 -

وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وهذا لفظ أبي داود ولفظ الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف في كتابه رياض الصالحين في آداب السلام باب السلام على الصبيان يعني الصغار من سن التمييز إلى سن الثانية عشرة ونحوها

ص: 416

وقد جرت عادة الكثير من الناس ألا يسلم على الصبيان استخفافا بهم ولكن هذا خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يسلم على الصغير والكبير فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله أي كان يسلم على الصبيان وللسلام على الصبيان أكثر من فائدة 1 - اتباع السنة: سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر 2 - التواضع: حتى لا يذم الإنسان بنفسه ويشمخ بأنفه ويعلو برأسه يتواضع ويسلم على الصبيان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا وما تواضع أحد لله إلا رفعه 3 - تعويد الصبيان لمحاسن الأخلاق لأن الصبيان إذا رأوا الرجل يمر بهم ويسلم عليهم تعودوا ذلك واعتادوا هذه السنة المباركة الطيبة 4 - أن هذا يجلب المودة للصبي يعني أن الصبي يحب

ص: 417

الذي يسلم عليه ويفرح لذلك وربما لا ينساها أبدا لأن الصبي لا ينسى ما مر به فهذه من فوائد السلام على الصبيان فينبغي لنا إذا مررنا على صبيان يلعبون في السوق أو جالسين يبيعون شيئا أو ما أشبه ذلك أن نسلم عليهم لهذه الفوائد التي ذكرناها أما السلام على النساء فالسلام على المحارم من النساء والزوجات سنة والمحارم يعني التي لا يحل لك أن تتزوج بها تسلم عليها ولا حرج في ذلك تسلم على زوجتك أختك عمتك بنت أخيك بنت أختك ولا حرج في هذا أما الأجانب فلا تسلم عليهن اللهم إلا العجائز الكبيرات إذا كنت آمنا على نفسك من الفتنة وأما إذا خفت الفتنة فلا تسلم ولهذا جرت عادة الناس اليوم أن الإنسان لا يسلم على المرأة إذا لاقاها في السوق وهذا هو الصواب ولكن لو أتيت بيتك ووجدت فيه نساء من معارفك وسلمت فلا بأس ولا حرج بشرط أمن الفتنة وكذلك المرأة تسلم على الرجل بشرط أمن الفتنة وذكر المؤلف رحمه الله حديث المرأة التي كانت تأخذ من أصول السلق وهو نوع من الشجر وأصوله طيبة تصلح إداما فتأخذ من هذه الأصول وتلقيها في الماء وتغليها على النار

ص: 418

وتكركر عليها حبات من شعير فإذا خرج الصحابة من شاء منهم جاء إليها يسلم عليها ويأكل من هذا السلق ويفرحون به لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا أغنياء إلا بعد فتح الله عليهم كما قال تعالى {ومغانم كثيرة يأخذنها} وقال {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها} فكثرت الأموال بعد الفتوح أما قبل ذلك فإن غالبية الصحابة فقراء

ص: 419

/0L2 باب تحريم ابتدائنا الكافر بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على أهل مجلس فيهم مسلمون وكفار/0

866 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه رواه مسلم

867 -

وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم متفق عليه

868 -

وعن أسامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه متفق عليه

ص: 420

[الشَّرْحُ]

هذا الباب ذكره المؤلف في كتابه رياض الصالحين في حكم السلام على الكفار الخلص وعلى الكفار المختلطين بالمسلمين وقد سبق الكلام في السلام على المسلمين الخلص وأنه سنة مؤكدة أما السلام على الكفار فإنه لا يحل لنا أن نبدأهم بالسلام يعني لا يجوز للإنسان إذا مر بالكافر أو دخل عليه أن يقول السلام عليك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وذلك لأن تسليمنا عليهم فيه نوع من الذل لهم ونوع من الإكرام لهم لأن التحية والسلام إكرام والكافر ليس أهلا للإكرام بل الكافر حقه منا أن نغيظه وأن نذله وأن نهينه لأن الله سبحانه وتعالى قال محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا قال {أشداء على الكفار} يعني أقوياء عليهم أعزة عليهم {تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فأزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار..

..

} هذا الشاهد وقال تعالى في سورة التوبة {ولا

ص: 421

يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح} وابتداؤنا إياهم بالسلام إكرام لهم وإعزاز لهم والمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا على الكافرين قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} فهم لهم العزة على الكافرين يعني يرى المسلم أنه أعز من الكافر وأن له العزة عليه ولهذا لما كثرت العمالة النصرانية بيننا اليوم ذهبت الغيرة من القلوب وكأن النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الوثني كأنه لا يخالفنا إلا كما يخالف المالكي الحنبلي والشافعي أو ما أشبه ذلك عند بعض الناس يظنون أن اختلافنا مع أهل الكفر كاختلاف المذاهب الأربعة في الإسلام نسأل الله العافية وهذا لاشك أنه من موت القلوب فلا يحل للإنسان أبدا أن يعز الكافر والمشروع أن نعمل كل ما فيه غيظ لهم ولكن يجب علينا أن نفي لهم بالعهد الذي بيننا وبينهم إذا كان بيننا وبينهم عهد فمثلا عمال ولو كانوا نصارى أولا نقول لا تأتي بعمال نصارى في الجزيرة العربية لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب وأمر فقال أخرجوا اليهود

ص: 422

والنصارى من جزيرة العرب وقال وهو في مرض موته أخرجوا المشركين من جزيرة العرب فلا تأت بكافر وأنت يمكنك أن تأتي بمسلم وأما ما يعتقده من أمات الله قلبه والعياذ بالله أو نقول أزاغ الله قلبه يقول أنا آتي بعمال كفار لأنهم لا يصلون فلو صلوا لنقص العمل وحتى لا يصوموا ومن ثم فلا ينقص العمل وحتى لا يذهبوا لعمرة أو حج ومن ثم فلا ينقص العمل فهذا والعياذ بالله ممن اختار الدنيا على الآخرة نسأل الله العافية فالحاصل أنه لا يجوز أن نبدأ أي كافر بالسلام لا يهودي ولا نصراني ولا بوذي ولا وثني فأي إنسان على غير الإسلام لا يجوز أن نبدأه بالسلام قال صلى الله عليه وسلم وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه يعني لا نوسع لهم الطريق لو كان جماعة مسلمون وجماعة كفار تلاقوا في الطريق لا يفسح المسلمون لهم المجال ولو تفرقوا في الطريق لأنك إذا أفسحت الطريق لهم يعد هذا

ص: 423

إكراما..

أو ما أشبه ذلك لماذا نعاملهم هذه المعاملة لأنهم أعداء لله قبل كل شيء وأعداء لنا قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} هم أعداء الله أولا قبل كل شيء وثانيا أعداء لنا وأفعالهم بالمسلمين سابقا ولاحقا وإلى اليوم تدل على ذلك وعلى شدة عداوتهم للمسلمين فلا يجوز أن نسلم عليهم ولكن إذا سلموا ماذا نقول قال النبي علي الصلاة والسلام إذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم فقط لا تزد على هذا لماذا لأنهم في عهد الرسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسلمون على المسلمين سلام خبيث يقولون السام عليكم يعني الموت فهم من يسمعهم يظن أنهم يقولون السلام عليكم وهم يقولون السام عليكم يعني الموت فانظر إلى العداوة حتى في التحية لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قولوا وعليكم فقط فإن كانوا قد قالوا السام فعليهم وإن كانوا قد قالوا السلام فعليهم وهذا من العدل لأن الله قال {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها}

ص: 424

هذا عدل ولذا قال بعض العلماء إذا قال الكافر السلام عليك باللام الواضحة فقل عليك السلام لأنه زال الأمر الذي بنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم قوله قولوا وعليكم كما في حديث ابن عمر في البخاري انهم يقولون السام عليكم فإذا سلموا فقولوا وعليكم وهذه علة واضحة لأن السبب أننا نقول وعليكم لأنهم يقولون السام عليكم أما إذا قالوا السلام صراحة فنقول وعليكم السلام لأن أقوم الناس بالعدل هم المسلمون والحمد لله فإذا قالوا السلام عليكم نقول وعليكم السلام وإن قالوا أهلا وسهلا فقل أهلا وسهلا وإن قالوا مرحبا فقل مرحبا فنعطيهم مثل ما يعطوننا لكن قد أشكل على بعض الناس الآن أننا ابتلينا بقوم من الكفار يكونون رؤساء في بعض الشركات فيدخل المسلم على مكتب الرئيس رئيس الشركة وهو يهودي أو نصراني فماذا يقول نقول يسلم ويقول السلام فقط وينوي بذلك أنه السلام عليه هو على المسلم لأنك إذا حذفت المتعلق فلا يدري لمن هذا السلام وهذا إذا خفت من شره أما إذا لم تخف من شره وأنه رجل لا يبالي سلمت أم لم تسلم فادخل لقضاء مصلحتك منه بدون سلام

ص: 425

لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام لكن إذا خفت من شره فنقول السلام فقط واختلف العلماء رحمهم الله هل يجوز أن نبدأهم بغير السلام مثل مرحبا أهلا وسهلا

فمنهم من قال لا بأس به تأليفا لاسيما إن خاف منه أو لم يأمن شره ومنهم من قال لا لأن ذلك فيه تعظيم له والإنسان في هذه الحال مرحبا أهلا وما أشبه ذلك ينظر ما تقتضيه الحاجة أو المصلحة ثم ذكر المؤلف حديث إذا مر الإنسان بجمع فيه مسلمون وكفار هل يترك السلام لأن فيهم كفارا أم يسلم لأن فيه مسلمين اجتمع الآن سببان مبيح وحاظر المبيح وهم المسلمون والحاظر المانع وهم الكفار لكن هنا يمكن تشذير الحكم وإلا فالقاعدة الشرعية أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر وتعذر انفكاك أحدهما عن الآخر فإنه يغلب جانب الحاظر أي المنع لكن هنا يمكن من الانفكاك تسلم وتنوي على المسلمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر بمجلس فيه أخلاط من المشركين واليهود وفيهم مسلمون فسلم عليهم والله الموفق

ص: 426

ختم المؤلف رحمه الله كتاب السلام وآدابه بهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في الرجل إذا جاء إلى المجلس ثم قام منه ومن المعلوم أن الإنسان إذا دخل على قوم فإنه يسلم عليهم كما سبق والسلام سنة مؤكدة ورده فرض عين على من سلم عليه وإذا كانوا جماعة فهو فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين لكن إذا كانوا جماعة وكان من المعلوم أن المسلم يريد بالقصد الأول واحدا منهم وجب على هذا الواحد أن يرد مثلا لو كانوا طلبة ومعهم معلمهم والذي دخل وسلم يريد بالقصد الأول نفس المعلم فإنه يجب على المعلم أن يرد ولا يكفي رد الجماعة كالطلبة مثلا وكذلك لو كان أمير مع رجاله وشرطته فدخل إنسان وسلم فإنه من المعلوم أن المقصود بالقصد الأول هو الأمير فيجب عليه أن يرد أما إذا كانوا جماعة متساوين ولم يعلم أن واحدا منهم هو المقصود بالقصد الأول فإنه إذا رد أحدهم السلام كفي لأن رد السلام فرض كفاية

ص: 427

/0L2 باب استحباب السلام إذا قام عن المجلس وفارق جلساءه أو جليسه

869 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ففي هذا الحديث أن الرجل إذا دخل على المجلس فإنه يسلم فإذا أراد أن ينصرف وقام وفارق المجلس فإنه يسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وقال ليست الأولى بأحق من الثانية يعني كما أنك إذا دخلت تسلم كذلك إذا فارقت فسلم ولهذا إذا دخل الإنسان المسجد سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وإذا خرج سلم عليه أيضا وإذا دخل مكة لعمرة أو حج بدأ بالطواف وإذا فارق مكة وخرج ختم بالطواف لأن الطواف تحية مكة لمن دخل بحج أو عمرة وكذلك وداع مكة لمن أتى بحج أو عمرة ثم سافر وهذا من

ص: 428

كمال الشريعة أنها جعلت المبتدي والمنتهي على حد سواء في مثل هذه الأمور والشريعة كما نعلم جميعا من لدن حكيم خبير كما قال تعالى {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} فتجدها كلها متناسقة متصاحبة ليس فيها تناقض ولا تفريط حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى أن يمشى الرجل بنعل واحد ولو لإصلاح الأخرى لماذا؟ لأنك إذا خصصت إحدى قدميك بالنعل صار ذلك جورا وعدم عدل فهكذا نرى أن الشريعة الإسلامية جاءت بالعدل في كل شيء {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} والله الموفق

ص: 429

/0L2 باب الاستئذان وآدابه

قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} وقال تعالى {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم}

870 -

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع متفق عليه

871 -

وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الاستئذان من أجل البصر متفق عليه

872 -

وعن ربعي بن حراش قال حدثنا رجل من بني عامر أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل فسمعه الرجل فقال السلام عليكم أأدخل

ص: 430

فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل رواه أبو داود بإسناد صحيح

873 -

عن كلدة بن الحنبل رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه ولم أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أرجع فقل السلام عليكم أأدخل رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين باب الاستئذان وآدابه والاستئذان يعني طلب الإذن أن تطلب من صاحب البيت أن يأذن لك في الدخول فإن أذن لك فادخل وإن لم يأذن لك فلا تدخل حتى لو قال لك بصراحة ارجع فارجع كما قال الله تعالى وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم وأنت يا صاحب البيت لا تستح أن تقول ارجع وأنت أيها المستأذن لا تغضب عليه إذا قال: لك أرجع لأن الإنسان قد يكون في حاجة وقد يكون غير مستعد لاستقبال الناس فلا يمكن أن تلجئه وتحرجه وإذا رجعت بعد أن قال لك: ارجع فإن الله يقول ذلك هو أزكى لك {فارجعوا هو أزكى لكم} أي أزكى لقلوبكم وأطهر

ص: 431

وذكر المؤلف رحمه الله آيتين من كتاب الله الآية الأولى وقد سبق الكلام عليها وهي قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} وقلنا إن معنى الاستئناس يعني أن تستأذنوا أو أن تعلموا علم اليقين أن صاحبكم مستعد لدخولكم ومن ذلك إذا واعدك الإنسان قال لك مثلا ائتني بعد صلاة الظهر فإذا وجدت الباب مفتوحا فهو أذن فأنت إذا أتيت لا حاجة لأن تستأذن لأن صاحب البيت قال لك ائتني في الموعد المحدد فإذا وجدت الباب مفتوحا فهذا إذن فالإذن لا فرق بين أن يكون سابقا أو لاحقا مادام قد علمت أن الرجل لم يفتح بابه إلا من أجل أن تدخل وبينك وبينه موعد فادخل ولكن لا بأس بل الأولى بلا شك أن تسلم عند الدخول لو لم يكن في ذلك إلا أن تحصل أجر السلام وثوابه والدعاء من أخيك حيث يقول لك وعليك السلام أما الآية الثانية فهي قوله تعالى {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم} إذا بلغوا الحلم يعني بلغوا بالإنزال لكن كني عنه بالحلم لأن الغالب أن الإنسان لا يخرج منه المني أول ما يخرج إلا بالاحتلام

ص: 432

وإن كان بعض الناس يبلغ بدون احتلام لكن الغالب أنه يحتلم فإذا بلغ الطفل الحلم فإنه لا يدخل البيت إلا باستئذان أما قبل ذلك فأمره هين لكن هناك ثلاث عورات لابد من الاستئذان فيها {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات} 1 - الأولى من قبل صلاة الفجر 2 - والثانية حين تضعون ثيابكم من الظهيرة 3 - والثالثة ومن بعد صلاة العشاء هذه الأوقات لابد منها أن نستأذن حتى الصغار لابد وأن يستأذنوا لأن الإنسان في هذه الأوقات الثلاثة قد يكون متهيئا للنوم وعليه ثياب لا يحب أن يطلع عليه أحد فلذلك لابد من الاستئذان في هذه الساعات الثلاث وأما بالنسبة للنظر نظر الطفل للمرأة فليس مقيدا بالبلوغ بل هو مقيد بما إذا عرف من الطفل أنه ينظر إلى المرأة نظر شهوة فإذا علم ولو لم يكن له إلا عشر سنوات فإنه يجب عليها أن تحتجب عنه لأن الله قال {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} يعني أزواجهن إلى

ص: 433

أن قال {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} قال العلماء الذين لم يظهروا على عورات النساء يعني ليس لهم غرض في النساء ولا يسري على بالهم المرأة بعض الأطفال من حين ما يتم له عشر سنوات وهو ينظر إلى النساء نظر شهوة وهذا يختلف كما قلت قد يكون هذا الطفل يجلس مع قوم أكثر حديثهم في النساء فهذا تتربى فيه الشهوة الجنسية من البداية وقد يكون عند قوم ليس همهم إلا الدرس وحفظ القرآن وما أشبه ذلك ولا يسري على بالهم هذا الشيء فلا تنمو فيه هذه الغريزة على كل حال فإذا عرفنا أن الطفل يطلع على عورة المرأة ويتكلم في النساء وأشبهت نظراته نظرة الإنسان المشتهي فإنه يجب على المرأة أن تحتجب عنه ولو لم يكن له إلا عشر سنين مع أن العلماء رحمهم الله يقولون يمكن لمن تم له عشر سنين أن يأتي له أولاد يعني وعنده (11) سنة فلا تستغرب إذا جاء له ولد إذا تزوج وجامع زوجه فلا تستغرب ويذكر أن عمرو بن العاص ليس بينه وبين ابنه عبد الله إلا إحدى عشرة سنة وقال الشافعي رحمه الله رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة عندنا الآن تبلغ الواحد والعشرين وما تزوجت حتى الآن لأن المرأة يمكن أن تبلغ تحيض ولها تسع سنوات فإذا قدرنا أنها تزوجت ولها تسع سنوات يعني

ص: 434

في العاشرة وحملت في أول سنة وأتت ببنت ثم إن البنت لما تم لها تسع سنوات تزوجت في العاشرة كم هكذا (20) سنة يأتيها ولد في الحادي والعشرين فتكون جدته أم البنت والشافعي رحمه الله صدوق يقول رأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة والحاصل أنه إذا بلغ الطفل الحلم فلا يدخل البيت إلا باستئذان وإذا اطلع على عورات النساء وصار يتكلم فيهن وينظر إليهن بشهوة فإنه يجب أن تستتر عنه المرأة ولم لو يتم له إلا عشر سنوات والله الموفق

ص: 435

/0L2 باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى وكراهية تشميتة إذا لم يحمد الله تعالى وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب

878 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان رواه البخاري

879 -

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم رواه البخاري

880 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه رواه مسلم

ص: 436

881 -

وعن أنس رضي الله عنه قال عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقال الذي لم يشمته عطس فلان فشمته وعطست فلم تشمتني فقال هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله متفق عليه

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى وبيان آداب العاطس والتثاؤب العطاس من الله عز وجل يحبه الله كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله يحب العطاس والسبب في ذلك أن العطاس يدل على النشاط والخفة ولهذا تجد الإنسان إذا عطس نشط والله سبحانه وتعالى يحب الإنسان النشيط الجاد وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير

ص: 437

والعطاس يدل على الخفة والنشاط فلهذا كان محبوبا إلى الله وكان مشروعا للإنسان إذا عطس أن يقول الحمد لله لأنها نعمة أعطيها فليحمد الله عليها فيقول (الحمد لله) إذا عطس سواء أكان في الصلاة أو خارج الصلاة في أي مكان كان إلا أن العلماء رحمهم الله يقولون إذا عطس وهو في الخلاء فلا يقول بلسانه (الحمد لله) ولكن يحمد بقلبه لأنهم يقولون رحمهم الله إن الإنسان لا يذكر الله في الخلاء فإذا عطس الإنسان وحمد الله كان حقا على كل من سمعه أن يقول له (يرحمك الله) فيدعو له بالرحمة جزاء له على حمده لله عز وجل فإنه لما حمد الله كان من جزائه أن إخوانه يدعون له بالرحمة وقوله كان حقا على كل من سمعه ظاهره أنه يجب على كل السامعين بأعيانهم ويؤيده قوله في الحديث الآخر إذا عطس فحمد الله فشمتوه وذهب بعض العلماء إلى أن تشميت العاطس فرض كفاية يعني إذا قال واحد من الجماعة يرحمك

ص: 438

الله كفي لكن الاحتياط أن يشمته أي يدعو له بالرحمة كل من سمعه كما جاء في الحديث وأما التثاؤب فإنه من الشيطان ولهذا كان الله يكرهه لماذا لأن التثاؤب يدل على الكسل ولهذا يكثر التثاؤب فيمن كان فيه نوم ولأجل أنه يدل على الكسل كان الله يكرهه ولكن إذا تثاءب فالأولى أن يرده أي يرد التثاؤب يكظمه ويتصبر قال العلماء وإذا أردت أن تكظمه فعض على شفتك السفلى وليس عضا شديدا فتنقطع ولكن لأجل أن تضمها حتى لا ينفتح الفم فالمهم أن تكظم سواء بهذه الطريقة أو غيرها فإن عجزت عن الكظم فضع يدك على فمك وما ذكره بعض العلماء رحمهم الله أنك تضع ظهرها على الفم فلا أصل له وإنما تضع بطنها تسد الفم والسبب في ذلك أن الإنسان إذا تثاءب ضحك الشيطان منه لأنه أي الشيطان يعرف أن هذا يدل على كسله وعلى فتوره والشيطان يحب من بني آدم أن يكون كسولا فتورا أعاذنا الله وإياكم منه ويكره الإنسان النشيط الجاد الذي يكون دائما في حزم وقوة ونشاط فإذا جاءك التثاؤب فإن استطعت أن تكظمه وتمنعه فهذا هو السنة وهذا هو الأفضل وإن لم تقدر فضع يدك على فمك

ص: 439

ولكن هل تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ لا لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم علمنا ماذا نفعل عند التثاؤب ولم يقل قولوا كذا وإنما قال اكظموا أو ردوا باليد ولم يقل قولوا أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أما ما اشتهر عند بعض الناس أن الإنسان إذا تثاءب يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فهذا لا أصل له والعبادات مبنية على الشرع لا على الهوى لكن قد يقول بعض الناس أليس الله يقول وأما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التثاؤب من الشيطان فهذا نزغ؟ نقول لا فقد فهمت الآية خطأ فالمراد من الآية {إما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله أنه هو السميع العليم} يعني الأمر بالمعاصي أو بترك الواجبات فهذا نزغ الشيطان كما قال تعالى فيه إنه ينزغ بين الناس فهذا نزغه أمر بالمعاصي والتضليل عن الواجبات فإن أحسست بذلك فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أما التثاؤب فليس فيه إلا سنة فعلية فقط وهي الكظم ما استطعت فإن لم تقدر فضع يدك على فمك ومن آداب العطاس: أنه ينبغي للإنسان إذا عطس أن يضع ثوبه على وجهه قال أهل العلم وفي ذلك حكمتان الحكمة الأولى: أنه قد يخرج مع هذا العطاس أمراض تنتشر

ص: 440

على من حوله الحكمة الثانية: أنه قد يخرج من أنفه شيء مستقذر تتقزز النفوس منه فإذا غطى وجهه صار ذلك خيرا ولكن لا تفعل ما يفعله بعض الناس بأن تضع يدك على أنفك فهذا خطأ لأن هذا يحد من خروج الريح التي تخرج من الفم عند العطاس وربما يكون في ذلك ضرر عليك وفي هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف دليل على أن من عطس ولم يقل الحمد لله فإنه لا يقال له يرحمك الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم عطس عنده رجلان أحدهما قال له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمك الله والثاني لم يقل له ذلك فقال الثاني يا رسول الله عطس فلان فقلت له يرحمك الله وعطست فلم تقل لي ذلك قال أي الرسول هذا حمد الله وإنك لم تحمد الله وعلى هذا إذا عطس إنسان ولم يحمد الله فلا تقل له يرحمك الله ولكن هل نذكره فنقول له قل الحمد لله لا الحديث هذا يدل على أنك لا تذكره فلم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث إذا عطس ولم يحمد الله فذكروه بل قال (لا تشمتوه) فنحن لا نقل احمد الله

ص: 441

ولكن فيما بعد علينا أن نخبره أن الإنسان إذا عطس عليه أن يقول (الحمد لله) ويكون ذلك من باب التعليم ولابد أن يكون حمد العاطس مسموعا كما أن العاطس إذا قيل له يرحمك الله يقول (يهديكم الله ويصلح بالكم) أي يصلح شأنكم فتدعو له بالهداية وإصلاح الشأن ويقول بعض العامة (يهدينا أو يهديكم الله) وهذا خلاف المشروع المشروع أن يقول يهديكم الله ويصلح بالكم كما بينا والله الموفق

ص: 442

/0L2 باب استحباب المصافحة عند اللقاء وبشاشة الوجه وتقبيل يد الرجل الصالح وتقبيل ولده شفقة ومعانقة القادم من سفر وكراهية الانحناء

885 -

عن أبي الخطاب قتادة قال قلت لأنس أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم رواه البخاري

886 -

وعن أنس رضي الله عنه قال لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالصافحة رواه أبو داود بإسناد صحيح

887 -

وعن البراء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا رواه أبو داود

888 -

وعن أنس رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له قال لا قال أفيلتزمه ويقبله قال لا قال قيأخذ بيده ويصافحه قال نعم رواه

ص: 445

الترمذي وقال حديث حسن

[الشَّرْحُ]

هذا الباب عقده المؤلف النووي رحمه الله في كتاب رياض الصالحين بآداب السلام والاستئذان وما يتعلق بذلك فمنها: المصافحة هل يسن للرجل إذا لقي أخاه أن يصافحه والجواب نعم يسن له ذلك لأن هذا من آداب الصحابة رضي الله عنهم كما سأل قتادة أنس بن مالك رضي الله عنه هل كانت المصافحة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ويصافحه باليد اليمنى وإذا حصل ذلك فإنه يغفر لهما قبل أن يفترقا وهذا يدل على فضيلة المصافحة إذا لاقاه وهذا إذا كان لاقاه ليتحدث معه أو ما أشبه ذلك أما مجرد الملاقاه في السوق فما كان هذا من هدي الصحابة يعني إذا مررت بالناس في السوق يكفي أن يسلم عليهم وإذا كنت تقف إليه دائما وتتحدث إليه بشيء فصافحه ثم ينبغي أن نعرف أن بعض الناس إذا سلم من الصلاة إذا كانت فرضا صافح أخاه وأحيانا يقول

ص: 446

له تقبل الله أو قبول

قبول وهذا من البدع فما كان الصحابة يفعلون هذا وإنما يكفي أن يسلم المصلي عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله وأما الانحناء عند الملاقاة أو المعانقة والالتزام فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك أننحني قال لا قال السائل أيلتزمه ويعانقه قال لا فإذا لاقاه فإنه لا يلتزم أي لا يضمه إليه ولا يعانقه ولا ينحني له والانحناء أشد وأعظم لأن فيه نوعا من الخضوع لغير الله عز وجل بمثل ما يفعل لله في الركوع فهو منهي عنه ولكنه يصافحه وهذا كاف إلا إذا كان هناك سبب فإن المعانقة أو التقبيل لا بأس به كأن كان قادما من سفر أو نحو ذلك فإن قال قائل كيف يكون قول الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينحني له مع قول الله تعالى في إخوة يوسف لما دخلوا عليه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا فالجواب عن هذا أنه في شريعة سابقة وشريعتنا الإسلامية قد نسخته ومنعت منه فلا يجوز لأحد أن يسجد لأحد وإن لم يرد بذلك العبادة أو ينحني فإن الانحناء منع منه الرسول صلى الله عليه وسلم إذا قابلك أحد يجهل هذا الأمر وانحنى لك

ص: 447

فانصحه وأرشده قل له هذا ممنوع لا تنحن ولا تخضع إلا لله وحده وتقبيل اليد لا بأس به إذا كان الرجل أهلا لذلك والله الموفق

889 -

وعن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال قال يهودي لصاحبه اذهب بنا إلى هذا النبي فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات فذكر الحديث إلى قوله فقبلا يده ورجله وقالا نشهد أنك نبي رواه الترمذي وغيره بأسانيد صحيحة

890 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قصة قال فيها فدنونا من النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده رواه أبو داود

891 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فأتاه فقرع الباب فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله رواه الترمذي وقال حديث حسن

892 -

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 448

لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق رواه مسلم

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث ذكرها الإمام النووي رحمه الله في رياض الصالحين في آداب المصافحة والمعانقة وما يتعلق بذلك منها حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه أن رجلا يهوديا قل لصاحبه اذهب بنا إلى هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم فذهبا إليه وأخبراه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم تسع آيات فقيلا يده ورجله وقالا نشهد أنك نبي واليهود كانوا في المدينة وكان أصلهم من مصر من بني إسرائيل ثم انتقلوا إلى الشام إلى الأرض المقدسة التي قال لهم نبيهم موسى صلى الله عليه وسلم يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم وكانوا يقرءون في التوراة أنه سيبعث نبي في آخر الزمان وأنه سيكون من مكة ومهاجره المدينة فهاجر كثير منهم من الشام إلى المدينة ينتظرون النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعوه لأنه قد نوه عن فضله صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل فقد قال الله تعالى {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا

ص: 449

عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} وكانوا إذا جرى بينهم وبين المشركين شيء يستفتحون على الذين كفروا يقولون سيبعث نبي ونتبعه ونستفتح به ونغلبكم كما قال تعالى {وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} ثم إنهم صاروا ثلاث قبائل أي اليهود في المدينة بنو قينقاع وبنو النضر وبنو قريظة وعاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وكلهم نقضوا العهد فطردوا منها آخرهم بنو قريظة قتل منهم نحو سبعمائة نفر لما خانوا العهد في يوم الأحزاب وانتقلوا إلى خيبر وفتحها النبي صلى الله عليه وسلم وأبقاهم فيها لأنهم أصحاب مزارع يعرفون الحرث والزرع والصحابة مشتغلون عن ذلك بما هو أهم فعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم تبقون في محلكم خيبر على أن لكم نصف الثمر والزرع وللمسلمين نصفهما ونقركم في ذلك ما شاء الله وبقوا في عهد

ص: 450

الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر وفي عهد أبي بكر ولما تولى عمر حصل منهم خيانة كما هي طبيعتهم التي عرفوا بها من الخيانة والغدر فأجلاهم عمر رضي الله عنه من خيبر في السنة السادسة عشرة إلى أذرعات في الشام هذا أصل وجود اليهود في الجزيرة العربية كانوا ينتظرون بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتبعوه ولكنهم لما رأوه عين اليقين كفروا ولعلهم كانوا في أول الأمر يظنون أنه من بني إسرائيل هكذا قال بعض العلماء ولكن لما تبين أنه من بني إسماعيل حسدوهم أي بني إسماعيل وكفروا ولكن لا يتبين لي هذا لأن الله يقول {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} فهم يعرفون أنه من العرب من بني إسماعيل لكن والعياذ بالله فرق بين علم اليقين وعين اليقين هم كانوا بالأول يظنون أنه إذا بعث يتبعونه بسهولة لكنهم حسدوه والعياذ بالله المهم أن هذين الرجلين قبلا يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله فأقرهما على ذلك وفي هذا جواز تقبيل اليد والرجل للإنسان الكبير الشرف والعلم كذلك تقبيل اليد والرجل من الأب والأم وما أشبه ذلك لأن لهما حقا وهذا من التواضع وذكر المؤلف أيضا حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال أتينا

ص: 451

النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده وأقرهما النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقبيل اليد كتقبيل الرأس ليس بينهما فرق لكن عجبا أن الناس الآن يستنكرون تقبيل اليد أكثر من استنكارهم تقبيل الرأس وهو لا فرق بينهما لكن الذي ينتقد من بعض الناس أنه إذا سلم عليه أحد مد يده إليه وكأنه يقول قبل يدي فهذا هو الذي يستنكر ويقال للإنسان عندئذ لا تفعل أما من يقبل يدك تكريما وتعظيما أو رأسك أو جبهتك فهذا لا بأس به إلا أن هذا لا يكون في كل مرة يلقاك لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك إذا لاقى الرجل أخاه أينحني له؟ قال لا قال أيقبله ويعانقه قال لا قال أيصافحه؟ قال نعم لكن إذا كان لسبب فلا بأس للغائب ولهذا يذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة في قدوم زيد بن حارثة حين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستأذن فقام الرسول صلى الله عليه وسلم إليه يجر ثوبه وزيد بن حارثة مولى الرسول صلى الله عليه وسلم أي كان عبدا مملوكا للرسول صلى الله عليه وسلم أهدته إليه خديجة رضي الله عنها فأعتقه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحبه ويحب ابنه أسامة ولهذا يسمى أسامة الحب بن الحب فهو محبوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وابنه أسامة كذلك المهم

ص: 452

أن الرسول قام يجر ثوبه فعانقه وقبله لأن زيدا رضي الله عنه كان قادما من سفر فإذا كان عند القدوم من السفر فهذا لا بأس به أما كلما لاقاك يقبلك فهذا نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك أيضا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لا يحقر من المعروف شيئا يعني المعروف والإحسان إلى الناس لا تحقر شيئا منه أبدا وتقول هذا قليل حتى ولو أعطيته قلما أو شيئا قليل القيمة ماديا فلا تحقر شيئا فإن هذا يذكر الإنسان ولو بعد حين يقول هذا الرجل أهداني سنة كذا وكذا فكل شيء يجلب المودة والمحبة بين الناس لا تحقره ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق إلى هذا الحد تلقى أخاك بوجه طليق يعني غير عبوس لكن أحيانا يغلبنا عدم التوسع في هذا الأمر لسبب أو لآخر فقد يكون هناك أسباب خفية يكون الإنسان مثلا متأثرا بها والناس لا يعلمون فلا يحصل أن يلقى الإنسان الناس دائما بوجه طليق إنما عليك المحاولة أن تلقاهم بوجه طليق منشرح لأن هذا من المعروف وسبب للمودة والمحبة والدين الإسلامي دين المحبة والوفاء والأخوة كما قال

ص: 453

تعالى {واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى أحسن الأخلاق والأعمال فلا يهدي إلى أحسنها إلا هو وأن يصرف عنا سيئ الأخلاق والأعمال فلا يصرف عنا سيئها إلا هو

893 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قبل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال الأقرع بن حابس إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم متفق عليه

[الشَّرْحُ]

هذا الحديث ذكره النووي رحمه الله فيما يتعلق

ص: 454

بالمعانقة والتقبيل وما أشبه ذلك ومن ذلك تقبيل الصغار رحمه بهم وشفقة وإحسانا وتوددا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والحسن هو ابن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم جده من قبل أمه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الحسن ويحب الحسين ويقول إنهما سيدا شباب أهل الجنة لكن الحسن أفضل من الحسين ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد وسوف يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ولذلك لما استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتله الخارجي كان الذي تولى الخلافة بعده الحسن ابنه الأكبر والأفضل ولكنه لما رأى أن منازعته لمعاوية الخلافة سيحصل فيها سفك دماء وقتل وضرر عظيم تنازل رضي الله عنه عن الخلافة لمعاوية تنازلا تاما درأ للفتنة وائتلافا للأمة فأصلح الله به بين الأمة وصار بهذا له منقبة عظيمة حيث تنازل عما هو أحق به لمعاوية رضي الله عنه درأ للفتنة كان ذات يوم عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده الأقرع بن حابس من سادات بني تميم فقبل النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 455

الحسن فكأن هذا الرجل الأقرع الجافي كأنه استغرب كيف تقبل هذا الطفل فقال إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم يعني من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل والعياذ بالله ولا يوفقه لرحمة فدل ذلك على جواز تقبيل الأولاد الصغار رحمة وشفقة سواء كانوا من أبنائك أو من أولاد أبنائك وبناتك أو من الأجانب لأن هذا يوجب الرحمة وأن لديك قلبا يرحم الصغار وكلما كان الإنسان بعباد الله أرحم كان إلى رحمة الله أقرب حتى إن الله عز وجل غفر لامرأة بغي زانية غفر لها حين رحمت كلبا يأكل الثري من العطش فنزلت وأخذت بخفها ماء وسقته فغفر الله لها مع أنها سقت ورحمت كلبا ولكن إذا جعل الله في قلب الإنسان رحمة لهؤلاء الضعفاء فذلك دليل على أنه سوف يرحم بإذن الله عز وجل نسأل الله أن يرحمنا وإياكم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم فدل ذلك على أنه ينبغي للإنسان أن يجعل قلبه لينا عطوفا رحيما خلاف ما يفعله بعض

ص: 456

السفهاء من الناس حتى إنه إذا دخل الصبي عليه وهو في المقهى انتهره ونهزه فهذا خطأ وها هو النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا وأكرمهم أدبا جاء يوم من الأيام وهو ساجد يصلي بالناس فأتي الحسن بن علي بن أبي طالب فركب عليه وهو ساجد كما يفعل الصبيان وتأخر في السجود فكأن الصحابة تعجبوا من ذلك فقال إن ابني ارتحلني يعني جعلني راحلة له وإني أحببت ألا أقوم حتى يقضي نهمته هذه من الرحمة وفي يوم آخر كانت أمامة بنت زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم كانت صغيرة فخرج بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فتقدم يصلي بالناس وهو حامل هذه الطفلة إذا سجد وضعها على الأرض وإذا قام حملها كل هذا رحمة بها وعطف وإلا فقد كان من الممكن أن يقول لعائشة أو غيرها من نسائه (خذي البنت) لكنها رحمة ربما إنها تعلقت بجدها صلى الله عليه وسلم فأراد أن يطيب نفسها وفي

ص: 457

يوم من الأيام كان يخطب الناس وكان على الحسن والحسين ثوبان لعلهما جديدان وكان فيهما طول فجعل يمشيان ويتعثران فنزل من على المنبر وحملهما بين يديه صلى الله عليه وسلم وقال صدق الله إنما أموالكم وأولادكم فتنة وقال إنه رآهما يتعثران فما طابت نفسه حتى نزل فحملهما المهم أنه ينبغي لنا أن نعود أنفسنا على رحمة الصبيان وعلى رحمة كل من يحتاج الرحمة من اليتامى والفقراء والعاجزين وغيرهم وأن نجعل في قلوبنا رحمة ليكون ذلك سببا لرحمة الله إيانا لأننا أيضا محتاجون إلى الرحمة ورحمتنا لعباد الله سبب لرحمة الله لنا نسأل الله أن يعمنا وإياكم برحمته

ص: 458