المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين

- ‌باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير

- ‌باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

- ‌باب حفظ السر

- ‌باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد

- ‌باب المحافظة على ما اعتاده من الخير

- ‌باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم

- ‌باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ

- ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

- ‌باب الوقار والسكينة

- ‌باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

- ‌باب إكرام الضيف

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

- ‌باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب

- ‌باب الاستخارة والمشاورة

- ‌باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها

- ‌باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم

- ‌كتاب أدب الطعام

- ‌باب التسمية في أوله والحمد في آخره

- ‌باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره

- ‌باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

- ‌باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

- ‌باب كراهية الكل متكئا

- ‌باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل

- ‌باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في

- ‌باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه

- ‌باب كراهة النفخ في الشراب

- ‌باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدا

- ‌باب استحباب كون ساقي القوم أخرهم شربا

- ‌باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز

- ‌كتاب اللباس

- ‌باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من

- ‌باب استحباب القميص

- ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

- ‌باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا

- ‌باب استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به

- ‌باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه

- ‌باب جواز لبس الحرير لمن به حكة

- ‌باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها

- ‌باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

- ‌كتاب آداب النوم

- ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

- ‌باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا

- ‌باب أداب المجلس والجليس

- ‌باب الرؤيا وما يتعلق بها

- ‌كتاب السلام

- ‌باب كيفية السلام

- ‌باب آداب السلام

- ‌باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن

- ‌باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌باب السلام على الصبيان

- ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

- ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

- ‌باب ما يدعى به للمريض

- ‌باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌باب ما يقوله من أيس من حياته

- ‌باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوك

- ‌باب تلقين المختصر لا إله إلا الله

- ‌باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت

- ‌باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة

- ‌باب الكف عما يرى من الميت من مكروه

- ‌باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

- ‌باب استحباب تكثير المصلين على الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر

- ‌باب ما يقرأ في صلاة الجنازة

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن

- ‌باب الموعظة عند القبر

- ‌باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له

- ‌باب الصدقة عن الميت والدعاء له

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى

- ‌كتاب آداب السفر

- ‌باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار

- ‌باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه/0

- ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

- ‌باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته

- ‌باب استحباب القدوم على أهله نهارا وكراهته في الليل لغير حاجة

- ‌باب ما يقوله إذا رجع وإذا رأى بلدته

- ‌باب استحباب ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جواره وصلاته فيه ركعتين

- ‌باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌كتاب الفضائل

- ‌باب فضل قراءة القرآن

- ‌باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

- ‌باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع

- ‌باب الحث على سور وآيات مخصوصة

- ‌باب استحباب الاجتماع على القراءة

الفصل: ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

‌كتاب آداب النوم

‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

814 -

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأدب من صحيحه

815 -

وعنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اظطجع على شقك الأيمن وقل

وذكر نحوه وفيه واجعلهن آخر ما تقول متفق عليه

[الشَّرْحُ]

عقد المؤلف رحمه الله كتابا في آداب النوم والجلوس والجليس وغير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان في

ص: 332

حياته وهذا يدل على أن هذا الكتاب أعني رياض الصالحين كتاب شامل عام ينبغي لكل مسلم أن يقتنيه وأن يقرأه وأن يفهم ما فيه فذكر المؤلف رحمه الله آداب النوم والنوم من آيات الله عز وجل الدالة على كمال قدرته وحكمته قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ وهو نعمة من الله تعالى على العبد لأنه يستريح فيه من تعب سابق وينشط فيه لعمل لاحق فهو ينفع الإنسان فيما مضى وفيما يستقبل وهو من كمال الحياة الدنيا وذلك لأن الدنيا ناقصة فتكمل بالنوم لأجل الراحة لكنه نقص من وجه آخر بالنسبة للقيوم عز وجل وهو الله فإن الله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم} لكمال حياته فهو لا يحتاج إلى النوم ولا يحتاج إلى شيء وهو الغني الحميد عز وجل لكن الإنسان في هذه الحياة الدنيا بشر ناقص يحتاج إلى تكميل والنوم عبارة عن أن الله سبحانه وتعالى يقبض النفس حين النوم لكنه ليس القبض التام الذي تحصل به المفارقة التامة ولذلك تجد الإنسان حيا ميتا في الحقيقة لا يحس بما عنده لا يسمع قولا ولا يبصر شخصا ولا يشم رائحة ولكن

ص: 333

لم تخرج نفسه من بدنه الخروج الكامل قال الله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} وهذه الوفاة الكبرى: {والتي لم تمت في منامها} يتوفاها في منامها {فيمسك التي قضى عليها الموت} وهي الأولى {ويرسل الآخرى} وهي النائمة يعني يطلقها {إلى أجل مسمى} لأن كل شيء عند الله تعالى وبمقدار وكل شيء عنده بأجل مسمى كل فعله جل وعلا حكمة في غاية الإتقان فهذا النوم من آيات الله عز وجل تأتي القوم مثلا في حجرة أو في سطح أو في بر وهم نيام كأنهم جثث موتى لا يشعرون بشيء ثم هؤلاء القوم يبعثهم الله عز وجل قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} ثم إن الإنسان يعتبر بالنوم اعتبارا آخر وهو إحياء الأموات بعد الموت فإن القادر على رد الروح حتى يصحو الإنسان ويستيقظ ويعمل عمله في الدنيا قادر على أن يبعث الأموات من قبورهم وهو على كل شيء قدير ومن آداب النوم: أن ينام الإنسان على الشق الأيمن لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره فالبراء بن عازب رضي الله عنه روى أن النبي

ص: 334

صلى الله عليه وسلم كان يضطجع على شقه الأيمن والنبي صلى الله عليه وسلم أمر البراء بن عازب أن ينام على شقه الأيمن هذا هو الأفضل سواء كانت القبلة خلفك أو أمامك أو عن يمينك أو عن شمالك النوم على الأيمن هو المهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم به بعض الناس اعتاد أن ينام على الجنب الأيسر ولو نام على الأيمن ربما لا يأتيه النوم لكن عليه أن يعود نفسه لأن المسألة ليست بالأمر الهين ثبتت من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره فأنت إذا نمت على الجنب الأيمن تشعر بأنك متبع الرسول عليه الصلاة والسلام حيث كان ينام على جنبيه الأيمن وممتثل لأمره حيث أمر به عليه الصلاة والسلام فعود نفسك وجاهدها على ذلك يوما أو يومين أو أسبوعا حتى تستطيع النوم وأنت ممتثل لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

ومن السنن أيضا إذا تيسر أن تضع يدك اليمنى تحت خدك الأيمن لأن هذا ثبت من فعل الرسول عليه الصلاة والسلام فإن تيسر لك ذلك فهو جيد وأفضل وإن لم يتيسر فليس هو بالتأكيد كمثل النوم على الجنب الأيمن ومن ذلك أيضا أن تقول هذا الذكر الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا

ص: 335

منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت واجعل هذا آخر ما تقول يعني بعد الأذكار الأخرى مثل اللهم بك وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين وما أشبه ذلك المهم اجعل هذا الذكر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب آخر ما تقول وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب أن يعيد عليه هذا الذكر فأعاده لكن قال وبرسولك الذي أرسلت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا قل وبنبيك الذي أرسلت ولا تقل وبرسولك قال أهل العلم: وذلك لأن الرسول يطلق على الرسول البشري والرسول الملكي جبريل كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} والنبي للنبي البشري وأنت إذا قلت نبيك الذي أرسلت جمعت بين الشهادة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنبوة والرسالة فكان هذا اللفظ أولى من قولك وبرسولك الذي أرسلت لأنك لو قلت

ص: 336

وبرسولك الذي أرسلت يمكن أن يكون جبريل لأن جبريل رسول أرسله الله إلى الأنبياء بالوحي فينبغي عليكم أن تحفظوا هذا الذكر وأن تقولوه إذا اضطجعتم على فرشكم وأن تجعلوه آخر ما تقولون امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتباعا لسنته وهديه هذه من آداب النوم ومن حكمة الله عز وجل ورحمته أنك لا تكاد تجد فعلا للإنسان إلا وجدته مقرونا بذكر اللباس له ذكر، الأكل له ذكر، الشرب له ذكر، النوم له ذكر، حتى جماع الرجل لامرأته له ذكر كل شيء له ذكر وذلك من أجل ألا يغفل الإنسان عن ذكر الله يكون ذكر الله على قلبه دائما وعلى لسانه دائما وهذه من نعمة الله التي نسأل الله تعالى أن يرزقنا شكرها وأن يعيننا عليها

816 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة فإذا طلع الفجر صلى ركعتين حفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه متفق عليه

ص: 337

817 -

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: اللهم باسمك أموت وأحيا وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور رواه البخاري

[الشَّرْحُ]

هذه من الأحاديث التي ساقها النووي رحمه الله في (كتاب آداب النوم) وقد سبق أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر البراء بن عازب أن يضطجع على جنبه الأيمن وأن يقول: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك إلى آخر الحديث وبينا أن السنة والأفضل أن ينام الإنسان على جنبه الأيمن وفي حديث حذيفة رضي الله عنه أنه ينبغي أن يضع الإنسان يده تحت خده ومعلوم أنها اليد اليمنى تكون تحت الخد الأيمن وهذا ليس على سبيل الوجوب ولكن على سبيل الأفضلية فإن تيسر لك هذا وإلا فالأمر واسع ولله الحمد فكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده تحت خده ويقول: باسمك اللهم أموت وأحيا يعني أنني أموت وأحيا بإرادة الله عز وجل والمراد

ص: 338

بالموت هنا والله أعلم موت النوم لأن النوم يسمى وفاة أو أنه الموت الأكبر الذي هو مفارقة الروح للبدن ويكون كقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور وهذا يؤيد أن المراد بالموت في قوله: باسمك اللهم أموت وأحيا يعني موت النوم وهو الموت الأصغر أما حديث عائشة رضي الله عنها فقد أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة وهذا أكثر ما كان يصلي إما إحدى عشرة وإما ثلاثة عشر وقد ينقص عن ذلك حسب ما تكون حاله عليه الصلاة والسلام من النشاط وعدم النشاط ثم كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين وهما سنة الفجر فإن السنة أن يخففها فيقرأ في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية {قل هو الله أحد} أو في الأولى {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} إلى آخر الآية في سورة البقرة وفي الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} في آل عمران والمهم أن يخففهما فيخفف الركوع والسجود والقيام والقعود

ص: 339

لكن بشرط ألا يخل بالطمأنينة لأنه لو أخل بالطمأنينة لفسدت ثم يضطجع على جنبه الأيمن عليه الصلاة والسلام بعد أن يصلي الركعتين سنة الفجر يضطجع على الجنب الأيمن حتى يؤذنه المؤذن يعني حتى يعلمه بأن وقت الإقامة قد جاء فيخرج ويصلي ففي هذا الحديث فوائد: منها: أن من نعمة الله عز وجل أن أطلعنا على ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلمه في السر في الليل بواسطة زوجاته رضي الله عنهن وهذا من الحكمة في كثرة تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه مات عن تسع نسوة ومن فوائد ذلك أن كل امرأة منهن تأتي بسنة لا يطلع عليها إلا هي ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل إحدى عشرة ركعة وكان يطيل القيام عليه الصلاة والسلام وكان يقوم إذا انتصف الليل وأحيانا بعد ذلك حسب نشاطه وكان صلى الله عليه وسلم إذا قام من نصف الليل ينام في آخر الليل كما قالت عائشة رضي الله عنها في حديث آخر وإلا صلى إلى الفجر إذا تأخر فإذا طلع الفجر صلى ركعتين ثم اضطجع على جنبه الأيمن وفيه دليل على أنه يسن تخفيف ركعتي الفجر كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام وفيه أن الأفضل للإمام ألا يحضر إلى

ص: 340

المسجد إلا عند إقامة الصلاة وان يجعل صلاة الرواتب في بيته كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل أما المأموم فإنه يتقدم لكن الإمام لما كان ينتظر ولا ينتظر كانت السنة أن يتأخر في بيته حتى يصلي النوافل المشروعة ثم يأتي وفيه دليل على استحباب الاضطجاع على الجنب الأيمن بعد سنة الفجر لمن تطوع في بيته كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام واختلف العلماء رحمهم الله في هذه الضجعة: منهم من قال إنها سنة بكل حال ومنهم من قال إنها ليست بسنة إلا إذا كان الإنسان صاحب صلاة في آخر الليل فإنه يضطجع ليعطي بدنه شيئا من الراحة ومنهم من شدد فيها حتى جعلها بعض العلماء من شروط صلاة الفجر وقال من لم يضطجع بعد السنة فلا صلاة له لكن هذا قول شاذ وإنما ذكرناه لنبين لكم أن بعض العلماء يأتون بأقوال شاذة بعيدة عن الصواب والصواب أنها سنة لمن كان له تهجد من الليل وصلاة وطول قيام فهذا يضطجع حتى يؤذن بالصلاة وهذا في حق الإمام ظاهر أما المأموم فإنه ربما لو اضطجع يقيمون الصلاة فيفوته شيء منها وهو لا يشعر لأن المأموم ينتظر ولا ينتظر لكن الإمام هو الذي

ص: 341

ينتظره الناس فإذا اضطجع بعد سنة الفجر في بيته فإن هذا من السنة إذا كان ممن يجتهد في التهجد أما من لا يقوم إلا متأخرا أو لا يقوم إلا مع أذان الفجر فهذا لا حاجة إلى أن يضطجع بعد سنة الفجر

818 -

وعن يعيش بن طخفة الغفاري رضي الله عنهما قال: قال أبي: بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال إن هذه ضجعة يبغضها الله قال فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود بإسناد صحيح

819 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله تعالى ترة ومن اضطجع مضطجعا لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة رواه أبو داود بإسناد حسن الترة بكسر التاء المثناه من فوق وهي النقص وقيل التبعة

ص: 342

[الشَّرْحُ]

هذه بقية الأحاديث الواردة في آداب النوم والاضطجاع ذكر فيها المؤلف حديث يعيش بن طخفة الغفاري أنه قال: حدثني أبي أنه كان نائما في المسجد على بطنه فإذا رجل يركضه برجله ويقول إن هذه ضجعة يبغضها الله عز وجل فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي هذا الحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن ينام على بطنه لاسيما في الأماكن التي يغشاها الناس لأن الناس إذا رأوه على هذا الحال فهي رؤية مكروهة لكن إذا كان في الإنسان وجع في بطنه وأراد أن ينام على هذه الكيفية لأنه أريح له فإن هذا لا بأس به لأن هذه حاجة وفي هذا دليل على جواز ركض الإنسان بالرجل يعني نخسه برجله لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعل ذلك وهو أشد الناس تواضعا ولا يعد هذا من الكبر اللهم إلا أن يكون في قلب الإنسان شيء من كبر فهذا شيء آخر لكن مجرد أن تركض الرجل برجلك لا يعتبر هذا كبرا إلا أنه ينبغي مراعاة الأحوال إذا كنت تخشى أن الرجل الذي تركضه برجلك يرى أنك مستهين به وأنك محتقر له فلا تفعل لأن الشيء المباح إذا ترتب عليه محظور فإنه يمنع

ص: 343

ثم ذكر حديث أبي هريرة في الرجل يجلس مجلسا لا يذكر الله فيه أو يضطجع مضطجعا لا يذكر الله فيه كان عليه من الله ترة والترة يعني الخسارة أن تجلس مجلسا لا تذكر الله فيه فهذا خسارة لأنك لم تربح فيه وفيه دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من ذكر الله قائما وقاعدا وعلى جنبه وكذلك إذا اضطجعت مضطجعا لم تذكر اسم الله فيه فإنه يكون عليك من الله ترة أي خسارة فأكثر من ذكر الله دائما وأبدا كن كمن قال الله تعالى فيهم: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ لتكون ممتثلا لقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أعاننا الله على ذكره وشكره وحسن عبادته

ص: 344