المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين

- ‌باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير

- ‌باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

- ‌باب حفظ السر

- ‌باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد

- ‌باب المحافظة على ما اعتاده من الخير

- ‌باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم

- ‌باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ

- ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

- ‌باب الوقار والسكينة

- ‌باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

- ‌باب إكرام الضيف

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

- ‌باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب

- ‌باب الاستخارة والمشاورة

- ‌باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها

- ‌باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم

- ‌كتاب أدب الطعام

- ‌باب التسمية في أوله والحمد في آخره

- ‌باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره

- ‌باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

- ‌باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

- ‌باب كراهية الكل متكئا

- ‌باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل

- ‌باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في

- ‌باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه

- ‌باب كراهة النفخ في الشراب

- ‌باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدا

- ‌باب استحباب كون ساقي القوم أخرهم شربا

- ‌باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز

- ‌كتاب اللباس

- ‌باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من

- ‌باب استحباب القميص

- ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

- ‌باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا

- ‌باب استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به

- ‌باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه

- ‌باب جواز لبس الحرير لمن به حكة

- ‌باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها

- ‌باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

- ‌كتاب آداب النوم

- ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

- ‌باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا

- ‌باب أداب المجلس والجليس

- ‌باب الرؤيا وما يتعلق بها

- ‌كتاب السلام

- ‌باب كيفية السلام

- ‌باب آداب السلام

- ‌باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن

- ‌باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌باب السلام على الصبيان

- ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

- ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

- ‌باب ما يدعى به للمريض

- ‌باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌باب ما يقوله من أيس من حياته

- ‌باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوك

- ‌باب تلقين المختصر لا إله إلا الله

- ‌باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت

- ‌باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة

- ‌باب الكف عما يرى من الميت من مكروه

- ‌باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

- ‌باب استحباب تكثير المصلين على الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر

- ‌باب ما يقرأ في صلاة الجنازة

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن

- ‌باب الموعظة عند القبر

- ‌باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له

- ‌باب الصدقة عن الميت والدعاء له

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى

- ‌كتاب آداب السفر

- ‌باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار

- ‌باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه/0

- ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

- ‌باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته

- ‌باب استحباب القدوم على أهله نهارا وكراهته في الليل لغير حاجة

- ‌باب ما يقوله إذا رجع وإذا رأى بلدته

- ‌باب استحباب ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جواره وصلاته فيه ركعتين

- ‌باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌كتاب الفضائل

- ‌باب فضل قراءة القرآن

- ‌باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

- ‌باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع

- ‌باب الحث على سور وآيات مخصوصة

- ‌باب استحباب الاجتماع على القراءة

الفصل: ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

بالدواب ومراعاة مصلحتها

962 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في الجدب فأسرعوا عليها السير وبادروا بها نقيها وإذا عرستم فاجتنبوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل رواه مسلم معنى أعطوا الإبل حظها من الأرض أي ارفقوا بها في السير لترعى في حال سيرها وقوله نقيها هو بكسر النون وإسكان القاف وبالياء المثناة من تحت وهو المخ معناه أسرعوا بها حتى تصلوا المقصد قبل أن يذهب مخها من ضنك السير والتعريس النزول في الليل

963 -

وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه وإذا عرس قبيل

ص: 587

الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه رواه مسلم قال العلماء إنما نصب ذراعه لئلا يستغرق في النوم فتفوت صلاة الصبح عن وقتها أو عن أول وقتها

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب آدابا كثيرة تتعلق بالسفر والرواحل وذلك أن المسافر إذا سافر على راحلة بهيمة من الإبل أو حمر أو بغال أو خيل فإن عليه أن يراعي مصلحتها لأنه مسئول عنها ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان راكبا على ناقته وقد شق لها زمامها فإذا أتى مرتفعا من المرتفعات أرخى لها قليلا ومن الآداب أن الإنسان إذا سافر في أيام الخصب فإنه ينبغي أن يتأنى في السير يعني لا يسير سيرا حثيثا يعطي فيه الإبل حقها من الرعي لأنه إذا كان يمشي الهوينى أمكن لها ذلك فإذا كانت الأرض معشبة وخصبة وأنت على إبل فلا تسرع السير دعها ترعى في مهل من أجل أن تنال حظها من الخصب أما إذا كان الأمر بالعكس وكانت السنة جدبا فإن

ص: 588

المفروض أن تسرع لأنك إذا أمهلت في السير والأرض جدب لا ترعى طالت مدة السفر فيذهب مخها وهذا من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله تعالى قد أعطاه مصالح الرعاية للإنسان والبهائم حيث أرشد صلى الله عليه وسلم المسافرين إلى هذه الآداب في الخصب تأن في السير في الجدب أسرع في السير كذلك أمر صلى الله عليه وسلم أننا إذا عرسنا نزلنا ليلا لنستريح ونام فإننا لا ننام في الطريق يعني في الجادة لأنها طرق البهائم الناس يستطرقون هذا الطريق فربما يأتي إنسان غافل فيقع في هذا الطريق كذلك هي أيضا مأوى الهوام تأتي إلى هذه الطرق حتى إذا سقط من أحد شيء من الطعم أكلته ولهذا يكثر وجود الهوام في هذه الطرق فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ألا ننام في الطرقات بل نرتفع عنها حتى لا يحرج السائرين على الطريق وحتى لا تتعرض لأذى الهوام ومثل ذلك بل من باب أولى طرق سيارات اليوم فإن الإنسان يبتعد عنها لأنه ربما يأتي سائق ينعس ولو لحظة فيقتحم بسيارته هؤلاء الذين ينامون على الطريق وتحدث كارثة فابعد عن هذه الطرق السريعة لا تنم حولها حتى لا تقع في الخطر وهذا من إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 589

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه إذا عرس في أول الليل اضطجع على يمينه وإذ عرس قبيل الفجر اتكأ على يده اليسرى لأن إذا كان أول الليل ينام على اليمين ليعطي النفس حظها من النوم ولهذا كان صلى الله عليه وسلم في بيته إذا نام ينام على الجنب الأيمن بل أمر بذلك أما إذا كان قبيل الفجر فكان ينصب ذراعه صلى الله عليه وسلم وينام على يده لئلا يستغرق في النوم فتفوته صلاة الفجر وفي هذا إشارة إلى أن الإنسان أيضا يعطي نفسه حظها من الراحة ولا ينسى عبادة ربه ففي أول الليل يمكنه أن ينام ويشبع قبل الفجر ثم يقوم أما في آخر الليل فإنه لا ينام نومة المطمئن بل نومة المستيقظ الذي لا يستغرق في النوم لئلا تفوته صلاة الفجر وفي هذا دليل على أن الإنسان ينبغي له أن يستعمل المنبه في النوم ينبهه حتى لا تفوته الصلاة فإن نصب الرسول صلى الله عليه وسلم ذراعه من أجل أن يتنبه كذلك الإنسان ينبغي أن يجعل معه منبها للصلاة فهذا من آداب السفر الذي دل عليها خير البشر صلى الله عليه وسلم والله الموفق

ص: 590

964 -

وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل رواه أبو داود بإسناد حسن بالدلجة السير في الليل

965 -

وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال كان الناس إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان فلم ينزلوا بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض رواه أبو داود بإسناد حسن

966 -

وعن سهل بن عمرو وقيل سهل بن الربيع بن عمرو الأنصاري المعروف بابن الحنظلية وهو من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة رواه أبو داود بإسناد صحيح

967 -

وعن أبي جعفر عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال

ص: 591

أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه وأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش نخل يعني حائط نخل رواه مسلم هكذا مختصرا وزاد فيه البرقاني بإسناد مسلم هذا بعد قوله حائش نخل فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرجر وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته أي سنامه وذافره فسكن فقال من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال هذا لي يا رسول الله فقال أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه يشكو إلي أنك تجيعه وتدئبه ورواه أبو داود كرواية البرقاني قوله ذفراه هو بكسر الذال المعجمة وإسكان الفاء وهو لفظ مفرد مؤنث قال أهل اللغة الذفري الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن وقوله تدئبه أي تتعبه

968 -

وعن أنس رضي الله عنه قال كنا إذا نزلنا منزلا لا نسبح حتى نحل الرحال رواه أبو داود بإسناد على شرط مسلم

ص: 592

وقوله لا نسبح أي لا نصلي النافلة ومعناه أنا مع حرصنا على الصلاة لا نقدمها على حط الرحال وإراحة الدواب

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث في آداب السفر ساقها النووي رحمه الله في رياض الصالحين منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد أمته إلى أن يسيروا في الليل وأخبر أن الأرض تطوى للمسافر إذا سافر في الليل يعني أنه يقطع في الدلجة الليل ما لا يقطعه في النهار وذلك لأن الليل وقت براد فهو أنشط للرواحل وأسرع في سيرها ولهذا عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بأنه تطوى الأرض للمسافر إذا مشى في الليل ومن الآداب أيضا أنه ينبغي للجماعة ألا يتفرقوا إذا نزلوا منزلا فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الأودية والشعاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذلكم من الشيطان يعني تفرقهم فما نزلوا بعد ذلك منزلا إلا اجتمعوا جميعا لأن ذلك أقوى لهم وأحفظ ولو تسلط عليهم عدو في هدأة الليل وكانوا جميعا أمكنهم المدافعة لكن إذا تفرقوا توزعوا وفشلوا ومن ذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالرفق بالبهائم وأنه يجب على الإنسان أن يعاملها معاملة حسنة فلا يكلفها ما لا تطيق ولا

ص: 593

يقصر عليها في أكل أو شرب ومن ذلك أيضا أن الإنسان يركب الراحلة وحده وله أن يردف غيره لكن بشرط أن تكون الراحلة مطيقة لذلك فإن لم تكن مطيقة لضعفها أو نحو ذلك فإنه لا يحل له أن يكلفها ما لا تطيق لأن هذه البهائم تتعب كما يتعب الإنسان هي مكونة مما كون منه الإنسان لحم وعظم ودم فإن كان الإنسان يتعب إذا حمل ما لا يطيق أو حمل عملا يتعبه كذلك هذه البهائم ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نتقي الله عز وجل فيها وألا نقصر في حقها ثم ذكر حديث ابن الحنظلية أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قلما يقضي حاجته إلا إلى هدف أو حائل هدف يعني هدف مثل العنزة كان يركزها ويقضي حاجته صلى الله عليه وسلم فدخل ذات يوم حائط رجل من الأنصار فإذا بجمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أي الجمل رأى النبي صلى الله عليه وسلم جاء يجرجر وعيناه تذرفان يشكو صاحبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من رب هذا الجمل فجاء رجل من الأنصار فقال إنه لي يا رسول الله فأخبره صلى الله عليه وسلم أن الجمل يشكو إليه صاحبه بأنه يجيعه ويحمله ما لا يطيق وأمره أن يتقي الله تعالى فيه وهذا من آيات النبي صلى الله عليه وسلم أن

ص: 594

البهائم العجم تشكو إليه إذا رأته صلى الله عليه وسلم لأن هذا من آيات الله التي يؤيد الله بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى ما أرسل رسولا إلا أعطاه آيات تدل على نبوته لئلا يكذبه الناس لأن الناس إذا جاء إليهم رجل وقال أنا رسول الله لكم بدون آية ما صدقوه لكن الله تعالى يؤتي رسله آيات تدل على أنهم صادقون وأعظم آيات أعطيها الأنبياء ما أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية وغيره أيضا أنه ما من آية لنبي من السابقين إلا كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مثلها أو أعظم منها إما له شخصيا وإما لأتباعه وذكر على ذلك أمثلة وشواهد كثيرة لكن لم يعط أحد من الأنبياء مثل ما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الوحي القرآن ولهذا قال إنما الذي أوتيته وحي أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة لأن هذا الوحي باق إلى يومنا هذا والناس كلما قرءوه ازدادوا إيمانا بالله ورسوله لما فيه من الآيات العظيمة الدالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقا والله الموفق

ص: 595

/0L2 باب إعانة الرفيق في الباب أحاديث كثيرة تقدمت كحديث: والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وحديث: كل معروف صدقة وأشباههما

969 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له فذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل رواه مسلم

970 -

وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يغزو فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار، إن من إخوانكم قوما ليس لهم مال، ولا عشيرة، فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة، فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عقبة يعني كعقبة أحدهم، قال: فضممت إلي اثنيين أو ثلاثة ما لي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي رواه أبو داود

971 -

وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في

ص: 596

المسير فيزجي الضعيف ويردف ويدعو له رواه أبو داود بإسناد حسن

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله تعالى باب الإحسان إلى الرفيق عند السفر والرفق به وهذا من آداب السفر أن الإنسان يحسن إلى رفيقه في السفر ويرفق به ثم ذكر المؤلف رحمه الله ثلاثة أحاديث: منها أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فجعل يلتفت يمينه وشماله وكأنه يريد حاجة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان عنده فضل زاد به على من زاد له وذكر أصنافا من المال فصار الناس كل منهم ينظر إلى رفيقه ويركبه معه ويشركه في زاده وهكذا أيضا في الحديث الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يتعاقب الرجلان والثلاثة على البعير الواحد حتى يكون الناس كلهم سواء وكذلك الحديث الثالث أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكون في أخريات القوم في السفر يزجي الضعيف يسوقه ويدعو له كما ثبت ذلك عنه في صحيح مسلم في قصة جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لحقه وكان جابر على

ص: 597

جمل قد أعيا فضربه النبي صلى الله عليه وسلم أي ضرب الجمل ودعا له فصار يمشي كما تمشي الركاب بل كان يتقدم عليها والحاصل أنه ينبغي للإنسان أن يكون مع رفقائه في السفر محسنا إليهم قاضيا لحاجتهم معينا لهم فإن هذا من الآداب النبوية التي جاءت بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم

ص: 598

/0L2 باب ما يقول إذا ركب الدابة للسفر

قال الله تعالى: {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمه ربكم إذا استوتيم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقربين وإنا إلى ربنا لمنقلبون}

972 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما إأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلي سفر، كبر ثلاثا، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل.

اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبه المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل والولد وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون رواه مسلم

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله تعالى في باب آداب السفر: باب ما

ص: 599

يقوله إذا ركب دابته للسفر.

هكذا قيد المؤلف رحمه الله الحكم فيما إذا ركب للسفر وظاهر الآية الكريمة أن الحكم عام وأن الإنسان إذا ركب دابته أو سيارته أو السفينة فإنه يقول ما ذكره الله عز وجل ثم ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب دابته خارجا في سفر قال كذا وكذا وذكر قبل ذلك الآية وهي قوله تعالى: وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون الآية.

{وجعل لكم} يعني: سير لكم.

{من الفلك} : يعني السفن وهي ثلاثة أنواع: بحرية، وبرية، وجوية أما البحرية فكانت معروفة من قديم الزمان من زمن نوح صلى الله عليه وسلم حين أوحى الله إليه {أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا} ثم قال:{ولقد تركناها آية فهل من مدكر} وأما السفن البرية فظهرت متأخرة وهي السيارات، وأما الجوية فهي أيضا بعد ذلك وهي الطائرات وكلها داخلة في قوله:{وجعل لكم من الفلك} فإنها فلك لأنها تجمع ما شاء الله من الخلق وقوله تعالى: {والأنعام} يعني الإبل والبغال والحمير والخيل وغيرها مما يركب وقد اختلف العلماء في جواز ركوب

ص: 600

الإنسان ما لم تجر العادة بركوبه، كما لو ركب البقر فمنهم من قال: إنه جائز ما لم يشق عليه ومنهم من قال: إنه لا يجوز لأنها لم تخلق لهذا والصحيح أنه جائز وأنه لا بأس أن يركب الإنسان ما لم تجر العادة بركوبه لكن بشرط ألا يشق عليها فإن شق عليه فهو ممنوع وقوله تعالى: {لتستووا على ظهوره} اللام إما للتعليل أو للعاقبة، يعني أنه جعل لنا ما نركب لنستقر على الظهور، فلم يجعله صعبا نزرا لا يستوي الإنسان على ظهره ولا يستقره، بل هو يستقر على ظهره، وهذا مشاهد في السيارات والسفن والطائرات والإبل الذلول وما أشبه ذلك {ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه} بعد الاستواء تذكرون نعمة الله بما يسر لكم مما خلق من الأنعام ومما علمكم من الفلك وتقولوا:{سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} كان الذي يتبادر أن يقول الإنسان: الحمد لله الذي سخر لنا هذا ولكنه أمر أن يقول: {سبحان الذي سخر لنا هذا} لماذا، لأن (سبحان) تدل على التنزيه: يعني تنزيه الله عز وجل عن الحاجة وعن النقص فكأن الإنسان يشعر إذا ركب على هذه الفلك والأنعام أنه محتاج إليه يستعين به على حاجاته فيسبح الله عز وجل الذي هو مستغن عن

ص: 601

كل خلقه فكان التسبيح في هذا المقام أنسب مع أنه جاء في السنة أنه يحمد الله، لكننا نتكلم عن هذه الآية:{سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} يعني: ما كنا مطيقين له لولا أن الله سخره أي ذلله كما قال الله تعالى في آية أخرى: {وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون} أرأيتم لو كانت هذه البعير الكبيرة الجسم القوية النشيطة لو لم تسخر هل نركبها؟ هل نقدر عليها؟ الجواب: لا هناك من السباع ما هو دونها بكثير ولا نستطيع أن نقدر عليه، لكن الله سخر لنا هذا الذي نركبه، حتى إن الصبي الصغير يأخذ بزمام الناقة ويقودها إلى حيث شاء، هذا من تسخير الله عز وجل وتذليله {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين أي: مطيقين} وإنا إلى ربنا لمنقلبون {هذه الجملة جملة عظيمة، كأن الإنسان لما ركب مسافرا على هذه الذلول أو الفلك كأنه يتذكر السفر الأخير من هذه الدنيا وهو سفر الإنسان إلى الله عز وجل إذا مات، وحملته الناس على أعناقهم فيتذكر ويقول:} وإنا إلى ربنا لمنقلبون {جل وعلا، فالمقلب إلى الله والله تعالى يقول في كتابه العزيز:} يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا {كادح إلى ربك، لم يقبل كادح لربك بل كادح إليه: يعني سيكون مآلك ومآل كدحك وكدحك إلى الله عز وجل:} كادح

ص: 602

إلى ربك {أي: عامل وراجع إلى ربك} فملاقيه {كلنا سوف يلاقي الله، ولكن على أي شيء وشأن نلاقي الله عز وجل؟ يعني: الإنسان لا يهمه أين يموت ولا متى يموت ربما أنه يحب أن يطيل الله عمره وأن يموت في بلد مقدس كما اختار ذلك موسى صلى الله عليه وسلم لكن الشأن كل الشأن على أي شيء يموت نسأل الله أن يتوفانا وإياكم على الإيمان والتوحيد هذا هو المهم فإن مت على خير فإنه لا فرق أن تموت هنا أوهناك أو في بلد مقدس أو غير مقدس ولا في هذا الشهر ولا في هذا اليوم ولا في هذا الوقت المهم أن تموت على خير فينبغي للإنسان إذا ركب سيارته أو الطائرة أن يقول هذا الذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر: يكبر ثلاثا ويقول:} سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون {ثم يدعو بهذا الدعاء الذي ذكره ابن عمر رضي الله عنهما وتأمل في هذا الحديث كلمة تدل على إحاطة الله بكل شيء يقول: أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل الصاحب في السفر يعني تصحبني في سفري، تيسره علي، تسهله

ص: 603

علي وأنت الخليفة في الأهل أي: الخليفة في الأهل من بعدي تحوطهم برعايتك وعنايتك، فهو جل وعلا مع الإنسان في سفره، وخليفته في أهله، لأنه جل وعلا بكل شيء محيط والله الموفق}

973 -

وعن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر يتعوذ من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، والحور بعد الكون، ودعوة المظلوم.

وسوء المنظر في الأهل والمال رواه مسلم هكذا هو في صحيح مسلم الحور بعد الكون بالنون وكذا رواه الترمذي، والنسائي، قال الترمذي: ويروي الكور بالراء وكلاهما له وجه، قال العلماء: ومعناه بالنون والراء جميعا: الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص.

قالوا: ورواية الراء مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفها وجمعها ورواية النون من الكون مصدر كان يكون كونا إذا وجد واستقر

974 -

وعن علي بن ربيعة قال: شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في

ص: 604

الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم قال: الحمد لله ثلاث مرات، ثم قال: الله أكبر ثلاث مرات، ثم قال: سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقيل: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، ثم ضحك فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح.

وهذا لفظ أبي داود.

[الشَّرْحُ]

هذان الحديثان في الأدعية والأذكار التي تقال إذا ركب الإنسان راحلته في السفر وسبق لنا شرح الآية الكريمة أن الله تعالى قال: لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين كذلك أيضا يتعوذ الإنسان من وعثاء السفر ومن كآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، ويتعوذ أيضا من

ص: 605

دعوة المظلوم، ويسأله الله المغفرة والرحمة ويحمد الله ثلاثا ويكبر ثلاثا، كل هذا مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذكرته بلفظه فهذا هو الأحسن والأفضل وإلا فقل ما تيسر، وأهم شيء ما ذكره الله تعالى في القرآن:{سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيان سعة مغفرة الله ورحمته وأنه عز وجل يفرح من عبده إذا استغفره وتاب إليه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم براحلته وذكر الحديث وهو أن رجلا مسافرا أضل راحلته وفقدها فطلبها فلم يجدها وعليه طعامه وشرابه فأيس منها ومن الحياة ونام تحت شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذا براحلته قد تعلقت بالشجرة، فأخذ بزمامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك لكنه أخطأ من شدة الفرح فالله عز وجل يفرح بتوبة عبده فعليك أخي المسلم أن تتوب إلى الله وترجع وتستغفر وتعلم أنك متى

ص: 606

استغفرت الله تعالى بصدق وإخلاص فإن الله تعالى يغفر لك {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} نسأل الله أن يغفر لنا ولكم ويرحمنا ويرحمكم إنه على كل شيء قدير

ص: 607

/0L2 باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأودية ونحوها والنهي عن المبالغة برفع الصوت بالتكبير ونحوه

975 -

عن جابر رضي الله عنه قال: كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا رواه البخاري.

976 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا رواه أبو داود بإسناد صحيح

[الشَّرْحُ]

هذا الباب عقده المؤلف النووي رحمه الله في (رياض الصالحين) تحت آداب السفر وما يقال فيه، فمن ذلك أنه من آداب السفر أنه إذا صعد الإنسان شيئا مرتفعا كالجبل وكذلك الطائرة إذا صعدت فإنه يكبر يقول: الله أكبر إما مرة أو مرتين أو ثلاثا وإذا نزل: سبح قال: سبحان الله مرة أو مرتين أو ثلاثا ووجه ذلك أن الإنسان إذا علا فإنه يرى نفسه في مكان عال فقد يستعظم نفسه

ص: 608

فيقول: الله أكبر يعني يرد نفسه إلى الاستصغار أما كبرياء الله عز وجل فيقول: الله أكبر.

يعني: لو علوت أيتها النفس فإن فوقك من هو أعلى منك وهو الله عز وجل أما إذا نزل فالنزول سفول ودنو وذل فيقول: سبحان الله يعني أنزهه الله سبحانه وتعالى عن السفول والنزول، لأنه سبحانه وتعالى فوق كل شيء، وإن كان جل وعلا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ينزل إلى السماء الدنيا هذا نزول يليق بجلاله وعظمته ولا يلزم منه السفول لأن الله تعالى ليس كمثله شيء المهم أنه من الآداب المستحبة التي من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنك إذا صعدت تقول الله أكبر وإذا نزلت واديا تقول: سبحان الله كذلك الطائرة عند ارتفاعها تكبر عند نزولها المطار تسبح لأنه لا فرق بين الصعود في الهواء والنزول منه أو على الأرض والله الموفق

ص: 609

979 -

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا أشرفنا على واد وهللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه معكم، إنه سميع قريب متفق عليه اربعوا بفتح الباء الموحدة أي: ارفقوا بأنفسكم

[الشَّرْحُ]

تقدم أنه ينبغي للمسافر إذا علا وارتفع أن يكبر، وإذا هبط ونزل أن يسبح، وبينا الحكمة في ذلك، ولكن ينبغي للإنسان إذا فعل هذا ألا يجهد نفسه ولا يشق عليها ولا يرفع صوته رفعا بالغا، كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكانوا يهللون ويكبرون ويرفعون أصواتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس اربعوا على أنفسكم يعني هونوا عليها ولا تشقوا على أنفسكم في رفع الصوت؟ فإنكم لا تدعو أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا مجيبا قريبا وهو الله عز وجل لا يحتاج أن تجهدوا أنفسكم في رفع الصوت عند التسبيح والتحميد والتكبير، لأن الله

ص: 610

تعالى يسمع ويبصر وهو قريب جل وعلا مع أنه فوق السماوات لكنه محيط بكل شيء جل وعلا قال ابن عباس: رضي الله عنهما: ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في كف أحدكم كل السماوات والأرض لا تنسب إلى الله عز وجل فهو جل وعلا محيط بكل شيء وهو فوق كل شيء وفي هذا دليل أنه لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه في العبادات لا في أدائها ولا في المداومة عليها، ولهذا لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال من شدة رغبته في الخير: لأقومن الليل ما عشت ولأصومن النهار ما عشت يعني: يريد أن يصوم كل النهار ويقوم كل الليل، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فدعاه، وقال: أنت الذي قلت هذا قال: نعم يا رسول الله قال: إنك لا تطيق ذلك ثم أمره أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام أن يقوم وينام فقال: إني أطيق أكثر من ذلك فمازال به حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم له: صم يوما وأفطر يوما قال: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: لا أفضل من هذا، هذا صوم داود صلى الله عليه وسلم يصوم يوما ويفطر يوما ليتقوى بيوم الفطر

ص: 611

على يوم الصيام فلما كبر رضي الله عنه شق عليه ذلك شق أن يصوم يوما ويفطر يوما فقال: ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم ثم صار يصوم خمسة عشر يوما سردا ويفطر خمسة عشر يوما سردا لأنه عجز أن يصوم يوما ويفطر يوما أما في القيام فقال له: أعظم ما يكون أن ينام نصف الليل ويقوم ثلث الليل وينام سدس الليل، قسمه ثلاثة أقسام: ينام النصف، ويقوم الثلث، وينام السدس، وقال: لا أفضل من ذلك والحاصل أنه لا ينبغي للإنسان أن يشق على نفسه في العبادة متى تسهلت فليحمد الله بعض الناس في أيام الشتاء يكون عنده الماء الساخن والبارد، يتوضأ بالبارد ويترك الساخن، يعذب نفسه والله عز وجل يقول: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم نعم، إذا لم يكن عندك إلا الماء البارد واستعمله وشق عليك فلك أجر أما أن تعدل عن السهل إلى الصعب طلبا للأجر فهذا ليس بصواب، متى تسهل الأمر فافعله، كذلك بعض الناس مثلا يقول: امشي على رجلي للحج لأنه أصعب من المشي بالسيارة قلنا: هذا خطأ، إذا سهل الله لك العبادة فافعل

ص: 612

أو أنك تقرأ على نور ضعيف ولا تقرأ على نور قوي، لأن القراءة على النور الضعيف أصعب هذا أيضا خطأ كلما تسهلت العبادة فافعل ما تيسر ولكن لا تقصر أما إذا لم يمكن إلا مع تعب فهذا الأمر إلى الله ومتى تعبت في العبادة فلك أجر والله الموفق

ص: 613

/0L2 باب استحباب الدعاء في السفر

980 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده رواه أبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن وليس في رواية أبي داود: على ولده

ص: 614

/0L2 باب ما يدعو به إذا خاف ناسا أو غيرهم

981 -

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم رواه أبو داود، والنسائي بإسناد صحيح

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) : باب دعاء المسافر المسافر: هو الذي فارق وطنه يكون مسافرا حتى يرجع إليه ودعوة المسافر دعوة محتاج في الغالب والإنسان إذا احتاج ودعا ربه أوشك أن يستجاب له لأن الله سبحانه وتعالى يجيب دعوة المضطر ودعوة المحتاج أكثر مما يستجيب لغيرهما ثم ذكر الحديث ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد.

أما دعوة المظلوم فمعناها إذا ظلمك أحد فأخذ مالك أو غير

ص: 615

ذلك فهذا ظلم فإذا دعوت الله عليه استجاب الله دعاءك، حتى ولو كان المظلوم كافرا وظلمته ثم دعا الله فإن الله يستجيب دعاءه، ولا حبا للكافر ولكن حبا للعدل، والمظلوم لابد أن ينصف له من الظالم ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب فالمظلوم دعوته مستجابة إذا دعا على ظالمه بمثل ما ظلمه أو أقل إما إذا تجاوز فإنه يكون معتديا فلا يستجاب له هذه واحدة الثانية: دعوة المسافر إذا دعا الله عز وجل أن ييسر سفره أو يعينه عليه أو غير ذلك من الدعوات فإن الله تعالى يستجيب له ولذا ينبغي أن يغتنم فرصة الدعاء في السفر وإذا كان السفر سفر طاعة كعمرة وحج فإنه يزداد ذلك قوة في إجابة الدعاء الثالثة: دعوة الوالد في بعض ألفاظ الحديث على (ولده) وفي بعض ألفاظه مطلقة (الوالد) أي سواء دعا لولده أو عليه وهذا هو

ص: 616

الأصح دعوة الوالد لولده أو عليه مستجابة أما دعوته لولده فلأنه يدعو لولده شفقة ورحمة والراحمون يرحمهم الله عز وجل وأما عليه فإنه لا يمكن أن يدعو على ولده إلا باستحقاق فإذا دعا عليه وهو مستحق لها استجاب الله دعوته هذه ثلاث دعوات مستجابات دعوة المظلوم والمسافر والوالد سواء الأم أو الأب ثم ذكر المؤلف حديثا فيما يسن للإنسان إذا خاف ناسا أو غيرهم ماذا يقول، مثلا قابلك أناس تخشى منهم قابلك شخص تخشى من شره فقل: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم إذا قلت ذلك بصدق وإخلاص ولجوء إلى الله كفاك الله شرهم (اللهم إنا نجعلك في نحورهم) : أي أمامهم تدفعهم عنا وتمنعنا منهم (ونعوذ بك من شرورهم) ففي هذه الحال يكفيك الله شرهم، كلمتان يسيرتان إذا قالهما الإنسان بصدق وإخلاص فإن الله تعالى يستجيب له والله الموفق

ص: 617

/0L2 باب ما يقول إذا نزل منزلا

982 -

عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك رواه مسلم

983 -

وعن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل الليل قال: يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك وشر ما يدب عليك وأعوذ بالله من شر أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن ساكن البلد ومن والد وما ولد رواه أبو داود والأسود الشخص قال الخطابي: وساكن البلد: هم الجن الذين سكان الأرض قال: والبلد من الأرض ما كان مأوى الحيوان وإن لم يكن فيه بناء ومنازل قال: ويحتمل أن المراد بالوالد: إبليس وما ولد الشياطين

ص: 618

[الشَّرْحُ]

هذان الحديثان في بيان ما يقوله الإنسان إذا كان مسافرا ونزل منزلا ففي حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله هذا قوله: نزل منزلا يشمل من نزل منزلا في السفر إذا كان مسافرا ثم نزل ليستريح لغداء أو عشاء أو نوم أو غير ذلك فإنه إذا نزل يقول: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وأعوذ أي: أعتصم بكلمات الله التامات، وكلمات الله التامات تشمل كلماته الكونية والشرعية فأما الكونية فهي التي ذكرها الله في قوله إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فيحميك الله تعالى بكلماته الكونية يدفع عنك ما يضرك إذا قلت هذا الكلام كذلك الكلمات الشرعية وهي الوحي فيها وقاية من كل سوء وشر وقاية من الشر قبل نزوله أما قبل نزوله فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح وأما بعد نزول الأثر فقد

ص: 619

ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة إذا قرئ بها على المريض فإنه يبرأ بها حتى إن الصحابي رضي الله عنه لما قرأ الفاتحة على سيد القوم الذي لدغ قام كأنما نشط من عقال يعني: برأ حاله لأن القرآن شفاء {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور ورحمة للمؤمنين} فاحرص يا أخي المسلم إذا نزلت منزلا في بر أو بحر أو منزلا اشتهيته للنوم وما أشبه ذلك فقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لا يضرك شيء حتى ترتحل من منزلك ذلك والله الموفق

ص: 620