المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين

- ‌باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير

- ‌باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

- ‌باب حفظ السر

- ‌باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد

- ‌باب المحافظة على ما اعتاده من الخير

- ‌باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم

- ‌باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ

- ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

- ‌باب الوقار والسكينة

- ‌باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

- ‌باب إكرام الضيف

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

- ‌باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب

- ‌باب الاستخارة والمشاورة

- ‌باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها

- ‌باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم

- ‌كتاب أدب الطعام

- ‌باب التسمية في أوله والحمد في آخره

- ‌باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره

- ‌باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

- ‌باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

- ‌باب كراهية الكل متكئا

- ‌باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل

- ‌باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في

- ‌باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه

- ‌باب كراهة النفخ في الشراب

- ‌باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدا

- ‌باب استحباب كون ساقي القوم أخرهم شربا

- ‌باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز

- ‌كتاب اللباس

- ‌باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من

- ‌باب استحباب القميص

- ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

- ‌باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا

- ‌باب استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به

- ‌باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه

- ‌باب جواز لبس الحرير لمن به حكة

- ‌باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها

- ‌باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

- ‌كتاب آداب النوم

- ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

- ‌باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا

- ‌باب أداب المجلس والجليس

- ‌باب الرؤيا وما يتعلق بها

- ‌كتاب السلام

- ‌باب كيفية السلام

- ‌باب آداب السلام

- ‌باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن

- ‌باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌باب السلام على الصبيان

- ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

- ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

- ‌باب ما يدعى به للمريض

- ‌باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌باب ما يقوله من أيس من حياته

- ‌باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوك

- ‌باب تلقين المختصر لا إله إلا الله

- ‌باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت

- ‌باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة

- ‌باب الكف عما يرى من الميت من مكروه

- ‌باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

- ‌باب استحباب تكثير المصلين على الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر

- ‌باب ما يقرأ في صلاة الجنازة

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن

- ‌باب الموعظة عند القبر

- ‌باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له

- ‌باب الصدقة عن الميت والدعاء له

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى

- ‌كتاب آداب السفر

- ‌باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار

- ‌باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه/0

- ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

- ‌باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته

- ‌باب استحباب القدوم على أهله نهارا وكراهته في الليل لغير حاجة

- ‌باب ما يقوله إذا رجع وإذا رأى بلدته

- ‌باب استحباب ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جواره وصلاته فيه ركعتين

- ‌باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌كتاب الفضائل

- ‌باب فضل قراءة القرآن

- ‌باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

- ‌باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع

- ‌باب الحث على سور وآيات مخصوصة

- ‌باب استحباب الاجتماع على القراءة

الفصل: ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

قال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} وقال تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} وقال تعالى: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} وقال تعالى: {فبشرناه بغلام حليم} وقال تعالى: {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} وقال تعالى: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} وقال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} وقال تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ} والآيات في الباب كثيرة معلومة

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير) والبشارة تكون في الأمور التي تسر وسميت بذلك لأن الإنسان كان إذا بشر بما يسره ظهر أثر ذلك في وجهه وفي بشرته وقد تكون البشارة

ص: 113

فيما يسوء مثل قوله تعالى: فبشرهم بعذاب أليم والبشارة فيما يسر تكون فيما يسر في الآخرة، وفيما يسر في الدنيا، أما البشارة فيما يسر في الآخرة فكثيرة، ذكرها الله في القرآن في مواضع كثيرة مثل قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ} وقوله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ} وقوله: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وقال الله تعالى: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} هذا كله فيما يتعلق بأمور الآخرة ومن الأمور التي تبشر بالخير في أمور الآخرة: الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له، مثل أن يرى إنسان رؤيا فيقال له في المنام مثلا: بشر فلانا بأنه من أهل الجنة فبشره هذه بشرى كذلك أيضا الإنسان إذا رأى من نفسه أنه ينقاد للخير والعمل الصالح ويرغب فيه ويحبه وأنه يكره الشر فهذه أيضا بشرى لأن الله تعالى قال: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} وأما البشارة فيما يتعلق بأمر الدنيا فمثل قوله تعالى عن إبراهيم

ص: 114

الخليل: {إنا نبشرك بغلام عليم} وفي آية أخرى: {فبشرناه بغلام حليم} والذي بشر به في الآية الأولى غير الذي بشر به في الآية الثانية التي فيها: إنا نبشرك بغلام عليم هذا إسحاق والتي فيها: فبشرناه بغلام حليم، هذا إسماعيل، عليهما السلام إسحاق أبو بني إسرائيل لأن ابنه يعقوب ويعقوب هو إسرائيل الذي من ذريته موسى وعيسى عليهم السلام وأكثر الأنبياء المذكورين في القرآن كلهم من ذرية إسرائيل أما التي ذكر الله فيها فبشرناه بغلام حليم وهي التي في سورة الصافات فهذا إسماعيل أبو العرب وليس في ذريته رسول إلا رسول واحد ولكنه ختم جميع الرسالات وبعث إلى الناس كافة من بعثته إلى يوم القيامة وغيره من الأنبياء كان يبعث إلى قومه خاصة هذا الرسول الذي من بني إسماعيل هو محمد صلوات الله وسلامه عليه وكذلك قال الله تعالى عن امرأة إبراهيم:{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} هذا أيضا بشارة للأنثى فالحاصل أن البشارة تكون في أمور الآخرة وفي أمور الدنيا وينبغي للإنسان أن يكون متفائلا مستبشرا بالخير، وألا يرى الدنيا

ص: 115

أمامه كالحة مظلمة فيستحسر ويقنط وينبغي للإنسان أيضا إذا حصل له خير أن يهنئ به وأن يبشر به إذا كان مستقبلا يهنئ به بالخير إذا وقع ويبشر بالخير في المستقبل بشر أخاك السرور عليه حتى لو رأيت مثلا إنسانا مغتما قد ضاقت عليه الدنيا وتكالبت عليه الأمور فقل له أبشر: بالفرج لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسر هذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن الهوى فإذا رأيت أخاك مكروبا فقل له أبشر فالفرج قريب وإذا رايته في عسر فقل له اليسر القريب وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: لن يغلب عسر يسرين في سورة ألم نشرح لك صدرك {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين لكن حقيقة الأمر أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة واليسر ذكر مرتين لماذا؟ قال العلماء إذا تكررت الكلمة معرفة بأل فهي واحدة وإذا تكررت غير معرفة بأل فهي اثنان العسر كرر مرتين لكن بأل فيكون العسر الثاني هو الأول اليسر كرر مرتين لكن بدون أل فيكون اليسر الثاني غير اليسر الأول

ص: 116

ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين يقال إن الحجاج بن يوسف الثقفي وهو رجل معروف نسأل الله أن يعفو عنه رجل ظالم يقتل الناس بغير حق تكلم عنده أحد الناس وقال له كلمة استنكرها الحجاج وكان الحجاج جيدا في اللغة العربية فهو الذي شكل القرآن وهذه من حسناته وإن كان له سيئات كثيرة قال له الحجاج ليس هذا في اللغة العربية فعلة ما تأتي في اللغة العربية قال هكذا سمعت من الأعراب وكان يأخذون اللغة من الأعراب لأن الأعراب في البادية ليسوا في المدن والمدن دخل فيها الفرس والروم الذين أسلموا فتغير اللسان فقال الحجاج: اذهب عند الأعراب وائتني بشاهد من كلام العرب ما يدل على أن فعلة موجودة في اللغة العربية ولك كذا وكذا يوم فإن لم تأتني فأنا أضرب عنقك ذهب الرجل مكروبا والحجاج ينفذ ما يقول وذهب يطلب من الأعراب فسمع أعرابيا يقول

ص: 117

ربما تكره النفوس من الأمر

له فرجة كحل العقال

ففرج بها فرحا عظيما وجاء بها إلى الحجاج فبينما هو في الطريق قيل له إن الحجاج قد مات فقال والله ما أدري هل أنا أشد فرحا بهذه الكلمة التي وجدتها عند الأعرابي أو بموت هذا الرجل فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يدخل السرور والبشرى على إخوانه حتى يفرحوا وينشطوا ويؤملوا وينتظروا الفرج نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين ممن له البشرى في الحياة الدنيا والآخرة

708 -

عن أبي إبراهيم ويقال أبو محمد ويقال أبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب متفق عليه القصب هنا: اللؤلؤ المجوف والصخب: الصياح، واللغط والنصب: التعب

ص: 118

709 -

وعن أبي موسى الشعري رضي الله عنه أنه توضأ في بيته ثم خرج فقال لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومي هذا فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا وجه هاهنا قال فخرجت على آثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ فقمت إليه فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر رضي الله عنه فدفع الباب فقلت من هذا؟ فقال: أبو بكر فقلت: على رسلك ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر حتى جلس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ثم رجعت وجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني فقلت إن يرد بفلان يريد أخاه خيرا يأت به فإذا إنسان يحرك الباب فقلت: من هذا؟ فقال عمر بن الخطاب فقلت: على رسلك ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وقلت: هذا عمر يستأذن؟ فقال: ائذن له وبشره بالجنة فجئت عمر فقلت: أذن أدخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في

ص: 119

القف عن يساره ودلى رجليه في البئر ثم رجعت فجلست فقلت إن يرد الله بفلان خيرا يعني أخاه يأت به فجاء إنسان فحرك الباب فقلت من هذا؟ فقال عثمان بن عفان فقلت: على رسلك وجئت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ائذن له وبشره بالجنة مع بلوي تصيبه فجئت فقلت ادخل ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك فدخل فجد القف قد ملئ فجلس وجاههم من الشق الآخر قال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم.

متفق عليه وزاد في رواية وأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ الباب وفيها: أن عثمان حين بشره حمد الله تعالى ثم قال: الله المستعان.

قوله: وجه بفتح الواو وتشديد الجيم، أي: توجه وقوله: بئر أريس هو بفتح الهمزة وكسر الراء وبعدها ياء مثناه من تحت ساكنة ثم سين مهملة وهو مصروف ومنهم من منع صرفه القفبضم القاف وتشديد الفاء: هو المبني حول البئر قوله على رسلك بكسر الراء على المشهور وقيل بفتحها أي: ارفق

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله في باب استحباب التبشير بالخير

ص: 120

والتهنئة به آيات سبق الكلام عليها، وبينا أن البشارة قد تكون بخير في الدنيا وقد تكون في الآخرة ثم ذكر حديثين حديث أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة وكذلك حديث أبي موسى الأشعري وسيأتي إن شاء الله فقد بشر صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنه ببيت في الجنة من قصب ليس فيه صخب ولا نصب ولكن القصب الذي بني منه قصر خديجة في الجنة ليس كالقصب الذي في الدنيا الاسم هو الاسم والحقيقة غير الحقيقة كما أنه في الجنة نخل ورمان وفاكهة ولحم طير وغير ذلك لكن التشابه في الاسم فقط فالاسم هة الاسم والحقيقة غير الحقيقة وهذا باب يجب على الإنسان أن يتفطن له فإن أمور الغيب التي لها نظير في الدنيا لا تماثل نظيرها في الآخرة فمثلا في صفات الله عز وجل، لله عز وجل وجه كريم، موصوف بالجلال والإكرام، ونحن أيضا لنا وجه، الأمر لا يختلف في الاسم لكن قال تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فوجهه يليق بجلاله وعظمته ولا يمكن الإحاطة به لا وصفا ولا تصورا في الذهن ولا نطفا باللسان فهو أعظم وأجل من أن تحيط به الأوصاف وهكذا بقية صفاته عز وجل

ص: 121

اسمها يوافق الاسم الذي نتصف به ولكن الحقيقة غير الحقيقة كذلك أيضا الجنة فيها عسل وماء وخمر ولحم ونساء وفاكهة ورمان وغير ذلك لكن ليست كالذي في الدنيا لأن الله سبحانه وتعالى قال في القرآن الكريم: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} ول كانت مثل ما في الدنيا لكنا نعلمها لكنها ليست مثلها ولا قريبا منها وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله أنه قال أعدت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذان سمعت ولا خطر على قلب بشر نسأل الله أن يجعلنا والمسلمين ممن أعد الله لهم ذلك فخديجة رضي الله عنها بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل هو الذي أخبر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها ببيت في الجنة من قصب ولكن ليس القصب الذي في الجنة مثل القصب الذي في الدنيا ثم قال: ليس فيه صخب ولا نصب والصخب: أي الأصوات المزعجة الشديدة أهل الجنة كلهم أهل ليس عندهم

ص: 122

صخب ولا نصب ولا كلام لغو كما قال تعالى: {لا لغو فيها ولا تأثيم} {تحيتهم فيها سلام} فكلامهم طيب لأنهم جوار الطيب جل وعلا فهم طيبون في جنات عدن مساكن طيبة عند الطيب جل وعلا كما أن قلوبهم في الدنيا طيبة وأفعالهم طيبة لأن الله لا يقبل إلا الطيب وأفعالهم مقبولة فهم كذلك في الآخرة فقصر خديجة ليس فيه صخب وليس فيه نصب، وليس فيه تعب، لا يحتاج إلى كنس القمامة ولا غيره بل كله طيب وهذه بشارة لأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأم المؤمنين خديجة هي أول امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو صلى الله عليه وسلم ابن خمس وعشرين سنة ولها أربعون سنة من زوج سابق قبله وولدت له بناته الأربع وأولاده الثلاثة أو الاثنان ولم يتزوج عليها أحدا حتى ماتت رضي الله عنها وكانت امرأة عاقلة ذكية حكيمة لها مآثر طيبة معروفة يجدها من يراجع ترجمتها في كتب التاريخ وكانت تسامى عائشة رضي الله عنها يعني أنها هي عائشة أفضل نساء الرسول عليه الصلاة والسلام وأحب نسائه إليه واختلف العلماء أيهما أفضل فقيل: عائشة وقيل: خديجة

ص: 123

والصحيح أن لكل واحدة منهما مزية تختص بها، لا تشاركها فيها الأخرى فلعائشة رضي الله عنها في آخر الرسالة وبعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام من نشر الرسالة والعلم والشريعة ما ليس لخديجة وخديجة لها في أول الرسالة ومناصرة الني صلى الله عليه وسلم ومعاضدته ما ليس لعائشة فلكل واحدة منهما مزية أما الفضيلة الكبرى فكفى لهما فخرا أنهما أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه ويكفى هذا وأما الفضائل فكل واحدة لها فضيلة

ص: 124

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه في يوم من الأيام توضأ في بيته وخرج يطلب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: لألزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومي هذا ألزمن عني أكون معه ذاهبا وآتيا وفي هذا: دليل على أن الإنسان ينبغي إذا خرج من بيته أن يكون متوضئا لأجل أن يكون مستعدا للصلاة وهو خارج البيت فإذا جاء وقت الصلاة وهو في مكان لا يوجد فيه ماء كان على طهارة وصلي وإذا حضرت جنازة صلى عليها وهو خارج البيت أو على الأقل يكون على طهر، لأن كون الإنسان على طهور أفضل من أن يكون على غير طهر وربما أيضا يحصل له الموت في هذا الوقت فيكون على طهر فالإنسان يحرص ما استطاع أن يكون على طهر لا سيما إذا خرج من بيته فخرج رضي الله عنه يطلب النبي صلى الله عليه وسلم فأتى المسجد لأن الرسول عليه الصلاة والسلام إما في المسجد وإما في بيته في مهنة أهله وإما في مصالح أصحابه عليه الصلاة والسلام فلم يجده في المسجد فسأل عنه فقالوا وجه هاهنا وأشاروا إلى ناحية أريس وهي بئر

ص: 126

حول قباء فخرج أبو موسى في إثره حتى وصل إلى البئر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم هنالك فلزم الباب رضي الله عنه فقضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضأ ثم جلس على قف البئر يعني على حافته ودلى رجليه وكشف عن ساقيه والظاهر والله أعلم أنه كان في ذلك الوقت في حر وهذا البئر فيه ماء والماء قريب وحوله الأشجار والنخل والظلال وعادة أن الإنسان إذا حصل له مثل ذلك فعل مثل هذا الفعل فيكشف عن ساقيه ليبرد جسمه وتأتيه من برودة الماء الذي في البئر وفي هذا الظل فجلس عليه الصلاة والسلام متوسطا للقف أي حافة البئر ودلى رجليه وكشف عن ساقيه وكان أبو موسى على الباب يحفظ باب البئر فاستأذن أبو بكر رضي الله عنه لكنه لم يأذن له أبو موسى حتى يستشير النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أبو بكر يستأذن فقال: ائذن له وبشره بالجنة فأذن له وقال له يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ويا لها من بشارة يبشره بالجنة ثم يأذن له أن يدخل ليكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فدخل ووجد النبي صلى الله عليه وسلم متوسطا القف فجلس عن يمينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيامن في كل شيء فجلس أبو بكر عن يمينه

ص: 127

وضع مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم دلى رجليه في البئر وكشف عن ساقيه كراهة أن يخالف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الجلسة وإلا فليس من المشروع أن يجلس الإنسان على بئر ويدلي رجليه ويكشف عن ساقيه لكنه لا يجب أن يجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم على غير الهيئة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عليها فقال أبو موسى وكان قد ترك أخاه يتوضأ ويلحقه إن يرد الله به خيرا يأت به وإذا جاءا واستأذن فقد حصل له أن يبشر بالحنة ولكن استأذن الرجل الثاني فجاء أبو موسى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال هذا عمر قال: ائذن له وبشره بالجنة فأذن له وقال له يبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فدخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر على القف فجلس عن يسار الرسول عليه الصلاة والسلام والبئر ضيقة ليست واسعة كثرا فهؤلاء الثلاثة كانوا في جانب واحد ثم استأذن عثمان وصنع أبو موسى مثل ما صنع من الاستئذان فقال النبي صلى الله عليه وسلم ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه فأذن له وقال يبشرك الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبك فاجتمع في حقه نعمة وبلوى فدخل

ص: 128

فوجد القف قد امتلأ لأنه ليس واسعا كثيرا فذهب إلى الناحية الأخرى تجاههم وجلس فيها ودلى رجليه وكشف عن ساقيه أولها سعيد بن المسيب أحد كبار التابعين على أنها قبور هؤلاء لأن قبور الثلاثة كانت في مكان واحد فالنبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر كلهم كانوا في حجرة واحدة دفنوا جميعا في مكان واحد وكانوا في الدنيا يذهبون جميعا ويرجعون جميعا ودائما يقول النبي صلى الله عليه وسلم ذهبت أنا وأبو بكر وعمر وجئت أنا وأبو بكر وعمر فهما صاحباه ووزيراه ويم القيامة يخرجون من قبورهم جميعا فجلس عثمان رضي الله عنه تجاههم وبشره صلى الله عليه وسلم بالجنة مع بلوى تصيبه وهذه البلوى هي ما حصل له رضي الله عنه من اختلاف الناس عليه وخروجهم عليه وقتلهم إياه في بيته رضي الله عنه حيث دخلوا عليه في بيته وقتلوه وهو يقرا القرآن وكتاب الله بين يديه ويذكر بعد المؤرخين أن قطرة من الدم نزلت على قوله تعالى {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} والله أعلم لكن على كل حال هو رضي الله عنه كان معروفا بكثرة

ص: 129

القراءة والتهجد فدخل عيه أولئك المعتدون الظالمون فقتلوه فقتل شهيدا وبذلك تحقق قول الرسول عليه الصلاة والسلام حينما صعد على جبل أحد وهو جبل معروف كبير في المدينة هو وأبو بكر وعمر وعثمان وارتج بهم الجبل وهذا من آيات الله ليس هو ارتجاج نقمة وخسف لكنه ارتجاج فرح فلما ارتج بهم الجبل قال له النبي صلى الله عليه وسلم اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان فالنبي هو عليه الصلاة والسلام والصديق أبو بكر، والشهيدان: عمر وعثمان وكلاهما رضي الله عنهما قتل شهيدا أما عمر فقتل وهو متقدم لصلاة الفجر بالمسلمين قتل في المحراب وأما عثمان فقتل وهو يتجهد في بيته في صلاة الليل فرضى الله عنهما وألحقنا وصالح المسلمين بهما في دار النعيم المقيم فهذه القصة فيها بشارة لأبي بكر وعمر وعثمان ولذلك ذكرها المصنف رحمه الله في هذا الباب فرضى اله عنهم جميعا وجعلنا والمسلمين ممن يحشرون في زمرة محمد صلى الله عليه وسلم

ص: 130

710 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنه في نفر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا فقمنا فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجه والربيع الجدول الصغير فاحتفرت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبو هريرة؟ فقلت نعم يا رسول الله قال ما شأنك قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما يحتفر الثعلب وهؤلاء الناس ورائي قال: يا أبا هريرة وأعطاني نعليه فقال اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة وذكر الحديث بطوله رواه مسلم الربيع النهر الصغير وهو الجدول بفتح الجيم كما فسره في الحديث وقوله: احتفزت روى بالراء وبالزاي ومعناه بالزاي تضامنت وتصاغرت حتى أمكنني الدخول

ص: 131

[الشَّرْحُ]

هذا الحديث الذي نقله المؤلف في باب التبشير والتهنئة بالخير فيه أيضا البشارة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسا في أصحابه في نفر منهم ومعه أبو بكر وعمر فقام النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبطأ عليهم فخشوا أن يكون أحد من الناس اقتطعه دونهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم مطلوب من جهة المنافقين ومن جهة غيرهم من أعداء الدين فقام الصحابة رضي الله عنهم فزعين فكان أول من فزع أبو هريرة رضي الله عنه حتى أتى حائطا لبني النجار فجعل يطوف به لعله يجد بابا فلم يجد ولعله أراد بابا مفتوحا فلم يجد لأنه من المعلوم أن الحيطان لابد أن يكون لها أبواب ولكن لعله أن يكون وجد بابا مغلقا ولكنه وجد فتحة صغيرة في الجدار فضم جسمه حتى دخل فوجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو هريرة قال نعم فأعطاه نعليه عليه الصلاة والسلام وقال له اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا به قلبه فبشره بالجنة فخرج أبو هريرة رضي الله عنه ومعه نعلا رسول الله

ص: 132

صلى الله عليه وسلم وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه النعلين أمارة وعلامة أنه صادق لأن هذه بشارة عظيمة أن من شهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه دخل الجنة لأن الذي يقول هذه الكلمة مستيقنا بها قلبه لابد أن يقوم بأوامر الله ويجتنب نواهي الله لأنه يقول لا معبود بحق إلا الله وإذا كان تلك الكلمة العظيمة فإنه لابد أن يعبد الله عز وجل وحده لا شريك له أما من قالها بلسانه ولم يوقن بها قلبه والعياذ بالله فإنها لا تنفعه فهاهم المنافقون يشهدون أن لا إله إلا الله لكنهم لا يذكرون الله إلا قليلا ويقومون ويصلون لكنهم يصلون صلاة المنافقين فالصلاة ثقيلة عليهم وأثقلها صلاة العشاء والفجر ويأتون للرسول عليه الصلاة والسلام يقولون نشهد إنك لرسول الله ويؤكدون هذا ولكن الله يقول: وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ لم تستقين قلوبهم بلا إله إلا الله ولا بمحمد رسول الله ولهذا لم تنفعهم أما من استيقن بها قلبه هو الذي يبشر بذلك ولكن لا يمكن أن يوجد إنسان صادق يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويترك الفرائض ولهذا لا يكون هذا الحديث دليلا على أن تارك الصلاة لا يكفر لا ليس فيه دلالة لأن تارك الصلاة

ص: 133

يكفر ولو قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لأنه يقولها من غير يقين: إذ كيف يقولها من يقين ويترك الصلاة ويحافظ على تركها والعياذ بالله؟ ولكن قد يرد على القلب وساوس من الشيطان في الله عز وجل وهذه الوساوس لا تضر المؤمن شيئا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذا صريح الإيمان ليس معنى ذلك أن الوساوس نفسها صريح الإيمان لكن الوساوس دليل على خالص الإيمان لأن الشيطان يأتي إلى القلب الخالص الصريح الخالي من الشك ويوقع عليه الوساوس لعله يشك أو لعله يفسد إيمانه فيأتي الشيطان إلى القلب العامر بالإيمان فإذا دافعه الإنسان وقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأخذ الله عز وجل ويمجده وأعرض عن هذا الوساوس زالت عنه والشيطان لا يأتي إلى قلب خراب ليفسده لأن القلب الخراب خراب ويذكر أن ابن مسعود أو ابن عباس رضي الله عنهما جاء إليه

ص: 134

ناس يقولون نحن لا نوسوس في الصلاة فقال ابن عباس أو ابن مسعود وما يصنع الشيطان بقلب خراب؟ معنى هذا أن قلوبهم خربة والقلوب الخربة لا يأتي الشيطان لها لأنها انتهت إلى ما يريده الشيطان إنما يأتي الشيطان للقلوب السليمة المخلصة من أجل أن يلقى عليها الوساوس والشكوك فدع عنك هذه الوساوس والشكوك والتجئ إلى ربك وقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد هو الأول والآخر والظاهر والباطن فسيزول عنك ذلك بإذن الله ففي هذا الحديث بشارة بالخير وهو أن من شهد أن لا إله إلا الله موقنا بها قلبه فليبشر بالجنة

711 -

وعن ابن شماسة قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياقة الموت فبكى طويلا وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول يا أبتاه أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ فأقبل بوجهه فقال إن أفضل ما نعد شهادة لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إني قد كنت على

ص: 135

أطباق ثلاث لقد رأيتني وما أحد أشد بغضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ولا أحب إلي من أن أكون قد استمكنت منه فقتله فلو مت على تلك الحال لكنت من أهل النار فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت ابسط يمينك فلأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي فقال مالك يا عمرو؟ قلت: أردت أن أشترط قال: تشترط ماذا؟ قلت أن يغفر لي قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ وما كان أحد أحب إلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عيني منه وما كنت أطيق أن املأ عيني منه إجلالا به ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه ولو مت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ثم ولينا أشياء ما أدري ما حالي فيها؟ فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار فإذا دفنتموني فشنوا علي التراب شنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ما أرجع به رسل ربي رواه مسلم قوله: شنوا روي بالشين المعجمة وبالمهملة أي: صبوة قليلا قليلا والله سبحانه أعلم

ص: 136

[الشَّرْحُ]

ثم ذكر المؤلف رحمه الله في سياق الأحاديث الواردة في التبشير والتهنئة بالخير حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه تلك القصة العظيمة أنه حضره بعض أصحابه وهو في سياق الموت فبكى بكاء شديدا وحول وجهه نحو الجدار رضي الله عنه وهو في سياق الموت سيفارق الدنيا فقال له ابنه: علام تبكى وقد بشرك النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة؟ فقال: يا بني إني كنت على أطباق ثلاث، أطباق يعني أحوال ومنه قوله تعالى: لتركبن طبقا عن طبق يعني حالا بعد حال ثم ذكر هذه الأطباق الثلاث أنه كان يبغض النبي صلى الله عليه وسلم بغضا شديدا وأنه لم يكن على وجه الأرض أحد يبغضه كما كان يبغضه هو وأنه يود أنه لو تمكن منه فقتله وهذا أشد ما يكون من الكفر حتى ألقى الله الإسلام في قلبه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ابسط يدك فلأبايعك على الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا فمد يده ولكن عمرو بن العاص كف يده، ليس استكبارا ولكن استثباتا لما سيذكره فقال له: مالك قال: يا رسول الله إني أشترط يعني على الإسلام قال: ماذا تشترط أن يغفر لي

ص: 137

هذا أكبر همه رضي الله عنه يشترط أن الله يغفر له ظن أن الله لن يغفر له لما كان له من سابقه في محاربة الدين فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قلبه وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وأن الحج يهدم ما كان قبله ثلاثة أشياء أما الإسلام فإنه يهدم ما كان قبله بنص الكتاب العزيز قال الله عز وجل: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأوَّلِينَ} والهجرة: إذا هاجر الإنسان من بلده التي يعيش فيها وهي بلد كفر هدمت ما قبلها والحج يهدم ما قبله لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه فبايع رضي الله عنه وأحب النبي صلى الله عليه وسلم حبا شديدا حتى كان أحب الناس إليه وحتى أنه لا يستطيع أن يحد النظر فيه جلالا له عليه الصلاة والسلام سبحان مقلب القلوب بالأمس كان يبغضه بغضا شديدا حتى يتمنى أنه يقدر عليه فيقتله والآن ما يستطيع أن يرفع طرفه إليه إجلالا له ولا يستطيع أن يصفه لأنه لا يحيط به

ص: 138

حيث إنه لم يدركه إدراكا جيدا مهابة له صلى الله عليه وسلم يقول رضي الله عنه إنه لو مات على الطبق الأول لكان من أهل النار يقول ولو مت على تلك الحال يعني الطبق الثاني لرجوت أن أكون من أهل الجنة انظر الاحتياط فقد جزم أنه لو مات على الحال الأولى لكان من أهل النار أما الحال الثانية فإنه لشدة خوفه قال لو مت على هذا الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة ولم يقل لكنت من أهل الجنة لأن الشهادة بالجنة أمرها صعب نسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهلها ثم إنه بعد ذلك تولى أمورا رضي الله عنه تولى إمارات وقيادات وحصل ما حصل في قصة حرب معاوية وغيره وكان عمرو بن العاص معروفا أنه من أدهى العرب وأذكى العرب فيقول أخشى من هذا الذي حدث به بعد الطبق الأوسط أن يكون أحاط بعمله ثم أوصى رضي الله عنه أنه إذا مات لا تتبعه نائحة والنائحة هي المرأة التي تنوح على الميت وتبكي عليه بكاء يشبه نوح الحمام وأمر رضي الله عنه إذا دفنوه أن يبقوا عند قبره قدر ما تنحر جذور ويقسم لحمها حتى يراجع رسل ربه وهم الملائكة الذين يأتون إلى الميت إذا دفن إذا دفن الميت فإنه يأتيه ملكان ويجلسانه

ص: 139

في قبره ويسألانه ثلاثة أسئلة يقولان من ربك وما دينك ومن نبيك أما المؤمن الذي ثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة جعلنا الله منهم بمنه وكرمه فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمدا صلى الله عليه وسلم يثبته الله في هذا المقام الضنك أما المنافق والعياذ بالله أو المرتاب الذي عنده الشك فيقول هاها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته لأن الإيمان ما دخل إلى قلبه ولا وقر في قلبه فهو يسمع ويقول لكن نسأل الله العافية لم يلج الإيمان قلبه فيضرب بمرزبة والمرزبة هي المطرقة العظيمة من الحديد يضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولو سمعها الإنسان لصعق ولو يسمع الناس من يعذب في قبره لصعقوا لأنه يصيح صيحة لا نظير لها في الدنيا لأن الصياح في الدنيا مهما كان لا يموت منه أحد لكن هذه صيحة عظيمة ليس لها نظير فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق فأمر عمرو بن العاص رضي الله عنه أهله أن يقيموا عليه قدر ما

ص: 140

تنحر الجزور ويقسم لحمها ليستأنس بهم وهذا يدل على أن الميت يحس بأهله وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا من دفنه قرع النعال الخفي يسمعه الميت إذا انصرفوا من دفنه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن أنه كان إذا دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل فيستحب إذا دفن الميت أن يقف الإنسان على قبره ويقول: اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم ثبته، اللهم اغفر له اللهم اغفر له اللهم اغفر له لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم سلم ثلاثا وإذا دعا ثلاثا نسأل الله تعالى أن تثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة المهم أن ابن عمرو بن العاص قال له: بشرك النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهذا من باب البشارة بالخير والتهنئة به

ص: 141