المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين

- ‌باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير

- ‌باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

- ‌باب حفظ السر

- ‌باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد

- ‌باب المحافظة على ما اعتاده من الخير

- ‌باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم

- ‌باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ

- ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

- ‌باب الوقار والسكينة

- ‌باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

- ‌باب إكرام الضيف

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

- ‌باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب

- ‌باب الاستخارة والمشاورة

- ‌باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها

- ‌باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم

- ‌كتاب أدب الطعام

- ‌باب التسمية في أوله والحمد في آخره

- ‌باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره

- ‌باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

- ‌باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

- ‌باب كراهية الكل متكئا

- ‌باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل

- ‌باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في

- ‌باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه

- ‌باب كراهة النفخ في الشراب

- ‌باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدا

- ‌باب استحباب كون ساقي القوم أخرهم شربا

- ‌باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز

- ‌كتاب اللباس

- ‌باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من

- ‌باب استحباب القميص

- ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

- ‌باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا

- ‌باب استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به

- ‌باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه

- ‌باب جواز لبس الحرير لمن به حكة

- ‌باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها

- ‌باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

- ‌كتاب آداب النوم

- ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

- ‌باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا

- ‌باب أداب المجلس والجليس

- ‌باب الرؤيا وما يتعلق بها

- ‌كتاب السلام

- ‌باب كيفية السلام

- ‌باب آداب السلام

- ‌باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن

- ‌باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌باب السلام على الصبيان

- ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

- ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

- ‌باب ما يدعى به للمريض

- ‌باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌باب ما يقوله من أيس من حياته

- ‌باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوك

- ‌باب تلقين المختصر لا إله إلا الله

- ‌باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت

- ‌باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة

- ‌باب الكف عما يرى من الميت من مكروه

- ‌باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

- ‌باب استحباب تكثير المصلين على الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر

- ‌باب ما يقرأ في صلاة الجنازة

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن

- ‌باب الموعظة عند القبر

- ‌باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له

- ‌باب الصدقة عن الميت والدعاء له

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى

- ‌كتاب آداب السفر

- ‌باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار

- ‌باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه/0

- ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

- ‌باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته

- ‌باب استحباب القدوم على أهله نهارا وكراهته في الليل لغير حاجة

- ‌باب ما يقوله إذا رجع وإذا رأى بلدته

- ‌باب استحباب ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جواره وصلاته فيه ركعتين

- ‌باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌كتاب الفضائل

- ‌باب فضل قراءة القرآن

- ‌باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

- ‌باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع

- ‌باب الحث على سور وآيات مخصوصة

- ‌باب استحباب الاجتماع على القراءة

الفصل: ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

من ذلك على سبيل الخيلاء وكراهته من غير خيلاء

790 -

عن أسماء بنت يزيد الأنصارية رضى الله عنها قالت: كان كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن

791 -

وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقال له أبو بكر: يا رسول الله إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لست ممن يفعله خيلاء رواه البخاري، وروي مسلم بعضه

792 -

وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا متفق عليه

793 -

وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أسفل الكعبين من الإزار

ص: 283

ففي النار رواه البخاري

794 -

وعن أبي ذر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب رواه مسلم وفي رواية له: المسبل إزاره

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث التي ذكرها النووي رحمه الله في (كتاب اللباس) فيها أحاديث تدل على أن أحب الثياب إلى رسول الله القميص وذلك أن القميص أستر من الإزار والرداء وكانوا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام يلبسون الإزار والرداء أحيانا يلبسون القميص وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحب القميص لأنه أستر ولأنه قطعة واحدة يلبسها الإنسان مرة واحدة فهي أسهل من أن يلبس الإزار أولا الرداء ثانيا ولكن مع ذلك لو كنت في بلد يعتادون لباس الأزر والأردية ولبست مثلهم فلا حرج والمهم ألا تخالف لباس أهل بلدك فتقع في

ص: 284

الشهرة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لباس الشهرة وفي هذه الأحاديث أيضا دليل على أن كم القميص يكون إلى الرسغ والرسغ هو الوسط بين الكوع والكرسوع لأن الإنسان له مرفق وهو المفصل الذي بين العضد والذراع وله كوع كرسوع ورسغ فالكوع هو طرف الذراع مما يلي الكف من جهة الإبهام والكرسوع: طرف عظم الذراع مما يلي الكف من جهة الخنصر وأما الرسغ فهو ما بينهما وعلي هذا قول الناظم:

وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي

الخنصر الكرسوع والرسغ ما وسط

وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع

فخذ بالعلم واحذر من الغلط

والعوام إذا أرادوا ضرب المثل بالإنسان الأبله قالوا هذا رجل لا يعرف كوعه من كرسوعه وأكثر الناس يظنون أن الكوع: هو المرفق الذي إليه منتهى الوضوء ولكن ليس كذلك فما عند مفصل الكف من الذراع مما يلي الخنصر هو الكرسوع وما يلي الإبهام فهو الكوع وما بينهما فهو الرسغ والنبي عليه الصلاة والسلام كان قميصه إلى الرسغ ثم ذكر المؤلف حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة رضي الله

ص: 285

عنهما في إسبال الثياب وإسبال الثياب يقع على وجهين الوجه الأول: أن يجر الثوب خيلاء الوجه الثاني: أن ينزل الثوب أسفل من الكعبين من غير خيلاء أما الأول: وهو الذي يجر ثوبه خيلاء فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له أربع عقوبات والعياذ بالله: لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه يعني نظر رحمة ولا يزكيه وله عذاب أليم أربع عقوبات بها المرء إذا جر ثوبه خيلاء ولما سمع أبو بكر بهذا الحديث قال: رسول الله إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعاهده يعني فهل يشملني هذا الوعيد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يضع هذا خيلاء فزكاه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه لا يصنع هذا خيلاء وإنما العقوبة على من فعله خيلاء أما من لم يفعله خيلاء فعقوبته أهون ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ما أسفل من الكعبين ففي النار ولم يذكر إلا عقوبة واحدة ثم هذه العقوبة أيضا لا تعم البدن كله إنما تختص بما فيه المخالفة وهو ما نزل من الكعب فإذا نزل ثوب الإنسان أو مشلحه أو سرواله إلى أسفل من الكعب فإنه

ص: 286

يعاقب على هذا النازل بالنار ولا يشمل النار كل الجسد إنما يكوي بالنار والعياذ بالله بقدر ما نزل ولا تستغرب أن يكون العذاب على بعض البدن الذي حصلت فيه المخالفة فإنه ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أصحابه توضؤا ولم يسبغوا الوضوء فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار فهنا جعل العقوبة على الأعقاب يعني العراقيب التي لم يسبغوا وضوءها فالعقاب بالنار يكون عاما كأن يحرق الإنسان كله بالنار والعياذ بالله ويكون في بعض البدن الذي حصلت فيه المخالفة ولا غرابة في ذلك وبهذا نعرف قول النووي رحمه الله بتحريم الإسبال خيلاء وكراهيته لغير الخيلاء والصحيح أنه حرام سواء أكان لخيلاء أم لغير خيلاء بل الصحيح أنه من كبائر الذنوب لأن كبائر الذنوب كل ذنب جعل الله عليه عقوبة خاصة به وهذا عليه عقوبة خاصة ففيه الوعيد بالنار إذا كان لغير الخيلاء وفيه وعيد بالعقوبات الأربع إذا كان خيلاء لا يكلمه الله يوم القيامة

ص: 287

ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم وختم المؤلف بحديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قرأها ثلاث مرات وإنما فعل النبي عليه الصلاة والسلام هذا من أجل أن ينتبه الإنسان لأن اللفظ إذا جاء مجملا ولا سيما مع التكرار ينتبه له الإنسان حتى إذا جاءه التفصيل والبيان ورد على نفس متشوقة تطلب البيان فقال أبو ذر يا رسول الله خابوا وخسروا من هؤلاء؟ قال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب الأول المسبل: يعني الذي يجر ثوبه خيلاء والثاني المنان: الذي يمن بما أعطى، إذا أحسن إلى أحد بشيء جعل يمن عليه: فعلت بك كذا وفعلت بك كذا والمن من كبائر الذنوب، لأن عليه هذا الوعيد، وهو مبطل الأجر لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى والثالث المنفق سلعته بالحلف الكاذب: يعني الذي يحلف وهو كاذب ليزيد ثمن السلعة فيقول: والله لقد اشتريتها بعشرة وهو لم يشترها إلا بثمانية أو يقول: أعطيت فيها عشرة وهو لم

ص: 288

يعط فيها إلا ثمانية فيحلف على هذا فهذا ممن يستحق هذه العقوبات الأربع لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم نسأل الله العافية

796 -

وعن أبي جري جابر بن سليم رضي الله عنه قال: رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدروا عنه قلت من هذا؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: عليك السلام يا رسول الله مرتين قال: لا تقل عليك السلام، عليك السلام تحية الموتى قل السلام عليك قال: قلت: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر فدعوته كشفه عنك وإذا أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك وإذا كنت بأرض قفر أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك قلت: اعهد لي قال: لا تسبن أحدا قال فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة ولا تحقرن من المعروف شيئا وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك، إن ذلك من المعروف وارفع إزارك إلى نصف الساق فإن أبيت فإلي الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه فإنما وبال ذلك عليه رواه أبو داود والترمذي فإسناد

ص: 289

صحيح وقال الترمذي: حديث حسن صحيح

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله في رياض الصالحين في (كتاب اللباس) عن جابر بن سليم رضي الله عنه أنه قدم المدينة فرأى رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا إلا صدورا عنه يعني أنهم يأخذون بما يقول وبما يوجه لأنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأل من هذا؟ لأنه رجل لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: رسول الله فجاء إليه فقال: أنت رسول الله؟ قال: نعم ولكنه قال: عليك السلام فقدم الخبر فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تقل عليك السلام عليك السلام تحية الموتى ولكن قل السلام عليك ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: عليك السلام تحية الموتى يعني أنهم كانوا في الجاهلية يسلمون على الأموات هكذا كما قال الشاعر

عليك سلام الله قيس بن عامر

ورحمته ما شاء أن يترحم

فكانوا في الجاهلية إذا اسلموا على الأموات يقولون عليك

ص: 290

السلام لكن الإسلام نسخ هذا وصار السلام يقال لمن ابتدئ به السلام عليك حتى الموتى كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرج إليهم إلى المقبرة يسلم فيقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين ولا يقول: عليكم السلام وفي قوله عليه الصلاة والسلام: قل السلام عليك دليل على أن الإنسان إذا سلم على الواحد يقول: السلام عليك وهكذا جاء أيضا في حديث الرجل الذي يسمى المسيء في صلاته أنه جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك بالإفراد وهذا هو الأفضل وقال بعض العلماء: تقول السلام عليكم، تريد بذلك أن تسلم على الإنسان الذي سلمت عليه ومن معه من الملائكة ولكن الذي وردت به السنة أولى واحسن أن تقول: السلام عليك إلا إذا كانوا جماعة فإنك تسلم عليهم بلفظ السلام عليكم ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بين له أنه رسول رب العالمين الذي يكشف الضر ويجلب النفع فإذا ضاعت البعير في فلاة من الأرض فدعوت الله سبحانه وتعالى ردها عليك يقول: وإذا أصابك سنة يعني جدبا في الأرض وعدم نبات فدعوت الله كشفه عنك أنبت الأرض لك وكذلك إذا أصابك الضر فدعوت الله كشفه

ص: 291

عنك كما قال الله تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ فبين له أنه أي الرب عز وجل يجلب لعباده الخير وأنه إذا دعاه عبده لم يخب وهكذا كل دعاء تدعو به ربك فإنك لا تخيب لو لم يأتك من هذا إلا أن الدعاء عبادة تؤجر عليه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لكفى وإذا لم يكن هناك موانع تمنع إجابة الدعاء فإن الله تعالى إما أن يعطيك ما سألت وتراه رأي العين تدعو الله بالشيء فيحصل وإما أن يكشف عنك من الضر ما هو أعظم وإما أن يدخر ذلك لك عنده وإلا فلن يخيب من دعا الله عز وجل أبدا ولكن إياك أن تستبطئ الإجابة فتقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي فإن الشيطان قد يلقي في قلبك هذا ويقول: كم دعوت الله من مرة وما جاءك مطلوب؟ ثم يقنطك من رحمة الله والعياذ بالله وهذه من كبائر الذنوب القنوط من رحمة الله من كبائر الذنوب ولا تقنط من رحمة الله ولو تأخرت إجابة الدعاء فأنت لا تدري ما هو الخير؟ ما أمرك الله تعالى بالدعاء إلا وهو يريد أن يستجيب لك كما قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}

ص: 292

لكنك تستعجل انتظر وألح على الله بالدعاء فربما أن الله عز وجل يؤخر إجابتك لأجل أن تكثر من الدعاء فتزداد حسناتك وتعرف قدر نفسك وتعرف قدر حاجتك إلى الله عز وجل فهذا خير فإياك أن تستعجل وألح على الله في الدعاء والله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء المبالغين فيه لأن الإنسان يدعو من إليه المنتهى عز وجل من بيده ملكوت كل شيء وسواء كان ذلك في صلاتك أو في خلواتك ادع الله بما شئت حتى وأنت تصلي ادع الله بما شئت لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء وقال حين ذكر التشهد ثم ليتخذ من الدعاء ما شاء الله فليس للإنسان أحد سوى الله فليلجأ إليه في كل دقيقة وجليل حتى إنه جاء في الحديث ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع شراك النعل أدني شيء يسأله الله عز وجل لأن السؤال عبادة والتجاء إلى الله عز

ص: 293

وجل وإنابة إليه وارتباط به سبحانه وتعالى يكون قلبك دائما مع الله سبحانه وتعالى فأكثر من الدعاء ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر جابر بن سليم ألا يحقرن من المعروف شيئا كل معروف افعله سواء كان قولا أو فعلا أو جاها أو أي شيء لا تحقر شيئا من المعروف فإن المعروف من الإحسان والله سبحانه وتعالى يحب المحسنين فلو ساعدت إنسانا على تحميل متاعه في السيارة فهذا معروف لو أدنيت له شيئا يحتاج إليه فهذا من المعروف لو أعطيته القلم يكتب به فهذا من المعروف لو أعطيته حافظة من أجل أن يحفظ بها شيئا من الأشياء فهذا من المعروف أحسن فإن الله يحب المحسنين واعلم أن هناك قاعدة إذا ذكرها الإنسان سهل عليه الإحسان وهي ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من قوله: ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته وما ظنك إذا كان الله في حاجتك؟ هل تتعثر الأمور؟ الجواب: لا إذا كان الله في حاجتك يساعدك على حاجتك ويعينك عليها فلا شك أنها سوف تسهل فأنت كلما

ص: 294

كنت في حاجة أخيك كان الله في حاجتك فأكثر من المعروف أكثر من الإحسان ولا تحقرن شيئا ولو كان قليلا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة أي لا تحقر ولو هذا الشيء القليل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم: وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف لما قال: لا تحقرن من المعروف شيئا بين أن من المعروف أن تلقي أخاك بوجه طلق لا معبس ولا مكفهر بل يكون منبسطا وذلك لأن هذا يدخل السرور على أخيك وكل أدخل السرور على أخيك فإنه معروف وإحسان والله يحب المحسنين وهذا لا شك أنه خير إلا أنه في بعض الأحيان قد يكون المرء الذي يخاطبك من المصلحة ألا تلقاه بوجه منبسط كأن يكون قد فعل شيئا لا يحمد عليه فلا تلقه بوجه منبسط تعزيزا له لأجل أن يرتدع ويتأدب ولكل مقام مقال ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يرفع إزاره إلي نصف الساق فإن أبي فإلى الكعبين وهذا يدل على أن رفع الإزار إلى نصف الساق أفضل ولكن لا حرج أن ينزل إلى الكعبين وذلك لأن هذا من باب

ص: 295

الرخصة وليس بلازم أن يرفع الإنسان إزاره إلي نصف الساق أو يرى أن ذلك حتم عليه وأن الذي لا يرفع قد خالف السنة لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: فإن أبيت إلى الكعبين ولم يقل فإن أبيت فعليك كذا وكذا من الوعيد فدل ذلك على أن الأمر في هذا واسع وقد مر علينا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أحد شقي إزاري يسترخي علي إلا أن أتعاهده وقلنا إن هذا يدل على أن إزار أبي بكر رضي الله عنه كان نازلا عن نصف الساق وأن هذا لا بأس به فلا ينبغي للإنسان أن يشدد على نفسه أو على الناس بحيث يرى أنه لزام عليه أن يجعل سرواله أو ثوابه أو (مشلحه) إلى نصف الساق فالأمر في هذا واسع هو سنة ولكن مع ذلك الأمر فيه واسع ولله الحمد بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم ثم حذر النبي صلى الله عليه وسلم جابر بن سليم من المخيلة يعني أن يختال في مشيته أو ثوبه أو عمامته أو (مشلحه) أو كلامه أو أي شيء يفعله خيلاء فإن الله لا يحب ذلك {إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} فالإنسان ينبغي له أن يكون متواضعا دائما في لباسه ومشيته وهيئته وكل أحواله لأن من تواضع لله رفعه الله فهذه الآداب التي علمها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته ينبغي للإنسان أن

ص: 296

يتأدب بها لأنه يحصل على أمرين أولا: امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} ثانيا: التحلي بحسن الخلق من خلال التأدب بهذه الآداب الراقية التي لا يستطيع أحد من البشر أن يوجه الناس إلى آداب مثلها أبدا لأن الآداب التي جاء بها الشرع هي خير الآداب ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فإنما وبال ذلك عليه وذلك أن الإنسان ينبغي له أن يعفو ويصفح ولا يجعل كل كلمة يسمعها مقياسا له في الحكم على الناس تغاض عن الشيء واعف واصفح فإن الله تعالى يحب العافين عن الناس ويثيبهم على ذلك وأنت إذا عيرته أو سببته بما تعلم فيه طال النزاع وربما حصل بذلك العداوة والبغضاء فإذا كففت وسكت هدأت الأمور وهذا شيء مجرب أن الإنسان إذا ساب أحدا قد سبه طال السباب بينهما وحصل تفرق وتباغض وإذا سكت فإنه قد يكون أنفع كما قال الله تبارك وتعالى في وصف عباد الرحمن {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} يعني قالوا قولا يسلمون به إما

ص: 297

أن يقولوا مثلا: جزاك الله خيرا أعرض عن هذا اترك الكلام وما أشبه ذلك وال الله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} {خذ العفو} يعني ما عفى وسهل من أخلاق الناس ولا ترد من الناس أن يكونوا على أكمل حال بالنسبة لك الناس ليسوا على هواك لكن خذ منهم ما عفى وما سهل وما صعب فلا تطلبه ولهذا قال: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الجاهل إذا سابك أو شتمك أو ما أشبه ذلك فأعرض عنه فإن هذا هو الخير وهو المصلحة والمنفعة

797 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما رجل يصلي مسبل إزاره قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ فذهب وتوضأ ثم جاء، فقال اذهب وتوضأ فقال له رجل: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟ قال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم

ص: 298

[الشَّرْحُ]

في الأحاديث السابقة بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من جر ثوبه خيلاء لا ينظر الله إليه ولا يكلمه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذاب أليم وأن ما أسفل من الكعبين ففي النار وبينا أن هذا من كبائر الذنوب وأنه لا يحل للإنسان أن يلبس ثوبا نازلا عن الكعب وأما ما كان على حذاء الكعب يعني على وزن الكعب فلا بأس به وكذلك ما ارتفع إلى نصف الساق فما بين نصف الساق إلى الكعب كله من الألبسة المرخص فيها والإنسان في حل وفي سعة إذا لبس إزارا أو سروالا أو قميصا أو (مشلحا) يكون فيما بين ذلك وأما ما نزل عن الكعب فحرام بكل حال بل هو من كبائر الذنوب ثم اختلف العلماء رحمهم الله فيما لو صلى الإنسان وهو مسبل يعني قد نزل ثوبه أو سرواله أو إزاره أو (مشلحه) الذي يستر ولا يشف اختلف في هذا أهل العلم هل تصح صلاته أو لا تصح؟ فمن العلماء من قال إنها لا تصح صلاته لأنه لبس ثوبا محرما والله سبحانه وتعالى إنما أباح لنا أن نلبس ما أحل لنا فإن قوله: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ

ص: 299

يعني ثيابكم يريد بها ما أباح لنا وما أحله لنا وأما ما حرمه علينا فلسنا مأمورين به بل نحن منهيون عنه واستدل الذين يقولون: إن الله لا يقبل صلاته إذا أسبل بهذا الحديث الذي ذكره المؤلف عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مسبلا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم رجع فقال: اذهب فتوضأ ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله مالك أمرته أن يتوضأ؟ قال: إنه يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله لا يقبل صلاة مسبل وهذا نص صريح في أن الله لا يقبل صلاة المسبل يعني فتكون صلاته فاسدة ويلزم بإعادتها والمؤلف يقول رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم ولكن هذا فيه نظر فإن الحديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصحيح من أقوال العلماء أن صلاة المسبل صحيحة ولكنه آثم ومثل ذلك أيضا من لبس ثوبا محرما عليه كثوب سرقه الإنسان فصلى به أو ثوب فيه تصاوير فيه صليب مثلا أو فيه صور حيوان فكل هذا يحرم لبسه في الصلاة وفي خارج الصلاة فإذا صلى الإنسان في مثل هذا فالصلاة صحيحة لكنه آثم بلبسه هذا هو القول الراجح في هذه المسألة لأن النهي هنا ليس نهيا خاصا بالصلاة فلبس الثوب المحرم عام في الصلاة وغيرها فلا

ص: 300

يختص بها فلا يبطلها هذه هي القاعدة التي أخذ بها جمهور العلماء رحمهم الله وهي القاعدة الصحيحة وهذا الحديث لو صح لكان فاصلا للنزاع لكنه ضعيف فمن ضعفه قال صلاة المسبل صحيحة ومن صححه قال صلاة المسبل غير صحيحة وعلى كل حال فإن الإنسان يجب عليه أن يتقي الله عز وجل وألا يتخذ من نعمته وسيلة لغضبه والعياذ بالله فإن من بارز الله بالعصيان وقيل له: إن الثواب النازل عن الكعب حرام ومن كبائر الذنوب ولكنه لم يبال بهذا فهذا استعان بنعمة الله على معصية الله نسأل الله العافية

798 -

وعن قيس بن بشر التغلبي قال أخبرني أبي وكان جليسا لأبي الدرداء قال كان بدمشق رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له سهل ابن الحنظلية وكان رجلا متوحدا قلما يجالس الناس إنما هو صلاة فإذا فرغ هو تسبيح وتكبير حتى يأتي أهله فمر بنا ونحن عند أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقدمت فجاء رجل منهم فجلس في المجلس الذي يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل إلى جنبه لو رأيتنا حين التقينا نحن

ص: 301

والعدو فحمل فلان فطعن فقال: خذها مني وأنا الغلام الغفاري كيف ترى في قوله؟ قال: ما أراه إلا قد بطل أجره فسمع بذلك آخر فقال: ما أرى بذلك بأسا، فتنازعا حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سبحان الله؟ لا بأس أن يؤجر ويحمد فرأيت أبا الدرداء سر بذلك وجعل يرفع رأسه إليه ويقول: أأنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: نعم فما زال يعيد عليه حتى إني لأقول ليبركن على ركبتيه قال فمر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها ثم مر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره فبلغ ذلك خريما فعجل فأخذ شفرة فقطع بها جمته إلى أذنيه ورفع إزاره إلى أنصاف ساقيه ثم مر بنا يوما آخر فقال له أبو الدرداء كلمة تنفعنا ولا تضرك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش

ص: 302

رواه أبو داود بإسناد حسن إلا قيس بن بشر فاختلفوا في توثيقه وتضعيفه وقد روي له مسلم

[الشَّرْحُ]

في هذا الحديث الذي ذكره المؤلف في قصة ابن الحنظلة رضي الله عنه عبر وفوائد حيث كان رجلا يحب التفرد ما هو إلا صلاة ثم تسبيح ثم في شأن أهله يعني أنه لا يحب أن يذهب عمره سدي مع الناس في القيل والقال والكلام الفارغ الذي ليس فيه فائدة يصلي ويسبح ويكون في أهله فمر ذات يوم بأبي الدرداء رضي الله عنه وهو جالس مع أصحابه فقال له أبو الدرداء رضي الله عنه كلمة تنفعنا ولا تضرك يعني أعطنا كلمة أو قل لنا كلمة تنفعنا ولا تضرك فذكر ابن الحنظلية أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث سرية ثم قدمت السرية والسرية يعني الجيش القليل أقل من أربعمائة نفر، يذهبون يقاتلون الكفار إذا لم يسلموا فقدموا إلى النبي عليه الصلاة والسلام فجلس أحدهم في المكان الذي يجلس فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، وجعل يتحدث عن السرية وما صنعته وذكر رجلا راميا يرمي ويقول: خذها وأنا الغلام الغفاري يفتخر

ص: 303

والحرب لا بأس أن الإنسان يفتخر فيها أمام العدو ولهذا جاز للإنسان في مقابلة الأعداء أن يمشي الخيلاء وأن يتبختر في مشيته وأن يضع على عمامته ريش النعام وما أشبه ذلك مما يعد مفخرة لأن هذا يغيظ الأعداء وكل شيء يغيظ الكفار فلك فيه أجر عند الله حتى الكلام الذي يغيظ الكافر ويذله هو عز لك عند الله عز وجل وأجر هذا الغلام الغفاري كان يفتخر ويقول خذها يعني خذ الرمية وأنا الغلام الغفاري فقال بعض الحاضرين بطل أجره لأنه افتخر إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وهذا صحيح أن الله لا يحب كل مختال فخور إلا في الحرب فقال الآخر لا بأس في ذلك فصار بينهم كلام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يتنازعون فقال: سبحان الله يعني تنزيها لله عز وجل عن كل عيب ونقص لأن الله تعالى كامل الصفات من كل وجه ليس في علمه قصور ولا في قدرته قصور ولا في حكمته قصور ولا في عزته قصور كل صفاته جل وعلا كاملة من جميع الوجوه قال: سبحان الله يعني كيف تتنازعون في هذا؟ لا بأس أن يحمد ويؤجر يعني يجمع الله له بين خيري الدين والدنيا يحمد بأنه رجل شجاع رام وأنه يؤجر عند الله عز وجل فلا بأس في هذا

ص: 304

وكان عامر بن الأكوع رضي الله عنه لما لحق القوم في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فلا بأس أن يفتخر الإنسان في حال الحرب بنفسه وقوته وعشيرته وما أشبه ذلك ومر ابن الحنظلية بأبي الدرداء يوما آخر فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضرك يعني كلمة تنفعنا ولا تضرك فأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المنفق على الخيل كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها لأن الخيل في ذلك الوقت هي المركوب الذي يركب به في الجهاد في سبيل الله والمنفق عليها كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها فيكون الإنفاق على الخيل من الصدقات لأنها تستعمل في الجهاد في سبيل الله ثم مر به مرة آخرى فقال: كلمة تنفعنا ولا تضرك فأخبره أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أثنى على رجل إلا أنه قال: لولا طول جمته وإسبال إزاره الجمة: الشعر يعني أنه عنده شيء من الخيلاء هذا الرجل قد أطال شعره وأطال ثوبه، فسمع الرجل بذلك فقص جمته حتى صارت إلى كتفه وقصر ثوبه

ص: 305

وفي هذا: دليل على أن طول الجمة يعني الشعر للرجال من المخيلة وأن الشعر للرجل لا يتجاوز الكتف أو شحمة الأذن أو ما أشبه ذلك لأن الذي يحتاج إلى التجمل بالرأس هي المرأة فإن المرأة هي التي تحتاج إلى التجمل وفي هذا إشارة إلى أن الرجل لا يجوز لهم أن يتشبهوا بالنساء في الشعر أو غير الشعر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال والله سبحانه وتعالى جعل الذكور جنسا والإناث جنسا وأحل لكل واحد منهما ما يناسبه فلا يجوز أن يلحق الرجال بالنساء ولا أعلم أن أحدا من المسلمين ألحق النساء بالرجال في كل شيء لكن الكفار الذين انتكسوا ونكس الله فطرتهم وطبيعتهم هم اللذين يقدمون النساء ويقولون لابد أن تشارك المرأة الرجل حتى لا يحصل فرق ولا شك أن هذا خلاف الفطرة التي جبل الله عليها الخلق وخلاف الشريعة التي جاءت بها الرسل فالنساء لهن خصائص والرجال لهم خصائص ثم إن الرجل سمع ذلك فقص جمته وفيه دليل على امتثال

ص: 306

الصحابة رضي الله عنهم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم واسترشادهم بإرشاده وأنهم كانوا يتسابقون إلي تنفيذ ما يقول وهذا علامة الإيمان أما المتباطئ في تنفيذ أمر الله ورسوله، فإن فيه شبها من المنافقين الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، تجده مثلا يخبر عن حكم الله ورسوله في شيء، ثم يتباطأ ويتثاقل وكأنما وضع رأسه صخرة والعياذ بالله ثم يذهب إلى كل عالم لعله يجد رخصة مع أن العلماء قالوا إن تتبع الرخص من الفسق والعياذ بالله والمتتبع للرخص فاسق حتى إن بعضهم قال: إن من تتبع الرخص فقد تزندق أي صار زنديقا فعلى الإنسان إذا بلغه أمر الله ورسوله من شخص يثق به في علمه وفي دينه ألا يتردد، وأقول في علمه ودينه لأن من الناس من هو دين ملتزم متق لكن ليس عنده علم، تجده يحفظ حديثا من أحاديث الرسول ثم يقوم يتكلم في الناس وكأنه إمام من الأئمة، وهذا يجب الحذر منه ومن فتاواه، لأنه قد يخطئ كثيرا لقلة علمه ومن الناس من يكون عنده علم واسع لكن له هوى والعياذ بالله، يفتي الناس بما يرضى الناس لا بما يرضي الله، وهذا يسمى عالم الأمة.

فالعلماء ثلاثة أقسام: عالم دولة، وعالم أمة.

ص: 307

أما عالم الملة: فهو الذي ينشر دين الإسلام، ويفتي بدين الإسلام عن علم، ولا يبالي بما دل عليه الشرع أوافق أهواء الناس أم لم يوافق.

وأما عالم الدولة: فهو الذي ينظر ماذا تريد الدولة فيفتي بما تريد الدولة، ولو كان في ذلك تحريف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأما عالم الأمة: فهو الذي ينظر ماذا يرضى الناس، إذا رأى الناس على شيء أفتي بما يرضيهم، ثم يحاول أن يحرف نصوص الكتاب والسنة من أجل موافقة أهواء الناس نسأل الله أن يجعلنا من علماء الملة العاملين بها فالمهم أن الإنسان يجب عليه ألا يغرر بدينه وألا يغتر، بل يكون مطمئنا حتى يجد من يثق به في علمه ودينه ويأخذ دينه منه كما قال أحد السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم.

فهذا العلم دين وطريق إلى الله عز وجل، ثم إن هؤلاء المغرمين بالكفار، وتقليدهم والعياذ بالله تجدهم يقلدون الكفار في الملابس، فإذا جاءت هذه المجلات التي يسمونها البردة وغيرها اشتروها مباشرة وذهبوا بها إلى أهل البيت، وقالوا: انظروا إلى هذه الملابس، فتجد صورا خليعة وألبسه مخالفة للشريعة، والنساء

ص: 308

لقصرهن نظرا ونقصهن عقلا ودينا، إذا رأت شيئا يعجبها يمليه عليها هواها قالت لزوجها: أريد مثل هذا، أو ذهبت بنفسها إلى الخياط ليصنع لها مثل هذه الألبسة الفاضحة فيصبح الشعب المسلم في زيه كزي الشعب الكافر والعياذ بالله، وهذه مسألة خطيرة قال صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم ومن ذلك الآن ما تفعله النساء برؤوسهن، كان النساء إلى عهد قريب تفرح المرأة إذا طال شعرها، والخاطب إذا خطب امرأة كان يسأل عن شعرها أطويل هو أم قصير؟ أما الآن فصار الأمر بالعكس المرأة تقص رأسها حتى يكون قريبا من رأس الرجل أو مثل رأس الرجل نسأل الله العافية.

ثم بدأن أيضا بستعملن ما يسمى بالخنفسة، تجد المرأة تقص سوالف رأسها مقدم الرأس والباقي يبقى مقصرا مشرفا، كل هذا تقليد، كل هذا بسبب الغفلة من الرجال عن النساء، والواجب أن تكون رجلا في بيتك، رجلا بمعنى الكلمة في تكون كأنك خشبة عند أهلك.

إذا رأيت أهلك مقصرين في واجب لله عز وجل مرهم به، وإذا كان الشرع يجيز لك أن تضرب فاضرب، إذا رأيتهم يخالفون الشرع في شيء من الأمور الأخرى فألزمهم بالشرع، لأنك مسئول أعطاك النبي صلى الله عليه وسلم إمارة على أهلك الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ما نصبك فلان وفلان ما نصبك أمير البلد ولا الوزير ولا الملك ولا غيره نصبك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 309

فأنت أمير في بيتك الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته، ولم يقل: راع وسكت، ولو كان كذلك لهان الأمر لكن قال: ومسئول عن رعيته فانظر ماذا يكون جوابك إذا وقفت يوم القيامة بين يدي الله فعلينا أن ننتبه إلى هذه الأمور قبل أن يجترفنا السيل الجرار الذي لا يبقى ولا يذر والعياذ بالله ثم تنقلب عاداتنا وأحوالنا كأحوال النصارى ثم ذكر في بقية الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهم إلى أن يخرج الرجل على وجه يرضي قال: إنكم قادمون على إخوانكم يعني فاصلحوا أحوالكم واصلحوا ثيابكم لأنه من المعروف فيما سبق أن المسافر تكون ثيابه رثة ويكون شعره شعثا ويكون عليه الغبار، ليس الأمر كاليوم فاليوم تسافر بالطائرات نظيفة ونزيهة وليس فيها شيء لكن فيما سبق كان الأمر على العكس من هذا فأمرهم أن يصلحوا أحوالهم يعني الشعر الشعث

ص: 310

يرجل ويصلح وكذلك يتنظف الإنسان ويلبس الثياب التي ليست ثياب سفر حتى لقي الناس دون أن يشمئزوا منه.

وفي هذا: إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يلاحظ نفسه في هذه الأمور ولا يكون غافلا حتى جمال الثياب فإنه لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة خردل من كبر قالوا: يا رسول الله كلنا يجب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله جميل يحب الجمال يعني يحب التجمل، ليكن ثوبك حسنا ونعلك حسنا وهيئتك حسنة إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس بطر الحق يعني رد الحق أن الإنسان يستكبر عن الحق يقال: هذا حق فيعرض والعياذ بالله وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم وألا يراهم شيئا قال رجل لابنه يا بني كيف ترى الناس؟ قال: أراهم ملوكا قال هم يرونك كذلك وقال آخر لابنه: كيف ترى الناس قال: لا أراهم شيئا قال: هم كذلك يرونك يعني إذا رأيت الناس ملوكا فهم يجعلونك ملكا وإذا لم ترهم شيئا لا تكون أنت شيئا عندهم فالناس ينظرون إليك بقدر ما تنظر إليهم

ص: 311

799 -

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إزارة المسلم إلى نصف الساق، ولا حرج أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه رواه أبو داود بإسناد صحيح

800 -

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزارى استرخاء فقال: يا عبد الله ارفع إزارك فرفعته ثم قال: زد فزدت، فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: إلى أنصاف الساقين رواه مسلم.

801 -

وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن، قال: يرخين شبرا قالت: إذن تنكشف أقدامهن قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 312

[الشَّرْحُ]

هذه أحاديث ثلاثة ساقها النووي رحمه الله في رياض الصالحين في (كتاب اللباس) منها: حديث أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إزارة المسلم إلى نصف الساق، ولا جناح، أو قال: لا حرج فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه فقسم النبي صلى الله عليه وسلم طول القميص إلى أربعة أقسام: القسم الأول: السنة إلى نصف الساق.

والقسم الثاني: الرخصة: وهو ما نزل من نصف الساق إلى الكعب والقسم الثالث: كبيرة من كبائر الذنوب وهو ما نزل عن الكعبين ولكنه لم يكن بطرا القسم الرابع: من جر ثوبه خيلاء أو بطرا وهو أشد من الذي قبله فصارت الأقسام أربعة: قسم هو السنة وقسم جائز وقسم محرم بل من كبائر الذنوب لكنه دون الذي بعده، والقسم الرابع من جره خيلاء، فإن الله تعالى لا ينظر إليه وفي هذا: دليل على أن من أنزل ثوبه إزارا أو قميصا أو سروالا

ص: 313

أو (مشلحا) إلى أسفل من الكعبين فإنه قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب سواء فعل ذلك خيلاء أو لغير الخيلاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق في هذا الحديث بين ما كان خيلاء وما لم يكن كذلك فالذي جعله خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة وإذا ضممنا هذا الحديث إلى حديث أبي ذر السابق قلنا: لا ينظر الله إليه ولا يكلمه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم.

أما ما دون الكعبين، فإنه يعاقب عليه بالنار فقط، ولكن لا تحصل له العقوبات الأربع ثم ذكر حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره أن يرفع إزاره، فرفعه ثم قال: زد ثم قال: زد: حتى قال رجل: إلى أين يا رسول الله؟ قال: إلى أنصاف الساقين يعني الزيادة إلى فوق لا تتجاوز نصف الساق من فوق، لكنها من نصف الساق إلى الكعب كل هذا جائز، وكلما ارتفع نصف الساق فهو أفضل.

وأما حيث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للنساء أن يرخين ذيولهن يعني أسفل ثيابهن إلى شبر، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، فقال عليه الصلاة والسلام: فيرخينه ذراعا لا يزدن لأن المرأة قدمها عورة، فإذا برز للناس ورأوه فإن ذلك قد

ص: 314

يكون فيه فتنة فإذا نزلت ثوبها وجعلت تمشي سترت قدمها وفي هذا: دليل على وجوب تغطية الوجه، لأنه إذا كانت القدم يجب سترها مع أن الفتنة فيها أقل من الفتنة في الوجه فستر الوجه من باب أولى، ولا يمكن للشريعة التي نزلت من لدن حكيم خبير أن تقول للنساء يغطين أقدامهن ولا يغطين وجوههن، لأن هذا تناقض، بل هذا إعطاء للحكم في شيء وحجب الحكم عن شيء أولى منه، وهذا لا يتصور في الشريعة العادلة هي الميزان، ولهذا جانب الصواب من قال من العلماء إنه يجب أن تستر القدمان ولا يجب أن يستر الوجه والعينان، هذا لا يمكن أبدا، والصواب الذي لا شك فيه عندنا فيه، أنه لا يحل للمرأة أن تكشف وجهها إلا لزوجها أو محارمها

ص: 315