المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب السلام /0L2 باب فضل السلام والأمر بإفشائه قال الله تعالى: {يا - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين

- ‌باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير

- ‌باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

- ‌باب حفظ السر

- ‌باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد

- ‌باب المحافظة على ما اعتاده من الخير

- ‌باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم

- ‌باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ

- ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

- ‌باب الوقار والسكينة

- ‌باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

- ‌باب إكرام الضيف

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

- ‌باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب

- ‌باب الاستخارة والمشاورة

- ‌باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها

- ‌باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم

- ‌كتاب أدب الطعام

- ‌باب التسمية في أوله والحمد في آخره

- ‌باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره

- ‌باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

- ‌باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

- ‌باب كراهية الكل متكئا

- ‌باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل

- ‌باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في

- ‌باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه

- ‌باب كراهة النفخ في الشراب

- ‌باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدا

- ‌باب استحباب كون ساقي القوم أخرهم شربا

- ‌باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز

- ‌كتاب اللباس

- ‌باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من

- ‌باب استحباب القميص

- ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

- ‌باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا

- ‌باب استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به

- ‌باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه

- ‌باب جواز لبس الحرير لمن به حكة

- ‌باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها

- ‌باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

- ‌كتاب آداب النوم

- ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

- ‌باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا

- ‌باب أداب المجلس والجليس

- ‌باب الرؤيا وما يتعلق بها

- ‌كتاب السلام

- ‌باب كيفية السلام

- ‌باب آداب السلام

- ‌باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن

- ‌باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌باب السلام على الصبيان

- ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

- ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

- ‌باب ما يدعى به للمريض

- ‌باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌باب ما يقوله من أيس من حياته

- ‌باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوك

- ‌باب تلقين المختصر لا إله إلا الله

- ‌باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت

- ‌باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة

- ‌باب الكف عما يرى من الميت من مكروه

- ‌باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

- ‌باب استحباب تكثير المصلين على الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر

- ‌باب ما يقرأ في صلاة الجنازة

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن

- ‌باب الموعظة عند القبر

- ‌باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له

- ‌باب الصدقة عن الميت والدعاء له

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى

- ‌كتاب آداب السفر

- ‌باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار

- ‌باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه/0

- ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

- ‌باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته

- ‌باب استحباب القدوم على أهله نهارا وكراهته في الليل لغير حاجة

- ‌باب ما يقوله إذا رجع وإذا رأى بلدته

- ‌باب استحباب ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جواره وصلاته فيه ركعتين

- ‌باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌كتاب الفضائل

- ‌باب فضل قراءة القرآن

- ‌باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

- ‌باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع

- ‌باب الحث على سور وآيات مخصوصة

- ‌باب استحباب الاجتماع على القراءة

الفصل: ‌ ‌كتاب السلام /0L2 باب فضل السلام والأمر بإفشائه قال الله تعالى: {يا

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين كتاب السلام والسلام يريد به التحية التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته والسلام بمعنى الدعاء بالسلامة من كل آفة، فإذا قلت لشخص: السلام عليك فهذا يعني أنك تدعو له بأن الله يسلمه من كل آفة: يسلمه من المرض من الجنون، يسلمه من شر الناس، يسلمه من المعاصي وأمراض القلوب، يسلمه من النار فهو لفظ عام معناه الدعاء للمسلم عليه بالسلامة من كل آفة.

وكان الصحابة رضي الله عنهم من محبتهم لله عز وجل كانوا يقولون في صلاتهم السلام على الله من عباده السلام على جبريل السلام على فلان وفلان فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا السلام على الله، السلام على عباده وقال إن الله هو السلام يعني السالم من كل عيب ونقص جل وعلا فلا حاجة أن تثنوا عليه بالدعاء بأن يسلم نفسه ثم قال لهم قولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم ذلك سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض

ص: 380

ولا أدري هل نحن نستحضر هذا إذا قلنا في الصلاة: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ لا أدري هل نحن نستحضر أننا نسلم على أنفسنا، السلام علينا وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض يعني نسلم على الأنبياء نسلم على الصحابة نسلم على التابعين لهم بإحسان، نسلم على أصحاب الأنبياء كالحواريين أصحاب عيسى والذين اختارهم موسى عليه الصلاة والسلام سبعين رجلا وغير ذلك هل نحن نستحضر أننا نسلم على جبريل وعلى ميكائيل وعلى إسرافيل وعلى مالك خازن النار وعلى خازن الجنة وعلى جميع الملائكة لا أدري هل نحن نستحضر هذا أم لا؟ إن كنا لا نستحضر فيجب أن نستحضر ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إنكم إذا قلتم ذلك سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض.

والسلام مشروع بين المسلمين، مأمور بإفشائه قال النبي صلى الله عليه وسلم والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم يعني أظهروه أعلنوه وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إن إفشاء السلام بين الناس من أسباب المحبة، ولذلك إذا لاقاك رجل ولم يسلم عليك كرهته وإذا

ص: 381

سلم عليك أحببته وإن لم يكن بينك وبينه معرفة ولهذا كان من حسن الإسلام أن تفشي السلام أن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله آيات من كتاب الله منها: 1 - أن السلام من سنن الرسل والملائكة أيضا، فهؤلاء الملائكة الذين جاءوا إبراهيم عليه الصلاة والسلام إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام ذكر علماء النحو أن إجابة إبراهيم أكمل من سلام الملائكة لأن الملائكة قالوا سلاما بالنصب وهو مصدر منصوب لفعل محذوف والتقدير نسلم سلاما؟ فالجملة فعلية وهي لا تدل على الدوام والثبوت أما رد إبراهيم فقال: سلام أي عليكم سلام فهي جملة اسمية تدل على الثبوت فرده أكمل ولهذا يعتبر رد إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الرد الأكمل الذي قال الله عز وجل فيه {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} فتبين من هذا أن السلام من سنن الرسل السابقين وأنه أيضا من عمل الملائكة المقربين.

2 -

ثم ذكر المؤلف أيضا آيات تدل على ذلك {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون}

ص: 382

فإذا أردت أن تدخل بيتا لا تدخل إذا لم يكن بيتك حتى تستأنس وتسلم ما معنى الأنس يعني حتى لا يكون في قلبك وحشة لأن الإنسان إذا دخل بيت غيره بدون استئذان استوحش، وإذا دخل باستئذان فهو مستأنس وفي قراءة أخرى تستأذنوا لكن السبعية {حتى تستأنسوا} وهي أعم لأن قوله {تستأنسوا} يشمل ما إذا استأنس الإنسان بإذن من صاحب البيت أو استأنس الإنسان بإذن سابق.

مثلا قال له: ائتني الساعة الرابعة والنصف وتجد الباب مفتوحا فإذا جئت في الموعد ووجدت الباب مفتوحا فلا حاجة لأن أستأذن لأبي الآن مستأنس أم مستوحش؟ مستأنس لأن عندي إذنا مسبقا فقراءة حتى تستأنسوا هي الصحيحة يعني هي أشمل من قراءة حتى تستأذنوا وأيضا هي السبعية.

وقوله: {وتسلموا على أهلها} أيضا تسلم على أهل البيت السلام عليكم أأدخل؟ وإذا دخلت بيتك فلا حاجة للاستئذان لأنه بيتك ولكن تسلم على أهلك وابدأ بالسواك قبل السلام على أهلك فإذا وصلت أهلك قل: السلام عليكم هذه هي السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3 -

قوله تعالى {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ

ص: 383

دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون} {هل أتاك} مثل هذه الصيغة يراد بها التشويق يعني أن الله عز وجل ذكرها بصيغة الاستفهام تشويقا للمخاطب ومن المعلوم أن الإنسان يقول لم يأتني لأنها ماض وقد سبق الكلام عن هذه الآية أيضا أما قوله {قوم منكرون} يعني أنتم قوم منكرون أيس لا أعرفكم وليس المعنى أنه من المنكر الذي هو الحرام لكنه من المنكر الذي هو غير معروف يعني أنا لا أعرفكم 4 - قوله تعالى {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون} {فسلموا على أنفسكم} يعني على من فيها وجعلهم من أنفسهم لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا فهو كقوله تعالى {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم} فالمعنى إذن سلموا على من فيها لأنكم أنتم وإياهم نفس واحدة

ص: 384

والنفس قد تطلق على الغريب كما ذكرنا {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} وكذلك قوله تعالى {ولا تلمزوا أنفسكم} يعني لا يلمز بعضكم بعضا وليس المعنى أن الإنسان يلمز نفسه المهم أنك إذا دخلت بيتا فسلم على من فيه قل: السلام عليكم وهم يجب عليهم أن يردوا السلام وقد سبق أن السنة إذا دخلت بيتك أن أول ما تبدأ به أن تتسوك ثم تسلم على أهل البيت {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا} فأمر الله سبحانه وتعالى إذا حيينا بتحية أن نحيي بأحسن منها أو نردها يعني نرد مثلها فمثلا إذا قال لك إنسان (السلام عليك) فقل (عليك السلام) ولا تنقص وإذا قال (السلام عليك ورحمة الله) فقل (عليك السلام ورحمة الله) وإذا قال (السلام عليك ورحمة الله وبركاته) فقل (عليك السلام ورحمة الله وبركاته) وجوبا لأن الله قال {أو ردوها} وإذا قال (السلام عليك) فقلت (وعليك السلام ورحمة الله) فهذا أحسن من الأول وأفضل لكنه ليس بواجب الواجب أن ترد عليه بمثل ما سلم عليك

ص: 385

وقوله سبحانه {بأحسن منها} يشمل الأحسن نوعا والأحسن كما والأحسن كيفية فمثلا إذا قال السلام عليك فقلت أهلا ومرحبا بأبي فلان حياك الله وبياك تفضل فهذا لا يجزئ ولو قلته ألف مرة لن ينفع وكنت آثما لأنك لم ترد بأحسن ولا بالمثل فهو عندما قال السلام عليك يدعو لك بالسلام مع التحية فإذا قلت أهلا ومرحبا فهذه تحية بلا دعاء فلابد أن تقول أحسن منها نوعا أحسن منها كما أو مثلها وإذا قال: السلام عليك ورحمة الله فقلت عليك السلام فهذا لا يجوز لأنك ما رددت بأحسن ولا بالمثل لابد أن تقول كما قال كذلك أحسن منها كيفية فإذا سلم عليك بصوت واضح مرتفع لا ترد عليه بطرف أنفك ومن ذلك أيضا: إذا سلم عليك وقد أقبل إليك بوجهه فسلمت عليه معرضا عنه مصعرا خدك له فهذا أيضا نقص لم تردها ولم ترد بأحسن منها وظاهر هذه الآية الكريمة أنه لو حياك رجل من الكفار قال السلام عليك بعبارة واضحة فقلت وعليك السلام فلا بأس بها لأنك رددت بالمثل وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليكم أهل الكتاب

ص: 386

فقولوا وعليكم يعني لا تقولوا وعليكم السلام فإنه بين سبب ذلك في نفس الحديث فقال إن اليهود إذا سلموا يقولون السلام عليكم يعني يدعون عليكم بالموت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا وعليكم أي وعليك أنت أيضا السام فيفهم من هذا الحديث أنهم لو قالوا السلام عليكم فإننا نقول وعليكم السلام ولا بأس لأن الله قال {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} والله الموفق

845 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف متفق عليه

ص: 387

[الشَّرْحُ]

سبق الكلام على الآيات التي ذكرها المؤلف رحمه الله في هذا الباب ثم ذكر الأحاديث ومنها: 1 - حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الإسلام خير؟ والصحابة رضي الله عنهم إذا سألوا الرسول في مثل هذه الأسئلة لا يريدون مجرد العلم وإنما يريدون العمل فإذا قال الإسلام كذا وكذا فعلوه وتسابقوا إليه وهكذا ينبغي للسائل الذي يسأل العالم ويستفتيه أن ينوي بقلبه أنه إذا دله على الخير فعله كما كان دأب الصحابة لا يريد أن ينظر ماذا عند العالم فقط فقال النبي صلى الله عليه وسلم تطعم الطعام يعني من احتاج إليه وأول من يلزمك إطعام هم عائلتك وإطعامهم صدقة وصلة وأفضل من إطعام الأباعد لأن إطعام أهلك قيام بواجب وإطعام الأباعد قيام بمستحب والواجب أحب إلى الله من المستحب كما في الحديث القدسي ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت

ص: 388

عليه وبعض الناس ينفق على أهله ما ينفق ولكنه لا يشعر بأنه يتقرب إلى الله بهذا الإنفاق ولو جاءه مسكين وأعطاه ريالا واحدا يشعر بأنه متقرب إلى الله بهذه الصدقة ولكن الصدقة الواجبة على الأهل أفضل وأكثر أجرا فإذا أطعمت الطعام لأهلك فهذا من خير الإسلام وتقرأ السلام وهذا هو الشاهد وتقرأ السلام يعني تقول السلام عليك ويسمى قراءة السلام وإلقاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف لا يكن سلامك سلام معرفة بل يكن سلامك سلام مثوبة وإلفة لأن المسلم يثاب على سلامة ويحصل بسلامه التأليف كما قال النبي عليه الصلاة والسلام والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم أما من لا يسلم إلا سلام معرفة فسوف يفوته خير كثير لأنه ربما مر به العشرات لا يعرف منهم إلا واحدا أما من يسلم سلام مثوبة وإلفة فهو يسلم على من عرف ومن لم يعرف إلا إذا كان الذي مررت به كافرا فلا تسلم عليه لأن النبي

ص: 389

صلى الله عليه وسلم قال لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام وغيرهم أخبث منهم مثل السيخ والمشركين والشيوعيين ومن شابههم فلا تقرأ عليهم السلام ولا تسلم عليهم وكذلك الفاسق المعلن بفسقه إذا كان في ترك السلام عليه مصلحة وهو أنك إذا لم تسلم عليه تاب من فسقه ورجع إلى الله أما إذا لم يكن هناك مصلحة وأن الأمر بالنسبة له سيان سلمت أو لم تسلم وكان عدم سلامك عليه يجعل في قلبه عداوة عليك ويستمر في باطله ولا يقبل منك النصيحة فسلم عليه مما سبق نجد أن الناس صاروا ثلاثة أقسام 1 - القسم الأول الفاسق المعلن بفسقه فهذا سلم عليه إلا إذا كان في هجره مصلحة 2 - القسم الثاني الكافر لا تسلم عليه لكن إن سلم عليك رد عليه 3 - القسم الثالث إنسان مسلم لا تعلم عليه فسقا فسلم عليه واحرص على أن تكون أنت البادئ بالسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام وهو أشرف الخلق وقال عليه الصلاة والسلام لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض

ص: 390

هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام وهكذا الحديث الذي معنا خير الإسلام أن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف والله الموفق

864 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله آدم صلى الله عليه وسلم قال اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله متفق عليه

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله في كتابه رياض الصالحين في باب فضل السلام والأمر بإفشائه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الله لما خلق آدم قال له: اذهب إلى هؤلاء النفر من الملائكة وهم جلوس فسلم عليهم وانظر ماذا يحيونك به فإنها تحيتك وتحية

ص: 391

ذريتك فذهب آدم امتثالا لأمر الله فسلم على الملائكة الجلوس السلام عليكم قالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوا: ورحمة الله ففي هذا الحديث دليل على أن هذه الخليفة البشرية كانت من العدم وأنها لم تكن شيئا مذكورا من قبل كما قال الله تبارك وتعالى أهل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فهذه البشرية لم تكن شيئا مذكورا من قبل فخلفها الله وأوجدها لحكمة عظيمة ولهذا لما قالت الملائكة لله عز وجل حين أخبرهما أنه جاعل في الأرض خليفة قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} خلق الله هذه البشرية وجعل منهم الأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والصالحين 2 - أن الملائكة أجسام وليست أرواحا بلا أجسام لأنهم جلوس والجالس يعني أنه جسم وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق والله سبحانه وتعالى قال {جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة} فالملائكة أجسام ولكن الله عز وجل حجبهم عنا جعلهم عالما غيبيا كما أن الجن أجسام ولكن الله عز وجل حجبهم فجعلهم عالما غيبيا وقد تظهر

ص: 392

الملائكة في صورة إنسان كما جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بصورة دحية الكلبي ومرة بصورة رجل غريب لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه الصحابة وعليه ثياب بيض شعره أسود وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها ومن فوائد هذا الحديث 3 - أن السنة في السلام (السلام عليك) إذا كان المسلم عليه واحدا وإذا كانوا جماعة تقول (السلام عليكم) لأن الواحد يخاطب بخطاب الواحد والجماعة تخاطب بخطاب الجماعة 4 - أن السلام متلقن من الملائكة بأمر الله حيث قال سبحانه وتعالى إنها تحيتك وتحية ذريتك لكن في قولهم في الرد (السلام عليك ورحمة الله) إشكال وهو أن المعروف في الرد أن يقدم الخبر فيقال عليك السلام والرد على ذلك نقول إما أن هذا يعلمونه التحية الابتدائية أو أن الشريعة وردت بخلاف ذلك أي بتقديم الخبر 5 - أن الأفضل في رد السلام أن يزيد الإنسان ورحمة الله لأن الملائكة زادوا والله سبحانه وتعالى قال {فحيوا بأحسن منها} فبدأ بالأحسن {أو ردوها} إذا لم تردوا الأحسن

ص: 393

847 -

وعن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار المقسم متفق عليه هذا لفظ إحدي روايات البخاري

848 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم رواه مسلم

849 -

وعن أبي يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح

850 -

وعن الطفيل بن أبي بن كعب أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى صاحب بيعة ولا مسكين ولا

ص: 394

أحد إلا سلم عليه قال الطفيل فجئت عبد الله بن عمر يوما فاستتبعني إلى السوق فقلت له ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق وأقول: اجلس بنا ههنا نتحدث فقال يا أبا بطن وكان الطفيل ذا بطن إنما تغدو من أجل السلام نسلم على من لقيناه رواه مالك في الموطأ بإسناد صحيح

[الشَّرْحُ]

هذه الأحاديث في باب فضل السلام وإفشائه سبق الكلام عليها حديث البراء وأبي هريرة وعبد الله بن سلام كلها سبق الكلام عليها فلا حاجة إلى إعادة الكلام أما حديث الطفيل بن أبي بن كعب فإنه ذكر له قصة مع عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه استتبعه يعني عبد الله بن عمر يوما إلى السوق فجعل عبد الله بن عمر يسلم على كل أحد على صاحب الدكان وعلى كل من مر به ممن عرف وممن لا يعرف فجاءه ذات يوم فقال له: اذهب بنا إلى السوق فقال له ماذا تصنع في السوق فأنت لا تشتري شيئا ولا تبيع شيئا اجلس بنا نتحدث فقال إنما أذهب إلى السوق من أجل السلام على الناس لأن الإنسان إذا سلم وأفشى السلام

ص: 395

وأظهره كان هذا سببا لدخول الجنة كما في حديث أبي هريرة لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ولأن الإنسان إذا سلم على أخيه فقال السلام عليكم أو السلام عليك إذا كان واحدا فإنه يكتب له بذلك عشر حسنات فإذا سلم على عشرة أشخاص كتب له بذلك مائة حسنة وهذا خير من البيع والشراء فكان عبد الله بن عمر يدخل السوق من أجل المسلم عليهم لأنه في بيته لا يأتيه أحد وإذا أتاه أتاه أقل بكثير ممن يوجد في السوق لكن من في السوق يمر عليهم ويسلم عليهم وفي هذا دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يمل من كثرة السلام لو قابلت مائة شخص فيما بينك وبين المسجد مثلا فسلم إذا سلمت على مائة شخص تحصل على ألف حسنة هذه نعمة كبيرة وفي هذا أيضا دليل على حرص السلف الصالح على كسب الحسنات ولأنهم لا يفرطون فيها بخلاف وقتنا الحاضر تجد الإنسان يفرط في حسنات كثيرة وابن عمر رضي الله عنهما من أحرص الناس إلى المبادرة إلى فعل الخير لما حدثه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من تبع الجنازة حتى يصلى عليها كتب له

ص: 396

قيراط ومن شهدها حتى تدفن كتب له قيراطان قيل وما القيراطان يا رسول الله قال مثل الجبلين العظيمين أصغرهما مثل أحد ولما حدث ابن عمر بهذا الحديث قال والله لقد فرطنا في قراريط كثرة ثم صار لا تحصل جنازة إلا تبعها رضي الله عنه وهكذا السلف الصالح إذا علموا ما في الأعمال من الخير والثواب بادروا إليها وحرصوا عليها فالذي ينبغي للمؤمن أن يكون حريصا على فعل الخير كلما بأن له خصلة خير فليبادر إليها نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتسابقين إلى الخيرات إنه على كل شيء قدير أما قوله يا أبا بطن فإن الطفيل كان كبير البطن وهذا من باب المداعبة وليس قصده أن يعيره بأنه كبير البطن لكن يداعبه مثل قول الرسول لأبي هريرة يا أبا هر

ص: 397