المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت - شرح رياض الصالحين لابن عثيمين - جـ ٤

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لم يتعين

- ‌باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير

- ‌باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها

- ‌كتاب الأدب

- ‌باب الحياء وفضله والحث على التخلق به

- ‌باب حفظ السر

- ‌باب الوفاء بالعهد وإنجاز الوعد

- ‌باب المحافظة على ما اعتاده من الخير

- ‌باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوجه عند اللقاء

- ‌باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب وتكريره ليفهم إذا لم

- ‌باب إصغاء الجليس لحديث جليسه الذي ليس بحرام واستنصات العالم والواعظ

- ‌باب الوعظ والاقتصاد فيه

- ‌باب الوقار والسكينة

- ‌باب الندب إلى إتيان الصلاة والعلم ونحوهما من العبادات بالسكينة والوقار

- ‌باب إكرام الضيف

- ‌باب استحباب التبشير والتهنئة بالخير

- ‌باب وداع الصاحب ووصيته عند فراقه لسفر وغيره والدعاء له وطلب

- ‌باب الاستخارة والمشاورة

- ‌باب استحباب الذهاب إلى العيد وعيادة المريض والحج والغزو والجنازة ونحوها

- ‌باب استحباب تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم

- ‌كتاب أدب الطعام

- ‌باب التسمية في أوله والحمد في آخره

- ‌باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه

- ‌باب ما يقوله من حضر الطعام وهو صائم إذا لم يفطر

- ‌باب ما يقوله من دعي إلي طعام فتبعه غيره

- ‌باب الأكل مما يليه ووعظه وتأديبه من يسيء أكله

- ‌باب النهي عن القران بين تمرتين ونحوهما إذا أكل جماعة إلا

- ‌باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

- ‌باب الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها

- ‌باب كراهية الكل متكئا

- ‌باب استحباب الأكل بثلاثة أصابع واستحباب لعق الأصابع وكراهة مسحها قبل

- ‌باب أدب الشرب واستحباب النفس ثلاثا خارج الإناء وكراهة التنفس في

- ‌باب كراهة الشرب من فم القربة ونحوها وبيان أنه كراهة تنزيه

- ‌باب كراهة النفخ في الشراب

- ‌باب بيان جواز الشرب قائما وبيان أن الأكمل والأفضل الشرب قاعدا

- ‌باب استحباب كون ساقي القوم أخرهم شربا

- ‌باب جواز الشرب من جميع الأواني الطاهرة غير الذهب والفضة وجواز

- ‌كتاب اللباس

- ‌باب استحباب الثوب الأبيض وجواز الأحمر والأخضر والأصفر والأسود وجوازه من

- ‌باب استحباب القميص

- ‌باب صفة طول القميص والكم والإزرار وطرف العمامة وتحريم إسبال شيء

- ‌باب استحباب ترك الترفع في اللباس تواضعا

- ‌باب استحباب التوسط في اللباس ولا يقتصر على ما يزري به

- ‌باب تحريم لباس الحرير على الرجال وتحريم جلوسهم عليه واستنادهم إليه

- ‌باب جواز لبس الحرير لمن به حكة

- ‌باب النهي عن افتراش جلود النمور والركوب عليها

- ‌باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

- ‌كتاب آداب النوم

- ‌باب آداب النوم والاضطجاع والقعود والمجلس والجليس والرؤيا

- ‌باب جواز الاستلقاء على القفا ووضع إحدى الرجلين على الأخرى إذا

- ‌باب أداب المجلس والجليس

- ‌باب الرؤيا وما يتعلق بها

- ‌كتاب السلام

- ‌باب كيفية السلام

- ‌باب آداب السلام

- ‌باب استحباب إعادة السلام على من تكرر لقاؤه على قرب بأن

- ‌باب استحباب السلام إذا دخل بيته

- ‌باب السلام على الصبيان

- ‌باب سلام الرجل على زوجته والمرأة من محارمه وعلى أجنبية وأجنبيات

- ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

- ‌باب ما يدعى به للمريض

- ‌باب استحباب سؤال أهل المريض عن حاله

- ‌باب ما يقوله من أيس من حياته

- ‌باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر

- ‌باب جواز قول المريض أنا وجع أو شديد الوجع أو موعوك

- ‌باب تلقين المختصر لا إله إلا الله

- ‌باب ما يقوله بعد تغميض الميت

- ‌باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت

- ‌باب جواز البكاء على الميت بغير ندب ولا نياحة

- ‌باب الكف عما يرى من الميت من مكروه

- ‌باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز

- ‌باب استحباب تكثير المصلين على الجنازة وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر

- ‌باب ما يقرأ في صلاة الجنازة

- ‌باب الإسراع بالجنازة

- ‌باب تعجيل قضاء الدين عن الميت والمبادرة إلى تجهيزه إلا أن

- ‌باب الموعظة عند القبر

- ‌باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة للدعاء له

- ‌باب الصدقة عن الميت والدعاء له

- ‌باب ثناء الناس على الميت

- ‌باب فضل من مات له أولاد صغار

- ‌باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين ومصارعهم وإظهار الافتقار إلى

- ‌كتاب آداب السفر

- ‌باب استحباب الخروج يوم الخميس واستحبابه أول النهار

- ‌باب استحباب طلب الرفقة وتأميرهم على أنفسهم واحدا يطيعونه/0

- ‌باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السري والرفق

- ‌باب استحباب تعجيل المسافر الرجوع إلى أهله إذا قضى حاجته

- ‌باب استحباب القدوم على أهله نهارا وكراهته في الليل لغير حاجة

- ‌باب ما يقوله إذا رجع وإذا رأى بلدته

- ‌باب استحباب ابتداء القدوم بالمسجد الذي في جواره وصلاته فيه ركعتين

- ‌باب تحريم سفر المرأة وحدها

- ‌كتاب الفضائل

- ‌باب فضل قراءة القرآن

- ‌باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير من تعريضه للنسيان

- ‌باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع

- ‌باب الحث على سور وآيات مخصوصة

- ‌باب استحباب الاجتماع على القراءة

الفصل: ‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

‌كتاب عيادة المريض وتشييع الميت

الصلاة على الميت وحضور دفنه والمكث عند قبره بعد دفنه

894 -

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام متفق عليه

[الشَّرْحُ]

سبق لنا في رياض الصالحين لمؤلفه النووي رحمه الله عدة أبواب مفيدة وكلها تتعلق بالأحياء ثم ذكر رحمه الله في هذا الباب حكم عيادة المريض وتشييع الجنائز عيادة المريض ذهب بعض العلماء إلى أنها فرض كفاية فإذا لم يقم بها أحد فإنه يجب على من علم بحال المريض أن يعوده لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك من حقوق المسلم على أخيه ولا يليق

ص: 459

بالمسلمين أن يعلموا أن أخاهم مريض ولا يعوده أحد منهم لأن هذا قطيعة وأي قطيعة وهذا القول هو الراجح أن عيادة المرضى فرض كفاية ومن المعلوم أن غالب المرضى يعودهم أقاربهم وأصحابهم وتحصل بذلك الكفاية لكن لو علمنا أن أحدا أجنبيا في البلد مريض وليس معروفا وقد علمت أنه لم يعده أحد فإن الواجب عليك أن تعوده لأن ذلك من حقوق المسلمين بعضهم على بعض والمستحب لمن عاد المريض أن يسأل عن حاله كيف أنت وعن عبادته كيف تتوضأ كيف تصلي وعن معاملاته هل لك حقوق على الناس أو هل للناس حقوق عليك ثم إذا قال نعم قل له أوص بما عليك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ولا تلحف عليه في المسألة ولاسيما إذا كان مرضه شديدا لأنه ربما يضجر ويتعب ولا تطل الجلوس عنده لأنه ربما يمل لأن حال المريض غير حال الصحيح فربما يمل ويحب أن تقوم عنه ليأتي إليه أهله وما أشبه ذلك ولكن إذا رأيت أن المريض مستأنس

ص: 460

بك ويفرح أن تبقي وأن تطيل الجلوس عنده فهذا خير ولا بأس به وهذا ربما يكون سببا في شفائه لأن من أسباب الشفاء إدخال السرور على المريض ومن أسباب دوام المرض وزيادته إدخال الغم عليه فمثلا إذا جئت مريضا وقلت له أنت اليوم أحسن من أمس حتى وإن لم يكن أحسن من جهة المرض لكن تقول أحسن من أمس لأنك زدت خيرا ما بين أمس واليوم صليت خمس صلوات استغفرت هللت كذلك زاد أجرك بالمرض وذلك حتى يدخل عليه السرور ولا تقل له أنت أمس أحسن من اليوم فذا خطأ حتى ولو كان الأمر كذلك لأنه إن لم يضر لن ينفع كذلك إذا كان المريض ممن يحب القصص وهي حق وليست كذبا قصص حقيقية ليست مكذوبة وكان ذلك مدعاة لإدخال السرور عليه فهذا أيضا طيب لأن من المهم إدخال السرور على المريض وإذا أردت أن تقوم واستأذنت تقوم أتأذن لي فإن هذا أيضا مما يسره لأنه ربما يود أن تبقي فلا يأذن لك

ص: 461

ثم احرص غاية الحرص على أن توجهه إلى فعل الخير في هذا المرض وقول الخير في هذا المرض فتقول قد يقدر الله المرض على الإنسان فيكون خيرا له فيتفرغ للذكر ولقراءة القرآن وما أشبه ذلك لعله ينتبه ويكون لك أجر السبب

895 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حق المسلم على المسلم خمس رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس متفق عليه

[الشَّرْحُ]

قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين كتاب عيادة المريض وتشييع الجنازة يقال عيادة وزيارة وتشييع الزيارة للصحيح إذا زرت أخا لك في الله في بيته في مكانه فهذه زيارة والعيادة للمريض لأن الإنسان يعيدها ويكررها مادام

ص: 462

أخوه مريضا وتشييع الجنازة اتباعها ثم ذكر المؤلف حديث البراء بن عازب وقد سبق الكلام على أكثره والشاهد منه قوله وعيادة المريض فهي أمر أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهي فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقين وإذا لم يقم بها أحد وجب على من علم أن يعوده ثم إن المراد بالمريض الذي يعاد هو الذي انقطع في بيته ولا يخرج وأما المريض مرضا خفيفا لا يعوقه عن الخروج ومصاحبة الناس فإنه لا يعاد لكن يسأل عن حاله إذا علم به الإنسان وللعيادة آداب كثيرة منها 1 - أن ينوي الإنسان بها امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها 2 - أن ينوي الإحسان إلى أخيه بعيادته فإن المريض إذا عاده أخوه وجد في ذلك راحة عظيمة وانشراح صدر 3 - أن يستغل الفرصة في توجيه المريض إلى ما ينفعه فيأمره بالتوبة والاستغفار والخروج من حقوق الناس 4 - أنه ربما يكون على المريض إشكالات في طهارته أو صلاته أو ما أشبه ذلك فإذا كان العائد طالب علم انتفع به المريض لأنه لابد أن يخبره عما ينبغي أن يقوم به من طهارة وصلاة

ص: 463

أو يسأله المريض 5 - أن الإنسان ينظر للمصلحة في إطالة البقاء عند المريض أو عدمها وهذا القول هو القول الصحيح وذهب بعض العلماء إلى أنه ينبغي تخفيف العيادة وألا يثقل على المريض لكن الصحيح أن الإنسان ينظر للمصلحة إذا رأى أن المريض مستأنس منبسط منشرح الصدر وأنه يجب بقاءه فليتأن لما في ذلك من إدخال السرو عليه وإن رأى أن المريض يرغب أن يقوم الناس عنه حتى يأتيه أهله ويصلحوا حاله فإنه يقوم ولا يتأخر 6 - أن يتذكر الإنسان نعمة الله عليه بالعافية فإن الإنسان لا يعرف قدر نعمة الله عليه إلا إذا رأى من ابتلي بفقدها كما قيل وبضدها تتميز الأشياء فتحمد الله سبحانه وتعالى على العافية وتسأله أن يديم عليك النعمة 7 - ومنها ما يرجى من دعاء المريض للعائد ودعاء المريض حري بالإجابة لأن الله سبحانه وتعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله والمريض من أشد الناس ضعفا في النفس ولاسيما إذا طال به المرض وثقل فيرجى إجابة دعوة هذا المريض

ص: 464

وهناك فوائد أكثر مما ذكرنا لذلك ينبغي للإنسان أن يحرص على عيادة المرضى لما في ذلك من الأجر الكثير والثواب العظيم

896 -

وعنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين قال استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي رواه مسلم

ص: 465

[الشَّرْحُ]

هذا الحديث ذكره النووي رحمه الله في رياض الصالحين باب عيادة المريض وتشييع الميت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال كيف أعودك وأنت رب العالمين يعني وأنت لست بحاجة إلي حتى أعودك قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما إنك لو عدته لوجدتني عنده هذا الحديث ليس فيه إشكال في قوله تعالى مرضت فلم تعدني لأن الله تعالى يستحيل عليه المرض لأن المرض صفة نقص والله سبحانه وتعالى منزة عن كل نقص قال الله تبارك وتعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون لكن المراد بالمرض مرض عبد من عباده الصالحين وأولياء الله سبحانه وتعالى هم خاصته ولهذا جاء في الحديث الصحيح القدسي أيضا من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب يعني من يعادي أولياء الله محارب لله عز وجل مع أنه وإن كان لم يعاد الله على زعمه لكنه عادى أولياءه وحاربهم كذلك إذا مرض عبد من عباد الله الصالحين فإن الله سبحانه وتعالى يكون عنده

ص: 466

ولهذا قال أما إنك لو عدته لوجدتني عنده ولم يقل لوجدت ذلك عندي كما قال في الطعام والشراب بل قال لوجدتني عنده وهذا يدل على قرب المريض من الله عز وجل ولهذا قال العلماء إن المريض حري بإجابة الدعاء إذا دعا لشخص أو دعا على شخص وفي هذا دليل على استحباب عيادة المريض وأن الله سبحانه وتعالى عند المريض وعند من عاده لقوله لوجدتني عنده وقد سبق لنا كيف تكون عيادة المريض وما ينبغي أن يقوله له العائد يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني يعني طلبت منك طعاما فلم تطعمني ومعلوم أن الله تعالى لا يطلب الطعام لنفسه لقول الله تبارك وتعالى {وهو يطعم ولا يطعم} فهو غني عن كل شيء لا يحتاج لطعام ولا شراب لكن جاع عبد من عباد الله فعلم به شخص فلم يطعمه قال الله تعالى أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي يعني لوجدت ثوابه عندي مدخرا لك الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وفي هذا دليل على استحباب إطعام الجائع وأنا الإنسان إذا أطعم الجائع وجد ذلك عند الله يا ابن آدم استسقيتك أي طلبت منك أن تسقيني فلم تسقيني قال كيف أسقيك وأنت رب العالمين يعني لست في حاجة إلى

ص: 467

طعام ولا شراب قال أما علمت أن عبدي فلانا ظمئ أو استسقاك فلم تسقه أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ففيه أيضا دليل على فضيلة إسقاء من طلب منك السقيا وأنك تجد ذلك عند الله مدخرا الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والشاهد من هذا الحديث الجملة الأولى منه وهي قوله مرضت فلم تعدني ففيه دليل على استحباب عيادة المريض والله الموفق

897 -

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني رواه البخاري العاني الأسير

ص: 468

898 -

وعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة قال جناها رواه مسلم جناها أي واجتني من الثمر

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله في كتاب رياض الصالحين في باب عيادة المريض وتشييع الميت عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فكوا العاني يعني الأسير وأطعموا الجائع وعودوا المريض هذه ثلاثة أشياء أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم أولا عيادة المريض وقد سبق أنها فرض كفاية يجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم فإذا لم يقم أحد بذلك وجب على من علم بالمريض أن يعوده لأن ذلك من حق المسلم على إخوانه ثانيا أطعموا الجائع فإذا وجدنا إنسانا جائعا وجب علينا جميعا أن نطعمه وإطعامه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين فإن لم يقم به أحد تعين على من علم بحاله أن يطعمه وكذلك أيضا كسوة العاري وهو فرض كفاية

ص: 469

ثالثا قوله فكوا العاني يعني الأسير فكوا الأسير الذي عند الكفار من الأسر فإذا اختطف الكفار رجلا مسلما وجب علينا أن نفك أسره وكذلك لو أسروه في حرب بينهم وبين المسلمين فإنه يجب علينا أن نفك أسره وفك أسره فرض كفاية أيضا ثم ذكر حديث ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا عاد المسلم أخاه المسلم يعني في مرضه فإنه لا يزال في خرفة الجنة قيل وما خرفة الجنة؟ قال جناها يعني أنه يجني من ثمار الجنة مدة دوامه جالسا عند هذا المريض وقد سبق أن الجلوس عند المريض يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص وفي هذا الحديث الثاني دليل على فضل عيادة المريض من يحب أن يعترف من ثمار الجنة هذا من أسبابها والله الموفق

ص: 470

899 -

وعن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة رواه الترمذي وقال حديث حسن الخريف التمر المخروف أي المجتني

900 -

وعن أنس رضي الله عنه قال كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار رواه البخاري

[الشَّرْحُ]

ذكر المؤلف رحمه الله في كتاب رياض الصالحين في باب عيادة المريض وتشييع الميت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يعود مريضا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وكذلك إن عادة في المساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان في خريف الجنة

ص: 471

هذا الحديث له شاهد مما سبق أن الإنسان إذا عاد أخاه المريض فهو في خرفة الجنة أي في جناها وأما استغفار الملائكة له ففيه نظر لأن فضل الله واسع لكن من قواعد الحديث الضعيف عند العلماء كثرة الثواب في عمل يسير جدا لكننا نقول إنه مادام قد ثبت أصل مشروعية عيادة المريض فإن ذكر الفضائل إذا لم يكن الضعف شديدا مما يساعد على فعل ما رغب فيه وينشط الإنسان ويرجو الإنسان ثواب ذلك إن كان هذا الحديث ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم حصل للإنسان ما دل عليه وإن لم يكن ثابتا فإنه لا يزيده إلا رغبة في الخير وعلى كل حال فهو يدل على فضيلة عيادة المريض وأنه إذا كان في الصباح فله هذا الأجر وإذا كان في المساء فله هذا الأجر أما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض الغلام فعاده النبي صلى الله عليه وسلم وجلس عند رأسه وقال له أسلم فنظر إلى أبيه يعني كأنه يستشيره فقال له أبوه وهو يهودي أطع أبا القاسم لأن اليهودي يعلم أنه حق فقال لابنه أطع أبا القاسم فأسلم هذا الغلام فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول الحمد لله الذي أنقذه من النار ففي هذا الحديث عدة فوائد منها

ص: 472

1 -

جواز استخدام اليهودي يعني يجعلهم خدما عنده وهذا بشرط أن يأمن من مكره لأن اليهود أصحاب مكر وخديعة وخيانة لا يكادون يوفون بعهد ولا يؤدون أمانة لكن إذا أمنه فلا بأس من أن يستخدمه 2 - جواز عيادة المريض اليهودي لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاد هذا الغلام ولكن يحتمل أن تكون عيادة النبي صلى الله عليه وسلم له كانت من أجل خدمته إياه وأن هذا من باب المكافأة وعلى هذا لا يكون الحكم لكل يهودي أن تعوده ويحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم عادة ليعرض عليه الإسلام فتكون عيادة المريض اليهودي أو غيره من الكفار مستحبة إذا كان الإنسان يريد أن يعرض عليهم الإسلام فينقذهم الله به من النار وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم يعني إذا هدى الله بك رجلا من الكفر خير لك من الإبل الحمر التي هي أغلى أنواع الإبل عند العرب

ص: 473

3 -

ينبغي على من عاد المريض أن يرشده إلى الحق ويرغبه فيه فإذا كان يعلم أنه أي المريض صاحب تقصير قال له (يا فلان استغفر الله تب إليه) فأحسن ما تهدي للمريض هو أن تنفعه في دينه أما الحكاوي والقصص فلها وقت آخر

4 -

الأب قد يؤثر ابنه في الخير وهو لا يفعله فهذا اليهودي أشار على ابنه أن يطيع أبا القاسم ويسلم ولكنه هو لم يسلم فالأب قد يحب لابنه الخير وهو محروم منه والعياذ بالله 5 - فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حق ودليل ذلك أن اليهودي قال لابنه أطع أبا القاسم والحق ما شهدت به الأعداء ومعلوم أن اليهود والنصارى يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم قال الله تعالى الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإنما كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم لأن الله قال

ص: 474

{الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} معروف مشهور باسمه العلم عليه السلام {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} هم يعرفون هذا لكن الحسد والعياذ بالله والاستكبار منعهم من الإيمان به {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} نسأل الله السلامة وعلى هذا فإذا مرض إنسان كافر فلك أن تعوده إذا رجوت في عيادته خيرا بأن تعرض عليه الإسلام لعله يسلم فهؤلاء العمال الذين عندنا الآن من الكفار وهم كثيرون لا ينبغي أن نتركهم هكذا وأنا نجعلهم في منزلة البهائم يعلمون لنا دون أن ندلهم على الحق فهم لهم حق علينا واجب أن ندعوهم للإسلام ونبين لهم الحق ونرغبهم فيه حتى يسلموا أما أن يكون عندنا هذا العدد الهائل من النصارى والبوذيين وغيرهم ثم لا نجد من يسلم منهم إلا واحدا بعد واحد بعد عدة أيام فهو دليل على ضعف الدعوة عندنا وأننا لم نحاول أن ندعوهم للإسلام وهذا لاشك تقصير منا وإلا فإن العامل جاء

ص: 475

يتكفف الناس في الواقع يريد لقمة العيش فليش عنده دافع الاستكبار فلو أننا دعوناه باللين ورغبناه لحصلنا خيرا كثيرا واهتدى على أيدينا أناس كثيرون ولكننا في غفلة عن هذه الدعوة إلى الحق والذي ينبغي لنا أن ننتهز الفرص في هذه الأمور والله الموفق

ص: 476