الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ قَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مِرْدَاسٍ الْبَارِقِيُّ يَمْدَحُ ابْنَ الْأَشْتَرِ عَلَى قَتْلِهِ ابْنَ زِيَادٍ:
أَتَاكُمْ غُلَامٌ مِنْ عَرَانِينِ مَذْحِجٍ
…
جَرِيءٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ غَيْرُ نَكُولِ
فَيَا ابْنَ زِيَادٍ بُؤْ بِأَعْظَمِ مَالِكٍ
…
وَذُقْ حَدَّ مَاضِي الشَّفْرَتَيْنِ صَقِيلِ
ضَرَبْنَاكَ بِالْعَضْبِ الْحُسَامِ بِحَدِّهِ
…
إِذَا مَا أَبَأْنَا قَاتِلًا بِقَتِيلِ
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا شُرْطَةَ اللَّهِ إِنَّهُمْ
…
شَفَوْا مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَمْسِ غَلِيلِي
[تَرْجَمَةُ ابْنِ زِيَادٍ]
وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ ابْنِ زِيَادٍ
هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ عُبَيْدٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَيُقَالُ لَهُ: زِيَادُ بْنُ أَبِيهِ، وَابْنُ سُمَيَّةَ. أَمِيرُ الْعِرَاقِ بَعْدَ أَبِيهِ زِيَادٍ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: وَيُقَالُ لَهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ ابْنُ مَرْجَانَةَ - وَهِيَ أُمُّهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَكَانَتْ مَجُوسِيَّةً. وَكُنْيَتُهُ أَبُو حَفْصٍ وَقَدْ سَكَنَ دِمَشْقَ بَعْدَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَتْ لَهُ دَارٌ عِنْدَ
الدِّيمَاسِ تُعْرَفُ بَعْدَهُ بِدَارِ ابْنِ عَجْلَانَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ الضَّبِّيِّ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَرَوَى الْحَدِيثَ عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ. وَحَدَّثَ عَنْهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَبُو الْمُلَيْحِ بْنُ أُسَامَةَ، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ: ذَكَرُوا أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ حِينَ قَتَلَ الْحُسَيْنَ كَانَ عُمْرُهُ ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى زِيَادٍ أَنْ أَوْفِدْ إِلَيَّ ابْنَكَ. فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْأَلْهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا نَفَذَ مِنْهُ، حَتَّى سَأَلَهُ عَنِ الشِّعْرِ فَلَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ مَا مَنَعَكَ مِنْ تَعَلُّمِ الشِّعْرِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ فِي صَدْرِي مَعَ كَلَامِ الرَّحْمَنِ كَلَامَ الشَّيْطَانِ. فَقَالَ: اغْرُبْ، فَوَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي مِنَ الْفِرَارِ يَوْمَ صِفِينَ إِلَّا قَوْلُ ابْنِ الْإِطْنَابَةِ حَيْثُ يَقُولُ:
أَبَتْ لِي عِفَّتِي وَأَبَى بَلَائِي
…
وَأَخْذِي الْحَمْدَ بِالثَّمَنِ الرَّبِيحِ
وَإِعْطَائِي عَلَى الْإِعْدَامِ مَالِي
…
وَإِقْدَامِي عَلَى الْبَطَلِ الْمُشِيحِ
وَقَوْلِي كُلَّمَا جَشَأَتْ وَجَاشَتْ
…
مَكَانَكِ تُعْذَرِي أَوْ تَسْتَرِيحِي
لِأَدْفَعَ عَنْ مَآثِرَ صَالِحَاتٍ
…
وَأَحْمِي بَعْدُ عَنْ أَنْفٍ صَحِيحِ
ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَبِيهِ: أَنْ رَوِّهِ مِنَ الشِّعْرِ، فَرَوَّاهُ حَتَّى كَانَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَمِنْ شِعْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ:
سَيَعْلَمُ مَرْوَانُ ابْنُ نِسْوَةِ أَنَّنِي
…
إِذَا الْتَقَتِ الْخِيلَانِ أَطْعَنُهَا شَزْرًا
وَإِنِّي إِذَا حَلَّ الضُّيُوفُ وَلَمْ أَجِدْ
…
سِوَى فَرَسِي أَوْسَعْتُهُ لَهُمْ نَحْرًا
وَقَدْ سَأَلَ مُعَاوِيَةُ يَوْمًا أَهْلَ الْبَصْرَةِ عَنِ ابْنِ زِيَادٍ فَقَالُوا: إِنَّهُ لَظَرِيفٌ وَلَكِنَّهُ يَلْحَنُ. فَقَالَ: أَوَلَيْسَ اللَّحْنُ أَظْرَفَ لَهُ؟ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّهُ يَلْحَنُ فِي كَلَامِهِ، أَيْ يُلْغِزُ. وَهُوَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَنْطِقٌ رَائِعٌ وَتَلْحَنُ أَحْيَا
…
نًا وَخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنَا
وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ يَلْحَنُ فِي قَوْلِهِ لَحْنًا وَهُوَ ضِدُّ الْإِعْرَابِ. وَقِيلَ: أَرَادُوا اللَّحْنَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الصَّوَابِ. وَهُوَ الْأَشْبَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَاسْتَحْسَنَ مُعَاوِيَةُ مِنْهُ السُّهُولَةَ فِي الْكَلَامِ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَتَغَنَّى فِي كَلَامِهِ وَيُفَخِّمُهُ، وَيَتَشَدَّقُ فِيهِ، وَقِيلَ: أَرَادُوا أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ لُكْنَةٌ مِنْ كَلَامِ الْعَجَمِ ; فَإِنَّ أُمَّهُ مَرْجَانَةَ كَانَتْ سُرِّيَّةً، وَكَانَتْ بِنْتَ بَعْضِ مُلُوكِ الْأَعَاجِمِ ; يُزْدَجِرْدَ أَوْ غَيْرِهِ. قَالُوا: وَكَانَ فِي كَلَامِهِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْعَجَمِ ; قَالَ يَوْمًا لِبَعْضِ الْخَوَارِجِ: أَهَرُورِيٌّ أَنْتَ؟ يَعْنِي: أَحَرُورِيٌّ أَنْتَ؟ وَقَالَ يَوْمًا: مِنْ كَاتَلَنَا كَاتَلْنَاهُ. أَيْ: مَنْ قَاتَلَنَا قَاتَلْنَاهُ، وَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ: ذَاكَ أَظْرَفُ لَهُ؛ أَيْ أَجْوَدُ لَهُ حَيْثُ نَزَعَ إِلَى أَخْوَالِهِ، وَقَدْ كَانُوا يُوصَفُونَ بِحُسْنِ السِّيَاسَةِ وَجَوْدَةِ الرِّعَايَةِ وَمَحَاسِنِ الشِّيَمِ.
ثُمَّ لَمَّا مَاتَ زِيَادٌ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَلَّى مُعَاوِيَةُ عَلَى الْبَصْرَةِ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ سَنَةً وَنِصْفًا ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى عَلَيْهَا ابْنَ زِيَادٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ. فَلَمَّا تَوَلَّى يَزِيدُ الْخِلَافَةَ جَمْعَ لَهُ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، فَبَنَى فِي إِمَارَةِ يَزِيدَ الْبَيْضَاءَ، وَجَعَلَ بَابَ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ الَّذِي كَانَ لِكِسْرَى عَلَيْهَا، وَبَنَى الْحَمْرَاءَ وَهِيَ عَلَى سِكَّةِ الْمِرْبَدِ، فَكَانَ يَشْتُو فِي الْحَمْرَاءِ وَيَصِيفُ فِي الْبَيْضَاءِ.
قَالُوا: وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، إِنَّ امْرَأَتِي مَاتَتْ،
وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ أُمَّهَا. فَقَالَ لَهُ: كَمْ عَطَاؤُكَ فِي الدِّيوَانِ؟ فَقَالَ: سَبْعُمِائَةٍ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، حُطَّهُ مِنْ عَطَائِهِ أَرْبَعَمِائَةٍ. ثُمَّ قَالَ لَهُ: يَكْفِيكَ مَنْ فِقْهِكَ هَذَا ثَلَاثُمِائَةٍ!
قَالُوا: وَتَخَاصَمَتْ أُمُّ الْفُجَيْعِ وَزَوْجُهَا إِلَيْهِ وَقَدْ أَحَبَّتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تُفَارِقَ زَوْجَهَا، فَقَالَ أَبُو الْفُجَيْعِ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، إِنَّ خَيْرَ شَطْرَيِ الرَّجُلِ آخِرُهُ، وَإِنَّ شَرَّ شَطْرَيِ الْمَرْأَةِ آخِرُهَا. فَقَالَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَسَنَّ اشْتَدَّ عَقْلُهُ، وَاسْتَحْكَمَ رَأْيُهُ، وَذَهَبَ جَهْلُهُ، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسَنَّتْ سَاءَ خُلُقُهَا، وَقُلَّ عَقْلُهَا، وَعَقِمَ رَحِمُهَا، وَاحْتَدَّ لِسَانُهَا. فَقَالَ: صَدَقْتَ خُذْ بِيَدِهَا وَانْصَرِفْ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: أَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ لِصَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَسُرِقَتْ، فَقَالَ: عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا. فَقَالَ أَهْلُهُ: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا خَيْرًا؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنُ زِيَادٍ، فَأَمَرَ لَهُ بِأَلْفَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ وَجَدَ الْأَلْفَيْنِ فَصَارَتْ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، فَكَانَ خَيْرًا.
وَقِيلَ: لِهِنْدَ بِنْتِ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ - وَكَانَتْ قَدْ تَزَوَّجَتْ بِعِدَّةِ أَزْوَاجٍ مِنْ نُوَّابِ الْعِرَاقِ -: مَنْ أَعَزُّ أَزْوَاجِكِ عِنْدَكِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْكِ؟ فَقَالَتْ: مَا أُكْرِمَ النِّسَاءُ إِكْرَامَ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ وَلَا هَابَ النِّسَاءُ هَيْبَةَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ،
وَوَدِدْتُ أَنَّ الْقِيَامَةَ قَدْ قَامَتْ، فَأَرَى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَأَشْتَفِي مِنْ حَدِيثِهِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهِ. وَكَانَ أَبَا عُذْرِهَا وَقَدْ تَزَوَّجَتْ بِالْآخَرِينَ أَيْضًا.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَوَّلُ مَنْ جَهَرَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْمَكْتُوبَةِ ابْنُ زِيَادٍ. قُلْتُ: يَعْنِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي الْكُوفَةِ، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ لَا يَكْتُبُهُمَا فِي مُصْحَفِهِ، وَكَانَ فُقَهَاءُ الْكُوفَةِ عَنْ كُبَرَاءِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ يَأْخُذُونَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ كَانَتْ فِي ابْنِ زِيَادٍ جُرْأَةٌ وَإِقْدَامٌ وَمُبَادَرَةٌ إِلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَمَا لَا حَاجَةَ لَهُ بِهِ. ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَمُسْلِمٌ، كِلَاهُمَا عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو دَخْلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:«إِنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الْحُطَمَةُ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» . فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: وَهَلْ كَانَ فِيهِمْ نُخَالَةٌ؟ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفِي غَيْرِهِمْ. وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ دَخَلَ عَلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ يَعُودُهُ فَقَالَ: إِنِّي مُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ رَجُلٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» . وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ مَعْقِلٌ صَلَّى عَلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ وَلَمْ يَشْهَدْ دَفْنَهُ، وَاعْتَذَرَ بِمَا لَيْسَ يُجْدِي شَيْئًا، وَرَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ.
وَمِنْ جَرَاءَتِهِ إِقْدَامُهُ عَلَى الْأَمْرِ بِإِحْضَارِ الْحُسَيْنِ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ وَإِنْ قُتِلَ دُونَ ذَلِكَ. وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ إِلَى سُؤَالِهِ الَّذِي سَأَلَهُ فِيمَا طَلَبَ مِنْ ذَهَابِهِ إِلَى يَزِيدَ، أَوْ إِلَى مَكَّةَ، أَوْ إِلَى أَحَدِ الثُّغُورِ، فَلَمَّا أَشَارَ عَلَيْهِ شَمِرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ بِأَنَّ الْحَزْمَ أَنْ يُحْضَرَ عِنْدَكَ وَأَنْتَ تُسَيِّرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى حَيْثُ شِئْتَ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ أَوْ غَيْرِهَا، فَوَافَقَ شَمِرًا عَلَى مَا أَشَارَ بِهِ مِنْ إِحْضَارِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَأَبَى الْحُسَيْنُ أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ لِيَقْضِيَ فِيهِ بِمَا يَرَاهُ ابْنُ مَرْجَانَةَ، وَقَدْ تَعِسَ وَخَابَ وَخَسِرَ، فَلَيْسَ لِابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْضُرَ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ مَرْجَانَةَ الْخَبِيثِ.
وَقَدْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، وَمَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ كُرْدُوسٍ، عَنْ حَاجِبِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَهُ الْقَصْرَ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ، قَالَ: فَاضْطَرَمَ فِي وَجْهِهِ نَارًا - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - فَقَالَ بِكُمِّهِ هَكَذَا عَلَى وَجْهِهِ، وَقَالَ: لَا تُحَدِّثَنَّ بِهَذَا أَحَدًا.
وَقَالَ شُرَيْكٌ، عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ: قَالَتْ مَرْجَانَةُ لِابْنِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ: يَا خَبِيثُ، قَتَلْتَ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لَا تَرَى الْجَنَّةَ أَبَدًا.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنْ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لَمَّا مَاتَ بَايَعَ النَّاسُ فِي الْمِصْرَيْنِ لِعُبَيْدِ اللَّهِ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ، ثُمَّ خَرَجُوا عَلَيْهِ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، فَسَارَ إِلَى الشَّامِ فَاجْتَمَعَ بِمَرْوَانَ، وَحَسَّنَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الْخِلَافَةَ وَيَدْعُوَ إِلَى نَفْسِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا تَقَدَّمَ مَعَ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ. ثُمَّ سَيَّرَهُ مَرْوَانُ فِي جَيْشٍ إِلَى الْعِرَاقِ، فَالْتَقَى بِعَيْنِ الْوَرْدَةِ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُ جَيْشَ التَّوَّابِينَ فَكَسَرَهُمْ، وَاسْتَمَرَّ قَاصِدًا الْكُوفَةَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَتَعَوَّقَ فِي الطَّرِيقِ بِسَبَبِ مَنْ كَانَ يُمَانِعُهُ فِي أَرْضِ الْجَزِيرَةِ مِنَ الْأَعْدَاءِ مِمَّنْ بَايَعَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ اتَّفَقَ خُرُوجُ ابْنِ الْأَشْتَرِ إِلَيْهِ فِي سَبْعَةِ آلَافٍ، وَكَانَ مَعَ ابْنِ زِيَادٍ أَضْعَافُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ ظَفَرَ بِهِ ابْنُ الْأَشْتَرِ، فَقَتَلَهُ شَرَّ قِتْلَةٍ، عَلَى شَاطِئِ نَهْرِ الْخَازِرِ قَرِيبًا مِنَ الْمَوْصِلِ بِخَمْسِ مَرَاحِلَ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ: وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ. قُلْتُ: وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ.
ثُمَّ بَعَثَ ابْنُ الْأَشْتَرِ بِرَأْسِهِ إِلَى الْمُخْتَارِ وَمَعَهُ رَأْسُ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَشُرَحْبِيلَ بْنِ ذِي الْكَلَاعِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ أَصْحَابِهِمْ، فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُخْتَارُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ: لَمَّا جِيءَ بِرَأْسِ ابْنِ مَرْجَانَةَ وَأَصْحَابِهِ، طُرِحَتْ بَيْنَ يَدِيِ الْمُخْتَارِ، فَجَاءَتْ حَيَّةٌ دَقِيقَةٌ تَخَلَّلَتِ الرُّءُوسَ حَتَّى دَخَلَتْ فِي فَمِ ابْنِ مَرْجَانَةَ وَخَرَجَتْ مِنْ مِنْخَرِهِ، وَدَخَلَتْ فِي مِنْخَرِهِ وَخَرَجَتْ مِنْ فَمِهِ، وَجَعَلَتْ تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ مَنْ رَأَسِهُ مِنْ بَيْنِ الرُّءُوسِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا جِيءَ بِرَأْسِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ نُضِّدَتْ فِي الْمَسْجِدِ فِي الرَّحَبَةِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: قَدْ جَاءَتْ، قَدْ جَاءَتْ. فَإِذَا حَيَّةٌ قَدْ جَاءَتْ تَخَلَّلُ الرُّءُوسَ حَتَّى دَخَلَتْ فِي مِنْخَرَيْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَمَكَثَتْ هُنَيْهَةً ثُمَّ خَرَجَتْ فَذَهَبَتْ حَتَّى تَغَيَّبَتْ، ثُمَّ قَالُوا: قَدْ جَاءَتْ، قَدْ جَاءَتْ. فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ زَبْرٍ: وَفِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ قَالُوا: فِيهَا قُتِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، وَلِيَ قَتْلَهُمَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ، وَبَعَثَ بِرُءُوسِهِمَا إِلَى الْمُخْتَارِ فَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَنُصِبَتْ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ. وَهَكَذَا حَكَى ابْنُ عَسَاكِرَ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ - زَادَ أَبُو أَحْمَدَ: فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ - وَسَكَتَ ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ ذَلِكَ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ