الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ]
[الْأَحْدَاثُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا]
فِيهَا غَزَا الصَّائِفَةَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَابْنُ أَخِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْوَلِيدِ.
وَفِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ بِلَادَ التُّرْكِ حَتَّى بَلَغَ الْبَابَ مِنْ نَاحِيَةِ أَذْرَبِيجَانَ، فَفَتَحَ مَدَائِنَ وَحُصُونًا كَثِيرَةً أَيْضًا، وَكَانَ الْوَلِيدُ قَدْ عَزَلَ عَمَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ عَنِ الْجَزِيرَةِ وَأَذْرَبِيجَانَ، وَوَلَّاهُمَا أَخَاهُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَفِيهَا غَزَا مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ بِلَادَ الْمَغْرِبِ، فَفَتَحَ مُدُنًا كَثِيرَةً، وَدَخَلَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، وَوَلَجَ فِيهَا حَتَّى دَخَلَ أَرَاضِيَ غَابِرَةً قَاصِيَةً، فِيهَا آثَارُ قُصُورٍ وَبُيُوتٍ لَيْسَ بِهَا سَاكِنٌ، وَوَجَدَ هُنَاكَ مِنْ آثَارِ نِعْمَةِ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ مَا يَلُوحُ عَلَى سِمَاتِهَا أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا أَصْحَابَ أَمْوَالٍ وَنِعْمَةٍ دَارَّةٍ سَابِغَةٍ، فَبَادُوا جَمِيعًا فَلَا مُخْبِرَ بِهَا.
وَفِيهَا مَهَّدَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ بِلَادَ التُّرْكِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ نَقَضُوا مَا كَانُوا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُصَالَحَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ قِتَالٍ شَدِيدٍ، وَحَرْبٍ يَشِيبُ لَهَا الْوَلِيدُ، وَذَلِكَ أَنَّ مُلُوكَهُمْ كَانُوا قَدِ اتَّعَدُوا فِي الْعَامِ الْمَاضِي فِي أَوَانِ الرَّبِيعِ أَنْ يَجْتَمِعُوا، وَيُقَاتِلُوا قُتَيْبَةَ، وَأَنْ لَا يُوَلُّوا عَنِ الْقِتَالِ حَتَّى يُخْرِجُوا الْعَرَبَ مِنْ بِلَادِهِمْ، فَاجْتَمَعُوا اجْتِمَاعًا هَائِلًا لَمْ يَجْتَمِعُوا مِثْلَهُ فِي مَوْقِفٍ، فَكَسَرَهُمْ قُتَيْبَةُ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ أُمَمًا كَثِيرَةً، وَرَدَّ الْأُمُورَ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، حَتَّى ذُكِرَ أَنَّهُ صَلَبَ مِنْهُمْ فِي
بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأُسَارَى سِمَاطَيْنِ طُولُهُمَا أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَاتَّبَعَ نَيْزَكَ خَانَ مَلِكَ التُّرْكِ الْأَعْظَمَ مِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، وَمِنْ كُورَةٍ إِلَى كُورَةٍ، وَمِنْ رُسْتَاقٍ إِلَى رُسْتَاقٍ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَدَأْبَهُ حَتَّى حَصَرَهُ فِي قَلْعَةٍ هُنَالِكَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَ نَيْزَكَ خَانَ مِنَ الْأَطْعِمَةِ، وَأَشْرَفَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْهَلَاكِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ قُتَيْبَةُ مَنْ جَاءَ بِهِ مُسْتَأْمَنًا مَذْمُومًا مَخْذُولًا، فَسَجَنَهُ عِنْدَهُ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى الْحَجَّاجِ فِي أَمْرِهِ، فَجَاءَ الْكِتَابُ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِقَتْلِهِ، فَجَمَعَ قُتَيْبَةُ الْأُمَرَاءَ، فَاسْتَشَارَهُمْ فِيهِ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ; فَقَائِلٌ يَقُولُ: اقْتُلْهُ. وَقَائِلٌ يَقُولُ: لَا تَقْتُلْهُ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ: إِنَّكَ أَعْطَيْتَ اللَّهَ عَهْدًا أَنَّكَ إِنْ ظَفِرْتَ بِهِ لَتَقْتُلَنَّهُ، وَقَدْ أَمْكَنَكَ اللَّهُ مِنْهُ. فَقَالَ قُتَيْبَةُ: وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْرِي إِلَّا مَا يَسَعُ ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ لَقَتَلْتُهُ. ثُمَّ قَالَ: اقْتُلُوهُ اقْتُلُوهُ اقْتُلُوهُ، فَقُتِلَ هُوَ وَسَبْعُمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَخَذَ قُتَيْبَةُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَخُيُولِهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا، وَفَتَحَ فِي هَذَا الْعَامِ مُدُنًا كَثِيرَةً، وَقَرَّرَ مَمَالِكَ كَثِيرَةً.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنَ الْمَدِينَةِ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَائِبُ الْمَدِينَةِ أَشْرَافَ الْمَدِينَةِ فَتَلَقَّوْهُ، فَرَحَّبَ بِهِمْ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ، فَأُخْلِيَ لَهُ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ، فَلَمْ يَبْقَ بِهِ أَحَدٌ سِوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، لَمْ يَتَجَاسَرْ أَحَدٌ أَنْ يُخْرِجَهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ لَا تُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا لَهُ: تَنَحَّ عَنِ الْمَسْجِدِ أَيُّهَا الشَّيْخُ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْهُ. فَدَخَلَ الْوَلِيدُ الْمَسْجِدَ فَجَعَلَ يَدُورُ فِيهِ يُصَلِّي هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَيَدْعُو اللَّهَ عز وجل، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَجَعَلْتُ أَعْدِلُ بِهِ عَنْ مَوْضِعِ سَعِيدٍ خَشْيَةَ أَنْ يَرَاهُ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ أَهْوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ عَلِمَ بِمَكَانِكَ لَقَامَ إِلَيْكَ وَسَلَّمَ عَلَيْكَ. فَقَالَ الْوَلِيدُ: قَدْ عَلِمْتُ حَالَهُ. وَجَعَلَ يَدُورُ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَتَفَرَّجُ فِي عِمَارَتِهِ، وَيَسْأَلُنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ وَإِنَّهُ، وَقَصَدْتُ مُوَافَقَتَهُ فِي ذَلِكَ، فَشَرَعَ الْوَلِيدُ يُثْنِي عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ ضَعِيفُ الْبَصَرِ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَعْتَذِرَ لَهُ فَقَالَ: نَحْنُ أَحَقُّ بِالسَّعْيِ إِلَيْهِ. فَجَاءَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقُمْ لَهُ سَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ