الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَهِدَ بِالْأَمْرِ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأَرَادَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْ يُنَحِّيَهُ عَنِ الْإِمْرَةِ مِنْ بَعْدِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَجْعَلَ الْأَمْرَ فِي أَوْلَادِهِ وَعَقِبِهِ، وَأَنْ تَكُونَ الْخِلَافَةُ بَاقِيَةً فِيهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى]
هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، أَبُو الْأَصْبَغِ، الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ، وُلِدَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ دَخَلَ الشَّامَ مَعَ أَبِيهِ مَرْوَانَ، وَكَانَ وَلِيَّ عَهْدِهِ مِنْ بَعْدِ أَخِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَوَلَّاهُ أَبُوهُ إِمْرَةَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ، فَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهَا إِلَى هَذِهِ السَّنَةِ، وَشَهِدَ قَتْلَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، كَمَا قَدَّمْنَا، وَكَانَتْ لَهُ دَارٌ بِدِمَشْقَ، وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي لِلصُّوفِيَّةِ الْيَوْمَ، الْمَعْرُوفَةُ بِالْخَانَقَاهِ السُّمَيْسَاطِيَّةِ، ثُمَّ كَانَتْ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ تَنَقَّلَتْ إِلَى أَنْ صَارَتْ خَانِقَاهَ لِلصُّوفِيَّةِ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَحَدِيثُهُ عَنْهُ فِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ "، وَ " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ "، أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «شَرُّ مَا فِي الرَّجُلِ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ» . وَعَنْهُ ابْنُهُ عُمَرُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ رَبَاحٍ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً قَلِيلَ الْحَدِيثِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ يَلْحَنُ فِي الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِهِ، ثُمَّ تَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ فَأَتْقَنَهَا وَأَحْسَنَهَا، فَكَانَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يَشْكُو خَتَنَهُ - وَهُوَ زَوْجُ ابْنَتِهِ - فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ مَنْ خَتَنَكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: خَتَنَنِي الْخَاتِنُ الَّذِي يَخْتِنُ النَّاسَ. فَقَالَ لِكَاتِبِهِ: وَيْحَكَ، بِمَاذَا أَجَابَنِي؟ فَقَالَ الْكَاتِبُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولَ مَنْ خَتَنُكَ؟ فَآلَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتَّى يَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ، فَمَكَثَ جُمُعَةً وَاحِدَةً فَتَعَلَّمَهَا، فَخَرَجَ وَهُوَ مِنْ أَفْصَحِ النَّاسِ، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجْزِلُ عَطَاءَ مَنْ يُعْرِبُ كَلَامَهُ، وَيَنْقُصُ عَطَاءَ مَنْ يَلْحَنُ فِيهِ ; فَتَسَارَعَ النَّاسُ فِي زَمَانِهِ إِلَى تَعَلُّمِ الْعَرَبِيَّةِ، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ يَوْمًا لِرَجُلٍ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ مِنْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ. فَقَالَ: تَجِدُهَا فِي جَائِزَتِكَ، فَنَقَصَهُ مِائَةَ دِينَارٍ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ
يُوسُفَ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، قَالَ: كَتَبَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: ارْفَعْ إِلَيَّ حَاجَتَكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» . وَلَسْتُ أَسْأَلُكَ شَيْئًا، وَلَا أَرُدُّ رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ عز وجل مِنْكَ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُوِيدِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ بِأَلْفِ دِينَارٍ إِلَى ابْنِ عُمَرَ. قَالَ: فَجِئْتُهُ، فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ. فَقَالَ: أَيْنَ الْمَالُ؟ فَقُلْتُ: لَا أَسْتَطِيعُهُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أُصْبِحَ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ، لَا يَبِيتُ ابْنُ عُمَرَ اللَّيْلَةَ وَلَهُ أَلْفُ دِينَارٍ. قَالَ: فَدَفَعَ إِلَيَّ الْكِتَابَ حَتَّى جِئْتُهُ بِهَا، فَفَرَّقَهَا رضي الله عنه.
وَمِنْ كَلَامِهِ رحمه الله: عَجَبًا لِمُؤْمِنٍ يُؤْمِنُ وَيُوقِنُ أَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ وَيُخْلِفُ عَلَيْهِ، كَيْفَ يَحْبِسُ مَالًا عَنْ عَظِيمِ أَجْرٍ وَحُسْنِ سَمَاعٍ. وَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ أُحْضِرَ لَهُ مَالٌ يَخُصُّهُ، وَإِذَا هُوَ ثَلَاثُمِائَةِ مُدْيٍ مِنْ ذَهَبَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّهُ بَعْرٌ حَائِلٌ بِنَجْدٍ. وَقَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا، وَلَوَدِدْتُ أَنْ أَكُونَ هَذَا الْمَاءَ الْجَارِيَ، أَوْ نَبَاتَةً بِأَرْضِ الْحِجَازِ.
وَقَالَ: ائْتُونِي بِكَفَنِي الَّذِي تُكَفِّنُونِي فِيهِ. فَجَعَلَ يَقُولُ: أُفٍّ لَكَ مَا أَقْصَرَ طَوِيلَكَ، وَأَقَلَّ كَثِيرَكَ!
قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ: كَانَتْ وَفَاتُهُ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ. قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: وَهَذَا وَهْمٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَالصَّوَابُ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ ; فَإِنَّهُ مَاتَ قَبْلَ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخِيهِ، وَمَاتَ عَبْدُ الْمَلِكِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ.
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ مِنْ خِيَارِ الْأُمَرَاءِ، كَرِيمًا جَوَادًا مُمَدَّحًا، وَهُوَ وَالِدُ الْخَلِيفَةِ الرَّاشِدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدِ اكْتَسَى عُمْرُ أَخْلَاقَ أَبِيهِ، وَزَادَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَكَانَ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ الْأَوْلَادِ غَيْرُ عُمْرَ: عَاصِمٌ وَأَبُو بَكْرٍ وَمُحَمَّدٌ وَالْأَصْبَغُ - مَاتَ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ، فَحَزِنَ عَلَيْهِ حُزْنًا كَثِيرًا، وَمَرِضَ بَعْدَهُ وَمَاتَ - وَسُهَيْلٌ، وَكَانَ لَهُ عِدَّةُ بَنَاتٍ: أُمُّ مُحَمَّدٍ، وَأُمُّ عُثْمَانَ، وَأُمُّ الْحَكَمِ، وَأُمُّ الْبَنِينَ، وَهُنَّ مِنْ أُمَّهَاتٍ شَتَّى، وَلَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ غَيْرُ هَؤُلَاءِ، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ مِصْرَ، وَحُمِلَ إِلَى مِصْرَ فِي النِّيلِ، وَدُفِنَ بِهَا، وَقَدْ تَرَكَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مَرْوَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَثَاثِ وَالدَّوَابِّ ; مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَعْجَزُ عَنْهُ الْوَصْفُ، مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ: ثَلَاثُمِائَةِ مُدِّ ذَهَبٍ غَيْرُ الْوَرِقِ، مَعَ جُودِهِ وَكَرَمِهِ وَبَذْلِهِ وَعَطَايَاهُ الْجَزِيلَةِ ; فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَعْطَى النَّاسَ لِلْجَزِيلِ،
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ كَتَبَ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَنْزِلَ عَنِ الْعَهْدِ الَّذِي لَهُ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ الْوَلِيدِ، أَوْ يَكُونَ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ، فَإِنَّهُ أَعَزُّ الْخَلْقِ عَلَيَّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ يَقُولُ: إِنِّي أَرَى فِي أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا تَرَى فِي الْوَلِيدِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يَأْمُرُهُ بِحَمْلِ خَرَاجِ مِصْرَ، وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْعَزِيزِ لَا يَحْمِلُ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْخَرَاجِ وَلَا غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بِلَادُ مِصْرَ بِكَمَالِهَا وَبِلَادُ الْمَغْرِبِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّهَا لِعَبْدِ الْعَزِيزِ ; مَغَانِمُهَا وَخَرَاجُهَا وَحِمْلُهَا، فَكَتَبَ عَبْدُ الْعَزِيزِ إِلَى أَخِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ: إِنِّي وَإِيَّاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ بَلَغْنَا سِنًّا لَمْ يَبْلُغْهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ إِلَّا كَانَ بَقَاؤُهُ قَلِيلًا، وَإِنِّي لَا أَدْرِي وَلَا تَدْرِي أَيُّنَا يَأْتِيهِ الْمَوْتُ أَوَّلًا ; فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ لَا تُغَثِّثَ عَلَيَّ بَقِيَّةَ عُمْرِي فَافْعَلْ. فَرَقَّ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَقَالَ: لَعَمْرِي لَا أُغَثِّثُ عَلَيْكَ بَقِيَّةَ عُمْرِكَ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَكَهَا لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الْعِبَادِ عَلَى رَدِّ ذَلِكَ عَنْكَ. وَقَالَ لِابْنَيْهِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ: هَلْ قَارَفْتُمَا
مُحَرَّمًا أَوْ حَرَامًا قَطُّ؟ قَالَا: لَا وَاللَّهِ. فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، نِلْتُمَاهَا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ لَمَّا امْتَنَعَ أَخُوهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنْ إِجَابَتِهِ إِلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ مِنْ بَيْعَتِهِ لِوَلَدِهِ الْوَلِيدِ دَعَا عَلَيْهِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَطَعَنِي فَاقْطَعْهُ. فَمَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَوْتِ أَخِيهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيْلًا حَزِنَ وَبَكَى، وَبَكَى أَهْلُهُ بُكَاءً كَثِيرًا عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَكِنْ سَرَّهُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ ابْنَيْهِ الْوَلِيدِ وَسُلَيْمَانَ ; فَإِنَّهُ نَالَ فِيهِمَا مَا كَانَ يُؤَمِّلُهُ لَهُمَا مِنْ وِلَايَتِهِ إِيَّاهُمَا الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ.
وَقَدْ كَانَ الْحَجَّاجُ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ يُزَيِّنُ لَهُ وِلَايَةَ الْوَلِيدِ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَوْفَدَ إِلَيْهِ وَفَدًا فِي ذَلِكَ، عَلَيْهِمْ عِمْرَانُ بْنُ عِصَامٍ الْعَنْزِيُّ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَامَ عِمْرَانُ خَطِيبًا فَتَكَلَّمَ، وَتَكَلَّمَ الْوَفْدُ فِي ذَلِكَ، وَحَثُّوا عَبْدَ الْمَلِكِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنْشَدَ عِمْرَانُ بْنُ عِصَامٍ فِي ذَلِكَ:
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْكَ نُهْدِي
…
عَلَى النَّأْيِ التَّحِيَّةَ وَالسِّلَامَا
أَجِبْنِي فِي بَنِيكَ يَكُنْ جَوَابِي
…
لَهُمْ عَادِيَةً وَلَنَا قِوَامَا
فَلَوْ أَنَّ الْوَلِيدَ أُطَاعُ فِيهِ
…
جَعَلْتَ لَهُ الْخِلَافَةَ وَالذِّمَامَا
شَبِيهُكَ حَوْلَ قُبَّتِهِ قُرَيْشٌ
…
بِهِ يَسْتَمْطِرُ النَّاسُ الْغَمَامَا
وَمِثْلُكَ فِي التُّقَى لَمْ يَصْبُ يَوْمًا
…
لَدُنْ خَلَعَ الْقَلَائِدَ وَالْتِمَامًا
فَإِنْ تُؤْثِرْ أَخَاكَ بِهَا فَإِنَّا
…
وَجَدِّكَ لَا نُطِيقُ لَهَا اتِّهَامَا
وَلَكِنَّا نُحَاذِرُ مِنْ بَنِيهِ
…
بَنِي الْعَلَّاتِ مَأْثَرَةً سَمَامَا
وَنَخْشَى إِنْ جَعَلْتَ الْمُلْكَ فِيهِمْ
…
سَحَابًا أَنْ تَعُودَ لَهُمْ جَهَامَا
فَلَا يَكُ مَا حَلَبْتَ غَدًا لِقَوْمٍ
…
وَبَعْدَ غَدٍ بُنُوكَ هُمُ الْعِيَامَا
فَأُقْسِمُ لَوْ تَخَطَّأْنِي عِصَامٌ
…
بِذَلِكَ مَا عَذَرْتُ بِهِ عِصَامَا
وَلَوْ أَنِّي حَبَوْتُ أَخًا بِفَضْلٍ
…
أُرِيدُ بِهِ الْمَقَالَةَ وَالْمَقَامَا
لِعَقَّبَ فِي بَنِيَّ عَلَى بَنِيهِ
…
كَذَلِكَ أَوْ لَرُمْتُ لَهُ مَرَامَا
فَمَنْ يَكُ فِي أَقَارِبِهِ صُدُوعٌ
…
فَصَدْعُ الْمُلْكِ أَبْطَؤُهُ الْتِئَامَا