الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرٌ وَلَا هَيْبَةٌ وَلَا مَحَبَّةٌ (1) ، فَأَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ فَاسْتَصْلِحْهُ فَإِنَّ لَهُ قَرَابَةً مِنْكَ وَهُوَ لَا يُعصى.
قَالَ فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى عَلِيٍّ فَأَبَى أَنْ يَأْتِيَهُ، وَقَالَ: لَقَدْ أَعْلَمْتُهُ أَنِّي لَسْتُ بِعَائِدٍ.
قَالَ:
وَبَلَغَ مَرْوَانَ قَوْلُ نَائِلَةَ فِيهِ فَجَاءَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: أَتَكَلَّمُ أَوْ أَسْكُتُ؟ فَقَالَ: تكلَّم، فَقَالَ: إنَّ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفَرَافِصَةِ، فَقَالَ عُثْمَانُ لا تذكرها بحرف فأسوء إلى وَجْهَكَ، فَهِيَ وَاللَّهِ أَنْصَحُ لِي مِنْكَ.
قَالَ: فكف مروان.
ذكر مجئ الْأَحْزَابِ إِلَى عُثْمَانَ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِصْرَ
وذلك أَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ لَمَّا بَلَغَهُمْ خَبَرُ مَرْوَانَ، وَغَضَبُ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ بِسَبَبِهِ، وَوَجَدُوا الْأَمْرَ على ما كان عليه لم يتغير ولم يسلك سيرة صاحبيه، تكاتب أَهْلُ مِصْرَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَتَرَاسَلُوا، وَزُوِّرَتْ (2) كُتُبٌ عَلَى لِسَانِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بِالْمَدِينَةِ، وَعَلَى لِسَانِ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى قِتَالِ عُثْمَانَ وَنَصْرِ الدِّينِ، وَأَنَّهُ أَكْبَرُ الجهاد اليوم.
وذكر سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَأَبِي حَارِثَةَ وَأَبِي عُثْمَانَ، وَقَالَهُ غَيْرُهُمْ أَيْضًا، قَالُوا: لَمَّا كَانَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وثلاثين، خرج أهل مصر في أربع رقاق عَلَى أَرْبَعَةِ أُمَرَاءَ، الْمُقَلِّلُ لَهُمْ يَقُولُ سِتُّمِائَةٍ، وَالْمُكَثِّرُ يَقُولُ: أَلْفٌ.
عَلَى الرِّفَاقِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عديس البلوي، وكنانة بن بشر اللِّيثِيُّ، وَسَوْدَانُ بْنُ حُمْرَانَ السُّكُونِيُّ، وَقُتَيْرَةُ السُّكُونِيُّ وَعَلَى الْقَوْمِ جَمِيعًا الْغَافِقِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْعَكِّيُّ، وَخَرَجُوا فِيمَا يُظْهِرُونَ لِلنَّاسِ حُجَّاجًا، وَمَعَهُمُ ابْنُ السَّوْدَاءِ - وَكَانَ أَصْلُهُ ذِمِّيًّا فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَحْدَثَ بِدَعًا قَوْلِيَّةً وَفِعْلِيَّةً، قَبَّحَهُ اللَّهُ - وَخَرَجَ أَهْلُ الكوفة في عدتهم في أربع رفاق أيضا، وَأُمَرَاؤُهُمْ: زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ، وَزِيَادُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَصَمِّ، وَعَلَى الْجَمِيعِ عَمْرُو بْنُ الْأَصَمِّ (3) .
وَخَرَجَ أَهْلُ البصرة في عدتهم أَيْضًا فِي أَرْبَعِ رَايَاتٍ مَعَ حُكيم بْنِ جَبَلَةَ الْعَبْدِيِّ، وَبِشْرِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ ضُبَيْعَةَ القيسي، وذريح بن عباد العبدي (4) ، وَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ، وَأَهْلُ مِصْرَ مُصِرُّونَ عَلَى وِلَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ عَازِمُونَ عَلَى تَأْمِيرِ الزُّبَيْرِ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ مُصَمِّمُونَ عَلَى تَوْلِيَةِ طَلْحَةَ.
لَا تَشُكُّ كُلُّ فِرْقَةٍ أَنَّ أَمْرَهَا سَيَتِمُّ، فَسَارَ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ بَلَدِهِمْ حَتَّى تَوَافَوْا حَوْلَ الْمَدِينَةِ، كَمَا تَوَاعَدُوا فِي كُتُبِهِمْ، فِي شَهْرِ شَوَّالٍ فَنَزَلَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِذِي خُشُبٍ، وَطَائِفَةٌ بالأعوص، والجمهور بذي المروة، وهم
(1) زاد الطبري وابن الاثير: وانما تركك الناس لمكانه.
(2)
في رواية الطبري والكامل: كتب من بالمدينة من أصحاب النَّبيّ صلى الله عليه وآله، إنما لم يذكر أي من أسماء هؤلاء الصحابة.
(3)
في الطبري والكامل: وهم في عداد أهل مصر، وفي مروج الذهب: في مائتي رجل.
(4)
زاد ابن الأثير في الكامل: وابن المحترش، وفي الطبري: ابن المحرش بن عبد عمرو الحنفي.
وقال الطبري وابن الاثير وهم في عداد أهل مصر، أما المسعودي فقال كانوا في مئة رجل.
(*)
عَلَى وَجَلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَعَثُوا قُصَّادًا وعيوناً بين أيديهم ليخبروا الناس أنهم إنما جاؤوا لِلْحَجِّ لَا لِغَيْرِهِ، وَلِيَسْتَعْفُوا هَذَا الْوَالِي مِنْ بَعْضِ عُمَّالِهِ، مَا جِئْنَا إِلَّا لِذَلِكَ، وَاسْتَأْذَنُوا للدخول، فَكُلُّ النَّاسِ أَبَى دُخُولَهُمْ وَنَهَى عَنْهُ، فَتَجَاسَرُوا وَاقْتَرَبُوا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَجَاءَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمِصْرِيِّينَ إِلَى عَلِيٍّ وَهُوَ فِي عَسْكَرٍ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ، عَلَيْهِ حُلَّةُ أَفْوَافٍ، مُعْتَمٌّ بِشَقِيقَةٍ حَمْرَاءَ يَمَانِيَةٍ، مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَقَدْ أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجْتَمَعَ إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْمِصْرِيُّونَ فَصَاحَ بِهِمْ وطردهم، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ الصَّالِحُونَ أَنَّ جَيْشَ ذِي الْمَرْوَةِ وَذِي خُشُبٍ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَارْجِعُوا لَا صَبَّحَكُمُ اللَّهُ، قَالُوا: نَعَمْ! وَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَتَى الْبَصْرِيُّونَ طَلْحَةَ وَهُوَ فِي جَمَاعَةٍ أخرى إلى جنب علي - وقد أرسل ابنهى إلى عثمان - فسلموا عليه فصاح بهم وطردهم وَقَالَ لَهُمْ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ مِصْرَ، وَكَذَلِكَ كَانَ رَدُّ الزُّبَيْرِ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ.
فَرَجَعَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ، وَأَظْهَرُوا لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى بُلْدَانِهِمْ، وَسَارُوا أَيَّامًا رَاجِعِينَ، ثُمَّ كَرُّوا عَائِدِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَا كَانَ غَيْرَ قَلِيلٍ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ التَّكْبِيرَ، وَإِذَا الْقَوْمُ قَدْ زَحَفُوا عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَحَاطُوا بِهَا، وَجُمْهُورُهُمْ عِنْدَ دَارِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَقَالُوا لِلنَّاسِ: مَنْ كَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَكَفَّ النَّاسُ وَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ، وَأَقَامَ النَّاس عَلَى ذَلِكَ أَيَّامًا.
هَذَا كُلُّهُ وَلَا يَدْرِي النَّاسُ مَا الْقَوْمُ صَانِعُونَ وَلَا عَلَى مَا هُمْ عَازِمُونَ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يَخْرُجُ مِنْ دَارِهِ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَيُصَلِّي وَرَاءَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأُولَئِكَ الْآخَرُونَ.
وَذَهَبَ الصَّحَابَةُ إِلَى هَؤُلَاءِ يُؤَنِّبُونَهُمْ وَيَعْذِلُونَهُمْ عَلَى رُجُوعِهِمْ، حَتَّى قَالَ عَلِيٌّ لِأَهْلِ مِصْرَ: مَا رَدُّكُمْ بَعْدَ ذَهَابِكُمْ وَرُجُوعِكُمْ
عَنْ رَأْيِكُمْ؟ فَقَالُوا: وَجَدْنَا مَعَ بَرِيدٍ كِتَابًا بِقَتْلِنَا.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَصْرِيُّونَ لِطَلْحَةَ، وَالْكُوفِيُّونَ لِلزُّبَيْرِ.
وَقَالَ أَهْلُ كُلِّ مِصْرَ: إِنَّمَا جِئْنَا لِنَنْصُرَ أَصْحَابَنَا.
فَقَالَ لَهُمُ الصَّحَابَةُ: كَيْفَ عَلِمْتُمْ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِكُمْ، وَقَدِ افْتَرَقْتُمْ وَصَارَ بَيْنَكُمْ مَرَاحِلُ؟ إِنَّمَا هَذَا أَمْرٌ اتَّفَقْتُمْ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: ضَعُوهُ عَلَى مَا أَرَدْتُمْ، لَا حَاجَةَ لَنَا فِي هَذَا الرَّجُلِ، لِيَعْتَزِلْنَا وَنَحْنُ نَعْتَزِلُهُ - يَعْنُونَ أَنَّهُ إِنْ نَزَلَ عَنِ الْخِلَافَةِ تَرَكُوهُ آمِنًا - وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ فِيمَا ذُكِرَ، لَمَّا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَجَدُوا فِي الطَّرِيقِ بَرِيدًا يَسِيرُ، فَأَخَذُوهُ فَفَتَّشُوهُ، فَإِذَا مَعَهُ فِي إداوة كتاباً عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ فِيهِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ (1) ، وَبِصَلْبِ آخَرِينَ، وَبِقَطْعِ أَيْدِي آخَرِينَ مِنْهُمْ وَأَرْجُلِهِمْ، وَكَانَ عَلَى الْكِتَابِ طَابَعٌ بِخَاتَمِ عُثْمَانَ، والبريد أحد غلمان عثمان (2) وعلى جمله، فلما رجعوا جاؤوا بِالْكِتَابِ وَدَارُوا بِهِ عَلَى النَّاسِ، فَكَلَّمَ النَّاسُ
(1) نص الكتاب في الطبري وفيه أمر عبد الله بن سعد بحبس وجلد ابن عديس البلوي وعمرو بن الحمق وسودان بن حمران وعروة بن النباع الليثي وحلق رؤوسهم ولحاهم.
زاد ابن الاثير: وصلب بعضهم.
(الطبري 5 / 119 الكامل 3 / 168) .
وفي فتوح ابن الاعثم 3 / 211: اضرب عنق عمرو بن يزيد بن ورقاء صبرا.
وعلقمة بن عديس البلوي وكنانة بن بشر وعروة بن سهم الليثي فاقطع ايديهم وأرجلهم وإذا ماتوا فاصلبهم وأما محمد بن أبي بكر فاحتل في قتله.
(2)
في الطبري ذكره: أبو الأعور السلمي.
وفي فتوح ابن الاعثم: غلام أسود، لم يسمه.
(*)
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: بَيِّنَةٌ عَلَيَّ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَوَاللَّهِ لَا كَتَبْتُ وَلَا أَمْلَيْتُ، ولا دريت بشئ مِنْ ذَلِكَ، وَالْخَاتَمُ قَدْ يُزَوَّرُ عَلَى الْخَاتَمِ، فَصَدَّقَهُ الصَّادِقُونَ فِي ذَلِكَ، وَكَذَّبَهُ الْكَاذِبُونَ.
وَيُقَالُ: إِنَّ أَهْلَ مِصْرَ كَانُوا قَدْ سَأَلُوا مِنْ عثمان أن يعزل عنه ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، وَيُوَلِّيَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بكر، فأجابهم إلى ذلك، فلما وَجَدُوا ذَلِكَ الْبَرِيدَ وَمَعَهُ الْكِتَابُ بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا رجعوا ذَلِكَ الْبَرِيدَ وَمَعَهُ الْكِتَابُ بِقَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَآخَرِينَ مَعَهُ، فَرَجَعُوا، وَقَدْ حَنِقُوا عَلَيْهِ حَنَقًا شَدِيدًا، وَطَافُوا بِالْكِتَابِ عَلَى النَّاسِ، فَدَخَلَ ذَلِكَ فِي أَذْهَانِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ (1) .
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ الَّذِي كَانَ مَعَهُ
هَذِهِ الرِّسَالَةُ مِنْ جِهَةِ عُثْمَانَ إِلَى مِصْرَ أَبُو الْأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ، عَلَى جَمَلٍ لِعُثْمَانَ، وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَتَبُوا إِلَى الْآفَاقِ مِنَ الْمَدِينَةِ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْقُدُومِ عَلَى عُثْمَانَ لِيُقَاتِلُوهُ، وَهَذَا كَذِبٌ عَلَى الصَّحَابَةِ، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ كُتُبٌ مُزَوَّرَةٌ عَلَيْهِمْ، كَمَا كَتَبُوا مِنْ جِهَةِ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ إِلَى الْخَوَارِجِ كُتُبًا مُزَوَّرَةً عَلَيْهِمْ أَنْكَرُوهَا، وَهَكَذَا زُوِّرَ هَذَا الْكُتَّابُ عَلَى عُثْمَانَ أَيْضًا، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَيْضًا.
وَاسْتَمَرَّ عُثْمَانُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كُلِّهَا، وَهُمْ أَحْقَرُ فِي عَيْنِهِ مِنَ التُّرَابِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْجُمُعَاتِ وَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي يَدِهِ الْعَصَا الَّتِي كَانَ يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ، وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما مِنْ بَعْدِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أُولَئِكَ فَسَبَّهُ وَنَالَ مِنْهُ، وَأَنْزَلَهُ عَنِ الْمِنْبَرِ، فَطَمِعَ النَّاسِ فِيهِ مِنْ يَوْمَئِذٍ، كَمَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أُسَامَةُ ابن زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَنْظُرُ إِلَى عُثْمَانَ يَخْطُبُ عَلَى عَصَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَقَالَ لَهُ جَهْجَاهُ: قُمْ يَا نَعْثَلُ فَانْزِلْ عَنْ هَذَا الْمِنْبَرِ وَأَخَذَ الْعَصَا فَكَسَرَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى فَدَخَلَتْ شَظِيَّةٌ مِنْهَا فِيهَا فَبَقِيَ الْجُرْحُ حَتَّى أَصَابَتْهُ الْأَكِلَةُ، فَرَأَيْتُهَا تُدَوِّدُ، فَنَزَلَ عُثْمَانُ وَحَمَلُوهُ وَأَمَرَ بِالْعَصَا فَشَدُّوهَا، فَكَانَتْ مُضَبَّبَةً، فَمَا خَرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَّا خَرْجَةً أَوْ خَرْجَتَيْنِ، حَتَّى حُصِرَ فقتل.
قال ابن جرير: وحدثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أن الجهجاه الْغِفَارِيَّ أَخَذَ عَصَا كَانَتْ فِي يَدِ عُثْمَانَ فَكَسَرَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ، فَرُمِيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِأَكِلَةٍ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ابن أَبِي (2) حَبِيبَةَ قَالَ: خَطَبَ عُثْمَانُ النَّاسَ فِي بَعْضِ أيَّامه فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا أمير المؤمنين: إنك ركبت بهاتير (3) وركبناها معك، فتب نتب معك.
فاستقبل عثمان القبلة وشمر (4) يديه، قال ابن أبي حبيبة:
(1) انظر الخبر في فتوح ابن الاعثم 3 / 210 وفيه كتاب عثمان بتولية محمد بن أبي بكر وعزل عبد الله بن سعد، والكتاب المنسوب إلى عثمان إلى واليه بمصر مع غلامه الذين أمسك به المصريون وهم عائدون من المدينة.
(2)
في الطبري: أبي حبيبة.
(3)
في الطبري وابن سعد: نهابير.
والنهابير: المهالك (القاموس) .
(4)
في الطبري: شهر يديه، وفي ابن سعد: رفع يديه فقال: اللهم إني أستغفرك واتوب إليك.
(*)
فَلَمْ أَرَ يَوْمًا أَكْثَرَ بَاكِيًا وَلَا بَاكِيَةً مِنْ يَوْمِئِذٍ.
ثُمَّ لَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَامَ إِلَيْهِ جَهْجَاهُ الْغِفَارِيُّ فَصَاحَ إليه: يَا عُثْمَانُ أَلَا إِنَّ هَذِهِ شَارِفٌ قَدْ جِئْنَا بِهَا عَلَيْهَا عَبَاءَةٌ وَجَامِعَةٌ، فَانْزِلْ فَلْنُدْرِجْكَ في العباة وَلْنَطْرَحْكَ فِي الْجَامِعَةِ وَلْنَحْمِلْكَ عَلَى الشَّارِفِ ثُمَّ نَطْرَحْكَ فِي جَبَلِ الدُّخَانِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: قَبَّحَكَ اللَّهُ وَقَبَّحَ مَا جِئْتَ بِهِ، ثُمَّ نَزَلَ عثمان.
قال ابن أبي حَبِيبَةَ: وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ رَأَيْتُهُ فِيهِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عامر بن سعد.
قال: كنا أول من اجترأ على عثمان بالنطق السئ جَبَلَةُ بْنُ عَمْرٍو السَّاعِدِيُّ مَرَّ بِهِ عُثْمَانُ وَهُوَ فِي نَادِي قَوْمِهِ، وَفِي يَدِ جَبَلَةَ جَامِعَةٌ، فَلَمَّا مَرَّ عُثْمَانُ سَلَّمَ فَرَدَّ الْقَوْمُ، فَقَالَ جَبَلَةُ: لِمَ تَرُدُّونَ عَلَيْهِ؟ رَجُلٌ قَالَ (1) كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَأَطْرَحَنَّ هَذِهِ الْجَامِعَةَ فِي عُنُقِكَ أَوْ لَتَتْرُكَنَّ بِطَانَتَكَ هَذِهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَيُّ بِطَانَةٍ؟ فوالله لِأَتَخَيَّرُ (2) النَّاسُ، فَقَالَ مَرْوَانَ تَخَيَّرْتَهُ، وَمُعَاوِيَةَ تَخَيَّرْتَهُ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ تَخَيَّرْتَهُ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح تخيرته، منهم من نزل القرآن بذمه، وَأَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَمَهُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عُثْمَانُ فَمَا زَالَ النَّاسُ مُجْتَرِئِينَ عَلَيْهِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ نُقَاخَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الشَّرِيدِ.
قَالَ: مَرَّ عُثْمَانُ عَلَى جَبَلَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّاعِدِيِّ وَهُوَ بِفَنَاءِ دَارِهِ، وَمَعَهُ جَامِعَةٌ، فَقَالَ: يَا نَعْثَلُ! وَاللَّهِ لِأَقْتُلُنَّكَ وَلَأَحْمِلَنَّكَ عَلَى قَلُوصٍ جَرْبَاءَ، وَلِأُخْرِجُنَّكَ إِلَى حَرَّةِ النَّارِ.
ثُمَّ جَاءَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَعُثْمَانُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَنْزَلَهُ عَنْهُ.
وَذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ أَنَّ عُثْمَانَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَهُمْ أَيْضًا فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: يَا هؤلاء الغرباء (3) ! اللَّهَ اللَّهَ، فَوَاللَّهِ أنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَيَعْلَمُونِ أَنَّكُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَامْحُوَا الْخَطَأَ بِالصَّوَابِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يمحو السئ إِلَّا بِالْحَسَنِ، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: أَنَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ، فَأَخَذَهُ حُكَيم بْنُ جَبَلَةَ فَأَقْعَدَهُ، فَقَامَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ: إِنَّهُ فِي الْكِتَابِ.
فَثَارَ إِلَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى محمد بن أبي مريرة فأقعده وقال يا نطع (4) ، وَثَارَ الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ فَحَصَبُوا النَّاسَ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَحَصَبُوا عُثْمَانَ حَتَّى
صُرِعَ مِنَ الْمِنْبَرِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَاحْتُمِلَ وَأُدْخِلَ دَارَهُ، وَكَانَ الْمِصْرِيُّونَ لَا يَطْمَعُونَ فِي أَحَدٍ مِنَ النَّاس أَنْ يُسَاعِدَهُمْ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَمُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ (5) ، وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ.
وَأَقْبَلَ عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إِلَى عُثْمَانَ فِي أُنَاسٍ يَعُودُونَهُ وَيَشْكُونَ إِلَيْهِ بَثَّهُمْ وَمَا حَلَّ بِالنَّاسِ، ثم رجعوا إلى منازلهم، واستقبل جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمُحَارَبَةِ عَنْ عُثْمَانَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ يُقْسِمُ عَلَيْهِمْ لَمَا كَفُّوا أَيْدِيَهُمْ وَسَكَنُوا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مَا يَشَاءُ.
(1) في رواية الطبري عن الواقدي: فعل.
(2)
في الطبري: إني لا أمخير.
(3)
في الطبري: العدى.
(4)
العبارة في الطبري: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي قُتَيْرَةَ فَأَقْعَدَهُ وَقَالَ فَأَفْظَعَ.
(5)
في الطبري: محمد بن أبي حذيفة.
(*)