المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ طاعون عمواس - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٧

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 7

- ‌ سنة ثلاث عشرة

- ‌وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ

- ‌انْتِقَالُ إِمْرَةِ الشَّامِ مِنْ خالد إلى أبي عبيدة بَعْدَ وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ

- ‌خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه

- ‌فَتَحِ دِمَشْقَ

- ‌فصل وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دِمَشْقَ هَلْ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً

- ‌ فَصَلَ

- ‌وقعة فِحل

- ‌وَقْعَةُ النَّمَارِقِ

- ‌وَقْعَةُ جسر

- ‌فصل

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ذِكْرُ اجْتِمَاعِ الْفُرْسِ عَلَى يَزْدَجِرْدَ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ذِكْرُ الْمُتَوَفَّيْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُرَتَّبِينَ عَلَى الحروف

- ‌سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌غَزْوَةِ الْقَادِسِيَّةِ

- ‌فصل كَانَتْ وَقْعَةُ الْقَادِسِيَّةِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَكُنْ بِالْعِرَاقِ أَعْجَبُ مِنْهَا

- ‌ذكرى مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ مِنَ الْمَشَاهِيرِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ

- ‌وَقْعَةُ حِمْصَ

- ‌وَقْعَةُ قِنَّسْرِينَ

- ‌وَقْعَةُ قَيْسَارِيَّةَ

- ‌وَقْعَةُ أَجْنَادِينَ

- ‌فَتْحُ بَيْتِ المقدس عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

- ‌وقعة نهر شير

- ‌من توفي في هَذِهِ السَّنَةَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ

- ‌ذكر فتح المدائن

- ‌وَقْعَةُ جَلُولَاءَ

- ‌ذِكْرُ فَتْحِ حُلْوَانَ

- ‌فَتْحُ تَكْرِيتَ وَالْمَوْصِلِ

- ‌فَتْحُ مَاسَبَذَانَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقَ

- ‌فتح قرقيسيا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ

- ‌فَتْحُ الْجَزِيرَةِ

- ‌ عُزِلَ خَالِدٌ عَنْ قِنَّسْرِينَ أَيْضًا

- ‌فَتْحُ الْأَهْوَازِ

- ‌فَتْحُ تستُر الْمَرَّةُ الْأُولَى صُلْحًا

- ‌ذِكْرُ غَزْوِ بلاد فارس من ناحية البحرين

- ‌ذكر فتح تستر ثانية وَأَسْرِ الْهُرْمُزَانِ وَبَعْثِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخِطَابِ

- ‌فَتْحُ السويس

- ‌وفد من الكوفة

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثماني عشرة

- ‌ طَاعُونَ عَمَوَاسَ

- ‌ ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ رضي الله عنهم

- ‌الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ

- ‌عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ ابْنُ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو عُبَيْدَةَ

- ‌الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ

- ‌ثم دخلت سنة تسع عشرة

- ‌ فَتْحُ الْجَزِيرَةِ وَالرُّهَا وَحَرَّانَ وَرَأْسِ الْعَيْنِ وَنَصِيبِينَ

- ‌ذكر مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌سَنَةُ عِشْرِينَ مِنَ الهجرة

- ‌صفة فتح مصر

- ‌قِصَّةُ نِيلِ مِصْرَ

- ‌ذكر المتوفين من الأعيان

- ‌ثُمَّ دخلت سنة إحدى وعشرين

- ‌ وقعة نهاوند

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ذكر من توفي سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ

- ‌ثم دخلت سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ

- ‌فتح همدان ثَانِيَةً ثُمَّ الرَّيِّ

- ‌فَتْحُ قَوْمِسَ

- ‌فَتْحُ جُرْجَانَ

- ‌فَتْحُ الْبَابِ

- ‌أَوَّلُ غَزْوِ التُّرْكِ

- ‌قِصَّةُ السَّدِّ

- ‌قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى

- ‌خُرَاسَانَ مَعَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين

- ‌وَفِيهَا وَفَاةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

- ‌فتح فسا ودار أبجرد وَقِصَّةُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ

- ‌غَزْوَةُ الْأَكْرَادِ

- ‌خَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ وَالْأَكْرَادِ

- ‌ سِيرَةِ عُمَرَ

- ‌ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ

- ‌ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ

- ‌ ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان

- ‌ سنة أربع وعشرين

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة خمس وعشرين

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ

- ‌ثم دخلت سنة سبع وعشرين

- ‌غزوة إفريقية

- ‌غَزْوَةُ الْأَنْدَلُسِ

- ‌وَقْعَةُ جُرْجِيرَ وَالْبَرْبَرِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌ثم دخلت سنة ثمان وعشرين

- ‌فتح قبرص

- ‌‌‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تسع وعشرين

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تسع وعشرين

- ‌فصل

- ‌ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثنتين وثلاثين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العاص حين عزله عثمان عن مصر ولى عَلَيْهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ

- ‌ذكر مجئ الْأَحْزَابِ إِلَى عُثْمَانَ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِصْرَ

- ‌ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان لَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌فَصْلٌ كَانَ الْحِصَارُ مُسْتَمِرًّا مِنْ أَوَاخِرَ ذِي الْقِعْدَةِ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةَ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ

- ‌فصل وَلَمَّا وَقَعَ هَذَا الْأَمْرُ الْعَظِيمُ، الْفَظِيعُ الشَّنِيعُ

- ‌فصل كانت مدة حصار عُثْمَانَ رضي الله عنه فِي دَارِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى الْمَشْهُورِ

- ‌ذِكْرُ صِفَتِهِ رضي الله عنه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذكر شئ من سيرته وهي دالة على فضيلته

- ‌فصل

- ‌فصل وَمِنْ مَنَاقِبِهِ الْكِبَارِ وَحَسَنَاتِهِ الْعَظِيمَةِ

- ‌ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وبنيه وبناته رضي الله عنهم

- ‌فَصْلٌ

- ‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه بالخلافة

- ‌ثُمَّ دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة

- ‌ابْتِدَاءُ وَقْعَةِ الْجَمَلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌفِي ذِكْرِ أَعْيَانِ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ مِنَ السَّادَةِ النُّجَبَاءِ

- ‌ وقعة صفِّين بين أهل العراق وبين أهل الشام

- ‌ثم دخلت سنة سبع وثلاثين

- ‌قِصَّةُ التَّحْكِيمِ

- ‌خُرُوجِ الْخَوَارِجِ

- ‌فصل

- ‌اجتماع الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص

- ‌خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم علياً

- ‌مسير أمير المؤمنين علي إِلَى الْخَوَارِجِ

- ‌ما ورد فيهم من الأحاديث الشريفة

- ‌ سَارَ عَلِيٌّ إِلَى النَّهْرَوَانِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذكر من توفي فيها

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وثلاثين

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ

- ‌ثم دخلت سنة تسع وثلاثين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ

- ‌سنة أربعين من الهجرة

- ‌ذِكْرُ مَقْتَلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب وما ورد من الأحاديث النبوية من الأخبار بمقتله وكيفيته

- ‌صِفَةُ مَقْتَلِهِ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وبناته

- ‌شئ مِنْ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

الفصل: ‌ طاعون عمواس

قَالَ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ ذَكَرَ نُوَّابَهُ عَلَى الْبِلَادِ، وَهُمْ مَنْ ذَكَرَ فِي السَّنَةِ قَبْلَهَا غَيْرَ الْمُغِيرَةِ فَإِنَّ عَلَى الْبَصْرَةِ بَدَلَهُ أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ.

قُلْتُ: وَقَدْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَقْوَامٌ قِيلَ إِنَّهُمْ تُوُفُّوا قَبْلَهَا وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمْ، وَقِيلَ فِيمَا بَعْدَهَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُمْ فِي أَمَاكِنِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثماني عشرة

الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ‌

‌ طَاعُونَ عَمَوَاسَ

كَانَ بِهَا، وَقَدْ تَبِعْنَا قَوْلَ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ جَرِيرٍ فِي إِيرَادِهِ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الَّتِي قَبِلَهَا، لَكِنَّا نَذْكُرُ وَفَاةَ مَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، وَأَبُو مَعْشَرٍ: كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ طَاعُونُ عَمَوَاسَ وعام الرمادة،

فتفانى فيهما النَّاسُ.

قُلْتُ: كَانَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ جَدْبٌ عَمَّ أَرْضَ الْحِجَازِ، وَجَاعَ النَّاسُ جُوعًا شَدِيدًا.

وَقَدْ بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي سِيرَةِ عُمَرَ.

وَسُمِّيَتْ عَامَ الرَّمَادَةِ لِأَنَّ الْأَرْضَ اسْوَدَّتْ مِنْ قِلَّةِ الْمَطَرِ حَتَّى عَادَ لَوْنُهَا شَبِيهًا بالرماد.

وقيل: لأنها تَسْفِي الرِّيحُ تُرَابًا كَالرَّمَادِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ سميت لكل منهما.

والله أعلم.

وقد أجدبت النَّاسُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، وَجَفَلَتِ الْأَحْيَاءُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ أَحَدٍ منهم زاد فلجأوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْفَقَ فِيهِمْ مِنْ حَوَاصِلِ بَيْتِ الْمَالِ مِمَّا فِيهِ مِن الْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْوَالِ حَتَّى أَنْفَدَهُ، وَأَلْزَمَ نَفْسَهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ سَمْنًا وَلَا سَمِينًا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِالنَّاسِ، فكان في زمن الخصيب يبث لَهُ الْخُبْزُ بِاللَّبَنِ وَالسَّمْنِ، ثُمَّ كَانَ عَامَ الرمادة يبث لَهُ بِالزَّيْتِ وَالْخَلِّ، وَكَانَ يَسْتَمْرِئُ الزَّيْتَ.

وَكَانَ لَا يَشْبَعُ مَعَ ذَلِكَ، فَاسْوَدَّ لَوْنُ عُمَرَ رضي الله عنه وَتَغَيَّرَ جِسْمُهُ حَتَّى كَادَ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ.

وَاسْتَمَرَّ هَذَا الْحَالُ فِي النَّاسِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَحَوَّلَ الْحَالُ إِلَى الْخِصْبِ وَالدَّعَةِ وَانْشَمَرَ النَّاسُ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى أَمَاكِنِهِمْ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا من العرب قال لعمر حين ترحلت الأحياء عن المدينة: لقد انجلت عنك ولأنك لَابْنُ حُرَّةٍ.

أَيْ وَاسَيْتَ النَّاسَ وَأَنْصَفْتَهُمْ وَأَحْسَنْتَ إِلَيْهِمْ.

وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ عُمَرَ عَسَّ الْمَدِينَةَ ذات ليلة عَامِ الرَّمَادَةِ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَضْحَكُ، وَلَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ فِي مَنَازِلِهِمْ عَلَى الْعَادَةِ، وَلَمْ ير سَائِلًا يَسْأَلُ، فَسَأَلَ عَنْ سَبَبٍ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ السُّؤَّالَ سَأَلُوا فَلَمْ يُعْطَوْا فَقَطَعُوا السُّؤَالَ، وَالنَّاسُ فِي همٍّ وَضِيقٍ فَهُمْ لَا يَتَحَدَّثُونَ وَلَا يَضْحَكُونَ.

فَكَتَبَ عمر إلى أبي موشى بِالْبَصْرَةِ أَنْ يَا غَوْثَاهُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ.

وَكَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بِمِصْرَ أَنْ يَا غَوْثَاهُ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ.

فَبَعَثَ إِلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ تَحْمِلُ الْبُرَّ وَسَائِرَ الْأَطْعِمَاتِ، وَوَصَلَتْ مِيرَةُ عَمْرٍو فِي الْبَحْرِ إِلَى جُدَّةَ وَمِنْ جُدَّةَ إِلَى مَكَّةَ.

وَهَذَا الْأَثَرُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ، لَكِنَّ ذِكْرَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ مِصْرَ لَمْ تَكُنْ فُتِحَتْ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامُ الرَّمَادَةِ بَعْدَ سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، أَوْ يَكُونَ ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي عام الرمادة وهم.

والله أعلم.

ص: 103

وَذَكَرَ سَيْفٌ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ رَاحِلَةٍ تَحْمِلُ طعاماً، فأمره

عمر بتفريقها فِي الْأَحْيَاءِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذلك أمر له بأربعة آلاف درهم فأبى أن يقبلها، فلح عليه عمر حتى قبلها.

وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ عَامُ الرَّمَادَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَأَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا جُوعٌ فَهَلَكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى جَعَلَتِ الْوَحْشُ تأوي إلى الإنس، فكان الناس بذلك وَعُمَرُ كَالْمَحْصُورِ عَنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ حَتَّى أَقْبَلَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيُّ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ فقال: أنا رسولُ رسول الله إِلَيْكَ، يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَقَدْ عَهِدْتُكَ كَيِّسًا، وَمَا زِلْتَ عَلَى ذَلِكَ (1) ، فَمَا شَأْنُكَ "؟ قَالَ: مَتَى رَأَيْتَ هَذَا؟ قَالَ: الْبَارِحَةَ.

فَخَرَجَ فَنَادَى فِي النَّاسِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُونَ مني أمراً غيره خير منه؟ فقالوا: اللَّهُمَّ لَا، فَقَالَ: إِنَّ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ يزعم ذية وذية.

قالوا: صَدَقَ بِلَالٌ فَاسْتَغِثْ بِاللَّهِ ثُمَّ بِالْمُسْلِمِينَ.

فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ - وَكَانَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ مَحْصُورًا - فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، بَلَغَ الْبَلَاءُ مُدَّتَهُ فَانْكَشَفَ.

مَا أُذِنَ لِقَوْمٍ فِي الطَّلَبِ إِلَّا وَقَدْ رفع عنهم الأذى والبلاء.

وكتب إلى أمراء الأمصار أن أغيثوا أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَ جَهْدُهُمْ.

وَأَخْرَجَ النَّاسَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ فَخَرَجَ وَخَرَجَ مَعَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَاشِيًا، فَخَطَبَ وَأَوْجَزَ وَصَلَّى ثُمَّ جَثَى لِرُكْبَتَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَارْضَ عَنَّا.

ثُمَّ انْصَرَفَ فَمَا بَلَغُوا الْمَنَازِلَ رَاجِعِينَ حَتَّى خَاضُوا الْغُدْرَانَ.

ثُمَّ رَوَى سَيْفٌ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ صَخْرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ سَأَلَهُ أَهْلُهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُمْ شَاةً فَقَالَ: ليس فيهن شئ.

فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فَذَبَحَ شَاةً فَإِذَا عِظَامُهَا حُمْرٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدَاهُ.

فَلَمَّا أَمْسَى أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول له: " أبشر بالحياة، إيت عمر فأقره مِنِّي السَّلَامَ وَقُلْ لَهُ إِنَّ عَهْدِي بِكَ وَفِيَّ الْعَهْدِ شَدِيدَ الْعَقْدِ، فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ يَا عُمَرُ "، فَجَاءَ حَتَّى أَتَى بَابَ عُمَرَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ اسْتَأْذِنْ لِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

فَأَتَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ فَفَزِعَ، ثُمَّ صعد عمر المنبر فقال للناس: أنشدكم الله الذي هَدَاكُمْ

لِلْإِسْلَامِ هَلْ رَأَيْتُمْ مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، وَعَمَّ ذَاكَ؟ فَأَخْبَرَهُمْ بِقَوْلِ الْمُزَنِيِّ - وَهُوَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ - فَفَطِنُوا وَلَمْ يَفْطَنْ.

فَقَالُوا: إِنَّمَا اسْتَبْطَأَكَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَاسْتَسْقِ بِنَا.

فَنَادَى فِي النَّاسِ فَخَطَبَ فَأَوْجَزَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَوْجَزَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَجَزَتْ عَنَّا أَنْصَارُنَا، وَعَجَزَ عَنَّا حَوْلُنَا وَقُوَّتُنَا، وَعَجَزَتْ عَنَّا أَنْفُسُنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بك، اللهم اسقنا وأحيي العباد والبلاد.

(1) في الطبري: وما زلت على رجل.

(*)

ص: 104

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرِ بْنُ قَتَادَةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ قَالَا: حدثنا أبو عمر بْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ (1) بْنُ عَلِيٍّ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مَالِكٍ قال: أصاب الناس قحط في زمن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِأُمَّتِكَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا.

فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: إيت عمر فأقره (2) مني السلام واخبرهم أنهم مسقون، وقل له عليك بالكيس الْكَيْسَ.

فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ عُمَرَ فَقَالَ: يَا رب ما آلوا إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ (3) .

وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.

وقال الطبراني: حدثنا أبو مسلم الكشي، حدثنا أبو محمد الأنصاري، ثنا أبي، عن ثمامة ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي وَخَرَجَ بِالْعَبَّاسِ مَعَهُ يَسْتَسْقِي يقول: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا قَحَطْنَا عَلَى عَهْدِ نَبِيِّنَا تَوَسَّلْنَا إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم.

وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ محمد بن عبد الله بِهِ وَلَفْظُهُ " عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا قَحَطُوا يَسْتَسْقِي بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا.

قَالَ: فَيُسْقَوْنَ (4) .

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا - فِي كِتَابِ الْمَطَرِ وَفِي كِتَابِ مُجَابِي الدعوة - حدثنا أبو بكر النيسابوري ثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْعُمَرِيِّ عَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَسْتَسْقِي بِهِمْ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكُ وَنَسْتَسْقِيكَ فَمَا بَرِحَ

مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى مُطِرُوا فَقَدِمَ أَعْرَابٌ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَا نحن في وادينا فِي سَاعَةِ كَذَا إِذْ أَظَلَّتْنَا غَمَامَةٌ فَسَمِعْنَا مِنْهَا صَوْتًا: أَتَاكَ الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ، أَتَاكَ الْغَوْثُ أَبَا حَفْصٍ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ حَتَّى رَجَعَ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نراك استسقيت.

فقال: لقد طلبت المطر بمحاديج السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ ثُمَّ قَرَأَ * (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً) * [نوح: 11] ثُمَّ قَرَأَ * (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) * الآية [هود: 3] .

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنْ طَرِيقِ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الْمُجَالِدِ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي عُثْمَانَ وَأَبِي حَارِثَةَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالُوا: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِنَّ نفراً

(1) في دلائل البيهقي: أبو بكر بن علي الذهلي.

(2)

في الدلائل: فاقرئه.

(3)

روى الخبر البيهقي في الدلائل 7 / 47.

(4)

أخرجه البخاري في الاستسقاء، باب (3) ح (1010) فتح الباري (2 / 494) .

ورواه البيهقي في الدلائل من طريق يعقوب بن سفيان ج 6 / 147.

(*)

ص: 105

مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَصَابُوا الشَّرَابَ، مِنْهُمْ ضِرَارٌ وَأَبُو جندل بن سهل، فَسَأَلْنَاهُمْ فَقَالُوا: خُيِّرْنَا فَاخْتَرْنَا.

قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ منتهون؟ ولم يعزم.

فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ فَأَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِمْ، وَأَنَّ المعنى: فهل أنتم منتهون أَيِ انْتَهُوا.

وَأَجْمَعُوا عَلَى جَلْدِهِمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ.

وَأَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ يُقْتَلُ.

فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ أَنِ ادْعُهُمْ فَسَلْهُمْ عَنِ الْخَمْرِ، فَإِنْ قَالُوا هِيَ حَلَالٌ فَاقْتُلْهُمْ، وَإِنْ قَالُوا: هِيَ حَرَامٌ فَاجْلِدْهُمْ.

فَاعْتَرَفَ الْقَوْمُ بِتَحْرِيمِهَا، فَجُلِدُوا الْحَدَّ وَنَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنَ اللَّجَاجَةِ فِيمَا تَأَوَّلُوهُ، حَتَّى وُسْوِسَ أَبُو جَنْدَلٍ فِي نَفْسِهِ، فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ وَيُذَكِّرَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ، مِنْ

عُمَرَ إِلَى أَبِي جَنْدَلٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يشاء، فَتُبْ وَارْفَعْ رَأْسَكَ وَابْرُزْ وَلَا تَقْنَطْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ * (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) * [الزمر: 53] وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى النَّاسِ: أَنْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ وَمَنْ غَيَّرَ فَغَيِّرُوا عَلَيْهِ، وَلَا تُعَيِّرُوا أَحَدًا فَيَفْشُوَ فِيكُمُ الْبَلَاءُ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الزَّهْرَاءِ الْقُشَيْرِيُّ فِي ذَلِكَ.

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الدَّهْرَ يَعْثُرُ بِالْفَتَى * وَلَيْسَ عَلَى صَرْفِ الْمَنُونِ بِقَادِرِ صَبَرْتُ وَلَمْ أَجْزَعْ وَقَدْ مَاتَ إِخْوَتِي * وَلَسْتُ عَنِ الصَّهْبَاءِ يَوْمًا بِصَابِرِ (1) رَمَاهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِحَتْفِهَا * فَخُلَّانُهَا يَبْكُونَ حول المقاصر قَالَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا حَوَّلَ عُمَرُ الْمَقَامَ - وَكَانَ مُلْصَقًا بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ - فَأَخَّرَهُ إِلَى حَيْثُ هُوَ الْآنَ لِئَلَّا يُشَوِّشَ الْمُصَلُّونَ عِنْدَهُ عَلَى الطَّائِفِينَ.

قلت: قد ذَكَرْتُ أَسَانِيدَ ذَلِكَ فِي سِيرَةِ عُمَرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

قَالَ: وَفِيهَا اسْتَقْضَى عُمَرُ شُرَيْحًا عَلَى الْكُوفَةِ، وَكَعْبَ بْنَ سُورٍ عَلَى الْبَصْرَةِ.

قَالَ وَفِيهَا حَجَّ عُمَرُ بِالنَّاسِ وَكَانَتْ نُوَّابُهُ فِيهَا الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ، وَفِيهَا فُتِحَتِ الرَّقَّةُ وَالرُّهَا وَحَرَّانُ عَلَى يَدَيْ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ.

قَالَ: وَفُتِحَتْ رَأْسُ عَيْنِ الْوَرْدَةِ عَلَى يَدَيْ عُمَرَ (2) بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.

وَقَالَ غَيْرُهُ خِلَافَ ذَلِكَ.

وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَارِيخِهِ: وَفِيهَا - يَعْنِي هَذِهِ السَّنَةَ - افْتَتَحَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ الرُّهَا وشمشاط عَنْوَةً، وَفِي أَوَائِلِهَا وَجَّهَ أَبُو عُبَيْدَةَ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ إِلَى الْجَزِيرَةِ فَوَافَقَ أَبَا مُوسَى فافتتحها حَرَّانَ وَنَصِيبِينَ وَطَائِفَةً مِنَ الْجَزِيرَةِ عَنْوَةً، وَقِيلَ صُلْحًا.

وَفِيهَا سَارَ عِيَاضٌ إِلَى الْمَوْصِلِ فَافْتَتَحَهَا وَمَا حَوْلَهَا عَنْوَةً.

وَفِيهَا بَنَى سَعْدٌ جَامِعَ الْكُوفَةِ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا كَانَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ فَمَاتَ فِيهِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا.

قُلْتُ: هَذَا الطاعون منسوب إلى بلدة صَغِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا عَمَوَاسُ - وَهِيَ بَيْنَ الْقُدْسِ والرمله - لأنها كان أول ما نجم الدَّاءُ بِهَا، ثُمَّ انْتَشَرَ فِي الشَّامِ مِنْهَا فَنُسِبَ إِلَيْهَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.

قال الواقدي توفي: في

(1) الصهباء: الخمرة.

(2)

انظر الحاشية رقم 2 ص 88 من هذا الجزء.

(*)

ص: 106