الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَحَثَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَالصَّبْرِ وَالْمَسِيرِ إِلَى أَعْدَائِهِمْ من الشامين وَالْمِصْرِيِّينَ، وَوَاعَدَهُمُ الْجَرَعَةَ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ خَرَجَ يَمْشِي إِلَيْهَا حَتَّى نَزَلَهَا فلم يخرج إليه أحد من الجيش، فلما كان العشي بعث إلى أشراف الناس فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ حَزِينٌ كَئِيبٌ فَقَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْرٍ وَقَدَّرَ مِنْ فِعْلٍ وَابْتَلَانِي بِكُمْ وَبِمَنْ لَا يُطِيعُ إِذَا أمرتُ، وَلَا يُجِيبُ إذا دعوتُ، أو ليس عَجَبًا أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ بِغَيْرِ عَطَاءٍ وَلَا مَعُونَةٍ، وَيُجِيبُونَهُ فِي السَّنَةِ مرتين وَالثَّلَاثَ إِلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ؟ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمْ أُولُو النُّهَى وَبَقِيَّةُ النَّاسِ عَلَى الْمَعُونَةِ وطائفة من العطاء فتفرقون عني وتعصونني وَتَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ؟ فَقَامَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ كَعْبٍ الأوسي (1) فَنَدَبَ النَّاسَ إِلَى امْتِثَالِ أَمْرِ عَلِيٍّ وَالسَّمْعِ والطاعة فانتدب ألفا فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ مَالِكَ بْنَ كَعْبٍ هَذَا فَسَارَ بِهِمْ
خَمْسًا، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عَلِيٍّ جَمَاعَةٌ (2) ممَّن كَانَ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِمِصْرَ فَأَخْبَرُوهُ كَيْفَ وَقَعَ الْأَمْرُ وَكَيْفَ قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَكَيْفَ اسْتَقَرَّ أَمْرُ عَمْرٍو بِهَا، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكِ بْنِ كَعْبٍ فَرَدَّهُ مِنَ الطَّرِيقِ - وَذَلِكَ أَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الشَّام قَبْلَ وُصُولِهِمْ إِلَى مِصْرَ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى مُخَالَفَةِ عَلِيٍّ فِيمَا يأمرهم به وينهاهم عنه، والخروج عليه والبعد عن أحكامه وأقواله وأفعاله، لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَجَفَائِهِمْ وَغِلْظَتِهِمْ وَفُجُورِ كَثِيرٍ منهم، فكتب عَلِيٌّ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ عبَّاس - وَهُوَ نَائِبُهُ عَلَى الْبَصْرَةِ - يَشْكُو إِلَيْهِ مَا يَلْقَاهُ من الناس من المخالفة والمعاندة، فرد عليه ابن عباس يسليه في ذلك، وَيُعَزِّيهِ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَيَحُثُّهُ على تلافي النَّاسِ وَالصَّبْرِ عَلَى مُسِيئِهِمْ، فَإِنَّ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ من الدنيا، ثُمَّ رَكِبَ ابْنُ عبَّاس مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى عَلِيٍّ وَهُوَ بِالْكُوفَةِ وَاسْتَخْلَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى البصرة زياداً، وفي هذا الحين بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ كِتَابًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيِّ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِمَا حَكَمَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَلَمَّا قَدِمَهَا نَزَلَ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ فَأَجَارُوهُ فَنَهَضَ إِلَيْهِ زِيَادٌ وَبَعَثَ إليه أَعْيَنَ بْنَ ضُبَيْعَةَ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ فساروا إليهم فاقتتلوا فقتل أعين بن ضبيعة، فكتب زِيَادٌ إِلَى عَلِيٍّ يُعْلِمُهُ بِمَا وَقَعَ بِالْبَصْرَةِ بَعْدَ خُرُوجِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهَا، فَبَعَثَ عِنْدَ ذَلِكَ عَلِيٌّ جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ التَّمِيمِيَّ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا إِلَى قَوْمِهِ بَنِي تَمِيمٍ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَيْهِمْ فَرَجَعَ أَكْثَرُهُمْ عَنِ ابْنِ الحضرمي وقصده جَارِيَةُ فَحَصَرَهَ فِي دَارٍ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ، قيل: كان عددهم أربعين، وَقِيلَ سَبْعِينَ، فَحَرَّقَهُمْ بِالنَّارِ بَعْدَ أَنْ أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ وَأَنْذَرَهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا وَلَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا جاؤوا له.
فصل
وَقَدْ صَحَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ قِتَالَ عَلِيٍّ لِأَهْلِ النَّهْرَوَانِ كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَكَذَلِكَ خروج
(1) في الطبري الهمداني ثم الارحبي.
(2)
ذكر الطبري 6 / 62: الحجاج بن غزية الانصاري وعبد الرحمن بن شبيب الفزاري، قدما على علي وأخبراه خبر محمد بن أبي بكر، وقد قدم الحجاج من مصر وعبد الرحمن من الشام (وانظر الكامل 3 / 358) .
(*)
الحريث (1) بْنِ رَاشِدٍ النَّاجِيِّ كَانَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أيضاً، وكان مع الحريث ثلثمائة رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ بَنِي نَاجِيَةَ - وَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ - فَجَاءَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ يَا عَلِيُّ لَا أُطِيعُ أَمْرَكَ وَلَا أُصَلِّي خَلْفَكَ، إِنِّي لَكَ غَدًا لَمُفَارِقٌ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ إِذًا تَعْصِي رَبَّكَ وَتَنْقُضُ عَهْدَكَ وَلَا تَضُرُّ إِلَّا نَفْسَكَ، وَلِمَ تَفْعَلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ حَكَّمْتَ فِي الْكِتَابِ وَضَعُفْتَ عَنْ قِيَامِ الْحَقِّ إِذْ جَدَّ الْجِدُّ، وَرَكَنْتَ إِلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، فَأَنَا عليك زاري وَعَلَيْكَ (2) نَاقِمٌ، وَإِنَّا لَكُمْ جَمِيعًا مُبَايِنُونَ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَسَارَ بِهِمْ نَحْوَ بِلَادِ البصرة فبعث إليهم مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ الطَّائِيِّ - وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالدِّينِ وَالْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ - وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْمَعَ لَهُ وَيُطِيعَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا صَارُوا جَيْشًا وَاحِدًا، ثُمَّ خَرَجُوا في آثار الحريث (3) وَأَصْحَابِهِ فَلَحِقُوهُمْ - وَقَدْ أَخَذُوا فِي جِبَالِ رَامَهُرْمُزَ.
قَالَ فَصَفَفْنَا لَهُمْ ثُمَّ أَقْبَلْنَا إِلَيْهِمْ فَجَعَلَ مَعْقِلٌ عَلَى مَيْمَنَتِهِ يَزِيدَ بْنَ مَعْقِلَ (4) ، وَعَلَى ميسرته منجاب بن راشد الضبي، ووقف الحريث (3) فيمن مَعَهُ مِنَ الْعَرَبِ فَكَانُوا مَيْمَنَةً، وَجَعَلَ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنَ الْأَكْرَادِ وَالْعُلُوجِ مَيْسَرَةً، قَالَ: وَسَارَ فِينَا مَعْقِلُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ! لَا تَبْدَأُوا الْقَوْمَ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَأَقِلُّوا الْكَلَامَ، وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، وَأَبْشِرُوا فِي قتالكم بالأجرة إِنَّمَا تُقَاتِلُونَ مَارِقَةً مَرَقَتْ مِنَ الدِّينِ، وَعُلُوجًا كَسَرُوا الْخَرَاجَ، وَلُصُوصًا وَأَكْرَادًا، فَإِذَا حَمَلْتُ فَشُدُّوا شَدَّةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ.
ثُمَّ تَقَدَّمَ فَحَرَّكَ دَابَّتَهُ (5) تَحْرِيكَتَيْنِ ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فِي الثَّالِثَةِ وَحَمَلْنَا معه جميعنا فَوَاللَّهِ مَا صَبَرُوا لَنَا سَاعَةً وَاحِدَةً حَتَّى وَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ، وَقَتَلْنَا مِنَ الْعُلُوجِ وَالْأَكْرَادِ نَحْوًا من ثلثمائة، وفر الحريث (3) منهزماً حتى لحق بأساف (6) - وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ كَثِيرَةٌ - فَاتَّبَعُوهُ فَقَتَلُوهُ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِسَيْفِ الْبَحْرِ، قَتَلَهُ النُّعْمَانُ بْنُ صُهْبَانَ (7) ، وَقُتِلَ مَعَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ وَقَعَاتٍ كَثِيرَةً كَانَتْ بين أصحاب علي والخوارج فيها أيضاً ثمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ - يَعْنِي الْمَدَائِنِيَّ - عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ بن عَلِيِّ بْنِ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَمَّا قتل علي أهل النهروان خالفه قوم كثير، وَانْتَقَضَتْ أَطْرَافُهُ وَخَالَفَهُ بَنُو نَاجِيَةَ، وَقَدِمَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَانْتَقَضَ أَهْلُ الْجِبَالِ (8) ، وَطَمِعَ أَهْلُ الْخَرَاجِ فِي كَسْرِهِ وَأَخْرَجُوا سَهْلَ بْنَ حُنيف من فارس - وكان عاملا
(1) في الطبري والكامل وفتح ابن الاعثم والتجريد: الخريت.
(2)
في الطبري: وعليهم.
(3)
في الطبري 6 / 71 المغفل وفي الكامل 3 / 366 فكالاصل.
(4)
الخريت، كما تقدم.
(5)
في الطبري: رايته وفي الكامل: رأسه.
(6)
في الطبري والكامل بأسياف البحر.
(7)
في فتوح ابن الاعثم 4 / 78 قتله معقل بن قيس ضربه على أم رأسه فجدله قتيلا.
(8)
في الطبري 6 / 71: الاهواز.
(*)