المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بِلَادِ بَلَنْجَرَ مِائَتَيْ فَرْسَخٍ، وَغَزَا مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً. ثُمَّ كَانَتْ لَهُ وَقَائِعُ - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٧

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 7

- ‌ سنة ثلاث عشرة

- ‌وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ

- ‌انْتِقَالُ إِمْرَةِ الشَّامِ مِنْ خالد إلى أبي عبيدة بَعْدَ وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ

- ‌خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه

- ‌فَتَحِ دِمَشْقَ

- ‌فصل وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دِمَشْقَ هَلْ فُتِحَتْ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً

- ‌ فَصَلَ

- ‌وقعة فِحل

- ‌وَقْعَةُ النَّمَارِقِ

- ‌وَقْعَةُ جسر

- ‌فصل

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ذِكْرُ اجْتِمَاعِ الْفُرْسِ عَلَى يَزْدَجِرْدَ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ذِكْرُ الْمُتَوَفَّيْنَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُرَتَّبِينَ عَلَى الحروف

- ‌سَنَةُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌غَزْوَةِ الْقَادِسِيَّةِ

- ‌فصل كَانَتْ وَقْعَةُ الْقَادِسِيَّةِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَكُنْ بِالْعِرَاقِ أَعْجَبُ مِنْهَا

- ‌ذكرى مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذَا الْعَامِ مِنَ الْمَشَاهِيرِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ

- ‌وَقْعَةُ حِمْصَ

- ‌وَقْعَةُ قِنَّسْرِينَ

- ‌وَقْعَةُ قَيْسَارِيَّةَ

- ‌وَقْعَةُ أَجْنَادِينَ

- ‌فَتْحُ بَيْتِ المقدس عَلَى يَدَيْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

- ‌وقعة نهر شير

- ‌من توفي في هَذِهِ السَّنَةَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتَّ عَشْرَةَ

- ‌ذكر فتح المدائن

- ‌وَقْعَةُ جَلُولَاءَ

- ‌ذِكْرُ فَتْحِ حُلْوَانَ

- ‌فَتْحُ تَكْرِيتَ وَالْمَوْصِلِ

- ‌فَتْحُ مَاسَبَذَانَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقَ

- ‌فتح قرقيسيا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ

- ‌فَتْحُ الْجَزِيرَةِ

- ‌ عُزِلَ خَالِدٌ عَنْ قِنَّسْرِينَ أَيْضًا

- ‌فَتْحُ الْأَهْوَازِ

- ‌فَتْحُ تستُر الْمَرَّةُ الْأُولَى صُلْحًا

- ‌ذِكْرُ غَزْوِ بلاد فارس من ناحية البحرين

- ‌ذكر فتح تستر ثانية وَأَسْرِ الْهُرْمُزَانِ وَبَعْثِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخِطَابِ

- ‌فَتْحُ السويس

- ‌وفد من الكوفة

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثماني عشرة

- ‌ طَاعُونَ عَمَوَاسَ

- ‌ ذِكْرُ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِهِمْ رضي الله عنهم

- ‌الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ

- ‌عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ ابْنُ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو عُبَيْدَةَ

- ‌الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

- ‌مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ

- ‌ثم دخلت سنة تسع عشرة

- ‌ فَتْحُ الْجَزِيرَةِ وَالرُّهَا وَحَرَّانَ وَرَأْسِ الْعَيْنِ وَنَصِيبِينَ

- ‌ذكر مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌سَنَةُ عِشْرِينَ مِنَ الهجرة

- ‌صفة فتح مصر

- ‌قِصَّةُ نِيلِ مِصْرَ

- ‌ذكر المتوفين من الأعيان

- ‌ثُمَّ دخلت سنة إحدى وعشرين

- ‌ وقعة نهاوند

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ذكر من توفي سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ

- ‌ثم دخلت سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ

- ‌فتح همدان ثَانِيَةً ثُمَّ الرَّيِّ

- ‌فَتْحُ قَوْمِسَ

- ‌فَتْحُ جُرْجَانَ

- ‌فَتْحُ الْبَابِ

- ‌أَوَّلُ غَزْوِ التُّرْكِ

- ‌قِصَّةُ السَّدِّ

- ‌قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى

- ‌خُرَاسَانَ مَعَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين

- ‌وَفِيهَا وَفَاةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

- ‌فتح فسا ودار أبجرد وَقِصَّةُ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ

- ‌غَزْوَةُ الْأَكْرَادِ

- ‌خَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْجَعِيِّ وَالْأَكْرَادِ

- ‌ سِيرَةِ عُمَرَ

- ‌ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَأَبْنَائِهِ وَبَنَاتِهِ

- ‌ذِكْرُ بَعْضِ مَا رُثِيَ بِهِ

- ‌ ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه

- ‌خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان

- ‌ سنة أربع وعشرين

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة خمس وعشرين

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَعِشْرِينَ

- ‌ثم دخلت سنة سبع وعشرين

- ‌غزوة إفريقية

- ‌غَزْوَةُ الْأَنْدَلُسِ

- ‌وَقْعَةُ جُرْجِيرَ وَالْبَرْبَرِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ

- ‌ثم دخلت سنة ثمان وعشرين

- ‌فتح قبرص

- ‌‌‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تسع وعشرين

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تسع وعشرين

- ‌فصل

- ‌ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثنتين وثلاثين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الْأَعْيَانِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ

- ‌ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ العاص حين عزله عثمان عن مصر ولى عَلَيْهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ

- ‌ذكر مجئ الْأَحْزَابِ إِلَى عُثْمَانَ لِلْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مِصْرَ

- ‌ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان لَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

- ‌فَصْلٌ كَانَ الْحِصَارُ مُسْتَمِرًّا مِنْ أَوَاخِرَ ذِي الْقِعْدَةِ إِلَى يَوْمِ الْجُمُعَةَ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ

- ‌فصل وَلَمَّا وَقَعَ هَذَا الْأَمْرُ الْعَظِيمُ، الْفَظِيعُ الشَّنِيعُ

- ‌فصل كانت مدة حصار عُثْمَانَ رضي الله عنه فِي دَارِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى الْمَشْهُورِ

- ‌ذِكْرُ صِفَتِهِ رضي الله عنه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذكر شئ من سيرته وهي دالة على فضيلته

- ‌فصل

- ‌فصل وَمِنْ مَنَاقِبِهِ الْكِبَارِ وَحَسَنَاتِهِ الْعَظِيمَةِ

- ‌ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وبنيه وبناته رضي الله عنهم

- ‌فَصْلٌ

- ‌خِلَافَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ بَيْعَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه بالخلافة

- ‌ثُمَّ دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة

- ‌ابْتِدَاءُ وَقْعَةِ الْجَمَلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌفِي ذِكْرِ أَعْيَانِ مَنْ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ مِنَ السَّادَةِ النُّجَبَاءِ

- ‌ وقعة صفِّين بين أهل العراق وبين أهل الشام

- ‌ثم دخلت سنة سبع وثلاثين

- ‌قِصَّةُ التَّحْكِيمِ

- ‌خُرُوجِ الْخَوَارِجِ

- ‌فصل

- ‌اجتماع الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص

- ‌خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم علياً

- ‌مسير أمير المؤمنين علي إِلَى الْخَوَارِجِ

- ‌ما ورد فيهم من الأحاديث الشريفة

- ‌ سَارَ عَلِيٌّ إِلَى النَّهْرَوَانِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ذكر من توفي فيها

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وثلاثين

- ‌فصل

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ

- ‌ثم دخلت سنة تسع وثلاثين

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مِنَ الْأَعْيَانِ

- ‌سنة أربعين من الهجرة

- ‌ذِكْرُ مَقْتَلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب وما ورد من الأحاديث النبوية من الأخبار بمقتله وكيفيته

- ‌صِفَةُ مَقْتَلِهِ رضي الله عنه

- ‌ذِكْرُ زَوْجَاتِهِ وَبَنِيهِ وبناته

- ‌شئ مِنْ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

الفصل: بِلَادِ بَلَنْجَرَ مِائَتَيْ فَرْسَخٍ، وَغَزَا مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً. ثُمَّ كَانَتْ لَهُ وَقَائِعُ

بِلَادِ بَلَنْجَرَ مِائَتَيْ فَرْسَخٍ، وَغَزَا مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً.

ثُمَّ كَانَتْ لَهُ وَقَائِعُ هَائِلَةٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ كَمَا سَنُورِدُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْغُصْنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ.

قَالَ: لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ بِلَادَهُمْ حَالَ اللَّهُ بَيْنَ التُّرْكِ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: مَا اجْتَرَأَ عَلَيْنَا هَذَا الرَّجُلُ إِلَّا وَمَعَهُمُ الْمَلَائِكَةُ تَمْنَعُهُمْ مِنَ الْمَوْتِ.

فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ وَهَرَبُوا بِالْغُنْمِ وَالظَّفَرِ.

ثُمَّ إِنَّهُ غَزَاهُمْ غَزَوَاتٍ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ فَظَفِرَ بِهِمْ، كَمَا كَانَ يَظْفَرُ بِغَيْرِهِمْ.

فَلَمَّا وَلَّى عُثْمَانُ عَلَى الْكُوفَةِ بَعْضَ مَنْ كَانَ ارْتَدَّ، غَزَاهُمْ فَتَذَامَرَتِ التُّرْكُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُمْ لا يموتون (1)، قال: انْظُرُوا وَفَعَلُوا فَاخْتَفَوْا لَهُمْ فِي الْغِيَاضِ.

فَرَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى غرةٍ فَقَتَلَهُ وَهَرَبَ

عَنْهُ أَصْحَابُهُ، فَخَرَجُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى عَرَفُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَمُوتُونَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا وَنَادَى مُنَادٍ مِنَ الْجَوِّ صبراً آل عبد الرحمن وموعدكم الجنة، فقالت عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَتَّى قُتِلَ وَانْكَشَفَ النَّاسُ وَأَخَذَ الرَّايَةَ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَاتَلَ بِهَا، وَنَادَى المنادي من الجو صبراً آل سلمان ابن رَبِيعَةَ.

فَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ثُمَّ تَحَيَّزَ سَلْمَانُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَفَرُّوا مِنْ كَثْرَةِ التُّرْكِ وَرَمْيِهِمُ الشَّدِيدِ السَّدِيدِ عَلَى جِيلَانَ فَقَطَعُوهَا إِلَى جُرْجَانَ، وَاجْتَرَأَتِ التُّرْكُ بَعْدَهَا، وَمَعَ هَذَا أَخَذَتِ التُّرْكُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَبِيعَةَ فَدَفَنُوهُ فِي بِلَادِهِمْ، فَهُمْ يَسْتَسْقُونَ بِقَبْرِهِ إِلَى الْيَوْمِ.

وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ.

‌قِصَّةُ السَّدِّ

ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ أَنَّ شَهْرَبْرَازَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَبِيعَةَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ حِينَ وَصَلَ إِلَى الْبَابِ وَأَرَاهُ رَجُلًا فَقَالَ شَهْرَبْرَازُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ كُنْتُ بَعَثْتُهُ نَحْوَ السَّدِّ، وَزَوَّدْتُهُ مَالًا جَزِيلًا وَكَتَبْتُ لَهُ إِلَى الملوك الذين يولوني، وَبَعَثْتُ لَهُمْ هَدَايَا، وَسَأَلْتُ مِنْهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا لَهُ إِلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْمُلُوكِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى سَدِّ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَيَنْظُرَ إِلَيْهِ وَيَأْتِيَنَا بِخَبَرِهِ.

فَسَارَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَلِكِ الَّذِي السَّدُّ فِي أَرْضِهِ، فَبَعَثَهُ إِلَى عَامِلِهِ مما يلي السد، فبعثت مَعَهُ بَازْيَارِهْ وَمَعَهُ عُقَابُهُ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى السَّدِّ إِذَا جَبَلَانِ بَيْنَهُمَا سَدٌّ مَسْدُودٌ، حَتَّى ارْتَفَعَ عَلَى الْجَبَلَيْنِ، وَإِذَا دُونَ السَّدِّ خَنْدَقٌ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ اللَّيْلِ لِبُعْدِهِ، فَنَظَرَ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَتَفَرَّسَ فِيهِ، ثُمَّ لَمَّا هَمَّ بِالِانْصِرَافِ قَالَ لَهُ الْبَازْيَارِ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ شَرَحَ بَضْعَةَ لَحْمٍ مَعَهُ فَأَلْقَاهَا فِي ذَلِكَ الهواء، وانقض عليها العقاب.

فقال: إن أدركتها قبل أن تقع فلا شئ، وإن لم تدركها حتى تقع فذلك شئ.

قال: فلم تدركها حَتَّى وَقَعَتْ فِي أَسْفَلِهِ وَأَتْبَعَهَا الْعُقَابُ فَأَخْرَجَهَا فَإِذَا فِيهَا يَاقُوتَةٌ وَهِيَ هَذِهِ.

ثُمَّ نَاوَلَهَا الْمَلِكُ شَهْرَبْرَازُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَبِيعَةَ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ رَدَّهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَدَّهَا إِلَيْهِ فَرِحَ وَقَالَ: وَاللَّهِ لَهَذِهِ خَيْرٌ

(1) زاد ابن الاعثم في الفتوح: وقد بلغنا انهم نزلوا من السماء فليس يموتون ولا يعمل فيهم السلاح (*)

ص: 140

مِنْ مَمْلَكَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ - يَعْنِي مَدِينَةَ بَابِ الْأَبْوَابِ الَّتِي هُوَ فِيهَا - وَوَاللَّهِ لَأَنْتُمْ أَحَبُّ إلي اليوم من مملكة

آل كسرى، ولو كنت في سلطانهم وبلغهم خَبَرُهَا لَانْتَزَعُوهَا مِنِّي.

وَايْمُ اللَّهِ لَا يَقُومُ لكم شئ ما وفيتم ووفى ملككهم الْأَكْبَرُ.

ثُمَّ أَقْبَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى الرَّسُولِ الَّذِي ذَهَبَ عَلَى السَّدِّ فَقَالَ: مَا حَالُ هَذَا الرَّدْمِ؟ - يَعْنِي مَا صِفَتُهُ - فَأَشَارَ إِلَى ثَوْبٍ فِي زُرْقَةٍ وَحُمْرَةٍ فَقَالَ: مِثْلُ هَذَا.

فَقَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: صَدَقَ وَاللَّهِ لَقَدْ نَفَذَ وَرَأَى.

فَقَالَ: أَجَلْ وَصَفَ صِفَةَ الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى * (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قطرا) * [الْكَهْفِ: 96] وَقَدْ ذَكَرْتُ صِفَةَ السَّدِّ فِي التَّفْسِيرِ، وَفِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُ السَّدَّ.

فَقَالَ: " كيف رأيته "؟ قال: مثل البرد المحبر رَأَيْتَهُ.

قَالُوا: ثُمَّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَبِيعَةَ لِشَهْرَبْرَازَ: كَمْ كَانَتْ هَدِيَّتُكَ؟ قَالَ: قِيمَةَ مِائَةِ أَلْفٍ فِي بِلَادِي وَثَلَاثَةِ آلَافِ أَلْفٍ فِي تِلْكَ الْبُلْدَانِ.

بَقِيَّةٌ مِنْ خَبَرِ السَّدِّ أَوْرَدَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ الْحَافِظُ في هذه السنة ما ذكر صَاحِبُ كِتَابِ مَسَالِكِ الْمَمَالِكِ عَمَّا أَمْلَاهُ عَلَيْهِ سَلَّامٌ التُّرْجُمَانُ، حِينَ بَعَثَهُ الْوَاثِقُ بِأَمْرِ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَصِمِ - وَكَانَ قَدْ رَأَى فِي النَّوْمِ كَأَنَّ السَّدَّ قَدْ فُتِحَ - فَأَرْسَلَ سَلَّامًا هَذَا وَكَتَبَ لَهُ إِلَى الْمُلُوكِ بِالْوَصَاةِ بِهِ، وَبَعَثَ معه ألفي بغل تحمل طعاماً فساروا بين سامرا إلى إسحق بِتَفْلِيسَ، فَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى صَاحِبِ السَّرِيرِ، وَكَتَبَ لَهُمْ صَاحِبُ السَّرِيرِ إِلَى مَلِكِ اللَّانِ، فَكَتَبَ لهم إلى قبلان شاه، فَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى مَلِكِ الْخَزَرِ، فَوَجَّهَ مَعَهُ خمسة أولاد فساروا ستة وعشرين يوماً.

انتهوا إلى أرض سواداء مُنْتِنَةٍ حَتَّى جَعَلُوا يَشُمُّونَ الْخَلَّ، فَسَارُوا فِيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَانْتَهَوْا إِلَى مَدَائِنَ خَرَابٍ مُدَّةَ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ تَطْرُقُهَا فَخَرِبَتْ مِنْ ذَلِكَ الْحِينِ، وَإِلَى الْآنِ، ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى حِصْنٍ قَرِيبٍ مِنَ السَّدِّ فَوَجَدُوا قَوْمًا يَعْرِفُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَبِالْفَارِسِيَّةِ وَيَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ، وَلَهُمْ مَكَاتِبُ وَمَسَاجِدُ، فَجَعَلُوا يَعْجَبُونَ مِنْهُمْ وَيَسْأَلُونَهُمْ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلُوا، فَذَكَرُوا لَهُمْ أَنَّهُمْ من جهة أمير المؤمنين الواثق فَلَمْ يَعْرِفُوهُ بِالْكُلِّيَّةِ.

ثُمَّ انْتَهَوْا إِلَى جَبَلٍ أملس ليس عليه خضرا وإذا السد هناك مِنْ لَبِنٍ حَدِيدٍ مُغَيَّبٍ فِي نُحَاسٍ، وَهُوَ مُرْتَفِعٌ جِدًّا لَا يَكَادُ الْبَصَرُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَهُ شُرُفَاتٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَفِي وَسَطِهِ بَابٌ عَظِيمٌ بِمِصْرَاعَيْنِ

مُغْلَقَيْنِ، عَرْضُهُمَا مِائَةُ ذِرَاعٍ، فِي طُولِ مِائَةِ ذِرَاعٍ، فِي ثَخَانَةِ خَمْسَةِ أَذْرُعٍ، وَعَلَيْهِ قُفْلٌ طُولُهُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فِي غِلَظِ بَاعٍ - وَذَكَرَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً - وَعِنْدَ ذَلِكَ الْمَكَانِ حَرَسٌ يَضْرِبُونَ عِنْدَ الْقُفْلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فيسمعون بعد ذلك صوتاً عظيماً مزعجاً، ويقال: أن وراء هذا الباب حرس وَحَفَظَةً، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْبَابِ حِصْنَانِ عَظِيمَانِ بَيْنَهُمَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبَةٍ، وَفِي إِحْدَاهُمَا بَقَايَا العمارة من مغارف ولبن من حديد وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا طُولُ اللَّبِنَةِ ذِرَاعٌ وَنِصْفٌ فِي مِثْلِهِ، فِي سُمْكِ شِبْرٍ.

وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَهْلَ تِلْكَ الْبِلَادِ هَلْ رَأَوْا أَحَدًا مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا مِنْهُمْ يَوْمًا أَشْخَاصًا فَوْقَ

ص: 141