الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَطَّابِ فَيَحْكُمَ فِيَّ بِمَا يَشَاءُ.
فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ فَأَلْقَى قَوْسَهُ وَنُشَّابَهُ وَأَسَرُوهُ فَشُدُّوهُ وِثَاقًا وَأَرْصَدُوهُ لِيَبْعَثُوهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، ثُمَّ تَسَلَّمُوا مَا فِي الْبَلَدِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْحَوَاصِلِ فَاقْتَسَمُوا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ فَنَالَ كُلُّ فَارِسٍ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَكُلُّ رَاجِلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
فَتْحُ السويس
ثُمَّ رَكِبَ أَبُو سَبْرَةَ فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ وَمَعَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَالنُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ، وَاسْتَصْحَبُوا مَعَهُمُ الْهُرْمُزَانَ، وَسَارُوا فِي طَلَبِ الْمُنْهَزِمِينَ مِنَ الْفُرْسِ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى السُّوسِ، فَأَحَاطُوا بِهَا.
وَكَتَبَ أَبُو سَبْرَةَ إِلَى عُمَرَ فَجَاءَ الْكِتَابُ بِأَنْ يَرْجِعَ أَبُو مُوسَى إِلَى البصرة، وأمر عمر زر ابن عبد الله بن كليب العقيمي (1) - وهو صحابي - أن يسير إلى جندسابور، فسار.
ثم بعث أبو سبرد بِالْخُمْسِ وَبِالْهُرْمُزَانِ مَعَ وَفْدٍ فِيهِمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، فَلَمَّا اقْتَرَبُوا مِنَ المدينة هيؤا الْهُرْمُزَانَ بِلُبْسِهِ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ مِنَ الدِّيبَاجِ وَالذَّهَبِ الْمُكَلَّلِ بِالْيَاقُوتِ وَاللَّآلِئِ.
ثُمَّ دَخَلُوا الْمَدِينَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ فَتَيَمَّمُوا بِهِ مَنْزِلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَسَأَلُوا عَنْهُ فَقَالُوا: إِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ بسبب
وفد من الكوفة
.
فجاؤا الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا فَرَجَعُوا، فَإِذَا غِلْمَانٌ يَلْعَبُونَ فَسَأَلُوهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: إِنَّهُ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ مُتَوَسِّدًا بُرْنُسًا لَهُ.
فَرَجَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْنُسًا لَهُ كَانَ قَدْ لَبِسَهُ لِلْوَفْدِ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا عَنْهُ تَوَسَّدَ الْبُرْنُسَ وَنَامَ وَلَيْسَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرُهُ، وَالدِّرَّةُ مُعَلَّقَةٌ فِي يَدِهِ.
فَقَالَ الْهُرْمُزَانُ: أَيْنَ عُمَرُ؟ فَقَالُوا: هُوَ ذَا.
وَجَعَلَ النَّاسُ يَخْفِضُونَ أَصْوَاتَهُمْ لِئَلَّا يُنَبِّهُوهُ، وَجَعَلَ الْهُرْمُزَانُ يَقُولُ: وَأَيْنَ حُجَّابُهُ؟ أَيْنَ حَرَسُهُ؟ فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ حُجَّابٌ وَلَا حَرَسٌ، وَلَا كَاتِبٌ وَلَا دِيوَانٌ.
فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا.
فَقَالُوا: بَلْ يَعْمَلُ عَمَلَ الْأَنْبِيَاءِ.
وكثر النَّاسُ فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ بِالْجَلَبَةِ فَاسْتَوَى جَالِسًا، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْهُرْمُزَانِ، فَقَالَ: الْهُرْمُزَانُ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
فَتَأَمَّلَهُ وَتَأَمَّلَ مَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ وَأَسْتَعِينُ بِاللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَلَّ بِالْإِسْلَامِ هَذَا وَأَشْيَاعَهُ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ تَمَسَّكُوا بِهَذَا الدِّينِ، وَاهْتَدَوْا بهدي نبيكم، ولا تبطرنكم الدنيا فإنها غدارة (2) .
فَقَالَ لَهُ الْوَفْدُ: هَذَا مَلِكُ الْأَهْوَازِ فَكَلِّمْهُ.
فَقَالَ: لَا حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ حليته شئ.
فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبًا صَفِيقًا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا هُرْمُزَانُ كَيْفَ رَأَيْتَ وَبَالَ الْغَدْرِ وَعَاقِبَةَ أَمْرِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: يَا عُمَرُ: إِنَّا وَإِيَّاكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ اللَّهُ قَدْ خَلَّى بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَغَلَبْنَاكُمْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا وَلَا مَعَكُمْ، فَلَمَّا كَانَ مَعَكُمْ غَلَبْتُمُونَا.
فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّمَا غَلَبْتُمُونَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِاجْتِمَاعِكُمْ وَتَفَرُّقِنَا.
ثُمَّ قال: ما عذرك وما حجتك في إنقاضك مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنِي قَبْلَ أَنْ أُخْبِرَكَ.
قَالَ: لَا تَخَفْ ذَلِكَ.
فاستسقى الْهُرْمُزَانُ مَاءً فَأُتِيَ بِهِ فِي قَدَحٍ غَلِيظٍ (3)، فقال: لو
(1) في الطبري والكامل: الفقيمي.
وفي فتوح البلدان أن أبا موسى سار إلى جنديسابور فطلبوا الامان وصالحهم 2 / 470.
(2)
في الطبري: غرارة.
(3)
في ابن الاعثم: من خشب.
(*)
مُتُّ عَطَشًا لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَشْرَبَ فِي هَذَا.
فَأُتِيَ بِهِ فِي قَدَحٍ آخَرَ يَرْضَاهُ فَلَمَّا أَخَذَهُ جَعَلَتْ يَدُهُ تَرْعَدُ، وَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُقْتَلَ وَأَنَا أَشْرَبُ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تَشْرَبَهُ فَأَكْفَأَهُ.
فَقَالَ
عُمَرُ: أَعِيدُوهُ عَلَيْهِ وَلَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِ الْقَتْلَ وَالْعَطَشَ.
فَقَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِي الْمَاءِ، إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَأْنِسَ (1) بِهِ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنِّي قَاتِلُكَ، فَقَالَ: إِنَّكَ أَمَّنْتَنِي.
قَالَ: كَذَبْتَ: فَقَالَ أَنَسٌ: صَدَقَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَيْحَكَ يَا أَنَسُ أَنَا أُؤَمِّنُ من قتل مجزأة والبراء؟ لتأتيني بمخرج وإلا عاقبتك، قَالَ: قُلْتَ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تُخْبِرَنِي.
وَقُلْتَ: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ حَتَّى تَشْرَبَهُ، وَقَالَ لَهُ مَنْ حَوْلَهُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَأَقْبَلَ عَلَى الْهُرْمُزَانِ فَقَالَ: خَدَعْتَنِي وَاللَّهِ لَا أَنْخَدِعُ إِلَّا أَنْ تُسْلِمَ.
فَأَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ فِي أَلْفَيْنِ وَأَنْزَلَهُ الْمَدِينَةَ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ التَّرْجُمَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَبَيْنَ الْهُرْمُزَانِ كَانَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: قُلْ لَهُ مِنْ أَيِّ أرض أنت؟ قال مِهْرِجَانِيٌّ.
قَالَ: تَكَلَّمْ بِحُجَّتِكَ.
فَقَالَ: أَكَلَامُ حَيٍّ أَمْ مَيِّتٍ؟ قَالَ: بَلْ كَلَامُ حَيٍّ.
فَقَالَ قَدْ أَمَّنْتَنِي، فَقَالَ خَدَعْتَنِي وَلَا أَقْبَلُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تُسْلِمَ.
فَأَسْلَمَ فَفَرَضَ لَهُ فِي أَلْفَيْنِ وَأَنْزَلَهُ الْمَدِينَةَ.
ثُمَّ جَاءَ زَيْدٌ فَتَرْجَمَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا.
قُلْتُ: وَقَدْ حَسُنَ إِسْلَامُ الْهُرْمُزَانِ وَكَانَ لَا يُفَارِقُ عُمَرَ حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ فَاتَّهَمَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِمُمَالَأَةِ أَبِي لُؤْلُؤَةَ هُوَ وَجُفَيْنَةُ، فَقَتَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْهُرْمُزَانَ وَجُفَيْنَةَ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ الْهُرْمُزَانَ لَمَّا عَلَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالسَّيْفِ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
وَأَمَّا جُفَيْنَةُ فَصَلَّبَ عَلَى وَجْهِهِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَحْجُرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَوَسَّعُوا فِي بِلَادِ الْعَجَمِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَجَمِ، حَتَّى أَشَارَ عَلَيْهِ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي تَوَسُّعَهُمْ فِي الْفُتُوحَاتِ فَإِنَّ الْمَلِكَ يَزْدَجِرْدَ لَا يَزَالُ يَسْتَحِثُّهُمْ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يستأصل شأو الْعَجَمِ وَإِلَّا طَمِعُوا فِي الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَاسْتَحْسَنَ عُمَرُ ذَلِكَ مِنْهُ وَصَوَّبَهُ.
وَأَذِنَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي التَّوَسُّعِ فِي بِلَادِ الْعَجَمِ، فَفَتَحُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَأَكْثَرُ ذَلِكَ وَقَعَ فِي سَنَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فيها.
ثم نعود إلى فتح السوس وجندسابور وَفَتْحِ نَهَاوَنْدَ فِي قَوْلِ سَيْفٍ.
كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا سَبْرَةَ سَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ عِلْيَةِ الْأُمَرَاءِ مِنْ تُسْتَرَ إِلَى السُّوسِ، فَنَازَلَهَا حِينًا وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ أَهْلِهَا فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَتْعَبُوا فِي حِصَارِ هَذَا الْبَلَدِ فَإِنَّا نَأْثُرُ فِيمَا نَرْوِيهِ عَنْ قُدَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُهُ إِلَّا الدَّجَّالُ أَوْ قَوْمٌ مَعَهُمُ الدَّجَّالُ، وَاتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ فِي
جَيْشِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ صَافُ بن صياد، فأرسله أبو موسى فيمن يحاصره، فَجَاءَ إِلَى الْبَابِ فَدَقَّهُ بِرِجْلِهِ فَتَقَطَّعَتِ السَّلَاسِلُ، وَتَكَسَّرَتِ الْأَغْلَاقُ، وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ الْبَلَدَ فَقَتَلُوا مَنْ وَجَدُوا حَتَّى نَادَوْا بِالْأَمَانِ وَدَعَوْا إِلَى الصُّلْحِ فَأَجَابُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَكَانَ عَلَى السُّوسِ شَهْرِيَارُ (2) أخو
(1) في الطبري: أستأمن.
(2)
في فتوح ابن الاعثم: سابور ابن آذرماهان 2 / 6.
(*)
الْهُرْمُزَانِ، فَاسْتَحْوَذَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى السُّوسِ، وَهُوَ بَلَدٌ قَدِيمُ الْعِمَارَةِ فِي الْأَرْضِ يُقَالُ إِنَّهُ أَوَّلُ بَلَدٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّهُمْ وَجَدُوا قَبْرَ دَانْيَالَ بالسوس، وأن أبا موسى لما قدم بها بعد مضي أبي سبرة إلى جندي سابور، كَتَبَ إِلَى عُمَرَ فِي أَمْرِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَدْفِنَهُ وَأَنْ يُغَيِّبَ عَنِ النَّاسِ مَوْضِعَ قَبْرِهِ، فَفَعَلَ (1) .
وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ فِي سِيرَةِ عُمَرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ بعضهم أن فتح السوس ورامهز وَتَسْيِيرَ الْهُرْمُزَانِ مِنْ تُسْتَرَ إِلَى عُمَرَ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَكَانَ الْكِتَابُ الْعُمَرِيُّ قَدْ وَرَدَ بِأَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ يَذْهَبُ إِلَى أَهْلِ نَهَاوَنْدَ فَسَارَ إِلَيْهَا فَمَرَّ بِمَاةَ - بَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ قَبْلَهَا - فَافْتَتَحَهَا ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى نَهَاوَنْدَ فَفَتَحَهَا.
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
قُلْتُ: الْمَشْهُورُ أَنَّ فَتْحَ نَهَاوَنْدَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا بَيَانُ ذَلِكَ، وَهِيَ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ وَفَتْحٌ كَبِيرٌ، وَخَبَرٌ غَرِيبٌ وَنَبَأٌ عَجِيبٌ، وَفَتَحَ زِرُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفُقَيْمِيُّ مدينة جندي سابور (2) فاستوثقت تِلْكَ الْبِلَادُ لِلْمُسْلِمِينَ.
هَذَا وَقَدْ تَحَوَّلَ يَزْدَجِرْدُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، حَتَّى انْتَهَى أَمْرُهُ إِلَى الْإِقَامَةِ بِأَصْبَهَانَ، وَقَدْ كَانَ صَرَفَ طَائِفَةً من أشراف أصحابه قريباً من ثلثمائة مِنَ الْعُظَمَاءِ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ سِيَاهُ، فَكَانُوا يَفِرُّونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ تُسْتَرَ وَإِصْطَخْرَ، فَقَالَ سِيَاهُ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ بَعْدَ الشَّقَاءِ وَالذِّلَّةِ مَلَكُوا أَمَاكِنَ الْمُلُوكِ الْأَقْدَمِينَ، وَلَا يَلْقَوْنَ جُنْدًا إِلَّا كَسَرُوهُ، وَاللَّهِ مَا هَذَا عَنْ بَاطِلٍ.
- وَدَخَلَ فِي قَلْبِهِ الْإِسْلَامُ وَعَظَمَتُهُ - فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ تَبَعٌ لَكَ.
وَبَعَثَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ في غضون ذَلِكَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَأَرْسَلُوا إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِإِسْلَامِهِمْ، وَكَتَبَ فِيهِمْ إِلَى عُمَرَ فِي ذَلِكَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُمْ
فِي أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ، وَفَرَضَ لِسِتَّةٍ مِنْهُمْ فِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ، وَكَانَ لَهُمْ نِكَايَةٌ عَظِيمَةٌ فِي قِتَالِ قَوْمِهِمْ حَتَّى بَلَغَ مِنْ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ حَاصَرُوا حِصْنًا فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ فَجَاءَ أَحَدُهُمْ فَرَمَى بِنَفْسِهِ فِي اللَّيْلِ عَلَى بَابِ الْحِصْنِ وَضَمَّخَ ثِيَابَهُ بِدَمٍ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ حَسِبُوا أنه منهم، ففتحوا إليه باب الحصن ليأووه فَثَارَ إِلَى الْبَوَّابِ فَقَتَلَهُ، وَجَاءَ بَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ فَفَتَحُوا ذَلِكَ الْحِصْنَ، وَقَتَلُوا مَنْ فِيهِ مِنَ الْمَجُوسِ.
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْعَجِيبَةِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عقد الألوية والرايات الكبيرة في بلاد خراسان والعراق لغزو فارس وَالتَّوَسُّعِ فِي بِلَادِهِمْ كَمَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ، فَحَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فُتُوحَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَهَا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وننبه عليه ولله الحمد والمنة.
(1) ذكرت مضامين هذه الرسالة في مصادرها مختصرة فقال الطبري: " وكتب إلى عمر فيه، فكتب إليه يأمره بتوريته " وقال ابن الأثير في الكامل: " فاستأذنوا عمر فيه فأمر بدفنه " وقال البلاذري: " فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ إليه عمر: أن كفنه وادفنه.
فسكر أبو موسى نهرا حتى إذا انقطع، دفنه، ثم اجرى الماء عليه ".
(2)
في الاصل جند سابور، والتصحيح من الطبري.
(*)