الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجلية، فلما قدم عليهم قَتَلُوهُ وَلَمْ يُنْظِرُوهُ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا عزم على الذهاب إليهم أولاً قبل أهل الشَّام.
مسير أمير المؤمنين علي إِلَى الْخَوَارِجِ
لَمَّا عَزَمَ عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجَيْشِ عَلَى الْبَدَاءَةِ بِالْخَوَارِجِ، نَادَى مُنَادِيهِ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ فَعَبَرَ الْجِسْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدِهِ ثُمَّ سَلَكَ عَلَى دَيْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ دَيْرِ أَبِي مُوسَى، ثُمَّ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ، فَلَقِيَهُ هُنَالِكَ مُنَجِّمٌ (1) فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِوَقْتٍ مِنَ النَّهَارِ يَسِيرُ فِيهِ وَلَا يَسِيرُ فِي غيره، فإنه يخشى عليه فخالفه علي فسار على خلاف ما قال فأظفره الله، وَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُبَيِّنَ لِلنَّاسِ خطأه
وخشيت أن يقول جاهل،: إنما ظفر لكونه وافقه، وَسَلَكَ عليُّ نَاحِيَةَ الْأَنْبَارِ وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْمَدَائِنَ وأن يتلقاه بِنَائِبِهَا سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ - فِي جَيْشِ الْمَدَائِنِ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ هُنَالِكَ عَلَى عليَّ، وَبَعَثَ إِلَى الْخَوَارِجِ: أَنِ ادْفَعُوا إِلَيْنَا قَتَلَةَ إِخْوَانِنَا مِنْكُمْ حتى أقتلهم ثم أنا تارككم وذاهب إلى العرب - يعني أهل الشَّام - ثمَّ لعلَّ اللَّهَ أَنْ يُقْبِلَ بِقُلُوبِكُمْ وَيَرُدَّكُمْ إِلَى خَيْرٍ مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ.
فَبَعَثُوا إلى علي يَقُولُونَ: كُلُّنَا قَتَلَ إِخْوَانَكُمْ وَنَحْنُ مُسْتَحِلُّونَ دِمَاءَهُمْ وَدِمَاءَكُمْ.
فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عبادة فوعظهم فيما ارتكبوه مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، وَالْخَطْبِ الْجَسِيمِ، فَلَمْ يَنْفَعْ وكذلك أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّبَهُمْ وَوَبَّخَهُمْ فَلَمْ يَنْجَعْ، وَتَقَدَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إليهم فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وَتَوَعَّدَهُمْ وَقَالَ: إِنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ أَمْرًا أَنْتُمْ دعوتموني إليه فَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَلَمْ تَقْبَلُوا وَهَا أَنَا وَأَنْتُمْ فارجعوا إلى ما خرجتم منه ولا ترتكبوا مَحَارِمَ اللَّهِ، فَإِنَّكُمْ قَدْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا تَقْتُلُونَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ، وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُمْ عَلَيْهِ دَجَاجَةً لَكَانَ عَظِيمًا عِنْدَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَوَابٌ إِلَّا أن تنادوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ لَا تُخَاطِبُوهُمْ وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ وَتَهَيَّئُوا لِلِقَاءِ الرَّبِّ عز وجل، الرَّوَاحَ الرَّوَاحَ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَتَقَدَّمُوا فَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ وَتَأَهَّبُوا لِلنِّزَالِ فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصن (2) الطَّائِيَّ السِّنْبِسِيَّ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ شُريح بْنَ أَوْفَى، وَعَلَى خَيَّالَتِهِمْ حَمْزَةَ بْنَ سِنَانٍ، وَعَلَى الرَّجَّالَةِ حُرْقُوصَ بْنَ زُهَيْرٍ السَّعْدِيَّ.
وَوَقَفُوا مُقَاتِلِينَ لِعَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ.
وَجَعَلَ عَلِيٌّ عَلَى مَيْمَنَتِهِ حُجْرَ بْنَ عدي، وعلى الميسرة شبيث بن ربعي ومعقل بن قيس الرياحي، وعلى الخيل أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ، وَعَلَى الرَّجَّالَةِ أَبَا قَتَادَةَ الأنصاري، وعلى أهل المدينة - وكانوا في سَبْعَمِائَةٍ - قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَأَمَرَ عليٌّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ أَنْ يَرْفَعَ رَايَةَ أَمَانٍ لِلْخَوَارِجِ وَيَقُولَ لَهُمْ: مَنْ جَاءَ إِلَى هَذِهِ الرَّايَةِ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنِ انْصَرَفَ إِلَى الْكُوفَةِ وَالْمَدَائِنِ فَهُوَ آمِنٌ، إِنَّهُ لَا حَاجَةَ لنا فيكم إلا فيمن قَتَلَ إِخْوَانَنَا، فَانْصَرَفَ مِنْهُمْ طَوَائِفُ كَثِيرُونَ - وَكَانُوا فِي أَرْبَعَةِ آلَافٍ - فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا ألف
(1) ذكره الكامل 3 / 343: مسافر بن عفيف الأزدي.
(2)
في الطبري والكامل والاخبار الطوال: حصين.
(*)
أَوْ أَقَلُّ (1) مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ، فَزَحَفُوا إِلَى عَلِيٍّ فَقَدَّمَ عَلِيٌّ بَيَنَ يَدَيْهِ الْخَيْلَ وَقَدَّمَ مِنْهُمُ الرُّمَاةَ وَصَفَّ الرَّجَّالَةَ وَرَاءَ الْخَيَّالَةِ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُفُّوا عَنْهُمْ حَتَّى يبدأوكم، وأقبلت الخوارج يَقُولُونَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، الرَّوَاحَ الرَّوَاحَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَحَمَلُوا عَلَى الْخَيَّالَةِ الَّذِينَ قَدَّمَهُمْ عَلِيٌّ، فَفَرَّقُوهُمْ حَتَّى أَخَذَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَيَّالَةِ إلى الميمنة، وأخرى إلى الميسرة، فاستقبلهم الرُّمَاةُ بِالنَّبْلِ، فَرَمَوْا وُجُوهَهُمْ، وَعَطَفَتْ عَلَيْهِمُ الْخَيَّالَةُ مِنَ الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ وَنَهَضَ إِلَيْهِمُ الرِّجَالُ بِالرِّمَاحِ وَالسُّيُوفِ فَأَنَامُوا الْخَوَارِجَ فَصَارُوا صَرْعَى تَحْتَ سَنَابِكِ الْخُيُولِ، وَقُتِلَ أُمَرَاؤُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، وَحُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَشُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى، وَعَبْدُ الله بن سخبرة السُّلَمِيُّ (2) ، قَبَّحَهُمُ اللَّهُ.
قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: وَطَعَنْتُ رَجُلًا مِنَ الْخَوَارِجِ بِالرُّمْحِ فَأَنْفَذْتُهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَقُلْتُ لَهُ: أَبْشِرْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ بِالنَّارِ، فَقَالَ: سَتَعْلَمُ أَيُّنَا أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا.
قَالُوا: وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ إِلَّا سَبْعَةُ نَفَرٍ وَجَعَلَ عَلِيٌّ يَمْشِي بَيْنَ الْقَتْلَى مِنْهُمْ وَيَقُولُ: بُؤْسًا لَكُمْ! لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ غَرَّهُمْ؟ قَالَ: الشَّيْطَانُ وأنفسٍ بِالسُّوءِ أَمَّارَةٌ، غَرَّتْهُمْ بِالْأَمَانِيِّ وَزَيَّنَتْ لَهُمُ الْمَعَاصِيَ، وَنَبَّأَتْهُمْ أَنَّهُمْ ظَاهِرُونَ ثُمَّ أَمَرَ بِالْجَرْحَى مِنْ بَيْنِهِمْ فَإِذَا هُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ، فَسَلَّمَهُمْ إِلَى قَبَائِلِهِمْ لِيُدَاوُوهُمْ، وَقَسَمَ مَا وَجَدَ مِنْ سِلَاحٍ وَمَتَاعٍ لَهُمْ.
وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ في كتاب الخوارج: وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ الْأَسَدِيُّ وَمَنْصُورُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُخَمِّسْ مَا أَصَابَ مِنَ الْخَوَارِجِ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ وَلَكِنْ رَدَّهُ إلى أهله كُلَّهُ (3) حتَّى كَانَ آخِرَ ذَلِكَ مِرْجَلٌ أُتي بِهِ فَرَدَّهُ.
وَقَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي حُرَّةَ أَنَّ عَلِيًّا خَرَجَ فِي طَلَبِ ذِى الثُّدَيَّةِ وَمَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ ثمامة الحنفي أبو حرة (4) والريان بن صبرة بن هوذة فوجده الرياني فِي حُفْرَةٍ عَلَى جَانِبِ النَّهْرِ فِي أَرْبَعِينَ أو خمسين قتيلاً، قال: فلما استخرج نَظَرَ إِلَى عَضُدِهِ فَإِذَا لَحْمٌ مُجْتَمِعٌ عَلَى منكبه كثدي المرأة له حلمة عَلَيْهَا شَعَرَاتٌ سُودٌ، فَإِذَا مُدَّتِ امْتَدَّتْ حَتَّى تحاذى يده الأخرى ثم تنزل فَتَعُودُ إِلَى مَنْكِبِهِ كَثَدْيِ الْمَرْأَةِ، فَلَمَّا رَآهُ علي قال: أما والله ما كذبت لولا أن تتكلوا على العمل لأخبرتكم بما قضى الله فِي قِتَالِهِمْ عَارِفًا لِلْحَقِّ.
وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ فِي الْخَوَارِجِ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن ربيعة
الأخنسي: عن نافع بن مسلمة الأخنسي، قال كان ذو الثدية رجلاً من عرنة مِنْ بَجِيلَةَ، وَكَانَ أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ، لَهُ ريح منتنة معروف في العسكر، وكان يرافقنا قبل ذلك وينازلنا وننازله.
(1) في الطبري 6 / 49 والكامل 3 / 346: ألفين وثمانمائة.
وفي فتوح ابن الاعثم 4 / 132 أربعة آلاف.
وفي الاخبار الطوال ص 210: أقل من أربعة آلاف.
(2)
في الطبري 6 / 50 والكامل 3 / 347 عبد الله بن شجرة.
وفي الاخبار الطوال ص 207: السخبر.
(3)
في الطبري 6 / 50 والكامل 3 / 348 والاخبار الطوال ص 211: السلاح والدواب وما شهدوا به عليه الحرب قسمه بين المسلمين.
وأخذ ما في عسكرهم من شئ، وأما العبيد والمتاع والاماء فإنه رده على أهله.
وفي الاخبار الطوال: وما سوى ذلك (السلاح والدواب
…
) فأمر أن يدفع إلى وراثهم
…
(4) في الطبري: أبو جبرة.
(*)