الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى عَاتِقِكَ تَضْرِبُ بِهِ أَهْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ فَقَالَ: يَا هَذَا إِنَّ الرَّائِدَ لَا يَكْذِبُ أَهْلَهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِقِتَالِ ثَلَاثَةٍ مَعَ عَلِيٍّ، بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ.
فَأَمَّا النَّاكِثُونَ فَقَدْ قَاتَلْنَاهُمْ
وَهُمْ أَهْلُ الْجَمَلِ، طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَهَذَا مُنْصَرَفُنَا مِنْ عِنْدِهِمْ - يَعْنِي معاوية وعمراً - وأما المارقون فهم أهل الطرفات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروان، والله ما أدري أين هم ولكن لابد مِنْ قِتَالِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِعَمَّارٍ: " يَا عَمَّارُ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ وَأَنْتَ مذ ذَاكَ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَكَ، يَا عَمَّارُ بْنَ يَاسِرٍ إِنْ رَأَيْتَ عَلِيًّا قَدْ سَلَكَ وادياً وسلك الناس غَيْرَهُ فَاسْلُكْ مَعَ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ لَنْ يُدْلِيَكَ فِي رَدًى وَلَنْ يُخْرِجَكَ مَنْ هُدًى، يَا عَمَّارُ مَنْ تَقَلَّدَ سَيْفًا أَعَانَ بِهِ عَلِيًّا عَلَى عَدُوِّهِ قَلَّدَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِشَاحَيْنِ مِنْ دُرٍّ، وَمَنْ تَقَلَّدَ سَيْفًا أَعَانَ بِهِ عَدُوَّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ قَلَّدَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِشَاحَيْنِ مِنْ نَارٍ فَقُلْنَا: يَا هَذَا! حَسْبُكَ رحكم الله حسبك رحكم اللَّهُ "، هَذَا السِّيَاقُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَآفَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُعَلَّى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّهُ متروك الحديث.
فصل
قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْخَوَارِجِ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ مَا صُنِّفَ فِي ذَلِكَ قَالَ: وَذَكَرَ عِيسَى بْنُ دَابٍّ قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ عَلِيٌّ رضي الله عنه مِنَ النَّهْرَوَانِ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ نَصْرَكُمْ فَتَوَجَّهُوا مِنْ فَوْرِكُمْ هَذَا إِلَى عَدُوِّكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّام فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ المؤمنين نفذت نبالنا وَكَلَّتْ سُيُوفُنَا وَنَصَلَتْ أَسِنَّتُنَا (1) ، فَانْصَرِفْ بِنَا إِلَى مِصْرِنَا حَتَّى نَسْتَعِدَّ بِأَحْسَنِ عُدَّتِنَا، وَلَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ فِي عُدَّتِنَا عُدَّةَ مَنْ فَارَقَنَا وَهَلَكَ مِنَّا فَإِنَّهُ أَقْوَى لَنَا عَلَى عَدُوِّنَا - وَكَانَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهَذَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ فَبَايَعَهُمْ وَأَقْبَلَ بِالنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ بِالنُّخَيْلَةِ وَأَمْرَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا مُعَسْكَرَهُمْ وَيُوَطِّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَيُقِلُّوا زِيَارَةَ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، فَأَقَامُوا معه أياماً متمسكين بِرَأْيِهِ وَقَوْلِهِ، ثُمَّ تَسَلَّلُوا حَتَّى لَمْ يَبْقَ منهم أحد إلا رؤوس أَصْحَابِهِ (2)، فَقَامَ عَلِيٌّ فِيهِمْ خَطِيبًا فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ الْخَلْقِ وَفَالِقِ الْإِصْبَاحِ وَنَاشِرِ الْمَوْتَى وَبَاعِثِ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّ أَفْضَلَ مَا تَوَسَّلَ بِهِ الْعَبْدُ الْإِيمَانُ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ وَكَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من
فريضته، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِهِ، وَحَجُّ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ مَنْفَاةٌ لِلْفَقْرِ مَدْحَضَةٌ لِلذَّنْبِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ، مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ فإنها تكفر الخطيئة وَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصُنْعُ الْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ ميتة السوء ويقي مصارع الهول،
(1) في الطبري: ونصلت أسنة رماحنا وعاد أكثرها قصدا
…
6 / 51.
(2)
في الاخبار الطوال ص 211: لم يبق في المعسكر معه إلا زهاء ألف رجل من الوجوه.
(*)
أَفِيضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الذِّكْرِ، وارغبوا فيما وعد المتقون فَإِنَّ وَعْدَ اللَّهِ أَصْدُقُ الْوَعْدِ، وَاقْتَدُوا بِهَدْيِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الهدى، واستسنوا بِسُنَّتِهِ فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السُّنَنِ، وَتَعَلَّمُوا كِتَابَ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْحَدِيثِ، وَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ، وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ شِفَاءٌ لَمَّا فِي الصُّدُورِ، وَأَحْسِنُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْقَصَصِ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْكُمْ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، وَإِذَا هُدِيتُمْ لِعِلْمِهِ فَاعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، فَإِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِ علمه كالجاهل الجائر الذي لا يستقيم عن جَهْلِهِ، بَلْ قَدْ رَأَيْتُ أَنَّ الْحُجَّةَ أَعْظَمُ، وَالْحَسْرَةَ أَدُومُ عَلَى هَذَا الْعَالِمِ الْمُنْسَلِخِ مَنْ علمه عَلَى هَذَا الْجَاهِلِ الْمُتَحَيِّرِ فِي جَهْلِهِ، وَكِلَاهُمَا مُضَلِّلٌ مَثْبُورٌ، لَا تَرْتَابُوا فَتَشُكُّوا، وَلَا تَشُكُّوا فَتَكْفُرُوا، وَلَا تُرَخِّصُوا لِأَنْفُسِكُمْ فَتَذْهَلُوا، وَلَا تُذْهَلُوا فِي الْحَقِّ فَتَخْسَرُوا، أَلَا وإنَّ مِنَ الْحَزْمِ أَنْ تَثِقُوا، وَمِنَ الثِّقَةِ أَنْ لَا تَغْتَرُّوا، وَإِنَّ أَنْصَحَكُمْ لِنَفْسِهِ أَطْوَعُكُمْ لِرَبِّهِ وَإِنَّ أَغَشَّكُمْ لِنَفْسِهِ أَعَصَاكُمْ لِرَبِّهِ، مَنْ يُطِعِ اللَّهَ يَأْمَنْ ويستبشر، ومن يعص الله يخف ويندم، ثم سَلُوا اللَّهَ الْيَقِينَ وَارْغَبُوا إِلَيْهِ فِي الْعَافِيَةِ، وَخَيْرُ مَا دَامَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ، إِنَّ عوازم الأمور أفضلها، وإن محدثاتها شرارها وكل محدث بِدَعَةٌ وَكُلُّ مُحْدِثٍ مُبْتَدِعٌ، وَمَنِ ابْتَدَعَ فَقَدْ صيع، وَمَا أَحْدَثَ مُحْدِثٌ بِدْعَةً إِلَّا تَرَكَ بِهَا سنة، المغبون من غبن دينه، والمغبون من خسر نفسه، وإن الربا مِنَ الشِّرْكِ، وَإِنَّ الْإِخْلَاصَ مِنَ الْعَمَلِ وَالْإِيمَانِ، وَمَجَالِسُ اللَّهْوِ تُنْسِي الْقُرْآنَ وَيَحْضُرُهَا الشَّيْطَانُ، وَتَدْعُو إلى كل غي، ومجالسة النساء تزيغ القلوب وتطمح إليه الأبصار، وهي مَصَائِدُ الشَّيْطَانِ، فَاصْدُقُوا اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ مَنْ صَدَقَ وَجَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ مُجَانِبٌ للإيمان ألا إن الصدق على
شرف منجاة وكرامة، وإن الكذب على شرف ردئ وهلكه، أَلَا وَقُولُوا الْحَقَّ تُعْرَفُوا بِهِ وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مَنْ أَهْلِهِ، وَأَدُّوا الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَ مَنْ قَطَعَكُمْ وَعُودُوا بِالْفَضْلِ على من حرمكم، وإذ عَاهَدْتُمْ فَأَوْفُوا، وَإِذَا حَكَمْتُمْ فَاعْدِلُوا، وَلَا تَفَاخَرُوا بِالْآبَاءِ، وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، وَلَا تَمَازَحُوا، وَلَا يغضب بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَأَعِينُوا الضَّعِيفَ وَالْمَظْلُومَ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلَيْنِ وَفِي الرِّقَابِ، وَارْحَمُوا الْأَرْمَلَةَ وَالْيَتِيمَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ وَرُدُّوا التَّحِيَّةَ على أهلها بمثلها أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا * (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) * [المائدة: 2] وَأَكْرِمُوا الضَّيْفَ، وَأَحْسِنُوا إِلَى الْجَارِ، وَعُودُوا الْمَرْضَى، وَشَيِّعُوا الْجَنَائِزَ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ (1) ، وَإِنَّ الْآخِرَةَ قد أظلت وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ، وَإِنَّ الْمِضْمَارَ (2) الْيَوْمَ وَغَدًا السِّبَاقُ وإن السبقة (3) الجنة والغاية النار، أَلَا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ مَهْلٍ مِنْ وَرَائِهَا أجل يحثه عجل، فمن أخلص لله
(1) آذانت بوداع: أعلمت، وإيذانها بالوداع إنما هو بما أودع في طبيعتها من التغلب والتحول.
(2)
المضمار: الموضع والزمن الذي تضمر فيه الخيل، وتضمير الخيل أن تربط ويكثر علفها وماؤها حتى تسمن ثم يقلل علفها وماؤها وتجري في الميدان حتى تهزل.
(3)
السبقة: بالتحريك، الغاية التي يجب السابق أن يصل إليها.
وبالفتح المرة من السبق.
ومن معاني السبقة بالتحريك الرهن.
(*)