الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُفْيَانَ نَزَلَ الْبَلْقَاءَ أَوَّلًا.
وَنَزَلَ شُرَحْبِيلُ بِالْأُرْدُنِّ، وَيُقَالُ بِبُصْرَى.
وَنَزَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالْجَابِيَةِ.
وَجَعَلَ الصِّدِّيقُ يُمِدُّهُمْ بِالْجُيُوشِ، وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْضَافَ إِلَى مَنْ أَحَبَّ مِنَ الْأُمَرَاءِ.
ويقال إن أبا عبيدة لما مر بأرض الْبَلْقَاءِ قَاتَلَهُمْ حَتَّى صَالَحُوهُ وَكَانَ أَوَّلَ صُلْحٍ (1) وَقَعَ بِالشَّامِ.
وَيُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ حَرْبٍ وَقَعَ بِالشَّامِ أَنَّ الرُّومَ اجْتَمَعُوا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ العرية (2) من أرض فلسطين، فوجه إليهم أبا أمامة [الباهلي] فِي سَرِيَّةٍ فَقَتَلَهُمْ وَغَنِمَ مِنْهُمْ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ بِطْرِيقًا عَظِيمًا.
ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ هَذِهِ وَقْعَةُ مرج الصفراء اسْتُشْهِدَ فِيهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَيُقَالُ إِنَّ الَّذِي اسْتُشْهِدَ في مرج الصفراء ابْنٌ لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَأَمَّا هُوَ فَفَرَّ حَتَّى انْحَازَ إِلَى أَرْضِ الْحِجَازِ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَلَمَّا انْتَهَى خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ إِلَى تَيْمَاءَ اجْتَمَعَ لَهُ جُنُودٌ مِنَ الرُّومِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ من نصارى العرب، من غيرا (3) ، وَتَنُوخَ، وَبَنِي كَلْبٍ، وَسَلِيحٍ، وَلَخْمٍ وَجُذَامَ، وَغَسَّانَ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْهُمْ تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، وَبَعَثَ إِلَى الصِّدِّيقِ يُعَلِمُهُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الْفَتْحِ، فَأَمَرَهُ الصِّدِّيقُ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَلَا يُحْجِمَ، وَأَمَدَّهُ بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَجَمَاعَةٍ، فَسَارَ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ إيلياء فَالْتَقَى هُوَ وَأَمِيرٌ مَنِ الرُّومِ يُقَالُ لَهُ ماهان (4) فكسره، ولجأ ماهان إِلَى دِمَشْقَ، فَلَحِقَهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، وَبَادَرَ الجيوش إلى لحوق دمشق وطلب الحظوة، فوصلوا إلى مرج الصفراء فانطوت عليه مسالح ماهان وأخذوا عليهم الطريق، وزحف ماهان فَفَرَّ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمْ يَرِدْ إِلَى ذِي الْمَرْوَةِ.
وَاسْتَحْوَذَ الرُّومُ عَلَى جَيْشِهِمْ إِلَّا مَنْ فَرَّ عَلَى الْخَيْلِ، وَثَبَتَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ، وَقَدْ تَقَهْقَرَ عَنِ الشَّامِ قَرِيبًا وَبَقِيَ رِدْءًا
لِمَنْ نَفَرَ إِلَيْهِ، وَأَقْبَلَ شُرَحْبِيلُ بن حَسَنَةَ مِنَ الْعِرَاقِ مِنْ عِنْدِ خَالِدِ بْنِ الوليد إلى الصديق، فأمّره على جيشه وَبَعَثَهُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا مَرَّ بِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ بِذِي الْمَرْوَةِ، أَخَذَ جُمْهُورَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هربوا إِلَى ذِي الْمَرْوَةِ.
ثُمَّ اجْتَمَعَ عِنْدَ الصِّدِّيقِ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَرْسَلَهُ وَرَاءَ أَخِيهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.
وَلَمَّا مَرَّ بِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخَذَ مَنْ كَانَ بَقِيَ مَعَهُ بِذِي الْمَرْوَةِ إِلَى الشَّامِ.
ثُمَّ أَذِنَ الصِّدِّيقُ لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ فِي الدُّخُولِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَ: كَانَ عُمَرُ أَعْلَمَ بِخَالِدٍ.
وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ
عَلَى مَا ذَكَرَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبْلَ فَتْحِ دِمَشْقَ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو جعفر بن
(1) وهو صلح مآب وهي فسطاط ليست بمدينة وهي قرية من قرى البلقاء كما في الطبري 4 / 39.
(2)
في الطبري: العربة.
وفي معجم البلدان: العربة موضع بفلسطين كانت به وقعة للمسلمين في أول الإسلام.
(3)
في الطبري: بهراء.
(4)
في الطبري والكامل: باهان، وفي فتوح الشام للواقدي وفتوح البلدان للبلاذري: ماهان.
(*)
جَرِيرٍ رحمه الله.
وَأَمَّا الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ رحمه الله فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبي عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ وَابْنِ لَهِيعَةَ وَاللَّيْثِ وَأَبِي مَعْشَرٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ دِمَشْقَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ.
كَانَتْ وَقْعَةُ الْيَرْمُوكِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ مَضَيْنَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَهَذَا هو المحفوظ و (أما) ما قَالَهُ سَيْفٌ مِنْ أَنَّهَا قَبْلَ فَتْحِ دِمَشْقَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَهَذَا ذِكْرُ سِيَاقِ سَيْفٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا أورده ابن جرير وغيره.
قال: وَلَمَّا تَوَجَّهَتْ هَذِهِ الْجُيُوشُ نَحْوَ الشَّامِ أَفْزَعَ ذَلِكَ الرُّومَ وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا، وَكَتَبُوا إِلَى هِرَقْلَ يُعْلِمُونَهُ بِمَا كَانَ مِنَ الْأَمْرِ.
فَيُقَالُ أنه كان يومئذ بحمص، ويقال: كَانَ حَجَّ عَامَهُ ذَلِكَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ الْخَبَرُ.
قَالَ لَهُمْ: وَيَحَكُمْ إِنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ دِينٍ جَدِيدٍ، وَإِنَّهُمْ لَا قِبَلَ لأحدٍ بِهِمْ، فَأَطِيعُونِي وَصَالِحُوهُمْ بِمَا تُصَالِحُونَهُمْ عَلَى نِصْفِ خَرَاجِ الشَّامِ وَيَبْقَى لَكُمْ جِبَالُ الرُّومِ، وَإِنْ أَنْتُمْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ
أَخَذُوا مِنْكُمُ الشَّامَ وَضَيَّقُوا عَلَيْكُمْ جِبَالَ الرُّومِ.
فَنَخَرُوا مِنْ ذَلِكَ نَخْرَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ كَمَا هِيَ عَادَاتُهُمْ فِي قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ وَالرَّأْيِ بِالْحَرْبِ وَالنُّصْرَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا.
فَعِنْدَ ذَلِكَ سَارَ إِلَى حِمْصَ، وَأَمَرَ هِرَقْلُ بِخُرُوجِ الْجُيُوشِ الرُّومِيَّةِ صُحْبَةَ الْأُمَرَاءِ، فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ أَمِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جَيْشٌ كثيف، فبعث إلى عمرو بن العاص أخاً له لِأَبَوَيْهِ " تَذَارِقَ " فِي تِسْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ.
وبعث جرجة بن بوذيها (1) إِلَى نَاحِيَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَعَسْكَرَ بازائه في خمسين ألفاً أو ستين ألفاً.
وبعث الدراقص إلى شرحبيل بن حسنة.
وبعث اللقيقار (2) ويقال القيقلان - قال ابن إسحاق وهو خصي هرقل نَسْطُورِسَ - فِي سِتِّينَ أَلْفًا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ.
وَقَالَتِ الرُّومُ: وَاللَّهِ لَنَشْغَلَنَّ أَبَا بَكْرٍ عَنْ أَنْ يُورِدَ الْخُيُولَ إِلَى أَرْضِنَا.
وَجَمِيعُ عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا سِوَى الْجَيْشِ الَّذِي مَعَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ.
وَكَانَ وَاقِفًا فِي طَرَفِ الشَّامِ رِدْءًا لِلنَّاسِ - فِي سِتَّةِ آلَافٍ - فَكَتَبَ الْأُمَرَاءُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يُعْلِمُونَهُمَا بِمَا وَقَعَ مِنَ الْأَمْرِ العظيم.
فكتب إليهم أن اجتمعوا وكونوا جنداً واحداً والقوا جنود المشركين، فأنتم أنصار الله والله ينصر مَنْ نَصَرَهُ، وَخَاذِلٌ مَنْ كَفَرَهُ، وَلَنْ يُؤْتَى مِثْلُكُمْ عَنْ قِلَّةٍ، وَلَكِنْ مِنْ تِلْقَاءِ الذُّنُوبِ فاحترسوا منها، وليصل كل رجل منكم بأصحاب.
وَقَالَ الصِّدِّيقُ: وَاللَّهِ لَأَشْغَلَنَّ النَّصَارَى عَنْ وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ بَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَبَعَثَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِالْعِرَاقِ لِيَقْدَمَ إِلَى الشَّامِ فَيَكُونَ الْأَمِيرَ عَلَى مَنْ بِهِ، فَإِذَا فَرَغَ عَادَ إِلَى عَمَلِهِ بِالْعِرَاقِ، فَكَانَ مَا سَنَذْكُرُهُ.
وَلَمَّا بَلَغَ هِرَقْلَ مَا أَمَرَ بِهِ الصِّدِّيقُ أُمَرَاءَهُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ، بَعَثَ إِلَى أُمَرَائِهِ أَنْ يَجْتَمِعُوا أَيْضًا وَأَنْ يَنْزِلُوا بِالْجَيْشِ مَنْزِلًا وَاسِعَ الْعَطَنِ، وَاسِعَ الْمَطْرَدِ، ضَيِّقَ الْمَهْرَبِ، وَعَلَى النَّاسِ أَخُوهُ تَذَارِقُ، وَعَلَى المقدمة جرجة، وعلى المجنبتين ماهان والدراقص، وعلى البحر القيقلان.
(1) في الكامل: بن توذر، وفي الطبري: توذرا.
(2)
في الطبري: الفيقار، وفي الكامل: القيقار.
(*)
وقال محمد بن عائد عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَعَلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَالرُّومُ كَانُوا عِشْرِينَ وَمِائَةَ ألف عليهم ماهان وَسُقْلَابُ يَوْمَ
الْيَرْمُوكِ.
وَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أن سقلاب الخصي كَانَ عَلَى الرُّومِ يَوْمَئِذٍ فِي مِائَةِ أَلْفٍ، وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ جَرَجَةُ - مِنْ أَرْمِينِيَّةَ - فِي اثْنَيْ عشر ألفاً، ومن المستعربة اثني عَشَرَ أَلْفًا (1) عَلَيْهِمْ جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ: وَالْمُسْلِمُونَ فِي أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، فَقَاتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى قَاتَلَتِ النِّسَاءُ مِنْ وَرَائِهِمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ.
وَقَالَ الْوَلِيدُ عَنْ صَفْوَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: بَعَثَ هِرَقْلُ مِائَتَيْ أَلْفٍ عليهم ماهان الْأَرْمَنِيُّ.
قَالَ سَيْفٌ: فَسَارَتِ الرُّومُ فَنَزَلُوا الْوَاقُوصَةَ قَرِيبًا مِنَ الْيَرْمُوكِ، وَصَارَ الْوَادِي خَنْدَقًا عَلَيْهِمْ.
وَبَعَثَ الصَّحَابَةُ إِلَى الصِّدِّيقِ يَسْتَمِدُّونَهُ وَيُعْلِمُونَهُ بِمَا اجْتَمَعَ مِنْ جَيْشِ الرُّومِ بِالْيَرْمُوكِ، فَكَتَبَ الصِّدِّيقُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ (2) أَنْ يَسْتَنِيبَ عَلَى الْعِرَاقِ وَأَنْ يَقْفِلَ بِمَنْ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ فَهُوَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِمْ.
فَاسْتَنَابَ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ عَلَى الْعِرَاقِ وسار خالد مسرعاً في تسعة آلاف وخمسمائة (3) ، وَدَلِيلُهُ رَافِعُ بْنُ عُمَيْرَةَ الطَّائِيُّ، فَأَخَذَ بِهِ على السماق حَتَّى انْتَهَى إِلَى قُرَاقِرَ، وَسَلَكَ بِهِ أَرَاضِيَ لَمْ يَسْلُكْهَا قَبْلَهُ أَحَدٌ، فَاجْتَابَ الْبَرَارِيَّ وَالْقِفَارَ، وَقَطَعَ الْأَوْدِيَةِ،: وَتَصَعَّدَ عَلَى الْجِبَالِ، وَسَارَ فِي غَيْرِ مَهْيَعٍ، وَجَعَلَ رَافِعٌ يَدُلُّهُمْ فِي مَسِيرِهِمْ على الطريق وهو في مفاوز معطشة، وَعَطَّشَ النُّوقَ وَسَقَاهَا الْمَاءَ عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ (4) ، وقطع مشافرها وكعمها حتى لا تجتز رحل أَدْبَارَهَا، وَاسْتَاقَهَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَقَدُوا الْمَاءَ نَحَرَهَا فَشَرِبُوا مَا فِي أَجْوَافِهَا مِنَ الْمَاءِ، وَيُقَالُ بَلْ سَقَاهُ الْخَيْلَ وَشَرِبُوا مَا كَانَتْ تَحْمِلُهُ مِنَ الْمَاءِ وَأَكَلُوا لُحُومَهَا.
وَوَصَلَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ، فَخَرَجَ عَلَى الرُّومِ من ناحية تدمر فصالح أهل تدمر وأركه، وَلَمَّا مَرَّ بِعَذْرَاءَ أَبَاحَهَا وَغَنِمَ لِغَسَّانَ أَمْوَالًا عَظِيمَةً وَخَرَجَ مِنْ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَنَاةِ بُصْرَى فَوَجَدَ الصَّحَابَةَ تحاربها فَصَالَحَهُ صَاحِبُهَا وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ (5) ، فَكَانَتْ أَوَّلَ مَدِينَةٍ فتحت من الشام ولله الحمد.
(1) في فتوح ابن الاعثم: في أربعين ألفاً من العرب المتنصرة بالخيل والعدد والسلاح والزينة.
(2)
أرسل أبو بكر كتاب إلى خالد بن الوليد مع عبد الرحمن بن حنبل الجمحي وفيه: من عبد الله بن عثمان خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى خالد بن الوليد.
أما بعد.
فقد ورد علي من خبر الشام ما قد أقلقني وأرقني وضقت به ذرعا.
فإذا ورد عليك كتابي هذا وأنت قائم فلا تقعد، وإن كنت راكبا فلا تنزل، وذر العراق وخلف عليها من تثق به من أهلها الذين قدموا معك من اليمامة والحجاز حتى تأتي الشام فتلقى أبا عبيدة بن الجراح
ومن معه من المسلمين، فإن العدو قد جمع لهما جمعا عظيما وقد احتاجوا إلى معونتك، فإذا أنت أتيت المسلمين بالشام فأنت أمير الجماعة والسلام.
(الفتوح 1 / 133) .
(3)
في الفتوح: سبعة آلاف، وفي الكامل: عشرة آلاف، وفي الطبري: تسعة آلاف.
وفي فتوح البلدان: ثمان مئة.
وفي فتوح الشام أربعة آلاف.
(4)
العلل: الشربة الثانية.
والنهل: الشربة الاولى.
(5)
صالحوا على أن يؤمنوا على دمائهم وأموالهم وأولادهم على أن يؤدوا الجزية فعلى كل حالم ديناراً وجريب حنطة (فتوح البلدان 1 / 134) .
(*)
وَبَعَثَ خَالِدٌ بِأَخْمَاسِ مَا غَنِمَ مِنْ غَسَّانَ مع بلال بن الحرث الْمُزَنِيِّ إِلَى الصِّدِّيقِ ثمَّ سَارَ خَالِدٌ وَأَبُو عبيدة ومرثد وَشُرَحْبِيلُ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - وَقَدْ قَصَدَهُ الروم بأرض العربا من المعور فَكَانَتْ وَاقِعَةُ أَجْنَادِينَ.
وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَسِيرِهِمْ هَذَا مَعَ خَالِدٍ: لِلَّهِ عَيْنَا رَافِعٍ أَنَّى اهْتَدَى * فَوَّزَ مِنْ قُرَاقِرٍ إلى نوى (1) خَمْسًا إِذَا مَا سَارَهَا الْجَيْشُ بَكَى * مَا سَارَهَا قَبْلَكَ إِنْسِيٌّ أَرَى (2) وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْمَسِيرِ: إِنْ أَنْتَ أَصْبَحَتْ عِنْدَ الشَّجَرَةِ الْفُلَانِيَّةِ نَجَوْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، وَإِنْ لَمْ تُدْرِكْهَا هَلَكْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ، فَسَارَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ وَسَرَوْا سَرْوَةً عَظِيمَةً فَأَصْبَحُوا عِنْدَهَا، فَقَالَ خَالِدٌ: عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى.
فَأَرْسَلَهَا مَثَلًا، وَهُوَ أول من قالها رضي الله عنه.
ويقول غَيْرُ ابْنِ إِسْحَاقَ كَسَيْفِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي نحيف وَغَيْرِهِمَا فِي تَكْمِيلِ السِّيَاقِ الْأَوَّلِ: حِينَ اجْتَمَعَتِ الرُّومُ مَعَ أُمَرَائِهَا بِالْوَاقُوصَةِ وَانْتَقَلَ الصَّحَابَةُ مِنْ مَنْزِلِهِمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنَ الرُّومِ فِي طَرِيقِهِمُ الَّذِي لَيْسَ لَهُمْ طَرِيقٌ غيره، فقال عمر بْنُ الْعَاصِ: أَبْشِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ، فَقَدْ حُصِرَتْ وَاللَّهِ الرُّومُ، وَقَلَّمَا جَاءَ مَحْصُورٌ بِخَيْرٍ.
وَيُقَالُ إِنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا اجْتَمَعُوا لِلْمَشُورَةِ فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسِيرِ إِلَى الرُّومِ، جَلَسَ الْأُمَرَاءُ لِذَلِكَ فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي أُعَمَّرُ حَتَّى أُدْرِكَ قَوْمًا يَجْتَمِعُونَ لِحَرْبٍ وَلَا أَحْضُرُهُمْ، ثُمَّ أَشَارَ أَنْ يَتَجَزَّأَ الْجَيْشُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَيَسِيرُ ثُلْثُهُ فَيَنْزِلُونَ تُجَاهَ
الرُّومِ، ثُمَّ تَسِيرُ الْأَثْقَالُ وَالذَّرَارِيُّ فِي الثُّلْثِ الْآخَرِ، وَيَتَأَخَّرُ خَالِدٌ بِالثُّلْثِ الْآخِرِ حَتَّى إِذَا وَصَلَتِ الْأَثْقَالُ إِلَى أُولَئِكَ سَارَ بَعَدَهُمْ وَنَزَلُوا فِي مَكَانٍ تكون البرية من وراء ظهورهم لتصل إليهم البرد والمد.
فَامْتَثَلُوا مَا أَشَارَ بِهِ وَنِعْمَ الرَّأْيُ هُوَ.
وَذَكَرَ الْوَلِيدُ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الرُّومَ نَزَلُوا فِيمَا بَيْنَ دَيْرِ أَيُّوبَ وَالْيَرْمُوكَ، وَنَزَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَأَذْرِعَاتُ خَلْفَهُمْ لِيَصِلَ إِلَيْهِمُ الْمَدَدُ مِنَ الْمَدِينَةِ.
وَيُقَالُ إِنَّ خَالِدًا إنما قدم عليهم بعد ما نزل الصحابة تجاه الروم بعد ما صَابَرُوهُمْ وَحَاصَرُوهُمْ شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِكَمَالِهِ، فَلَمَّا انْسَلَخَ وَأَمْكَنَ الْقِتَالُ (3) لِقِلَّةِ الْمَاءِ بَعَثُوا إِلَى الصِّدِّيقِ يَسْتَمِدُّونَهُ فَقَالَ: خَالِدٌ لَهَا، فَبَعَثَ إِلَى خَالِدٍ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَعِنْدَ وصول خالد إليهم أقبل ماهان مَدَدًا لِلرُّومِ وَمَعَهُ الْقَسَاقِسَةُ، وَالشَّمَامِسَةُ وَالرُّهْبَانُ يَحُثُّونَهُمْ، وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ لِنَصْرِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَتَكَامَلَ جيش الروم أربعون ومائتا ألف.
ثمانون ألفاً مسلسل بالحديد والحبال، وثمانون ألفاً فارس، وثمانون ألفاً راجل.
قال سيف وَقِيلَ بَلْ كَانَ الَّذِينَ تَسَلْسَلُوا كُلُّ عَشَرَةٍ سلسلة لئلا يفروا ثلاثين
(1) في الكامل والطبري: سوى.
(2)
البيت في فتوح البلدان: ماء إذا ما رامه الجبس انثنى * ما جازها قبلك من إنس يرى (3) كذا بالاصول والظاهر أن فيه سقطا، والعبارة بأكملها ساقطة من الطبري.
(*)
أَلْفًا (1) ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ سَيْفٌ وَقَدِمَ عِكْرِمَةُ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُيُوشِ فَتَكَامَلَ جَيْشُ الصَّحَابَةِ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا إِلَى الْأَرْبَعِينَ أَلْفًا.
وَعِنْدَ ابن إسحق والمدايني أَيْضًا أَنَّ وَقْعَةَ أَجْنَادِينَ قَبْلَ وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ وكانت وقعة أَجْنَادِينَ لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا (2) مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَقُتِلَ بِهَا بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُزِمَ الرُّومُ وَقُتِلَ أَمِيرُهُمُ الْقَيْقَلَانُ (3) .
وَكَانَ قَدْ بَعَثَ رَجُلًا مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ (4) يَجُسُّ لَهُ أَمْرَ الصَّحَابَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ: وَجَدْتُ قَوْمًا رُهْبَانًا بِاللَّيْلِ فُرْسَانًا بِالنَّهَارِ، وَاللَّهِ لو سرق فيهم ابن ملكهم لقطعوه، أَوْ
زَنَى لَرَجَمُوهُ.
فَقَالَ لَهُ الْقَيْقَلَانُ: وَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي سِيَاقِهِ: وَوَجَدَ خَالِدٌ الْجُيُوشَ مُتَفَرِّقَةً فَجَيْشُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ نَاحِيَةً، وَجَيْشُ يَزِيدَ وَشُرَحْبِيلَ نَاحِيَةً.
فَقَامَ خَالِدٌ فِي النَّاسِ خَطِيبًا.
فَأَمَرَهُمْ بِالِاجْتِمَاعِ وَنَهَاهُمْ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ.
فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَتَصَافُّوا مَعَ عَدُوِّهِمْ فِي أَوَّلِ جُمَادَى الْآخِرَةِ وقال خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ، لَا يَنْبَغِي فِيهِ الْفَخْرُ وَلَا الْبَغْيُ، أَخْلِصُوا جِهَادَكُمْ وَأَرِيدُوا اللَّهَ بِعَمَلِكُمْ، وَإِنَّ هذا يوم له ما بعده لو رَدَدْنَاهُمُ الْيَوْمَ إِلَى خَنْدَقِهِمْ فَلَا نَزَالُ نَرُدُّهُمْ، وَإِنْ هَزَمُونَا لَا نُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَدًا، فَتَعَالَوْا فَلْنَتَعَاوَرِ الْإِمَارَةَ فَلْيَكُنْ عَلَيْهَا بَعْضُنَا الْيَوْمَ وَالْآخَرُ غَدًا وَالْآخَرُ بَعْدَ غَدٍ، حَتَّى يَتَأَمَّرَ كُلُّكُمْ، وَدَعُونِي الْيَوْمَ أَلِيكُمْ، فَأَمَّرُوهُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الْأَمْرَ يَطُولُ جِدًّا فَخَرَجَتِ الرُّومُ فِي تعبئة لم ير مثلها قبلها قَطُّ وَخَرَجَ خَالِدٌ فِي تَعْبِئَةٍ لَمْ تُعَبِّهَا الْعَرَبُ قَبْلَ ذَلِكَ.
فَخَرَجَ فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ كُرْدُوسًا إِلَى الْأَرْبَعِينَ كُلُّ كُرْدُوسٍ أَلْفُ رَجُلٍ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ، وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ فِي الْقَلْبِ، وَعَلَى الْمَيْمَنَةِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمَعَهُ شُرَحْبِيلَ بن حَسَنَةَ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ.
وَأَمَّرَ عَلَى كُلِّ كُرْدُوسٍ أَمِيرًا، وَعَلَى الطَّلَائِعِ قباب (5) بْنَ أَشْيَمَ، وَعَلَى الْأَقْبَاضِ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالْقَاضِي يَوْمَئِذٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَقَاصُّهُمُ الَّذِي يَعِظُهُمْ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَقَارِئُهُمِ الَّذِي يَدُورُ عَلَى النَّاسِ فَيَقْرَأُ سُورَةَ الْأَنْفَالِ وَآيَاتِ الْجِهَادِ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ.
وذكر إسحاق بن يسار بِإِسْنَادِهِ أَنَّ أُمَرَاءَ الْأَرْبَاعِ يَوْمَئِذٍ كَانُوا أَرْبَعَةً، أبو عُبَيْدَةَ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَشُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَخَرَجَ النَّاسُ عَلَى رَايَاتِهِمْ وَعَلَى الْمَيْمَنَةِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَعَلَى الميسرة نفاثة بن أسامة الكناني، وعلى الرجالة هاشم بن عتبة بن أَبِي وَقَّاصِ، وَعَلَى الْخَيَّالَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وهو المشير في الحرب الذي
(1) في الطبري: أربعون ألفا.
(2)
في فتوح البلدان: لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، وفي فتوح الشام للواقدي كانت ليلة ست خلت من جمادى الأولى.
(3)
في الطبري: القبقلار، وفي الكامل: كان عليهم تذارق أخو هرقل لابويه.
وفي الفتوح لابن الاعثم: كان عليهم قلفط أحد بطارقتهم.
وقال الطبري: أما علماء الشام فيزعمون إنما كان على الروم تذارق.
(4)
في الطبري: رجل من قضاعة من تزيد بن حيدان يقال له: ابن هزارف.
(5)
في الطبري: قباث.
(*)
يَصْدُرُ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنْ رَأْيِهِ.
وَلَمَّا أَقْبَلَتِ الرُّومُ فِي خُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا قَدْ سَدَّتْ أَقْطَارَ تِلْكَ الْبُقْعَةِ سَهْلِهَا وَوَعْرِهَا كَأَنَّهُمْ غَمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَصِيحُونَ بِأَصْوَاتٍ مُرْتَفِعَةٍ وَرُهْبَانُهُمْ يَتْلُونَ الْإِنْجِيلَ وَيُحِثُّونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَكَانَ خَالِدٌ فِي الْخَيْلِ بَيْنَ يَدَيِ الْجَيْشِ فَسَاقَ بِفَرَسِهِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي مُشِيرٌ بِأَمْرٍ، فَقَالَ: قُلْ ما أمرك الله أسمع لك وأطيع.
فقال له خالد أن هؤلاء القوم لابد لَهُمْ مِنْ حَمْلَةٍ عَظِيمَةٍ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، وَإِنِّي أَخْشَى عَلَى الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ وَقَدْ رأيت أن أفرق الخيل فرقتين وأجعلها وَرَاءِ الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ حَتَّى إِذَا صَدَمُوهُمْ كَانُوا لهم ردءاً فنأتيهم مِنْ وَرَائِهِمْ.
فَقَالَ لَهُ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَكَانَ خَالِدٌ فِي أَحَدِ الْخَيَلِينَ مِنْ وَرَاءِ الْمَيْمَنَةِ وَجَعَلَ قَيْسَ بْنَ هُبَيْرَةَ فِي الْخَيْلِ الْأُخْرَى وَأَمَرَ أَبَا عُبَيْدَةَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنِ الْقَلْبِ إِلَى وَرَاءِ الْجَيْشِ كُلِّهِ لِكَيْ إِذَا رآه المنهزم استحى مِنْهُ وَرَجَعَ إِلَى الْقِتَالِ، فَجَعَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ مكانه في القلب سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ أَحَدَ الْعَشْرَةِ رضي الله عنهم، وَسَاقَ خَالِدٌ إِلَى النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ وَمَعَهُنَّ عَدَدٌ مِنَ السُّيُوفِ وَغَيْرِهَا، فَقَالَ لَهُنَّ مَنْ رَأَيْتُمُوهُ مُولِّيًا فَاقْتُلْنَهُ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَوْقِفِهِ رضي الله عنه.
وَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ وَتَبَارَزَ الْفَرِيقَانِ وَعَظَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: عِبَادَ اللَّهِ انْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْبِرُوا فَإِنَّ الصَّبْرَ مَنْجَاةٌ مِنَ الْكُفْرِ وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ وَمَدْحَضَةٌ لِلْعَارِ، وَلَا تَبْرَحُوا مَصَافَّكُمْ، وَلَا تَخْطُوا إِلَيْهِمْ خُطْوَةً، وَلَا تَبْدَأُوهُمْ بِالْقِتَالِ وشرِّعوا الرِّمَاحَ وَاسْتَتِرُوا بِالدَّرَقِ وَالْزَمُوا الصَّمْتَ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِي أَنْفُسِكُمْ حَتَّى آمُرَكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالُوا: وَخَرَجَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى النَّاسِ فَجَعَلَ يُذَكِّرُهُمْ وَيَقُولُ يَا أهل القرآن، ومتحفظي الْكِتَابِ وَأَنْصَارَ الْهُدَى وَالْحَقِّ، إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا تُنَالُ وَجَنَّتَهُ لَا تُدْخَلُ بِالْأَمَانِيِّ، وَلَا يُؤْتِي اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ الْوَاسِعَةَ إِلَّا الصَّادِقَ الْمُصَدِّقَ أَلَمْ تَسْمَعُوا لِقَوْلِ اللَّهِ: * (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كما استخلفت الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) * الآية [النور: 55] .
فاستحيوا رحمكم الله
من ربكم أَنْ يَرَاكُمْ فُرَّارًا مِنْ عَدُّوِّكُمْ وَأَنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَلَيْسَ لَكُمْ مُلْتَحَدٌ مِنْ دُونِهِ وَلَا عِزٌّ بِغَيْرِهِ.
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا أيها المسلمون غضوا الأبصار، واجثوا على الركب، وَأَشْرِعُوا الرِّمَاحَ، فَإِذَا حَمَلُوا عَلَيْكُمْ فَأَمْهِلُوهُمْ حَتَّى إِذَا رَكِبُوا أَطْرَافَ الْأَسِنَّةِ فَثِبُوا إِلَيْهِمْ وَثْبَةَ الْأَسَدِ، فَوَالَّذِي يَرْضَى الصِّدْقَ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ وَيَمْقُتُ الْكَذِبَ وَيَجْزِي بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَفْتَحُونَهَا كَفْرًا كَفْرًا وَقَصْرًا قَصْرًا، فَلَا يهولكم جُمُوعُهُمْ وَلَا عَدَدُهُمْ، فَإِنَّكُمْ لَوْ صَدَقْتُمُوهُمُ الشَّدَّ تَطَايَرُوا تَطَايُرَ أَوْلَادِ الْحَجَلِ.
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْتُمُ الْعَرَبُ وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي دَارِ الْعَجَمِ مُنْقَطِعِينَ عَنِ الْأَهْلِ نَائِينَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمْدَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ وَاللَّهِ أَصْبَحْتُمْ بِإِزَاءِ عَدُوٍّ كَثِيرٍ عَدَدُهُ، شَدِيدٌ عَلَيْكُمْ حَنَقُهُ، وَقَدْ وَتِرْتُمُوهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَبِلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَاللَّهِ لَا يُنَجِّيكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، وَلَا يُبْلَغُ بِكُمْ رِضْوَانَ اللَّهِ غَدًا إِلَّا بِصِدْقِ اللِّقَاءِ وَالصَّبْرِ فِي الْمَوَاطِنِ الْمَكْرُوهَةِ، أَلَا وَإِنَّهَا سُنَّةٌ لَازِمَةٌ وَإِنَّ
الْأَرْضَ وَرَاءَكُمْ، بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ صَحَارَى وَبَرَارِيُّ، لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا مَعْقِلٌ وَلَا مَعْدِلٌ إِلَّا الصَّبْرُ وَرَجَاءُ مَا وَعَدَ اللَّهُ فَهُوَ خَيْرُ مُعَوَّلٍ، فَامْتَنِعُوا بِسُيُوفِكُمْ وَتَعَاوَنُوا وَلْتَكُنْ هِيَ الْحُصُونُ.
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى النِّسَاءِ فَوَصَّاهُنَّ ثُمَّ عَادَ فَنَادَى: يَا مَعَاشِرَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَضَرَ مَا تَرَوْنَ فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ وَالْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ، وَالشَّيْطَانُ وَالنَّارُ خَلْفَكُمْ.
ثُمَّ سَارَ إِلَى مَوْقِفِهِ رحمه الله.
وَقَدْ وَعَظَ النَّاسَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَيْضًا فَجَعَلَ يَقُولُ: سَارِعُوا إِلَى الْحُورِ الْعِينِ وَجِوَارِ رَبِّكُمْ عز وجل فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، مَا أَنْتُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فِي موطن بأحب إليه منكم في مثل هذا المواطن، أَلَا وَإِنَّ لِلصَّابِرِينَ فَضْلَهُمْ.
قَالَ سَيْفُ بْنُ عمر إسناده عَنْ شُيُوخِهِ: إِنَّهُمْ قَالُوا كَانَ فِي ذَلِكَ الْجَمْعِ أَلْفُ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ مِائَةٌ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ.
وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَقِفُ عَلَى كُلِّ كُرْدُوسٍ وَيَقُولُ: اللَّهَ اللَّهَ إِنَّكُمْ دَارَةُ (1) الْعَرَبِ وَأَنْصَارُ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّهُمْ دَارَةُ (1) الرُّومِ وَأَنْصَارُ الشِّرْكِ، اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ نَصْرَكَ عَلَى عِبَادِكَ.
قَالُوا: وَلَمَّا أَقْبَلَ خَالِدٌ مِنَ الْعِرَاقِ قَالَ رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ: مَا أَكْثَرَ الرُّومَ وَأَقَلَّ الْمُسْلِمِينَ! ! فَقَالَ خَالِدٌ: وَيْلَكَ، أَتُخَوِّفُنِي بِالرُّومِ؟ إِنَّمَا
تَكْثُرُ الْجُنُودُ بِالنَّصْرِ، وَتَقِلُّ بِالْخِذْلَانِ لَا بِعَدَدِ الرِّجَالِ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ الأشقر برأ من توجعه، وَأَنَّهُمْ أَضْعَفُوا فِي الْعَدَدِ - وَكَانَ فَرَسُهُ قَدْ حفا وَاشْتَكَى فِي مَجِيئِهِ مِنَ الْعِرَاقِ -.
وَلَمَّا تَقَارَبَ النَّاسُ تَقَدَّمَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَمَعَهُمَا ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَأَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، وَنَادَوْا: إِنَّمَا نُرِيدُ أَمِيرَكُمْ لِنَجْتَمِعَ بِهِ، فَأُذِنَ لَهُمْ فِي الدُّخُولِ عَلَى تَذَارِقَ، وَإِذَا هُوَ جَالَسٌ فِي خَيْمَةٍ مِنْ حَرِيرٍ.
فَقَالَ الصَّحَابَةُ: لَا نَسْتَحِلُّ دُخُولَهَا، فَأَمَرَ لَهُمْ بِفُرُشٍ بُسُطٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقَالُوا: وَلَا نَجْلِسُ عَلَى هَذِهِ.
فَجَلَسَ مَعَهُمْ حَيْثُ أَحَبُّوا وَتَرَاضَوْا عَلَى الصُّلْحِ، وَرَجَعَ عَنْهُمُ الصحابة بعد ما دَعَوْهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل فَلَمْ يَتِمَّ ذلك.
وذكر الوليد بن مسلم أن ماهان طَلَبَ خَالِدًا لِيَبْرُزَ إِلَيْهِ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فيجتمعا في مصلحة لهم فقال ماهان: إِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَا أَخْرَجَكُمْ مِنْ بِلَادِكُمُ الْجَهْدَ وَالْجُوعَ، فَهَلُمُّوا إِلَى أَنْ أُعْطِيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْكُمْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَكِسْوَةً وَطَعَامًا وَتَرْجِعُونَ إِلَى بِلَادِكُمْ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ بَعَثْنَا لَكُمْ بِمِثْلِهَا.
فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْنَا مِنْ بِلَادِنَا مَا ذَكَرْتَ، غَيْرَ أَنَّا قَوْمٌ نَشْرَبُ الدِّمَاءَ، وَأَنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّهُ لَا دَمَ أَطْيَبُ مِنْ دَمِ الرُّومِ.
فَجِئْنَا لذلك.
فقال أصحاب ماهان: هَذَا وَاللَّهِ مَا كُنَّا نُحَدَّثُ بِهِ عَنِ العرب.
قالو ثُمَّ تَقَدَّمَ خَالِدٌ إِلَى عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَالْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو - وَهُمَا عَلَى مُجَنِّبَتَيِ الْقَلْبِ - أَنْ يُنْشِئَا الْقِتَالَ.
فَبَدَرَا يَرْتَجِزَانِ (2) وَدَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ، وَتَنَازَلَ الْأَبْطَالُ، وَتَجَاوَلُوا وَحَمِيَ الْحَرْبُ وقامت على ساق.
هذ
(1) في الطبري: ذادة العرب.
(2)
قال القعقاع يا ليتني ألقاك في الطراد * قبل اعترام الجحفل الوراد وأنت في حلبتك الوراد وقال عكرمة: قد علمت تهنكة الجواري * اني على مكرمة (*)
وخالد مع كُرْدُوسٌ مِنَ الْحُمَاةِ الشُّجْعَانِ الْأَبْطَالِ بَيْنَ يَدَيِ الصُّفُوفِ، وَالْأَبْطَالُ يَتَصَاوَلُونَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ وَيَبْعَثُ إِلَى كُلِّ قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِمَا يَعْتَمِدُونَهُ مِنَ الْأَفَاعِيلِ، وَيُدَبِّرُ أَمْرَ
الحرب أتم تدبير.
وقال إسحاق بن بشير عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ قُدَمَاءِ مشايخ دمشق، قالوا: ثم زحف ماهان فخرج أبو عبيدة، وقد جعل على الميمة معاذ بن جبل، وعلى الميسرة قباب (1) بن أشيم الكناني، وعلى الرجالة هاشم بن عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَلَى الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَخَرَجَ النَّاسُ عَلَى رَايَاتِهِمْ، وَسَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ يَقُولُ: عِبَادَ اللَّهِ انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معاشر الْمُسْلِمِينَ اصْبِرُوا فَإِنَّ الصَّبْرَ مَنْجَاةٌ مِنَ الْكُفْرِ، وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ، وَمَدْحَضَةٌ لِلْعَارِ، وَلَا تَبْرَحُوا مَصَافَّكُمْ، ولا تخطوا إليهم خطوة، ولا تبدؤهم بِالْقِتَالِ، وَأَشْرِعُوا الرِّمَاحَ، وَاسْتَتِرُوا بِالدَّرَقِ، وَالْزَمُوا الصَّمْتَ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
وَخَرَجَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَجَعَلَ يُذَكِّرُهُمْ، وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ، وَمُسْتَحْفِظِي الْكِتَابِ، وَأَنْصَارَ الْهُدَى وَالْحَقِّ، إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا تُنَالُ، وَجَنَّتَهُ لَا تُدْخَلُ بِالْأَمَانِيِّ، وَلَا يُؤْتِي اللَّهُ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ الْوَاسِعَةَ إِلَّا للصادق الْمُصَدِّقَ، أَلَمْ تَسْمَعُوا لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل * (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) * إلى آخر الآية؟ فَاسْتَحْيُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ مِنْ رَبِّكُمْ أَنْ يَرَاكُمْ فُرَّارًا مِنْ عَدُّوِّكُمْ، وَأَنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ، وَلَيْسَ لَكُمْ مُلْتَحَدٌ مِنْ دُونِهِ.
وَسَارَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي النَّاسِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ غضوا الأبصار واجثوا على الراكب، وَأَشْرِعُوا الرِّمَاحَ، فَإِذَا حَمَلُوا عَلَيْكُمْ فَأَمْهِلُوهُمْ حَتَّى إِذَا رَكِبُوا أَطْرَافَ الْأَسِنَّةِ فَثِبُوا وَثْبَةَ الْأَسَدِ، فَوَالَّذِي يَرْضَى الصِّدْقَ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ، وَيَمْقُتُ الْكَذِبَ وَيَجْزِي الْإِحْسَانَ إِحْسَانًا.
لَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَيَفْتَحُونَهَا كَفْرًا كَفْرًا وَقَصْرًا قَصْرًا، فَلَا يَهُولَنَّكُمْ جُمُوعُهُمْ وَلَا عَدَدُهُمْ، فَإِنَّكُمْ لَوْ صَدَقْتُمُوهُمُ الشَّدَّ لَتَطَايَرُوا تَطَايُرَ أَوْلَادِ الْحَجَلِ.
ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو سُفْيَانَ فَأَحْسَنَ وَحَثَّ عَلَى الْقِتَالِ فَأَبْلَغَ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ.
ثُمَّ قَالَ حِينَ تَوَاجَهَ النَّاسُ: يَا مَعْشَرَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَضَرَ مَا تَرَوْنَ، فهذا رسول الله وَالْجَنَّةُ أَمَامَكُمْ، وَالشَّيْطَانُ وَالنَّارُ خَلْفَكُمْ، وَحَرَّضَ أَبُو سُفْيَانَ النِّسَاءَ فَقَالَ: مَنْ رَأَيْتُنَّهُ فارَّاً فَاضْرِبْنَهُ بِهَذِهِ الْأَحْجَارِ وَالْعِصِيِّ حَتَّى يَرْجِعَ.
وَأَشَارَ خَالِدٌ أَنْ يَقِفَ فِي الْقَلْبِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَنْ يَكُونَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ لِيَرُدَّ الْمُنْهَزِمَ.
وَقَسَمَ خَالِدٌ الْخَيْلَ قِسْمَيْنِ فَجَعَلَ فِرْقَةً وَرَاءَ الْمَيْمَنَةِ، وَفِرْقَةً وَرَاءَ الْمَيْسَرَةِ، لِئَلَّا يَفِرَّ النَّاسُ
وَلِيَكُونُوا رِدْءًا لَهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ.
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: افْعَلْ مَا أَرَاكَ اللَّهُ، وَامْتَثَلُوا مَا أَشَارَ بِهِ خَالِدٌ رضي الله عنه.
وَأَقْبَلَتِ الرُّومُ رَافِعَةً صُلْبَانَهَا وَلَهُمْ أَصْوَاتٌ مُزْعِجَةٌ كَالرَّعْدِ، وَالْقَسَاقِسَةُ وَالْبَطَارِقَةُ تُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَهُمْ فِي عَدَدٍ وَعُدَدٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
وَقَدْ كَانَ فِيمَنْ شَهِدَ الْيَرْمُوكَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَهُوَ أَفْضَلُ من هناك من الصحابة، وكان من
(1) تقدَّم ذكره: قباث.
(*)
فُرْسَانِ النَّاسِ وَشُجْعَانِهِمْ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَبْطَالِ يَوْمَئِذٍ فَقَالُوا: أَلَا تَحْمِلُ فَنَحْمِلَ مَعَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَا تَثْبُتُونَ، فَقَالُوا: بَلَى! فَحَمَلَ وَحَمَلُوا فَلَمَّا وَاجَهُوا صُفُوفَ الرُّومِ أَحْجَمُوا وَأَقْدَمَ هُوَ فَاخْتَرَقَ صُفُوفَ الرُّومِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَعَادَ إِلَى أَصْحَابِهِ.
ثُمَّ جاؤا إِلَيْهِ مَرَّةً ثَانِيَةً فَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ فِي الْأُولَى، وَجُرِحَ يَوْمَئِذٍ جُرْحَيْنِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ جُرْحٌ.
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَحِيحِهِ.
وَجَعَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ كَلَّمَا سَمِعَ أَصْوَاتَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ زَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ، وَأَرْعِبْ قُلُوبَهُمْ: وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا السَّكِينَةَ، وألزمنا كلمة التقوى، وجبب إلينا اللقاء، وأرضنا بالقضاء.
وخرج ماهان فأمر صاحب الميسرة وهو الدبريجان (1) ، وَكَانَ عَدُوُّ اللَّهِ مُتَنَسِّكًا فِيهِمْ، فَحَمَلَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ وَفِيهَا الْأَزْدُ وَمَذْحِجٌ وَحَضْرَمَوْتُ وَخَوْلَانُ، فَثَبَتُوا حَتَّى صَدَقُوا (2) أَعْدَاءَ اللَّهِ، ثُمَّ رَكِبَهُمْ مِنَ الرُّومِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ.
فَزَالَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمَيْمَنَةِ إلى ناحية القلب، وانكشف طائفة من الناس إلى العسكر، وثبت صور من المسلمين عظيم يقاتلون تحت راياتهم، وانكشف زُبَيْدٌ.
ثُمَّ تَنَادَوْا فَتَرَاجَعُوا وَحَمَلُوا حَتَّى نَهْنَهُوا مَنْ أَمَامَهُمْ مِنَ الرُّومِ وَأَشْغَلُوهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ مَنِ انْكَشَفَ مِنَ النَّاسِ، وَاسْتَقْبَلَ النِّسَاءُ مَنِ انْهَزَمَ مِنْ سَرَعَانِ النَّاسِ يَضْرِبْنَهُمْ بِالْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ وَجَعَلَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ تَقُولُ: يَا هَارِبًا عَنْ نِسْوَةٍ تَقِيَّاتْ * فَعَنْ قَلِيلٍ مَا تَرَى سبيات * ولا حصيات وَلَا رَضِيَّاتْ * (3) قَالَ: فَتَرَاجَعَ النَّاسُ إِلَى مَوَاقِفِهِمْ.
وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْغَسَّانِيِّ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ
قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ: قَاتَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَوَاطِنَ وَأَفِرُّ مِنْكُمُ الْيَوْمَ؟ ثُمَّ نَادَى: مَنْ يُبَايِعُ عَلَى الْمَوْتِ؟ فَبَايَعَهُ عَمُّهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ وُجُوهِ الْمُسْلِمِينَ وَفُرْسَانِهِمْ، فَقَاتَلُوا قُدَّامَ فُسْطَاطِ خَالِدٍ حَتَّى أُثْبِتُوا جَمِيعًا جِرَاحًا، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ مِنْهُمْ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ رِضَى اللَّهِ عَنْهُمْ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا صُرِعُوا مِنَ الْجِرَاحِ استسقوا ماء فجئ إِلَيْهِمْ بِشَرْبَةِ مَاءٍ فَلَمَّا قُرِّبَتْ إِلَى أَحَدِهِمْ نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليها، فَلَمَّا دُفِعَتْ إِلَيْهِ نَظَرَ إِلَيْهِ الْآخَرُ فَقَالَ: ادفعها إليه، فتدافعوها كلهم مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ حَتَّى مَاتُوا جَمِيعًا وَلَمْ يَشْرَبْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، رضي الله عنهم أجمعين.
(1) قال الواقدي: أن الديرجان كان بطريقا على بصرى وهو الذي قاتل خالد وقتله عبد الرحمن بن أبي بكر.
(2)
كذا بالاصل، ولعل الصواب: صدوا.
(3)
الابيات في الواقدي (فتوح الشام) يا هارباً عن نساء ثقات * لها جمال ولها ثبات تسلموهن إلى الهنات * تملك نواصينا مع البنات اعلاج سوق فسق عتاة * ينلن منا أعظم الشتات (*)
وَيُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ شَهِيدًا رَجُلٌ جَاءَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ تَهَيَّأْتُ لِأَمْرِي فَهَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، تقرئه عَنِّي السَّلَامَ وَتَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا.
قَالَ: فتقدم هذا الرجل حَتَّى قُتِلَ رحمه الله.
قَالُوا: وَثَبَتَ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى رَايَتِهِمْ حَتَّى صَارَتِ الرُّومُ تَدُورُ كأنها الرحا.
فلم تر يوم اليرموك (إلا) مخاً سَاقِطًا، وَمِعْصَمًا نَادِرًا، وَكَفًّا طَائِرَةً مِنْ ذَلِكَ الْمَوْطِنِ.
ثُمَّ حَمَلَ خَالِدٌ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْخَيَّالَةِ عَلَى الْمَيْسَرَةِ الَّتِي حَمَلَتْ عَلَى مَيْمَنَةِ المسلمين فأزالوهم إلى القلب فقتل من الروم فِي حَمْلَتِهِ هَذِهِ سِتَّةَ آلَافٍ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنَ الصَّبْرِ وَالْجَلَدِ غَيْرَ مَا رَأَيْتُمْ، وَإِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ يَمْنَحَكُمُ اللَّهُ أَكْتَافَهُمْ.
ثُمَّ اعْتَرَضَهُمْ فَحَمَلَ بِمِائَةِ فَارِسٍ مَعَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ فَمَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ
حَتَّى انْفَضَّ جَمْعُهُمْ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَانْكَشَفُوا وَتَبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُمْ.
قَالُوا: وَبَيْنَمَا هُمْ فِي جَوْلَةِ الْحَرْبِ وَحَوْمَةِ الْوَغَى وَالْأَبْطَالُ يَتَصَاوَلُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، إِذْ قَدِمَ الْبَرِيدُ مِنْ نَحْوِ الْحِجَازِ فَدُفِعَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقَالَ لَهُ: مَا الْخَبَرُ؟ فَقَالَ لَهُ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ -: إِنَّ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قد توفي واستخلف عمر، واستناب عَلَى الْجُيُوشِ أَبَا عُبَيْدَةَ عَامِرَ بْنَ الْجَرَّاحِ.
فَأَسَرَّهَا خَالِدٌ وَلَمْ يُبْدِ ذَلِكَ لِلنَّاسِ لِئَلَّا يَحْصُلَ ضَعْفٌ وَوَهَنٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَقَالَ لَهُ وَالنَّاسُ يَسْمَعُونَ: أَحْسَنْتَ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْكِتَابَ فَوَضَعَهُ فِي كِنَانَتِهِ وَاشْتَغَلَ بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ تَدْبِيرِ الْحَرْبِ وَالْمُقَاتِلَةِ، وَأَوْقَفَ الرَّسُولَ الَّذِي جاء بالكتاب - وهو منجمة (1) بْنُ زُنَيْمٍ - إِلَى جَانِبِهِ.
كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِأَسَانِيدِهِ.
قَالُوا وَخَرَجَ جَرَجَةُ أَحَدُ الْأُمَرَاءِ الْكِبَارِ مِنَ الصَّفِّ وَاسْتَدْعَى خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَجَاءَ إِلَيْهِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ فَرَسَيْهِمَا، فَقَالَ جَرَجَةُ: يَا خَالِدُ أَخْبِرْنِي فَاصْدُقْنِي وَلَا تَكْذِبْنِي، فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يَكْذِبُ، وَلَا تُخَادِعْنِي فَإِنَّ الْكَرِيمَ لَا يُخَادِعُ الْمُسْتَرْسِلَ بِاللَّهِ، هَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّكُمْ سَيْفًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَعْطَاكَهُ فَلَا تَسُلُّهُ عَلَى أَحَدٍ (2) إِلَّا هَزَمْتَهُمْ؟ قَالَ: لَا! قَالَ: فَبِمَ سُمِّيتَ سَيْفَ اللَّهِ؟ قَالَ: إن الله بعث فينا نبيه فَدَعَانَا فَنَفَرْنَا مِنْهُ وَنَأَيْنَا عَنْهُ جَمِيعًا، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَنَا صَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ، وَبَعْضَنَا كَذَّبَهُ وَبَاعَدَهُ، فَكُنْتُ فِيمَنْ كَذَّبَهُ وَبَاعَدَهُ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ بِقُلُوبِنَا وَنَوَاصِينَا فَهَدَانَا بِهِ وَبَايَعْنَاهُ (3)، فَقَالَ لِي: أَنْتَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
وَدَعَا لِي بِالنَّصْرِ، فَسُمِّيتُ سَيْفَ اللَّهِ بِذَلِكَ فَأَنَا مِنْ أَشَدِّ الْمُسْلِمِينَ على المشركين.
فقال جرجه: يا خالد إلى ما تَدْعُونَ؟ قَالَ: إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عبده
(1) في الطبري: محمية.
(2)
في الطبري: قوم.
(3)
في الطبري: فتابعناه.
(*)
وَرَسُولُهُ وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ الله عز وجل.
قال: فمن لم يجيكم؟ قَالَ: فَالْجِزْيَةُ وَنَمْنَعُهُمْ.
قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا قَالَ: نُؤْذِنُهُ بِالْحَرْبِ ثُمَّ نُقَاتِلُهُ.
قَالَ: فَمَا منزلة من يجيكم وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْيَوْمَ؟ قَالَ مَنْزِلَتُنَا وَاحِدَةٌ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْنَا، شَرِيفُنَا وَوَضِيعُنَا وَأَوَّلُنَا وَآخِرُنَا.
قَالَ جَرَجَةُ: فَلِمَنْ دَخَلَ فِيكُمُ الْيَوْمَ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ مَا لَكُمْ مِنْ الْأَجْرِ وَالذُّخْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَفْضَلُ.
قَالَ: وَكَيْفَ يساويكم وقد سبقتموه؟ فقال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر عنوة (1) وبايعنا نبينا وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا تَأْتِيهِ أَخْبَارُ السَّمَاءِ ويخبرنا بالكتاب وَيُرِينَا الْآيَاتِ، وَحُقَّ لِمَنْ رَأَى مَا رَأَيْنَا، وَسَمِعَ مَا سَمِعْنَا أَنْ يُسْلِمَ وَيُبَايِعَ، وَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ لَمْ تَرَوْا مَا رَأَيْنَا، وَلَمْ تَسْمَعُوا مَا سَمِعْنَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْحُجَجِ، فَمَنْ دَخَلَ فِي هَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ بِحَقِيقَةٍ وَنِيَّةٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنَّا؟ فَقَالَ جَرَجَةُ: بِاللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتَنِي ولم تخادعني؟ قال: تالله لَقَدْ صَدَقْتُكَ (2) وَإِنَّ اللَّهَ وَلِيُّ مَا سَأَلَتْ عَنْهُ.
فَعِنْدَ ذَلِكَ قَلَبَ جَرَجَةُ التُّرْسَ وَمَالَ مَعَ خَالِدٍ وَقَالَ: عَلِّمْنِي الْإِسْلَامَ، فَمَالَ بِهِ خالد إلى فسطاطه فسن (3) عَلَيْهِ قِرْبَةً مِنْ ماءٍ ثُمَّ صَلَّى بِهِ رَكْعَتَيْنِ.
وَحَمَلَتِ الرُّومُ مَعَ انْقِلَابِهِ إِلَى خَالِدٍ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهَا مِنْهُ حَمْلَةٌ فَأَزَالُوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ إِلَّا الْمُحَامِيَةَ عَلَيْهِمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أبي جهل والحرث بْنُ هِشَامٍ.
فَرَكِبَ خَالِدٌ وَجَرَجَةُ مَعَهُ وَالرُّومُ خِلَالَ الْمُسْلِمِينَ، فَتَنَادَى النَّاسُ وَثَابُوا وَتَرَاجَعَتِ الرُّومُ إِلَى مَوَاقِفِهِمْ وَزَحَفَ خَالِدٌ بِالْمُسْلِمِينَ حَتَّى تَصَافَحُوا بِالسُّيُوفِ فَضَرَبَ فِيهِمْ خَالِدٌ وَجَرَجَةُ مِنْ لَدُنِ ارْتِفَاعِ النَّهَارِ إِلَى جُنُوحِ الشَّمْسِ لِلْغُرُوبِ.
وَصَلَّى الْمُسْلِمُونَ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَصَلَاةَ الْعَصْرِ إِيمَاءً، وَأُصِيبَ جَرَجَةُ رحمه الله وَلَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ إِلَّا تِلْكَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعَ خَالِدٍ رضي الله عنهما.
وضعضعت الرُّومُ عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ نَهَدَ خَالِدٌ بِالْقَلْبِ حَتَّى صَارَ فِي وَسَطِ خُيُولِ الرُّومِ، فَعِنْدَ ذلك هربت خيالتهم، وأسندت بِهِمْ فِي تِلْكَ الصَّحْرَاءِ، وَأَفْرَجَ الْمُسْلِمُونَ بِخُيُولِهِمْ حتى ذهبوا.
وأخر الناس صلاتي العشاءين حتى استقر الفتح، وعمد خالد إلى رحل الرُّومِ وَهُمُ الرَّجَّالَةُ فَفَصَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ حَتَّى صَارُوا كَأَنَّهُمْ حَائِطٌ قَدْ هُدِمَ ثُمَّ تَبِعُوا مَنْ فَرَّ مِنَ الْخَيَّالَةِ وَاقْتَحَمَ خَالِدٌ عَلَيْهِمْ خَنْدَقَهُمْ، وَجَاءَ الرُّومُ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ إِلَى الْوَاقُوصَةِ (4) ، فَجَعَلَ الَّذِينَ تَسَلْسَلُوا وَقَيَّدُوا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ إِذَا سَقَطَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَقَطَ الَّذِينَ مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ: فَسَقَطَ فِيهَا وَقُتِلَ عِنْدَهَا مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا سِوَى مَنْ قُتِلَ فِي
الْمَعْرَكَةِ.
وَقَدْ قَاتَلَ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ (5) وَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الروم، وكن يضربن من
(1) في الطبري: إنا دخلنا في هذا الأمر.
(2)
زاد الطبري: وما بي إليك ولا إلى أحد منكم وحشة
…
(3) في الطبري: فش.
(4)
في فتوح الواقدي: الياقوصة.
(5)
ومنهن: خولة بنت الازور وخولة بنت ثعلبة الانصارية وكعوب بنت مالك بن عاصم وسلمى بنت هاشم ونعم بنت فياض وهند بنت عتبة بن ربيعة ولبنى بنت جرير الحميرية وعفيرة بنت غفار وسعيدة بنت عاصم الخولاني.
(*)
انْهَزَمَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقُلْنَ: أَيْنَ تَذْهَبُونَ وَتَدَعُونَنَا لِلْعُلُوجِ؟ فَإِذَا زَجَرْنَهُمْ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ نَفْسَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْقِتَالِ.
قَالَ وَتَجَلَّلَ الْقَيْقَلَانُ وَأَشْرَافٌ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الرُّومِ بِبَرَانِسِهِمْ وَقَالُوا: إِذَا لَمْ نَقْدِرْ عَلَى نَصْرِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ فَلْنَمُتْ عَلَى دِينِهِمْ.
فَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ.
قَالُوا: وَقُتِلَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ مِنْهُمْ عِكْرِمَةُ وَابْنُهُ عَمْرٌو، وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ، وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ، وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ، وَأُثْبِتَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ وَضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَهِشَامُ بن العاص وعمرو ابن الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ، وَحَقَّقَ اللَّهُ رُؤْيَا أبيه يوم اليمامة.
وقد أتلف فِي هَذَا الْيَوْمِ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ انْهَزَمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي أَرْبَعَةٍ حَتَّى وَصَلُوا إِلَى النِّسَاءِ ثُمَّ رَجَعُوا حِينَ زَجَرَهُمُ النِّسَاءُ، وانكشف شرحبيل بن حَسَنَةَ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ تَرَاجَعُوا حِينَ وَعَظَهُمُ الْأَمِيرُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: * (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) * الْآيَةَ [التَّوْبَةِ: 111] .
وَثَبَتَ يَوْمَئِذٍ يَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَقَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ مَرَّ بِهِ فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالصَّبْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ رَجُلٌ بِهَذَا الْوَادِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَحْفُوفًا بِالْقِتَالِ، فَكَيْفَ بِكَ وَبِأَشْبَاهِكَ الَّذِينَ وُلُّوا أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ؟ ! أُولَئِكَ أَحَقُّ النَّاسِ بِالصَّبْرِ وَالنَّصِيحَةِ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا بُنَيَّ وَلَا
يَكُونَنَّ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ بَأَرْغَبَ فِي الْأَجْرِ وَالصَّبْرِ فِي الْحَرْبِ وَلَا أَجْرَأَ عَلَى عَدُوِّ الْإِسْلَامِ مِنْكَ.
فَقَالَ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَقَاتَلَ يَوْمَئِذٍ قِتَالًا شَدِيدًا وَكَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْقَلْبِ رضي الله عنه.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: هَدَأَتِ الْأَصْوَاتُ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَسَمِعْنَا صَوْتًا يَكَادُ يَمْلَأُ الْعَسْكَرَ يَقُولُ: يَا نَصْرَ اللَّهِ اقْتَرِبْ، الثَّبَاتَ الثَّبَاتَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ أَبُو سُفْيَانَ تَحْتَ رَايَةِ ابْنِهِ يَزِيدَ.
وأكمل خالد ليلته في خيمة تدارق أَخِي هِرَقْلَ - وَهُوَ أَمِيرُ الرُّومِ كُلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ - هَرَبَ فِيمَنْ هَرَبَ، وَبَاتَتِ الْخُيُولُ تَجُولُ نَحْوَ خَيْمَةِ خَالِدٍ يَقْتُلُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الروم حتى أصبحوا وقتل تدارق وَكَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ سُرَادِقًا وَثَلَاثُونَ رُوَاقًا مِنْ دِيبَاجٍ بِمَا فِيهَا مِنَ الْفُرُشِ وَالْحَرِيرِ، فَلَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ حَازُوا مَا كَانَ هُنَالِكَ مِنَ الْغَنَائِمِ.
وَمَا فَرِحُوا بِمَا وَجَدُوا بِقَدْرِ حُزْنِهِمْ عَلَى الصِّدِّيقِ حِينَ أَعْلَمَهُمْ خَالِدٌ بِذَلِكَ وَلَكِنْ عَوَّضَهُمُ اللَّهُ بِالْفَارُوقِ رضي الله عنه.
وَقَالَ خَالِدٌ حِينَ عَزَّى الْمُسْلِمِينَ فِي الصِّدِّيقِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَى عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالْمَوْتِ، وَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عُمَرَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَلَّى عُمَرَ وَكَانَ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَلْزَمَنِي حُبَّهُ.
وَقَدِ اتَّبَعَ خَالِدٌ مَنِ انْهَزَمَ مِنَ الرُّومِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى دِمَشْقَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا فَقَالُوا: نَحْنُ عَلَى عَهْدِنَا وَصُلْحِنَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ إِلَى ثَنِيَّةِ العُقاب فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ سَاقَ وَرَاءَهُمْ إِلَى حِمْصَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا فَصَالَحَهُمْ كَمَا صَالَحَ أَهْلُ دِمَشْقَ.
وَبَعَثَ أَبُو عُبَيْدَةَ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ وَرَاءَهُمْ أَيْضًا فَسَاقَ حَتَّى وَصَلَ مَلَطْيَةَ فَصَالَحَهُ أَهْلُهَا وَرَجَعَ.
فَلَمَّا بَلَغَ هِرَقْلَ ذَلِكَ بَعَثَ إِلَى مُقَاتِلِيهَا
فَحَضَرُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَمَرَ بِمَلَطْيَةَ فَحُرِقَتْ وَانْتَهَتِ الرُّومُ مُنْهَزِمَةً إِلَى هِرَقْلَ وَهُوَ بِحِمْصَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي آثَارِهِمْ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَيَغْنَمُونَ.
فَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى هِرَقْلَ ارْتَحَلَ مِنْ حِمْصَ وَجَعَلَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَرَّسَ بِهَا وَقَالَ هِرَقْلُ: أَمَّا الشَّامُ فَلَا شَامَ، وَوَيْلٌ لِلرُّومِ مِنَ الْمَوْلُودِ الْمَشْئُومِ.
وَمِمَّا قِيلَ مِنَ الْأَشْعَارِ فِي يَوْمِ الْيَرْمُوكِ قَوْلُ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو: أَلَمْ تَرَنَا عَلَى الْيَرْمُوكِ فُزْنَا * كَمَا فُزْنَا بِأَيَّامِ العراق وعذراء المدائن قد فتحنا * ومرج الصفر
…
على العتاق
فَتَحْنَا قَبْلَهَا بُصْرَى وَكَانَتْ * مُحَرَّمَةَ الْجَنَابِ لَدَى النعاق قَتَلْنَا مَنْ أَقَامَ لَنَا وَفِينَا * نِهَابُهُمُ بِأَسْيَافٍ رِقَاقِ قَتَلْنَا الرُّومَ حَتَّى مَا تُسَاوِي * عَلَى اليرموك معروق الوراق فضضنا جمعهم لما استجالوا * عَلَى الْوَاقُوصِ بِالْبُتْرِ الرِّقَاقِ (1) غَدَاةَ تَهَافَتُوا فِيهَا فَصَارُوا * إِلَى أَمْرٍ يُعَضِّلُ بِالذَّوَاقِ (2) وَقَالَ الْأَسْوَدُ بن مقرن التَّمِيمِيُّ: وَكَمْ قَدْ أَغَرْنَا غَارَةً بَعْدَ غَارَةٍ * يوماً وَيَوْمًا قَدْ كَشَفْنَا أَهَاوِلَهْ (3) وَلَوْلَا رِجَالٌ كَانَ عشو غَنِيمَةٍ * لَدَى مَأْقَطٍ رَجَّتْ عَلَيْنَا أَوَائِلُهْ لَقِينَاهُمُ الْيَرْمُوكَ لَمَّا تَضَايَقَتْ * بِمَنْ حَلَّ بِالْيَرْمُوكِ مِنْهُ حمائله فلا يعد من مِنَّا هِرَقْلُ كَتَائِبًا * إِذَا رَامَهَا رَامَ الَّذِي لَا يُحَاوِلُهْ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: الْقَوْمُ لَخْمٌ وَجُذَامٌ فِي الْحَرِبْ * وَنَحْنُ وَالرُّومُ بِمَرْجٍ نضطرب فإذن يعودوا بها لا نصطحب * بل نعصب الفرار بالضرب الكرب وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ فِي الْمُجَالَسَةِ: ثنا أبو إسمعيل الترمذي ثنا أبو معاوية بن عمرو عن أبي إسحق قَالَ: كَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَثْبُتُ لَهُمُ الْعَدُوُّ فُوَاقَ نَاقَةٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، فَقَالَ هِرَقْلُ وَهُوَ عَلَى أَنْطَاكِيَةَ لَمَّا قَدِمَتْ مُنْهَزِمَةُ الرُّومِ: وَيَلَكُمُ أَخْبِرُونِي عَنْ هؤلاء القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بَشَرًا مِثْلَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: فَأَنْتُمْ أَكْثَرُ أَمْ هُمْ؟ قَالُوا: بَلْ نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ أَضْعَافًا فِي كُلِّ مَوْطِنٍ.
قَالَ: فَمَا بَالُكُمْ تنهزمون؟ فَقَالَ شَيْخٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يقومون الليل ويصومون
(1) في معجم البلدان: على الواقوصة البتر الرقاق.
(2)
الابيات في معجم البلدان 5 / 354 (الواقوصة) .
(3)
أهاوله: الزينة والنقوش والتصاوير.
(*)