الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الناس يلدون أبناء وولدت أنا أَبًا.
وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَهُ وَيَكْتُبُونَ عَنْهُ الفراسة، فبينماهم حَوْلَهُ جُلُوسٌ إِذْ نَظَرَ إِلَى رَجُلٍ قَدْ جَاءَ فَجَلَسَ عَلَى دَكَّةِ حَانُوتٍ، وَجَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ أَحَدٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَنَظَرَ فِي وَجْهِ رَجُلٍ ثمَّ عَادَ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: هَذَا فَقِيهُ كُتَّابٍ قَدْ أَبَقَ لَهُ غُلَامٌ أَعْوَرُ فَهُوَ يَتَطَلَّبُهُ، فَقَامُوا إِلَى ذَلِكَ الرَّجل فَسَأَلُوهُ فَوَجَدُوهُ كَمَا قَالَ إِيَاسٌ، فَقَالُوا لِإِيَاسٍ: مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَمَّا جَلَسَ عَلَى دَكَّةِ الْحَانُوتِ عَلِمْتُ أَنَّهُ ذُو وِلَايَةٍ، ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لفقهاء الْمَكْتَبِ، ثُمَّ جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى كُلِّ مَنْ مر به فَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ فَقَدَ غُلَامًا، ثُمَّ لَمَّا قَامَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِ ذَلِكَ الرَّجُلِ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، عَرَفْتُ أَنَّ غُلَامَهُ أَعْوَرُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ ابْنُ خَلِّكَانَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً فِي تَرْجَمَتِهِ، من ذلك أنه شهد عنده رجل في بستان فقال له: كم عدد أشجاره؟ فقال له: كَمْ عَدَدُ جُذُوعِ هَذَا الْمَجْلِسِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ مِنْ مُدَّةِ سِنِينَ؟ فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي وأقررت شهادته.
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ ذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ: أَنَّ خَاقَانَ مِلْكَ التُّرْكِ لَمَّا قُتِلَ فِي وِلَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ عَلَى خُرَاسَانَ، تَفَرَّقَ شَمْلُ الْأَتْرَاكِ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُغِيرُ عَلَى بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَتْ أَنْ تُخَرَّبَ بِلَادُهُمْ، وَاشْتَغَلُوا عَنِ الْمُسْلِمِينَ
.
وَفِيهَا سَأَلَ أَهْلُ الصُّغْدِ مِنْ أَمِيرِ خُرَاسَانَ نَصْرِ بْنِ سَيَّارٍ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَسَأَلُوهُ شُرُوطًا أَنْكَرَهَا الْعُلَمَاءُ، مِنْهَا أَنْ لَا يُعَاقَبُ مَنِ ارْتَدَّ مِنْهُمْ عَنِ الإسلام، ولا يؤخذ أسير الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَأَرَادَ أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِشِدَّةِ نِكَايَتِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَعَابَ عَلَيْهِ النَّاسُ ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَى هِشَامٍ فِي ذَلِكَ فَتَوَقَّفَ، ثُمَّ لَمَّا رَأَى أَنَّ هَؤُلَاءِ إِذَا اسْتَمَرُّوا عَلَى مُعَانَدَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانَ ضَرَرُهُمْ أَشَدَّ، أَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ بَعَثَ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ أَمِيرُ الْعِرَاقِ وَفْدًا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَسْأَلُ مِنْهُ أَنْ يُضَمَّ إِلَيْهِ نِيَابَةَ خراسان، وتكلموا في نصر بن سيار بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَهْمًا شُجَاعًا، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَبِرَ وَضَعُفَ بَصَرُهُ فَلَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ إِلَّا مِنْ قَرِيبٍ بِصَوْتِهِ،
وَتَكَلَّمُوا فِيهِ كَلَامًا كَثِيرًا، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى ذَلِكَ هِشَامٌ، وَاسْتَمَرَّ بِهِ عَلَى إِمْرَةِ خُرَاسَانَ وَوِلَايَتِهَا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا يَزِيدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَالْعُمَّالُ فِيهَا مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
وَتُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الْقَصِيرُ مِنْ أَهْلِ دمشق، وأبو يونس سليمان بْنُ جُبَيْرٍ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ واسع بن حيان (1) ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَرَاجِمَهُمْ فِي كِتَابِنَا التَّكْمِيلِ وَلِلَّهِ الحمد.
قال محمد بن واسع: أول من يدعى يوم القيامة إلى الحساب القضاة.
وقال: خمس خصال
(1) في طبقات ابن سعد 7 / 241: هو محمد بن واسع بن جابر بن الاخنس بن عابد بن خارجة بن زياد بن شمس من ولد عمرو بن نصر بن الازد.
وكان يكنى أبا عبد الله.
له ترجمة في تاريخ الاسلام للذهبي 5 / 159 وتهذيب التهذيب 9 / 499.
(*)