الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ.
قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ مَكَّةَ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ: أَيُّهَا النَّاسُ! أَيُّهُمَا أَعْظَمُ خَلِيفَةً الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ أَمْ رَسُولُهُ إِلَيْهِمْ؟ وَاللَّهِ لَوْ لَمْ تَعْلَمُوا فَضْلَ الْخَلِيفَةِ إِلَّا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحمن اسْتَسْقَاهُ فَسَقَاهُ مِلْحًا أُجَاجًا، وَاسْتَسْقَى الْخَلِيفَةُ فَسَقَاهُ عَذْبًا فُرَاتًا - يَعْنِي الْبِئْرَ الَّتِي احْتَفَرَهَا بِالثَّنِيَّتَيْنِ ثَنِيَّةِ طُوًى وَثَنِيَّةِ الْحَجُونِ - فَكَانَ
يُنْقَلُ مَاؤُهَا فَيُوضَعُ فِي حَوْضٍ مِنْ أَدَمٍ إِلَى جَنْبِ زَمْزَمَ لِيُعْرَفَ فَضْلُهُ عَلَى زَمْزَمَ.
قَالَ ثُمَّ غَارَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ فذهب ماءها فَلَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ إِلَى الْيَوْمِ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ غَرِيبٌ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ كُفْرًا إِنْ صَحَّ عَنْ قَائِلِهِ، وَعِنْدِي أَنَّ خَالِدَ بْنَ عبد الله لَا يَصِحُّ عَنْهُ هَذَا الْكَلَامُ، وَإِنْ صحَّ فَهُوَ عَدُوُّ اللَّهِ، وَقَدْ قِيلَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ نَحْوُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ الْخَلِيفَةَ أَفْضَلَ مِنَ الرَّسُولِ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ تَتَضَمَّنُ كُفْرَ قَائِلِهَا.
وفي هذه السنة غزا قتيبة بن مسلم (1) الترك حتى بلغ باب الأبواب من ناحية أذربيجان، وفتح حصوناً ومدائن كثيرة هُنَالِكَ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العزيز.
قال شيخنا الذَّهَبِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فُتِحَتْ صِقِلِّيَةُ وَمَيُورْقَةُ وقيل ميرقة، وهما في البحر بين جزيرة صقلية وخدرة مِنْ بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ.
وَفِيهَا سَيَّرَ مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ وَلَدَهُ إِلَى النِّقْرِيسِ مَلِكِ الْفِرِنْجِ فَافْتَتَحَ بلاداً كثيرةً.
وَفِيهَا تُوُفِّيَ
مِنَ الْأَعْيَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَير أَحَدُ التَّابِعِينَ العَذَري الشَّاعِرُ، وَقَدْ قِيلَ أَنَّهُ أَدْرَكَ حَيَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ النَّسَبَ.
وَالْعُمَّالُ فِي هَذِهِ السنة هم المذكورون في التي قبلها.
ثم دخلت سنة تسعين من الهجرة فِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بِلَادَ الرُّومِ، فَفَتَحَا حُصُونًا وَقَتَلَا خَلْقًا مِنَ الرُّومِ وَغَنِمَا وَأَسَرَا خَلْقًا كَثِيرًا
.
وَفِيهَا أَسَرَتِ الرُّومُ خَالِدَ بْنَ كَيْسَانَ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى مَلِكِهِمْ فَأَهْدَاهُ مَلِكُ الرُّومِ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ.
وَفِيهَا عَزَلَ الْوَلِيدُ أَخَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ إِمْرَةِ مِصْرَ وَوَلَّى عَلَيْهَا قُرَّةَ بْنَ شَرِيكٍ.
وَفِيهَا قَتَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ مَلِكَ السِّنْدِ دَاهِرَ بْنَ صصَّة (2) ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ هَذَا عَلَى جَيْشٍ مِنْ جِهَةِ الْحَجَّاجِ.
وَفِيهَا فَتَحَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَدِينَةَ بخارى وهزم جميع الْعَدُوِّ مِنَ التُّرْكِ بِهَا، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ فُصُولٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَقَدْ تَقَصَّاهَا ابْنُ جَرِيرٍ (3) .
وَفِيهَا طَلَبَ طَرْخُونُ مَلِكُ الصُّغْدِ بَعْدَ فَتْحِ بُخَارَى مِنْ قُتَيْبَةَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ يَبْذُلُهُ فِي كُلِّ عَامٍ فَأَجَابَهُ قُتَيْبَةُ إِلَى ذَلِكَ وَأَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا عَلَيْهِ.
وَفِيهَا اسْتَنْجَدَ وَرْدَانُ خذاه بالترك فأتوه من جميع
(1) في الطبري 8 / 67: مسلمة بن عبد الملك.
وانظر ابن الأثير 4 / 540.
(2)
في ابن الاثير 4 / 536: ذاهر بن صعصعة وقد قتله محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي (3) انظر الطبري 8 / 73 وابن الاثير 4 / 542 وابن الاعثم 7 / 225.
(*)
النَّوَاحِي - وَهُوَ صَاحِبُ بُخَارَى بَعْدَ أَخْذِ قُتَيْبَةَ لَهَا - وَخَرَجَ وَرْدَانُ خُذَاهْ وَحَمَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَحَطَّمُوهُمْ ثُمَّ عَادَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَصَالَحَ قُتَيْبَةُ مَلِكَ الصُّغْدِ، وَفَتَحَ بُخَارَى وَحُصُونَهَا، وَرَجَعَ قُتَيْبَةُ بِالْجُنْدِ إِلَى بِلَادِهِ فَأَذِنَ لَهُ الْحَجَّاجُ، فَلَمَّا سَارَ إِلَى بِلَادِهِ بَلَغَهُ أَنَّ صَاحِبَ الصُّغْدِ قَالَ لِمُلُوكِ التُّرْكِ: إِنِ الْعَرَبَ بِمَنْزِلَةِ اللُّصُوصِ فَإِنْ أُعْطُوا شَيْئًا ذَهَبُوا، وَإِنَّ قُتَيْبَةَ هَكَذَا يَقْصِدُ الْمُلُوكَ، فَإِنْ أَعْطَوْهُ شَيْئًا أَخْذَهُ وَرَجَعَ عَنْهُمْ، وَإِنَّ قُتَيْبَةَ لَيْسَ بِمَلِكٍ وَلَا يَطْلُبُ مُلْكًا.
فَبَلَغَ قُتَيْبَةَ قَوْلُهُ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَكَاتَبَ نَيْزَكُ مَلِكُ التُّرْكِ مُلُوكَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ (1) مِنْهُمْ مَلِكُ الطَّالَقَانِ، وَكَانَ قَدْ صَالَحَ قُتَيْبَةَ فَنَقَضَ الصُّلْحَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُتَيْبَةَ، وَاسْتَجَاشَ عَلَيْهِ بِالْمُلُوكِ كلها، فأتاه ملوك كثيرة كوا قَدْ عَاهَدُوا قُتَيْبَةَ عَلَى الصُّلْحِ فَنَقَضُوا كُلُّهُمْ وَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً عَلَى قُتَيْبَةَ، وَاتَّعَدُوا إِلَى الرَّبِيعِ وَتَعَاهَدُوا وَتَعَاقَدُوا عَلَى أَنْ يَجْتَمِعُوا فَيُقَاتِلُوا كُلُّهُمْ فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ مِنَ السَّنَةِ الْآتِيَةِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ قُتَيْبَةُ فِي ذَلِكَ الْحِينِ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً جِدًّا لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا، وَصَلَبَ مِنْهُمْ سِمَاطَيْنِ فِي مَسَافَةِ أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ فِي نِظَامٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِمَّا كَسَرَ جُمُوعَهُمْ كُلَّهُمْ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ هَرَبَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ وَأَخَوَاهُ الْمُفَضَّلُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ سِجْنِ الْحَجَّاجِ، فَلَحِقُوا بِسُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَمَّنَهُمْ مِنَ الْحَجَّاجِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّاجَ كَانَ قَدِ احْتَاطَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَعَاقَبَهُمْ عُقُوبَةً عَظِيمَةً، وَأَخَذَ مِنْهُمْ سِتَّةَ آلَافِ أَلْفٍ، وَكَانَ أَصْبَرَهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ، كَانَ لَا يُسْمَعُ لَهُ صوت ولو فعلوا به ما فعلوا نكاية لذلك، وكان ذلك يغيظ الحجاج، قَالَ قَائِلٌ لِلْحَجَّاجِ: إِنَّ فِي سَاقِهِ أَثَرَ نُشَّابَةٍ بَقِيَ نَصْلُهَا فِيهِ، وَإِنَّهُ مَتَى أَصَابَهَا شئ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ يَصْرُخَ، فَأَمَرَ الْحَجَّاجُ: أَنْ يُنَالَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْهُ بِعَذَابٍ، فَصَاحَ فَلَمَّا سَمِعَتْ أُخْتُهُ هِنْدُ بِنْتُ الْمُهَلَّبِ - وَكَانَتْ تَحْتَ الْحَجَّاجِ - صَوْتَهُ بَكَتْ وَنَاحَتْ عَلَيْهِ فَطَلَّقَهَا الْحَجَّاجُ ثُمَّ أَوْدَعَهُمُ السِّجْنَ، ثُمَّ خَرَجَ الْحَجَّاجُ إِلَى بَعْضِ الْمَحَالِّ لِيُنْفِذَ جَيْشًا إِلَى الْأَكْرَادِ وَاسْتَصْحَبَهُمْ مَعَهُ، فَخَنْدَقَ حَوْلَهُمْ وَوَكَّلَ بِهِمُ الْحَرَسَ، فَلَمَّا كَانَ
فِي بَعْضِ اللَّيَالِي أَمَرَ يَزِيدُ بن المهلب بطعام كثير فصنع للحرس، ثُمَّ تَنَكَّرَ فِي هَيْئَةِ بَعْضِ الطَّبَّاخِينَ وَجَعَلَ لحيته لحية بيضاء وخرج فَرَآهُ بَعْضُ الْحَرَسِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ مِشْيَةً أَشْبَهَ بِمِشْيَةِ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ مِنْ هَذَا، ثمَّ تبعه يَتَحَقَّقُهُ، فَلَمَّا رَأَى بَيَاضَ لِحْيَتِهِ انْصَرَفَ عَنْهُ، ثُمَّ لَحِقَهُ أَخَوَاهُ فَرَكِبُوا السُّفُنَ وَسَارُوا نَحْوَ الشَّامِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْحَجَّاجَ هَرَبُهُمُ انْزَعَجَ لِذَلِكَ وَذَهَبَ وَهْمُهُ أَنَّهُمْ سَارُوا إِلَى خُرَاسَانَ، فَكَتَبَ إِلَى قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ يُحَذِّرُهُ قُدُومَهُمْ وَيَأْمُرُهُ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهُمْ، وَأَنْ يَرْصُدَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَكْتُبَ إِلَى أُمَرَاءِ الثُّغُورِ وَالْكُوَرِ بِتَحْصِيلِهِمْ وَكَتَبَ إلى أمير المؤمنين يُخْبِرُهُ بِهَرَبِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَرَاهُمْ هَرَبُوا إِلَّا إلى
(1) في الطبري 8 / 70 وكتب إلى أصبهبذ بلخ وإلى سهرك ملك الطالقان وإلى ترسل ملك الفارياب وإلى الجوزجاني ملك الجوزجان وإلى باذام ملك مروروذ، وفي ابن الاثير 4 / 544 باذان.
وفي ابن الاعثم 7 / 225 باذان وجه من وجه الترك.
وفيه: فلما سار إليه قتيبة (وقد التجأ إلى قلعة باذيس) سار معه (أي مع قتيبة) ملوك خراسان وأقبل حتى نزل أسفل القلعة ومعه أهل بخارا وأهل مرو والطالقان والفارياب وأهل بلخ وسرخس.
(*)
خراسان، وخاف الحجاج من يزيد أن يصنع كما صنع ابن الْأَشْعَثِ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ وَجَمْعِ النَّاسِ لَهُ، وتحقق عنده قول الراهب.
وَأَمَّا يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ فَإِنَّهُ سَلَكَ عَلَى الْبَطَائِحِ وَجَاءَتْهُ خُيُولٌ كَانَ قَدْ أعدَّها لَهُ أَخُوهُ مَرْوَانُ بْنُ الْمُهَلَّبِ لِهَذَا الْيَوْمِ، فَرَكِبَهَا وسلك بن دَلِيلٌ مِنْ بَنِي كَلْبٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ يَزِيدَ (1) ، فَأَخَذَ بِهِمْ عَلَى السَّمَاوَةِ، وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى الْحَجَّاجِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَنَّ يَزِيدَ قَدْ سَلَكَ نَحْوَ الشَّامِ، فَكَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، وَسَارَ يَزِيدُ حَتَّى نَزَلَ الْأُرْدُنَّ (2) عَلَى وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيِّ - وَكَانَ كَرِيمًا عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ - فَسَارَ وُهَيْبٌ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ وَأَخَوَيْهِ في منزلي، قد جاؤوا مستعيذين بك من الحجاج، قال: فاذهب فأتني بِهِمْ فَهُمْ آمِنُونَ مَا دُمْتُ حَيّاً، فَجَاءَهُمْ فَذَهَبَ بِهِمْ حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَمَّنَهُمْ سُلَيْمَانُ وَكَتَبَ إِلَى أَخِيهِ الْوَلِيدِ: إِنَّ آلَ الْمُهَلَّبِ قَدْ أَمَّنْتُهُمْ، وَإِنَّمَا بَقِيَ لِلْحَجَّاجِ عِنْدَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ أَلْفٍ، وَهِيَ عندي.
فكتب إليه الوليد: لَا وَاللَّهِ لَا أُؤَمِّنُهُ حَتَّى تَبْعَثَ بِهِ إِلَيَّ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لَا وَاللَّهِ لَا أَبْعَثُهُ حتى أجئ مَعَهُ، فَأَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَفْضَحَنِي أَوْ تُخْفِرَنِي فِي جِوَارِي.
فَكَتَبَ
إِلَيْهِ: لَا وَاللَّهِ لَا تَجِئْ مَعَهُ وَابْعَثْ بِهِ إلي في وثاق.
فقال يزيد: ابعث بي إِلَيْهِ فَمَا أُحِبُّ أَنْ أُوقِعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةً وَحَرْبًا، فَابْعَثْنِي إِلَيْهِ وَابْعَثْ مَعِي ابْنَكَ وَاكْتُبْ إِلَيْهِ بِأَلْطَفِ عِبَارَةٍ تَقْدِرُ عَلَيْهَا فَبَعَثَهُ وَبَعَثَ مَعَهُ ابْنَهُ أَيُّوبَ، وَقَالَ لِابْنِهِ: إِذَا دَخَلْتَ فِي الدِّهْلِيزِ فَادْخُلْ مَعَ يَزِيدَ فِي السِّلْسِلَةِ، وَادْخُلَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ.
فَلَمَّا رَأَى الْوَلِيدُ ابْنَ أَخِيهِ فِي السِّلْسِلَةِ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ بَلَغْنَا مِنْ سُلَيْمَانَ.
وَدَفَعَ أَيُّوبُ كِتَابَ أَبِيهِ إِلَى عَمِّهِ وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَفْسِي فِدَاؤُكَ لَا تَخْفِرْ ذِمَّةَ أَبِي وَأَنْتَ أَحَقُّ مَنْ مَنَعَهَا، وَلَا تَقْطَعْ مِنَّا رَجَاءَ مَنْ رَجَا السَّلَامَةَ فِي جِوَارِنَا لِمَكَانِنَا مِنْكَ، وَلَا تُذِلَّ مَنْ رَجَا الْعِزَّ فِي الِانْقِطَاعِ إِلَيْنَا لِعِزِّنَا بِكَ.
ثُمَّ قَرَأَ الْوَلِيدُ كِتَابَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا فِيهِ: أمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَوَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ لَوِ اسْتَجَارَ بِي عَدُوٌّ قَدْ نَابَذَكَ وَجَاهَدَكَ فأنزلته وأجرته أنك لا تذل جواري ولا تخفره، بَلْ لَمْ أُجِرْ إِلَّا سَامِعًا مُطِيعًا، حَسَنَ الْبَلَاءِ وَالْأَثَرِ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ وَأَبُوهُ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَقَدْ بَعَثْتُ بِهِ إِلَيْكَ فَإِنْ كُنْتَ إنما تعد قطيعتي واخفار ذمتي وَالْإِبْلَاغَ فِي مَسَاءَتِي فَقَدْ قَدَرْتَ إِنْ أَنْتَ فَعَلْتَ، وَأَنَا أُعِيذُكَ بِاللَّهِ مِنِ احْتِرَادِ قَطِيعَتِي وانتهاك حرمتي، وترك برّي وإجابتي إلى ما سألتك، ووصلتي، فَوَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَدْرِي مَا بَقَائِي وَبَقَاؤُكَ، وَلَا مَتَى يُفَرِّقُ الْمَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَدَامَ اللَّهُ سُرُورَهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ أَجَلُ الْوَفَاةِ عَلَيْنَا إِلَّا وَهُوَ لِي وَاصِلٌ وَلِحَقِّي مؤدٍ، وَعَنْ مَسَاءَتِي نَازِعٌ فَلْيَفْعَلْ، وَوَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ما أصبحت بشئ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ بِأَسَرَّ مني برضاك وسرورك، وإن رضاك
(1) في الطبري 8 / 72 عبد الجبار بن يزيد بن الربعة، وفي ابن الاعثم 7 / 211: عبد الرحمن بن عاصم.
وفي ابن الاثير 4 / 546: دليل من كلب.
(2)
في الطبري وابن الاثير: وسار يزيد حتى قدم فلسطين.
وفي ابن الاعثم 7 / 211: زهرة بن عبد الرحمن الازدي هو الذي يأخذ لي الامان من القوم.
(*)