المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سعيد بن جبير الأسدي - البداية والنهاية - ت شيري - جـ ٩

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ ج 9

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أربع وسبعين

- ‌ذكر من توفي فيها

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خمس وسبعين

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وَسَبْعِينَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة سبع وسبعين

- ‌مقتل شبيب عِنْدَ ابْنِ الْكَلْبِيِّ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثمان وسبعين

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية ففيها كان السيل الجحاف (3) بمكة لانه جحف على كل شئ فذهب به، وحمل الحجاج من بطن مكةٍ الجمال بِمَا عَلَيْهَا، وَالرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُنْقِذَهُمْ مِنْهُ، وَبَلَغَ الْمَاءُ إِلَى الْحَجُونِ، وَغَرِقَ خلقٌ كَثِيرٌ، وَقِيلَ إِنَّهُ ارْتَفَعَ حتَّى كَادَ أَنْ يُغَطِّيَ الْبَيْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى وثمانين

- ‌ فَتَحَ عَبِيدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ مَدِينَةَ قَالِيقَلَا

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ

- ‌ وَقْعَةُ الزَّاوِيَةِ

- ‌ وَقْعَةُ دَيْرِ الْجَمَاجِمِ

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وثمانين استهلت هذه السنة والناس متوافقون لِقِتَالِ الْحَجَّاجِ وَأَصْحَابِهِ بِدَيْرِ قُرَّةَ، وَابْنُ الْأَشْعَثِ وَأَصْحَابُهُ بِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ، وَالْمُبَارَزَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بَيْنَهُمْ وَاقِعَةٌ، وَفِي غَالِبِ الْأَيَّامِ تَكُونُ النُّصْرَةُ لِأَهْلِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: فِيهَا افْتَتَحَ عبد الله بن عبد الملك الْمِصِّيصَةَ، وَفِيهَا غَزَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ أَرْمِينِيَّةَ فقتل منهم خلقاً وصرف كَنَائِسَهُمْ وَضِيَاعَهُمْ وَتُسَمَّى سَنَةَ الْحَرِيقِ، وَفِيهَا اسْتَعْمَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى فَارِسَ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ الثَّقَفِيَّ، وَأَمَرَهُ بِقَتْلِ الْأَكْرَادِ

- ‌وَفِيهَا توفي

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سِتٍّ وثمانين

- ‌فَفِيهَا غَزَا قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ نَائِبُ الْحَجَّاجِ عَلَى مَرْوٍ وَخُرَاسَانَ، بِلَادًا كَثِيرَةً مِنْ أَرْضِ التُّرْكِ

- ‌خلافة الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سَبْعٍ وثمانين فَفِيهَا عَزَلَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هِشَامَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ إِمْرَةِ الْمَدِينَةِ وَوَلَّى عَلَيْهَا ابْنَ عَمِّهِ وَزَوْجَ أُخْتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَبْدِ الملك عمر بن عبد العزيز، فدخلها على ثَلَاثِينَ بَعِيرًا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا، فَنَزَلَ

- ‌وفيها تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة ثمان وثمانين

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ فِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنُ أَخِيهِ الْعَبَّاسُ بِلَادَ الرُّومِ فَقَتَلَا خَلْقًا كَثِيرًا وَفَتَحَا حُصُونًا كَثِيرَةً، مِنْهَا حِصْنُ سُورِيَّةَ وَعَمُّورِيَّةَ وَهِرَقْلَةَ وَقَمُودِيَّةَ (1)

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثم دخلت سنة تسعين من الهجرة فِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بِلَادَ الرُّومِ، فَفَتَحَا حُصُونًا وَقَتَلَا خَلْقًا مِنَ الرُّومِ وَغَنِمَا وَأَسَرَا خَلْقًا كَثِيرًا

- ‌وفيها توفي

- ‌ثم دخلت سنة إحدى وتسعين فِيهَا غَزَا الصَّائِفَةَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنُ أَخِيهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْوَلِيدِ، وَفِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ بِلَادَ التُّرْكِ حَتَّى بَلَغَ الْبَابَ مِنْ نَاحِيَةِ أَذْرَبِيجَانَ، فَفَتَحَ مَدَائِنَ وَحُصُونًا كَثِيرَةً أَيْضًا، وَكَانَ الْوَلِيدُ قَدْ

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين فِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ وَابْنُ أَخِيهِ عُمَرُ بْنُ الْوَلِيدِ بِلَادَ الرُّومِ فَفَتَحَا حُصُونًا كَثِيرَةً وَغَنِمَا شَيْئًا كَثِيرًا وَهَرَبَتْ مِنْهُمُ الرُّومُ إِلَى أَقْصَى بِلَادِهِمْ، وَفِيهَا غَزَا طَارِقُ بْنُ زِيَادٍ مَوْلَى مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ بِلَادَ الْأَنْدَلُسِ فِي

- ‌وَتُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بن الحدثان النضري، أبو سعيد المدني

- ‌فَتْحُ سَمَرْقَنْدَ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ أنس بن مالك ابن النَّضْرِ بْنِ ضَمْضَمَ

- ‌ثم دخلت سنة أربع وتسعين فِيهَا غَزَا العبَّاس بْنُ الْوَلِيدِ أَرْضَ الرُّومِ، فقيل إنه فتح أنطاكية، وَغَزَا أَخُوهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَلَغَ غَزَالَةَ، وَبَلَغَ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامٍ الْمُعَيْطِيُّ أَرْضَ بُرْجِ الْحَمَامِ، وَبَلَغَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ أرض

- ‌مَقْتَلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَسَدِيُّ

- ‌ وفيها توفي

- ‌ثم دخلت سنة خمس وتسعين فِيهَا غَزَا العبَّاس بْنُ الْوَلِيدِ بِلَادَ الرُّومِ، وافتتح حصوناً كثيرةً

- ‌ تَرْجَمَةُ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ

- ‌فصل

- ‌فصل فيما رُوي عنه من الكلمات النافعة وَالْجَرَاءَةِ الْبَالِغَةِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ست وتسعين وَفِيهَا فَتَحَ قُتَيْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَاشْغَرَ (1) مِنْ أَرْضِ الصِّينِ وَبَعَثَ إِلَى مَلِكِ الصِّينِ رُسُلًا (2) يَتَهَدَّدُهُ وَيَتَوَعَّدُهُ وَيُقْسِمُ بِاللَّهِ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَطَأَ بِلَادَهُ وَيَخْتِمَ مُلُوكَهُمْ وَأَشْرَافَهُمْ، وَيَأْخُذَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ أَوْ يَدْخُلُوا فِي الإسلام

- ‌فَصْلٌ فِيمَا رُوِيَ فِي جَامِعِ دِمَشْقَ مِنَ الْآثَارِ وَمَا وَرَدَ فِي فَضْلِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّادَةِ الْأَخْيَارِ

- ‌ذِكْرُ السَّاعَاتِ الَّتِي عَلَى بَابِهِ

- ‌ذِكْرُ ابْتِدَاءِ أَمْرِ السُّبْعِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ

- ‌فصل

- ‌ وَفِيهَا تُوُفِّيَ بَانِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ

- ‌وَهَذِهِ تَرْجَمَةُ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ

- ‌خِلَافَةُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ

- ‌مقتل قتيبة بن مسلم رحمه الله

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سبع وتسعين وَفِيهَا جَهَّزَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْجُيُوشَ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وَفِيهَا أَمَّرَ ابْنَهُ دَاوُدَ عَلَى الصَّائِفَةِ، فَفَتَحَ حِصْنَ الْمَرْأَةِ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا غَزَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَرْضَ الْوَضَّاحِيَّةِ ففتح الحصن الذي [بناه] الْوَضَّاحُ صَاحِبُ الْوَضَّاحِيَّةِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

- ‌مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ فَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَهَّزَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَخَاهُ مَسْلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ لِغَزْوِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وتسعين

- ‌ وَفَاةُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ

- ‌خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌سنة مائة من الهجرة النَّبوِّية

- ‌ بُدُوُّ دَعْوَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إحدى ومائة

- ‌ ترجمة عمر بن عبد العزيز

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فَصْلُ

- ‌ذِكْرُ سَبَبِ وَفَاتِهِ رحمه الله

- ‌فصل

- ‌خِلَافَةُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ

- ‌وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ بَيْنَ الْخَوَارِجِ

- ‌وَفِيهَا خَرَجَ يَزِيدُ بْنُ الْمُهَلَّبِ فَخَلَعَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ

- ‌وَفِيهَا توفي

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين ومائة فيها كَانَ اجْتِمَاعُ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَعَ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلَّبِ، وَذَلِكَ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ رَكِبَ مِنْ وَاسِطٍ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهَا ابْنَهُ مُعَاوِيَةَ، وَسَارَ هُوَ فِي جَيْشٍ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ

- ‌ذِكْرُ وَقْعَةٍ جَرَتْ بَيْنَ التُّرْكِ وَالْمُسْلِمِينَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة ثلاث ومائة

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌فصل

- ‌ثم دخلت سنة أربع ومائة فِيهَا قَاتَلَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْحَرَشِيُّ نَائِبُ خُرَاسَانَ أَهْلَ الصُّغْدِ وَحَاصَرَ أَهْلَ خُجَنْدَةَ وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا، وَأَخَذَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَأَسَرَ رَقِيقًا كَثِيرًا جِدًّا، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ عبد الملك (1) ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَلَّاهُ

- ‌وفيها توفي

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَمِائَةٍ فِيهَا غَزَا الْجَرَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَكَمِيُّ بِلَادَ اللَّانِ، وَفَتَحَ حُصُونًا كَثِيرَةً، وَبِلَادًا مُتَّسِعَةَ الْأَكْنَافِ مِنْ وَرَاءِ بَلَنْجَرَ، وَأَصَابَ غَنَائِمَ جَمَّةً، وَسَبَى خَلْقًا مِنْ أَوْلَادِ الْأَتْرَاكِ

- ‌ تُوَفِّيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

- ‌ تَرْجَمَتُهُ:

- ‌خِلَافَةُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌وَمِمَّنْ تَوَفِّيَ فِيهَا:

- ‌ثم دخلت سنة سبع ومائة فِيهَا خَرَجَ بِالْيَمَنِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبَّادٌ الرُّعَيْنِيُّ فَدَعَا إِلَى مَذْهَبِ الْخَوَارِجِ وَاتَّبَعَهُ فِرْقَةٌ من النَّاس وحلموا فَقَاتَلَهُمْ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ أَصْحَابَهُ، وكانوا ثلاثمائة

- ‌وممن توفي فيها

- ‌وفيها توفي

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَمِائَةٍ فَفِيهَا افْتَتَحَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَيْسَارِيَّةَ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ، وَفَتَحَ إِبْرَاهِيمُ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ حِصْنًا مِنْ حُصُونِ الرُّومِ أيضاً، وفيها غزا أسيد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ أَمِيرُ خُرَاسَانَ فَكَسَرَ الأتراك كسرة فاضحة

- ‌وفيها توفي

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةُ عَشْرٍ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبوِّية

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ الصَّائِفَةَ الْيُسْرَى، وَغَزَا سَعِيدُ بْنُ هِشَامٍ الصَّائِفَةَ الْيُمْنَى (1) ، حَتَّى بَلَغَ قَيْسَارِيَّةَ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ الصَّائِفَةَ فَافْتَتَحَ حُصُونًا (3) مِنْ نَاحِيَةِ ملاطية

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثلاث عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ أَرْضَ الرُّومِ مِنْ نَاحِيَةِ مَرْعَشَ، وَفِيهَا صَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ دُعَاةِ بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَى خُرَاسَانَ وَانْتَشَرُوا فِيهَا، وَقَدْ أَخَذَ أَمِيرُهُمْ رَجُلًا مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ وَتَوَعَّدَ غَيْرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعِ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ الصَّائِفَةَ الْيُسْرَى وَعَلَى الْيُمْنَى سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وهما ابنا أمير المؤمنين هشام: وَفِيهَا الْتَقَى عَبْدُ اللَّهِ الْبَطَّالُ وَمَلِكُ الرُّومِ المسمى فيهم قسطنطين، وهو ابن

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ

- ‌فصل

- ‌ثم دخلت سنة خمس عشرة ومائة فَفِيهَا وَقَعَ طَاعُونٌ بِالشَّامِ، وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ نَائِبُ الحرمين والطائف

- ‌وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ

- ‌فصل

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ سبع عَشْرَةَ وَمِائَةٍ فِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ الصَّائِفَةَ الْيُسْرَى، وَسُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامٍ الصَّائِفَةَ الْيُمْنَى، وهما ابنا أمير المؤمنين هشام

- ‌وفيها توفي:

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ:

- ‌فصل

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ

- ‌فِيهَا غَزَا مُعَاوِيَةُ وَسُلَيْمَانُ ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِلَادَ الرُّومِ

- ‌فِيهَا كَانَتْ وَفَاةُ:

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ

- ‌سَنَةُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ

- ‌فيها كانت وفاة

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ومائة ففيها غزا مسلمة بن هشام الروم فافتتح مطامير وهو حصن، وافتتح مروان بن محمد بلاد صاحب الذهب، وأخذ قِلَاعَهُ وَخَرَّبَ أَرْضَهُ، فَأَذْعَنَ لَهُ بِالْجِزْيَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِأَلْفِ رَأْسٍ يُؤَدِّيهَا إِلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ رَهْنًا عَلَى ذَلِكَ

- ‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

- ‌ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين ومائة فَفِيهَا كَانَ مَقْتَلُ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ الْبَيْعَةَ مِمَّنْ بَايَعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، أَمَرَهُمْ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السَّنَةِ بِالْخُرُوجِ وَالتَّأَهُّبِ لَهُ، فَشَرَعُوا فِي أَخْذِ الْأُهْبَةِ لِذَلِكَ

- ‌وممَّن توفِّي فِي هَذِهِ السَّنَةِ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ ذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ: أَنَّ خَاقَانَ مِلْكَ التُّرْكِ لَمَّا قُتِلَ فِي وِلَايَةِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ عَلَى خُرَاسَانَ، تَفَرَّقَ شَمْلُ الْأَتْرَاكِ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُغِيرُ عَلَى بَعْضٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَتْ أَنْ تُخَرَّبَ بِلَادُهُمْ، وَاشْتَغَلُوا عَنِ الْمُسْلِمِينَ

- ‌ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فِيهَا غَزَا سُلَيْمَانُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بلاد الروم فلقي ملك الروم اليون فقاتله فَسَلِمَ سُلَيْمَانُ وَغَنِمَ

- ‌وَفِيهَا تُوُفِّيَ:

- ‌فصل

- ‌ترجمة الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمٍ

- ‌ تُوَفِّي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ

- ‌ذِكْرُ وَفَاتِهِ وَتَرْجَمَتِهِ رحمه الله

الفصل: ‌سعيد بن جبير الأسدي

‌ذِكْرُ مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا

مِنَ الْمَشَاهِيرِ وَالْأَعْيَانِ

‌سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَسَدِيُّ

الْوَالِبِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، الْكُوفِيُّ الْمَكِّيُّ، مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ ابْنِ عبَّاس، كَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ فِي التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَأَنْوَاعِ الْعُلُومِ، وَكَثْرَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، رحمه الله، وَقَدْ رَأَى خَلْقًا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، وَعَنْهُ خَلْقٌ مِنَ التَّابِعِينَ، يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يقرأ القرآن في الصلاة فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ خَتْمَةً تَامَّةً، وَكَانَ يَقْعُدُ فِي الْكَعْبَةِ الْقَعْدَةَ فَيَقْرَأُ فِيهَا الْخَتْمَةَ، وَرُبَّمَا قَرَأَهَا فِي رَكْعَةٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ.

وروي عنه أنه ختم القرآن مرتين ونصفاً في الصلاة في ليلة في الكعبة.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَقَدْ مَاتَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى عِلْمِهِ.

وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ خَرَجَ

مَعَ ابْنِ الْأَشْعَثِ عَلَى الْحَجَّاجِ، فَلَمَّا ظَفِرَ [الْحَجَّاجُ] هَرَبَ سَعِيدٌ إِلَى أَصْبَهَانَ، ثُمَّ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إِلَى مَكَّةَ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً لِلْعُمْرَةِ وَمَرَّةً لِلْحَجِّ، وَرُبَّمَا دَخَلَ الْكُوفَةَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَحَدَّثَ بِهَا، وكان بخراسان لا يتحدث لأنه كان لا يسأله أحد عن شئ مِنَ الْعِلْمِ هُنَاكَ، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّ مِمَّا يُهِمُّنِي مَا عِنْدِي مِنَ الْعِلْمِ، وَدِدْتُ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوهُ.

وَاسْتَمَرَّ فِي هَذَا الْحَالِ مُخْتَفِيًا مِنَ الْحَجَّاجِ قَرِيبًا مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ أَرْسَلَهُ خَالِدٌ الْقَسْرِيُّ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الحجاج وكان مِنْ مُخَاطَبَتِهِ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا.

وَقَالَ أبو نعيم في كتابه الحلية (1) : ثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أبي خلف، ثنا شعبان عن سالم بن أبي حفصة.

وقال: لَمَّا أُتِيَ بِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِلَى الْحَجَّاجِ قال له: أنت الشقي بْنُ كُسَيْرٍ؟ قَالَ: لَا! إِنَّمَا أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ، قَالَ: أَنَا إِذًا كما سمتني أمي سعيداً! قال شقيت وشقيت أمك، قال: الأمر ليس إليك.

ثم قال: اضربوا عنقه، فقال: دعوني أصلي رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: وَجِّهُوهُ إِلَى قِبْلَةِ النَّصَارَى، قَالَ:(فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وجه الله)[مريم: 17] قَالَ: إِنِّي أَسْتَعِيذُ مِنْكَ بِمَا اسْتَعَاذَتْ بِهِ مَرْيَمُ، قَالَ: وَمَا عَاذَتْ بِهِ؟ قَالَ: قَالَتْ (إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً)[البقرة: 115] قال سفيان: لم يقتل بعده إلا واحداً.

وفي رواية أنه قال له: لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى، قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلهاً.

وفي رواية أنه لما أراد قتله قال: وجهوه إلى قبلة النصارى، فقال:(أينما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) فقال: اجلدوا به الأرض، فقال:(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى)[طه: 55] فقال: اذبح فما أنزعه لآيات الله منذ اليوم.

فقال: اللَّهم لا تسلطه على أحد بعدي.

وقد ذكر أبو نعيم هنا كلاماً كثيراً في مقتل سعيد بن جبير، أحسنه هذا والله أعلم.

(1) حلية الاولياء 4 / 291 وانظر ابن الاعثم 7 / 161 - 162 ووفيات الاعيان 2 / 372 - 373.

وصفة الصفوة 3 / 80 - 83.

(*)

ص: 116

وَقَدْ ذَكَرْنَا صِفَةَ مَقْتَلِهِ إِيَّاهُ، وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ غَرِيبَةٌ فِي صِفَةِ مَقْتَلِهِ، أَكْثَرُهَا لَا يَصِحُّ، وَقَدْ عُوقِبَ الْحَجَّاجُ بَعْدَهُ وَعُوجِلَ بِالْعُقُوبَةِ، فَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَهُ إِلَّا قَلِيلًا ثُمَّ أَخَذَهُ اللَّهُ أَخَذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ، كَمَا

سَنَذْكُرُ وَفَاتَهُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ، فَقِيلَ إِنَّهُ مَكَثَ بَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقِيلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ ستة أشهر والله أَعْلَمُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رحمه الله حين قتل، فقيل تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقِيلَ سَبْعًا وَخَمْسِينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ: كَانَ مَقْتَلُهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مَقْتَلَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ - فالله أعلم.

قلت: ها هنا كلمات حسان من كلام سعيد بن جبير أحببت أن أذكرها.

قال: إن أفضل الخشية أن تخشى الله خشية تحول بينك وبين معصيته، وتحملك على طاعته، فتلك هي الخشية النافعة.

والذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكر له، وإن كثر منه التسبيح وتلاوة القرآن.

قيل له: من أعبد الناس؟ قال: رجل اقترف (1) من الذنوب، فكلما ذكر ذنبه احتقر عمله، وقال له الحجاج: ويلك؟ فقال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار، فقال: اضربوا عنقه، فقال: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله، أستحفظك بها حتى ألقاك يوم القيامة فأنا خصمك عند الله، فذبح من قفاه، فبلغ ذلك الحسن فقال: اللهم يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج، فما بقي إلا ثلاثة حتى وقع من جوفه دود فأنتن منه فمات.

وقال سعيد للحجاج لما أمر بقتله وضحك فقال له: ما أضحكك؟ فقال: أضحك من غيراتك عليَّ (2) وحلم الله عنك.

سعيد بن المسيب ابن حَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبِ (3) بْنِ عَائِذِ بْنِ عمران بن مخزوم القرشي أبو محمد المدنف، سَيِّدُ التَّابِعِينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ مَضَتَا وَقِيلَ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقِيلَ لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْهَا، وَقَوْلُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعَشَرَةَ وَهْمٌ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَكِنْ أَرْسَلَ عَنْهُمْ كَمَا أَرْسَلَ كَثِيرًا عَنِ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوَى عَنْ عُمَرَ كَثِيرًا، فَقِيلَ سَمِعَ مِنْهُ، وعن عثمان وعلي وسعيد وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَانَ زَوْجَ ابْنَتِهِ، وَأَعْلَمَ النَّاسِ بِحَدِيثِهِ، وَرَوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَحَدَّثَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَخَلْقٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ، قال ابن عمر: كان سعيد أحد المتقنين، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: جَالَسْتُهُ

سَبْعَ حِجَجٍ وَأَنَا لَا أَظُنُّ عِنْدَ أَحَدٍ عِلْمًا غَيْرَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بن إسحاق: عن مكحول قال: طفت

(1) في صفة الصفوة 3 / 79: اجترح.

(2)

في ابن الاعثم 7 / 163: عجبت من جرأتك على الله.

وانظر أيضا صفة الصفوة 3 / 82.

(3)

في طبقات ابن سعد 5 / 119، ووفيات الاعيان 2 / 375: وهب بن عمرو بن عائذ

(*)

ص: 117

الْأَرْضَ كُلَّهَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ.

فَمَا لَقِيتُ أَعْلَمَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: سُئِلَ الزُّهْرِيُّ وَمَكْحُولٌ مَنْ أَفْقَهُ مَنْ لَقِيتُمَا؟ قالا: سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ يُقَالُ لَهُ فَقِيهُ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: كُنْتُ أَرْحَلُ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ، قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُرْسِلُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَضَايَا عُمَرَ وَأَحْكَامِهِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِرْسَالُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَنَا حَسَنٌ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِيَ صِحَاحٌ: قَالَ: وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ.

قال عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ أَوْسَعَ عِلْمًا مِنْهُ، وَإِذَا قَالَ سَعِيدٌ مَضَتِ السُّنَّةُ فَحَسْبُكَ بِهِ، وَهُوَ عِنْدِي أَجْلُّ التَّابِعِينَ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ: كَانَ سَعِيدُ رَجُلًا صَالِحًا فَقِيهًا، كَانَ لَا يَأْخُذُ الْعَطَاءَ، وَكَانَتْ لَهُ بِضَاعَةٌ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ، وَكَانَ يَتَّجِرُ فِي الزَّيْتِ، وَكَانَ أَعْوَرَ.

وَقَالَ أَبُو زرعة: كان مدنياً ثقةً إماماً.

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ فِي التَّابِعِينَ أَنْبَلُ مِنْهُ، وَهُوَ أَثْبَتُهُمْ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، عَنْ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، رحمه الله.

وكان سعيد بن المسيب من أورع الناس فيما يدخل بيته وبطنه، وكان من أزهد النَّاس في فضول الدنيا، والكلام فيما لا يعني، ومن أكثر الناس أدباً في الحديث، جاءه رجل وهو مريض فسأله عن حديث فجلس فحدثه ثم اضطجع، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعن، فقال: إني كرهت أن أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع، وقال برد مولاه: ما نودي للصلاة منذ أربعين إلا وسعيد في المسجد.

وقال ابن إدريس: صلى سعيد بن المسيب الغداة بوضوء العتمة خمسين سنة.

وقال سعيد: لا تملؤا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإنكار من قلوبكم، لكيلا تحبط أعمالكم

الصالحة.

وقال: ما يئس الشيطان من شئ إلا أتاه من قبل النساء.

وقال: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله، ولا أهانت أنفسها إلا بمعصية الله تعالى.

وقال: كفى بالمرء نصرة من الله له أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله.

وقال: من استغنى بالله افتقر الناس إليه.

وقال: الدنيا نذلة وهي إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها من غير وجهها ووضعها في غير سبيلها.

وقال: إنه ليس من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا وفيه عيب، ولكن من النَّاس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه.

وقال: من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله (1) : وقد زوج سعيد بن المسيب ابنته على درهمين لكثير (2) بن أبي وداعة - وكانت من أحسن النساء وأكثرهم أدباً وأعلمهم بكتاب اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج - وكان فقيراً، فأرسل إليه بخمسة آلاف، وقيل: بعشرين ألفا، وقال: استنفق هذه.

وقصته في ذلك مشهورة،

(1) انظر صفوة الصفوة 2 / 80 - 81.

(2)

في وفيات الاعيان 2 / 376: زوجها من أبي وداعة، وفي طبقات ابن سعد 5 / 138: زوجها من ابن أخيه، وفي رواية أخرى عنده: من شاب من قريش.

(*)

ص: 118

وقد كان عبد الملك خطبها لابنه الوليد فأبى سعيد أن يزوجه بها، فاحتال عليه حتى ضربه بالسياط كما تقدم، لما جاءت بيعة الوليد إلى المدينة في أيَّام عبد الملك، ضربه نائبه على المدينة هشام بن إسماعيل وأطافه المدينة، وعرضوه على السيف فمضى ولم يبايع، فلما رجفوا به رأته امرأة فقالت: ما هذا الخزي يا سعيد؟ فقال: من الخزي فررنا إلى ما ترين، أي لو أحببناهم وقعنا في خزي الدنيا والآخرة.

وكان يجعل على ظهره إهاب الشاة، وكان له مال يتجر فيه ويقول: اللَّهم إنَّك تعلم أني لم أمسكه بخلاً ولا حرصاً عليه، ولا محبة للدنيا ونيل شهواتها، وإنما أريد أن أصون به وجهي عن بني مروان حتى ألقى الله فيحكم فيَّ وفيهم، وأصل منه رحمي، وأؤدي منه الحقوق التي فيه، وأعود منه على الأرملة والفقير والمسكين واليتيم والجار.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ الْعَنَزِيُّ

تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وعبد الله بن عمر وغيرهم، وعنه حميد الطويل والأعمش وطاووس، وهو من أقرانه وأثنى عليه عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَلَكِنْ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ جِهَةِ أنَّه كَانَ يَقُولُ بِالْإِرْجَاءِ، وَقَدْ كَانَ ممن خرج مع ابن الأشعث، وكان يقول تقووا بِالتَّقْوَى، فَقِيلَ لَهُ: صِفْ لَنَا التَّقْوَى، فَقَالَ: التقوى هي الْعَمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ يرجو رحمة الله، وترك معصية الله على نور من الله يخاف عقاب اللَّهِ.

وَقَالَ أَيْضًا: إِنَّ حُقُوقَ اللَّهِ أَعْظَمُ من أن يقوم بها العباد، وإن نعم الله أكثر من أن تحصى، أو يقوم بشكرها العباد، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين.

وكان طلق لا يخرج إلى صلاة إلا ومعه شئ يتصدق به، وإن لم يجد إلا بصلاً، ويقول: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نجواكم صدقة)[المجادلة: 12] فتقديم الصدقة بين يدي مناجاة الله أعظم وأعظم.

قَالَ مَالِكٌ: قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ وَجَمَاعَةً مِنَ الْقُرَّاءِ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.

وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ فِيمَا سَبَقَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ بَعَثَ مِنْ مَكَّةَ ثَلَاثَةً إِلَى الْحَجَّاجِ، وَهُمْ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَطَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ، فَمَاتَ طَلْقٌ فِي الطَّرِيقِ وَحُبِسَ مُجَاهِدٌ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ سَعِيدٍ مَا كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ، تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنِ الْعَبَادِلَةِ وَمُعَاوِيَةَ وَالْمُغِيرَةِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ.

وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَخَلْقٌ مِمَّنْ سِوَاهُمْ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ عُرْوَةُ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِمًا مَأْمُونًا ثَبَتًا.

وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: مَدَّنِيٌّ تَابِعِيٌّ رَجُلٌ صَالِحٌ لَمْ يدخل في شئ مِنَ الْفِتَنِ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ فَقِيهًا عَالِمًا حَافِظًا ثَبَتًا حُجَّةً عَالِمًا بِالسِّيَرِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الْمَغَازِيَ، وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْمَعْدُودِينَ، وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَهُ، وَكَانَ أَرْوَى النَّاسِ للشعر، وقال ابنه هِشَامٍ: الْعِلْمُ لِوَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ، لِذِي حَسَبٍ يزين به حسبه، أَوْ ذِي دِينٍ يَسُوسُ بِهِ دِينَهُ، أَوْ مختلط بسلطان يتحفه بنعمه ويتخلص (*)

ص: 119

منه بالعلم، فلا يقع في هلكه، وقال: ولا أعلم أحداً اشترطه لهذه الثلاثة إِلَّا عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ،

وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ.

وَكَانَ عُرْوَةُ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ رُبْعَ الْقُرْآنِ وَيَقُومُ بِهِ فِي اللَّيل، وَكَانَ أَيَّامَ الرطب يثلم حائطة للناس فيدخلون ويأكلون، فَإِذَا ذَهَبَ الرُّطَبُ أَعَادَهُ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ عروة بحراً لا ينزف ولا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَا أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْ عُرْوَةَ وَمَا أَعْلَمُهُ يَعْلَمُ شَيْئًا أَجْهَلُهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُنْتَهَى إِلَى قَوْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْفُقَهَاءِ الْعَشَرَةِ الَّذِينَ كان عمر بن عبد العزيز يرجع إليهم فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى الْوَلِيدِ بِدِمَشْقَ، فَلَمَّا رَجَعَ أَصَابَتْهُ فِي رِجْلِهِ الْأَكِلَةُ فَأَرَادُوا قَطْعَهَا، فَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْ يَشْرَبَ شَيْئًا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ حَتَّى لَا يَحِسَّ بِالْأَلَمِ وَيَتَمَكَّنُوا مِنْ قَطْعِهَا، فَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ يَشْرَبُ شَيْئًا يُغَيِّبُ عَقْلَهُ حَتَّى لَا يعرف ربه عزوجل، وَلَكِنْ هَلُمُّوا فَاقْطَعُوهَا فَقَطَعُوهَا مِنْ رُكْبَتِهِ وَهُوَ صامت لا يتكلم، ولا يعرف أنه أنَّ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ قَطَعُوهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْعُرْ لِشُغْلِهِ بِالصَّلَاةِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَوَقَعَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الَّتِي قُطِعَتْ فِيهَا رِجْلُهُ وَلَدٌ لَهُ يُسَمَّى مُحَمَّدًا كَانَ أَحَبَّ أَوْلَادِهِ مِنْ سَطْحٍ فَمَاتَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَزَّوْهُ فِيهِ، فَقَالَ: اللَّهم لَكَ الْحَمْدُ، كَانُوا سَبْعَةً فَأَخَذْتَ وَاحِدًا وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة، فَلَئِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ فَلَقَدْ أَعْطَيْتَ، وَلَئِنْ كنت قد ابتليت فقد عافيت.

قلت: قد ذكر غير واحد أن عروة بن الزبير لما خرج من المدينة متوجهاً إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الأكله في رجله في واد قرب المدينة وكان مبدؤها هناك، فظن أنها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطباء العارفين بذلك، فأجمعوا على أنه إن لم يقطعها وإلا أكلت رجله كلها إلى وركه.

وربما ترقت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها وقالوا له: ألا نسقيك مرقداً حتى يذهب عقلك منه فلا تحس بألم النشر؟ فقال: لا! والله ما كنت أظن أن أحداً يشرب شرابا ويأكل شيئاً يذهب عقله، ولكن إن كنتم لابد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة فإني لا أحسن بذلك، ولا أشعر به.

قال: فنشروا رجله من فوق الأكلة، من المكان الحي، احتياطاً أنه لا يبقى منها شئ، وهو نائم يصلي، فما تضور ولا اختلج، فلما انصرف من الصلاة عزاه الوليد في رجله، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً فلئن كنت قد أخذت فقد

أبقيت، وإن كنت قد أبليت فلطالما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت.

قال: وكان قد صحب معه بعض أولاده من جملتهم ابنه محمد، وكان أحبهم إليه، فدخل دار الدواب فرفسته فرس فمات، فأتوه فعزوه فيه، فقال: الحمد لله كانوا سبعة فأخذت منهم واحداً وأبقيت ستة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت.

فلما قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، قال: فما سمعناه ذكر رجله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد حتى دخل وادي القرى، فلما كان في المكان الذي أصابته الأكلة فيه قال:(لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً)[الكهف: 63] فلما دخل المدينة أتاه الناس يسلمون عليه ويعزونه في رجله وولده، فبلغه أن بعض

ص: 120

الناس قال: إنما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه.

فأنشد عروة في ذلك والأبيات لمعن بن أوس: - لعمرك ما أهويت كفى لريبة * ولا حملتني نحو فاحشة رجلي ولا قادني سمعي ولا بصري لها * ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي ولست بماش ما حييت لمنكر * من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة * وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي وأعلم أني لم تصبني مصيبة * من الدهر إلا قد أصابت فتى مثلي وفي رواية: اللَّهم إنَّه كان لي بنون أربعة فأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة.

كذا ذكر هذا الحديث فيه هشام.

وقال مسلمة بن محارب: وقعت في رجل عروة الأكلة فقطعت ولم يمسكه أحد، ولم يدع في تلك الليلة ورده.

وقال الأوزاعي: لما نشرت رجل عروة قال: اللَّهم إنَّك تعلم أني لم أمش بها إلى سوء قط.

وأنشد البيتين المتقدمين.

رأى عروة رجلاً يصلي صلاة خفيفة فدعاه فقال: يا أخي أما كانت لك إلى ربك حاجة في صلاتك؟ إني لأسأل الله في صلاتي حتَّى أسأله الملح.

قال عروة: رب كلمة ذل احتملتها أو رثتني عزاً طويلاً.

وقال لبنيه: إذا رأيتم الرجل يعمل الحسنة فاعلموا أن لها عنده أخوات، وإذا رأيتم الرجل يعمل السيئة فاعلموا أن لها عنده أخوات، فإن الحسنة تدل على أختها، والسيئة تدل على أختها.

وكان عروة إذا دخل حائطة ردد هَذِهِ الْآيَةَ (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ

جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [الكهف: 39] حتى يخرج منه والله سبحانه وتعالى أعلم.

قِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ عُمَرَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ عُمَرَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعِينَ، وَقِيلَ سَنَةَ مِائَةٍ، وَقِيلَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، وَقِيلَ إِحْدَى وَمِائَةٍ، وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أو خمس وتسعين، وقيل تسع وتسعين فالله أعلم.

علي بن الحسين ابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ الْمَشْهُورُ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَأُمُّهُ أَمُّ وَلَدٍ اسْمُهَا سَلَّامَةُ (1) ، وَكَانَ لَهُ أَخٌ أَكْبَرُ مِنْهُ يُقَالُ لَهُ عَلِيٌّ أَيْضًا، قُتِلَ مَعَ أَبِيهِ، رَوَى عَلِيٌّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَابِرٍ وَابْنِ عبَّاس وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَصَفِيَّةَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بَنُوهُ زَيْدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعُمَرُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ بن قر، وزيد بن أسلم، وطاووس وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ، وَخَلْقٌ.

(1) في وفيات الاعيان 3 / 267: سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس.

وفي صفة الصفوة 2 / 93 وطبقات ابن سعد 5 / 211: غزالة.

(*)

ص: 121

قال ابن خلكان: كانت أم سلمة (1) بِنْتَ يَزْدَجِرْدَ آخِرِ مُلُوكِ الْفُرْسِ، وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي رَبِيعِ الْأَبْرَارِ أَنَّ يَزْدَجِرْدَ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ سُبِينَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَحَصَلَتْ وَاحِدَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَوْلَدَهَا سَالِمًا، وَالْأُخْرَى لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَوْلَدَهَا الْقَاسِمَ، وَالْأُخْرَى لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَوْلَدَهَا عَلِيًّا زَيْنَ الْعَابِدِينَ هَذَا، فَكُلُّهُمْ بَنُو خَالَةٍ.

قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلَمَّا قَتَلَ قُتَيْبَةُ بن مسلم فيروزبن يَزْدَجِرْدَ بَعَثَ بِابْنَتَيْهِ إِلَى الْحَجَّاجِ فَأَخَذَ إِحْدَاهُمَا وبعث بالأخرى إلى الوليد، فَأَوْلَدَهَا الْوَلِيدُ يَزِيدَ النَّاقِصَ.

وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْمَعَارِفِ أَنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ هَذَا كَانَتْ أُمُّهُ سِنْدِيَّةً، يُقَالُ لَهَا سَلَّامَةُ (2) ، وَيُقَالُ غَزَالَةُ، وَكَانَ مَعَ أَبِيهِ بِكَرْبَلَاءَ، فَاسْتُبْقِيَ لِصِغَرِهِ، وَقِيلَ لِمَرَضِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ ابْنَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ هَمَّ بِقَتْلِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ،

ثُمَّ صَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَشَارَ بَعْضُ الْفَجَرَةِ عَلَى يَزِيدَ بن معاوية بقتله أيضاً فمنعه الله منه، ثُمَّ كَانَ يَزِيدُ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْرِمُهُ وَيُعَظِّمُهُ وَيُجْلِسُهُ مَعَهُ، وَلَا يَأْكُلُ إِلَّا وَهُوَ عِنْدَهُ، ثم بعثهم إلى المدينة، وكان على بالمدينة محترماً معظماً.

قال ابْنُ عَسَاكِرَ: وَمَسْجِدُهُ بِدِمَشْقَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ.

قلت: وهو مشهد علي بالناحية الشرقية من جَامِعِ دِمَشْقَ.

وَقَدِ اسْتَقْدَمَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى دِمَشْقَ فَاسْتَشَارَهُ فِي جَوَابِ مَلِكِ الرُّومِ عَنْ بَعْضِ مَا كَتَبَ إِلَيْهِ فِيهِ مِنْ أَمْرِ السَّكَّةِ وَطِرَازِ الْقَرَاطِيسِ، قال الزهرمي: ما رأيت قرشياً أورع منه، ولا أفضل.

وَكَانَ مَعَ أَبِيهِ يَوْمَ قُتِلَ ابْنَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ مَرِيضٌ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: لَا تَعَرَّضُوا لِهَذَا الْمَرِيضِ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: كَانَ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ وَأَعْبَدِهِمْ وَأَتْقَاهُمْ لِلَّهِ عزوجل، وَكَانَ إِذَا مَشَى لَا يَخْطُرُ بِيَدِهِ، وَكَانَ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ يُرْخِيهَا مِنْ وَرَائِهِ، وَكَانَ كنيته أبا الحسن، وقيل أبا محمد، وقيل أبا عَبْدِ اللَّهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ عَالِيًا رَفِيعًا وَرِعًا، وَأُمُّهُ غَزَالَةُ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْحُسَيْنِ مَوْلَاهُ زُبَيْدٌ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زُبَيْدٍ، وهو عليِّ الأصغر، فأما الْأَكْبَرُ فَقُتِلَ مَعَ أَبِيهِ.

وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَازِمٍ: لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ مِثْلُهُ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ وَهُوَ أَفْضَلُ هَاشِمِيٍّ أَدْرَكْتُهُ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَحِبُّونَا حُبَّ الْإِسْلَامِ، فَمَا بَرِحَ بِنَا حُبُّكُمْ حَتَّى صَارَ عَلَيْنَا عَارًا.

وَفِي رِوَايَةٍ: حتَّى بَغَّضْتُمُونَا إِلَى النَّاسِ.

وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَمْ يَكُنْ لِلْحُسَيْنِ عَقِبٌ إِلَّا مِنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ نَسْلٌ إِلَّا مِنَ ابن عَمِّهِ الْحَسَنِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ: لو اتخذت السراري يَكْثُرَ أَوْلَادُكُ، فَقَالَ: لَيْسَ لِي مَا أَتَسَرَّى بِهِ، فَأَقْرَضَهُ مِائَةَ أَلْفٍ فَاشْتَرَى لَهُ السِّرَارِيَّ فولدت لَهُ وَكَثُرَ نَسْلُهُ، ثُمَّ لَمَّا مَرِضَ مَرْوَانُ أَوْصَى أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْ عَلِيِّ بْنِ الحسين شئ مما كان أقرضه، فجميع الحسينيين من نسله رحمه الله.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا الزُّهري عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وذكروا أنه

(1) انظر الحاشية السابقة.

(2)

في المعارف ص 94 وفي رواية ابن خلكان عنه: سلافة.

(*)

ص: 122

احْتَرَقَ الْبَيْتُ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَهُوَ قَائِمٌ يصلي، فلما انصرف قالوا له: مالك لَمْ تَنْصَرِفْ؟ فَقَالَ: إِنِّي اشْتَغَلْتُ عَنْ هَذِهِ النَّارِ بِالنَّارِ الْأُخْرَى، وَكَانَ إِذَا تَوَضَّأَ يَصْفَرُّ لَوْنُهُ، فَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ارْتَعَدَ مِنَ الْفَرَقِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَلَا تدرون بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ أقوام وَلِمَنْ أُنَاجِي؟ وَلَمَّا حَجَّ أَرَادَ أَنْ يُلَبِّيَ فَارْتَعَدَ وَقَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقُولَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لبيك، فيقال لي: لا لبيك، فشجعوه على التَّلْبِيَةِ، فَلَمَّا لَبَّى غُشِيَ عَلَيْهِ حتَّى سَقَطَ عن الراحلة.

وكان يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ.

وقال طاووس: سَمِعْتُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ عِنْدَ الْحِجْرِ يَقُولُ: عُبَيْدُكَ بفنائك.

سائلك بفنائك.

فقيرك بفنائك، قال طاووس: فَوَاللَّهِ مَا دَعَوْتُ بِهَا فِي كَرْبٍ قَطُّ إِلَّا كُشِفَ عَنِّي.

وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يَقُولُ صَدَقَةُ اللَّيْلِ تُطْفِئُ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة، وقاسم اللَّهُ تَعَالَى مَالَهُ مَرَّتَيْنِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ نَاسٌ بِالْمَدِينَةِ يَعِيشُونَ لَا يَدْرُونَ مِنْ أَيْنَ يَعِيشُونَ وَمَنْ يُعْطِيهِمْ، فَلَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَدُوا ذَلِكَ فَعَرَفُوا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِمْ فِي اللَّيْلِ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ.

وَلَمَّا مَاتَ وَجَدُوا فِي ظَهْرِهِ وأكتافه أثر حمل الجراب إِلَى بُيُوتِ الْأَرَامِلِ وَالْمَسَاكِينِ فِي اللَّيل.

وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ يَعُولُ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ وَلَا يَدْرُونَ بِذَلِكَ حَتَّى مَاتَ.

وَدَخَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَعُودُهُ فَبَكَى ابْنُ أُسَامَةَ فَقَالَ لَهُ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: عليَّ دَيْنٌ، قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ قَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ - وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ - فَقَالَ: هِيَ عليَّ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ بِمَنْزِلَتِهِمَا مِنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

وَنَالَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمًا فَجَعَلَ يَتَغَافَلُ عَنْهُ - يُرِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ - فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِيَّاكَ أَعْنِي، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: وَعَنْكَ أُغْضِي.

وَخَرَجَ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ فَسَبَّهُ رَجُلٌ فانتدب النَّاس إِلَيْهِ، فَقَالَ: دَعُوهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فقال: ما ستره الله عنك من عيوبنا أَكْثَرُ، أَلَكَ حَاجَةٌ نُعِينُكَ عَلَيْهَا؟ فَاسْتَحْيَا الرَّجُلُ فَأَلْقَى إِلَيْهِ خَمِيصَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ لَهُ بألف درهم، فكان الرَّجل بعد ذلك إذا رآه يقول: أَنَّكَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ.

قَالُوا: وَاخْتَصَمَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَحَسَنُ بْنُ حَسَنٍ - وَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَافَسَةٌ - فَنَالَ مِنْهُ حَسَنُ بْنُ حَسَنٍ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ عَلِيُّ بْنُ الحسين إلى منزله فقال: يابن عَمِّ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا يَغْفِرُ اللَّهُ لِي، وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا

يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَلَحِقَهُ فَصَالَحَهُ.

وَقِيلَ لَهُ مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ خَطَرًا؟ فَقَالَ: مَنْ لَمْ ير الدنيا لنفسه قدراً، وَقَالَ أَيْضًا: الْفِكْرَةُ مِرْآةٌ تُرِي الْمُؤْمِنَ حَسَنَاتِهِ وسيئاته، وقال: فقد الاحية غُرْبَةٌ، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّ قَوْمًا عَبَدُوا اللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَآخَرُونَ عَبَدُوهُ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَآخَرُونَ عَبَدُوهُ مَحَبَّةً وَشُكْرًا فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ الْأَخْيَارِ.

وَقَالَ لِابْنِهِ: يَا بَنِيَّ لَا تَصْحَبْ فَاسِقًا فَإِنَّهُ يَبِيعُكَ بِأَكْلَةٍ وَأَقَلَّ مِنْهَا يَطْمَعُ فِيهَا ثُمَّ لَا يَنَالُهَا، وَلَا بَخِيلًا فَإِنَّهُ يَخْذُلُكَ فِي مَالِهِ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ، وَلَا كَذَّابًا فَإِنَّهُ كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ مِنْكَ الْبَعِيدَ وَيُبَاعِدُ عَنْكَ الْقَرِيبَ، وَلَا أحمق

ص: 123

فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ، وَلَا قَاطِعَ رَحِمٍ فَإِنَّهُ مَلْعُونٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ (1) .

قَالَ تَعَالَى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أبصارهم)[مُحَمَّدٍ: 22 - 23] .

وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ تَخَطَّى النَّاسَ حَتَّى يَجْلِسَ فِي حَلْقَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، فَقَالَ لَهُ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، أَنْتَ سيد الناس تأتي تخطي حلق أهل العلم وقريش حَتَّى تَجْلِسَ مَعَ هَذَا الْعَبْدِ الْأَسْوَدِ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: إِنَّمَا يَجْلِسُ الرَّجُلُ حيث ينتفع، وإن العلم يطلب حَيْثُ كَانَ.

وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ؟ فَقُلْتُ: مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ أُرِيدُ أسأله عن أشياء ينفعنا الله بها ولا منقصة، إِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَنَا مَا يَرْمِينَا بِهِ هَؤُلَاءِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْعِرَاقِ - وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إسحاق عن زر بْنِ عُبَيْدٍ (2) قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَتَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَالَ ابْنُ عبَّاس: مَرْحَبًا بِالْحَبِيبِ ابْنِ الْحَبِيبِ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بن محمد بن يحيى الصولي: ثنا العلاء ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَقَبَّلَهُ وَأَقْعَدَهُ إِلَى جنبه، ثم قال:" يولد لا بني هَذَا ابنُ يُقَالُ لَهُ عَلِيٌّ، إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى منادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ لِيَقُمْ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، فَيَقُومُ هُوَ " هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ

جِدًّا أَوْرَدَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ.

وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ أَكْثَرُ مُجَالَسَتِي مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَكَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ، وَكَانَ مِنْ أَفْضَلِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَحْسَنِهِمْ طَاعَةً، وَأَحَبِّهِمْ إِلَى مَرْوَانَ وَابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ يسمى زَيْنَ الْعَابِدِينَ.

وَقَالَ جُوَيْرِيَّةُ بْنُ أَسْمَاءَ: مَا أَكَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بِقَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِرْهَمًا قَطُّ.

رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ: بَعَثَ الْمُخْتَارُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَكَرِهَ أَنْ يَقْبَلَهَا وَخَافَ أَنْ يَرُدَّهَا، فَاحْتَبَسَهَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا قُتِلَ الْمُخْتَارُ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: إِنَّ الْمُخْتَارَ بَعَثَ إِلَيَّ بِمِائَةِ أَلْفٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْبَلَهَا وَكَرِهْتُ أَنْ أَرُدَّهَا، فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهَا.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ: يا بن عَمٍّ! خُذْهَا فَقَدْ طَيَّبْتُهَا لَكَ، فَقَبِلَهَا.

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: سَادَةُ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا الْأَسْخِيَاءُ الْأَتْقِيَاءُ، وَفِي الْآخِرَةِ أَهْلُ الدِّينِ وَأَهْلُ الفضل والعلم الأتقياء.

لأن العلماء ورثة الأنبياء.

وقال

(1) في صفة الصفوة 2 / 101 زاد: في ثلاثة مواضع.

قلت وهي في سورة الرعد الآية (25) : والذين ينقضون عهد اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ميثاقه ويقطعون مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ويفسدون في الارض أولئك لهم اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدار.

وفي سورة البقرة (الآية 27) وفيها وصف قاطعي الرحم بأنهم خاسرون ولم يصرح بلفظ اللعن فيها.

والآية (22 - 23) من سورة محمد والمثبتة في النص.

(2)

كذا بالاصل، وفي هامش المطبوعة: لعله زر بن حبيش.

(*)

ص: 124

أيضاً: إني لأستحي من الله عزوجل أَنْ أَرَى الْأَخَ مِنْ إِخْوَانِي فَأَسْأَلَ اللَّهَ لَهُ الْجَنَّةَ وَأَبْخَلَ عَلَيْهِ بِالدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ يوم القيامة قيل لي فإذا كانت الجنة بيدك كنت بِهَا أَبْخَلَ، وَأَبْخَلَ وَأَبْخَلَ.

وَذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْبُكَاءِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ يَعْقُوبَ عليه السلام بَكَى حَتَّى ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ عَلَى يُوسُفَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مَاتَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يذبحون في غداة واحدة، فترون حُزْنَهُمْ يَذْهَبُ مِنْ قَلْبِي أَبَدًا؟ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سَكَبَتْ جَارِيَةٌ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ مَاءً لِيَتَوَضَّأَ فَسَقَطَ الْإِبْرِيقُ مِنْ يَدِهَا عَلَى وَجْهِهِ فَشَجَّهُ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: إن الله يقول (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)[آل عمران: 134]، فقال: وقد كظمت غيظي، قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ

النَّاسِ) فقال: عَفَا اللَّهُ عَنْكِ.

فَقَالَتْ (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال: أنت حرَّة لوجه الله تعالى.

وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن إبراهيم بن قدامة اللخمي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جلس قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَذَكَرُوا أَبَا بَكْرٍ وعمر فنالوا منهما، ثم ابتدأوا في عثمان فقال لهم: أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين الَّذِينَ (أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[الحشر: 8] ؟ قالوا: لا قال: فأنتم من الذين (تبوأ والدار وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)[الحشر: 9] ؟ قالوا: لا! فقال لهم: أما أنتم فقد أقررتم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْفِرْقَةِ الثَّالِثَةِ الذين قال الله عزوجل فيهم (والذين جاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولا خواننا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمنوا) [الحشر: 10] الآية، فقوموا عَنِّي لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ، وَلَا قَرَّبَ دُورَكُمْ، أَنْتُمْ مُسْتَهْزِئُونَ بِالْإِسْلَامِ، وَلَسْتُمْ مِنْ أَهْلِهِ.

وَجَاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ مَتَى يُبْعَثُ عَلِيٌّ؟ فَقَالَ: يُبْعَثُ وَاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَهُمُّهُ نَفْسُهُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حُدِّثْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَصَدَّقُ الْيَوْمَ - أَوْ أَهَبُ عِرْضِي الْيَوْمَ - مَنِ اسْتَحَلَّهُ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَنَّ غُلَامًا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ سَفُّودٌ وَهُوَ يَشْوِي شَيْئًا فِي التَّنُّورِ عَلَى رَأْسِ صَبِيٍّ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَتَلَهُ، فَنَهَضَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مُسْرِعًا، فلما نظر إليه قال للغلام: إِنَّكَ لَمْ تَتَعَمَّدْ، أَنْتَ حُرٌّ، ثُمَّ شَرَعَ فِي جَهَازِ ابْنِهِ.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِنَصِيبِي مِنَ الذُّلِّ حُمْرَ النَّعَمِ: وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْهُ.

وَمَاتَ لِرَجُلٍ وَلَدٌ مُسْرِفٌ عَلَى نَفْسِهِ فَجَزِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ إِسْرَافِهِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: إِنَّ مِنْ وَرَاءِ ابْنِكَ خِلَالًا ثَلَاثًا، شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَشَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ، وَرَحْمَةَ اللَّهِ عزوجل.

وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: قَارَفَ الزُّهْرِيُّ ذَنْبًا فَاسْتَوْحَشَ مِنْهُ وَهَامَ عَلَى وَجْهِهِ وَتَرَكَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ.

فَلَمَّا اجْتَمَعَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ لَهُ: يَا زُهْرِيُّ قُنُوطُكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي وَسِعَتْ كل شئ أَعْظَمُ مِنْ ذَنْبِكِ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ:(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالاته)[الأنعام: 124] وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ أَصَابَ دَمًا حراماً خَطَأً فَأَمَرَهُ عَلِيٌّ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ

ص: 125

وأن يبعث الدية إلى أهله، ففعل ذلك، وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَعْظَمُ النَّاسِ عَلَيَّ منَّة.

وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: لَا يَقُولُ رجل في رجل من الخير مالا يَعْلَمُ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَقُولَ فِيهِ مِنَ الشَّرِّ مَا لَا يَعْلَمُ، وَمَا اصْطَحَبَ اثْنَانِ عَلَى مَعْصِيَةٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَفْتَرِقَا عَلَى غير طاعة.

وذكروا أنه زوج أمه مِنْ مَوْلًى لَهُ وَأَعْتَقَ أَمَةً فَتَزَوَّجَهَا فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ يَلُومُهُ فِي ذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كثيرا) [الأحزاب: 22] وَقَدْ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ فَتَزَوَّجَهَا، وَزَوَّجَ مَوْلَاهُ زيد بن حارثة من بنت عمه زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ.

قَالُوا: وَكَانَ يَلْبَسُ فِي الشِّتَاءِ خَمِيصَةً مِنْ خَزٍّ بِخَمْسِينَ دِينَارًا، فَإِذَا جَاءَ الصَّيْفُ تَصَدَّقَ بِهَا، وَيَلْبَسُ فِي الصَّيْفِ الثِّيَابَ الْمُرَقَّعَةَ وَدُونَهَا وَيَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى (قُلِ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق) [الْأَعْرَافِ: 31] .

(وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الصُّولِيُّ وَالْجُرَيْرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عَبْدِ الملك حج في خلافة أبيه وأخيه الْوَلِيدِ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ لَمْ يَتَمَكَّنْ حَتَّى نُصِبَ لَهُ مِنْبَرٌ فَاسْتَلَمَ وَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَقَامَ أَهْلُ الشَّامِ حَوْلَهُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، فَلَمَّا دَنَا مِنَ الْحَجَرِ لِيَسْتَلِمَهُ تَنَحَّى عَنْهُ النَّاسُ إِجْلَالًا لَهُ وَهِيبَةً وَاحْتِرَامًا، وَهُوَ فِي بِزَّةٍ حَسَنَةٍ، وَشَكْلٍ مَلِيحٍ، فَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ لِهِشَامٍ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ - استنقاصاً به واحتقاراً لِئَلَّا يَرْغَبَ فِيهِ أَهْلُ الشَّام - فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ - وَكَانَ حَاضِرًا - أَنَا أَعْرِفُهُ، فَقَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ فأشار الْفَرَزْدَقُ يَقُولُ: هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ الْبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ * وَالْبَيْتُ يَعْرِفُهُ وَالْحِلُّ وَالْحَرَمُ هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَّهِ كلِّهم * هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ الْعَلَمُ (1) إِذَا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا * إِلَى مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي الْكَرَمُ يُنْمَى إِلَى ذُرْوَةِ الْعِزِّ الَّتِي قَصُرَتْ * عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الْإِسْلَامِ وَالْعَجَمُ يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ رَاحَتِهِ * رُكْنُ الْحَطِيمِ إِذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ

يُغْضِي حَيَاءً وَيُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ * فَمَا يُكَلَّمُ إِلَّا حِينَ يَبْتَسِمُ بِكَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهَا عَبِقٌ * مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي عِرْنِينِهِ شَمَمُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نبعته * طابت عناصرها (2) والخيم والشيم

(1) بعده في ابن الاعثم 5 / 127 وليس البيت في الديوان: هذا حسين رسول الله والده * أمست بنور هداه تهتدي الامم (2) في الديوان: مغارسه، وفي المقتل لابي مخنف: أرومته.

والنبعة: شجرة صلبة الالياف تتخذ منها القسي، وكنى بها عن الاصل والارومة.

والخيم: الاصل والشرف.

ص: 126

يَنْجَابُ نُورُ الْهُدَى (1) مِنْ نُورِ غُرَّتِهِ * كَالشَّمْسِ ينجاب عن إشراقها الغيم حَمَّالُ أَثْقَالِ أَقْوَامٍ إِذَا فُدِحُوَا * حُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحْلُو عِنْدَهُ نَعَمُ هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إِنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ * بِجَدِّهِ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ قَدْ خُتِمُوا مَنْ جَدُّهُ دَانَ فَضْلُ الْأَنْبِيَاءِ لَهُ * وَفَضْلُ أُمَّتِهِ دَانَتْ لَهَا الْأُمَمُ عَمَّ الْبَرِّيَّةَ بِالْإِحْسَانِ فانقشعت * عنها الغواية وَالْإِمْلَاقُ وَالظُّلَمُ كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا * يَسْتَوْكِفَانِ وَلَا يَعْرُوهُمَا الْعَدَمُ سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَا تخشى بوادره * يزينه اثنتان الحلم والكرم لا يخلف الوعد ميمون بغيبته * رَحْبُ الْفِنَاءِ أَرِيبٌ حِينَ يَعْتَزِمُ مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُ * كَفْرٌ وَقُرْبُهُمْ مَنْجَى وَمُعْتَصَمُ يستدفع السوء (2) والبلوى بحبهم * ويستزاد (3) بِهِ الْإِحْسَانُ وَالنِّعَمُ مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَّهِ ذِكْرُهُمُ * فِي كُلِّ حُكْمٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الْكَلِمُ إِنْ عدَّ أَهْلُ التُّقَى كَانُوا أَئِمَّتَهُمْ * أَوْ قِيلَ مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ قِيلَ هُمُ لَا يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَايَتِهِمْ * وَلَا يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإِنْ كَرُمُوا هُمُ الْغُيُوثُ إِذَا مَا أَزْمَةٌ أَزَمَتْ * وَالْأُسْدُ أُسْدُ الشَّرَى وَالْبَأْسُ مُحْتَدِمُ

يَأْبَى لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ * خِيمٌ كرام وأيد بالندى هضم لا ينقص العدم بَسْطًا مِنْ أَكُفِّهِمُ * سِيَّانَ ذَلِكَ إِنْ أَثْرَوْا وَإِنْ عَدِمُوا أَيُّ الْخَلَائِقِ لَيْسَتْ فِي رِقَابِهِمُ * لأولية هذا أوله نِعَمُ (4) فَلَيْسَ قَوْلُكَ مَنْ هَذَا بِضَائِرِهِ * الْعُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أَنْكَرْتَ وَالْعَجَمُ مَنْ يَعْرِفِ اللَّهَ يَعْرِفْ أَوَّلِيَّةَ ذَا * فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا ناله الامم (5)

(1) في الديوان: ثوب الدجى.

(2)

في الديوان: والاغاني 21 / 377 الشر، وفي ابن الاعثم: الضر.

(3)

في الديوان والاغاني: ويسترب.

وفي ابن الاعثم: ويستقيم.

(4)

النعم: أي ما في الخلائق مخلوق لا يدين بالنعمة له أو لاوليته، جدوده السابقين.

(5)

الابيات (1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 11 - 20 - 26) نسبها أبو تمام في حماسته إلى الحزين الليثي.

قال في الاغاني 15 / 327 ومن الناس أيضا من يروي هذه الأبيات لداود بن سلم في قئم بن العباس، ومنهم من يرويها لخالد بن يزيد فيه.

وَمِنْهُمْ مَنْ قال انها لداود بن سلم في علي بن الحسين.

قال الاصفهاني: والصحيح انها للحزين في عبد بن عبد الملك.

وليست الابيات في ديوان الفرزدق الذي نشره الصاوي.

وزاد ابن الاعثم وليس في الديوان: بيوتهم من قريش يستضاء بها * في النائبات وعند الحكم إن حكموا (*)

ص: 127

قَالَ: فَغَضِبَ هِشَامٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِحَبْسِ الْفَرَزْدَقِ بِعُسْفَانَ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بَعَثَ إِلَى الْفَرَزْدَقِ باثني عشر ألف درهم، فلم يقبلها وَقَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ مَا قُلْتُ لِلَّهِ عز وجل وَنُصْرَةً لِلْحَقِّ، وَقِيَامًا بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذُرِّيَّتِهِ، وَلَسْتُ أعتاض من ذلك بشئ.

فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ صِدْقَ نِيَّتِكَ فِي ذَلِكَ، وَأَقْسَمْتُ عليك بالله لتقبلنها فتقبلها منه ثم جعل يهجو هشاماً وكان مما قال فيه:

تحبسني بين المدينة والتي * إليها قلوب الناس تهوي (1) مُنِيبُهَا يقلِّب رَأْسًا لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ * وَعَيْنَيْنِ حَوْلَاوَيْنِ (2) بَادٍ عُيُوبُهَا وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّتْ به الجنازة يقول هذين البيتين: نُرَاعُ إِذَا الْجَنَائِزُ قَابَلَتْنَا * وَنَلْهُو حِينَ تَمْضِي ذَاهِبَاتِ كَرَوْعَةِ ثَلَّةٍ لِمُغَارِ سَبْعٍ * فَلَمَّا غَابَ عَادَتْ رَاتِعَاتِ وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الله المقري: حدَّثني سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ سَيِّدَ الْعَابِدِينَ يُحَاسِبُ نفسه ويناجي ربه: - يا نفس حتام إلى الدنيا سكونك، وَإِلَى عِمَارَتِهَا رُكُونُكِ، أَمَا اعْتَبَرْتِ بِمَنْ مَضَى مِنْ أَسْلَافِكِ وَمَنْ وَارَتْهُ الْأَرْضُ مِنْ ألَّافك؟ وَمَنْ فُجِعْتِ بِهِ مِنْ إِخْوَانِكِ، وَنُقِلَ إِلَى الثرى مِنْ أَقْرَانِكِ؟ فَهُمْ فِي بُطُونِ الْأَرْضِ بَعْدَ ظُهُورِهَا، مَحَاسِنُهُمْ فِيهَا بِوَالٍ دَوَاثِرُ.

خَلَتْ دُورُهُمْ مِنْهُمْ وَأَقْوَتْ عِرَاصُهُمْ * وَسَاقَتْهُمْ نَحْوَ الْمَنَايَا الْمَقَادِرُ وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها * وضمهم تحت التراب الحفائر كم خرمت أَيْدِي الْمَنُونِ مِنْ قُرُونٍ بَعْدَ قُرُونٍ، وَكَمْ غيرت الأرض ببلائها، وغيبت في ترابها، ممن عاشرت من صنوف وشيعتهم إلى الأمارس، ثم رجعت عنهم إلى عمل أهل الإفلاس: - وَأَنْتَ عَلَى الدُّنْيَا مُكِبٌّ مُنَافِسٌ * لِخُطَّابِهَا فِيهَا حريص مكاثر على خطر تمشي وَتُصْبِحُ لَاهِيًا * أَتَدْرِي بِمَاذَا لَوْ عَقَلْتَ تُخَاطِرُ

= وفي المقتل لابي مخنف أبيات وليست في الديوان: بدر له شاهد والشعب من أحد * والخندقان ويوم الفتح قد علموا وخيبر وحنين يشهدان له * وفي قريظة يوم صائم قنم مواطن قد علت في كل نائبة * عن الصحابة لم أكتم كما كتموا (1) في الاغاني: يهوى.

قوله: والتي: يعني مكة.

(2)

في الاغاني: وعينا له حولاء.

(*)

ص: 128

وإن امرءاً يَسْعَى لِدُنْيَاهُ دَائِبًا * وَيَذْهَلُ عَنْ أُخْرَاهُ لَا شك خاسر فحتام على الدنيا إقبالك؟ وبشهواتها اشْتِغَالُكَ؟ وَقَدْ وَخَطَكَ الْقَتِيرُ، وَأَتَاكَ النَّذِيرُ، وَأَنْتَ عما يراد بك ساه وبلذة يومك وغدك لاه، وقد رأيت انقلاب أهل الشهوات، وعاينت ما حل بهم من المصيبات: وَفِي ذِكْرِ هَوْلِ الْمَوْتِ وَالْقَبْرِ وَالْبِلَى * عَنِ اللَّهْوِ وَاللَّذَّاتِ لِلْمَرْءِ زَاجِرُ أَبَعْدَ اقْتِرَابِ الْأَرْبَعِينَ تربص * وشيب قذال منذر للكابر كأنك معنى بما هو ضائر * لنفسك عمداً وعن الرشد حائر انْظُرْ إِلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُلُوكِ الْفَانِيَةِ كَيْفَ اختطفتهم عقبان الْأَيَّامُ، وَوَافَاهُمُ الْحِمَامُ، فَانْمَحَتْ مِنَ الدُّنْيَا آثَارُهُمْ، وبقيت فيها أخبارهم، وأضحوا رمماً في التراب، إلى يوم الحشر والمآب: أمسحوا رميماً في التراب وعطلت * مجالسهم منهم وأخلى مقاصر وَحَلُّوا بِدَارٍ لَا تَزَاوُرَ بَيْنَهُمْ * وأنىَّ لِسُكَّانِ القبور التزاور فما أن ترى إلا قبوراً قَدْ ثَوَوْا بِهَا * مُسَطَّحَةً تُسْفِي عَلَيْهَا الْأَعَاصِرُ كَمْ مِنْ ذِي مَنَعَةٍ وَسُلْطَانٍ وَجُنُودٍ وَأَعْوَانٍ، تَمَكَّنَ مِنْ دُنْيَاهُ، وَنَالَ فِيهَا مَا تَمَنَّاهُ، وبنى فيها القصور والدساكر، وجمع فيها الأموال والذخائر، وملح السراري والحرائر.

فما صرفت كف المنية إذا أَتَتْ * مُبَادِرَةً تَهْوِي إِلَيْهِ الذَّخَائِرُ وَلَا دَفَعَتْ عَنْهُ الْحُصُونُ الَّتِي بَنَى * وَحَفَّ بِهَا أَنْهَارُهُ وَالدَّسَاكِرُ وَلَا قَارَعَتْ عَنْهُ الْمَنِيَّةَ حِيلَةٌ * وَلَا طَمِعَتْ فِي الذَّبِّ عَنْهُ الْعَسَاكِرُ أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يُرَدُّ، وَنَزَلَ بِهِ مِنْ قَضَائِهِ مَا لَا يُصَدُّ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الجبار، المتكبر العزيز القهار، قاصم الجبارين، ومبيد المتكبرين، الذي ذل لعزه كل سلطان، وأباد بقوته كل ديان.

مَلِيكٌ عَزِيزٌ لَا يُرَدُّ قَضَاؤُهُ * حَكِيمٌ عَلِيمٌ نافذ الأمر قاهر

عنى كل عز لعزة وجهه * فكم من عَزِيزٍ لِلْمُهَيْمِنِ صَاغِرُ لَقَدْ خَضَعَتْ وَاسْتَسْلَمَتْ وَتَضَاءَلَتْ * لِعِزَّةِ ذِي الْعَرْشِ الْمُلُوكُ الْجَبَابِرُ فَالْبِدَارَ الْبِدَارَ وَالْحِذَارَ الْحِذَارَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَكَايِدِهَا، وَمَا نَصَبَتْ لَكَ مِنْ مَصَايِدِهَا، وَتَحَلَّتْ لَكَ مِنْ زِينَتِهَا، وأظهرت لك من بهجتها، وأبرزت لك من شهواتها، وأخفت عنك من قواتلها وهلكاتها:

ص: 129

وَفِي دُونِ مَا عَايَنْتَ مِنْ فَجَعَاتِهَا * إِلَى دفعها داع وبالزهد آمر فجد ولا تغفل وكن متيقظاً * فعما قليل يترك الدار عامر فشمر ولا تفتر فعمرك زَائِلٌ * وَأَنْتَ إِلَى دَارِ الْإِقَامَةِ صَائِرُ وَلَا تطلب الدنيا فإن نعيمها * وَإِنْ نِلْتَ مِنْهَا غبهُ لَكَ ضَائِرُ فَهَلْ يَحْرِصُ عَلَيْهَا لَبِيبٌ، أَوْ يُسَرُّ بِهَا أَرِيبٌ؟ وَهُوَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَنَائِهَا، وَغَيْرُ طَامِعٍ فِي بَقَائِهَا، أَمْ كَيْفَ تَنَامُ عَيْنَا مَنْ يخشى البيات، وتسكن نفس من توقع في جميع أموره الْمَمَاتَ: أَلَا لَا وَلَكِنَّا نغرُّ نُفُوسَنَا * وَتَشْغَلُنَا اللَّذَّاتُ عمَّا نُحَاذِرُ وَكَيْفَ يَلَذُّ الْعَيْشَ مَنْ هو موقفٌ * بِمَوْقِفِ عَدْلٍ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ كَأَنَّا نَرَى أن لا نشور وأننا * سدىً مالنا بعد الممات مصادر وَمَا عَسَى أَنْ يَنَالَ صَاحِبُ الدُّنْيَا مِنْ لَذَّتِهَا وَيَتَمَتَّعُ بِهِ مِنْ بَهْجَتِهَا، مَعَ صُنُوفِ عجائبها وقوارع فجائعها، وكثرة عذابه في مصابها وفي طلبها، وما يكابد من أسقامها وأوصا بها وآلامها.

أما قد نرى فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ * يَرُوحُ عَلَيْنَا صَرْفُهَا وَيُبَاكِرُ تُعَاوِرُنَا آفَاتُهَا وَهُمُومُهَا * وَكَمْ قَدْ تُرَى يَبْقَى لَهَا المتعاوِرُ فَلَا هُوَ مَغْبُوطٌ بِدُنْيَاهُ آمن * ولا هو عن تطلا بها النَّفْسَ قَاصِرُ كَمْ قَدْ غَرَّتِ الدُّنْيَا مِنْ مُخْلِدٍ إِلَيْهَا، وَصَرَعَتْ مِنْ مُكِبٍّ عَلَيْهَا، فَلَمْ تنعشه من عثرته، ولم تنقذه مِنْ صَرْعَتِهِ، وَلَمْ تَشْفِهِ مِنْ أَلَمِهِ، وَلَمْ تبره من سقمه، ولم تخلصه من وصمه.

بل أَوْرَدَتْهُ بَعْدَ عِزٍّ وَمَنْعَةٍ * مَوَارِدَ سُوءٍ مَا لَهُنَّ مَصَادِرُ فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَا نَجَاةَ وَأَنَّهُ * هُوَ الْمَوْتُ لَا يُنْجِيهِ مِنْهُ التَّحَاذُرُ تَنَدَّمَ إِذْ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ نَدَامَةٌ * عَلَيْهِ وأبكته الذنوب الكبائر إذ بَكَى عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ خَطَايَاهُ، وَتَحَسَّرَ على ما خلف من دنياه، واستغفر حتى لَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِغْفَارُ وَلَا يُنْجِيهِ الِاعْتِذَارُ، عِنْدَ هَوْلِ الْمَنِيَّةِ وَنُزُولِ الْبَلِيَّةِ.

أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وهمومه * وأبلس لما أعجزته المقادر فَلَيْسَ لَهُ مِنْ كُرْبَةِ الْمَوْتِ فَارِجٌ * وَلَيْسَ له مما يحاذر ناصر وقذ جَشَأَتْ خَوْفَ الْمَنِيَّةِ نَفْسُهُ * تُرَدِّدُهَا مِنْهُ اللَّهَا وَالْحَنَاجِرُ هُنَالِكَ خَفَّ عُوَّادُهُ، وَأَسْلَمَهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ، وارتفعت البرية بِالْعَوِيلِ، وَقَدْ أَيِسُوا مِنَ الْعَلِيلِ، فَغَمَّضُوا بِأَيْدِيهِمْ عينيه، ومد عند خروج روحه رجليه، وتخلى عنه الصديق، والصاحب الشفيق.

ص: 130

فكم موجع يبكي عليه مفجعٌ * وَمُسْتَنْجِدٍ صَبْرًا وَمَا هُوَ صَابِرُ وَمُسْتَرْجِعٍ دَاعٍ له الله مخلصاً * يعدد منه كل مَا هُوَ ذَاكِرُ وَكَمْ شامتٍ مُسْتَبْشِرٍ بِوَفَاتِهِ * وعما قليل للذي صار صائر فشقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزيته إِخْوَانُهُ، ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَى جَهَازِهِ، وَشَمَّرُوا لِإِبْرَازِهِ.

كأنَّه لم يكن بينهم العزيز المفدى، ولا الحبيب المبدى.

وحل أحبَّ القوم كان بقربه * يحثُّ عَلَى تَجْهِيزِهِ وَيُبَادِرُ وشمرَّ مَنْ قَدْ أحضروه لغسله * ووجه لما فاض لِلْقَبْرِ حَافِرُ وَكُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَاجْتَمَعَتْ لَهُ * مُشَيِّعَةً إِخْوَانُهُ وَالْعَشَائِرُ فَلَوْ رَأَيْتَ الْأَصْغَرَ مِنْ أولاده، قد غلب الحزن على فؤاده، ويخشى من الجزع عليه، وخضبت

الدموع عينيه، وهو يندب أباه ويقول: يا ويلاه واحراباه: - لَعَايَنْتَ مِنْ قُبْحِ الْمَنِيَّةِ مَنْظَرًا * يُهَالُ لِمَرْآهُ وَيَرْتَاعُ نَاظِرُ أَكَابِرُ أَوْلَادٍ يَهِيجُ اكْتِئَابُهُمْ * إِذَا ما تناساه البنون الأصاغر وربَّة نِسْوَانٍ عَلَيْهِ جَوَازِعٍ * مَدَامِعُهُمْ فَوْقَ الْخُدُودِ غَوَازِرُ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِهِ، إِلَى ضِيقِ قبره، فلما استقر في اللحد وهيئ عليه اللبن، احتوشته أعماله وأحاطت به خطاياه، وضاق ذرعاً بما رآه، ثم حثوا بأيديهم عليه التراب، وأكثروا البكاء عَلَيْهِ وَالِانْتِحَابَ، ثُمَّ وَقَفُوا سَاعَةً عَلَيْهِ، وَأَيِسُوا من النظر إليه، وتركوه رهنا بما كسب وطلب.

فَوَلَّوْا عَلَيْهِ مُعْوِلِينَ وَكُلُّهُمْ * لِمِثْلِ الَّذِي لَاقَى أَخُوهُ مُحَاذِرُ كشاءِ رِتَاعٍ آمِنِينَ بَدَا لَهَا * بمدينة بَادِي الذِّرَاعَيْنِ حَاسِرُ فَرِيعَتْ وَلَمْ تَرْتَعْ قَلِيلًا وَأَجْفَلَتْ * فَلَمَّا نَأَى عَنْهَا الَّذِي هُوَ جَازِرُ عَادَتْ إِلَى مَرْعَاهَا، وَنَسِيَتْ مَا فِي أُخْتِهَا دهاها، أفبأفعال الأنعام اقْتَدَيْنَا؟ أَمْ عَلَى عَادَتِهَا جَرَيْنَا؟ عُدْ إِلَى ذكر المنقول إلى دار البلى، وَاعْتَبِرْ بِمَوْضِعِهِ تَحْتَ الثَّرَى، الْمَدْفُوعِ إِلَى هَوْلِ مَا تَرَى.

ثَوَى مُفْرَدًا فِي لَحْدِهِ وَتَوَزَّعَتْ * مواريثه أولاده والأصاهر وَأَحْنَوْا عَلَى أَمْوَالِهِ يَقْسِمُونَهَا * فَلَا حَامِدٌ مِنْهُمْ عَلَيْهَا وَشَاكِرُ فَيَا عَامِرَ الدُّنْيَا وَيَا سَاعِيًا لَهَا * وَيَا آمِنًا مِنْ أَنْ تَدُورَ الدَّوَائِرُ كَيْفَ أَمِنْتَ هَذِهِ الْحَالَةَ وَأَنْتَ صَائِرٌ إِلَيْهَا لا محالة؟ أم كيف ضيعت حياتك وهي مطيتك إلى

ص: 131

مماتك؟ أم كيف تشبع من طعامك وأنت منتظر حمامك؟ أم كيف تهنأ بالشهوات، وهي مطية الآفات.

وَلَمْ تَتَزَوَّدْ لِلرَّحِيلِ وَقَدْ دَنَا * وَأَنْتَ عَلَى حال وشيك مُسَافِرُ فَيَا لَهْفَ نَفْسِي كَمْ أُسَوِّفُ تَوْبَتِي * وَعُمْرِيَ فانٍ وَالرَّدَى لِي نَاظِرُ وَكُلُّ الَّذِي أَسْلَفْتُ فِي الصُّحْفِ مثبتٌ * يُجَازِي عَلَيْهِ عَادِلُ الْحُكْمِ قَادِرُ

فَكَمْ تُرَقِّعُ بِآخِرَتِكَ دُنْيَاكَ، وَتَرْكَبُ غيك وهواك، أَرَاكَ ضَعِيفَ الْيَقِينِ، يَا مُؤْثِرَ الدُّنْيَا عَلَى الدِّينِ أَبِهَذَا أَمَرَكَ الرَّحْمَنُ؟ أَمْ عَلَى هَذَا نزل القرآن؟ أما تذكر ما أمامك من شدة الحساب، وشر المآب أما تذكر حال من جمع وثمر، ورفع البناء وزخرف وعمر، أما صار جمعهم بوراً، ومساكنهم قبوراً: تُخَرِّبُ مَا يَبْقَى وَتَعْمُرُ فَانِيًا * فَلَا ذَاكَ مَوْفُورٌ وَلَا ذَاكَ عَامِرُ وَهَلْ لَكَ إِنْ وَافَاكَ حَتْفُكَ بَغْتَةً * وَلَمْ تَكْتَسِبْ خَيْرًا لَدَى اللَّهِ عَاذِرُ أَتَرْضَى بِأَنْ تَفْنَى الْحَيَاةُ وَتَنْقَضِيَ * وَدِينُكَ مَنْقُوصٌ وَمَالُكَ وَافِرُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّارِيخِ فِي السَّنَةِ الَّتِي تُوَفِّيَ فِيهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، زَيْنُ الْعَابِدِينَ، فَالْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ - أَعْنِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ - فِي أَوَّلِهَا عَنْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِالْبَقِيعِ، وَدُفِنَ بِهِ، قَالَ الفلاس: مات علي بن الحسين وسعيد بن المسيب وَعُرْوَةُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَنَةَ أربع وتسعين، وقال بعضهم: توفي سنة ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ، وَأَغْرَبَ الْمَدَائِنِيُّ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَاللَّهُ أعلم.

انتهى ما ذكره المؤلف [من ترجمة علي بن الحسين.

وقد رأيت له كلاماً متفرقاً وهو من جيد الحكمة، فأحببت أن أذكره لعلَّ الله أن ينفع به من وقف عليه: قال حفص بن غياث: عن حجاج، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قال: إن الجسد إذا لم يمرض أشر وبطر، ولا خير في جسد يأشر ويبطر.

وقال أبو بكر بن الأنباري: حدثنا أحمد بن الصلت حدثنا قاسم بن إبراهيم العلوي، حدثنا أبي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قال علي بن الحسين: فقد الأحبة غربة.

وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوامع العيون علانيتي، وتقبح في خفيات الغيوب سريرتي، اللهم كما أسأت وأحسنت إليَّ، فإذا عدت فعد إليَّ.

اللهم ارزقني مواساة من قترب عليه رزقك بما وسعت علي من فضلك.

وقال لابنه: يا بني اتخذ ثوباً للغائط فإني رأيت الذباب يقع على الشئ ثم يقع على الثوب.

ثم انتبه فقال: وما كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ إِلَّا ثوب واحد، فرفضه.

وعن أبي حمزة الثمالي قال: أتيت باب علي بن

الحسين فكرهت أن أصوت فقعدت على الباب حتى خرج فسلمت عليه ودعوت له فرد علي السلام

ص: 132

ودعا لي، ثم انتهى إلى حائط فقال، يا حمزة ترى هذا الحائط؟ قلت: نعم! قال: فإني اتكأت عليه يوماً وأنا حزين فإذا رجل حسن الوجه حسن الثياب ينظر في تجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين! مالي أراك كئيباً حزيناً على الدنيا! فهي رزق حاضر يأخذ منها البر والفاجر.

فقلت: ما عليها أحزن لأنها كما تقول، فقال على الآخرة؟ فهي وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر، فقلت: ما على هذا أحزن لأنه كما تقول.

فقال: فعلام حزنك؟ فقلت: ما أتخوف من الفتنة - يعني فتنة ابن الزبير - فقال لي: يا علي! هل رأيت أحداً سأل الله فلم يعطه؟ قلت: لا! قال ويخاف الله فلم يكفه؟ قلت: لا! ثم غاب عني فقيل لي: يا علي إن هذا الخضر الذي جاءك لفظ الخضر مزاد فيه من بعض الرواة.

وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الخضري، حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عن عمر بن حارث.

قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره.

فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جُرُب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.

وقال ابن عائشة: سمعت أهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين.

وروى عبد الله بن حنبل: عن ابن اشكاب، عن محمد بن بشر، عن أبي المنهال الطائي أن علي بن الحسين كان إذا ناول المسكين الصدقة قبله ثم ناوله.

وقال الطبري.

حدثنا يحيى بن زكريا الغلابي، حدثنا العتبي حدثني أبي قال: قال علي بن الحسين - وكان من أفضل بني هاشم الأربعة - يا بني اصبر على النوائب ولا تتعرض للحقوق، ولا تخيب أخاك إلا في الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته لك.

وروى الطبراني بإسناده عنه: أنَّه كان جالساً في جماعة فسمع داعية في بيته فنهض فدخل منزله ثم رجع إلى مجلسه، فقيل له.

أمن حدث كانت الداعية؟ قال: نعم! فعزوه وتعجبوا من صبره، فقال: إنا أهل بيت نطيع الله عزوجل فيما نحبه، ونحمده على ما نكره.

وروي الطبراني عنه قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ لِيَقُمْ أهل الفضل فيقوم ناس من النَّاس فيقال لهم: انطلقوا

إلى الجنة.

فتلقاهم الملائكة فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة.

فيقولون قبل الحساب؟ قالوا: نعم: قالوا: من أنتم؟ قالوا نحن أهل الفضل، قالوا: وما كان فضلكم؟ قالوا: كنا إذا جهل علينا حملنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسئ إلينا غفرنا، قالوا لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العالمين.

ثم ينادي مناد: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من النَّاس فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم مثل ذلك فيقولون: نحن أهل الصبر، قالوا: فما كان صبركم؟ قالوا: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله، وصبرناها على البلاء.

فقالوا لهم: ادخلوا الجنة فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.

ثم ينادي المنادي: ليقم جيران الله في داره! فيقوم ناس من الناس وهم قليل، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة فيقولون لهم مثل ذلك، فيقولون: بم استحققتم مجاورة الله عزوجل في داره؟ فيقولون: كنا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتباذل في الله عزوجل.

فيقال لهم، ادخلوا الجنة فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ.

ص: 133

وقال علي بن الحسين: إن الله يحب المؤمن المذنب التواب.

وقال: التارك للأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر كالنابذ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظهره، إلا أن يتقي منهم تقاة.

قالوا: وما تقاه؟ قال: يخاف جباراً عنيداً أن يسطو عليه وأن يطغى.

وقال رجل لسعيد بن المسيب: ما رأيت أحداً أورع من فلان.

فقال له سعيد: هل رأيت علي بن الحسين؟ قال: لا! قال: ما رأيت أورع منه.

وروى سفيان بن عيينة عن الزهري قال: دخلت على علي بن الحسين فقال: يا زهري فيم كنتم؟ قلت: كنا نتذاكر الصوم، فأجمع رأيي ورأي أصحابي علي أنَّه ليس من الصوم شئ واجب، إلا شهر رمضان فقال! يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجهاً، عشرة منها واجب كوجوب شهر رمضان، وعشرة منها حرام، وأربع عشرة منها صاحبها بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم النذر واجب، وصوم الاعتكاف واجب، قال الزهري قلت: فسرهن يابن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: أما الواجب فصوم شهر رمضان، وصوم شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق، وصيام ثلاثة أيام كفارة اليمين لمن لم يجد إلا طعام، وصيام حلق الرأس، وصوم دم

المتعة لمن لم يجد الهدي وصوم جزاء الصيد، يقوم الصيد قيمته ثم يقسم ذلك الثمن على الحنطة.

وأما الذي صاحبه بالخيار فصوم الاثنين والخميس، وستة أيام من شوال بعد رمضان، وصوم عرفة ويوم عاشوراء، كل ذلك صاحبه بالخيار.

فأما صوم الأذن فالمرأة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، وكذلك العبد والأمة، وأما صوم الحرام فصوم يوم الفطر والأضحى، وأيام التشريق، ويوم الشك، نهينا أن نصومه لرمضان.

وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر، وصوم الضيف لا يصوم تطوعاً إلا بإذن صاحبه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" من نزل على قوم فلا يصومنَّ تطوعاً إلا بإذنهم ".

وأما صوم الإباحة فمن أكل أو شرب ناسياً أجزأه صومه، وأما صوم المريض والمسافر فقال قوم: يصوم، وقال قوم لا يصوم، وقال قوم إن شاء صام وإن شاء أفطر " وأما نحن فنقول: يفطر في الحالين، فإن صام في السفر والمرض فعليه القضاء] (1) .

أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ ابن هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ (2) ، قِيلَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ، وَقِيلَ اسْمُهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَهُ وَكُنْيَتَهُ وَاحِدٌ، وَلَهُ مِنَ الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ كَثِيرٌ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، رَوَى عَنْ عَمَّارٍ وأبي هريرة وأسماء بنت أبي بكر،

(1) ما بين معكوفين زيادة من النسخة المصرية.

(2)

الفقهاء السبعة خصوا بهذه التسمية لان الفتوى بعد الصحابة - في المدينة - صارت إليهم وشهروا بها.

وقد كان في عصرهم جماعة من العلماء التابعين ولكن الفتوى لم تكن إلا لهؤلاء.

قاله الحافظ السلف (راجع ابن خلكان 1 / 283 - ابن سعد 2 / 282) .

(*)

ص: 134