الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَهْلَكَ عَدُوَّهُ وَأُسِرَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَقُتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ. الْتَقَوْا بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ بَدْرٌ كَثِيرُ الأراك كأنى انظر اليه كنت أرعى لِسَيِّدِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ إِبِلَهُ، فَقَالَ له جعفر: ما بالك جالس عَلَى التُّرَابِ لَيْسَ تَحْتَكَ بِسَاطٌ وَعَلَيْكَ هَذِهِ الاخلاط؟ قَالَ إِنَّا نَجِدُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عِيسَى إِنَّ حَقًّا عَلَى عِبَادِ اللَّهِ أَنْ يحدثوا للَّه تواضعا عند ما يُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ، فَلَمَّا أَحْدَثَ اللَّهُ لِي نَصْرَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثْتُ لَهُ هَذَا التَّوَاضُعَ.
فَصْلٌ فِي وُصُولِ خَبَرِ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ إِلَى أَهَالِيهِمْ بِمَكَّةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ مَكَّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ فَقَالُوا لَهُ مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَزَمْعَةُ بن الأسود ونبيه ومنبه، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ. فَلَمَّا جَعَلَ يُعَدِّدُ أشراف قريش قال صفوان ابن أمية والله لن [1] يَعْقِلُ هَذَا، فَسَلُوهُ عَنِّي فَقَالُوا مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ؟ قَالَ هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ، قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَتَحَقَّقُوهُ قَطَّعَتِ النِّسَاءُ شُعُورَهُنَّ وَعُقِرَتْ خُيُولٌ كَثِيرَةٌ وَرَوَاحِلُ. وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ كِتَابِ الدَّلَائِلِ لِقَاسِمِ بْنِ ثَابِتٍ أنه قال لما كانت وقعة بدر سمعت أَهْلُ مَكَّةَ هَاتِفًا مِنَ الْجِنِّ يَقُولُ:
أَزَارَ الْحَنِيفِيُّونَ بَدْرًا وَقِيعَةً
…
سَيَنْقَضُّ مِنْهَا رُكْنُ كِسْرَى وَقَيْصَرَا
أَبَادَتْ رِجَالًا مِنْ لُؤَيٍّ وَأَبْرَزَتْ
…
خَرَائِدَ يضر بن التَّرَائِبَ حُسَّرَا
فَيَا وَيْحَ مَنْ أَمْسَى عَدُوَّ مُحَمَّدٍ
…
لَقَدْ جَارَ عَنْ قَصْدِ الْهُدَى وَتَحَيَّرَا
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُنْتُ غُلَامًا لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَأَسْلَمَ الْعَبَّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمُّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ وَكَانَ الْعَبَّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ وَكَانَ يَكْتُمُ إِسْلَامَهُ، وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرِّقٍ فِي قَوْمِهِ، وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ- وكذلك كانوا صنعوا لم يتخلف منهم رَجُلٌ إِلَّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا- فَلَمَّا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَبَتَهُ اللَّهُ وَأَخْزَاهُ وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوَّةً وَعِزًّا، قَالَ وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا وَكُنْتُ أَعْمَلُ الأقداح أنحتها في حجرة زمزم، فو الله إِنِّي لَجَالِسٌ فِيهَا أَنْحِتُ أَقْدَاحِي وَعِنْدِي أُمُّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ وَقَدْ سَرَّنَا مَا جَاءَنَا مِنَ الْخَبَرِ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرُّ رِجْلَيْهِ بَشَرٍّ [2] حَتَّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ فَكَانَ ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذا قال الناس هذا أبو
[1] كذا في الحلبية وفي المصرية وابن هشام: والله أن يعقل هذا.
[2]
كذا في الحلبية وابن هشام.
سُفْيَانَ- وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ- ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ قَدِمَ. قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: هَلُمَّ إِلَيَّ فَعِنْدَكَ لَعَمْرِي الْخَبَرُ، قَالَ فَجَلَسَ اليه والناس قيام عليه فقال: يا ابن أَخِي أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النَّاسِ؟ قَالَ وَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقْتُلُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا، وَايْمُ اللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْتُ النَّاسَ لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهِ مَا تُلِيقُ شَيْئًا وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَرَفَعْتُ طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدِي ثُمَّ قُلْتُ: تِلْكَ وَاللَّهِ الْمَلَائِكَةُ. قَالَ فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً، قَالَ وَثَاوَرْتُهُ [1] فَاحْتَمَلَنِي وَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ ثُمَّ بَرَكَ عَلَيَّ يَضْرِبُنِي- وَكُنْتُ رَجُلًا ضَعِيفًا- فَقَامَتْ أُمُّ الْفَضْلِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضربة فبلغت فِي رَأْسِهِ شَجَّةً مُنْكَرَةً، وَقَالَتْ أَسْتَضْعَفْتَهُ أَنْ غاب عنه سيده، فقام موليا ذليلا فو الله مَا عَاشَ إِلَّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتَّى رَمَاهُ اللَّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ. زَادَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، فَلَقَدْ تَرَكَهُ ابْنَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثًا مَا دَفَنَاهُ حَتَّى أَنْتَنَ. وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَّقِي هَذِهِ الْعَدَسَةَ كَمَا تَتَّقِي الطَّاعُونَ حَتَّى قَالَ لهم رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ: وَيْحَكُمَا أَلَا تَسْتَحِيَانِ إِنَّ أبا كما قَدْ أَنْتَنَ فِي بَيْتِهِ لَا تَدْفِنَانِهِ؟ فَقَالَا إنا نخشى عدوة هَذِهِ الْقُرْحَةِ، فَقَالَ انْطَلِقَا فَأَنَا أُعِينُكُمَا عَلَيْهِ فو الله مَا غَسَّلُوهُ إِلَّا قَذْفًا بِالْمَاءِ عَلَيْهِ مِنْ بَعِيدٍ مَا يَدْنُونَ مِنْهُ، ثُمَّ احْتَمَلُوهُ إِلَى أعلا مَكَّةَ فَأَسْنَدُوهُ إِلَى جِدَارٍ ثُمَّ رَضَمُوا عَلَيْهِ بِالْحِجَارَةِ. [قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَمُرُّ عَلَى مَكَانِ أَبِي لَهَبٍ هَذَا إِلَّا تَسَتَّرَتْ بِثَوْبِهَا حَتَّى تَجُوزَ [2]] .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ قَالَ نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ، ثُمَّ قَالُوا لا تفعلوا يبلغ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِكُمْ، وَلَا تَبْعَثُوا فِي أسراكم حتى تستأنسوا بِهِمْ لَا يَأْرَبُ [3] عَلَيْكُمْ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ. قُلْتُ: وَكَانَ هَذَا مِنْ تَمَامِ مَا عَذَّبَ اللَّهُ بِهِ أَحْيَاءَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ تَرْكُهُمُ النَّوْحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ مِمَّا يُبِلُّ فُؤَادَ الْحَزِينِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ، زَمْعَةُ وَعَقِيلٌ وَالْحَارِثُ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لِغُلَامٍ لَهُ- وَكَانَ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ- انْظُرْ هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا لَعَلِّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ- يَعْنِي وَلَدَهُ زَمْعَةَ- فَإِنَّ جَوْفِي قَدِ احْتَرَقَ، قَالَ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ إِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لها أصلته قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ:
أَتَبْكِي أَنْ أَضَلَّ لَهَا بَعِيرٌ
…
وَيَمْنَعُهَا مِنَ النَّوْمِ السُّهُودُ
[1] كذا في الحلبية وابن هشام، وفي المصرية: وبادرته.
[2]
ما بين المربعين من الحلبية فقط ولم يرد في المصرية ولا في ابن هشام. ولكن السهيليّ أشار اليه وأسنده إلى بن إسحاق.
[3]
يأرب قال في النهاية في تفسير هذا الخبر: أي يتشددون عليكم.