الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ حُمَّى الْمَدِينَةِ حَتَّى جَهَدُوا مَرَضًا، وَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كانوا وما يُصَلُّونَ إِلَّا وَهُمْ قُعُودٌ، قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ يُصَلُّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ:«اعْلَمُوا أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ» فَتَجَشَّمَ الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الضَّعْفِ وَالسَّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ.
فَصْلٌ فِي عَقْدِهِ عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار بِالْكِتَابِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ فَكُتِبَ بَيْنَهُمْ وَالْمُؤَاخَاةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا وَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهَا وَمُوَادَعَتِهِ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ
وَكَانَ بِهَا مِنْ أَحْيَاءِ الْيَهُودِ بَنُو قَيْنُقَاعَ وَبَنُو النَّضِيرِ وَبَنُو قُرَيْظَةَ، وكان نزولهم بالحجاز قبل الأنصار أيام نَصَّرَ حِينَ دَوَّخَ بِلَادَ الْمَقْدِسِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ سَيْلُ الْعَرِمِ وَتَفَرَّقَتْ شَذَرَ مَذَرَ نَزَلَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ الْمَدِينَةَ عِنْدَ الْيَهُودِ فَحَالَفُوهُمْ وَصَارُوا يَتَشَبَّهُونَ بِهِمْ لِمَا يَرَوْنَ لَهُمْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَضْلِ فِي الْعِلْمِ الْمَأْثُورِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ لَكِنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مُشْرِكِينَ بِالْهُدَى وَالْإِسْلَامِ وَخَذَلَ أُولَئِكَ لحسدهم وبغيهم واستكبارهم عن اتباع الحق.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ ثَنَا حَمَّادٌ بْنُ سَلَمَةَ ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ بَابٍ عَنْ حَجَّاجٍ- هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ- قَالَ وَحَدَّثَنَا سُرَيْجٌ ثَنَا عَبَّادٌ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ، وَأَنْ يَفْدُوا عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَحْمَدُ وَحَدَّثَنَا سُرَيْجٌ ثَنَا عباد عن حجاج عن الحكم عن قاسم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ احمد، وفي صحيح مسلم عن جابر. كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَادَعَ فِيهِ الْيَهُودَ وَعَاهَدَهُمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ وَشَرَطَ لَهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ «هَذَا كِتَابٌ مِنْ محمد النبي الأمي بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ إِنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ، الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ بَيْنَهُمْ وَهُمْ يَفْدُونَ عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ، وَبَنُو عَوْفٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ يَتَعَاقَلُونَ مَعَاقِلَهُمُ الْأَوْلَى وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ كُلَّ بَطْنٍ مِنْ بُطُونِ الْأَنْصَارِ وَأَهْلَ
كُلِّ دَارٍ بَنِي سَاعِدَةَ، وَبَنِي جُشَمَ، وَبَنِي النَّجَّارِ، وَبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَبَنِي النَّبِيتِ، إِلَى أَنْ قَالَ وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحًا [1] بَيْنَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ وَعَقْلٍ، وَلَا يُحَالِفُ مُؤْمِنٌ مَوْلَى مُؤْمِنٍ دُونَهُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى مَنْ بَغَى مِنْهُمْ أو ابتغى دسيسة ظُلْمٍ أَوْ إِثْمٍ أَوْ عُدْوَانٍ أَوْ فَسَادٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّ أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعِهِمْ وَلَوْ كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِمْ، وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنًا فِي كَافِرٍ، وَلَا يُنْصَرُ كَافِرٌ عَلَى مُؤْمِنٍ، وَإِنَّ ذِمَّةَ اللَّهِ وَاحِدَةٌ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ مَوَالِي بَعْضٍ دُونَ النَّاسِ وَإِنَّهُ مَنْ تَبِعَنَا مَنْ يَهُودَ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ وَالْأُسْوَةَ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلَا مُتَنَاصَرٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ لَا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ. وَإِنَّ كُلَّ غَازِيَةٍ غَزَتْ مَعَنَا يُعْقِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُبِيءُ [2] بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِمَا نَالَ دِمَاءَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ عَلَى أَحْسَنِ هُدًى وَأَقْوَمِهِ، وَإِنَّهُ لَا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالًا لِقُرَيْشٍ وَلَا نَفْسًا وَلَا يَحُولُ دُونَهُ على مؤمن، وانه من اغتبط مُؤْمِنًا قَتْلًا عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ بِهِ الى أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافَّةً وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ إِلَّا قِيَامٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَقَرَّ بِمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَآمَنَ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثًا وَلَا يُؤْوِيَهُ، وَإِنَّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وَإِنَّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلَى اللَّهِ عز وجل وَإِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ الْيَهُودَ يتفقون مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا مُحَارِبِينَ، وَإِنَّ يَهُودَ بَنِي عَوْفٍ أُمَّةٌ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، لِلْيَهُودِ دِينُهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ دِينُهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ وَأَثِمَ فَإِنَّهُ لَا يُوتِغُ [3] إِلَّا نَفْسَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِنَّ لِيَهُودِ بَنِي النَّجَّارِ وَبَنِي الْحَارِثِ وَبَنِي سَاعِدَةَ وَبَنِي جُشَمَ وَبَنِي الْأَوْسِ وَبَنِي ثعلبة وجفنة وبنى الشطنة مِثْلَ مَا لِيَهُودِ بَنِي عَوْفٍ، وَإِنَّ بِطَانَةَ يَهُودَ كَأَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلا بأذن محمد، ولا ينحجر [4] عَلَى ثَأْرِ جُرْحٍ، وَإِنَّهُ مَنْ فَتَكَ فَبِنَفْسِهِ إلا من ظلم، وان الله على أثر هَذَا، وَإِنَّ عَلَى الْيَهُودِ نَفَقَتَهُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ نَفَقَتَهُمْ، وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النَّصْرَ عَلَى مَنْ حَارَبَ أَهْلَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَإِنَّ بَيْنَهُمُ النُّصْحَ وَالنَّصِيحَةَ وَالْبِرَّ دُونَ الْإِثْمِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَأْثَمِ امْرُؤٌ بِحَلِيفِهِ، وَإِنَّ النَّصْرَ لِلْمَظْلُومِ، وَإِنَّ يَثْرِبَ حَرَامٌ حرفها [5] لِأَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، وَإِنَّ الْجَارَ كَالنَّفْسِ غَيْرَ مُضَارٍّ وَلَا آثِمٍ، وَإِنَّهُ لَا تُجَارُ حُرْمَةٌ إِلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا، وَإِنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنْ حَدَثٍ أَوِ اشْتِجَارٍ يُخَافُ فَسَادُهُ فَإِنَّ مَرَدَّهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى محمد رسول الله، وان الله على من أَتْقَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَأَبَرِّهِ، وَإِنَّهُ لا تجار قريش ولا من
[1] المفرح المثقل بالدين الكثير العيال قاله ابن هشام.
[2]
يبيء من البواء أي المساواة.
[3]
لا يوتغ، أي لا يوبق ويهلك.
[4]
في النهاية: لما تحجر جرحه للبرء انفجر. أي اجتمع والتأم. وفي ابن هشام: ينحجز بالزاي ولعلها تصحيف
[5]
كذا بالمصرية، وفي الحلبية:
خوفها، وفي ابن هشام جوفها، وفي النهاية: الجرف موضع قريب من المدينة، ولعله الأصح.