الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا. فقال ابن الدغنة ذلك لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ. ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فيه ويقرأنّ القرآن، فكان [1] نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ. فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ، وَإِنَّا قد خشينا أن يفتتن أبناؤنا ونساؤنا فإنه فان أحب على ان يقتصر أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يرد عليك ذمتك فانا قد كرهنا نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فقال قد علمت الّذي قد عاقدت عليه قريش [2] فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ له. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عز وجل. ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي هِجْرَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَيَأْتِي مَبْسُوطًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لَقِيَهُ- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ خَرَجَ مِنْ جِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ- سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ وَهُوَ عَامِدٌ إِلَى الْكَعْبَةِ فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، فَمَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ- أَوِ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ- فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ هَذَا السَّفِيهُ؟ فَقَالَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ. وَهُوَ يَقُولُ أَيْ رَبِّ مَا أَحْلَمَكَ، أَيْ رَبِّ مَا أَحْلَمَكَ، أَيْ رَبِّ مَا أَحْلَمَكَ.
فَصْلٌ
كُلُّ هَذِهِ الْقِصَصِ ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ مُعْتَرِضًا بِهَا بَيْنَ تَعَاقُدِ قُرَيْشٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَكِتَابَتِهِمْ عَلَيْهِمُ الصَّحِيفَةَ الظَّالِمَةَ وَحَصْرِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي الشِّعْبِ، وَبَيْنَ نَقْضِ الصَّحِيفَةِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهَا وَهِيَ أُمُورٌ مُنَاسِبَةٌ لِهَذَا الْوَقْتِ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: مَنْ أَرَادَ الْمَغَازِيَ فَهُوَ عِيَالٌ عَلَى ابْنِ إِسْحَاقَ.
ذِكْرُ نَقْضِ الصَّحِيفَةِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هَذَا وَبَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فِي مَنْزِلِهِمُ الَّذِي تَعَاقَدَتْ فِيهِ قريش عليهم
[1] في النسخة المصرية: فيتقذف نساء المشركين إلخ.
[2]
في المصرية: قد عاقدتك عليه.