الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى النَّخْلِ فَإِذَا الشَّرْبُ مَمْلُوءٌ، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا الْمَنْزِلُ. رَأَيْتُنِي أَنْزِلُ إِلَى حِيَاضٍ كَحِيَاضِ بَنِي مُدْلِجٍ» انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.
فَصْلٌ فِي دُخُولِهِ عليه السلام الْمَدِينَةَ وَأَيْنَ اسْتَقَرَّ منزله بها وما يتعلق به
قَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَدِينَةَ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ.
قُلْتُ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ قَالَ فَقَدِمْنَا لَيْلًا فَتَنَازَعَهُ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ» وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ يَوْمَ قُدُومِهِ إِلَى قُبَاءَ فَيَكُونُ حَالَ وُصُولِهِ إِلَى قُرْبِ الْمَدِينَةِ كَانَ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ وَأَقَامَ تَحْتَ تِلْكَ النَّخْلَةِ ثُمَّ سَارَ بِالْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَ قُبَاءَ وَذَلِكَ لَيْلًا، وَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لَيْلًا، فَإِنَّ الْعَشِيَّ مِنَ الزَّوَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ لَمَّا رَحَلَ مِنْ قُبَاءَ كَمَا سَيَأْتِي فَسَارَ فَمَا انْتَهَى إِلَى بنى النجار الاعشاء كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ وَأَقَامَ فِيهِمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأَسَّسَ مَسْجِدَ قُبَاءَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، ثُمَّ رَكِبَ وَمَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فِي مَكَانِ مَسْجِدِهِ، وَكَانَ مِرْبَدًا لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ وَهَمَا سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ، فَابْتَاعَهُ مِنْهُمَا وَاتَّخَذَهُ مَسْجِدًا. وَذَلِكَ فِي دَارِ بَنِي النَّجَّارِ رضي الله عنهم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ [عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ] عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ حَدَّثَنِي رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: لَمَّا بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ وَتَوَكَّفْنَا قُدُومَهُ كُنَّا نَخْرُجُ إِذَا صَلَّيْنَا الصُّبْحَ إِلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا نَنْتَظِرُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فو الله، مَا نَبْرَحُ حَتَّى تَغَلِبَنَا الشَّمْسُ عَلَى الظِّلَالِ فَإِذَا لَمْ نَجِدْ ظِلَّا دَخَلْنَا- وَذَلِكَ فِي أَيَّامٍ حَارَّةٍ- حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي قَدِمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ جَلَسْنَا كَمَا كُنَّا نَجْلِسُ، حَتَّى إِذْ لَمْ يَبْقَ ظِلٌّ دَخَلْنَا بُيُوتَنَا وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَخَلْنَا الْبُيُوتَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَصَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا بَنِي قَيْلَةَ هَذَا جَدُّكُمْ قَدْ جَاءَ، فَخَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي ظِلِّ نَخْلَةٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي مِثْلِ سِنِّهِ، وَأَكْثَرُنَا لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ ذَلِكَ. وَرَكِبَهُ النَّاسُ وَمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى زَالَ الظِّلُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَظَلَّهُ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَثْلُ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ ثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ
ثَابِتٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: إِنِّي لَأَسْعَى فِي الْغِلْمَانِ يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى وَلَا أَرَى شَيْئًا، ثُمَّ يَقُولُونَ جَاءَ مُحَمَّدٌ فَأَسْعَى وَلَا أَرَى شَيْئًا، قَالَ حَتَّى جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُهُ أبو بكر. فكمنا في بعض خراب الْمَدِينَةِ، ثُمَّ بَعَثَا رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يؤذن بِهِمَا الْأَنْصَارَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا زُهَاءُ خَمْسِمِائَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَيْهِمَا فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: انْطَلِقَا آمِنَيْنِ مُطَاعَيْنِ. فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَخَرَجَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَتَّى إِنَّ الْعَوَاتِقَ لَفَوْقَ الْبُيُوتِ يَتَرَاءَيْنَهُ يَقُلْنَ أَيُّهُمْ هُوَ، أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَمَا رَأَيْنَا مَنْظَرًا شبيها به. قَالَ أَنَسٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَوْمَ دَخَلَ عَلَيْنَا ويوم قبض، فلم أر يومين شبيها بِهِمَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنِ الْأَصَمِّ عَنْ مُحَمَّدِ بن إسحاق الصنعاني عَنْ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ بِنَحْوِهِ- أَوْ مِثْلِهِ- وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ. قَالَ: وَخَرَجَ النَّاسُ حِينَ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي الطُّرُقِ وَعَلَى الْبُيُوتِ وَالْغِلْمَانُ وَالْخَدَمُ يَقُولُونَ: اللَّهُ أَكْبَرُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ جَاءَ مُحَمَّدٌ، اللَّهُ أَكْبَرُ جَاءَ مُحَمَّدٌ، اللَّهُ أَكْبَرُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ. فَلَمَّا أَصْبَحَ انْطَلَقَ وَذَهَبَ حَيْثُ أُمِرَ. وقال البيهقي أخبرنا أبو عمر والأديب أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ سَمِعْتُ أَبَا خَلِيفَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَائِشَةَ يَقُولُ:
لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المدينة جَعَلَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَقُلْنَ:
طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا
…
مِنْ ثَنِيَّاتِ الْوَدَاعْ
وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا
…
مَا دَعَا للَّه دَاعْ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَنَزَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَذْكُرُونَ يَعْنِي حِينَ نَزَلَ- بِقُبَاءَ عَلَى كلثوم ابن الْهِدْمِ أَخِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمَّ أَحَدِ بَنِي عُبَيْدٍ، وَيُقَالُ بَلْ نَزَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَيَقُولُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ: إِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِ كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ جَلَسَ لِلنَّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَزَبًا لَا أَهْلَ لَهُ، وَكَانَ يُقَالُ لِبَيْتِهِ بَيْتُ الْعُزَّابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَنَزَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى خُبَيْبِ بْنِ إِسَافٍ أَحَدِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بِالسُّنْحِ وَقِيلَ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَقَامَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَأَيَّامَهَا حَتَّى أَدَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوَدَائِعَ التِي كَانَتْ عِنْدَهُ، ثُمَّ لَحِقَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ مَعَهُ على كلثوم بن الهدم فكان على ابن أبى طالب إنما كَانَتْ إِقَامَتُهُ بِقُبَاءَ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ. يَقُولُ كَانَتْ بِقُبَاءَ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا مُسْلِمَةٌ، فَرَأَيْتُ إِنْسَانًا يَأْتِيهَا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَيَضْرِبُ عَلَيْهَا بَابَهَا فَتَخْرُجُ إِلَيْهِ فَيُعْطِيهَا شَيْئًا مَعَهُ فَتَأْخُذُهُ، فَاسْتَرَبْتُ بِشَأْنِهِ فَقُلْتُ لَهَا يَا أَمَةَ اللَّهِ مَنْ هَذَا الَّذِي يَضْرِبُ عَلَيْكِ بَابَكَ كُلَّ لَيْلَةٍ فَتَخْرُجِينَ إِلَيْهِ فَيُعْطِيَكِ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ لَا زَوْجَ لَكِ؟ قَالَتْ: هَذَا سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ،
وَقَدْ عَرَفَ أَنِّي امْرَأَةٌ لَا أَحَدَ لِي فَإِذَا أَمْسَى عَدَا عَلَى أَوْثَانِ قَوْمِهِ فَكَسَرَهَا ثُمَّ جَاءَنِي بِهَا فَقَالَ احْتَطِبِي بِهَذَا، فَكَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يَأْثُرُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حِينَ هَلَكَ عِنْدَهُ بِالْعِرَاقِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقُبَاءَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَسَّسَ مَسْجِدَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وبنو عمرو ابن عَوْفٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَكَثَ فِيهِمْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ عليه السلام أَقَامَ فِيهِمْ ثماني عشر لَيْلَةً.
قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ عليه السلام أَقَامَ فِيهِمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَحَكَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ يَزِيدَ بن حارثة أَنَّهُ. قَالَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا- يَعْنِي فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقُبَاءَ- اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً. وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَيُقَالُ أَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَدْرَكَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةُ فِي بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَصَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي فِي بطن الوادي- وادي رانوناء- فكان أَوَّلَ جُمُعَةٍ صَلَّاهَا بِالْمَدِينَةِ. فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَالِمٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ. قَالَ: «خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» لِنَاقَتِهِ فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا. فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا وَازَتْ [1] دَارَ بَنِي بَيَاضَةَ تَلَقَّاهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ فَقَالُوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ؟ قَالَ «خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا. فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا مَرَّتْ بِدَارِ بَنِي سَاعِدَةَ اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا في العدد وَالْمَنَعَةِ. قَالَ «خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا وَازَتْ دَارَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فقالوا: يا رسول هَلُمَّ إِلَيْنَا إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ. قَالَ «خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا مَرَّتْ بِدَارِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ- وَهُمْ أَخْوَالُهُ- دِنْيَا أُمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، سَلْمَى بِنْتُ عَمْرٍو إِحْدَى نِسَائِهِمْ، اعْتَرَضَهُ سَلِيطُ بْنُ قيس وأبو سليط أسيرة بن خَارِجَةَ [2] فِي رِجَالٍ مَنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى أَخْوَالِكَ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ؟ قَالَ «خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إذا أتت دار بنى مالك بن
[1] في المصرية: دارت، وفي الحلبية: وازت، وفي ابن هشام: وازنت. وذلك في جميع المواضع.
[2]
كذا في الأصلين، وفي الاصابة أسير بن عمرو بن قيس أبو سليط البدري. وفي ابن هشام أبو سليط أسيرة بن أبى خارجة.
النَّجَّارِ بَرَكَتْ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ عليه السلام الْيَوْمَ، وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مِرْبَدًا لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ مِنْ بنى مالك ابن النَّجَّارِ، وَهُمَا سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ ابْنَا عَمْرٍو، وَكَانَا في حجر معاذ بن عَفْرَاءَ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُمَا كَانَا فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ فِي طَرِيقِهِ بعبد الله بن أبىّ بن سَلُولَ وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ فِي أَنْفُسِهِمْ- فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ انْظُرِ الَّذِينَ دَعَوْكَ فَانْزِلْ عَلَيْهِمْ فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَعْتَذِرُ عَنْهُ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا نُرِيدُ أَنْ نَعْقِدَ عَلَى رَأْسِهِ التَّاجَ وَنُمَلِّكَهُ عَلَيْنَا.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ قَدِ اجْتَمَعُوا قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَمَشَوْا حَوْلَ نَاقَتِهِ لَا يَزَالُ أَحَدُهُمْ يُنَازِعُ صَاحِبَهُ زِمَامَ النَّاقَةِ شُحًّا عَلَى كَرَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتَعْظِيمًا لَهُ وَكُلَّمَا مَرَّ بِدَارٍ مِنْ دَوْرِ الْأَنْصَارِ دَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ فَيَقُولُ صلى الله عليه وسلم «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ فَإِنَّمَا أَنْزِلُ حَيْثُ أَنْزَلَنِي اللَّهُ» فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَى دَارِ أَبِي أَيُّوبَ بَرَكَتْ بِهِ عَلَى الْبَابِ فَنَزَلَ فَدَخَلَ بَيْتَ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى ابْتَنَى مَسْجِدَهُ ومساكنه. قال ابْنُ إِسْحَاقَ: لَمَّا بَرَكَتِ النَّاقَةُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْزِلْ عَنْهَا حَتَّى وَثَبَتْ فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يُثْنِيهَا بِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَبْرَكِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَبَرَكَتْ فِيهِ، ثُمَّ تَحَلْحَلَتْ وَرَزَمَتْ وَوَضَعَتْ جِرَانَهَا فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَاحْتَمَلَ أَبُو أَيُّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ رَحْلَهُ فَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَنَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَ عَنِ الْمِرْبَدِ لِمَنْ هُوَ؟ فقال له معاذ بن عَفْرَاءَ هُوَ يَا رَسُولُ اللَّهِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ ابْنَيْ عَمْرٍو وَهُمَا يَتِيمَانِ لِي وَسَأُرْضِيهُمَا مِنْهُ فَاتَّخِذْهُ مَسْجِدًا، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْنَى وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِ أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.
وَسَتَأْتِي قِصَّةُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا أبو الحسن على بن عمرو الْحَافِظُ ثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلَدٍ الدُّورِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ إسماعيل ابن أَبِي الْوَرْدِ ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صِرْمَةَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَلَمَّا دَخَلْنَا جَاءَ الْأَنْصَارُ بِرِجَالِهَا وَنِسَائِهَا فَقَالُوا: إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ «دَعُوا النَّاقَةَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» فَبَرَكَتْ عَلَى بَابِ أَبِي أيوب فخرجت جوار من بنى النجار يضر بن بِالدُّفُوفِ وَهُنَّ يَقُلْنَ:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ
…
يَا حَبَّذَا مُحَمَّدٌ مِنْ جَارِ
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «أتحبونني؟» فَقَالُوا: إِي وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكُمْ، وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكُمْ، وَأَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكُمْ» هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ، وقد خرجه الحاكم في مستدركه كما يروى. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحَّاسُ الْمُقْرِئُ بِبَغْدَادَ ثَنَا عُمَرُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَلَبِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ الْمِصِّيصِيُّ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَيٍّ مِنْ بَنِي النجار، وإذا جوار يضر بن بِالدُّفُوفِ يَقُلْنَ:
نَحْنُ جَوَارٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ
…
يا حبذا محمد بن جَارِ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يعلم الله أن قلبي يحبكم» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ بِهِ. وَفِي صَحِيحِ البخاري عن مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ مُقْبِلِينَ- حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مِنْ عُرْسٍ- فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُمْثِلًا فَقَالَ «اللَّهمّ أَنْتُمْ مِنْ أحب الناس إلى» قالها ثلاث مرات. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. قَالَ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ، وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَابٌّ لَا يُعْرَفُ، قَالَ فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ فَيَقُولُ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ: هذا الرجل يهديني السبيل، فيحسب الحاسب إِنَّمَا يَهْدِيهِ الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي سَبِيلَ الْخَيْرِ. فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ قَدْ لَحِقَهُمْ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ «اللَّهمّ اصْرَعْهُ» فَصَرَعَتْهُ فرسه ثم قامت تحمحم، ثم قال: مرني يا نبي الله بما شئت. فقال «قِفْ مَكَانَكَ وَلَا تَتْرُكْنَ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا» . قَالَ فَكَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ. قَالَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَانِبَ الْحَرَّةِ ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَاءُوا فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا وَقَالُوا اركبا آمنين مطاعين. فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بكر وحفوا حولهما بالسلاح، وقيل فِي الْمَدِينَةِ:
جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَشْرَفُوا نَبِيَّ اللَّهِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ. قَالَ فَأَقْبَلَ يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ إِلَى جَانِبِ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ فَإِنَّهُ لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهُوَ فِي نَخْلٍ لأهله يحترف لهم، فعجل أن يضع الّذي يحترف فيها فجاء وهي معه، وسمع مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا أَقْرَبُ؟ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، هَذِهِ دَارِي وَهَذَا بَابِي قَالَ فَانْطَلِقْ فَهَيِّئْ لَنَا مَقِيلًا، فَذَهَبَ فَهَيَّأَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ هيأت مَقِيلًا قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَقِيلَا، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيُّ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَّكَ جِئْتَ
بِحَقٍّ وَلَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فسلهم، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَيْلَكُمُ اتقوا الله فو الله الذي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا وَأَنِّي جِئْتُ بِحَقٍّ أَسْلِمُوا» . فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُهُ، ثَلَاثًا. وَكَذَا رَوَاهُ البخار مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ غَيْرِ مَنْسُوبٍ عَنْ عبد الصمد به [1] قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ أَبِي رُهْمٍ السَّمَاعِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ. قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي نَزَلَ فِي السُّفْلِ، وَأَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ فِي الْعُلْوِ، فَقُلْتُ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَكْرَهُ وَأُعْظِمُ أَنْ أَكُونَ فَوْقَكَ وَتَكُونَ تَحْتِي، فَاظْهَرْ أَنْتَ فَكُنْ فِي الْعُلْوِ وَنَنْزِلُ نَحْنُ فَنَكُونُ فِي السُّفْلِ، فَقَالَ «يَا أَبَا أَيُّوبَ إِنَّ أَرْفَقَ بِنَا وَبِمَنْ يَغْشَانَا أَنْ أَكُونَ فِي سُفْلِ الْبَيْتِ» فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سُفْلِهِ وَكُنَّا فَوْقَهُ فِي الْمَسْكَنِ.
فَلَقَدِ انْكَسَرَ حُبٌّ لَنَا فِيهِ مَاءٌ، فَقُمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ بِقَطِيفَةٍ لَنَا مَا لَنَا لِحَافٌ غَيْرَهَا نَنْشُفُ بِهَا الْمَاءَ تَخَوُّفًا أَنْ يَقْطُرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَيْءٌ فَيُؤْذِيَهُ، قَالَ وَكُنَّا نَصْنَعُ لَهُ الْعَشَاءَ ثُمَّ نَبْعَثُ إِلَيْهِ فَإِذَا رَدَّ عَلَيْنَا فَضْلَةً تَيَمَّمْتُ أَنَا وَأُمُّ أَيُّوبَ مَوْضِعَ يَدِهِ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نَبْتَغِي بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ، حَتَّى بَعَثْنَا إِلَيْهِ لَيْلَةً بِعَشَائِهِ وَقَدْ جَعَلْنَا لَهُ فِيهِ بَصَلًا- أَوْ ثُومًا- فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَرَ لِيَدِهِ فِيهِ أَثَرًا، قَالَ فَجِئْتُهُ فَزِعًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي رَدَدْتَ عَشَاءَكَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ مَوْضِعَ يَدِكَ؟ فَقَالَ «إِنِّي وَجَدْتُ فِيهِ رِيحَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَأَنَا رَجُلٌ أُنَاجَى فَأَمَّا أَنْتُمْ فَكُلُوهُ» قَالَ فَأَكَلْنَاهُ وَلَمْ نَصْنَعْ لَهُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بَعْدُ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ- أَوْ أَبِي الْخَيْرِ- مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ أَبِي رُهْمٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبِ عَنِ اللَّيْثِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الْحِيرِيُّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ ثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عَلَيْهِ فَنَزَلَ فِي السُّفْلِ وَأَبُو أَيُّوبَ فِي الْعُلْوِ فانتبه أبو أيوب فَقَالَ: نَمْشِي فَوْقَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! فَتَنَحَّوْا فَبَاتُوا فِي جَانِبٍ، ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي فِي ذَلِكَ- فَقَالَ:«السُّفْلُ أَرْفَقُ بِنَا» فَقَالَ لَا أَعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا، فَتَحَوَّلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الْعُلْوِ، وَأَبُو أَيُّوبَ فِي السُّفْلِ فَكَانَ يَصْنَعُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا، فَإِذَا جِيءَ بِهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ، فَلَمَّا رُدَّ إِلَيْهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ لَهُ لَمْ يَأْكُلْ فَفَزِعَ وَصَعِدَ إِلَيْهِ فَقَالَ أَحَرَامٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ» قَالَ فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ- أَوْ مَا كَرِهْتَ- قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يأتيه الملك. رواه مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ بِهِ، وَثَبَتَ في
[1] هكذا في الأصلين مقتضبا والخبر بطوله في البخاري في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الى المدينة فراجعه.
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: جِيءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَدْرٍ [1] وفي رواية بقدر فيه خضروات مِنْ بُقُولٍ، قَالَ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا فلما رآها كَرِهَ أَكْلَهَا، قَالَ:«كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» وَقَدْ رَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِ أَبِي أَيُّوبَ أَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ عِنْدَهُ، وَرَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوَّلُ هَدِيَّةٍ أُهْدِيَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَزَلَ دَارَ أَبِي أَيُّوبَ أَنَا جِئْتُ بِهَا، قَصْعَةٌ فِيهَا خُبْزٌ مَثْرُودٌ بِلَبَنٍ وَسَمْنٍ، فَقُلْتُ أَرْسَلَتْ بِهَذِهِ الْقَصْعَةِ أُمِّي، فَقَالَ:«بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ» وَدَعَا أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا، ثُمَّ جَاءَتْ قَصْعَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ثَرِيدٌ وَعِرَاقُ لَحْمٍ، وَمَا كَانَتْ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَعَلَى بَابِ رسول صلى الله عليه وسلم الثلاث وَالْأَرْبَعَةُ يَحْمِلُونَ الطَّعَامَ يَتَنَاوَبُونَ، وَكَانَ مُقَامُهُ فِي دَارِ أَبِي أَيُّوبَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ وَبَعَثَ رسول صلى الله عليه وسلم وَهُوَ نَازِلٌ فِي دَارِ أَبِي أَيُّوبَ- مَوْلَاهُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وأبا رافع ومعهما بعيران وخمسمائة درهم ليجئا بِفَاطِمَةَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجَتِهِ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَكَانَتْ رُقَيَّةُ قَدْ هَاجَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُثْمَانَ، وَزَيْنَبُ عِنْدَ زَوْجِهَا بِمَكَّةَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَجَاءَتْ مَعَهُمْ أُمُّ أَيْمَنَ امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَخَرَجَ مَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِعِيَالِ أَبِي بَكْرٍ وَفِيهِمْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍو الْعُكْبَرِيُّ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَنَا عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ ثَنَا صِدِّيقُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَاسْتَنَاخَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ بَيْنَ دَارِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَبَيْنَ دَارِ الْحَسَنِ بْنِ زَيْدٍ، فَأَتَاهُ النَّاسُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَنْزِلُ. فَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ» ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ حَتَّى جاءت موضع المنبر فاستناخت ثم تحللت، وثم عريش كانوا يعرشونه وَيَعْمُرُونَهُ وَيَتَبَرَّدُونَ فِيهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَاحِلَتِهِ فِيهِ فَآوَى إِلَى الظِّلِّ فَأَتَاهُ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ مَنْزِلِي أَقْرَبُ الْمَنَازِلِ إِلَيْكَ فَانْقُلْ رَحْلَكَ إِلَيَّ؟ قَالَ نَعَمْ! فَذَهَبَ بِرَحْلِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ، ثُمَّ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَحِلُّ؟ قَالَ «إِنَّ الرَّجُلَ مَعَ رَحْلِهِ حَيْثُ كَانَ» وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَرِيشِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً حَتَّى بَنَى الْمَسْجِدَ، وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه، حَيْثُ نَزَلَ فِي دَارِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ محمد ابن عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ أَبُو أَيُّوبَ الْبَصْرَةَ- وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَائِبًا عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَخَرَجَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ دَارِهِ حَتَّى أَنْزَلَهُ فِيهَا كَمَا أَنْزَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِهِ، وَمَلَّكَهُ كل ما أغلق عليها بابها. ولما أراد الانصراف أعطاه ابن
[1] أي بطبق، شبه بالبدر في استدارته. عن النهاية.
عَبَّاسٍ عِشْرِينَ الْفًا، وَأَرْبَعِينَ عَبْدًا. وَقَدْ صَارَتْ دَارُ أَبِي أَيُّوبَ بَعْدَهُ إِلَى مَوْلَاهُ أَفْلَحَ. فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَصَلَّحَ مَا وَهَى مِنْ بُنْيَانِهَا وَوَهَبَهَا لِأَهْلِ بَيْتٍ فُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَكَذَلِكَ نُزُولُهُ عليه السلام فِي دَارِ بَنِي النَّجَّارِ وَاخْتِيَارُ اللَّهِ لَهُ ذلك منقبة عظيمة وَقَدْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ دُورٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ تِسْعًا كُلُّ دَارٍ مَحَلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِمَسَاكِنِهَا وَنَخِيلِهَا وَزُرُوعِهَا وَأَهْلِهَا، كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِهِمْ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي مَحَلَّتِهِمْ وَهِيَ كَالْقُرَى الْمُتَلَاصِقَةِ، فَاخْتَارَ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ» فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: مَا أَرَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا فَقِيلَ قَدْ فَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ: هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بن ربيعة، ومن حديث عبادة بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ سَوَاءً. زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، فَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَ الْأَنْصَارَ فَجَعَلَنَا آخِرًا، فَأَدْرَكَ سَعْدٌ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَيَّرْتَ دُورَ الْأَنْصَارِ فَجَعَلْتَنَا آخِرًا؟ قَالَ: «أَوَ لَيْسَ بِحَسْبِكُمْ أن تكونوا من الأخيار» قَدْ ثَبَتَ لِجَمِيعِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ المدينة وهم الأنصار الشرف والرفعة لي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 9: 100 وقال تعالى وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 59: 9 وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهُمْ، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» وَقَالَ «الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي» وَقَالَ «أَنَا سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَهُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَهُمْ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ ثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْأَنْصَارُ لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أُبْغَضَهُ اللَّهُ» وَقَدْ أَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جبير عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أيضا عن أبى الوليد [و] الطَّيَالِسِيِّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَرْبَعَتُهُمْ
عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الْأَنْصَارِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ أَحَدُ شُعَرَاءِ الْأَنْصَارِ فِي قُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِمْ وَنَصْرِهِمْ إِيَّاهُ وَمُوَاسَاتِهِمْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ أَيْضًا يَذْكُرُ مَا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ رَسُولِهِ عليه السلام:
ثَوَى فِي قريش بضع عشرة حجة
…
يذكر لو يلقى صَدِيقًا مُوَاتِيَا
وَيَعْرِضُ فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ
…
فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ دَاعِيَا
فلما أتانا واطمأنت به النوى [1]
…
وَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطَيْبَةَ رَاضِيَا
وَأَلْفَى صَدِيقًا وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ النَّوَى
…
وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنَ اللَّهِ بَادِيَا
يَقُصُّ لَنَا مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ
…
وَمَا قَالَ مُوسَى إِذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا
فَأَصْبَحَ لَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ وَاحِدًا
…
قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنَ النَّاسِ نَائِيَا [2]
بَذَلْنَا لَهُ الْأَمْوَالَ من جل [3] مَالِنَا
…
وَأَنْفُسَنَا عِنْدَ الْوَغَى وَالتَّآسِيَا
نُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ
…
جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُوَاسِيَا
وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ
…
وَأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَصْبَحَ هَادِيَا [4]
أَقُولُ إِذَا صَلَّيْتُ فِي كُلِّ بِيعَةٍ
…
حَنَانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيْنَا الُأَعَادِيَا
أَقُولُ إِذَا جَاوَزْتُ أَرْضًا مُخِيفَةً
…
تَبَارَكْتَ إِسْمَ اللَّهِ أَنْتَ الْمُوَالِيَا
فَطَأْ مُعْرِضًا إِنَّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ
…
وَإِنَّكَ لَا تُبْقِي لنفسك باقيا
فو الله مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ سَعْيُهُ
…
إِذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللَّهَ وَاقِيَا
وَلَا تَحْفِلُ النَّخْلُ الْمُعِيمَةُ [5] رَبَّهَا
…
إِذَا أَصْبَحَتْ رِيًّا وَأَصْبَحَ ثَاوِيَا
ذَكَرَهَا ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَرَوَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدٍيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَجُوزٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَخْتَلِفُ إِلَى صِرْمَةَ بْنِ قيس يروى هذه الأبيات. رواه البيهقي.
[1] والّذي في ابن هشام: فلما أتانا أظهر الله دينه.
[2]
كذا في المصرية، وفي ابن هشام والّذي في الحلبية: باغيا.
[3]
كذا في المصرية بالجيم ومعناه: العظام الكبار من الإبل أو معظم كل شيء، وفي الحلبية وابن هشام بالحاء المهملة.
[4]
والذي في ابن هشام: ونعلم أن الله أفضل هاديا، وأيضا في ابن هشام اختلاف بسيط عن هذه الرواية في بعض الأبيات.
[5]
في الأصل (مقيمة) بالقاف والتصحيح عن الخشنيّ.